Skip to main content

Full text of "مجلة فصول"

See other formats







ا س ی ھر لق ل ا م لح سيد 


ب ب سس 





إصول 


مج لنت دادو ر 


ا 


N 


رئيس سجلس الإدارة: سهير سرحان 





رئيس التمسرير ؛ جساير صفور 
ناشب رئيس التحرير ؛ سدى وصنى 
الإخضراج النسسنىن ؛ مخصود القاضى 
مدير التسصرير : حسسين حسودة 


الت سسسير يسسسر . خسساز م a E‏ 
فسا تيسة ند یل 














سب حجر تسسارية. أسال ا چ 





ل الأمعار فى الا“ العرية 1 
الريك ٠۷١١‏ ديار العودبة "١‏ ريال ۳ لہا ۔ للفےرب ۵ دہھے ۔ ملبلة ۳ 
ب هم ب ملبلئة عساك ۳ ريال - 
لرا ٣‏ دينايك البيات ۰ رة البحسرين ١‏ ديار العمهووية البمتبة ٠١١‏ ريال الأردث ٭ ٦,‏ دينار- تر ٠‏ ريال 
غَرَة/ الشدس ۳ا لار ترنس © دار الإسارات 717 فرهم ‏ السردان ۷ جشیھا۔ الجرشر ۲۹ دہتار ۔ ليبيا ٠.0‏ ذينار 


EL‏ ابر شی * 7 فرقم 
« الاشتراكات من الداحل 
عن منة 1 أربعة أعدلد 2 ٠‏ قرشا + مصاريف اليد ٠٠١‏ قرشأ , ثرسا. الاشتراكات بحوالة بريدية حمكومية . 


2 الاشعراكات س الخارج : 
عن منة ( أربعة أعداد 4 ١8‏ حرلارا للأتراد . 4؟ درلار؟ للهيثات. . مشا إليها مساريي البريد ١‏ اليلاد العربية ‏ ما يعامل 


. ) دولارا‎ 1١ - أمريكا رأيريبا‎ ١ ) دولاراث‎ "١ 
مس ج و ی‎ 





© ترسل الاشتراكات علي العنوان التالى : 
مجلة ١‏ فسول ؛ الهيثة المصرية العامة للاكتاب ‏ شارع كورنيش التبل ‏ بولاف - القاهرة ج Erp‏ 
تيفوت : *دء قلا va fT Ya TT Yo e‏ فاكس :151هبا 

_ ي ل “> 


ISSN 1110-0702 





lal 


الحزء الأول 


9 فسى هذا العدد ل//7|||||اااااااالللقتنة|ا ااا االمااالاللنطا امال لل لمالا 


قا . اع 
- مداخل تأملية لرؤية النص الشعرى اع يك ١0‏ 


- الواحد / المتعدد : البنية المعرفية والعلاقة بين النص والعالىي كسس هسسال أبو ديب ٤١‏ 





ن غر - منهج فى التحليل النصى للنصيدة محمد حماسة عبد اللطبيفل ۸ء٠‏ 
عد اكب - الشعر العربى الحديث : مسألة القراءة ا 
سف ۱۹4٩1‏ - فى لا ججدوى الشعر E‏ 1 
ل ا ار ررد در على جف السلا 006 
- القصيدة الجديدة بين التجديد والتجدد ا A‏ 
- حيط التراث فى نسيج الشعر العربى الحديث عسيسد النيى اصطيف ١184‏ 
- الكتابة الشعرية والتراث اتا تت 0 
- حلم غابر وجد مقيم ا 
- لاذا نر كت الحصان وحيداً فنخرى صالح ۲١۹‏ 
- أشراك الغوايات نادد £ 


الام _سدم ااانا اس ااا الما اماما الوا ممما اماملا اللا 


ی 





E 


© آفاق نقدية 
- اشر دون نظم 


© ناقشات 
اعادة بتاع الشعر العربى اتصديث 


© آفاق تراثية 
- عمر الشعر الجاهلى 


© يلف بإدؤاز الخخراط 
- إذإا)الخراط إناقناا جماليا 
المطكيقينا : صورة الفنان فى شيخوخته 
د وخوت تعجلنی رعلی انحا شتی 
إدوار الخرا مترجما 
السورة الشعرية وشعرية الصورة 
الأننىء الإسكندرية ؛ الماوراء 
ملاحظات على أعمال إدوار الخراط 


مس1 الالالال سقس اناالا اللا 





تلسسيسوؤوروف 3 
رقعت ا 1 
0 
عادل ملبسسان 4ه 
محمود أمين العالم ١١‏ 
فريال جبورى غرزول ١١‏ 
شاكر عبد الحسيد ”؟ 
ماهر شفقيي فريد 14١‏ 
بليد ال شاب ۸ 
مسر الرجى 1 
سل امى على 1 
|/[االلالا 


ملم لبط لامالا طقل 





كا — 


جائزة احمد حجازى 


ْ منذ أقل من ثلاثة أشهر» وبيدنما نستعد لإصدار عدد حاص من أعداد مجلة فصول عن الشعر العربى 
عاصر» أخبرئى الصديق أحمد عبدالمعطى حجازى أنه حصل على جائزة الكاتب الكوتجولى تشيكايا أوتامسى 
شعر الأفريقى التى يمنحها المنتدى العربى الأفريقى » المعدى الذى ابتدعه؛ فى أصيلة» ويشرف عليه ويرعاه 
حمد سن عيسى ' دينامو الممل الثعافى الذى يستحلق التصديز على جهوده الاصيلة» والتحية على إجازاته فی 
سيلة التى أصبحت ملتقى عالميا للإبداع والفكر. أسعدنى الخبر الذی ابلننی به حجازى عبر الهاتف» فالجائزة 
. كبرى الجوائز التى حصل عليها إلى الآن, وأرجو أن تكون بداية جوائز أخرى يحصل عليها الصديق المبدع 
تی أثرى حياتنا العربية بإبداعه المتميز. وحدثنى حجازی عن ترتيبات الاحتفال الخاص بتكريمه فى أصيلة » 
يعاق إلى المشاركة»ووعدته بالذهاب والإسهام» وأسررت فى نفسى نوعا خاصا من التكريم نقوم به فى مجلة 
نصول» لكنى لم أخبره بما اعتزمته حتى لا تفسد المقاحاة: 
ودارت الايام و حملتنا الشواديف من هداة النهر كما يقول امل دنقل» تلميذ حجازى النايه, واخحذنا 
فی الاستعداد للسفر إلى أصيلة. لكن جاءت شواغل العمل الرسمى الحكومى بما لا يشتهيه النقاد والمبدعوث» 
فاعتذرت عن الإسهام فی اللحظة الأخيرة؛ واستبدلت » مضطراء جهامة الروتين الرسمى ببيجة الاحتفاء بصدیق 
مبدع» كما استبدلت» نادماء نثرية العمل الوظيفى الزائل بشعرية الاحتفاء النقدى الباقى. غير أن شمن ظل 
معلا بأصيلة. وجدانى مع أحمد حجازى الحتفى به هناك. وعقلى مع المبدعين والنقاد الذين أحاطوا به يتبادلون 
حول شعره الرأى والتأويل » ويبرزوك من هذا الشعر الا بعاد التى التفعت إليها لجنة التحكيم» خاظة ما اكفعفت عنه 
منح الجائرة لايد حجازی بما ينطوى عليه شعرة من جودة عالية» تمثل الحركة الحديثة فى الشعر العربى 
والمصرى فى توجهها الطليعى؛ وعلى أساس ما يمثله هذا الشعر من حضور إبداعى للهوية القومية التى هى الجوهر 
الأصيل لكل من عرفوا معنى مقاومة الاستعمار والتبعية؛ وعلى أساس ما يحققه هذا الشعر من وحدة العام 








الإنسان فى كل مكان؛ وبواسطة أسلوب متدفق» يموج بالتوتر الذى لا يتعالى على قارئه؛ أو يغمض عليه بما / 
يبين. وجاء فى كلمة هنرى لوبيز أنهم يحتفلون بحجازى لأنه شاعر من مصر التى هى انعكاس لأفريقيا كلها 
ولأنهم ينظرون باحترام بالغ» فى جنوب الصحراء الأفريقية» إلى أهرام الحضارة الفرعونية التى تظلل شعر حجازى 
الضارب بجذوره فى أعماق الهوية العربية. 

أعجبتنى هذه المعانى؛ أو- قل أعجبنى مابلغنى منها على وجه التحديد؛ فهى معان تمس العصب 
سبقوه أو رافقوه فى المغامرة العظمى لقصيدة الشعر الحر. وأتصور أن إسهام حجازى الخاص» فى هذه المغامرة؛ 
يرجع؛ مخديداء إلى معاناته الإبداعية فى اكتشاف هريته الخاصة فى علاقتها بالهوية القومية؛ وتأسيسهاء لا من 
حيث هى هوية ثابتة» سابقة الصنع؛ هابطة من الأعلى إلى الأدنى ؛ مكتملة الحضور منذ اللحظة الأولى لوجودهاء 
وإنما من حيث:هى هوية لا تترك عنصرها الأصلى الذى بدأت منه فى حال من الحضور المفارق» وإنما تمضى به 
فى سفر من التحولات التى لا تنغلق على نفسهاء والتوترات التى لا تنحل بين نقائض متعددة» فهو هوية إبداعية 
لا تكف عن اكتشاف متغيراتها؛ رغم حنينها إلى أصلهاء وتجتلى نفسها بالقدر الذى مختلى غيرهاء لأنها لا 
تتعرف حضورها المائز إلا بواسطة علاقتها بالآخرء حتى لو كانت هذه العلاقة ضدية بالدرجة الأولى؛ يلعب فيها 
الآخر دور النقيض أو الغريم» فالضدية تعريف للهوية على جهة الخلفء كالقرية التى لاتعرف نفسها إلا بأنها 
نقيض المدينة» والمدينة التى لا تتميز إلا فى تضادها مع القرية» والانا القومية التى لم تتحدد إلا فى تعارضها مع 
الحضور العدائى للاخر. أعنى الحضور الذى يدفع الذات إلى الغوص فى وجودها الفردى لتعثر على وجودها 
الجمعى کی تتدعم به ف مواجهة الآخر» والعكس صحيح بالقدر نفسه» فالوجود الجمعى 00 هذه الذات هر 
درعها الذى وصل بين عالمى القر ية والمدينة فى شعر حجازى؛ متجاوزا تعارضاتهما الثانوية إلى التعارض الأساسى 
الذى رد الأنا القومية إلى حقلها الدلالى فى مواجهة الآخرء فغدت حصن الفلاحين الفقراء» حضن العمال 
الغرباء» سيفاء وحصاناء ونشيداء فى زمن الزعيم البطل الذى رأيناه يوم الأمانى» ونحن نغنى فى الطريق» قبل مرثية 
العمر الجميل» فكانت هامته المرفوعة وقع نخطانا فى الزمن الآتى بالأنجم الخضراء. 

ولم يكن من المصادفة أن يرل شعر حجازی من القرية إلى المدينة , ليتعرف هويته فی رحلة من التعارض » 
مدركا معزى القرية فى نقيضهاء ومعنى, المدينة بالقياس إلى أصلها الذى فارقته› وبالقياس إلى نقائضها الجديدة 
التى أصبحت عنصرا حاسما فى تخديد الأفق الدلالى للهوية؛ وذلك فى حال من التحول الذى ظل منطويا على 
العود المتكر ر إلى الجذر الذى يؤكد الأصل » ويدعم الهوية فى علاقاتها الخلافية بأضدادهاء ضمن سياق لا 
يدهشنا ال الفا فيه مذ الخسببات: 

«أرأيت إلى ورق غادر شجره 
هل يستوطن شجرا آخر؟' 


هل تهوى إلا صاحبها الأول؟!». 


ر ا 


لك قول لا يؤكد العود على البدء من ظاهر الدلالة رحدهاء وإنما يبنى الدلالة نفسها بما يؤكدها من حركة 
لبيمة والكائنات» بواسطة التشبيه العمثيلى الذى هو نوع من قياس الأشباه على النظائر فى محاجة الإقناع أو 
ياس الشعرى» ومن ثم برهنة العود على البدء بقانون من قوانين الطبيعة» ووصل القانون الطبيعى بما يبدو كأنه 
نون شعورى» فى الإشارة إلى بعض ميراث الهوية الشعرية» وعلى سبيل التناص مع بيتى أبى تمام: 
نقّل فؤادك حيث شثت من الهوى 
ما الح بإلا للحبيب الأول 
كم منزل فى الارض يألفه القفتى 
وحنيئه أب دالارل منزل 


المنزل الأول فى بيت أبى تمام كالحب الأول الذى يصل مابين حجازى وسلفه القديم فى تأكيد معنى العود 
على البدءء أو تأكيد رمزية الأصل فى الدلالة المجازية لتلك الشجرة التى تنتمى إليها قصائد حجازى؛ تلك التى 
ورقت على ایلیا مد ا کر من اون عاماء ولانزال واعدة بالعطاء» والتى لم ترتخل عن جذورها إلا لتعود 
ليهاء حاملة فى كل مرة من الخبرات والكشوف والحدوس ما يزيدها وعيا بالجذورء ويزيدنا حرصا عليها. فارتالها 
عن الأصل الذى انطلقت منه ارتخال العاشق الذى بطلب بعد الدار ليقرب المعشوق» والصوفى الذى يجافينا ليعرفنا 
فى حال من بعد القرب» أو قرب البعد الذى يتسع بحدقتى الباصرة والبصيرة كى يرى الرائى ما لم يكن يرى٠‏ 
والرائى هو الشاعر الذى ارخخل من القرية إلى المدينة» وارتحل فى المدينة ليرى القرية» وارتخل عن المدينة إلى 
أشباهها ليراها فى حال من القرب» وإلى نقائضها البعيدة ليراها فى حال من النأى» ولكنه ظل محتفضا بالقرية فى 
قصائده؛ يتبعه دخانها كأنه علامة الهوية الأولى ومنبع الأصل والجذور. ومنذ أن فارق عامه السادس عشرء وأدرك 
أنه تغير كثيراء وأنه لابد أن يتغير أكثرء وهو يزداد إدراكا أن الساعة فى الميدان تمضىء والزمن يعدو بالعالم؛ والتغير 
هو المبدأ الزحيد الذى لا يصيبه التغيرء شأنه شأن أصل الهوية التى تتبدل مجاليهاء أو تتحول علاماتهاء لكن دون 
أن تصبح غيرها قطء أو تنقلب على نفسها انقلاب النقيض على النقيض. 

هذا الأصل » من ناحية أخرى» أشبه بهيولى لا تكتسب شكلها إلا بواسطة علتها الصورية التى تمنحها ما 
يميزها من المعنى والمغزى؛ وتضيف فى كل تشكل جديد ما يبرز بعدا من أبعادهاء فى سلسلة من التحولات التى 
تتعدد بها أشكال الأصل ؛ وتتباين التباين الذى يشير إلى مبدأه على جهتئ التضمن واللزوم. وكانت تلاك 3 2, 
المدينة فى علاقتها بنقيضها القرية التى هى أصل حضررهاء رعلاقة المدن العربية بالقاهرة التى كانت مبداً 
الحركة» وعلاقة ا ان اا یی عاو ااا ی ال وھا فی ر تجارعة. 

والمدينة فضاء التقدم فی هذا الشعرء مدى الحركة الممتد للفعل البشرى » فضاء المسجد والسجن»؛ ساحة 
الصراع الذى يحدد المصائر» أفق الوعد والوعيد الذى أدخل الشاعر تجربة الحداثة» وألقاه فى جحيمها الأرضى 
واحدا من وكائنات مملكة الليل» » بعد أن تعرف أسرار ومدينة بلا قلب» لم يجد بعدها سوى وأشجار الإسمنت). 
ولكن هذه المدينة لا قلب لها فى الظاهر فحسب. تدفعنا قسوتها إلى استعادة القرية» الجنة الضائعة؛ صدر الام » 
حضن الأب الخضرة التى لاتتبدل كالمطلقات التى لا تتغير. ولكنها المدينة الغاوية المغوية» مبدأ الغاية الذى ينقلنا 
من هيولى الوعى بالهوية إلى صورته الحددة» كما لو كان ينقلنا من الطبيعة إلى الثقافة بالمعنى الأنثروبولوجى. 








ولذلك تنتهكنا هذه المدينة» تفض بكارتنا أ براءتناء تدفع الوعى إلى أن يفارق حدوده الأولى » فيكتشف قلبا لتلك 
التى كان يظنها بلا قلبء ويصل إلى ما فى أبنيتها الجوائم من أسرار دفينة» وما فى حركة المسرعين الخطو نحو 
الخبز والمؤونة» المسرعين الخطو نحو الموت» من إشارات مبينة » كأن صوتا ما ينادى » فنجيبه: نعم؛ وننتقل من 
السؤال عن طريق السيدة إلى السؤال عن طريق الوطن» باحثين عن قائد نتصور فيه حضور الأب الذى خلفناه فى 
القرية» كى نمضى وراءه فى مواجهة الأخر النقيض» رغم العسس السارى فى هواء المدينة» حالمين بلؤلؤة العدل, 
لولوؤة المستحيل الفريدة. 
هكذا حولت المدينة التى كانت بلا قلب فى شعر حجازى إلى واسطة عقد متمائل الحبات؛ يضم كل 

المدن العربية» فى مسعى الجماهير التى تدافعت وراء قائد أذاقها حلاوة النصر التى عائقت السنى»؛ فأصبحت 
القاهرة بغداد التى محلم كالبذور فى الشرى بعيد الاخضرار» ومصر الوجه الآخخر من سوريا التى تقاوم الرياح 
البدائيةء وصبى بيروت امتداد صبى الازهر الذى نقش أسم ناصر على الجدران» وجميلة بوحريد نوارة العصر الاتى 
لعلها تتطهر من جرذان الآحر المستعمرء الآخر النقيض الذى يسترجع الرومان» المغول» التتار» الصليبيين» 
الصهاينة؛ الإفرجة» باختصار: الغرب الذى استعمر الأمة العربية طويلاء وتخددت هويتها القومية فى تناقضها 
الجذرى معه» ضمن سياق من التعارضات الحدية فى السنوات التى شهدت صعود المشروع القومى وانتصاراته 
المدوية» السنوات التى كان على الأمة العربية فيهاء كى تؤسس حضورها فى مواجهة هذا الآخرء الاستعانة بميراثها 
الدينى ورموزها التاريخية التى ضمت عليًا بن أبى طالب الذى زعمت الأسطورة الجزائرية (الموظفة فى أوراس 
5 اأنه هو الذى فتح الجزائر» وأن آثار سنابك حصانه مازالت على صخور أوراس؛ بين كل أثر وآخر عشرون 
ذراعا هى طول خطوة الحصان» كما ضمت أمثال طارق بن زياد الذى فتح الأندلسء وصلاح الدين الأيوبى قاهر 
الصليبيين» والمعتصم الذى استرجع عمورية فأصبح رمز القائدء المنقذ العربى الجديد الذى انتظرته العراصم العربية 
كلهاء كانه بشارة الصوت الذى دامت هجرته الفا وثلاثماثة : 

«وأطل أخيرا يحدونا 

بالحرية, 

بالشعب الواحد من بغداد إلى الدار البيضاء, 

بالأارض لأبناء الفقراء». 
هذا الشعب الواحد كان مرأة الهوية العربية الواعدة التى اجتلت حضورها الإبداعى فى شعر حجازى؛» فى زمن المد 
القومى » واجتلى شعر حجازى خصوصيته فيهاء فأعانته على سين هويته التى كانت وراء حضوره الإبداعى على 
المستوى القومى» الحضور الذى عرفناه بواسطة تقنياته المائرة : التعارضات الحدية للثنائيات الضدية بين الأنا والآخر» 
ضمهير أ لمتكلم الذى انطوى على حضور الجماعة , تضمين رموز الميراث القومى» نبرة الإنشاد التى ناسبت الإلقاء 
فى الحافل الجماهيرية؛ إيجاز الصورة الشعرية التى منحت الأولوية للتشبيه بالقياس إلى الاستعارة» وجنحت إلى 
الكناية ا شر من اجار المرسل » غلبة الجمل الفعلية المتواترة » وتوقيع الجمل نظميا بما يرد المراكيت النحوى على 
الت ركيب العروضى » أو العكس » موازنا بين الاثنين» دول تدوير يرهق الإنشاد الذى لا تلائمه التموجات البطيئة 





بض 


للمعتى» ويؤثر السبوطة الإيقاعية التى يد مراحها فى المقاطع الوزنية المتدافعة التى تؤطرها القوافى المستديرة» 
القوافى التى تختتم ما تفتتحه صيغ النداء والأمر والاستفسهام والتعجب والتكرار. أضف إلى ذلك كله الاقتراب 
الحميم من لغة الناس» الشعب» الجماهير» اللغة التى احتفنت بمفردات الحياة اليومية لشوارع مزدحمات واوطاث 
مشحونة برغبة التحرر الوطنى. وبقدر ماكانت هذه اللغة تتداص ومفردات الخطاب السياسى لتقل النبض الجماعى 
لمن يتداولونه+ ا أسطورة الشعر الخالص واللغة المجنحة والقصيدة المفارقة, كانت تؤكد ثورة الشعر باسم 
الجماهير؛ ومعجمها الحماسى» وصيغها الث تہداً من: ياعم ! من اين الطريق؟ اين طريق السيدة؟ لتسهى 
بالتراكيب المفسولة بالعرق الساخن الذى سال من أجسادنا السمراء؛ فى شوارع اجترت فى الظهيرة ماشربته فى 

«وتحن د سير عكس الريح والمدء 

نصيح بنشوة وحشية فى الشمس والصحراء؛ 

نصيح كأنما | ستيقظ فينا روحنا الغائب». 
وكانت صورة الشاعر التى ترسمها هذه اللغة تستعيد بنية المشروع القومى الذى ينتجهاء والذى كان الشاعر يعيد 
' إنتاجه فى قصائده» مؤكدا مركزية العلة فى تراتب البنية» مجسدا محورية الزعيم» القائدء المنقذء الخلص› الاب 


الذى يسقط حضورة ا م ركزرى على الشاعر فإذا هر إياه . يجمع بين الاين أفعل التفضيل الذى يستعيد» صرفياء 
م ركزية العلّة وبطري ركية البنية» وتشبيه الفارس الذى يجمع ؛ دلالياء بين القائد والشاعر؛ حين کان حصان الارل 
أحلامناء وسيفه أحزانناء بيدما كان الثانى أصغر فرسان الكلمة الذى لايكبر فرسه» وهو بلج الحلبة مختالا يثنى 
عطفه» لا يرجف أمام الفرسان؛ محاكيا الوجه الآخر من القائد الأب الذى ظل فى أفقدتنا: 

«أصفى مايكون. 

الصق مايكون بالارض وأبواب البيوت والشجر. 

أكثرنا حزناء أشدنا تفاؤلاء أبرنا بناء 


آحَنّ من صافى الندى على الثمر». 


رئيس التحرير 


جب اس لم6 


الحداتة فى الشعر. والحمهور : 
جدلية القطيعة والتواصل 





ممم 


جبرا إبراهيم جبرا * 
LL TTT‏ 


كلمة للحداثى الأول؛ اججماحظ 
و... المعانى القائمة فى صدور الناس ؛ المتصورة فى أذهانهم» والمتخلجة فى نفوسهم» والمتصلة بخواطرهم» 
والحادثة عن فکرهم؛ مستورة حفية » وبعيدة وحشية » ومحجوبة مكنونة» لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه» ولاحاجة 
أخيه وخليطه؛ ولا معنقى شريكه والمعاون له على أموره. وإنما يحبى تلك المعانى ذكرهم لهاء وإخبارهم عنهاء 
واستعمالهم إياها . وهذه الخصال ھی التى تقربها من الفنهم» وجليها للعقل» وجعل الخفى منها ظاهراء والغائب 
شاهد) والبعيد قريب ... والمهمل نقيذاء والمقيد مطلرقاء والمجهول معروقًاء والرحشى مألوفاء والغفل وما والموسوم 
E‏ 
ليان اسم جامع لكل شئع كتف لك قناع المني؛ وهتك الحجاب دون الشميره حتى يفضي الماع اى 
إنما هو الفهم والإفهام. فبأى شئ بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى: فذلك هو البيان.٠ ٠‏ 
EEO 2 1 NT‏ 
* وصلنا هذا المقال من المبدع والناقد الكبير الراحل جبرا إبراهيم جبرا قبيل 
وفاته » وادخرناه لهذا العدد. 


وف و ج ص 


جبر إبراهيم جبرا 


البيان والتبيين 


الحداثة والتواصل : أمران كادا أن يكونا متناقضين منذ 
البداية» ومازالا يبدوان كأن التناقض بينهما لم يحل؛ وربما 
لن يحل. 


لعل المنبرية هى الطرف الأقصى من الرغبة فى 
التواصل » حيث يرفع الشاعر صوته ليبلغ به أكبر عدد من 
الناس ؛ مؤملا أن يؤثر فيهم بإيقاع وتناغم كلماته» ولكن 
بمباشرة وسطحية فى المعنى لا تطالبان السامع بتفكير كثير» 
وتخاطبان ذاكرته الآنية التى تستجيب فى الحال للكليشيهات 
المجازية والكليشيهات العاطفية معاء كما تستجيب للمتوارث 
من القرائن السهلة مع الكلمات الموزونة والمقفاة. 


أما الحداثة فى الشعر فقد جاءت منذ بدايتها رافضة 
امنبريةء والصوت العالى» والمباشرة» والتنغيم اللفظى» والقرائن 
التقليدية» وبذلك جازفت بقدرتها على التواصل ؛ إذ وضعت 
مقابل جماعية الغرض الشعرى فردانيةً زعزعت هذا الغرض. 
وفى محاولتها الخروج على الكليشيهات المجازية والعاطفية» 
والابتعاد عن المتوارث من القرائن التى ألفتها الأذن قرابة أربعة 
عشر قرناء وجدت أنها مهددة بانغلاق الشاعر عن المتلقى؛ أو 
بتقطع معظم خيوط التواصل بين الشاعر والمتلقى» إلا إذا غير 
المتلقى موقفه فى هذا التواصل» وأمضى وسيلته الذهنية 
والعاطفيةء وهيأً نفسه للتأمل من جديد فى طاقات اللغة 
وقرائنها الجديدة الممكنة؛ طلبا لتجربة ذاتية أوسع وأعمق من 
ناحية» وكشا من ناحية أخرى عن صلات جماعية هى 
حتمًا غير الصلات القديمة بين الذات والعصر الذى يعيش 


فيه . 


وقد جابه شعراء الحداثة, أول الأمرء جمهورا غير 
متعاطف معهم» بل معاديا لهم فى أحيان كثيرة؛ وأسئ 
لما هم بشأنهء كانت له فى النهاية الغلبة فى المشهد الأدبى 
فى الوطن العربى. ولو لم تكن الحداثة» كما كنا أنا وزملائى 
تؤكد منذ بدايات تلك الفترة؛ مجذرة أصلاً فى أفضل ما فى 
التراث الشعرى العربى؛ مضافاً إليه أفضل ما فى التراث 
الشعرى طوال الحقب الحضارية عند الإنسان أينما كانت 


١ 






أونانه ومهما كانت لغاته» لما استطاعت إبداعات الحدائة أن 
تصمد لتهجمات السلفيين وتخرصاتهم الجاهلة: المبنية فى 
معظمها على عدم إدراكهم حقيقة أن التحولات الثقافية 
والاجتماعية والسياسية فى كل عصرء دع عنك عصرنا هذاء 
لابد أن تؤدى إلى مولات فى الأساليب والصيغ فى شتى 
فنون التعبير» لفظأ أو صورة أو صوتا» كما تؤدى إلى مخولات 
فى حجم ونوع الانفعالات والرؤى التى تطالب بالتعبير عن 
نفسها. وبقدر ما كان الشعراء الحداثيون سباقين فى وعيهم 
هذا كلهء كان جمهور الشعر فى أول الأمر متلكئا فى 
مواكبتهم ‏ بالضبط كما كان جمهور الفنون التشكيلية 
متلكما فى مواكبة حركة الفن الحديث. 


وقد بات واضحا أن الحضارة الزراعية: أو الريفية؛ التى 
كانت هى الأساس فى الموقف الثقافى العربى قراية ألف سنة؛ 
أخذت تنزاح» وبشكل متسارع منذ منتصف هذا القرن» أمام 
الحضارة المديكية: ومن طبيعة الحضارة الريفية ال تطلب فی 
الشعر التعبير الأهم عن ذاتها الداخلية؛ وتجعله إيقاعيا غنائيًاء 
متمتعا بالخزين التقليدى من الصور والكنابات التى ألفتها 
واستساغتها أجيال متعاقبة كانت تخشى ما يزعزعها فى 
مسارات حياتها الوئيدة؛ المنسمة فى معظمها بأحزان وأفرا- 
باتت كلها نمطية؛ كأنها «مكتوبة؛ على الإنسان كيفما 
جاءت» ليتم التعبير عنها فى قوالب صقلها الزمن وأقرها 


وكان هذا على عكس ماأخذ يتبدى ويتصاعد فى 
الحضارة المدينية العربية الجديدة؛ فهى حضارة اختلفت 
أصواتها وإيقاعاتها كلياً عن ذى قبل؛ كما اختلفت تطلعاتها 
وطموحاتهاء وتعقدت علائقها الإنسائية على غير ما كانت» 
وتقورضت طمأنينتها الجماعية التقليدية» إزاء النزعات الذائية 
المتصاعدة فى المدينة» واصطلاح العوامل الحياتية فيها على 
الدفع بالفرد نحو المزيد من النظر فى دواخله» والدفع به أحيانا 
كثيرة نحو وحشة جعلت تتهدده» ونحو ضرب جديد من 
التساؤلات؛ بل الفوضى النفسية؛ فى بحث المرء عن موقعه 
المضطرب دوم إزاء ما استجد من تنظيمات السلطة والمجتمع؛ 
والمتفيرة هى نفسها على وتيرة مضطربة أيضاء وأضحى لزامًا 
عليه أن يعيد توازنه وصحته النفسية بصيغة ماء أو وسيلة ماء 
تكون الفنون من أهمها شأنا وحضور). 


و ي تا كانه فى ال والجموزد 


وإلى هذا وذاك جد أن موضوع الحرية أخذ ينعاظم 
اة فى حياة الأفراد والجماعات فى المدينة ‏ الحرية 
بمعناها السياسى» » ومعناها الشخصىء ممًا. وأضحى كل 
إنسان يتصور أن من حمه لا أن يطالب بالحرية بمعطياتها 
التاريخية والقومية فحسبء بل أيض) بمعطياتها الشخصية التى 
تسعفه له فى اتخاذ القرار الذى يعده ملائما له فى القصرف 

ته» بفکره» بجسده - سواء إزاء الآحرين من حيث هم 

ار أو إزاء سلطة المجتمع والدولة» التى يفترض أن يكون هو 
أحد صانعيها. 

وجاءت الكارثة الفلسطينية عام ۸ لتزلزل الكيات 
العربى ونخثه على إعادة النظر جذريا فى كل مايمتلك من 
تاريخ » ومواقف وقدرات مادية» وطاقات روحية وفكرية» لكى 
يتمكن من مجابهة خطر يداهم الأمة فى أعز مقورمات 
كيانها: خطر يستمر فى إقامة أساليب وأفكار هى نتاج قرون 
عدة من التطور العلمى والسياسى؛ إزاء أساليب وأفكار 
قوضت الكثير من قيمتها ونفاذها قرون عدة من الضياع 
العلمى والسياسى 

وهكذا وجد الشاعر الحديثء إن هو أراد أن يكون 
جزءا فاعلا من تمربة العصرء أن خزين الأفكار والصور 
والأساليب التقليدية ما عاد يفى بحاجته؛ وأن عليه أن يجازف 
فى بحكه عن الجديد من الأفكار والمجازات والأساليب فى 
مناطق من التعبير لم يكن الكثير منها قائمًا 
ثيمات لعلها لم نكن واردة بهذا الإلحاح فى السنين الألف 
الأخيرة باتحمفها: 


سابقاء وفى 


ومن جملة ما تغير فى هذه الأثناء» بالنسبة إلى 
الشاعرء موقفه من كون الشعر وسيلة غنائية» يكون فيها 
الإيقا ع الصريح أقرب إلى فكرة التطريب عند المغتى» التقاطاً 
لاهنتمام السامع. وذلك أن الغناءء بعد اتتشار الإذاعة 
والتليفزيون وشريط التسجيل» امتص طاقة كبيرة من طاقات 
الشعر التقليدى» وبخاصة الغزلى, منه» وجعل منها مجالا لا 
حدٌ له للمتمعة والطرب؛ الميسرين فى أية لحظة؛ ؛ وفى كل 
مكان» بحيث أخذ الشاعر يعرض عن دور ارتضاه لنفسه فى 


بوم مضئ» » ولهذا الدور الآن من يقوم به لا تلحيتا فقط بل 
نظما أيضاء وهو الذى لن يرضى الشاعر بمجاراته إن هو أراد 
المضى فى تأكيدهء أنه الشاهد على روح الأمة؛ والموت 
الذى ينطق برغابها وعذاباتها ورؤاها على طريقته هوء دود 
غيره. 

لقد تغير موقف الشاعر من أساسه؛ إذ انتقل بطاقته 
الإبداعية فى القول إلى ما قد نسميه بالموقف الدرامى»؛ 
فتحول من المغنى» من مجرد قائل للغزل أو قائل للمديح 
والتمجيدء وهو الذى كان يجد التواصل السهل مع 
الجمهور» لأنه يغنى له عما يرضيه؛ ويلاشى ذاته فى روحه 
الجماعية» قبل أن يصاب هذا الجمهور بذلك السأم الرهيب 
الذى أفقده حماسه لما راح يكرر عليه قائل الشعر: تخول 
الشاعر إلى ضرب من البطل الدرامى» » وهم) منه كان ذلك أو 
حقيقة» وجعل من نفسه ندا للجماعة» لا مجرد صرت لهاء 
E AS E,‏ 
فى الوسط من خشبة المسرح» مستنزلا الأضواء على وجها ء 
3 قامته» على أعماقه» وأصر على أن يقول شعراً جديد) 
برموز جديدة» ومعان جديدة» ولغة جديدة» مؤملا أن يصل 
ين بالتوترات والأخيلة والصراعات الداخلية التى يعانيها 
ويقارعها حَدّ المأساة. لقد ألقى عنه بعباءة کک 0 
كان فيما مضى يخدم أغراض العشيرة بالتغنى بفضا 
ومكارمها إزاء مثالب الآخرين ونذالاتهم. ولم يتردد أحيانًا فى 
ارتداء عباءة النبوة» والتشبه بمن تعذبوا وسجنوا وصلبوا من 
أجا ل رؤاهم» > وهى الرؤى التى تنبع من | أعماقهم لكى تفيض 
على عصرهم» وتساهم فى تغيير طرائق الحياة معتمد) 
وسلوكا معا. 


وليس بالمستغرب أن يؤدى موقف كهذا بالشاعر إلى 
الرفض» مؤثرا هواه الشخصى على أهواء ما عاد يراها تدرى 
الحياة . 

كما أنه ليس بالمستغربء إذ ييبحث الرائى عر عن الرموز 
والكنايات التى لم يسبقه إليها الآأخرون فى تصوير رؤاءء أن 
جد أن نوعًا من الهلاس غدا عنصر) مهما لديه فى «قول) 
هذه الرمؤز والكنايات. 


1۳ 


جبر إبراهيم جبرا 


رها الا افد تميز به الشعراء منذ أقدم الزمان» 
فسموه هذياناء أو جنونًا يوحى به شيطان من وادى عبقر. 

وما وادى عبقر إلا تلك المنطقة الداخلية المظلمة من 
أعماق النفس حيث تتجمع أحلام الإنسانية ورموز لذاتها 
وعذاباتهاء وخلاصات مجخاربهاء يصعد بها شيطان الشعر إلى 
وضح النهار على لسان هذا الشاعر الذى وحده بقدراته 
اللفظية؛ يستطيع أن يعطيها شكلا يقرأ ويسمع ويتخيل مهما 
شط فى غرابته. 

ولم يكن للشاعر بدء والحالة هذه» من أن يبشدع 
أساليب غير التى جرى عليها الشعر قرونًا عدةء أو أن يضيف 
إليها ما لم يكن فى حسبان القدامى. والأساليب الجديدة 
التى تقامت عيذ أواسط الأربعيتبات (وكانت لها يدايات من 
أوائل القرن)» ثم تسارعت وتشعبت منذ أواسط الخمسينيات 
غدت أمرا لازما لموقف بات متغير) من أساسه. وكان واضحاء 
حين مجرأ الشاعر وزحزح أبحر الخليل لضرورات تعبيرية؛ بعد 
أربعة عشر قرناً من نكريس جعلها تكتسب قدسية مرهومة؛ أن 
هذا الشاعر لن يقف غل ل فی روه » وأنه سیعطی نفسه 
الحق بالتمتع بحرية التشكيل اللفظى والإيقاعى وفق ما 
يعدمل فى دخيلته من عشق للحرية بأشكالها الختلفة. 


وكان نى التحرك بالقصيدة من العمود ذى الأبيات 
التى على كل منهاء تقليديا؛ أن يحتوى المعنى الواحد كاملا 
فى شطرين اثنين؛ فى التجاه الأبيات التى يصب الواحد منها 
فى الآخنر متابعة لمعنى يتسع وينداح بيمًا بعد بيت» ليوجد 
وحدة عضوية فى أجزاء القصيدة ‏ لم تكن فى السابق 
مطلوبة أو مرغربة ‏ كان فى هذا التحرك أول المؤشرات إلى ما 
سيأتى لاحقنًا من انزياح تام فى أشكال القصيدة ‏ الموروثة: 
من توالى التفعيلة؛ إلى عدم تساوى الأشطر والأبيات طولة 
وعدداء إلى التحرر منها انطلاقا نحو الشعر الحر؛ وقصيدة 
النثر» بشتى أشكالهماء وهلم جرا. 

وهنا أدرك الشاعر أن فى اللغة العربية طاقات هائلة 
بيت حبيسة ردح طويلاً من الزمن» وهو الموكل بإطلاقهاء 
ليس فقط «تنقية للغة المشيرة»» بل أيضًا تصعيدا لزحمهاء 
وتأكيدا على حشدها برموز يبدعها الشاعر فتصبح فى الحال 


1١ 





عدة أخرى تضاف إلى عدد القول» فى عصر تطالب تعقيداته 
بالوسيلة التى قد تمکن الشاعر من استيضاحهاء ولو فى 
جمالء أو رؤياء أو كلها معاء فى نطاق التجربة التى تمر بها 
البشرية كل يوم. 

وفى فترة ما من تنامى هذه الحدائة وجد الشاعر 
العربى فى الأساطير القديمة ‏ وكلها من نتاج عبقرية أسلافه 
أيام عنفوانهم الأول كنز من الرموز والإشارات المتمثلة فى 
أبطال الأساطير ورقائعهاء أخذ يوظفها فى تصوير النزعات 
الجائحة بعواطفها وحرقاتها عند الإنسان الحديث؛ على نحو 
مجربة الدهور لتساعده فى اختراق مجربته الراهنة» أملاً فى 
عحقين خلاص ما للنفس الإنسانية من الحصار المفروض 
عليها: جاعلا من إدراك القدامى» على طريقتهم» معنى 
المداي وال موت» والانبعاث المتجدد أبدا مع دورات الطبيعة؛ 
وتصويرهم لها أسطورياء قوة تعبيرية تمد الشاعر بالمزيد من 
الطاقة فى رفض الموت والغلبة عليه؛ فى سبيل الإنسان: وهذا 
بالضبط ما فعله الشعراء التموزيون فى الخمسينيات»؛ والشعراء 
الكشيرون الذين واكبوهم أو تأثروا بهم ولحقوهم» فحققوا 


باجازاتيم تلك توسيعًا مذهلا للمخيلة العربية» ودفعًا هائلاً 
لها نى ااه كان له أثره المميق أيضا فى التفكير السياسى 
والتحرك. الثقافى طوال هذه الفترة. 

ولقد جاء م فى اثناء تكامل هذه الثورة الحدالية 
بدا فيه للكثير من الأدباء؛ شعراء کانوا آم نقادا أم باحئين» 
أن هذا الهوس بالجديد إنما هو تمرد غير مشروع على 
التراث؛ على اللغة؛ على ما توهموا أنه «الأصالة العربية؛ التى 
تمد الإبداع بهويته الحقيقية؛ ورأوا فى هذا التمرد قطيعة مع 
الماضى يجب التحسب لهاء ومقاومة أصحابهاء غير أن 
الحدائيين كانوا على وعى عميق بما ينجزونه من كتابة شعراً 
ونقداء مدركين أن الأصالة العربية بعينها هى التى سيبقونها 
حية ومتوهجة فى انطلاقاتهم الجديدة؛ مؤكدين أن الجذر 
إنما يضمر ويموت إذا ضمرت وماتت الفروع والاوراق 
ومنتفضنًا إذا نبضت وانتفضت الفروع والأوراق فى الشمس 


ااا سكسسس س الحداثة فى الشعر» والجمهور 


والهواء الطلق؛ المتمثلين فى مساعيهم. وأكدوا فى كل ما 
كتبوا أن تمردهم ليس بالنزوة الجانية التى تفرقع هباء فى 
الجو» بل هو التحرك الجياش الذى تفرضه طاقات الحياة 
المتوثبة» إزاء كل ما أذ يتراخى ويعتوره الوهن بسبب من 
البلى والعجز المتراكمء وكذلك بسبب من الانعزال الجاهل 
عن تيارات التاربخ التى لن يوقفهاء أو يغير مسارهاء مجاهلها 
أو التعامى عنها. 


فالحداثة فى الشعرء إذن» فى ضوء ما قلناه هناء كانت 
تمردا عميقًا جارفًاء من ناحية» وكانت من ناحية أخرى 
استمرار)ً حقيقيًا للنزعات التعبيرية الأصيلة فى الذات العربية 
ننذ أن أنساك هذه الذات أولى ارات الاننسات::ولفن 
تزعزت قنوات التواصل بين الشاعر وجمهوره لفترة ماء فإن 
هذه القنوات عادت إلى فاعليتها مرة أخرى؛ حالما جسر 
ال ا ة الزمنية بينه وبين المبدع الذى كان يجب أن 
يسبقه» إن هو استحق مكانة المبدع. 


ولنا أن نتوقع أن تعود قنوات التواصل هذه فتضطرب 
كلما تصاعدت موجة جديدة من ا محاولات الأسلوبية 
والتعبيرية التى لها فعلها الدائم فى ويل الموقف والرؤيا: غير 


أن ذلك لن يكون إلا ظاهرة أحرى من ظراهر حركينها 
وعافيتهاء وقطيمة المبدع عن الجمهور لن تكون إلا مؤقتة؛ 
ريشما يتكيف الجمهور مجددا مع موقفه ورؤياه. وعلينا أن 
نلاحظ أن المبدع لايساوم بهذا الشأن. وإن هو ساوم؛ مرضاة 
لهذا أو ذاك» سقط وضاع حقه فى الريادة. ولن يكون مبدعاً 
من هو ليس رائدا وفى الطليعة. 


نحن هنا بالطبع لا تتحدث عن كل من وجد نسلية 
ومتعة فى الكتابة» فخط عشرة أسطر أو عشرين؛ ونشرها فى 
جريدة أو مجلة على أنها قصيدة تطالب النقاد بالوقوف عند 
عجائبهاء ولا أحسب أن ثمة فى العالم أمة عندها أعداد 
مذهلة من أمثال هؤلاء الشعراء ما عند الأمة العربية» لحسن 
حظها أو لسوئه. إنما نحن نتحدث عن تلك القلة الفذة من 
شعراء متفردين» نعرف أن قصائدهم بأشكالها ومضامينها 
المتجددة أبد), تؤلف جزء) مهما من وعى العربى» أعماقه 
ومآسيه وأحلامه؛ وتهيئ جزءا مهما أيضًا من ذلك الغذاء 
الروحى الذى يستمد منه العربى المزيد من صلابته من أجل 
الحياة» والمزيد من قدراته على مقارعة الموت فى زمن فاجع. 





16 


مداخل تااملية لراية النص الشعرى 
الشعر والعقد. 

الواقع وسمات الحركه 

الشعرية. والمصطلح 


محسن أطيمش* 
سس 


ناقد عراقى موهوب. عرفته فى القاهرة صديقا وشاعرا وباحثا. وجممتنا سهرات النقاش 
والحوار التى ضمت محسن إلى أمل دنقل وبقية أحباب الليل والشعر. وقد تتلمذ 
على أستاذى عبد الحسن بدر فى أطروحته اللافتة عن الشعر العراقى المعاصر؛ الأطروحة التى نشرها بعنوان 
«دير الملاك؛؛ وكانت إتجازا لفت الأذهان إلى محسن» وجعله واحدا من النقاد الواعدين. ولكن شاءت 
العناية الإلهية أن يفارقنا محسنء وأن يرحل عن عالمنا الذى كان ينتظر منه الكثير؛ تاركا فى قلوب 
أصدقائه ومحبيه وتلامذته الحزن والألم. وقد أرسل إلى المجلة هذه الدراسة من اليمن؛ حيث كان يعمل 
أستاذا زائرا فى جامعة صنعاء التى يرأسها الصديق النبيل عبد العزيز المقالح. وكانت هذه الدراسة» فيما 
أخبرنى رحمة الله عليه؛ فانخة كتاب جديد وعد أصدقاءه بإنجازه. ولكنه رحل دون أن يكمل ما وعد. وها 





نحن ننشر دراسته الأخيرة» اعتراراً باخازه النقدى الذى سرعان ما خباء وتأكيدا لوعوده النشدية. 


ا 





لل ل يم ب تح مداخل تأملية لرؤية النص الشعرى 


خا 
سأفترض حالاء وفى هذا «المدخل الموجز؛ لدراسة 
شعر العراقى بشكل خخاصء والشعر العربى بعامة؛ أننى أمام 
ضيتين خاضعتين للجدل؛ وللحوار الطويل الذى قد يمتد 
الأرصفة؛ لجزناة طولاً؛ أو عمقاً أو يضيق . مع أنهما 
إشكان أن تكونا محسومتين عندى. 
إن القضية الأولى هى «الافتراض» بأننى سأكون بعيداً» 
ريما بعيداً جداً عن دائرة «التداول النقدى المألوف» بشفافية 
حيناً؛ أو بصرامة واضحة حينا آخرء وأعنى ب «التداول؛ ؛ 
لك الونوف المتعارف عليه؛ أمام «(مجمرعة شعرية) أو 
مجاميع عدة لأكثر من شاعره مدققاً ومحصا وكأن على 
سوح الناقد الكلاسيكى التقليدى الذى لا يدع شاردة ولا 
اردة ‏ كما كانوا يقولون ‏ إلا ووقف عندهاء 5 أطال 
لوقوف» سواء ! أكان ذلك يستحق الجهد ذاك أو لا يستحقه. 


فالناقد العربى الكلاسيكى» أو من تابعه منهجياء قد 
بنأى بعيْداً وليس فى هذا ما يعيب» ضمن النظرة أو 
الرؤية؛ النقدية التى كانت طرازا تعامليا مع النص آنذاك - 
نأى ليقف أمام فكرة صغيرة ة عابرة» هى ليست شيكأ جوهريا 
نهما جداً؛ وفاعلاً فى النص » وقد يمل من أجل ذلك الشأن 
لصفحات مع مزيد واضح من الهوامش والمصادر ا 

لى أمسات الكتب» مر ن أجل تصريف فعل؛ أو تأويل معنى 

جملة من خلال أوجه إعرابية أو مذاهب نحوية؛ وقد ا 
الأمر ليدقق فى أصل بيت شعرى» فيما شاكله معنى ولفظأء 
لدى هذا الشاعر أو ذاك؛ وما يتفرع من مشكلات هذا النمط 
من القراءة النقدية؛ كالسرقات والتتضمين؛ وسلخ المعانى» 
رمسخهاء وما جاد لفظه وحسن معناه وما ساءا معأء أو مأ 
حسن الواحد منهما على حساب الآخخر... وما كانت تلك 
المشكلات إلا لتصب فى نهاية الأمر بنبع قضية «البيان 
العربى»» ولا أعنى به هنا إلا «الصورة الفنية؛ بكل أنماطها 
رأشكالها التى وصلت إلينا منذ متتصف القرن الأول للهجرة 
حتى أواخر القرن السادس'“ء وكل تلك الإتجازات؛ على 
أهميتها البالغة ‏ التى لا غنى للنقد عنها مهما تغايرت 
شكاله ومناهجه ‏ لم تعد قادرة تمام القدرة على الإمساك 
بذاك الوهج المتقد لنقد نص شعرى جديد. 


أما القضية الثانية التى أراها بمشابة الجوهر لثل هذا 
«المدحل النقدى»»؛ فهى محاولة «التأمل» الذى لا ينأى تماماً 
عن معطيات النقد الكلاسيكى» بل يلامسها بشفافية قدر 
تعلقها بحالة «التأمل» التى تليرها قصيدة ماء أو مجموعة 
دواوين لشاعر واحد أو أكثر من شاعر يشد الواحد منهم إلى 
الآخر رابطة موضوعية ا وأظن أن تلك الملامسة 
لإنمجازات نقد الماضى ستكون أكثر فائدة فى حالة التعامل 
النقدى مع أكثر من مجموعة شعرية لشخص» ؛ أو مع أكثر 
من مجموعة ة لغير واحد من الشعراءء ذلك أن التعرض 
لمعطيات نقد الماضى سيكون أكثر انفتاحاً وشمولاً فى هذه 
الحالة بينما يتسم بالضيق حين نحاول الإفادة منه لنقد 
قصيدة واحدة؛ على سبيل المثال. 

إن حالة «التأمل النقدى» الجمالى بشكل عام» التى 
ذكرتها قبل حين» تتيح للناقد الجديد تلك القدرة الهائلة 
التى كادت أن تضيع بفعل حساسية الناقد الكلاسيكى 
الصارمة أمام النصء أعنى أنها القدرة التى تمنحها القوة على 
الغوص فى «الجوهر؛؛ دوك نسيان أو إهمال البريق 0 
المتأتى من الشكل على أهميته الفائقة حيناً؛ والضرورية حيناً 


ا 


وأعود ثانية لأقول: إن عبارة. «الغوص فى الجوهر) إنما 
تعنى تأمل تلك الروح الغامضة:؛ وتأمل الحالات السيكولوجية 
والواقعية؛ المتغيرة آنا والثابتة آنآ آخخرء تبعأ لتغير الزمان والمكان» 
وتطور الوعى الشعرى وتغير أدوات التشكيل الجمالى. 

فإن صح هذا «الافتراض» ‏ وهو افتراض ضرورى 
للعملية النقدية ‏ فسيفتح للناقد طريقاً جديدة للتجوال الحرء 
فيما أسميه «شوارع ذهن الشاعر؛ والبحث عن المضئ منها 
أو المظلم» وهذه الحرية التى أحاول أن أمنحها لنفسى لها 
صفة الافتراض القابل للامتحان. ولذا فستكون هذه الدراسة 
خطوة فى مسار نقدى قد يمتلك سمة «الاعتدال» أو سمة 
«إمكان التعديل»؛ لأن النقد هو فى جوهره عملية تخليل غاية 
فی الدقة» تهدف إلى تشخيص عملية «الاعتدال فى بنية 
النص»»ء أو «إمكان خلق رؤية تعديلية له» فى محاولة لوضع 
اليد على الجوهرى منه وليس العارض» وهو بكل الأحوال 
ليس تهشيماً «لتلك البنية» .كل هذا من أجل أن يكون هذا 


sr 


المدخل لدراسة الشعر أقرب إلى العافية منه إلى الاعتلال. أما 
التطبيقات التى تعتمد النتاج الشعرى ‏ عراقيا كان أو عربياًء 
فالفوارق ضئيلة ‏ » فإن لها موقعاً آخر فى دراسة مستفيضة 
أخرى » وذلك للكم الهائل من المجموعات الشعرية: التى لا 
يتسع لها «هذا المدخل التأملى» وموقعها فى كتاب لا يزال 
الباحث يسعى إلي إجازه. 
ات 

كثيراً ما تتردد موضوعات مثل «الشعر والدين؛ أو 
«السحر والشعرا أ «الشعر والأسطورةة . وکل من هذه 
المرضوعات يكاد يكون صنواً للآخرء أو أن تلك الأفكار التى 
هى مادة أساسية فى الفعل الشعرى تبدو كأنها ولدت 
متزامنة؛ أو أن الواحد منها: «السحرء الأسطورة؛ الدين»قد 
سبق الأخر فى الوجود قليلا, وقد لا نكون بعيدين عن 
الصواب جداً؛ لو قلنا إن تلك المسميات ما هى إلا دلالات 


لوضع الفوارق البسيطة لفكرة واحدة متشعبة؛ أو إنها لوضع,. . 


وتوضيح تلك الفوارق فى حالة مخولها إلى أنماط إبداعية 
إنسانية عبر تخولات الإنسان فى الوجود؛ التى غالباً ما تقوده 
إلى ابتكار الفواصل الحادة التى تنأى بالفكرة الأساسية 
الواحدة لتحولها بالتالى إلى أنساق وأنماط وطرز تطل على 
المتأمل الواعى عبر أقنعة متشابهة؛ يكاد يكون الواحد منها 
تكراراً باهتاً للآخر شكلاً وفكراً. 

غير أن الخوض بقضية كهذه يبدو أقرب إلى الخوض 


فى «ميشولوجياء الفكر الإنسانى» نشأة وارتقاء» لكن الخوض ' 
فيه سيكون نافعاً جداً» بل ضرورياً وحتميا لأى باحث يعنى ' 


بتشبع مسألة تطور الفنون والآداب» وذلك لما قدمه الفكر 
الإنسانى بمشيولوجياته من إمجازات إبداعية مثيرة وهائلة؛ 
يختلط فيها فكر المبدع بانفتاح مخيلته» الدين باللاوعى 
بالدين» السحر بالوعى به الأسطورة بالقدر بوصفه قوة 
مهيمنة بالارتياب والعنف والتحدى. ولايزال الكثيرون من 
الإنسانية المتعددة؛ ملاحقة:؛ خحويرأء أو تغييراً أو إعادة خلق 
وبناء جديد؛ أو تخويل إلى أنماط إبداعية أكثر حداثة, 

لكن الثابت ‏ الذى لا ريب فيه وعبر ما وصل إلينا 
من نصوص مكتوبة» أو منقوشة»ء يؤكد أن لا دين» بالمعنى 


۱۸ 





العام: أى بالمعنى الإنسانى الرحب» بلا شعرء مهما كان نوع 
هذا الشعر. أو أن لا دين بلا أساطير مهما كان نوع هذه 
الأساطير. وأن لا دين بلا سحر أيا كان نمط هذا السحر. 

فإذا كان الدين مقترناً بالأناشيد أو التراتيل الأولى لدى 
جماعة من الناس» فإنه مقترن بطقوس وممارسات» وأفعال 
حركية مصحوبة بابتهالات فى معابد أناس آخرين . 

إن طقوس تلك المعابد كلهاء وأدعيتها وتراتيلها 
ومارساتهاء قد مخولت فيما بعد إلى أساطير وحكايات خرافية 


و 
. 


أو إلى حالات إبداعية شعرية يتعلق جزء منها بالسحر أو 
بالقدر أو برغبات الآلهة. وفى مثل هذه الحالة فإن علينا أن 
نتقبل التجربة الشعرية من حيث هى موقف خيالى أو دينى 
حاص يؤمن به الشاعر حقاً. 
يقرل مجدى وهبة: 
«ومنذ الحضارة الأولى القديمة اعتبر الشاعر 
٠‏ بمشابة کاهن يعلم الغيب ويصفه؛ ويتفوه به 
الإلهسامى فی ذھن النقاد الأوروبيين عبر تاريخ 
الآداب الأوروبية منذ عصر النيهضة.. ويعتكبر 
الشاعر بمثابة نبى يطلب منه أن يقود شعبه إلى 
| الكمال.. أما الشاعر الإمجليزى شللى فقد ختم 
0 المسمى «دفاع عن الشعر» بقوله: «الشعراء 
i 1‏ هم مشرعو هذا العالم غير المعترف بهم؛.. أما 
7 فیکتور هوجو ۱۸۰۲ - ۱۸۸١‏ فيعتبر الشاعر 
بمثابة ت 
إن تأمل عبارات من طراز: الشاعر يتفوه بواسطة 
وحى ... وهو بمثابة نبى يطلب منه قيادة شعب إلى 
الكمال... الشاعر منظر هذا العالم غير المعترف به... ثم 
الشاعر بمثابة نبى .. إلخ, سيقود المرء بالضرورة إلى مشتجر 
من المعارك الأدبية والفكرية لا حد لها ولا نهاية؛ أو أنها 
وفى أكثر حالاتها بساطة ‏ ستشير أسثلة بسيطة هى 
الأخرى؛ وهى على ما يبدو فيها من بساطة أولية قد تقود 
المرء - بدراية تامةء أو يبدء دراية ‏ إلى أكثر المشاكل تعقيداً 
وتشابکاً. 


کا ي ي ي مداخل تأملية لرؤية النص الشعرى 


ولعل أهون تلك المشاكل يبدأ من تساؤلات كهذه: 
هل كان كهنة تلك المعابد القديمة» خدامهاء أو القوامون 
عليهاء شعراء؟ وهل كان أولئك الذين يعلمون الغيب 
وبطالبون بقيادة شعب إلى الكمال قد برزوا إلى الوجود 
حاملين معهم صفة «الدين» بشكل عام؟ ؟ وصفة «الشعر) 
بأى نمط أو أداء كان؟ وهل كان لأولئك المشرعين الأوائل» 
(مخرجى هذا المسرح الذى تختلط فيه الأغنية بالترتيلة 
بالنشيد بالممارسة الطقسية) صفة القداسة الممنوحة؟ 

لاشك أن أسعلة كهذه تبدو بعيدة عن موضوعنا الذى 
نحن فيه لتقترب من دراسات فكرية أخرى هى ما يدخل فى 
باب «الإبداع والنبوةة بشكل عام» أو باب «الربوبية والفكر» 
بشكل عام أيضا. 

ويضيف مجدى وهبة؛ فيقول: 

«إن الشعر الإنشادى عند قدماء اليونانيين هو 
الشعر الذى ينظم للتراتيل أو الإنشاد.. وكان هذا 
الشعر ينقسم أقساما منها تسبيح الآلهة..»”" 

إن مغل هذه الكلمات - وكثير نظيرها ‏ ليوحى بأن 
7 - إن لم يسبق الفن الفكر فهما صنوان؛ ولا غرابة فى 

فالعرب قد عرفت مثل هذا الأمر منذ أيام الجاهلية, 
وربما الجاهلية الأولى؛ فاتهموا محمداً (ص) اا 
وبالساحر أخرى» فليس غريباً إذث أن يرتبط د الشعر بالدين 
عبر القدم» ای عبر الأقوام م التى انحسرت» وإلا فمن ن اين 
جاءث للعرب فكرة ربط الفن والسحر بالنبوة؟! تلك الفكرة 
التى رفضها الإسلام رفضاً بينآء وبرأ منها الرسول العظيم 
(ص). 


ا 

لكن تلك التراتيل والأدعية والابتهالات الشعرية التى 
طلعت من المعابد سرعان ما خولت إلى أساطير فاعلة فى نمو 
تلك المجتمعات» سواء أكان ذلك التحول على مستوى الفكر 
والنظرة إلى الكون أم علاقة الإنسان بالإنسان عبر أنماط 
خاصة من الرؤى والممارسات» أم على مستوى 0 
الإنسانى الإبداعى الفنى» :فخا وا وغ ول اركف 
النتتاجات ما وصل إلينا شعرا طاويا الزمن أخذا صفة السير 


نحو التكامل؛ حتى وصل إلى أقدم الأنواع الأدبية التى 
لاتزال تملك صفة الخلود والتجدد» وأعنى بها «الملحمة) 
و(المسرحية»؟. ولعل دارس هذين النمطين من الإبداع سيجد 
فيضا من المؤلفات التى تؤكد أن الملحمة والمسرحية هما فى 
جوهرهما أسطور يتان» أو دينيتان» وبخاصة «التراجيديا) . 

إن هذا يقودنا - على سبيل المثال - إلى الافتراض بأن 
«التراجيديا؛ كانت قد وجدت بذرتها الأرلى فى تلك الروح 
الدينية؛ فهل كانت تلك الشعائر الموقعة الأولى (أدعية؛ 
ابتهالات؛ أناشيد) تحمل فى ثناياها ذلك الشجن الإنسانى 
الأزلى الموغل فى البعدء والموغل فى البكاء أيضاً ؟! أغلب 
الظن أن الشعر والشجن لا يمكن الفصل بينهما مهما 
تعددت مصادر ذلك الشج. ن أو تنوعت _ فكل شعر حقیقی 


لابد له أن يحمل بين أسراره شجناً حقيقياً هو الآخر» لأنه 
بمثابة الظل منه» وفى نتاج كل العضيون النى اتمجسيرت نات 
فمانتت. 


وقد أمضى إلى أبعد من هذا لأقول: إن الشعر وإلى 
يومنا هذا وبمختلف إنجازاته ومذاهبه؛ من كلاسيكية إلى 
كلاسيكية جديدة إلى 
ما بعد هذا من خليط مشوش غريب» يحمل فى داخخله تلك 
الروح الباكية» حتى وإن كانت القصيدة (القصيدة التى هى 


شعر شعر) تدر فرحة؛ أو أنها تبدو لذهن العابر الذى لم يكتو 


رومانسية فرمزية فواقعية فسريالية» وإلى 


بنار الشعر الصادق بعد» مسرة أو مبهيجة؟ 

غير أن تأملنا فى هذه المداخل النقدية؛ وحريتنا فى 
التجوال بداخل ذهن الشاعر ستثبت ذلك دونما أى شك. 
أفترانا بحاجة إلى إيراد نماذج تطبيقية تدلل على مثل هذه 
الافتراضات؟ إن ذلك ممكن ., ولكن منهجنا هنا لا يسمح لنا 
بالانسياق وراء رغبات كهذه؛ ذلك أن الأمر سيطول بنا جدأء 
وسنحتاج إلى أكثر من كتاب ومئات من النماذج؛ وسيصير 
الأمر أقرب إلى تألبف كتاب فى الشعر لا تقديم مداخل 
لدراسته» وهى مداخل تعتمد التنظير العام الذى يقوم على 
التذوق الجديد الذى نريد له أن يسير بنا إلى منهج جديد فى 
التحليل النقدى غير المألوف. 


ولكننى أعيد القارئ إلى ما كنت قد أسميته فى أول 
هذه الدراسة «التجوال فى شوارع ذهن الشاعر؛ واكتشاف 
المظلم منها والمضئ» وأين تكمن جذور تلك الروح الباكية؛ 
وفى أى منعطف من منعطفات ممرات الذهن؟ ومدى 
عنفوانها فى هذا المنعطف أو لاعنفوانها فى منعطف آخرء 
داخل النص الشعرى الواحد (البيت أو البيتين» العبارة أو 
العبارتين أو القصيدة الأطول) . ذلك أن الشعر عندى هو 
المادة السحرية الخفية التى تسكن داخل لجاريف الحروف 
سواء كان ذلك السحر المتخفى يقبع فى عبارة أو جملة أو 

وللناقد » إذ يمتلك حريته الجديدة ‏ حرية القدرة على 
الإمساك بالجوهر- أن لا يقع فريسة حالة واحدة جعله 
يسقط فى إمجازات شاعر ماء لان هذه الحرية التى نفترض لها 
ازرد ل ول ای ی ا جر ا ا 
تؤدى فى نهاية الأمر إلى خلق حالات متعددة تنتج فى آخر 
المطاف مناخاً موضوعياً شاملا موحداً هو ما يمكن لى أن 
انش «البحث عن الطرز الملونة» لدى هذا المبدع أو ذاك» 
وهذه «الطرز»؛ هی فى المحصلات النقدية الأخيرة تؤدى إلى 
اكتشاف تطور المناخ الذهنى «الفكرى» والجمالى 
«التشكيلى؛ اكتشافاً دقيقاً واعياً للإمجاز الإبداعى. 


- 5ه 

وما دام النقدء فى جوهره؛ هو عملية «تخليلات 
افتراضية» فإنه غالب ما يكون ‏ وسط هذا الركام الهائل غير 
المتجانس من النتاج الشعرى العربى - محفوفاً بامخاطر, لأن 
فى داخله تكمن بذرة تذوق انطباعى أيضاًء ولذا فإن العملية 
النقدية يصعب أن تكون ذات منهج أقرب إلى التجانس» وبدا 
فى كشير من الأحيان قول من يطالب الآن بالسعى نحو 
«نظرية عربية نقدية متميزة الملامح) شبه مستحيل ؛ ذلك لان 
النتاج العربى ذاته غير متجانس» بل هو متباعد جداً إلى الحد 
الذى يصعب فيه على الناقد أن يمسك بخيط أو مجموعة 
خيوط يمكن لها فيما بعد أن تكون تطريزاً لعباءة متميزة 
متجانسة فى النسج ومادة النسيج. ولعل هذا اللا تجانس التام 
أو المتقارب» كان سبباً أكيداً فى غياب كتب «نقد الشعر 
العربى الحديث» رؤى ومناهج؛ بل صرنا تكتفى بمقال عن 


۲٠ 


الشعر فى كتاب فلان؛ وبدراسة أخرى فى كتاب آخرء أو 
دراسة فى مجلة هنا أو هناك؛ وفى أحسن الأحوال وأكثرها 
إثارة للبهجة أن تقع عين المتابع على كتاب متخصص فى 
شعر «مرحلة مضت» أو شاعر «ارتحل) أو «فى شعر قطر ما 
فى مرحلة ما» 3 بموضوعات مثل «الموت والغربة فى شعر 
فلان؛ أو «الحب والمرأة عند...» أو «صورة البطل فى..٠»‏ أو 
«الاسطورة عند...» .. إلخ. 

وكل مثل هذه الأمور» وكثير غيرهاء إنما يدخل فى 
باب (الترقيع النقدى؛ ؛ وليس فى باب «رصد النسيج النقدى 
المتكامل؛ للظاهرة بكل اناده رؤى وأدوات» بدا تطوراً 


وذبولاً فموتاً. 


إن غياب الواقع الشعرى العربى الجديد الذى تبعه - 
على مضض - غياب التكامل النقدى حتم على الناقد أن 
يلجأ إلى مثل تلك الموضوعات» وصار فى أحسن أحواله 
يتلقط الإنخازات الإبداعية التى لا تخلو من وشائج تربط 
بعضا منها ببعض» أو هى ما ينتمى إلى ظاهرة» إن لم تكن 
واحدة» فإن وجهات النظر إليها يمكن أن تكون متقاربة؛ أى 
أن الشاعر صار فى مرحلة ما يجمع «الأشباه» إلى «النظاش . 
ولعل من الممقول والمقبول ‏ مادمنا فى مثل هذه الفوضى 
الشعرية القائمة الآن - أن نرضى»ء وعلى سبيل المثال؛ بيبحث 
مات وصور الراقع امری ی تاج ااب راق 
وعبدالصبور فى مرحلة الخمسينيات)› لاسباب يعرفها قراء 
الشعر العربى الجديد» حتى وإن كانت قراءاتهم تلك تنأى 
عن قراءة الناقد الذى يعرف كيف ينظر إلى الشعر بتأن 
وتمحص مقارنين. أما موضوع ‏ وليس غريبا أن يحدث هذا 
ضمن غياب النقد الرصين ‏ مثل (الحب بين شعر الأب 
يوسف سعيد وحسين مروان» مثلاً؛ فسيبدو مضحكاء بل 
سخيفا إلى حد بعيد؛ إذ إن العلاقة بين هذين الشاعرين إزاء 
أمر كهذا تبدو منقطعة إن لم تكن منبتة؛ فالأول يكتبه من 
خلال وجهة نظر كهنوتية روحية بينما يكتبه الثانى من خلال 
وجهة نظر رومانسية أو جنسية بحتة؛ والأول يكتبه بإيقاع النثر 
بينما بحرص الثانى على أن جى قصائده موزونة؛ والأول 
يكتبه من خلال صور رمزية معقدة» ويكتبه الثانى من خلال 
صور ملموسة أقرب إلى النثرية إن لم تكن عامية الأداء. 


س و س ج ت مداخل تأملية لرؤية النص الشعرى 


يبدو أن ليس ثمة ناقدء مهما أونى من قوة؛ يستطيع 
أن يصور ملامح الحركة الشعرية العربية الحاضرة بالدقة التى 
نأمل أن نحصل فيها على مثل هذا التصوير العام والشامل؛ 
لشن ثمة مدارس أدبية واضحة المعالم» وليس ثمة ثوابت 
فكرية أو مرتكزات شكلية تعين المرء على تبين تلك الفوضى 
الشعرية السائدة التى أثمرت بعد جماعة «أبوللو» و«الديوان» 
وشعر شعراء المهجر «جيلاً» شعرياً اتفق أغلب المعنيين بالشعر 
على تسميته ب «جيل الستينيات؛ . ولاشك أن السنوات تلك 
والسنوات التى أعقبتها العامة ار الات ای ا 
أصحابها يكتبون وينشرون الآن» لاتزال موزعة مثل مجموعة 
راقصين لا يشد وقع أقدامهم إيقاع واحد» أفق متدرج اللون 
بشكل طبيعى»؛ مناخ يتغير بهدوء؛ من نسمة إلى عاصفة. إن 
لكل منهم إيقاعه الخاص وإن كان ضمن جماعة تكاد 
تكرّن لنفسها اتجاها أو دربا خاصاً. 


كان ذلك الجيل (الستينيات) وما تلاه من جيلين 


عربيين بمغابة خليط» يشبه إلى حد بعيد قول الشاعر القديم؛ 
مشخصاً وضع الناقد العربى الجديد (إِن جاز التشبيه» : 
أيها الُنكح الشريا سهيلاً 
وسهيل إذا استقل يمانى 

لقد وقع الجميع فى حيرة قاتلة؛ وهى حيرة لا يمكن 
للمنطق الشعر ى السائد أن يحللها دون أن يتعسف أو يتمحل 
أو أن يشوّه أو يغرب النص. 

فإذا جاوزنا جيل الرواد الشعراء العرب» الذى كان قلقاً 
باستمرار» متلون العطاء (السيابء الملائكة» البياتى» 
عبدالصبور» أدونيس » يوسف الخال...) تبعاً للحدث السياسى 
أو المنهج الفلسفى والفكرىء أو الشخصى والثقافى الخاص» 
والتأثر بالنموذج الغربى تبعاً للأمزجة» بدراية حينا أو بلا دراية 
واعية حينا آخر؛ إذا اوزنا هذا إلى الجيل اجاور فسنقع فى 
الحيرة ذاتهاء الحيرة التى تبدأ من أولى إنجازات سعدى 
يوسف وحجازى» مروراً ب «إنسان الجرائن و«طعام المقصلة» 


ودرياح الدروب» حتى أخر إنجازات كاتب «يقظة دلمون» 


و«مۇنة الرحيل إلى مدن الفراغ»“ء وبين جماعة سعدى 
وديا فلن الحلى ورشدى العامل تقع قائمة أسماء لا 
حصر لها فى الوطن العربى والعراقى بشكل خخاصء تلك 
الأسماء التى كان ولا يزال لها وهجها المتجدد عبر إمجازات 
الستينيين؛ ولست مغالياً فى حدود تتبعى - لو قلت: إن 
عدد شعراء هذا الجيل المتوهج يربو على الألفى شاعر وتربو 
إجازاته على ما يقرب من عشرة آلاف مجموعة شعرية موزعة 
على نخارطة الإبداع العربى شعراً. 

فأية «أوركسترا» ملائكية صاخبة هذه وأى ١مايسترو)‏ 
بارع يمكن له أن يقود مثل هذا الحشد؟! 

وعلى سبيل المثال» سأقف على بقعة ضيقة من خارطة 
الشعر العراقى منتقيا بعض الأسماءء عن طريق الذاكرة 
(وبخباثة نقدية واضحة»؛ وما اخمتيارى هذا النمط من 
«الخباثة المقصودة» إلا لسببين: الأول منهما أن هذه الأسماء 
لا ننتمى لأكثر من جيلين متعاقبين؛ أى أنهما يوشكان أن 
يكونا متداخلين زمنياء ولهذا الأمر دلالاته الفنية الواضحة» 
والثانى هو تعرية النقد الذى رافق تينك الجيلين وفحصه بدقة 
هى غاية فى الوعى والتعمق الذى يريك كيف يميل الناقد 
إلى الغلط المقصود حينا وإلى الجهل حيناً آخر؛ وإلى امحاباة 
مرة ثالغة» وإلى الجاملة فى مرات آخرء وإلى ما ينفع أو ينتفع 
من كتابته! فإذا تغاضينا عن مثل هذه التشخصيات؛ 
(وبعضها مؤكد) فإن النقد قد يهديك إلى تلك الحيرة 
المدمرة التى يقع فيها الناقد غير المتمرس» مرغماً» بسبب سوء 
المنهج النقدى الذى تربى عليه شكلا لا جوهراً فما وعاه؛ أو 
المنهج الذى أتاه مترجماً مشوها فاكتفى بالذائع المألوف منه 
وارتكن إليه متناسياً المنابع الفكرية والفلسفية التى كان ذلك 
المنهج شكلا من أشكالهاء فالتفت إليه منبهراً به؛ وما وعاه 
أيضاً. أنرانا وبعد هذا كله نستطيع - أو يليق بنا فى حدود 
هذه المداخل النقدية الموجزة ‏ أن ننساق وراء تلمس وتوضيح 
مسالك نقدية جديدة تتفق مع واقع الشعر المعاصر؟ لا أظن 
ذلك» ولا أراه جديراً بالمعالجة فى حدود هذه الدراسة؛ فما 
الأمر بهين؛ وليس فى الزمن متسع ٠‏ 

وأعود لأقول: أية أو ركسترا غير متناغمة هذه التى هى 
أمامى ؟ وأى مايسترو عظيم الشأن يقدر أن يصنع من هذا 


۲١ 


الصخب بدء هدوء لينمو بتؤدة علواً وهبوطاً أو بينهماء خالطاً 
النأمة بالهمسة بالكلماتء النشيد بالدعاء» عنف الرقصة 
يجنونها: 
الفريد سمعان؛ فاضل العزاوى؛ سعدى يوسف - 

رشدى السابل؛ محمد جميل شلش صلاح نيازى - 
عبداللطيف أطيمش» صلاح فائق» سلمان الجبورى» سركون 
بولص» محمود البریکان» شوقى عبدالأمير- حميد سعيدء 
مؤيد الراوى؛ محمود الريفىء حسين عبداللطيف» موفق 
محمد جان دمو عبدالأمير معله, عبد الأمير الحصيرى»؛ 
كاظم الحجاج» خزعل الماجدى» عبدالمطلب محمود» سامى 
مهدى» منذر الجبورى» محسن أطيمش _ خالد على 
مصطفى» عادل عبدالله» حميد الخاقانى ‏ نبيل ياسين» 

حارث الونى؛ صادق الصائغ - الأب يوسف سعيد» حاتم 

لصكرء على جعفر العلاق ‏ حسب الشيخ جعفر» محمد 
سعيد الصكارء رشيد مجيد ‏ ياسين طه حافظ› شفيق 
الكمالى: هاشم شفيق؛ فوزى كريم» خليل الأسدىء آمال 
الزهاوى ‏ خالد الحلی» حسین مروان» کاظم جواد» جلیل 
حيدرء خالد يوسف» قيس لفتة مراد _ عبدالتادر العزارى» 
مالك المطلبى؛ جواد الحطاب» زاهر الجيزانى» كاظم نعمة 
التميمى»› يوسف الصائغ, معد الجبورى؛» عبدالرزاق 
عبدالواحد؛ على الياسرى... إلخ. 


6 

ا اظن أن 2-0 6 ناقداً 0 شديد الوعى 
0 مبتسر إذا قيس بأسماء ای 0 مطبوعة تصل 
حد السماء لو تراصفت) يمكن أن يسمى جيلاً شعرياً أو 
جيلين؛ أعنى أنه يمتلك تلك الخصائص الفكرية والمواقف 
والرؤى» وتلك النظرة الموضوعية النافذة الشاملة للحياة» ولموقع 
الإنسان فيهاء لما وجد له أو لما كان ينبغى أن يوجد. وهل 
تكاملت أو تضادت أو صار بعص منها خارج إطار التاريخ ولم 
ينبق منه إلا الملامح الشكلية الباهئة؟ وأكاد هنا أن أتناسى 
المعالجة الشكلية لمثل تلك المعطيات» مغردة فت ركيبا 
فتراكيب عدة» لنة بشكل عام أو بيان لغة الذى هو أخطر 


55 





الأمور وأكشرها جدوى وأصالة وأعنى به الجاز والاستعارة 
والتشبيه وأدوات التشكيل البلاغى الأخر: ای ی ف 
صنع أكثر أدوات الشعر تفجراً «الصورة»» ناهيك عن الوزن 
والإيقاع الخارجى وتنوع الإيقاع الداخلى تبعا لتنوع الموقف 
الداخلى للنص وما ينتابه من عنف أو غضبء ثورة وهدوءء 
قلق وخوف»؛ ذكرى وحنين. وكل هذا قد يحدت فى 
الشعر فجاءة» دونما تخطيط » أو دون أن يكون له تخطيط 
مسبق) مرسوم بعناية ) ذلك أن الشعر ليس كالرواية؛ أو 
المسرحية؛ فكاتب مثل ذينك الفنين يجئء معباً بالحدث 
والشخصيات وبالأزمنة أو الأمكنة, بل قد يحمل فى ذهنه 
صوراً لديكورات الرواية أو المسرحية؛ ويبدأ حدثه ضمن نسق 
محددء أما الشاعر فغالباً ما يقابل أوراقه بأقل بضاعة وبخطى 
واضحة أو غير واضحة تماماً» وهو معرّض دائماً للعثرات التى 
قد تشيرها مفردة أو جملة أو تركيب» أو هبة ريح داعبت 
شجرة؛ أو ذكرى كانت فى عداد الموتى فبعثت من جديد 
لتأخذ بالقنصيدة إلى منحى آحرء ثم تعود إلى الصف 
«المرضوع؛ مخلفة إيقاعاً إن لم يكن مغايراً للإيقاع العام فهر 
منتم إليه بشكل أو بآخر. 
وعلى أية حال؛ فإن قضية «الإيفاع فى الشعر» مإ 

هى الان هناء لاننا لسنا بسدد دراسات مشكلات الشعر 
كلهاء ولأننا كنا نيما خلت من أيام قد أثرنا حولها جدلا 
فى أكثر من دراسة» وسنظل بحاجة دائمة إلى مواصلة ذلك 
الجدل؛ وأعنى به وجدل الإيقاع. 


وأعود إلى بداية كلماتى فى أول المقطع الخامس من 
هذه المداخل لاتساءل: كم من النقاد يتفق معى على نسمية 
الواحد ممن ذكرتهم جميعاً تسمية مدرسية منضبطة» ليكون 
التعامل النقدى معه أقرب إلى المعقول والدقة؛ كأن يقول: 
«إن اهتمامات فلان من الشعراء واقعية صارمة فكراً وبناء 
وأدوات» «وإن فلانا رومانسى مغرق فى الانكفاء على حالاته 
الخاصة» أو (إن رؤيته للحياة رؤية رومانتيكية غير مشوبة بنزعة 
أخرى» أو «إن ذلك ييخلطء أو يبيح لنفسه أن يخلط الرؤية 
الواقعية بالأداء السوريالى أو أن يجمع بين ما هو أدائى 
الشكل بالانتماء إلى ما هو فكرى.. أو يقول ناقد ‏ على 
مضض أو يجوز إن هؤلاء «الحفنة؛ من الشعراء ذوو نزعة 





راقعية واضحة' أو إنهم أقرب إليهاء وإن أولئك رومانسيون فى 
حقبة وواقعيون فى حقبة أخرى؛ أو قد نرى من يقول: إن 
غلب هؤلاء كالزئبق لا يمكن الإمساك به بسهولة» مذهبياً 
و مدر E kS‏ ع 
االمذاهب الأدبية» المتعارف عليها لدى النقاد کک 
لأوروبيين لا يمكن أن يتحقق لها وجود فعلى الآنء وأؤكد 
على لفظة «الآن»» وجود محقق وثابت فى الشعر العربى 
شكل عام؛ وفى الشعر العراقى بخاصة, بل إن لها فى 
فضل ملامحها ‏ ظلالا باهتهً متعبة عند هذا الشاعر أو ذاك. 
ولعل هذا «التشوش» النقدى الذى هو ثمرة «تشوش الإبداع 
لشعرى؛ يكاد يكون السبب الجوهرى الذى يجعل الناقد 
أفراداً لا مجموعات مؤسسة لإمجازات شاملة لها صفة 
الديمومة الطويلة الفاعلة؛ وليس صفة الخلود؛ أو يتعامل مع 
فن الستعيةت وهذه حالة أفضل من اللاحالة باعتبار 
موضوعات محددة وضيقة» مثل «الصورة فى شعر فلان» أو 
«الغربة فى شعر...) أوالغة الشاعر الجديد أو «نطور فكرة... 
فی الشعر التونسى ». من... إلى 0 7 

وأرجو أن لا يظن قارئ ما أننى واحد من أكثر الكتاب 
صرامة نقدية..! أو أننى ممن يميل إلى أن يخلق للشعر ملفات 
ذهب أوان الاحتفاظ بهاء أو ممن يصنع للإبداع الشه ی 
أد راجا ليصنف الشعراء بالتالى تبعا لعناوين ن تلك الادراج» 
کان ع هذا أو أولفك فی ر «الرو مانسية؛)» وأن يضع 


اا + Me.‏ کے با وھ ےا 5ه 


مداخل تأملية لرؤية النص الشعرى 


ولا ديمومة بعضها لولا ذلك الوهج الأخاذ الذى خلقه 
مبدعو العالم وبناته أيضاًء هنا أو هناك» غير أن التنظير لذلك 
الوهج لاتا جات ولم ينضج إلا بعد أن مرت عليه 
قرون وتعاقبت أفكار وفلسفات » كما أن ذلك الإبداع ذاته 
لم يتكامل ليكون مذهلاً وأباً للتنظير إلا بعد أن تعاقبت 
عليه عصورء من «فيدياس» إلى ميكائيل أتجلر» من 
«سوفوكلس» إلى «شكسبير إلى «راسين» و« كررنيه» 
«وبيكيت» و«جورج شحادة» ... إلى غير هؤلاء العباقرة من 
عصور الشعر والنقد. 

ولم يمر كل ما أتينا على ذكره بمرخلة فوضى أو 
تشوش كالتى نمر بها الآن» مخلفة إبداعاً هو من طراز ولد 
ميتأ». ولا بد لى هنا أن أستشنى عدداًء ممن ثبت وت رکز ووعی 
حرفيات الصنعة» وتخولات مواقف الإنسان الفكرية والوجودية 
عبر الزمن. وما أقل هذا الطراز من المبدعين ؟! 

من يدرى» فقد يخرج إلينا من يعلمنا «الحكمة) 
ليقول: «إن ما تسميه فوضى أو ارتباك أو تشوش إنما هو 
دليل عافية ونمو وغزارة» متناسياً أن أية فوضى سواء أكانت 
أدبية أم غير أدبية لابد أن تصحبها «غزارة) ! غير أننا إذا اردنا 
لهذه الغزارة أن تكون فاعلة فلابد لها أن تعمق وعى القارئ 
وتضيف إلى الفكر الإنسانى رحابة أي معرفى منظم مدروس 
بعناية بالغة لتصحبنا نحو الينابيع الان بعيداً عن الوحل 
الآسن» وقد يقول آخحر:- وربما يكون محقا - إن أصحابنا 
مسكوا ذيول تلك الثقافات والمذاهب» أو أنهم أدركوا ذبولهاء 
متأخرين وبدفق رع ل سار بها يام كانت فكراً يانعاً 


هو" 1 01 » 


المذاهب أو العصور؛ فى الشعر أو المسرح؛ فيقال (العصر 
الفكتورى؛ مثلاً؛ أو «عصر السريالية» . وكان لتلك المذاهب 
أو العصور منظروها أ ملامحها الخاصة بهاء تلك الملامح 
الواضحة التى لم تكن متنائرة أو مشوشة؛ بل كانت مخمل 
بين ثناياها رؤى للحياة بكل أبعادها وموقفاً متكاملا إزاءها 
وبضمنه الأداء التشكيلى الجمالى الذى يميز إيجازات مذهب 
عن مذهب اخرء أو عصر عن عصر آخر. 

إننا عندما نقسول ‏ وعلى سبيل المفال ‏ : إن 
«كولردج) شاعر رومانسى » فهذا لا يعنى على الإطلاق تلك 
الصفات الخارجية الشكلية للقصيدة: وحسب » وإنما يعنى 
موقف هذا الرومانتيكى من قضايا عصره ورؤيته الخاصة 
عنهاء منهجاً وموضوعاً ونمط ممارسة» من هنا تنعدم صفة 
«الجيل» المرتبك لتحل محلها صفة مجمرعة فاعلة تحمل 
وجهات نظر غير مألوفة للحياة وللإبداع؛ ولكنها مدروسة 
بعناية واضحة:» فتولد لخارطة الممارسة الإبداعية مديات أكثر 
رحابة؛ وأجيالاً قد تضيف إلى المسيرة الأدبية أبعاداً أخرى؛ 
لكن هذه الأبعاد مهما اختلفت فإنها ستظل تحمل شيئاً من 
عبق أزاهير تلك الغابة التى غرستها أكن أكثر الفاعلين 





يعد (الامارتين) واحدأ منهم من خلال قصيلته (البحيرة) 
التى كان أحمد شوقى أول مترجميها إلى العربية. 

ولعل القارئ يتذكر تلك المناظرات الطويلة التى كانت 
تدور بين رومانسيين كبيرين فسا وروزورت وكولردج بعد - 
نشرهما مجموعتهما الشعرية المشتركة (الأقاصيص الشعرية 
الوجدانية) عام 1840 التى ذهبا فيها إلى أن اللغة المأخرذة 
من أفواه الناس فى الحياة الحقيقية هى ١لغة‏ الشعر»» ولقد 
ألقت تلك الدعوة فيما بعد بالكثير من ظلالها على شعر ت. 
س. إليوت. ولنا أن نضيف لحديثنا هذاء قولنا: إن «بايرون؛ و 
«شيللى» «وجون كيتس» وغيرهم» كانوا من أمراء تلك 
الروح النامية والمتطورة للحياة عبر فهم رومانتيكى إلخليزى 
للشعر ولغة الشعر. 

لكن الواقع الإجليزى الذى أخصب تلك التجربة؛ 
كان غير الواقع الفرنسى ‏ فى حدود التجربة الرومانتيكية ‏ 
التى رافقتها بعد سنة 1876 نهضة دينية مسيحية؛ واهتمام 
بالغ بالقضايا الاجتماعية”' ١‏ . ولعل مقدمة «فيكتور هرجو) 
أبرز شيوخحها لمسرحيته (هرنانى) توضح إلى حدّ بعيد ملامح 





إلى مواد ثقافية فى دستور اتحاد الكتاب 
السوفيبت الذى انعقد عام "1۹۳٤‏ . 
ولا أظن أن بنا حاجة للوقوف أمام حركة «تريستان 
تزاراة » فلسنا بالمؤر<مين لتطور المذاهب الأدبية إلا بالقدر الذى 
يعيننا فى إضاءة حاضر الشعر العربى الحديث. إن تلك 
الحركة الدادائية قد ولدت «شبه ميتة؛ ولم تدم أكشر من 
سنتين مع انها انتشرت فی أوروبا كلها" . أا أمر 
السرياليين فهو أكشر ذيوعاً؛ وشيوعاً وإثارة؛ فى حركات 
الأدب والشعر بوجه خاص» فلقد كانت لهم تنظيراتهم غير 
المألوفة» ورؤيتهم الواضحة للكون عبر نمط جديد من إل 
وصدر لهم عدد غير قليل من الإبداع الأدبى والفنى؛ شعراً 
وقصة ورسماً ونحتًء ولقد أصدروا فى العشرينيات من هذا 
القرن - على مستوى التنظير- بيانين شعريين كان لهما 
تأثيرهما الكبير فى مجمل حركة الأدب الفرنسى الجديد؛ بل 
حركة الأدب فى أرجاء المعمورة قاطبة؛ ولعلهما صارا من 
الوثائق الأدبية العالمية التى تمتلك سمات البقاء الطويل 
الذى لا يخلو من التجدد. غير أن هذه الحركة المذهلة قد 
تعرضت لرياح التفيير ‏ لأكثر من سبب واقعى سياسى؛ 
اجتماعى وأدبى - فخبتء وتخلى عنها أبرز روادها «بول 
إيلوار؛ و «لويس أراجون؛ اللذين صارا شيوعيين» ولم يبق من 
ذاك الحشد إلا رائدها ومشرعها الأول «أندريه بريتون) 
كالواقف وحيداً خف به جماعة غير فاعلة جدأ فى عالم 
الرسامين والنحاتين. ولعل تلك البيانات التى 
قلنا عنها قبل قليل: «إنها تمتلك سمات البقاء.. الذى لا 
بخلو من يجدد؛ أثمرت - فيما أثمرت _ «البيان الشعرى 
لعراقى» الذى وقعه عدد من الشعراء العراقييٍ ن؛ وأصدرره فی 
مفتتح مجلة (شعر 59) الصادرة ببغداد» ولعله من الطريف 
ن يتسذكر المرء أن موقع تلك البيانات السريالية ظل وفيا لها 
. حتى بعد أن تخلى عنه أهم رفاقه - بينما تخلى» وبسرعة 
“نتة للنظر؛ موقعو (البيان الشعرى» العراقى عنه؛ بل تناسوه» 
ذالم ERE‏ لك ررضت امع م 
نفنصيلاً؛ هذا مع علمنا أنه أثار جدلاً وضجيجاً ثقافياً نى 
صحف والمنتديات العربية والعراقية آنذاك. 


الأدب» وبعصس 


مداخل تأملية لرؤبة النص الشعرى 


ولست براغب فى أن أستفيض بذكر الحركات الأكثر 
حداثة؛ إلا لأنها فعلت فعلها لدى أك؛ 
متنائرة هنا أو هناك فى أرجاء عالمنا العربى؛ ولعل شعراء 
«الغضب؛ الأمريكيين وعلى رأسهم «الآن جيزنبرغ 
وقصيدته الذائعة الصيت «أميركاء؛ وجماعة «الموفمنت» 
وجماعات شعرية مبغوثة فى أماكن عدة كباريس ولندن 
ونيويورك وغير هذه البقاع؛ تلتقى كلها فى نقديم النظرة 
الجديدة لهذا العالم المرتبك؛ عبر موقف شعرى شديد الإدانة 
للدولة وللمجتمع على حد سواء. إنهم يلتقون مخت راية 
فضح كل ما هو فاسد؛ كل ما يسئ للإنسان ويقتل فيه 
إنسانيته؛ ويتم لهم هذا من خلال أداء تشكيلى جديد يختلط 
فيه الصراخ باللغة بالغة الصرامة؛ والحادة البارعة فى صنع 


هن :جماعة شيرية 


أكثر المفردات إثارة للشتم والطعن أحياناً: 
الذرية ..» 


إن اللغة الشعرية عند أغلب هذه الجماعات هى جزء 
من الموضوع؛ أعنى أنها لا تنفصل عن السلوك» ولا عن 
النظرة الفكربة للعالم وأنظمته كما يرونها. ولعل هذا هو أحد 
الأسباب التى قادت أكثر من واحد منهم إلى الانحران 
سلوكاً من خلال دنيا الشذرذ والإغراق فى عالم الخدرات. 

وربما كانت حركة «الأندرجراونده آخر تلك 
الصيحات الشعرية فى الأدب الإلتجليزى؛ الآنء وأكثرها إثارة» 
فهم يروك كما يفول بی هاروود) » مثلا: «على الشعر اليوم 


ددن کنلیف) : 
إن الشاعر يجب أن يكون ثوريأء مشعا وماهراً 
متقدماً وداعية حبء ولا يكون ضمن مساوئ 
السلطة سياسة:؛ استشمار؛ حكم. ولامع ماكنة 
الحرب» والمسيئين إلى الإنسانية..»"' . 
إن هذه الجماعات» مهما تباينت أو تقا ربت فى النظرة 
إلى الواقع» أو فى طرائق الأداءء صراخ وضجيج أو هدوء 
نبرة» ببيان مشع لغوياً.. أو بنبرة هادئة» أو قريبة من الأداء 
النشرى» تلتقى جميعاً فيما يمكن أن نسميه «رفض الواقع 


الاجتماعى الردئٌ الذى صنعته ماكينة الرأسمال وسياسة 
أوروبا المتردية تجاه بعضها والعالم؛ وحديث شتائم هذه 
التجمعات الشعرية للعالم إنما هو واحد من الطرق التى 
يرونها كفيلة بأن تعيد للإنسان إنسانيته. ولذاء جاء مجمل 
نتاجنهم الإبداعى عن الفقر والجتوع والمرض» :والشذود 
والمدرات؛ عبر أداء هو فى الغالب الأعم عنيف النبرة 
وبطرائق جمالية تعبيرية غير مألوفة هى الأخرى: بل إن 
سلوكهم» أو سلوك بعضهم» عبر متابعاتنا لهم من خلال 
الصحف و«المجلات ‏ إذ لم تترجم كتب وافية عنهم؛ أو تصل 
عبر لفات غير المرب بكاد يكرت متلق إلى شد بد تع 
نتاجهم الذى لا يخلو من غرابة؛ فهم تراهم يفترشون الأرض 
بطريقة ليست مألوفة» كما انتشرت هذه الظاهرة :فى 
الحدائق» فى المحطات؛ فى أماكن التجمعات الأدبية؛ وازداد 
جمهررهم؛ فتنوعت القسراءات؛ وصارت تستغرق الليل 
كله'"١؟.‏ وربما امتدت مع صخب موسيقى واضح إلى 
الازقة والاروقة وإلى «الانفاق». تلك اللفظة التى حمل 
عنوان الحركة «شعراء الأندرجراوند . 

بعد هذه المقدمة التى استطالت ‏ إلى حد ما فإن لنا 
أن نقول بضعة أشياء تبدو مهمة؛ منها أن جميع ما قدمته 
المذاهب الأدبية الكبرى فى الغرب - أو جله - على مستوى 
التنظير فى الأداة أو امحتوىء» الذى استغرق من جهد المبدعين 
قرابة أكثر من أربعمائة عام؛ كان العرب قد التفتوا إليه من 
الناحية النقدية قبل هذه القرون بقرون عدة» ولا أظن أن تراثا 
نقديا بلاغيا يخص الشعر قد نقل إلينا من التفصيلات 
والجزئيات مثلما فعل النقاد العرب القدامى؛ مذ كان نقدهم 
انطباعياً عابراً بعيداً عن التحليل» كما تذكر كتب أسواق 
العرب الأدبية» إلى أن بدأ ينمو ويرتدى عباءات التحليل 
والفحص والتمحيص فى القول فكرأ ولغة وتراكيب بيان. 

لقد بدأت حركة نقد الشعر العربى» قبل أن يترجم 
«أرسطو؛ بقرون » وقبل أن يعرف أدباء أوروبا كتاب 
«هوراس» الذى هو نسخة لا تختلف عن (فن الشعر) کفیراء 
رون أيضاً. فلقد ولدت هذه الحركة مع الأصمعى ونمث 
بذكاء واضح مع ابن سلام الجمحى وكتابه المعروف 
(طبقات فحول الشعراء)؛ ونمت فكرة (الفحولة؛ واتسعت 


۲۹ 


مناميسه عبر الأجيال فأجبت فيما بعد أكثر من كتاب فى 
«الطبقات». ولست أدرى ‏ ولحد الآن كيف كان ابن 
سلام يفهم الشعر؛ أو ما مقومات الشعر الحقيقية لديه» مذ قرأ 
بعضهم عليه قول شاعر فقال: «ليس هذا بشعرء إنما هو 
كلام منظوم معقود بقواف». وهذا تشخيص إبداعى قديم 
غريب؟! 

ومن تشبع الحركة النقدية الشعرية؛ التى ما كان 
«المعنى؛ ينفصل فيها عن البيان»؛ وعن «الصورة الشعرية) 
سيصاب بالذهول إزاء ذاك التدقيق المشير للفكر الشعرى» 
وطرائق التعبير عنه؛ بل إنهم لم يدعوا شاردة ولا واردة إلا 
ووقفوا عندها طويلاً» فلقد أسهبوا إلى حدّ الإسراف فى قضابا 
«المعنى والمبنى» ومواءمة الألفاظ للمعانى أو عدم مواءمتهاء 
بل إنهم وقفوا أمام قضية المفردة واللفظة الواحدة وقوفاً لا 
يجرؤ أى ناقد أوروبى على الإتيات بمثله مهما أونى من جلد 
وصبرء فإذا كان شأنهم إزاء المفردة كهذاء نما بالك 
بالعبارة ؟! وما بالك بالتركيب أو بمجموعات التراكيب التى 
تصنع جوهر الشعر من الناحية الجمالية؛ وأعنى بها «قضية 
الصورة الفنية؛ بكل مشكلاتها المعقدة من تشبيه وكناية 
وتورية ومجاز »واستمارة.. إلخ» وربط كل هذه التفصيلات 
بالبناء التشكيلى العام للأبيات أو للقصيدة؛ فضلاً عن كتب 
الإبانات والتعريفات والسرقات وأنواعهاء والخصومات» 
والوساطات وتقسيمات الشعر على قدر معانيه وألفاظه وما ساء 
منه أو حسن لهذا السبب أو ذاك» وكل هذا مشروح ومفصل 
ومناقش بأناة ودقة» على الملستوى الجمالى والفكرى؛ 
كالسياسة والسلطة ورؤية الشاعر إليهماء اتفاقاًء أو إذعاناء أو 
خروجاً عليهماء والمواقف من الحاكمين وأبنائهم ووزرائهم» 
والدين والقبلية؛ والثورات أو النزوع إليهاء ذلك التزوع الذى 
ذبح من أجله أكثر من مفكر وشاعر ومتصوف مخت راية ذاك 
الستار البراق الذى ابتكره الحاكمون وصاغه دجالو الدين 
والعامة المنتفعون» وأعنى به ستار (الزندقة والإلحاد» . 

لقد مرت حركة النقد الأدبى عند العرب بقرون 
ليست بالقليلة» إنما كانت سئوات حوار وجدل عنيف» 
مصحورب بالتأمل والتدقيق المثير وفحص جزئيات العمل 
الإبداعى بطريقة ذهنية تخليلية» قد لا نغالى إذ نقول عنها 


ب ا مداخل تأملية لرؤية النص الشعرى 


إنها كانت أقرب إلى «الذهنية الختبرية؛ إن لم تكن مختبرية 
حقاً. ولعل دارسى البلاغة العربية درساً دقيقاًء ودارسى اللغة 
ذنهاً رأصواتا وأساليب لا تعوزهم الأمثلة للتدليل على ذلك 
أو الاستشهاد بما بتفق أو يضئع ما ذهبت إليه من درس يكاد 


يكون معروفاً بوصفه مقابلاً للدرس ال ألوف الذى مررت به ٠‏ 


ف أعذشى عن المذاهب الأدبية الأوروبية الكبرى أو الحركات 
و ك التجمعات؛ من أجل أن أصل إلى قضية صرت قرياً 
منها وصارت قريبة إلى منهج هذا العدد من المجلة. 

لكن المشكلة التى كانت شير فى الشجن تلو الشجن 
«الطبقات» وصولا إلى كتب الجاحظ فالآمدى فالعسكرى» 
الرمانى وابن الأثير والباقلانى والجرجانيين وغيرهم كشير» 
رصولا إلى أبرزهم وأشملهم وأكثرهم إمعانا فى الفلسقة 
البيانية ‏ إن صح التعبير ‏ وإمعاناً فى التفكير المنطقى المثير 
الممحرب بالتأمل الجمالى وأعنى به حازمأء صاحب 
(منهاج البلغاء وسراج الأدباء». أقول: كلما مررت بمثل 
هذه المآثر عجبت من قصور أساتذتنا امحدثين فى التصدى 
موضوعياً- نظرية متكاملة؛ أو هى توشك أن نكون متكاملة؛ 
إذا ما قيست بالتتبع الغربى فى الدراسة لعدد غير قليل من 
الإبداعات الأوروبية التى حولها دارسو الإبداغ الغربى إلى 
سذاهب ومدارس لازال تشكو إلى يومنا هذا من التداخل 
والارتباك الذى يضيع نيه المنهج أحياناً أو يختلط بمناهج 
يكمن وراءهاء مع أنها ظلت ولا تزال فاعلة ومهمة ومهيمنة 
نى واقع الأدب العالمى اليوم. 

أقول إذا يجاوزنا جيل أدبائنا الأسبق قليلاً» ما نحن فيه 
الآنء وعجبنا من قضية قصور تصديهم؛ ومرورهم بشكل يبدو 
عابرا غير آبه لواحدة من أخطر قضايا الأدب (وأستثنى قضية 
فى هذا الشأن واضح ومثير ومعجب»» فإن المرء لا يتذكر من 
عنى بشأن تخليل النقد والبلاغة وصقل جوهرها إلا النزر 
اليسير من جيل طه حسين والعقاد والمازنى وفروخ والرافعى 


ومحمود محمد شاكر فى بعض دراساته التى تنم عن فهم 
عميق للشعر القديم ونقده تحقيقاً وتأليفاً مثل دراسته المثيرة 
الطويلة (نمط صعب ونمط مخيف» . 

وإذا كان كل ما مر بناء مع جهود بعض المستشرقين 
من خاب منهم ومن أسعفه حظه بالاقتراب من الصواب - 
لم يستطع أن يضع بين أيدينا صورة شبه متكاملة؛ متأنية 
ناحصة؛ ممنهجة تاريخياً واجتماعياً؛ فكراً وفلسفة؛ رؤى 
ومواقف» سياسة ووقائع؛ فاعلة فى الحياة الأدبية العربية 
لمنفيرة من عصر إلى عصر. فما بالك بنا نحن الاقرب إلى 
«الحداثة؛» المعنيين بالدرس البلاغى والنقدى الموروث؟! ولو 
أننا نوخمينا الدقة المادقة فى تأمل ما وصل إلينا من فهم 
أسلافنا للشعر وماهيته؛ ومشكلاته التى لا تخصى على 
مستوى الجوهرى والعارض فقد لا نعثر- على امتداد خخارطة 
الثقافة العربية المعاصرة» ‏ إلا على قلة نادرة من المؤلفات 
النافعة الجادة التى تعنى بقضية جهود الأسلاف بهذا الصدد. 
ومن هذه الجهود جهود الدكتور الطاهر فى كتابه (ابن 
الأثير) ودراسانه لم تنشر فى كتاب - فيما أظن - عن 
مات الشعراء لابن سلام؛ إنما اكتفى بنشرها فى مجلة 
والآداب» البيرونية» وكتاب لإدريس الناقورى عن «المصطلح 
اننقدی» وقد صدر بالمغرب» وكتاب الدكتورة هند حسين طه 
(النظرية النقدية عند العرب»» وا شر من كتاب عن الشعر 
والإسلام ككتاب الدكتور سامى مكى العانى؛ وكتابا 
الدكتور جابر عصفور اللذان يبدوان أكثر من غيرهما تأنياً 
ودقة رصد وإحاطة: وهما (مفهوم الشعر) و (الصورة الفنية 
فى التراث النقدى والبلاغى عند العرب»؛ بل هما ثما يصبان 
حقأ فى جوهر المشكلة التى نحن بصددها. ولربما صدر أكثر 
من كتاب جديد عن مثل هذه الشؤون فى هذا القطر و ذاك 
من أرجاء وطننا ولم يصل» أو يقع بين يدى دارس جديد» 
وتلك مسألة محزئة لها أسبابها المعروفة التى تمنع عنك قراءة 
ما يكتبه أخوك هنا أو هناك؛ فهم فى الغالب يوكلون الامر 
إلى سوء :عمل مؤسسات البشر والعوزيع؛ وهذا شائع مشوب 
بعدم اليقين» أو أن يختلف نظامان عربيان سياسياً فيحجب 
الواحد منهما - وبسرعة عجيبة ‏ دخول مطبوعات الثانى 
حتى لو كانت تعنى بالشعر الجاهلى ملاً! 


۲¥ 


لقد احتلطت المواقف اخحتلاطاً بينا وتداخل الماضى 
الممتد إلى قرون عدة من نتاج الادباء العر ب بالإبداع 
الأوروبى نصاً وتشريعاً لمناهج أدبية كثيرة؛ ولقد أدى هذا 
الاختلاط والتداخل إلى نتاج أدبى يبدو للوهلة الأولى غير 
متجانس مع أنه يحمل الكثير من بذور اللقاء والتقارب فى 
المفاهيم وفى بريق أدوات التشكيل . غير أن الخوض فى أمر 
الدراسات النقدية المقارنة ليبدو الآن أمرأ صعباً. لكن هذا 
التداخل والاختلاط» وتباعد وجهات نظر وتقارب أخرى أدى 
بالشاعر الجديد إلى أن يقع فى خضم بحر أدبى هائج لا أول 
له ولا آخرء ومن هنا وقعت وبرزت مشكلة ما كنت أسميته 
«قضية التشوش والاضطراب» وربما الفوضى الشعرية التى قد 
لا يدرى بعض كتابها أين تكمن؛ مع أن إحساسهم الفطرى 
بها قائم. 

إنا الآن - ولنستشن جيل الرواد من كتاب القصيدة 
الجديدة عبر أقطار الأمة كافة ‏ أمام عطاءات شعرية هائلة 
الكم» فهم فى أقل التقديرات يقاربون الألفى شاعرء 
وإجازاتهم؛ بين قصيدة حرة وقصيدة نثر وكتابة شعرية» تربو 
على العشرة الاف مجموعة ظهرت ضمن فترة وجيزة لا 
تتعدى نصف القرن من الزمن» وهذا أمر لم يكن قد حدث 
فى نتاج أبة أمة من الأمم عبر العصور الأدبية كلها. 

إن الغرابة والدهشة لجديرتان بأن تصيبا أى باحث أو 
ناقد بالدوار» وهو معذور فى هذا ذلك أنه أمام ظاهرة 
مجنونة بدأت منذ منتصف عام ونمت بشكل معقول 
ميد من الماضى العربى قدر إفادته من الإبداع الإنسانى 
لخالد. لكن هذه الظاهرة؛ منذ منتصف عام ۱۹۷۰ء بدت 
كأن قد أصابها ‏ وبفعل الكم الهائل من الترجمات الرديئة 
لآخمر الحركات الأوربية غرابة وهلوسة مخت تأثير اللارعى 
الغافى فى أقبية عالم الخدرات ‏ مس من الجدون الذى لا 
يمكن أن يوصف إلا بصفة ١‏ التشويش» وغياب الوضوح فى 
المواقف؛ والرؤى وفى التأمل الواعى للكون وللإنسان ضمن 
مشكلاته المتعددة والمتجددة أيضا من جوع وأمية وفقر 
واحتلال وقمع وقهر واستلاب. ولم يستفد الشباب العرب من 
منظرى الحركات الأوروبية الأكثر جدة غير مقولة دن كنليف 
التى مرت قبل صفحات: (إن الشاعر ... لا يكون ضمن 


YA 





مسارئ السلطة؛ ولامع ماكنة الحرب...٠»‏ إن كان هؤلاء قد 
قرأوها ووعوهاء ذلك أن الواقع الفنى لا يؤكد ذلك بل يؤكد 
الضد منه. 

أبعد هذا كله؛ وما رافقه وبرافقه من غيابات فكرية 
متضاربة؛ متناقضة غير مدركة ولا متشابهة: خملها وتعبر 
عنها أدوات معالجات جمالية: شكلية باهتة لا ميزة لها إلا 
البحث غير المجدى عن أكثر الصور غرابة وغموضاً وترميزاً 
غير موظف - وتلك أبرز المعضلات وأعقد مشاكل الشعر 
لخدمة الحدث الشعرىء أو الفكرة الجوهرية التى يود المبدع 
إيصالها للآخرين. إن غياب جماليات الصورة الفنية لخدمة 
الذهن الشعرى هو «القتل المتقصد» للشعرء ما دمنا نؤمن 
جميعاًء دون أيما ارتيابات» «بأن الشاعر بشر يتحدث إلى 
بشرا. 

أبعد كل هذه الغرائب تمتد بنا «اللامبالاة» إزاء 
أكثر الأمور جدية حتى نطلق دون أى تردد مصطلحات مثل : 
«معطيات جيل الستينيات؛ و جيل السبعينيات» أو 9إنجازات 
الشمانينيات؛ .كأن الجيل لا يمتلك هنا من سمات 
«المصطلح؛ إلا البعد الزمانى فقطء وهو غالبا مما لا يتجاوز 
عشر سنوات» والسنوات العشر غالباً ما تكون متداخخلة 
بالأخرى - كأن هذه الضآلة فى السنوات قادرة على خلق 
فلسفة أدبية لها أصول وأفكار وجذور راسخة. إن هذا لم 
يحصل فى أدب أية أمة أو نقدها. 

وانسجاماً مع من يعجبه لفظ «مصطلح جيل) فان من 
حق المتابع الجاد ‏ وفى أحسن الأحوال؛ وعلى مضض - أن 
يقول: إن فى شعر فلان روحاً رومانسية خافتة» وإن فى شعر 
فلان نرعة واقعية باهتة؛ وإن فلانا «يهرف بما لا٬يعرف‏ 
وذاك لايفقه الشعرء لا لغة ولا تراكيب بل لا دلالات 
ألفاظ.. وللمرء أن يقيس مثل نلك الأوصاف على غير واحد 
من مر ذكره أو لم يمرء أو ممن جاهلهم كاتب هذه السطور» 
عمد لكثرة ما أضاع فى وقته وجهده فى تتبع کتابات 
سنوات السبعين وما بعدهاء أفراداً وجماعات. 


وأظن أن لى بعض الصواب حين أبادر إلى القول: إن 
الشعراء العراقيين والعرب الرواد ومن تبعهم؛ وركز عطاءه 


ص جه حي نان ابا رة اص لري 


حتى عام ۸ _ فالسنوات قلائل فى واقعنا الأدبى العربى 
الجديدء ولابد للناقد أن يتعامل معها بالمكاييل ‏ كانوا بذرة 
أولى تحمل الكثير من سمات العافية؛ الجدة والنضج ٠‏ فى 
الطرح ٠.‏ شكلا وفكراً؛ غير أن من جاء بعدهم إنما هم أقرب 
إلى : تسميتهم «بدء ولادة) ؛ إنهم «مخاض شعری) جديد» 
لتكوين قصيدة جديدة؛ أو عالم شعرى جديد. لكن لكل 
مخاض أسرارا » ولا يستطيع أحد التكهن أر الاقتراب التام 
من تشخيص ما سيكون عليه الوليد الجديد؛ فالمتغيرات اليوم 
كثيرة؛ أينمو طبيعياً قوياً مرتكزاً مجددا بارعا ٤‏ أم يظل يحلق 
بإعياء ضمن سرب متعب هو أقرب إلى الهلاك منه إلى 
النجاة؟ ! 

إن مرحلة «الولادة» هذهء مع غيرهاء ورغم تنوعاتها 
للنفرعة الأخرى؛ نظل شعرا» بل إن بعضاً منها ليحظى 
بالاهتمام إذ هو جدير بالمتابعة؛ وبعضها الآخر قد يبلغ درجة 
واضحة من النضج؛ لكن هذا كله يظل على المستوى الفردى 
الضيق» فمرحلة التدريب لتى يمر بها أغلب شعراء العربية 
الجدد نظل أملا فى الوصول إلى أبعد من خط النهاية التى 
نرخیها؛ وأعلى بها التكامل على الصعد الخارجية والداخلية 
أيضاء ... والمغير والمدهش» وانحير لفرط إنقانه» وبراعة صانعه. 
رلكنها ‏ كما هى الآن - تظل فى حدرد التقليد» ويظل 
البون بينها وبين إتجازات شعراء العالم الكبار شاسعاًء فهى إن 
لامسثت تلك الإمجازات فإن التلامس سيكون عابرا مرة 
وشفافاً مرة أخرى» وهو فى أحسن حالاته اقتراباً منها شديد 
النأى عنهاء ذلك أن إجازات ذاك ورؤاه تدخل ضمن باب 
دلا مألوف هذا ولا رؤاه؛. ولذاء فإن إفادة الشاعر العربى 
الجديد من الشاعر الأوروبى نظل فى حدود التضمين حيناء 
أو الإشارة حيناً آخر أو الإفادة من فكرة صغيرة ترد أثناء لقَاء 
أو كتابة تأسيس لحركة شعرية لم يحن بعد زمن الإفادة منها 
من حيث هى جوهر فكرى متكامل لدى شاعرنا الجديد؛ 
المقيم هنا أو الذى يعمل الآن بين ظهرانيهم. 

رس هذاء فان سنوات الشدريب و«مرحلة الولادة) 
تلتقى أهم معالم الشعر العالمى فى عدة؛ فهى بالدرجة 
الأولى تارب إنسانية ‏ دعك من أهمية التجارب أو قلة 
أهميتها ‏ أعنى أنها عطاء إنسانى أقرب إلى الخياطة العابرة 


منه إلى التطريز الماهر. هذا بالدرجة الأولى؛ أما بالدرجة 
الشانية؛ فإن عطاء تلك السنوات؛ وهذه؛ يقدم ذلك اللقاء 
الروحى الإنسانى الرحب ‏ ونعود هنا لنتذكر ما قلناه فى بدء 
هذه التأملات النقدية عن الإنسان والدين والشعرء عن علاقة 
«القراچي ديا“ بالروح والنزعة الروحبية الشاعرة؛ تلك 
العلاقة الباكية التى لا تغادر أية «تراجيديا» كلاسيكية 
محكمة البناء فى شعر أية أمة» وعبر العصور كلهاء والمذاهب 
الأدبية كلها أيضاً. أم أننا نسينا أن وظيفة «التراجيدياة الحضة 
«مسرحياً هى «التطهير). 

ولذاء فإن الشعر العراقى» والشعر العربى أيضاًء الذى 
كتب فى سنوات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات 
والشمانينيات؛ يندمى بهذه الدرجة؛ أو تلك إلى الروح العالمية 
الشاعرة التى لا يفارقها الشجن؛ هذا على صنعيد النوع مع 
الفارق بالدرجة؛ ذلك أن النائحة ليست كالتكلى. فإذا أضفنا 
إلى لى عنصر «التراجيديا؛ ضعفاً أو عنفواناً ‏ عند هذا الشاعر 
الأوروبى أو ذاك» وهو عنصر أساسى لا لبس فيهء فإن للواقع 
العربى والعراقى بشكل خاص فى السنوات التى تعنى بها هذه 
الوقفة التأملية دوراً واضحاً فى إذكاء تلك الجمرة التى تذبل 
مرة وتتقد مرة أخرىء عند هذا أو ذاك من شعرائناء إزاء 
واقعنا. 

إن الحديث عن الواقع المربى - ضمن سياق أزمنة 
الاحتلال والثورا رات ونمو المقاومة والحياة الشورية فى هذا القطر 
أو ذاك؛ حديث طويل متشعبء وبخاصة إذا ربطنا بين تاريخنا 
السياسى وما ال من فعل شعرى حديث. والحديث عن 
مثل هذين الأمرين يكاد يكون متشابهاً متقارباء فالأزمة 
راحدة» والتحرك الثورى واحدء والدمعة صنو الدمعة ‏ : أقول 
إن استرسالا كهذا هو بحاجة إلى مؤلف أو أكثر وإلى منهج 
يختلف كثيراً عما نكتب به الآنء ولذا فإن من باب 
الاختصار الضرورى أن أقف عند ملامح الواقع العسراقى 


آنذاك؛ دون أن أنسى الربط يبنه وبين ثماره على مستوى فن 


الشعر أو موضوعاته فى الأقل. 
فمنذ احتلال «البصرة؛ ‏ على سبيل المثال- » فى 


حدود عام 41414 وحتى قرابة أوئئل عام سبعين؛ كان 


۳۹ 


اا ا حي د يا 


الواقع العراقى یعانی من تمزق رهيب على المستويات كافة» 
السياسية» والاجتماعية: والفكرية» والعاطفية... وباختصار 
شديد كانت هناك أمية مروعة› وبطالة دائمة وفقر لا مجال 
07 الأمور المألوفة لدى مواطن الخمسينيات خصوصاء أما فى 
منتصف الأر بعبنيات فكانت الحال مبكية فيها أمام الجيل 
الجديد الذى بدا يتسرب غ ما کان يترجم 
شماله, وعرفت بتاريخ العراق الحديث ب «ثورة العشرين» 
التى كانت الشبب فی تلاحق الحركات الشورية كح ركة 
«مايو 24١‏ ووثبة 1948. وماأعةب تلك الحركات 
وأنضجها إلى حيث الثورات المعروفة . 

إن ذلك الواقع» وتلك العوامل مجتمعة » كانت سبباً 
أكيداً فى نشوع حركات سياسية متعددة» تطمح جميعها إلى 
التحرر التام وإلى التغيير الشامل» وعبرت عن طموحها ذاك 
عبر صحف ومظاهرات رافقتها جملة من الاعتقالات 
0 ل 00 مه 0 - 


OF 


أنذاك ( 50 لواقم العربى | لعن ن بأسره» 0-0 أن 
يوشك أن يكون واحدأً» فالغضب الثورى والعنف الجماهيرى 
كان يمتد ويتنامى بشكل سریع وهائل ومحزكث : تأميم قنأة 
السويس بعد ثورة يوليو» .. العدوان الثلائى على مصر... إلخ. 
ولقد بدأ أمر الاحتدام فى مصر والعراق والشام فى فترة 
متقاربة أذهلت العقلية العسكرية لحلف بغداد العسكرى» ثم 
امعدت نيران الشورة إلى الجزائر «أم الشهداء؛ ؛ وتلتها حركة 
خرر نونس فى الحقبة ذاتها التى لا يتجاوز أمدها الاربعة عشر 
عام الأخيرة  1١4819(‏ 1954). 

إن هذا الاضطراب الشورى العربى؛ على المستويات 
كافة؛ أدى - كما قلت - إلى خلق تغير فى حركة الفن 


۳۰ 


العربى كلهاء وظهر فى شعرنا أكثر من حركة كلاسيكية 
ثورية ‏ إن صح التعبير ‏ أو 9نيو كلاسيكية؛ واتسع مناخ 
الشعر (الشعبى) أيما اتساع وتعددت مناهجه هو الآخرء 
وتبلور من خلال هذا كله وضوح الحركة الشعرية الأكثر 
فعلاً ورصانة ووعياء التى استقر فيما بعد على تسميتها حركة 
«الشعر الحر . 
وكما توزعت السبل - وبشكل غريب سريع ملفت 
للنظر - بالحركة الشورية العربية النامية» وبقياداتها : بين 
قوميين؛ ووطنيين» بعثيين أو سرغي أو ليبراليين» توزعت 
تلك السبلء وبالسرعة ذاتها > هى الأخرى» بالفن بشكل 
عام؛ وبفن الشعر بخاصة » بل كادت أن تعبث به عبشها 
بعدد غير قليل من القادة السياسيين العرب أنذاك ؛ فحركة 
الثورة العربية فى الوطن بأسره كانت أقرب إلى التشوش بعيدة 
عن التنظير الإيديولرجى الم المنبعث عن فكر سياسى وا 
ومرتب وثابت المرتكزات. غير أن واقع الستينيات السياسى 
كما عايشناه عن كنب كان ف ا ح 
للعيان» فهو بعيد عن الاستقرار» سريع التغير» كثير التلون» 
يصفو حينا ويختلط 0 
الديمقراطية اليوم» قمعا يغازل الغرب غدا: يبيعك 
ويشتريك وبلعب بك» إنساناً وفنانا بين ليلة ونهارها. 
إن ذلك الاستقرار فى الوعى السياسى العربى؛ فى 
سنوات الستينبات وما قبلهاء قد انعكس هو الأخر- بشكل 
ما على ذهن الشاعر الجديد الذى وجد نفسه فى خضم 
بحر ثورى عنيف وهائج بشكل لم يألفه من قبل» فاختلطت 
00 اضحة للأشياء برمتها . ولعل هذا يكاد يكون 
مباش) لما كنت قد أسميته «حركة الولادة الشعرية 
الجديدة) ؛ إذ سر عان ما تلقّفت الأحزاب والحركات السياسية 
أبرز الوجوه الشعرية فصار بعضهم - بفعل الأنتتماء 
الإيديولوجى الضيّق ذا ميل واضح للانغمار فى بحر 
«الواقعية؛ كما بدت له أو وعاها آنذاك» فى شكلياتها الباهتة 
0 عن الفقراءء والطبقة العاملة؛» رهی عنده وفى 
حسن أمثلتها واقعية: : بالية مشوبة ة بمذاهب أدبيئة أخرى » 
1 تلك الواقعية الفلسفية المتماسكة الملامح كما عبر 
عنها الواقعيون من غير العرب» تلك التى خولت - كما مر 


- إلى دسائير ثقافية ضمتها وثائق الخاد الكتاب 
السوفييت؛ وظل أفضل الشعراء الذين تبنوا الواقعية مذهبا أولة 
بعد الانفتاح على أدب الامحاد السوفييتى؛ وأوربا الشرقية نر 
ثورة الرابع عشر من تموز ٠۹١۸‏ التى فتحت باب الترجمة 
واسعًا أمام مثل نلك الإنججا زات» فلسفة وإبداعا E‏ 
أنضل ارفك افع اتن ما اراي ااك شب 

هين - ولعل أكثر من مجموعة شعرية لهذا أو ذاك تكد 

بل إن بعضًا منهم ظل 
رومانسى الهرى مع انتمائه لمذهب الاشتراكيين والشيوعيين» 
ينما وجد أخرون؛ ضمن مناخ التحرر الجديد حرية أوسع 
ایو روا ای اي ال من ررح 
الراقع» واكتفى آخرون بالشحرر الذاتى «الشخصى أو 
الرجودى؛ تعسيرا وسلوكّاء مع أنه لم يعسرف من | فکر 
الورجرديين غير عبارة أو قصة قصيرة لسارتر؛ جاهلاً ذاك 
المسار الفلسفى الهيجلى والديكارتى وغيرهماء الذى هو نتاج 
فلاسفة عبثرا طويلاً فى ذهن سارتر وطلابه» ولم يعرف على 
مستوى المسلك غير تلك الضآلة عن فرلين ورامبو وأندريه 


جيد. 


د 


رلعل للمصريين» مؤلفين SG‏ وااو سن 
واللبنانيين والعراقيين» الباع الطويل فى إغراق أسواق الأدب 
بما كانوا يترجمونه من شعر ورواية ونقد وقصة ومسرحية» 
وسير ذاتية ؛ الأمر الذى حدا بالشاعر الجديد د أن يتعرف 
وهر و «القليل الزاد» ‏ إمجازات عدد غير قليل من کار 
كناب العالم؛ مفكرين وفلاسفة ومنظرى أدبء ومبدعين 
خلاقين» وهو الذى خرج لعو امن ا ا العربية التى 
كانت سائدة؛ فاختلط الأمر عليه اختلاطا يناه وضاعت 
درجات الألوان المتعددة التى تفصل بين الأبيض والأسود» أو 
تتدرج بينهماء وهنا لا أود- رغبة فى الاختصار- أن أذكر 
تلك الترجمات كلهاء بل سأكتفى منها بما أراه فاعلاً فى 
تغيير الواقع الإبداعى العربى» إن كان ثمة تغيير فاعل هر 
الآخرء لنتساعل فى نهاية الأمر عما وصل إلى المبدع العربى 
الجديد ووعاه وأفاد منه أو طوره وذهب به إلى مديات أكشر 
رحابة إنسانية وا رؤى إبداعية؛ متغافلا التسلسل التاريخى 
لأى منهم أو لأنماط عطاءاتهم مفترضا معرفة القارئ لهم 
معرفة تامة. 


مداخل تأملية لرؤية النص الشعرى 


هرجوء بريتوك» إيلوار» آراجون» ساجان) بودلير) 
شليجل ؛ مالارميه؛ تزاراء نيتشه؛ ديكارت؛ سارتر» ماركس» 
رسل ؛ هيجل» فيورباخ» إمجلز» هيدجرء لوركاء دستويفسكى» 
جخور كي تولستوف» جوجول: مايكونسكى» ألكسندر بلوك؛ 
وايشهيد؛ سان جون بيرسء أرثر رامبوء انتونن أرتو؛ هنرى 
ميشوء إزرا باوند» بييتسء إليوت» شللى» بايروذ؛ كيتس» 

لردج؛ وردزورث؛ إدجار آلن بره ولت ويدمان؛ هيرمان 
هسّه؛ تشيخوف» شولوخوف» «تيدهيوز وفيليب لارکن»* 
إلى آخمر هذه القائمة التى لا تتشهى بسهيلة والتى تكتظ 
بالأسماء الفاعلة فى تاريخ الفلسفة والفن والأدب والفكر 
الإنسانى بشكل عام. 

ولعل المتابع المتأنى سيدرك على الفور أن بعضاً من 
هذه الأسماء يشكل ‏ ججماغة آذيةء أو تلشف ذا مخلفات 
تؤدى الواحدة منها إلى الأخرى» متماسكة الموقن؛ متوحدة 
النظرة للأشياء كلها وقد تنأى نظرة فلسفية عن أخرى نأياً قد 
يكون شاملا كلياء وأن بعضها الآخر الإمجازات الإبداعية - 
يتميز بخصائص مغايرة عن سواه؛ وأن هذه الجماعة هى غير 
تلك فكراً وأدوات تعبير» بل إن بعض الشعراء يبدو متفرد إلى 
حد بعيد ولا يمكن «ربط نتاجه بمدرسة أدبية أو اليجاه 
فكرى» کما یقول «جاتیان بیکون؛ عن شعر «هنری میشر) 
فى كتابه.(الأدب الفرنسى الجديد)٠"".‏ 

إن هذه الأسماء بنشاجها الغزير المتنوع؛ التى قد 
وصلت المبدع العربى :ذا الثقافة المحدودة؛ «والذهن المشوش 
الحزين؛ الملل بإنجازات الإحيائيين والكلاسيكيين 
والكلاسيكيين الجدد؛ وبتهويمات الرومانسيين؛ كانت 
جديرة بأن تخلط عليه الأمور خلطاً غريباء وتلف حوله أنسجة 
معقدة» لا أول لها ولا آخرء بل لا عهد له بها من قبل» 
فكان أن ازداد الأمر تشوشاء ولذا وجدنا- عبر ترجمات 
مؤسسة فرنكلين آنذاك» وسلسلة الألف كتاب» وروائع 
المسرح العالمى وبصدور مجلات أدبية مشل «أدب» و 
«أصرات) و«اشعر) و «حوار؛ وترجمات أخرى لابرز الروايات 


الغربية - أقول وجدنا العديد من مثقفينا وشعرائنا فى حالة 


تشبه الدوامة إلى حد بعيد. وفى أحضان هذه الدوامة صار 
الواحد منهم لا يعرف إلى أي ن تقوده قدماه» فهر ما دام 


خالياً من الشوابت الفكرية أو المرتكزات الثقافية التى يمكن 
له أن يحتكم إليها برصانة وذكاء لكلا يقع فيما لا يعرف 
طريقً للخروج منهء أو تصويس لهنفوات وأخطاء ليس من 
السهل إصلاحها أو إعادة تغيير مساراتها ‏ ومادام الأمر 
كذلك فقد وجدنا عددا غير قليل من شعراء سنوات 
الستينيات ممن تلقفتهم الواقعية كما قدمتها نناجات ناظم 
حكمت أكثر من أى شاعر غير عربى. ولعل - وأنا لا أميل 
إلى التطبيقات فى مثل هذه المداخل - مجموعتى (النجم 
والرماد) و (المجد للأطفال والزيتون) وهما لسعدى يوسف 
وعبدالوهاب البياتى» حير دليل» بل أبرزه» على هذا 
الاحتضان البرئ والعادى لفهم «الواقعية الشعرية». ويمكن 
لناقد الشعر العراقى أو العربى الحديث بشكل عام أن يلتقط 
الشعرات من المجاميع التى ھی «مشیل أو تقليد» لهاتين 
المجموعتين ذائعتى الصيتء غير أن كاتبى هاتين المجموعتين 
- بعد اتضاح الرؤية واتساع الخيلة الجمالية - كانا قد تخليا 
عن ذاك الاحتضان البرئ والعادى لفهم «الواقعية الشعرية) › 
ونأت بهم الخطوات إلى مسافات أبعد؛ مسافات لا تتسع لها 
أوراق مثل هذه «المداخل النقدية»» ولها مكان أخر فى 
دراسات مستفيضة قادمة. 

فإذا كان هذا وضع أكثر من شاعر مهم فى السنوات 
تلك سنوات رياح الترجمة والانفتاح - وهو وضع يكاد 
يكون سمة حركة شعرية واسعة» فإن آخرين وجدرا أنفسهم 
منبهرين مرتمين - دون أن يعوا تمام الوعى - فى أحضان 
«دادائية؛ ولدت؛ فى الأساس» ميتة فى فرنسا عن عمر لا 
يجاوز السنتين؛ بينما راح ارون يحاولون الغرص فى 
أحضان بحر عميق متلاطم» وهم لا يفقهون معنى هذا 
الفوص» والخوض فى الأعماق» دونما أى تدريب سابق 
يؤهل لفعل كهذا. لقد كان إعجابهم بغرابة الصورة الشعرية» 
وتجذتهاء والتواء تركببها اللنوى » غسوضها وتعقدها: .وما 
قرأوه فى البيانين السورباليين» وهو الدافع الأساس لتبنى 
ذلك النمط من الأداء الشعرى «المشوش» الذى ظل سائداً 
لأكثر من عشر سنوات؛ خالقا عاط شعريا عجيباً لا بفهم فيه 
القارئ أو الناقد معنى لتركيبة لغوية سليمة أو دوراً مهما 
وفاعلاً للصورة الشعرية» من حيث هى أداة تعبير ذات وظيفة 


۳۲ 





أساسية فى نمو الفكر الشعرى» وفى إيضاح المناخ المتميز 
الخاص بشكل شاعر أصيل دون غيره. إن «إليوت؛ لم يقل 
عن الشعر إنه خخروج عن الذهنية الإنسانية إطلاقاً» بل قال: 
«إن الشعر الحقيقى هو إقلاق للوعى السائد؛. وهذا هو 
جوهر الصواب. ولعل أبا تمام ‏ وهذا من باب التذكر المفيد 
كان سباقا ل «إليوت» بفطنة الشاعر المتقدء فعدوه مقلقاًء 
1 عر و 

خارجاً عن «الألوف» من عمود الشعر. كما أن الفرنسيين لا 
ينظرون إلى أندريه بريتون على أنه مؤسس حركة مهمة فى 
الفن فقطء إنما كانوا يرون فيه واحداً من «أمراء البيان» 
الفرنسى. ولقد أفاض فى مثل هذا الأمر جايتان بيكون فى 
کتابه عن (الشعر الفرنسى الجديد) » ولعل كل ما كتب عن 
«السريالية» أو عن بريتون بالذات سيوضح إلى حد بعيد 
إمكانات هذا العبقرى على مستوى التنظير والتفكير» أو الأداء 
اللغوى البيانى المثير. 

أما «جماعة الرومانسيين» فى حركتنا الشعرية العربية 
الجديدة» فلم يكن لهم فهم نظرى لتلك المدرسة التى تحمل 
فى بنورها روح الشورة؛ ليس الشورة الأدبية فحسب؛ وإنما 
الشورة بمفهومها السياسى أيضاًء ذلك أن غير واحد منهم 
كان قد أسهم بهذا الشكل أو ذاك فى إذكاء الثورة الفرنسية 
الكبرى» ولم يصلنا من رهج تلك المدرسة إلا الرمادء وإلا 
الذيول بعد أن وهنت وذبلت. بل إن هذه الذيول قد وصلت 
متأخرة أيضأء حاملة معها صور الطبيعة الخلابة» والعاطفة 
الطاغية المشوبة بالحنين إلى الارتماء فى أحضان غابة لم 
نطأها أقدام بشر من قبل سوى المرأة «الحبيبة؛ التى ينظر 
إليها الرومانتيكى العربى نظرته إلى ملاك مقدس موشح 
بالأبيض» مطوق العنق بعقود الفل والليلك؛ وهكذا رآها نتاج 
محمود حسن إسماعيل ر «الملاح العائه» 8 «إبراهيم ناجى) 
وعلى محمود طه؛ وغيرهم من ترك بصمات واضحة على 
وعبدالوهاب البياتى ومروان والحيدرى؛ وشعر كثيرين من 
ولدوا بعد ۱۹۲۹ . 

بعد هذا كله؛ وعبر فهم كهذاء أما يحق لنا أن نسمى 
تلك المرحلة من نتاجنا الإبداعى ب «مرحلة اخخاض؛ أر 





مرحلة «انتظار تكامل الولادة؛ دون أن نعمم وبلا قناعة كافية 
مصطلحاً مثل «جيل الستينيات» مغلا ٠أو‏ من زامنهم أو امتد 
به الزمن إلى الآنء فتقارب مع إجازات السبعينيين » وتداحل 
بهم تأثراً وتأثيرأًء وإذا انسقت مع مثل هذه التسميات» فإن 
على أن افول: إن هناك جيلا يكتب منذ أكثر من عشر 


سنوات؛ فهل أطلق عليه ؛جيل الثمانينيات؛ قانعاً برأى من 


يحول | لحركات الأدبية المتصارعة إلى د كم م زمنى) محسوب 
بالمماقيل من الست ؟! وكيف ا الشاعر أو مجمرعة 
الشعراء الذين 0 الآن؟ 1 وسأعود ! الى لى ذكرهم بعد قليل. 


الك ره يي أله سي ال 
ومع هذا الاختلاط ی انتاج الشعرى کله: الذى 
بشبه اختلاط الحابل بالنابا + ما يقولون» زان النا 
4 
ERY ۳‏ 3 3 
بستصيع - بقليا ا السبر_ أن بميز بعض «ملامح حر له 
شمرية) توشك إن تكون متقاربة فى الرؤية الموضوعية للظاهرة» 
0 ترشك 5 تكون متقاربة حتى على مستوى الاداء 
ا ROS ESSE Ê‏ 
لتشكيلى الجمالى 0 
وریا بممناها الشاما 


٠ 
” ما‎ 
‫َ 


2 ت 
ن اسميه (الحركة كة الواقمية انشو كل 


فرعاتها؛ وهی فی أغلب مراقفها رتبطة 'رتباطاً وثيقاء 


- 


0 
1 
1 


م ا 


نرب إلى الوثوق: بالسياسة:؛ فكراً ونظاماً؛ أى أن 9 موقفا 


یر جیا واضحاء وليس يمأ ها أن نتساول تهنا 5 كان 


ذا المرقف ست ا إيجابياً» مع و ضد 
وما دامت هذه «الرقفة التأملية النقد 

شمر العراقى الذى سأتناوله عبر سلسلة 

أصفه حركات شعرية ممزقة؛ فإن على أن أقول: إن حركة 

شعر الجديدء كانت فى أول أمرها حركة رومانسية ذابلة 


ية تمده لالجانات 
2 1 0 534 


أ | 
3 ا 
م الدر سات › 


تلط فيها فوضى المدينة وبشاعة حياتها الساخبة التى تبتلع 
اكنيها بالتوق إلى الريف»؛ ودنقه وحنانه وهدرئه وإلنة 
اكنيه؛ ويتجلى ذلك واضحاً فى نتاج السياب وعبدالصبور 
بياتى وغيرهم» مع تأثر شديد الوضوح بالإلجازات الرومانسية 
سرية كما مرت بنا من قبل» ولم ينجنا من تلك الررح 
رمنائسية الباكية إلا ذلك الوعى. السياسى الذى رافق 
ركات التحرر العربى بعد عام النكبة ۸ وما تلاه من 
ف جماهيرى ثور Ee‏ أدى إلى إذكاء نار الحياة 


و ا 
نزبيه التى 


Ee 


غطت الوطن العربى برمته» ناهلةً من نبع ثورة 
لیر ۱۹٩۲‏ وما تدفق منه ليغطى حركات التحرر فى 


مداخل تأملية لرؤية النص الشعرى 


خارطة الوطن العربى كله. ومن هنا صار المثقف والشاعر 
العربى يدرك أن طريق الخلاص ليس طريقاً فردياًء ولا هروبا 
E‏ وأن الفن ليس تعبيراً عن حزن أو فرح فردى؛ وأن 
لشعر ليس ضيقا إلى هذا الحدء بل هو بما فيه من رحابة 
واسعة جدير بأن يعنى بقضايا الإنسان والواقع » وأنه إذا أريد له 
أن يخلد ويتجدد فإن ذلك یتم بتجدد المضامين والرؤى إضافة 
إلى تجدد الأشكال . إن إدراك الشاعر لمثل هذه الأفكار 
الجديدة قاده بشكل طبيعى إلى تبنى ما كانت توصله 
المنظمات الحزبية إلى الناس سراًء فوصل إليه؛ ولقى الاهتمام 
الخاس الذى كانت الأحزاب القومية الوطنية توليه لمبدعيها. 
من هنا ولدت حركة شعر جديدء ثورى النزعة» مباشر التوجه 
إلى القارئ» صارم النبرة؛ غير عاب جداً بجماليات الشكل 
- إذا استشنينا السياب ‏ وكأن همه الأوحدء ووظينته 
الرحيدة نکن فى تعبئة الر وح لدى الإنسان نعبدة لورية حادة 
وسباشرة : ولعل تلك التعبئة كاك تتجلى فى ننا ا ج الشعر 
الفرميين ' أكثر من جلیپا فی نتاج سراهم. 

ا يرة الشعرية إلى زمن سَعدى 
يوسف شد أدركنا أن «الواقعية الشعرية؛ لديهم كانت 
مشوبة بروح رومانسية واضحة» بينما نميزت فى جائب آخر 
من جرانبها بررح أكثر عنفاً رجرأة على الصميد الإيديولرجى 
والأدائى الفنى: كما يبدر ذلك واضحاً فى امتداد خيط شعر 
على الحلى ومحمد جميل شلشء إضافة إلى إنخازات خالد 
على مصطلفى ومالك المطلبى وحميد سعيد وسامى ممهدى»؛ 
مع إمكان تلمس تباين الواحد منهم عن الآخر فى الصياغة 
الجمالية الشكّلية للقسيدة. 


يتمتعول بالإبداع الشعرى الساني دونما ارتماء واضح بین 


بينما ظا لى أخرون من | أبناء الحتنبة 


(واقعية مشوبة برومانسية هادئة) واواقعية 1 كثر عنفاًا» 
نهؤلاء كان الشمر لديهم هما روحيا خالصاء بعيدا عن 
«الانى والضيق والمؤدلج؛ ... إنه هم لا يمكن له إلا أن يكون 
واقعياًء لكن واقعيته تلك لا يمكن أن توجد إلا بالصفاء 
الروحى الحزين» المقدم بمهارة تقنية عالية. إن نتاج فوزى 
كريم» وعبدالرحمن طهمازی؛ ومحسن أطيمش » وعلى 
جعفر العلاق» وياسين طه حافظ؛ وحسب الشيخ جعفر؛ 


كنا 


محسن أطيسمش 


وحسين عبداللطيف» ومعد الجبورى وكثيرين غيرهم» ليبدو 
نتاجا طموحا تواقاً لخلق عالم شعرى مثير على مستوى 
التجربة الشخصية أو التقنية العاليةء ولقد أفلح فى هذا كثيراً. 

وللباحث وهو يمعن فى تأمل تطور مثل هذه الإمجازات 
التى اغترف بعضها من مياه أنهر غريبة؛ وأخر «الواقعية؛ 
و«الواقعية الأكثر عنفأ» و«جماعة الهم الصافى الحزين» كان 
يغترف من ينابيع عربية خالصة؛ من واقع عربى وعراقى 
صميم» مدمر ومزق؛ أى أن جذور تلك الحركات تكاد 
تكون امتدادا بعيد الغور فى طين تلك التربة؛ ولا يجافى 
الباحث الحقيقة حين يذهب إلى القول: إن تلك الجذور 
الشعرية ولدت منذ يام احتلال «البصرة» ونمت مع نمو ثورة 
«المشرين؛ فى المراق»ء وتصاعد نموها اتساقاً مذ عقدت 
معاهدة «پورتسموث) وقيام «حلف بغداد المركزى» بين 
العراق وتركيا وإيران وباكستان من جهة؛ وبين الغرب من 
جهة أخرى. وكان هدف هذا الحلف الأساس هو إحكام 
القبضة على منطقة الخليج العربى حيث منابع البترول 
والممرات الاستراتيجية التى كان الإمبرياليون يحرصون على 
التمسك بها خشية تسرب النفوذ السوفيتى إليها** آنذاك. 
وتلا «بورتسموث؛ الهبة الشعبية الشورية الهادرة؛ وحمت 
عنها تظاهرات كبرى اجتاحت بغداد وهزت الحكومة: 
«حكومة صالح جبر» بل أسقطتها بعد أن غرقت بغداد بدماء 
شهداء وثبة الجسر :١1514/‏ «جسر الشهداء؛ الذى لايزال 
حتى يومنا هذاء يشير باسمه الخالد إلى ما حدث. 

كان لتلك المرحلة المدمرة من التاريخ الحديث للشعب 
العربى برمته شعراء لامعون أسهموا بجدارة عالية فى تأجيج 
روح الشورة وإذكائهاء ولعل أبرزهم محمد مهدى البصيرء 
والأخوين الشبيبيين محمد جواد ومحمد رضاء والرصافى 
وىحمد صالح بحر العلوم» وآحرون لا یحصون» وکان 
ل محمد مهدى الجواهرى صوته المميز المدوى المثيرء روحاً 
وحرفة كلاسيكى بارع. إن قصيدنيه الذائعتين «أخى جعفره 
و«هاشم الوترى» لا يمكن أن تبرحا ذاكرة الشعر العراقى عبر 
تاريخه الحديث» مهما استطال. 


۲٤ 


لكن شعراء الواقعية العنيفة المؤدلجة ما كانوا ليعبأوا 
كشيراً بمثل تلك الإنجازات ‏ والجواهرى استثناء؛ بل هو 
استشناء دائم عند جميع الشعراء مهما نأت بهم المسالك 
الشعربة وباعدتهم عن بعضهم الإيديولوجيات ‏ بل إن قسماً 
منهم كان ينفر من مثل ذاك النتاج؛ وأظن أن سبب نفورهم 
من أغلب تلك القصائد يعود فى كثير من الأحيان إلى سوء 
الصياغة الجمالية التى تبدو عند أكثر من شاعر» وفى أكثر 
من قصيدة؛ أقرب إلى النثر منها إلى الشعرء روحاً وجوهراً. 

إن جل اهتمام الشعراء الواقعيين الجدد ‏ مهما 
اختلفت مشاربهم - كان قد امه إلى شعراء آخرين أعجبوا 
بهم وتأثروا بنتاجهم. أو نكون مخطثين إذ نقول: إن قصائد 
مثل ١‏ فى المغرب العربى»»؛ و«مدينة بلا مطرا» واأنشودة 
المطر)؛ و(جميلة بوحريد؛» و بور سعيدا»› و«الأسلحة 
رالأطفالء""“» وبعض نتاج شاذل طاقة ومجموعتى على 
الحلى المبكرتين (طعام المقصلة) و(إنسان الجزائر) ومجموعة 
كاظم جواد (من أغانى الحرية) ونتاج البياتى الغزير» كان لها 
الأثر الفعال فى تطور حركة شعر واقعى جديد أكثر ثما كان 
لقصائد البصير والرصافى والشبيبى والوائلى وأضرابهم. 

-۸- 

إن المسيرة الشعرية التى كنا نخوض فى مياه تدرجها 
لا تزال تواصل العطاء ضمن شاطئيها اللذين صارا مألوفين 
لدى الجميع؛ قراء وشعراء ونقاد» غير أن الوقوف عند تلك 
الضفاف سيؤدى بناء بشكل أو بآخر إلى إدامة النظر فى نمط 
من الرتابة المملة المضجرةء بل إنه قد يمنم عنا الرؤية باجاه 
أفق أوسع وأكثر رحابة؛ ذلك أن ثمة حركة شعرية شابة 
كانت قد ظهرت فى أواخر الستينيات من .هذا القرن» ثم 
خبت» ثم عادت» ونمت فاتقدت فصارت ظاهرة شعرية لا 
يمكن لناقد أن يتجاهلها أو يحاول إنكارهاء وأعنى بتلك 
الظاهرة ما اصطلح. على تسميته ب «قصيدة النثر». ولست 
هنا بصدد متابعتها متابعة تامة» ولست براغب بإيراد نماذج 
تطبيقية مقارنة منها شأنى مع هذه الظاهرة كشأنى مع 
غيرها ‏ وأقصد الابتعاد عن النماذج وخليلها قدر ما 
أستطيع » لأن منهج مثل هذه المداخل هو أقرب إلى تشخيص 


ااا سس سس مناخخل تملية لرؤية النص الشعرى 


الظواهر دون الغوص فى التحليل النقدى الذى غالباً ما يرتبط 
بمناهج تألين كتب فى نقد الشعر. 

لقد جاء بناء هذا النمط من القصائد مجاوزاً لكل ما 
هو مألوف من الإيقاع الشعرى؛ كما أنه جاء ملغياً الغريب 
والجديد من الصور الشعرية أيضاء وبدا بعض شعراء هذا 
النمط أقرب إلى (جدة جديدة) أو كالباحث فى اللامألرف 
عن الأكثر لامألوفية» فسقط الكثير منهم فى هوة سحيقة 
ليس بالإمكان ردمها » أو إخراجه منها. إن عبارة إليوت التى 
كانت مغلقة يوماً ماء للناقد والقارئ على حد سواء» وهى 
«إن الشعر الحقيقى هو إقلاق للرعى السائد»» صارت بالنسبة 
إلى جماعة قصيدة النشر ما يدخل فى باب (البدهيات» أو 
«الموروث البائر) » إنهم نزاعون إلى شئ سحرى مجهول لا 
بعرفون هم کنهه أو تکوینه بشکل مرسوم منظر له أو مؤكد. 

كان فى طلبعة كتاب تصيدة النشر فى بادئ الأمر 
شعراء معروفون بثقافتهم الواضحة:؛ وعنايتهم الدائمة بمتابعة 
الجديد والمؤثر فى حركة الإبداع؛ وكان لبعضهم اهتمامات 
فنية إبداعية أخرى كالرسم وكتابة القصة القصيرة؛ أضف 
إلى ذلك كله أنهم كانوا يعرفون؛ وبإتقان تام أحياناء لغات 
غير العربية» تسعفهم فى القراءة والمتابعة والاطلا ع على ما 
هو جديد؛ سواء أكان مترجماً أم غير مترجم؛ ومن هؤلاء 
آنذاك : الأب يوسف سعيد (رجل دين وشاعر ورسام) 
وس ركون بولص (شاعر وكاتب قصة» وهو أول عربى ترجم 
جميع أشعار الثائر الفيتنامى هوشى منه) ومؤيد الراوى (رسام 
وشاعر) وفاضل العزاوى (شاعر وروائى) وجان دمو (شاعر 
ومترجم) وصلاح فائق (شاعر ورسام كولاجات أقام أكثر 
من معرض لأعماله فى لندن) ؛ وغيرهم. فإذا أضفنا إلى نتاج 
هؤلاء جميعاً ناج صادق الصائغ (وهو رسام وخطاط 
ومترجم) فى مجموعته (نشيد الك ركدن» و شوقى عبدالأمير 
فى (حديث لمغنى الجزيرة العربية) وموفق محمد فى 
(الكوميديا العراقية) وقصائده الأخرى؛ أدركنا أن الشعر 
العراقی الجدید» فى جانب آخر من شاطئه العريض» بدأ يخطو 
خطوات أكشر غرابة ‏ وهى خطوات مقصودة فى الغالب» 
وأعنى أنها ليست من باب عبث عابث - فالأحلام الغربية 


التى لا تخلو من هلوسة ذهنية وضبابية فى التفكير» رالرمرز 
المتلاحقة المبهمة الموغلة فى الغموض, التى يختلط فيها 
الدين بالأساطير وبالرموز الميثولوجية بشكل عام؛ وكل هذا 
ضمن تراكيب لغوية معقدة وسط فيض من الصور الشعرية 
التى لا رابط بينهاء هذه السمات كلها صارت نسيجأ لتكوين 
شعرى لا يمكن إنكاره؛ غير أن تأثير أولفك فى حركة الشعر 
الجديد آنذاك لم يكن مهما جداً أو فاعلاً إلا لدى عدد 
ضئيل من القراء والشعراء المهرة. 

لقد كان لأدونيس يوما ما وليوسف الخال وأنسى 
قصيدة النثر بالفرنسية (فهى عند الفرنسيين معروفة منذ بودلير 
انها تكاد تقترب من الضفاف الآن» فأدونيس مثلاً يكاد 
يهجرها ‏ وهو يعود إليها بين الحين والحين - منذ صدور 
(القصائد الخمس) والمطابقات والأوائل) حتى قصائده 
المهمة (قبل أن يننهى الغناء) سبتمبر 1947. وفى نتاجه 
هذا صار يطل علينا وكأن عليه مسوح (مهيار الدمشقى) فى 
أبرز أدرات تشكيله الجمالى» هذا إذا استشنينا مجمرعنه 
(احتفاء بالأشياء الغامضة) الصادرة عام ٠۹۸۸‏ . 

ومع أن «الانحسار» صار أقرب إلى الوضوح» فإنه وجد 
له مؤخراً محطة عراقية كانت شبه مهجورة عند هذا الشاعر 
الشاب أو ذاك؛ وأعنى به وبصحابه من هم آخخر الشمار فى 
النمط من الأداء الشعرى أكثر دربة» كما يقول النقاد 
القدامى؛ وذرى تمرين وقدرات لغوية فائقة وعنيفة الاندفاع» 
وثقافة إنجليزية وفرنسية كمنشأ قصيدة النشر؛ استطاعوا بها 
وبوجهات نظرهم الخاصة الجديدة أن ينقلوا لنا هذا الإبداع 
أوربوية الهيكل والأداء » فصيّروها عربية الجوهر والررح» 
وجعلوها ‏ بذكائهم المعروف ‏ عربية المواقف والقضايا التى 
تهم الإنسان العربى المحاصرء وأنا شخصياً لا أميل إلى القبول 
بهذا المصطلح «قصيدة النثر؛ قبول رضى تام» ذلك أنها الشعر 
صناع ماهر. 





إلا أن الشعراء الشباب الذين أطلوا على دنيا الشعر 
بعد جماعة الماجدى وعادل عبدالله والجيزانى ورعد 
وعبدالقادر وجواد الحطاب وعدنان الصائغ وآحرين غيرهم 
كثير لا يزالون كمن يلهث وراء نتاج شبه ميت؛ إذ ليس 
ثمة طريق واضح أمامهم, ورؤاهم فى أغلب نماذجهم 
مسطحة؛ ولغتهم العربية غير سليمة البناء إطلاقاً» وعلاقتهم 
بالموروث القريب جداً منهم تكاد تكون منقطعة؛ بل منبتة» 
وقد لا يدهش المرء حين يصادف واحداً منهم لم يحفظ 
للسياب شيئاء ولم يعرف عنه وعن غيره من الرواد أكثر مما 
يعرفه طلبة المدارس. 

إنهم يبحثون بجدية مبالغ فيهاء عن المفارقة» وابتكار 
الصدمة؛ والافتعال غير المقنع؛ وتغريب النص» بل إن بعضهم 
لا يستطيع الإمساك بجوهر أفكاره إمساكاً واعيا مدركا ما 
يريد أن يصل إليه أو يقوله؛ ولذا نراه خائراً وهو فى حومة 
أفكاره. غير أن لنا هنا بعض الاستدراكات» إذ لا يستطيع 
أحد أن بقول إن عقيل على مثلاً ليس بشاعرء وإن بعض 
كتابات فلان وفلان وغيرهما تنبئ عن مولد هذا الشاعر أو 
ذاك» لو تكاملت له أو لغيره هوية الأفكار وبرنامج صنع 
الصورة الشعرية الملتصقة بجوهر فكرة الشعرء التى هى ليست 
حلية أو زينة إضافية تأتى دونما مبرر» إنما جى لتضى الحالة 
الشعرية كاملة وتشد أزرها منذ البدء حتى نهاية النص»... 
وتكامل له القبض بصلابة على ناصية اللغة وإدراك أسرار 


المراجع والهوامش 


)١‏ للمزيد من التفاصيل يمكن للقارئ أن بعود إلى كتب النظرية البلاغية 
والنقدية العربية القديمة وذلك لعددها الكبير الذى لا تتسع لهء مثل هذه 
القائمة. 

(۲) پنظر: معجم مصطلحات الأدب» مجدى رهبهء مكتبة لبنان ١141/4‏ ص 
٤‏ وهناك مراجع أخرى للفائدة؛ ستكون فى ملاحق هذه المراجع . 
(۳) نفسهء 65 وللمزيد ينظر أبضاء ١750520 548445145١‏ 

۳۳١ ۴۹ 875 ۲ ۲۳‏ وينظر؛ الفصن الذهبى دراسة فى 
السحر والدين لسيرجيمس فريزر وأدونيس أو تموز له أبضا. وموسوعة 
المصطلح التقدى بترجمة عبدالواحد لؤلؤة؛ وللمزيد من إفادة الباحثين 

تنظر القائمة الملحقة فى نهاية هذه المراجع. 


31 


صنعتهاء وبنيتها وجمالياتها الكامنة فيها. أقول هذا لأنى 
أعرف أنهم لا يزالون فى طور العدريب والتجريب» فلو 


أكثر رحابة» وإضافة إيجابية مقنعة. 


وجدير بنا هنا أن لا نتناسى» ونحن فى خضم حديثنا 
عن جماليات قصيدة النثر وواقعها الفنى العراقى» أن معظم 
كتاب هذه القصيدة لا يخلو نتاجهم من تلك النبرة الباكية 
الحزينة المدمرة» إنه ليس بكاء شخصياً رومانتيكياً بحتأء ولا هر 
بكاء وحزن وشجى ذو منبع إنسانى بعيد الجذور إلى حيث 
يرتبط بالدين والتراتيل والابتهالات الميثولوجية القديمة)» كما 
مر بنا فى أول حديئنا ببدء هذا «المدخل التأملى النقدى؛» 
إنما هو شجن معيش » شجن حقيقى؛ شجن وليد ررح 
متعبة؛ رأت محناً وعاشت وهى فى بدء تكوينها الإنسانى بين 
رحى مطارق حرب ملعونة لم ير تاريخ البدء البشرى مثيلاً 
لها من قبل» إنها حرب التكنولوجيا العسكرية فى واحدة من 
أشد حلقاتها تعميداً وهولا. ولذاء فإن شعر شعراء من طراز 
هؤلاء الذين خدثنا عنهم» وكلهم كانوا جنوداً ينمون العام 
بعد العام فى خنادق المواجهات الأمامية: لابد أن يكون 
مكنظ بتلك الروح التى تكاد تتفجر لظى وعنفواناً. يغلف 
مناخ القصيدة ويعبث فيها فنياً... ويعبث بالقارئ أيضاً. 


(4) المجموعات الشعرية هى على التوالى للشعراء: راضى مهدى السعيد؛ على 
الحلى» وعادل عبدالله؛ ولا شك أن تلك السنوات قدمت شعراء أخرين 
ومجموعات أخرى لا ينسع البحث لذكرها كلها. 

(5) ينظر لمثل هذه الدراسات مدارات نقدية لفاضل تامرء ومعالم جديدة فى 
أدبنا المعاصر له أيضا ۰۳۹۲ ۳۲۲ 557؛ وبقية فصول الباب الأول من 
كتاب طراد الكبيسى شجر الغابة الحجرى ١46‏ وما بعدهاء ربقية فصول 
القسم الثانى؛ ويستحسن قراءة الكتاب برمته» وأغلب كتاب حانم الصكر 
الأصابع فى موقد الشعر وأغلب فصول كتاب فى الشعر العراقى المديد 
لطراد الكبيسى؛ وهتاك كتب أخرى ملحقة فى فهرس مراجع الإضاءات 
التى هى للفائدة. 


ا و يت مداخل تأملية لرؤية النص الشعرى 


(1) ينظر: معجم مصطلحات الأدب 7١ - 7١‏ والمذاهب الأدبية الكبرى فى 
فرنسا لفيليب فان تيجم؛ يروت ١9537‏ وللتفصيلات وأرقام الصفحات 
يستفاد من إضاءات هذه الهوامش التى سترد فى أخر هذه الدراسة. 

(0) نفسه: وللمزيد عن الحركة الرومانسية تنظر قائمة الهوامش. 

(۸) تفه رالصفحات نفسهاء وص ۲۷۷ ودير الملاك محسن أُطیمش ۱۹۷۳ 
والنظرية الرومانتيكية فى الشعر لكولردج؛ ترجمة عبدالحكيم حسان» 
مصرء ١91١‏ ص :17١‏ وللمزيد ننظر قائمة إضاءة الهوامش 5 .١7‏ 

(4) المعجم: م 4. 

)٠١(‏ نفسه: وللاستزادة تنظر مجموعة الكتب التى ستمر على القارئ فى 

إضاءات الهوامش. 

.4۸۸: المعجم‎ )١١( 

.۲٣۳ ۰۱۲۲ نفسه:‎ )۱۲( 

)1١(‏ لعل دراسة جان سارتر عن بودلير ستكون نافعة جد فى هذا الخصوص» 
رهناك مراجع أخرى سيجدها القارئ فى إضاءات هوامئر الكتاب وما 
ذكرها إلا للفائدة وحسن المتابعة. 

)١4(‏ المعجم, 576؛ وللمزيد تنظر قائمة الهواش الملحقة فى نهاية الدراسة. 

. 554 أدمون ولسون» قلعة أكسل» ترجمة جبرا إبراهيم حبراء بغداد ص‎ )٠١( 

(5) بنظر والاس فاولى ععصر السوربالية , ترجمة خخالدة سعيد ومن المفيد أن 
بقرأ الكتاب برمته» وبقرأ أيضا كتاب أندربه بريتون والمعطبات الأساسية 
للحركة السربالية؛ ل ميشيل كاروج» ترجمة إلباس بذيوى. 

(۷) باسين طه حافظ» حركة الأنفاق» ص ٠١ - ٠١‏ . ملسلة المرسرعة 
الصغبرة» بغداد ٠۹۹۱‏ . 

(۸) نفسه: ۱۰ . 

(9) الشراجيديا فى الأصل مصطلح مسرحى يعنى «المأساة» وتهدف إلى 
«التطهبر - الكالارسس) كما بفهم من كلام «أرسطو وشراحه» لكننا 
نستخدمه فى أغلب صفحات هذه الدراسة استخداما مجازيا للتعبير عن 
نلك الروح الباكبة الحزينة. 

(۲۰) ينظر: سعاد خيرى: من تاريخ امركات الثوربة فى العراق ص ٠٠١‏ - 
5 ولا كمال الفائدة تنظر هوامش الدراسة الملحقة بنهاية هذه المراجع . 

(۲۱) جايتان بيكون» الأدب الفرنسى اجديد؛ ترجمة نسنيه صقر منشورات 
عويدات» بيروت» ٠۹١١‏ فى أكثر من صفحة:؛ وبخاصة تلك التى تعنى 
بشعر هنرى میشو. 

۳ کل هذه القصائد فى مجموعة بدر شاكر السياب أنشودة المطر. 

KN 
«إضاءات»‎ 
ملاحظات مرجمية ببليوجرافية » غابة فى الأهمية والاستزادة المعرفية»‎ 
رهى كشوف وإضاءات لعدد مهم من مراجع البحث.‎ 


+¢ 


)١(‏ إن هذه الملاحظات رضعت أصلاً لمن يعنيه هذا التمط من المباحث» 
والاستزادة فى معرفة الكثير عما مررنا به فى حديشنا الذى نقدم؛ فهى 
تعمقه وتريه ونضين إليه» كما أنها فى جانب آخر جزء لا يتجزأ عن 
الثقافة العامة لباحثين أخخرين أو من يعنيهم الاهتداء إلى جزئيات عدد من 
الأفكار ومتابعة تطورهاء وروادهاء وإتجازاتهاء ولعل القارئخ سبدرك مدى 
هذا الجهد الإضافى الذى عاناه الكائب خدمة لدارس أمور كالتى عنى بها 
هذا «المدخل النقدى التأملى؛ . 

)١(‏ أغفلت قسماً كبيراً من المراجع الخاصة برقم ٠٠١‏ لكثرتها الكاثرة, لأنها 
كتب نعنى بالبلاغة والنقد وما يكاد يشكل «نظرية عربية نقدية» للشعر»؛ 
وبعض هذء الكتب من مؤلفات التقاد القدامى أو النقاد الجدد؛ وقد أشرت 
فى داخل مدن هذا البحث إلى أكثر من واحد منهم» ولمل كثرة امحققين 
ل تلك الكتب» وطبعها أكثر من طبعة» صيرها شائعة مشداولة؛ وأغنانا 

٠‏ عن ذكر ببليوجرافيانها بالتالى. 

(؟) بعض المراجع؛ وبخاصة الأجنبية منهاء ذكرت ببليوجرافياتها قدر ما 
استطمت؛ بل كنت أشير إلى أرقام كشير من صفحاتهاء أو إلى تعض 
الفصولء أو الأقسامء من هذا المرجع أو ذلك؛ وفى مرات أخرى كنت 
أرجو من القارئ أن يقمأ المرجع برمته والكتاب بتمامه؛ وذلك فى محايلة 
لتأكيد أمر أو نقطة ينبغى علينا أن نتابعها بعنابة وإلحاح. 

(1) قد تتكرر بعض أسماء المإلفين أو عناوين مؤلفاتهم فى هذه الإضاءات تبأ 
لتكرار وتنوع الأفكار التى يوردونها هنا أو هناك؛ أو لتكرار قضية ما فى 
هذا الموقع من مؤلفهم أو ذاك؛ وريما اختصرت أسماء الكتب ومؤلفيها 
على هذه الشاكلة «المذاهب الأدبية...) وهذا الحذدف يعنى أن المصدر مر 
بنا من قبل كثيراً. 

)٠(‏ أينما وردت فى هوامش الدراسة أو فى هوامش الإضاءات لفظة «الممجم) 
فالمقصود بها كتاب المعجم فی ممطلحات الأدب مجدى رهية. 

(5) لم أذكر فى المراجع كل ما يدرى موضرعاً أو نقطة ما من هذا البحث» 
وذلك للاختصار: رلأن كل مرجع سبحيل من يعنيه البحث إلى مراجع 
أخرى بالتاكيد. 

المراجع التى هى لإضاءة الهوامش 
مراجع لإضاءة الهامش ۳۲ 

)١(‏ عي عبدالغفار مكارى: سافر شاعرة الحب رالحمال عند اليوناك» دار المعارف 
بمصرء ص 47١ 4١‏ رأماكن أخرى من الكتاب. 

(؟) الكسدر إيليوت: آفاق الفن» ث. جبرا إبراهيم جبراء دار الكاتب العربى ؛ 
ينظر فصل «هدايا للآلهة؛. 

)۳( أستن وارين : نظرية الأدب» ت. محبى الدين صبحى » دمشق ص ۲۱۳› 
رما بعدها من الفصل الماشر «الأدب والأفكار؛ . 

)4( أرنست فيشر: الاشتراكية والفن ت. أسمد حليم؛ مصر ص ٥۷‏ وما بعدها. 

(o)‏ ررستون هاملتون: الشعر والتأمل ت . محمد مصطفى بدوى» مصرء تنظر 
الصفحات ٠۲۹۰۳۸۰۲۱۰۲۱‏ . 


ب« 


محسن أطيمش 


(1) أى فيلبس: الفلسفة والأدب ت. عبدالأمير الأعسم, بغداد. ص 0484 
وما بعدها. 

(۷) ت. س. إيليوت: مقالات فى النقد الأدبى» ت. لطيفة الزبات» مكتبة 
الأخخجلوء القاهرة؛ ص ٠٠١‏ . 

نوماس مور: التطور والفنون ت. محمد على أبو دره وأخرين. الهيئة 

المصرية العامة للتأليف والنشر مصر 1917١‏ . يقرأ الفصل العاشر. 

(5) تشارلس مورجان: الكاتب وعالمه» ت. شكرى عياد؛ سلسلة الألف كتاب 
ص ١١8‏ وما بعدها. 

. ۱۹۷۰ طه باقر: مقدمة ملحمة جلجامش› بخداد‎ )٠١( 

)١١‏ جبرا إبراهيم جبرا: الأسطورة والرمز رقد ترجمه عن مؤلفين عدة؛ بغداد 
117 

)١7(‏ جيمس فريزر: أدونيس أو تموزه المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 
والغصن الذهبى؛ دراسة فى السحر والدين؛ ت. أحمد أبو زيدء الهيئة 
العامة للدراسة والنشر «الفصل الأول) برمته. 

)١5(‏ رونالد بيكوك: الشاعر فى المسرح؛ ت. ممدرح عدوان» دمشق» ۱۹۷۸ء 
يراجع الفصل الأول؛ مصر. 

(14) س. بورا: الأدب اليونائى القديم؛ ت. محمد على أبو زيد» مصر. 

(15) فاضل عبدالواحد: عشتار وتموز, بغداد ۱۹۷۳ . 

(5) فربدريش فون لاين؛ الحكاة الحرافية ت. نبيلة إبراهيم؛ سلسلة الألن 
كتاب القاهرة. 

۷ مارتن هبدجر» فى الفلسفة والشعرء ت. عدمان أمين» القاهرة 219515 
ص ۲٩‏ وما بعدها, 

(18) هوراس؛ فن الشعر: ن. لويس عورض» الهيئة المصرية العامة للتأليف 
والنشرء 117١‏ ؛ تراجع أغلب فصول الكتاب. 

(14) مجدى رهبه؛ معجم مصطلحات الأدب؛ مكتبة لبنان, 1517/4 . 

مراجع لإضاءة الهامش رقم (8) 

11 إراهيم السمرتى: لغة الشعر ين جيلين» فى أكثر من موضع. 

(؟) جلال الخياط: الشعر العراقى والزمن؛ الشعر العراقى الحديث» مرحلة 
وتطور؛ بیروت ۱۹۷۰ . 

(۳) حانم الصكر: الأصابع فى موقد الشعر بغداد ۱۹۸۲ء نقرأ أغلب فصول 
الكتاب. 

)٤(‏ داود سلوم: دراسات فى النقد التطبيقى › بغداد ١۱۹۸ء‏ الفصل الثانى 
وفصول أخرى. 

(5) سامى مهدى: أفت الحداثة وحداثة التمط؛ بغداد, 198/4 . 

() طراد الكبيسى؛ فى الشعر العرالي الجمديد , بغناد: د. ت. نقرأ أغلب 
الفصولء: قصيدة الحرب فى العراق ببغداد 14947 تقرأ أغلب فصول 
الجزء الأول. 
مقال فی الأساطیر فی شمر البباتی» دمشق» ٠۹۷۱‏ . 


۲۸ 





(7) عباس نوفيق : نقد الشعر العربی الحدیث فی العراق بغداد ۱۹۷۸ء 
فى أغلب من موقع. 

(۸) عبدالجبار داود البصرى» مقال فى الشعر العراقى الحديث؛ بغداد, 
4 

(۹) عبد الجبار عباس» المسهاب» بغداد» ۱۹۷۲ يقرأ الكتاب برمته. 

)٠١(‏ على جمفر الملاق: ملكة الغجر؛ بغداد » ۱۹۸۱١‏ يقرأ فى أكشر من 
موضع. 

على جواد الطاهر: ما وراء الأفق» بغداد» فى أكثر من مرضع. 

. ١9485 على حداد: أثر التراث فى الشعر العراقي الحديث؛ بغداد,‎ )١١( 

(16) على عباس علوان؛ تطور الشعر العراقى الحديث. اتماهات الروبة 
وجماليات السيج» بغدادء 14¥ بغرا فی اکثر من موضع . 

۸۹۰۱۱۰٤۱۹ فاضل ثامر: مدارات نقدية؛ بغداد» ۱۹۸۷ ض‎ )١4( 
بغداد, تقرأ أغلب‎ 151٠5 وبقية الكتاب ؛ معالم جديدة فى أدبنا المعاصر‎ 
الفصول‎ 

)١5(‏ فوزى كريم: من الغربة حتى وعى الغربة؛ بغداد 01917 يقرأ فى 
أغلب من مرضع. 

(5) محسن أطيمش: دير الملاك بغداد, الطبعة الثانية» يقرأ الكتاب برمته. 

۷ محمد الجزائری: ويكون التجاوز بغداد ١151/4‏ . يقرأ أكثر من فصل 
5-8 

(1۸( محمد مبارك : دراسات نقدية فى النظرية والتطبيق؛ بغداد, ۷7 

(14) مدنی صالح: هذا هر السیاب» بغداد, 1541 . 


مراجع لإضاءة الهوامش (5- ؟7١)‏ 

)١(‏ أنطوان كرم: الرمزبة والأدب العربي؛ دار الكشاف» بيروث؛ د. ت. ص 
4 

(۲) أبيريس: الاتجاهات الأدية فى القرن العشرين ت. جورج طرابييشي» 
سروت» منشورات عويدات» يقرأ الكتاب برمته. 

() إيليا حاوى: الرمزية والسوريالية في الشعر العربى والغربى » بسروت 
۰ . 

. ١95177 بامبر جاسکوین: ت. محمد قحی» دار الکاتب العربی» القاهرة‎ )٤( 

)2 يديع محمد جمعة: دراسات فى الأدب المقارن » مصرء دار النهضة 
العربية» بقرأ الكتاب كله. 

7( خلدون الشمعة؛ «عزرا باوند وحركة الشعر التصويرى؟ » مجلة المعرفة 

المدد ١۳‏ نة ۱۹۷۲ ص ۲۳۲ . 

(۷) رری کاودن: الأديب وصناعته ت» جبرا إبراهيم جبراء بیروت؛ ۱۹۱۲ . 

(۸) س. م. بورا التجربة اخلاقة ت. سلافة حجاوى بغداد» 1۹۷۷ 

(8)عبدالحكيم حسان: النظربة الرومانتيكية فى الشعر؛ دار المعارف» بمصر؛ 
يقرأ الكتاب كله. 


اس ست مداخل تأملية لرؤية النص الشعرى 


)٠١(‏ عبدالغفار مكاوى: ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى الشعر الحديث» 
الهيثئة المصربة العامة للكتاب؛ 151/١‏ . 

)١١(‏ عبدالوهاب المسيرى: الرومانتيكية فى الأدب الإنجليزى؛ سلسلة الألن 
کتاب» مصر ۱۹٩٤‏ . 

(؟١)‏ فورستر: ثلالة فرون من الأدب الأمبركى دار مكتبة الحياة؛ ييروت» 
مجموعة مترجمين. 

(۱۳) فائق متى: إلهوت» دار المعارف بمصر 15575؛ صء ٠١7‏ . 

)١4(‏ فيليب فان تيجم: المذاهب الأدبية الكبرى فى فرنسا ت. فريد 
أنطونيوسء لبنان» 14737 يقرأ الكتاب كاملا. 

)٠١(‏ مالبسن: إلبوت»؛ الناقد؛ الشاعرء المكتبة العصرية؛ بيروت؛ ت. إحسان 
عباس» ص ٥٤‏ . 

(1) محمد علف الله يحبى: من الوجهة النفسية فى دراسة الأدب. 
القاهرة» ممهد البحوث والدراسات» ص ۸۰ وما بعدها. 

(10) محمد غنيمى هلال: الرومانتيكية بمصر د ت. ص 17١‏ ودراسات 
ونماذج فى مذاهب الأدب ونقده؛ دار المعارف /15109 . 

)١4(‏ محمد النوبهى: تنظر ترجمته لمقال «إيلوت؛ فى كتابه فضية الشعر 


الجديد. 
(14) محمد فتوح أحمد: الرمز والرمزية فى الشعر المعاصر؛ دار المعارف؛ 
4 . 


مراجع لإضاءة الهامش رقم ١‏ 

)١(‏ أرنست فيشر: الاشتراكية والفن ن: أسعد حليم» دار الهلال» مصر. 

(؟) بوريس بورسوف: الواقعية اليوم وأبدا لا مترجم! بغداد 1514 . 

() نظربة الأدب: عدة باحشين سوفيت ت. جميل نصيفء بغداد 114 . 

. ۱۹۸۰ جورج لوكاش : فى الواقعية ن. نايف بلوز: بغنادء‎ )٤( 

(5) ديمين كرافت: الواقعية ت. عبدالواحد لؤلؤة؛ بغداد 144 . 

(5) صلاح نضل: منهج الراقعية فى الإبداع الأدبي : الهيئة المصرية العامة 
للكتاب؛ مصرء ۱۹۷۸ . 

(۷) عبداهسن طه بدر: حول الأديب والواقع ط .١‏ دار المعارف؛ بمصر 
۱. 

() فرد. ب. ميليت: فن المسرحية ن. صدقى خطاب؛ دار الثقافة؛ يروت 
7 القسم الثانى من الكتاب. 

(۹) فیلیب فان تیجم: المذاهب الأديية الكبرى. .. إلخ. القسم الرابع من 


الكتاب. 

ب 

(۰) مپشال شلیمان: دراسات ماركسية فى الشعروالرواية » دار العلم» 
بيررت» ١5/4‏ , 


مراجع لإضاءة الهامش رقم ١4‏ 
)١(‏ البيان الشعرى: مجلة شعر 56 ؛ بغداد 1474 ؛ افتتاحية العدد. 


(۲) البيريس: و.... ) بنظر القسم الثالث من الكتاب. 


(۳) عصام محفوظ: أراجون المؤسسة العربية للدراساث والنشر. ييروت؛ ينظر 
الفصلان الأول رالثانى. 

(4) رالاس فاولى: عصر السربالية ت» خالدة سصعيد» منشورات مؤسسة 
فرانکلین» بیروت 5517: يقرأ الكتاب كله. 

(5) فيليب فان تيجم؛ ٠...١‏ القسم الرابع من الكتاب. 

(۷) مالکولم كولى: أراجون شاعر المقاومة ت. أحمد مرسى. مكتبة المعارف» 
بیروت ٩٩٩‏ . ص ۹ ۲۸. 

(4) المعجم: فى أكثر من موضع منه. 

(9) مبشيل كاروج: أندربه بربدون والمعطيات الأساسية لمحركة السوربالية 
ت. إلياس بديوى؛ دمشق» 21475 يقرأ الكتاب كله. 


مراجع لإضاءة الهامش رقم د8١)‏ 
)1١(‏ سماد خيرى: من تاريخ ال خركات النورية فى العراق بغداد, ۱۹۷۴۲ . 
الجزء الأرل. 
(1) ربتشاردز نيكسون: «الحرب الحقيقية؛ ترجمة جريدة الأهرام العدد 
. 
(") عبدالمحسن طه بدرء وآخترون: حركات التجديد فى الأدب العربى 
الحديث. دار الثقافة للطباعة» مصر؛ واوا ص . 

)4( محمد النويهى: فضية الشعر الجديد؛ مكثبة الخاجى » بيروت» -. 
ص١۱۷۲‏ . 

(5) محسن أطيمش: دير الملاك؛ بخداد ۱۹۸۲ . 

() نارك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ط ١‏ دار الأداب» ييروت. «فصل 
الجذور الاجتماعية لحركة الشعر الحر . 

* ولقد تنبه النقاد المرب القدامى إلى مثل هذه الأمور فذكروا شعراء الطبع 
وشعراء الصنعة؛ والشعراء القدامى والمحدثين؛ ومذهب أبى نمام فى الشعر 
ومذهب الحرى» وذهب بعضهم إلى نقسيم الشعراء على طبقات» رآخرون 
إلى عصور كالجاهلى والأموى والمباسى - الأول والثانى ‏ والشالث -» 
وغيرهم قسّم الشعر على أسس قبلة وليس من المعيب هنا أن نعد حشداً 
من الشعراء الجدد أنهم على مذهب «أدرنيس؛ الذى لم يعد بيننا شاعراً 
وإنما طربقة تعبير. 

# «فیلیب لا رکن) ر ١نیدهیوز؟‏ هما كما يجمع النقاد الإتجليز أبرع شاعرين 
إجليزبين الآنء وكانا مثل فرسى رهان لنيل جائزة «البلاط» التى فاز بها 
قل عامين «تيدهيوز» ولم يترجما إلى العربية إلا لماماً. لتدهيوز مجموعات 
عدة منها؛ الصقر فى المطر ١561/‏ ؛ الغراب 1577 ؛ مهرجان الحصب 

۰ ودود 717 : قصائده مختارة ۲ طيور الكهف 1188 بقابا 
اپلمت ۷۹ وكتب بيانا شعريا .ولد عام ۰ وكتبت عنه أكشر من 
عشر دراسات. تنظر مجلة الأديب المعاصر المدد ۲۹ . 

kx‏ ينظر: الحرب الحتيقية: لرنشاردز نيكسون؛ ترجمة جريدة الأهرام 

المصرية ؟١١/‏ 4/ ٠54لا‏ ص ©6. 


۳۹ 


LL TT 


الواحد/ المتعدد 
البئية المعرفية والعلاثة بين 
النص والعالم 





كمال أبو ديب* 


ااا 


ا 

مع نهاية السغينيات؛ أخذت تبزغ فى القصيدة الحديثة 
مجموعة من الظواهر بدا لى أنها تمثل بوادر تخول عميق فى 
شعر الحداثة. وكان بعض هذه الظراهر بذورا كامنة فى 
الشعرء عبر العقدين السابقين ؛ لكن بعضها كان انبثاقا مغايراً. 
ولقد رصدت بعض هذه الظواهر فى أبحاث سابقة؛ بالإجليزية 
والعربية» غير أننى تركت عددا منهاء درن نقاش مفصل؛ 
لأنها لم تكن قد بلغت من الانتشار ما يسمح باعتبارها 
مكونات دالة» ضمن حركة الحداثة ذاتهاء من جهة؛ وضمن 
بنية الثقافة الكلية؛ من جهة ثانية. 


إلى فعولن مغلا فى البحر المتدارك)”١2‏ وبعضها تخولات 


* أستاذ الأدب العربى؛ جامعة لندن. 


لخوبة؛ وتصورية ونقفوية؛ وبعضها ينشمى إلى مستوى أكثر 
شمولية ۳ بنية القصيدة؛ مثل ما أسميته ولغ الغيابا»› أو 
«لغة الانفصام» . كما كان بعضها الآخر يتجلى على صعيد 
الرؤيا الشعرية : والتجربة ؛ والموقف. وقد سعيث عنل تمييز هذه 
الظواهر إلى موضعتها ضمن البنية الثقافية ‏ السياسية - 
الاجتماعية ‏ الاقتصادية ‏ واللغوية» حيشما أتيح لی ھج فی 
التحليل قادر على إنجاز مثل هذه الموضعة؛ وإلى محاولة فهم 
دلالاتها من منظور مركب هر فهم النص الشعرى ف بنيته 
اللغوية؛ وفهم العلاقات بينه وبين العالم الذى چ فيه) و 
العالم ذاته من خلال هذه العمليات التركيبية المترابطة. 

وفى بحث كمه عام 5 , ثم طورجزئيا ونشر عام 
'؛ حاولت أن أكتنه مجموعة من الظراهر - كانت 
بمناقشتها فى مرحلة سابقة؛ وأن أبحث عن الخيوط التى 


م ا کے 


تضمها جميعا فى نسق واحد أو نظام متکامل. وقد بدا لی 
يومها أن أبرز الخيوط الناظمة لهذه الظواهر هو العلاقة بين 
الواحد والمتعدّد فى الشقافة العربية؛ فأعطيت البحث هذا 
العنوان الذى حمله فى صيفته المنشورة 
١-١‏ 

كان الببحث أقرب إلى القراءة النصية الجزئية» لكنه كان 
أيضًا ذا توجه نظرى: خصوصا فى ربطه المعطيات التطبيقية 
ببنية الثقافة. وبدت بعض الظواهر التى رصدها جزئية ضئيلة 
الاتتشار؛ بحيث إن استخلاص نتائج نظرية ذات طبيعة 
تعميمية منها كان أقرب إلى مغامرة التأويل منه إلى العمل 
التحليلى الدقيق. 

ولد مرّت على كتابة البحث سنوات؛ كان يلفت نظرى 
خلالها شئ مهم هو أن الظواهر التى بدت جزئية» موضعية؛ 
كانت خلال هذه السنوات تتنامى فى قصيدة الحداثة» وتنتشر 
أنقيا من عمل شاعر إلى عمل شاعر آخرء بحيث أصبحت 
ي من السمات المميزة للهجات شعرية معينة» أو 
لأنماط تركيبية معينة؛ أو لجيل معين من الشعراء» أو لشعراء 
بعينهم . كذلك كانت هذه الظواهر تتنامى كيفياء فتصبح 
أكثر عمقا وتخذر وتعقيدا. 

ولد تعمق فى نفسى الشعور بأن الدلالات المبدئية التى 
بدا لى قبل سنوات أن هذه الظواهر تمتلكها هى فى الحقيقة 
دلالات جوهرية تنشاً من العلاقة الجدلية بين الشعر والعالم» 
بين الشاعر والوجود» مكثفة فيما بدأت اميه ف دراساتى 
«البنية المعرفية»"» فهى بنية تتشكل فى ذات الفنان حصيلة 
تفاعل دائب وطويل الأمد بين هذه الذات والعالم» بكل 
أبعاده وجوانبه والفاعليات المؤثرة فيه» التى يتعرض لها وعى 
الفنان أو تصطدم بها ذاته معرفيا أو يُجريبيا. ويندرج فى هذه 
البنية التاريخ » كما يندرج ضمنها البعد المتزامن لوجود الذات 
فى العالم على كلا المستويين: الواعى واللاواعى» وفى 
الأبعاد المتكاملة لوجود الذات: الفردى؛ والطبقى!؛ 
والااجتماعى والإنسانى؛ ولذلك بدت لى العودة إلى تتبع 
بعض هذه الظواهر والكيفية التى تنامت بهاء والمدى الذى 
بلغته من الانتشار» والسياقات التى انتشرت فيهاء خطوة 
ضرورية؛ لا على صعيد الممارسة النقدية فقط بل على صعيد 
فهم الشعر ذاته» وتطور علاقته بالعالم» ثم فهم العالم ذاته فى 
هذه العملية المحرابطة المعقدة» وفهم بعض التحولات التى 


الواحد / المتعدد 


طرأت على مستويات جوهرية من مستوبات الوجود؛ والتى قد 
يكون بعضها لايزال فى طور التكوين والتشكل . 
5 

ولهذا الغرض اخحترت أن أركز فى هذا البحث على 
ظاهرتين انننين كنت قد ناقشتهما فى البحث المنشورء وأا 
أعيد نشر البحث نفسه» مدخلا على أقسام منه بعض 
التعديلات» ومضيفًا إليه نتائج البحث المستمر التى تراكمت» 
منذ نشره حتى الآن . وفى يقينى أذ مثل هذا العمل مجد 
على صعيد دراسة تطور الشعر وتطور الدراسة النقدية» وعلى 
صعيد فهم الشع والعالم: والعلاقة الجدلية بينهما كذلك. 
إن ما أنفه لأايغبه عمل شاعر يعود إلى قضيدة لتتقيخها 
ونشرها بصيغتها المعدّلة. بل هو أقرب إلى أن يكون اكتناهاً 
للعلاقة بين العملية النقدية والشعرء من جهة» أو العلاقة 
بينهما وبين العالم من جهة أخرى» ثم العلاقة بين النقد 
والعالم» وقدرته على تلمس البذور والخبوط المتنامية والتكهن 
بها فى البنى الاجتماعية والثقافية . فالنص النقدى هو أيضا 
نشاط إبداعى ذو علاقة معقدة بالعالم الذى ينتج فيه» 
وبالنصوص التى يقوم بدراستها. صحيح أذ النقد «كلام على 
کلام ؛ بعبارة أبى حيان التوحيدى» 1 رولان بارت لکن 
ليس صحيحًا أن ذلك يجعله أقل علائقية أو قدرة على 
الكشفء أو ثراء» أو أصالة؛ أو غور) وجرا فى منابع الخلق 
والإبداع» من حيث تنبع كل ممارسة لغوية ترميزية باحثة عن 
دلالات. 

والنقد هو؛ فى وجه أساسى من وجوهه» مثل هذه 
الممارسة اللغوية الترميزية الباحثة عن دلالات. م حين 
يبدو النقد مستغرقًا فى رصد ظواهر قد تبدو لا للعين الرائية 
ظواهر «شكلية خالصة»؛ إذا كان لهذا التعبير من معنى» فإنه 
يمارس عملية اكتناه تتجاوز مستوى الشكل (بالمعنى الذى 
يفهمه البعض؛ أى بوصفه مادة خارجية مجردة من 
الدلالات) إلى عالم الدلالات الغنى الغائر الخفى. أو على 
الأقل» هذا هو مسار الجهد الذى أقوم به شخصياء والذى 
أسعى به إلى فهم الظواهر البنيوية فى النص الأدبى؛ وعلاقتها 
بالبنية الكلية للنص من جهة؛ وبالعالم الذى أنتج فيه النص 
من جهة ثانية» ثم إلى فهم العلاقة المعمدة ب بين النص ذاته» 
من حيث هو بنية كلية» والعالم. 


٤١ 


كمال أبو ديب 


- 
فى دراسة بالإجليزية كتبت فی أوائل السبعينيات27), 
اقترحت أن حركة الشمر المربى الحديث هى حركة من 


الببساطة إلى التشابك بك والتعقيدء » ومن المحدودية إلى 
اللامحدودية, ومن ن الوثوقية إلى الاحتمالية) ومن الوحدانية 


إلى التعدد. واقترحت كذلك أن هذه الحركة الجوهرية 
ليست سمة من سمات الشعر العربى وحسبء بل من 
سمات الثقافة العربية فى أبعادها امختلفة: أدبياء وسياسيّاء 
واجتماعياء وفكرياء ولغوباء وفنيا. 
حين كتبت الدراسة لم يكن قد أنيح لى الاطلاع على 
فقرة ذات أهمية كبيرة فى مقالة لأمبرتر إكر 6»5:0:ن]) 
(50 يصف فيها حركة الأدب الحديث فى الغرب قائلاً 
١إن‏ أبحائى الأقرب عهدا فى الشعريات المعاصرة 
(poetics)‏ تمثل» فى الواقع » محاولة لتأسيس 
أنموذجات للشعريات سيكون بوسعها أن تظهر 
أن تخولاً عميقًا يحدث الآن فى تصوراتنا للفن. 
فمن [جيمس] جويس إلى الموسيقى السلسلية؛ 
ومن الرسم اللاتمشيلى إلى أفلام أنطونبونى » 
يصبح العمل الفنى الآن أكثر فأكثر أويرا أبرتاء 
عملاً مفتوحاء التباسيًا يميل» بدلا من تقديم 
عالم من القيم منظّم ومتناسق ومتتماسك؛ إلى 
الإيبحاء ب «مدى متعدد؛ من المعانى» ب 
«حقل؛ من الإمكانات» وبهذه الخصيصة يتطلب 
أكثر تأكثر ند خلة أكثر نشاطاء واختياراً يمارسه 
القارئ أو المعاين)0* . 
وإذا كان للتشابه العميق بين ما اقترحته فى دراستى 
للشعر العربى الحديث؛ وما يقترحه إكو فى دراسته للأدب 
العا لمى» بل للفنون المتعددة فى العالم» من دلالات» فإن 
دلالته الأولى هى أنه يمنح سندا لكلا الرأيين المطروحين . بيد 
أن الدلالةء الأعمق؛ هى دخول الشعر العربى الحديث فى 
تیا ر إلى حركة الحداثة المعاصرة فى أعمق 
تجليانها وأسسها الجوهرية. لا شك أن شعراء؛ مثل أدوئيس 
بشكل خحاص» ونقادا مثل خخالدة سعيدء ودراسات كالتى 
قدمها هذا الكاتب للشعر العربى القديم؛ وبشكل خاص لأبى 


٤ 


تمام وشعراء التصوف» كانت قد هجست بمثل هذه الحركة 
الجوهرية من التطور الثمافى. بيد أن بلورة هذه الحركة؛ فى 
منظور نقدى دقيق» وضمن عملية محليلية متنامية» لاتزال 
تنقظر أن تكمل ؛ ولذلك» فإن أحد أغراض الدراسة الحاضرة 
محاولة تأسيس مثل هذا المنظور وتجسيد مثل هذه العملية 
المتنامية فى بعض من محاورها الأساسية؛ دون تقص أو سبر 
تفصيلى شمولى . 
۳ 

تمثل ثنائية الواحد/ المتعدد إحدى الثنائيات الجوهرية 
التى يتيح لنا خليلهاء كما اقترحت فى دراسة سابقة؛ نهم 
البنى العميقة فى الثقافة إلى درجة تفوق ما نتيحه معظم 
السبل التحليلية الأخرى. ويبدو لى أن العلاقة بين طرفى هذه 
الثنائية فى الثقافة العربية, عبر تاريخها الطويل» تميل إلى أن 
تكون علاقة نفى سلبى» علاقة قطبين لا يمكن أن يقوم 
یا تلاایا ر ار 
الغالب) إلى نفى الآخر نفيًا قاطمًا. كما يبدو لى؛ أيضاء أن 
فى الثقافة هوسًا طاغيًا بالوحدانية يتمثل فى المنابع الدينية 
للشقافة بالدرجة الأولى» ثم يتجلى فى الفاعليات الإبداعية 
والإنتاجية العادية فيها. وبين مجلياته الأسمى» أدييًء مفهوم 
وحدانية الممنى فى الدراسات العربية اللغوية والنقدية. لقد 
جهد النقد العربى» باستمرارء إلى تأسيس المعنى الواحد للنص 
الأديى» أو اللغوى» رغم المفارقة الأساسية المدمثلة فى قبول 
التعدد فى معنى المفردة اللفوية» الذى يبلغ أحياتا درجة 
التضادء كمافى الاضداد فى اللغة. وكان هم المعلق 
اللغوى» أو الناقد الأدبى» باستمرار» هو الوصول إلى «قلب) 
النص» أو العبارة» أو الصورة؛ أو الكناية... إلخ» الذى يمثل 
نواة صلبة محددة متشكلة تشكلاً نهائيا يمكن نقله وتمثيله 
بعبارة مغايرة. من هنا طفت على الدراسة الأدبية: مصطلحات 
تجسد أكمل تجسيد هذا الهوس بالمعنى الواحد» بين أبرزها 
«الغرض»» و ١القصد»؛‏ وما يعنيه الشاعر) و «المعنى فى 
قلب الشاعر». إن مصطلح «الفرض» يكشف عن طفيان 
تصور للنص الأدبى باعتباره يهدف إلى نقل شئ متشكل 
ثابت محدد وينجح فى نقله إلى المتلقى» وباعتبار دور المتلقى 
هو تلقف هذا الغرض بصورته الجاهزة. ولقد تجلى هذا 


دشم 


التصور فى أحكام نقدية بارزة تتحدث» بعبارة الجاحظ» عن 
«وصول المعنى إلى القلب فور وصول اللفظ إلى السمع»» أو 
عن «جاح» التعبير اللغرى فى «نقل» المعنى» دون عوائق. 
ورغم الجهود الرائعة التى قام بها عبد القاهر الجرجانى لتغيير 
هذا التصورء وتطوير مفهوم للغموض يسمح بتعدّد ا معنى؛ 
فإنه فى النهاية يكشف عن تمسك مشابه بالمعنق الواحد» 
لأنه يجعل الغموض عملية تعدد مبدثية وظاهرية فقط ححقق 
وظيفة نفسية. فإذا بدا أن ثمة ممنى «ثانيًا» للنص أولأء ثم 
استطعنا بعد التحليل والتنقيب الوصول إلى المعنى 
«الحقيقى؛ ؛ فإن اللذة فى الاكتشاف نكرن أكبر. بكلمات 
أحرى» ثمة معنى واحد حفيقى ؛ بيد أنه» أحياناً؛ ينكشف 
بطريقة تشير درجة أعمق من اللذة حين يتجلى» فى نهاية 
عملية البحثء وبعد عملية التباس بينه وبين معنى اخخر يبدو 
للرهلة الأولى ممكتاء ثم ينفيه «التفسير السليم»"23؛ واضحاء 
ناصعاً» متماسكا ودقيقا. 
1-۳ 

ما أحاول أن أبرزه فى الدراسة الحاضرة هو أن الحركة 
الجوهرية للشمر الحديث هى حركة من البساطة إلى 
التشابك؛ ومن المحدودية إلى اللامحدودية؛ ومن الوحدانية إلى 
التعدد وبمعنى أصيل ! أى أن هذا الشعر يتجه إلى آماد يصبح 
فيها التعدد لا إثارةً لإمكانية أخرى تولد اللذة؛ إذ ينكشف 

ليست المعنى المقصود أو «الحقيقى»؛ بل تعددا بنيوياء 
بمعنى أن هذا الشعر يقوم عمقيا على مفهمم للتعددية 
والتشابك واللامحدودية يؤدى إلى وجود احتمالات متعددة 
للنص الأدبى؛ على مستوياته الدلالية والتجريمية؛ وأن هذه 
الاحتمالات تمثل شبكة من المستويات والعلاقات تشكل فى 
تفاعلها الكلى بنية النصء وأن إخخفاء أى منها أو إلغاءه» هو 
إفقار للنص بل تدمير لغنى بنيته الدلالية والسيميائية والرمزية؛ 
وللتجربة التى يفيض منها فى الوقت نفسه. 
- 

تتمثل الحركة التى أحاول بلورتها على أصعدة النص 
الشعرى الختلفة› بدء) من طبيعة المفردة اللغوية فيه» ومرورا 
بالبنية الإيقاعية» إلى بنيته لدلالية ورؤياه الكلية. ومن الجلى 
أننى لن أستطيع» فى مجال كهذاء أن أتقصى هذه الحركة 


الواحد / المتعدد 


فى مجلياتها الختلفة بتحليل دقيق؛ لذلك سأكتفي بمناقشة 
بعض هذه التجليات؛ مؤجلا بعض) منها إلى منامبة أخرى. 
0~ 

ولعل أبرز ما تتجسد فيه هذه الحركة الانتقال باللغة؛ من 
كونها شيا 9 ابتا إلى كونها بؤرة من الاحتمالات؛ 
والخروج بالمفردة اللغوية من كونها علامة ثابتة الدلالة» 
قاموسيتهاء إلى كونها طاقة إيحائية وبؤرة دلالية تشع فى 
جسد النص بإمكانات متمددة» مشرية إياه بهذه الشعددية؛ 
وخالقة حول نفسها شبكة من الترابطات والدلالات التى لا 
يمكن أن تقلص إلى الدلالة القاموسية الواحدة. وسأكتفى 
هنا بمناقشة نماذج ثلاثة لهذه الظاهرة؛ لأنها تلقت قدر) 
معقولا من الاهتمام فى الدراسات النقدية. 

إن تناول أدونيس» مثلاً» للفظة «الجرح» واستخدامها فى 
عدد كبير من قصائده» يحيل هذه اللفظة إلى متخلل جذرى 
#ناهم) فى عمله يضئ بأبعاد دلالية غنية؛ وفى القصيدة 
التالية يتحقق ما أصفه بشكل جلى: 
اجرح 

- 

َالووَق الناكم كحت الريم 

سفينة للجرح 

والزمن الهالك مجد الجرح 

والشجر الطالع فى أهدابنا 


والجرح فى الجسورٌ 

حين يطول القبرٌ 

حين يطول الصبر 

بين حوافى حبّنا وموتناء والجرح 
إيماءة والجرح فى العبور». 

ا 

«للغة المخنوقة الاجراس 


أمنح صوت الجرح 


۳ 


كيال بودي ٠‏ حت 


للحجر المقبل من بعيد 

للعالم اليابس لليباس 

للزمن المحمول فى نقالة الجليد 
أشعل نار الجرح؛ 


وحينما يحترق التاريخ فى ثيابى 

وتنبت الاظافر الزرقاء فى كتابى 

وحينما أصيح بالنهار - 

من أنت؛ من يرميك فى دفاترى 

فى أرضى البتول؟ 

المح فى دفاترى فى أرضى البتول 

عينين من غبار 

أسمع من يقول: 

«أنا هو الجرح الذى يصيرٌ 

يكبر فى تاريخك الصغير("). 

فالجرح فى هذا النص ذو دلالة مختلفة؛ من جهة؛ وأكثر 
شمولية وجوهرية؛ من جهة أخرى » من دلالة «الجرح؛ 
اللغوية ‏ القاموسية أو دلالته فى الموروث الشعرى؛ حيث 
يستعمل فى صيفتى «الجرح الفيزيائى؛ و «الجرح اللامادى, 
المعنوى = جرح الكبرياء»» لكنه يظل فى كلتا الصيغتين 
محدود الدلالة» محددهاء واحدها. 

أما فى قصيدة أدونيس» فإن الجرح لامحدود؛ غير محدد 
الدلالة؛ ويعجاوز المجال الفيزيائى الضيق ليشكل عانا كليّاء 
كما يجسده القول: «الورق النائم حت الريح/ سفينة 
للجرح... والشجر الطالع من أهدابنا/ بحيرة للجرح؟؟ بل 
كما تجسده بنية النص الكلية . ويرتفع الجرح» بهذه الطريقة» 
إلى مستوى الرمز الذى يستقى مقومات تشكله من تعامل 
الشاعر الفرد مع المفهوم ‏ اللغة؛ من جهة: والبنية الثقافية ‏ 
الاجتماعية الكليةء كما تتجلى فى تمثل الشاعر الفرد لها 
من خلال ما أسميته «البنية المعرفية» المتشكلة لديه من جهة 
أخرى. وليس أدلّ على حدوث هذه النقلة» أو اتتحول؛ فى 


٤ 


طبيعة الجرح ودلالاته من شيكين؛ أحدهما استخدام أدوئيس 
له بوفرة فى النصوص التى يكتبها فى المرحلة التاريخية التى 
ينتج فيها النص المناقش» وثانيهما استمرار الجرح مكونا من 
مكونات اللغة الشعرية؛ والعالم التصورى ‏ التخيلى؛ لدى 
أدونيس » على مدى زمنى واسعء يستمر حتى آخر مجموعاته 
الشعرية متمتعا بالحقل الدلالى ذاته» وآلية الفعل السيميائية 
ذانها. وسيفى بالغرض أن أمثل على هذه الاستمرارية 
بالنصين التاليين اللذين نشرا عام 140٥‏ : 
١ )(‏ - «سائرون إليهء - 
وطنًا يتوهج بين الجراح 
من (الجراح مصابيحنا) 
سائرون إليه 
عاشقین» سكارى إليه 
نتعرىء نقلّبٍ أحشاءنا...» 
من هذا ما کتبه محمد بن عيسي 
الجا ل 0 
۲ - نهر الجرح فشن 
٠‏ کل صفصافه 
أذرع من ضياء. 
والسماء التى تتمراى 
في تجاعيده. غصون - 
قصب ناحل يتموّج فى ضفتيه 
وأنا نايها 
أتجدّد فى مائه 
وأسافر منه إليه». 
من (المصدر السابق) 
(ب) «أغنية إلى المعنى» 
«ليس هذا زمان البداء ولا آخر الازمنة 
إنه نهر الجرح يدفق من صدر آدم؛ - 
معناه يوغل فى الأرض,» 
والشمس صورته المعلنةء('). 


يسو 


ااا سس 


ھا 
ونتمثل عملية تكسير الدلالة الواحدة المستقرة؛ وتفجير 
دلالات جديدة للفظة المفردة» فى استخدام اللفظة فى 
سياقات جديدة تماما لم يكن مألوفًا أن تستخدم فيها فى 
التراث اللغوى عامة» أو التراث الشعرى بشكل خاص» ثم فى 
التجاوز باللفظة من حدود شبكة للعلاقات ممكنة (وإِن لم 
تكن مألوفة دائمًا فى الاستخدام الشعرى) إلى خلق شبكة 
للعلاتات بينها وبين غيرها من الألفاظ؛ تكاد تكون أدخل 
أحيانًا: فى إطار اللامكن أو اللامعقول؛ وأدخل أحيانا فى 
إطار المتناقض . 
وتتحول اللئة الشعزية بيئذه الضرزة إلى لغة للنضاد أو 
المفارقة الضدية؛ وهى إحدى السمات الأكثر تناميًا فى 
تبدة الجذانة: خلال العشريق نة اللا : 
حين يقول أنسى الحاجء مثلاً» فى قصيدة تمجد الحب 
وتكتنه مقدرته على تغيير العالم وخلق قيم ومواقف إنسانية 
جديدة: 
«حيث هناك وسط کل شئ 
غصن حبنا 
يورق الغابات والانهار 
بورق السعادة 
يورق الحرية 
يورق زهر الخبز 
يورق خبز الزهر 
وغصن حبنا إليك 
يحمل يا الله 
من قاع النهر الجريح 
يحمل العالم 
ثمرةٌ 
مغتسلة بشوك التوبة ' 
يحمله بفرح إليك 
والنهر ضحكة 
ولوا وة 


الواحد / المتعدد 


0 


فانه لا يمنح اللفظة أبعاد) جديدة حين يستخدم «يورق» فعلا 
استعارية طازجة» بل إنه ليتجاوز باللغة مجال المألوف المستقر» 
بالطريقة التى وصفتها قبل قليل» حين يتحدث عن ١زهر‏ 
الخبن و وخبز الزهر؛ . وإذا كان «خبز الزهر؛ قابلاً للتصورء 
فإن «زهر الخبز» يدخل فى مجال لغة اللاممكن. بيد أن أكثر 
عبارات المقطع تجسيد للعملية التى أحاول بلورتها هى 
الجملة «يحمل العالم/ ثمرة/مفتسلة بشوك التوبة؛. فأن 
يكون العالم ثمرة يحملها غصن الحب أمر يدخل فى نطاق 
اللغة الاستعارية؛ قابل للتحديد والتصور؛ لكن أن تكون الشمرة 
(حتى لولم تكن العالم؛ بل ثمرة حقيقية تماما) «مغتسلة 
بشوك التوبة؛؛ فإنه ثما يخرج فعل «الاغتسال) عن دلالاته 
المألوفة وسياقاته المعتادة ويقحمه فى سياق جديد ليس من 
السهل تخديد دلالته فيه. ثم إن كون الشمرة مغتسلة «بشوك 
التوبة؛ لما يرع نشابك التصورات» وتعقيد العلاقات بين 
الأشياء إلى درجة عالية جد). فالاغتسال يكون» عملي وعادة 
فى إطار الممكن اغتسالا بمادة سائلة أو سيالة (ماء أو غير») ؛ 
لكنه هنا اغتسال بالشوك» والشوك لا يغتسل به. كما أن 
التوبة قد تسبب شعور) بالألم يسوغ نسبة الشوك إليها؛ لكن 
أن يكون الاغتسال بشوك التوبة تعبيراً عن «نضح الثمرة) أو 
«جودتها» و طيبها»» أو أية حالة مشابهة؛ فمما يدخل فى 
إطار تعدد الدلالة والخروج بها من سياق المحدد إل 
اللامحدد؛ الواحد إلى المتعدد, واليقين إلى اللايقين. 
ه-" 
ومثلما تغتسل ثمرة أنسى الحاج بشوك التوبة يغتسل 

عالم عبد العزيز المقالح بما لا يرتبط عادة بالاغتتسال أو 
يبدو فيه الاغتسال النقيض المباشر للواقع الذى ترصده 
القصيدة: 

دكيف لى أن أحادث سيدة الضوء 

أن أبدا الاتجاه المعاكس للحزن 

أن أستعين بلؤلؤة القلب 

























لا شئ... مغسولة بالتراب العتيق طر 

ومغسولة بالغياب»(""). 

إن وظيفة الاغتمسال هىء فى الواقع الفعلى أوالشراث 
اللغوى» أن تزبل ما يتراكم على الشئ أو يداخله 
غريبة عليه بينهاء بل أهمهاء التراب والغبار. ويؤد 


ولحيوية اوضرع ا السو فى 


ال ل 2 الطريق عادة) فى PA‏ ا ف 
التراب فى الطريق وظيفة سلبية*. وحين يستمر النص 
الملريق بأنها أبضمًا «مغسولة بالفياب» فإن شبكة | 
الناشكة بين المادتين اللتين غسلت كل منهما الطإية 
التراب والفياب» تبلغ درجة عالية جد من التعقيد 
والالتباس. إذ إن الغياب مرتبط ت فى سياق 
الموت. وكل ذلك ثما يعمق آلية الخروج من الوا 


المتعددء من الي 1 ليقي إلى الا حتمال:؛ ومن | لى 
اللامحدود. 
۳_o‏ 


وتزداد هذه الدلالات بروزا» وتكتسب درجة أ 
الأهمية؛ حين نلحظ أن نصمًا آخر للشاعر يست: 
الاغتسال والصفة «مغسولة» فى إطار المألوف | 
الخروج على المألوف الممكن فى نص لشاعر يلجأ ! 
الممكن فى مكان آخمر يؤدى إلى نتسوء الظاهرة أرب 


الخروج وعلى محاولة اكتشاف دلالان"'' : 
«السحابة بيضاءء, 
والقمم المأربية مفسولةٌ 
أى كنز من الضوء 

هذا الذى ترتديه السموات والأآرض؟» 


9 القذارة» الصعوبة» البؤس» فقدان الحيوية » القعب... إلخ. .ومن يكون دير 
اغتسال الطريق بالتراب العتيق مضادا ومناقضا تماما للاغتسال أفى التجربة 


الإنسانية العادية» فهو اغخسال معمق للإحساس بالأسى وليس نافيا له. 


٤1 





فالصفة «مفسولة؛ هنا مما يتم فى إطار الممكن: القمم 
مغسولة بالمطرء لأن السحابة الآن بيضاء بعد أن أفرغت ثقلها 
من المطر الذى كان يمنحها السواد؛ أو «القمم المأربية 
مغسولة بالضوء؛؛ واستخدام «مغسولة» هنا ما يتشكل فى 


. إطار الممكن (الضوء كالماء ينظف ويزيل ويغسل حتى لو لم 


يكن مما تشكل نعلا فى الموروث اللغوى أو الشعرى» لأنه 
مرتبط بعمق بإزالة الظلام الذى يرتبط بدوره بما يمكن 
للإنسان أن يريد الاغتسال منه) . 
46 
وقد تتطور عملية كسر الدلالة المألوفة ‏ الموروئة ‏ وشحن 
الكلمات بدلالات جديدة إلى درجة تصبح معها الدلالات 
الجديدة؛ والاستخدام الجديد؛ هو الأكثر شيوعا وألفة؛ بحيث 
يقترب من إعطاء الكلمة مألوفية على مستوى أعلى هر 
المستوى الطارئ الذى تبرز عليه. وبين الأمثلة الأكثر حضوا 
على هذه العملية استخدام الفعلين (أقرأه أو «أكتب) فی 
قصيدة الحدالة. 
إن مراجعة دقيقة لديوان عبد العزيز المقالح (أوراق الجسد 
العائد من الموت) تكشف أنه يندر أن يستخدم فعلى القراءة 
والكتابة فى سياتهما العادى امألوف ‏ أى قراءة نص 
مكتوب؛ أو كتابة نص مسموع مشلا » وأنه غالبا ما 
يستخدمهما فى سياقات جديدة تماماء يكتسبان فيها دلالات 
مختلفة عن دلالاتهما المألوفة: 
وهذه بعض النماذج: 
دحين كان الصباح يداعب أجفان نافذة 
ويغنى مفاتنها 
لم يكن يقرأ الشرخ فى جفنها 
يتأمل وجه النهار الذى عاد مكتئبا 


والعناكب تقرأ صوت الغراب»(؟١).‏ 


«إن النساء اللواتى تطوعن للحب 
يحملن آنية من دم الفجر 


ر م م ا 


ويكتين فوق تلال المرافئ أضرحة 


e‏ لذ 
وقبوراء[7١).‏ 


«وشربنا نبيذ الاحاديث, تكتبنا 


وتحاورنا قبل غ00 


«یکتبنی می( 


«تكتب الدماء اللحظة - العصر 
يسجل الزمان 

يقرأ العالم فى التراب ساعة الوداع 
تحفظ الآفات ما يكتبه دمىء(؟١).‏ 


«فى الخلاء المواجه للقبر 
23 تجلسر سيدة هى مسن ... 
تقرأ وجه حصان يسافر فى الحلم»(") 


تقرؤنى فى النهار الرياح 


ويقرؤنى فى المساء البكاءء(١؟).‏ 
«ويقراً آخر حزنى عليه.(""). 
أن أصابعها تتلمّس صوتى على البعد 


تقرأنى فى الخيالء(""). 


«شارع واحد ظل يغمرنى بالضياء الملون 


تقراشء (1'): 


الواحد / المتعدد 


«للصديق الذى... 
واخضرار طفولة أيامتاء(*؟) 


«تأملت لون أصابعها 

وقرأت شبابى القديم 

على ضوئهاء("). 

من الجلى أن «أقرأ و «أكتب»» فى هذه النماذج' 

بس تسر الفعلين وتصل به آفاقا لا مثال لها فى 
التراث اللفوى اف والشعرى (إلا أن يكون ذلك فى لغة 
التصوف» وهى نقطة بحاجة إلى بحث). ومن الدال أن 
الفعلين يستخدمان بوفرة لافتة تماما بالقياس إلى استخدامهما 
فى النصوص الشعربة السابقة, لكن الأبعد دلالة هو أنهماء 
رغم هذه الوفرة في نصوص المقالح» لا يردان ي 
بالطريقة المألوفة» أو بصورة قربية منهاء إلا فى مواقع أربعة) 
منها ثلاثة جلية؛ هى : 

«ويقرا آخر سفر في تلمود العهد 

المفتوحء("5)* 5 


«وأقراً فى وجهه آخر الكلمات:(58): 


«أكتب بالخط الكوفى مرثية.(1"): 
وموقع ملتبس» هو: 
ال ان ادر : 
5 التعددية والتسمية 
لقد بلغ النزوع إلى التعددية فى الثقافة العربية ا معاصرة 
حدا من القوة جعل الشعر يرفض النمطية؛ والصيغة الموررثة 
الجاهزة الجماعية؛ رفضا حادا. وقد تمثل رفض النمطية فى 
واحد من أكثر خلياته عمقًا وجوهرية هو رفض العلاقة 
الاصطلاحمية الجاهزة بين الدال والمدلول. والعلاقة 
الاصطلاحية بين الدال والمدلول هى بطبيمتها علاقة 


۷ 


كمال أبو ديب 


نمطية؛ وبالتالى مسد مطلق للوحدانية لأنها تنفى 
أى إمكان للتمايز الذى قد ينتجه الفرد أو تعدد الأإراد فى 
اجتمع اللفوى. والشرط الوجودى لكون الدال دالا كما 
بقرر سوسير وعلماء اللسانيات والسيمائيات؛ هو أن يكون 
متعارفا عليه ومفهرما جماعيا. إن لفظة «شجرة' لا أعنى إلا 
لأنها مصطلح انفقت الجماعة على أن نعتبره لا على 
الموجود الشئ (الشجرة). ومن هنا فإن أى فعلل للتسلمية هو 
فعل جماعى؛ وإذا كان نرديا فلا دلالة (اصطلاحلية» له. 
ولأنه كذلك؛ نهورء كما قلت؛ تجسيد لوحدانية الرؤية؛ 
والتحديدء والفهم؛ : والتصور ؛ والفعل. 

من هذا المنظورء فإن إعادة التسمية هى ف وک 
جذرياء هى رفض للجماعة؛ وللوحدانية؛ وللقيم اللتشكلة 
الشابعة؛ وتأكيد باهر للتمايز والتعدد» والفردية. ومطاينة من 
هذه الوجهة:؛ تبدو الظاهرة التى أناقشها الآن باهرة تماما أولاً؛ 


جماعية:؛ : 


لكنها تبده دالة عميقة الدلالة؛ ثانيا. وهى ظاهرة إعادة تسمية 

أا العالم فی القصيدة المعاصرة. والظاهرة حديثة العهد» 

ولاتزال ضيتة المدى لكنها تتسسع وتنتشر تدر يجيا ود تصبح 

بك بين عدد من الشعراء الذين كانوا فی مرا ل أولى 

من عملهم يصدرون عن رؤية م ركزية محددة للعا ورهى 

تبدأًء بقدر ما استطعت أن أصل فى رصدهاء مع أدإنيس ثم 

تظهر لدى محمود درويش وعبد العزيز المقالح ب شک خاص» 

وفى قصائد لهذا الكاتب أيضًا. أما ظهورها فى شعر أدرئيس 

نقدكنت اقشته فى بحث باللغة الانجليزية نشر عام 

7م ربدت لى الظاهرة فيه تجسيدا لنزوع أدوفيس إلى 

إعادة خحلة 8 ا تكريئه بعد اي دائرة الرؤيا 
هذا العبارة ا 

«عندما خلق الله آدم» تيع للنص القران ؛ علّمه 

ذاتها تمامًا: نقطة الخلق الأول الأصللء وبيداً 

بطريقة عميقة الدلالة هى إعادة نسمية أكل شئ 

مغيراء هكذاء العلاقات القائمة بين عناصر 

الكون» حالقا كوتًا جديدا... وفى الواقع أن 

تصيدته الجديدة هذه تألف من بدالات على 


٤۸ 


نقاط مختلفة من التجربةء من الوجود»› من 

الأشاء: عِوْذًا أدونيين يعد نسمية الأعياء ويخلق 

بدايأته : 

«سمينا شجر الزيتون عليا 

والشارع فاتحة للشمس. 

الريح جواز مرور 

والعيصفون ظريقا:(7): 

بيد أن تطور الظاهرة خلال السنوات الأخيرة يسمح الآن 

بمحاولة نيميماء لا فی إطار الرؤيا الفردية, بل برصفها 
مكو من مكونات ١بنية‏ معرفية» فى طريقها إلى التشكا 
الحدبث هر 0 اللغة الموروثة والنزوع إلى جاوزها من 
حيث هى لغة للجماعة تورث صورة العالم» والبنية الفكرية» 
التى لحملها للفرد فى لجة حياته الراهنة. 


وأرحو أن تغفر لى الإشارة فى هذا السياق إلى قصيدة لى 
نشرت ارلا فی مواقف عام ١/141م؛‏ ثم ظهرت فى مجمرعة 
بكائيات من مرالی ار ا وإنما أسمح كسم بهذه الإشارة 
الشخصية لأن مخلى إعادة التسمية هنا هو أقرب التجليات إلى 
بلورة المبدأ النظرى الذى يتبطن هذا الدمط من أنماط إعادة 
التسمية. وسأناقش أنماطه! الأخرى بالإشارة إلى قصائد 
لشعراء اخرين. 

ta ef ٠. 

فی امقطع التالى 
«أنتخب الوردة وأبنى علیھا مملکتی 
٠. 5 0‏ 353 . ع 
أفتح كوئ فى الشتبلة وأطل منها على الموت 
وأقرأ الرايات المسافرة فى غيمة فوق حدودى 
خلق اللغة بالصمت 
وأنفذ إلى فجر الكلمات الجديدة اللغه الجديدة 
كالنهر 
تطرى على شفتي مثل البرّدٌ مثل الزنبق مثل 


الدم 
والكلمة. 


أقلب الجمَلّ كالرؤوس 





أتركها بلا بناء. مبعثرة مثل كابات التنس 
أخلق اللفة الجديدة: العالم الجديد, الأشيناء 
اديه 

وأتغرب بينها جرسًا أبيض كالميلاد 

نطيا «تنيض الاقار الميشاء 
في الرؤوس الراكدة. فى الصو 
جالع 


ر المتخشبة 


يتناسل فى الدم كالحبال». 
تستعر شهرة لتفكيك اللغة مجسدة شهوة لتفكيك العالم» 

ولابتكار منابع جديدة للصور والأسماء والملاقات. غير أن 
مضع التالى يكشف أن لخجر الاسم فى الشئ هو التجسيد 
الأسمى لتحجر العالم القائم» كما هو فى روح القبيلة: 

«لم تزل لغه القبيله 

وسماء حدود القبيلة 

وحدود صحارى القبيله 

لم تزل صورة الموت والخلق فرق رمال 

القبيلة 

لفة الصامتين هنا 

لغة الهادرين هنا 

لغة الموتى والأحياء 

لغة الراكض خلف قطار والسارى فى عرض 

المسحراء 

مازالت أسماء الأشياء 

ألشماء الأشياء 573 

أما النمط العالك لإعادة التسمية نهو ما يرز لدى 

حمرد درويش؟ وهنا لا تبدر إعادة التسيعية تعبيراً عن مرقف 
لتراكم المورث للمالم القديم» بقدر ما تبدو لجيدا لحميمية 
وشائج التى تشد الإنسان إلى العالم وتدفعه» تعبيرا عن هذا 
إلتصاق به؛ إلى منحه أسماءه الخاصة به؛ تمامًا كما يولع 
عل بامتلاك الأشياء فی العالم؛ عن طريق منحها ا لا 
ملكها إلا فى قاموسه الخاص العاطفى. إن إعادة التسمية» 
ناء فعل مشبوب انفعاليًا بالدرجة الأولى» وفعل ابتكار لعالم 
ازج طرى غير مألوف؛ بالدرجة الثانية. وذلك كله سر من 


الواحد / المتعدد 


اسرار السحر الخاص الذى ضوح من استخدام الأشتمائ 
رالتسمية؛ وإعادة التسمية فى شعر محمود درويش المتأحرء 
بشكل خاص. وكل من التسمية وإعادة التسمية هماء 
جوهرباء قق لآلية الخروج من الواحد إلى المتعدد» ص 
الحدرد إلى اللامحدود» من المغروض القسرى إلى آماد الحرية 
الزضة وت الماع الرخل إل اردق انعد دك ان 
کل فعل تسمية جديد يضيف وجودا جديدا؛ على مستوى 
كذلك. كما أنه يؤزكد حضور ذات جديدة أخرى فى العالم 
وفاعنية هذه الذات. وهكذا يسهم جذريا فى نقل الوجود من 
صورة واحدة إلى صور متعددة؛ وفى إبراز نصاعة حضور 
ذوات متعددة فى العالم وفاعلية هذا الحضور فى اللحظة 

وسأكتفى بعدد من النماذج السريعة لاستخدام الاسم 
اشع رإغادة اة في م درو نير إن أن كل 
قصيدة من قصائده تقرياء فی مرحلته المتأخرة : يرد فيها مثل 
هذا الاستخدام: 


0 


«هل ê‏ أحد 
لنسمّى كل عصفور بلك 
ونسمى كل أرضص» خارج الجرح» زيد؟» 


«أكنت تفنى كثيرًا لها؟ 


(9؟). 


من هى؟ 

- سمها ما تشاء: النساء. المراياء الكلام البلادى 
اتحاد العصافير فى القمع؛ الخلاياء وأول موج 
تشر دفي لبن( 


«لأسرق قلبى المعلّق فوق النخيل 
انرق اء هى 
وأذكر بغداد قبل الرحيل» 


,)50( 


14 ٠. 
a 


تتمثل حركة الانتقال من الواحد إلى المت,دد؛ ومن 
اليقينى إلى الاحتمالى» فى تكوين الصورة في الشعر 
الحديث. لقد غلب على الصورة فى الشعر القديم» ولدى 
شعراء مرحلة الإحياء؛ التركيز على إبراز معنى» أو إضاءة 
موجود حمى (أو مجرد ‏ وذلك قليل) فى جزئية منه» عن 
طريق ربطه بموجود آخر. وكان ثمة إمكان دائما لتحديد 
العلاقة التى تقوم بين الموجودين والتى تسمح بربطهما: هكذا 
يكون ليل امرئ القيس كموج البحرء أو يكون شر حبيبته 
كعنقود معثكل» بسبب وجود صفات مشتركة (حسية 
عادة) » وقابلة للإدراك والتحديد بين الليل والموج؛ والشعر 
والعنقود. ولم يخرج على هذا النمط من التصوز إلا عدد 
قليل من الشعراء» فى نصوص بعينهاء بينهم سابقون لأبى 
تمام ثم هذا الشاعر الفذٌء وبعض شعراء الصوفية» ثم أصحاب 
النفس الرومانسى ‏ بدءا من جبران خليل جبراك ‏ الذين 
أحذت تغيرات نوعية» لكنها محدودة» تبزغ فى شعرهم. 
أما فى شعر الحداثة» فقد أصبحت الصورة طاقة احتمالية 
لا تسمى الشئ بل مخبطه بعالم غنى من الإيحاءات وتجخعله 
فى الوقت نفسه مصدر لشبكة من الإيحاءات. (أصبحت 
الصورة خلة) لحالة شعورية أو جمالية؛ بدلا من كونها نسمية 
«تخصيصية» لعلاقة مشابهة بارزة. وبهذه الطبلعة» تغدر 
الصورة عصية على التحليل ضمن معطيات البلاغة التقليدية 
وتستدعى كتابة شعريات جديدة (01105م) لوصلفها. وقد 
حاولت مثل هذا الوصف فى (جدلية الخفاء والتاجلى)“ 
وفى دراسة للشعرية ظهرت حديئًا""'» ضمن تطور جديد 
أسميته مفهوم «الفجوة: مسافة التوتر؛. ولذلك سأكتفى هنا 
بالتمشيل السريع محيلاً القارئ إلى دراسات لى» حول 
الصورة؛ فى سياقات أكثر ملاءمة وتخصصا بالموضا ع1" 14 . 
لنتأمل؛ مثلاً» الصور التالية لأدونيس: 
١‏ 
«الفضاء مد يتضاءل. نافذة تتناءعى 
والنهار خيوطً 
تتقطع فى رئتئ وترفو المساءً 


صخرة تحت رأسى؛ - 

كل ما قلته عن حياتى وعن موتها 

يتكرّر فى صعتهاء!!؟). 

5 

«هكذا أتجرً أن أعشق الندى 

وأغنيه. - يجرى كأن السَحر 

ضفتاه 

ویفض حتائبه کالرسائل بين غصون الشَهرُ!"؟). 
ت 

«وأنا الآن طفل كأن القمر 

جرس فى خطاى/ بلا دهشة أقول 

لی وای ولى سكرةٌ لا تزول 

والحروف نساءٌ توشوشنى ما تحب وأمنحها شطحاتى 
ونفيًا من الوهم أجبر هذى حياتى 

شَرْرٌ وخبول من الضوء ثفلت عربات الصورء[”؟). 


٤ 


«كان لى أن أشاهد صدر السماء 
حي فك الجميل الحجب أزرارها 
ورمى ثوبها غطاء 
لسرير اللقاءء!؟ ؟). 


4 
: 


«لم تعث أمه: 

شهرها أبيض, لكن هذا اللهيب الذى 
يتناسل فى بيتها 

ناسل فن رها 

أدخلتنى من أول 

عبر هذا اللهيب 1 الرماد 

فى بهاء السوان[* ؟). 

«بصخب يتقدم الفجر 

بدان تفتحان كتاب الوفت 

والشمس تقلّب صفحاته(!١‏ ؟). 





«الموج قيثار 
أوتارة الشواطئء[!؟). 
«يتقدم الزمن 
على عكار من عظام الموتى 
شفرة الأرق 
تحر عنق الليل. 
جماجم تسكب الدماء 
وجماجم نسكر وتهذى: 
هل تسم النار - 
هل يحدودب الهراء؟ 
الدخان غيوم 
للغيوم شكل الرؤوس. 
حروف هن انسماء 
تنطبع أشلاء على الارض»[14). 
فی هذه التكوبنات الصورية» التى يحفل شعر أدونيس بها 
بحبث يكاد يكتسب امتيازه الإبداعى من الابعاد التى تضفيها 
ى لديه؛ ص الخصائص الفنية للصورة فى 
قصيدة الحدائة يبعض من أكثر أبعادها E‏ 


ل النى اله 
على ن الشعر” 


ومع أن غرضى الان ليم E.‏ 
قسيدة الحداثة» فقد يكون مجدياً أن أشير إلى 
8 بنماذج من شعر أدونيس البكر تكفى للتدليل على 

لعح! ل الجرعرى الذي مطرأ غلى لغة الشمر ؛ وتكوين الصورة 
الشعرية؛ وفاعلية الخيال الخلاق نفسه بين ١483٠‏ و984١‏ 
(تاريخ نشر آخر القصائد التى تندمى إليها الدماذج المقتبسة 
02 ن أدرئيس) . وعلى الصعيد المحدد الذى تتم , عليه دراستى 
الحاضرة؛ وهو الحركة من الوحدانية إلى التعدد؛ ومن 
محمدودية إلى اللامحدودية؛ ومن البساطة إلى التشابك 
والتعفيك... إلخ» تمثل هذه النماذج أيضًا لخققات غنية 
تميزة للمبداً الذى يتخلل الحركة التى أشرت إليها. ولعل 
مناقشة سريمة للنموذجين (”) و (3) أن تكفى لبلورة 
فهرم الذى أسعى إلى بلورته 

فی (۳) تتجه حركة النص بأكمله (وهر نص طويل) 
لى التجمع فى بؤرة من الكثافة الدلالية نادرة المثال» هى 


أن مقارنة هذه 


لصورة: 


الواحد / المتعدد 


دونقيًا من الوهم أجهر هذى حياتى 
ششَرَرٌ وخيول من الضبوء تفلت من عسربات 
الور 
رتكاد شفافية هذه الصورة؛ وانسيابية الخطوط التى 
ترسمها أن تصلها بعالم نورانى تنلاشى فيه الحدود القائمة 
بين الأشياء» ولا يتجلى فيه إلا ما هو بكر» مبتكرء طرى. 
ويكاد الخيال أن يعجز عن الإمساك بصورة هذه «الخيول من 
الضرء» ورسم خطوط تكوينهاء وتحويلها إلى وجود مرثى » 
خصوصا أنها تنبئق مقترنة بالشرر وفى حالة انفلات من 
العربات؛ ولا يكاد قى من آثار الخيال المألوف» أو العالم 
المرروث كله؛ سوى هذا الترابط التجاورى الذى يؤدى إلى 
ظهور والعربات؛؛ حين تظهر «الخيول) . فاقتران الخيول 
0 ينمي إلى العالم المألوف واقعياء وتصوريًاء ولغويا. 
ان رة رة تكسر الألوفبة وتخفف من وقعها بنسبة 
3 1 الصور. فالخيول لا تفلت من عربات عادية؛ بل 
من عربات الصور التى تنتمى إلى العالم الطرى الجديد 
المبتكرء ثرٌّ الدلالات؛ الذى لا يكتسب وجودا ومحققا إلا فى 
النص المبدع. كما أن المألوفية والعادية تكادان تبلغان درجة 
التلاشى فى خريل الخيول إلى «خيول من الضوءا. 
وتولد الصورة أسئلة لا يجيب عنها؛ ومع أنها تأنى خديدا 
جازمًا للحياة؛ بلهجة تقريرية؛ وبتأكيد لانتفاء الرهم فى هذا 
التحديد انتفاء كاملا فإنها لا تقدم أجوبة أو تعطى ديد 
بالطريقة المألوفة فى الكتابة الشعرية أو النشرية. وهى» فيما 
تقول إنها خخدّد الحياة وخدهاء وفيما تنفى ارم نقدم 
الحياة فى صورة عصيّة على التحديد؛ تنتمى إلى عالم 
اللامحدرد؛ وتمثل ذروة من ذرى (الوهم) الخيال الخلاق 
فى انفلاته وبجاوزه كل أشكال التحديد والمحدودية والوحدانية» 
بل تجاوزه أيضًا لكل الأشكال المادية ‏ وهى أكثر أشكال 
الواقع قابلية للتحديد وامتلاكًا للمحدودية ووحنانية البعد. 
وحين تستخدم الصورة مكونات مادية بطبيعتها (الخيول» 
العربات) فإنها ؛ كما أشرت قبل قليل؛ سرعان ما تجردها من 
محدرديتها وحدودها ووحدانيتها وتطلقها نى عالم أثبرى 
تقريياء تفقد فيه ماديتها وتتحول إلى جواهر نورانية أو تخيّلية 
شبه خالصة (خيول من الضوء؛ عربات الصور) . وفى كل 


01 


كمال أبو ديب 


ذلك تكتسب الصورة طبيعة تعددية» احتمالية الطرف 
المضاد اللغيرة التى 9 وحدانية البعد والدلالة. 


الواحدة وتفجر فيه؛ بإعادة قراءته 0 ضمن سياق جديد 
كلى» دلالات مغايرة متعددة وتمنحه أبعاد) طرية غير مألوفة» 
وتكسر وحدانيته؛ ومحدوديته فى الوقت نفسه. ويتم ذلك كله 
عن طريق نمط من القراءة السيميائية تتجسد فلى صورة 
عرّفها عبد القاهر الجرجانى بأنها «تعليل تخييلل:”*؟, 
وعرفها الشعر الإتجليزى فى القرن السابع عشر خخالسة باسم 
ال امه ووصلت حدا من الانتشار يتطلاب ا 
مستقلة لتحديده فى شعر البديع العباسى وفى شعر المراحا 
التالبة له أيضا. 

فالشيب راسخ فى دلالته وحيدة البعد على مإور الزمن 


وتا فاعليته المدمرة على الإنسان : الشيخو خة ‏ الى نك ! اندثار 


الحيوية وطاقة الخلق والصراع والإبداع. والشيب الي (- 
رمادی ؟) . وثمة قدر ضخم من التعامل انا لشت 
فى الموروث الشعرى العربى. كما أن ثمة قدرا لا بأل به م. 
قراءة الشيب قراءة جديدة مغايرة تنضوى ححته قراءة أبى تمام 
مثلا: 
«ولا يروعك إيماض القتير به 
فإن ذاك ابتسام الرأى والاد. 
وحين يتناول أدوئيس شيب الأمء فإنه مراحہ. ککا 
شاعر يتناوله» بهذا التكوين النصى ‏ التصورى الضآخم كله. 
وهو يختار أن يعيد القراءة بلغة مغايرة لكلا طرفى الموروث» 
وإن كانت أقرب إلى الطرف الثانى منه؛ أقصد القراءة المؤولة 
المتمغخلة فى بيت أبى تمام. هكذا يندا نص ادون 1 


العلاقة الراسخة بين الشيب والموت: 9لم تمت أمهه ] وبعد أن 


جديدة؛ لذلك يدأ بنفى الدلالة الراسخة ‏ لكن هلاه النقطة 
ليست ما أنا معنى به الآن). فهو يقر من الشيب لونه فقط 
«شعرها أبيض»؛ لكن ما سوى ذلك؛ أى سيميائيائ الشيب 





تأويلية سابقة خلفيتها التصوربة - اللغوية (فى ما يقترب من 
وجه من وجوه التداخا ل النمى | أو التناص (intertextuality‏ , 
ل مع مويل البياض إلى 
«لهيب؛ أولا فى تداخل سن مع الآية القرانية «واشتعل 
الرأس شيبًا»). ثم تعاين عملية انتشار اللهيب بوصفها 


الاشتان: ومع اكتسا ال هله 


ودا القراءة الحديدة بالتشكا 3 


«تداسلا » إذ إن التداسل يوازى 
الرؤية الجديدة» يكتسب التداسل بعدین ؛ الانتشار ف الشعر 
حيث إن التداسل 


كسيد لغاقة أا لخلق والمطاء وة الحسد وحيويت» 0 


(للرّن فقط)» والانتشار فى البيت (من 


ای ن بسح د 


ارتباط شكلية واهية . هكذا تق 

صورة البياض ؛ وتقرا حياتها ا من الحيوية والخصب 
والالدفاع 0 والخلق , حتی فی أكثر مسارب الحياة قسوة 
وظلاما وفمرا ونؤساء رهی المساربت التى تتجلى فى صورة 
(الرماد؛. ونستمر هذه المراءة من منظنى حياة الانا: لقد 
3 . 

دل RE Yea‏ : 0 
دخلتنى هده لام بهد لاندفاع متفجر للهيب فى روحها 
وجسدها منذ بدء الحياة ف حركة حيويتها الخلاقة؛ فى 
ei‏ و 1 

اللهيب ذاته؛ وفى انفاق الرماد انظلسة. ود ئعتنى ونفلتنى عبر 
هذا الرماد إلى روعة الشباب وبهائه. ويتجسد الشباب هذه 
انك ا کا الخ ةل 
التحصه ونيا أيصاء گم جلى الشيب والشيخرخه لونيا: 


الشباب سوأد؛ «الشيبت ءالشيخرخحة بياض , 


5 52 0 

عي ان الس معنن اناك أخرى المرماد مأنحا عبر 
ال اع + a‏ انكل ل انا : EEO‏ 
لرمادء عست اه ى لاله ¥ سلكيا فى اقتصارعا على 


٠ a i i 
«الرماد = الصموبات بالبؤ ... إلذ لاهم هذه السياقات‎ 
ا س 1 1 و‎ 5 - 


المح رة باق بتكرر فى شعر راف بوفرة دالة: نهو سيد 
الرماد لمرحلة سابقة للبعث؛ وعودة الحياة مباشرة؛ حيث 
الرماد ليس انطفاء كليا ومونًا نهائيا »بل هو الرماد الناح من 
احتراق العنقاء شرطا لانبعاث الطائر الجديد من رماده. 
(قارنء مشلاً. «البعث والرماد؛ و دوقت بين الرماد 
0 كذلك يبدو ابهاء اا لسواد) مشعا بإيحاءات تخرج 
لعبارة ش.ء ن الدلالة الوحدانية التی خصصتها بها قبل قلیل : 
وال لبا الغ الأسود؛ . وفى ذلك كله نكتشف امتلاك 
الصورة لطاقات غنية تخرج بالنص الشعرى من قمع الدلالة 
الواحدة الراسخة إلى فضاء التشابث والاحتمالية والتعددية. 





۸ 


بعد هذه المناقشة ال موجزة لنماذج حديثة العهد من شعر 


أدوئيس» أود أن اشير الى فثرة مبكرة س ف الشعر الحديث 
تبدأ فيها الحركة التى أقوم بمنافشتها فى هذا البحث من 
الوحدانية إلى التمددية؛ متجلية فى أشكال أقل شلمولية م. 
هذا الشكل الذى اتخذته نى الصو المدروسة. وسأناقش 
النماذج أنختارة بحيث ب يكرن لتسلسلها الزمنى دلالة ذات 
طبيعة تطورية» دون أن يكون غرضى الأول هو البحث ع 
خيرط الط ور التاريخى. اد ان e‏ النماذج تنتمی اسل 
ی إلى مرحلة محدودة ما ت ت ي ااا ظرية التى 
أبلررها فى هذا البحث؛ ا كب تاريخيا واحدا. 
انأل ؛ الآنء هذه الس رة لخليل حاوى ١التى‏ ترد فى 
الصيدته «لعازر (ONA!‏ 
«غيبينى فى بياض صامت الأمراج 
فیضی يا نيالى الج والغرية 


وامسحى ظلى وآثار نعالی 
امسحى يرقا أداريه. 

أدارء ى حية تزهر ر فی جرحی وترغی 
شرر الأسلاك فى صدغىر 

لصد 


من همد غ 
ی 
إ1 


(ee 


أمسحى الخصب الذى ينبت 
فى السثيل اضراس الجراد 

امستحت راهن نة 

الشمس على طعم الرماد 

امو ات اهجا رك 

تفر فيه لنية. افد وأمعاه تطول 

جاعت الأرضن إلى شال ادال 

من الفرسان - فرسان المغول 

فيل يركع فى الثار 

تكن الكت 'الضفراء لحل بخان 

فى صداءات الخيولء(””). 


الواحد / المتعدد 


تحدث الصورة الماثلة فى البيت #امسحى الميت الذى ما 
خا تفر فيه لبه فا زاء بطرلا دة 
اكتشاف لا شك فيها. وتنبع الصدمة» أولاء من نسبة 
الاخضرار إلى اللحية؛ والفخذ (والأمعاء أيضا فى احتمال 
سأناتشه بعد قليل)؛ ومن «الحركة) ‏ حركة اله 
للإاخضرار فيهما. ثانيًا. فاللحية لا تخضر إطلانًا فى أى 
مرحلة من مراحل نمرهاء بل قد تكون سوداء أو حمراء 
مشلا لم تصبح رمادية؛ فضية؛ بيضاء مع حركة الزمن. 
وصورة «اللحية تخضرًا جديدة كل الجدة. ولا تستشير 
ترابطات أو دلالات موروثة مألونة. بهذا المعنى لا تمتلك 
«اللحية تخض ؛ إلا طاقتها الموضمية الجديدة لكى تكتسب 
دلالة فنهى إذن مستندة إلى سياقها استنادا مطلقًا. بيد أن 
الحضرة والاخضرار فى ذاتهما يملكان دلالات مورولة 
بألوفة. ونصب دلالاتهما فى مفهوم الخصب ونماء الحياة 
واليناعة والشراء 0 نحن هنا إذن أمام عملية تصادم 
حتيقى بين الدلالة التاريخية المورولة للكلمة والصورة؛ وبين 
الدلالة 0 الجديدة للكلمة التى تنشأ من عملية إقحام 
ولاج واقنران جديدة يقوم بها النص الشعرى للكلمة أو 
الصسورة لى سياق جديد. والحصيلة الأو لى لهذا التصادم ھی 
نشوء تشابك دلالات يؤدى إلى التعددية الدلالية؛ ويكسر 
وحدانية الدلالة القائمة فى الكلمة؛ والصورة» تاريخياً. 

كذلك تتمثل فى البيت والسورة تعددية دلالية على 
مسئوىق آخر نابع هذه المرة من التركيب النظمى (1135الا5) 
للبيت. إذ إن ثمة قراءتين ممكنتين للبيت تنتج كل منهما 
شبكة دلالية متميزة. وتنتج القراءتان من إعادة كتابة البنية 
السطحية للبيت بطريقتين تبرزان بنيته العميقة؛ القراءة الاولى 
فى : 

١‏ (امسحى المت الذى ما برحت تخضر فيه لحية؛ 
وتخصر فيه فخذء وتخضر فيه أمعاء مستمرة فى التطاول» . 
والثانية: 

؟ ‏ ١امسحى‏ الميت الذى ما برحت تخضر فيه لحية 
وتخضر فيه فخذ وما برحت تطول فيه أمعاء؛ . 

القراءة الأولى تنتج فعلاً واحد) «تخضر له ثلاثة فاعلين» 
هى : اللحية؛ والفخذء والأمعاء. أما القراءة الثانية فإنها تنتج 


فعلين هما: «تخضر) ؛ و «تطول؛› فاعل الأول «لحية؛ وفاعل 
الثانى «أمعاء . 

وفى هذا كله ما فيه من نقل التعبير الشعرى من الدلالة 
الواحدة إلى تعددية الدلالة وتشابكهاء بل من البنية الواحدة 
إلى تعددية فى البنية. 

وحين نحاول ديد الدلالة الموضعية الجديدة للصورة 
«تخضر لحية؛» فإننا نكون أيضا أمام سلسلة من |العمليات 
التصورية التى تبرز قضية التعددية فى مقابل الوحدانية» إذ إن 
الدلالة الموروثئة للكلمة «تخضر؛ واحدة ونتاج 
واحدة: رؤية النبات الأخضر وقراءة الدلالة على اللحياة والنمو 
فيه. أمّا الدلالة الموضعية الجديدة فإنها لا تنشأ إلا بعملية 
مزدوجة؛ فرعها الأول هو الدلالة الموروثة. وهى إتنطلق من 
هذه الدلالة لتبنى عليها شيئًا جديداً. فهى تأخذ إلاخضرار؛ 
بوصفه يجسّد عمليتين : الخصب» من جهة؛ والنمل الفيزيائى 
الصرف» من جهة أخرى. وفى الخطوة التالية تقإم بإقصاء 
الخصب الحقيقى وقصر دلالة الاخضرار على النمو 
الفيزيائى. ثم تقوم بعملية الئة هى جعل الاخضارار والدمو 
تجسيد) لا لخصب حقيقى» بل لخصب مدمر قاقل وحشى 
يشرّه الحياة ويقضى عليهاء بدلا من أن يجسّده| ويمنحها 
النضارة والقوة والحيوية. وتظل هذه التعددية فى الدلالة غير 
راسخة أو ثابتة فهى قائمة فى هذا السياق بالذات» سياق 
المقطع المحددء والرؤيا الكلية التى تنبع منها القصيد بأكملها. 
أى أن التعددية هنا تعددية فلقة» ولأنها قلقة فهى نقيض 
الوحدانية والثبات والتشكل النهائىء فخارج هذا اللياق امحدد 
قد لا يكون للاخضرار هذه الطبيعة الجديدة التى |منحه إياها 
النص هنا. وخارج هذه القصيدة المحددة لا يكون للاخضرار 
هذه الطبيعة؛ على عكس الدلالة الموروئة للا خضظرار فهى: 
بحكم كونها موروثة ووحدانية؛ لا متغيرة من نص إلى نص أو 
من سياق إلى سياق أو من شاعر إلى آخر. وليس| أدل على 
صدق الأطروحة التى أبلورهاء هناء من أن الاخضرار فى شعر 
حليل حاوى عامة لا يملك الدلالة الجديدة الت يملكها 
هنا: بل إن الاخضرارء فى القصيدة نفسهاء لا يُملك هذه 
الدلالة الجديدة» بل الدلالة الموروثة المألوفة ينهلا. وحين 
تكون له الدلالة الجديدة فإنه يكون فى سياق موضعى مطابق 
تماما لسياق الصورة «تخضر فيه لحية». وهذه أمثلة على ما 


ية ترميزية 


ot 


قدّمته. أيملك الاخضرار هذه الدلالة الجديدة فى موقع واحد 
اخر فقط من هذه القصيدة رغم طولها. ويحدث ذلك فى 
الصورة «أخحضر الأعضاء) من هذا المقطع الذى يتواشج بعمق 
مع المقطع الذى وردت فيه «تخضر فيه لحية) : 

«ولماذا يا بياض الثلج لا تنهل فى غرفة نومى 

مثلما تنهل فى الأرض الغريبة 

غربة النوم رهيبة 

اا ا شن قر نودي 

لغريب بربرى 

رحمة... والمجد لله الرحوم 

غربة النوم جحيم لا يدوم»(”*” 

١‏ - يملك الاخضرار ‏ الدلالة المألوفة له فى أكثر من 
موقع ف القصيدة؛ بينها المواقع التالية (التى يحمل فيها 
النمم أيض) دلالته المألوفة الموروثة) : 

١-«جارتى‏ ياجارتى 

لا تسألينى كيف عاد 

عاد لى من غربة الموت الحبيب 
حجر الدار يغنى 

وتغنى عتبات الدار والخمر 
تغنى فى الجرار 

وستار الحزن يخضر 
ويخضر الجدار 


ا و ا ا 


ا «أو صدى الأجراس 


من جيل إلى جيل يدوس: 





كان سيقًا مورقا 
جرحا وينبوعًا وكان 
مبحرٌء سكران ملتف بزهو الأرجوان»(*). 
(والإيراق هنا هو ععملية النمو والاخضرار معا فى أن. 
ومن الجلى أنه بمتلك الدلالة المألونة على الخصب وخلق 
الحياة والحيوية والنمر) . 
وسأنتهز هذه الفرصة لأناقش مثلا آخر؛ لاستخدام الصورة 
الشعرية بهذه الطريقة فى الشمر الحديثء هو الوارد فى 
المقطع المقتبس «كان سيفًا مورقًا جرحا وينبوعا؛. إن 
الاستعارة هنا تخرج على كل ما كان يتصوره البلاغيون 
العرب من حدود للصورة الشعرية. فالسيف يوصف عادة بأنه 
باتره قاطع؛ صقيل.. إلخ؛ أى أنه يرتبط دائم بالقوة والقتل 
والغلبة. 
أمّاء هناء فإن السيف يوصف بأنه «مورق» فى صورة 
صادمة تمامًا. وأن نقسيًا سريمًا للالية التى ينتج بباهذا 
التعبير لتبرز بشكل جلى الطبيعة التعددية والتشابكية للصورة 
الشعرية. فالسيف؛ هناء لا يوصف بأنه مورق لذاته» بل من 
حيث إنه خسيد للعازر فى زمن الحيوية رالقوة والرجولة ونح 
الخصب والحياة. لقد كان لعازر فى زمنه هذا رجل اخرء 
كان قوياء سيفاء لكنه لم يكن سيفا يدمر الحياة ويفتلهاء 
كما هو الآن؛ بل كان سيف ينبت الحياة ويخصب الأرض» 
وجسد امرأته» ويستكر موسم العطاء والخير والخصب. ولأنه 
كذلك؛ نفد جلى فى صورة السيف المورق بما فيه من 
تعددية وثراء فى الدلالة ومن ابتكار أيض) على مستوى التخيل 
والتشكيل الصورى واللغرى. 
وبحفل شعر حاری بهذه الصور التى تفيض ثراء وتشابك 
وتعددية فى الدلالات. وسأكتفى»› ختامًا لهذه المناتشةء 
بالإشارة إلى الصور التالية2**0 من القصيدة نفسها: 
١‏ - ديوم أَنْت مریم يوم تداعت 
زحفت تلبث فى حمى البوار 
وأزاحت عن رياح الجوع 
فى أدغالها صمت الجدار 


وسواقى شعرها 
انحلتَ على رجليك جمرًا وبهار». 


الواحد / المتعدد 


1 
؟ ‏ «ولاذا لم يعد بشتف ما فى 
صدرى الريان من حب تصفى واختمر 


غيمة تزهر فى ضوء القمر 155000 
| 


0 


وسرير مارج بالموج 





من خمر وطيب 

جنة الفلك على حمى الدوار». . 
 '"‏ «لم يزل ما كان: 

برق فوق رأس يتلوى أفعوان 
شارع تعبره الغول 

وتطعان الكهوف المعتمة ا 1 
ضار هتم وجَة الشهسن ت 


عرّى زهوها عن جمجمة 


عتمة تنزف من وهج الثمار». 

2۹ 
قد تكون الصورة الشعرية أكثر سمات شاعرية محمد 
الماغرط ورؤيته للعالم تميزا وابتكاراً. ورغم أن الصورة لديه 
تأئى تتجسيدا لطاقة غير عادية على الإبداع؛ وخلق علاقات 
مثيرة بين أشياء العالم ومكونات التجربة الإنسانية» فإن صوره 
تشع بالخصائص ذاتها التى تشع بها صور المدميزين من 
الشعراء فى هذه المرحلة على الصعيد امحدد الذى تنم عليه 
دراسة الصورة فى هذا البحث. إن صور الماغوط لا تبتكر 
علاقات جديدة بين الأشياء فقطء بل تقرن مكونات التجربة 
الشخصية؛ فى, أبعادها الانفعالية خاصة؛ مع معطيات حسية» 
فيزيائية» فى العالم الخارجى خالقة تركيبات طازجةء نادر؟ ما 
تجدها فى الشعر العربى حتى فى مرحلة التفجر الصورى التى 
بدأت مع قصيدة الحداثة. والسمة البارزة لهذه التشكيلات 
التخيلية التصورية الباهرة عند الماغوط هى» بالضبط؛ التشابك 
والتعدد فى الدلالات» والانتقال من الاقتران الذى يرتكز على 
نقطة واحدة بارزة ويبلور معنى واحداء إلى مسافة اللبس 
والتشابك والتعدد التى تتشكل من اقتران الأشياء فى شعره. 
وتصدق هذه المقولة بشكل خاص بالنسبة إلى المرحلة الأولى 
من شعره. أما فى المرحلة النهائية» فإن الصورة تكتسب طبيعة 
أكثر محدودية؛ وحسية؛ وتركيزً على نقطة اقتران واحدة؛ بيد 


مم 





أنها هنا ممق وظيفة» ضمن بنبة القصيدة ورؤية|الماغرط 
للعالم» لا تقل امتيازا أو إثارة عما محققه الصورة المقايرة لها 
فى نصوص المرحلة المبكرة. وسأختار من قصائده الأولى أربعة 
نماذج آمل أن تفى بالغرض المْحدّد للدراسة الحاضرة. 

١‏ «جنازة النسر» 

«أظنها من الوطن 

هذه السحابة المقبلة كعينين 

أظنها من دمشق 

هذه الطفلة المقرونة الحواجب 

هزه العيون الأكثر صفاء 

من نيران زرقاء بين السفن 

أيها الحزن... ياسيفى الطويل المجعد 

الرصيف الحامل طفله الأشقر 
دة أو أسير 


يسأل عن ور 


عن سفينة وغيمة من الوطن... 


عبد القاهر الجرجانى بلغة بديعة» حين وصفها بألها «هزة 
وأريحية؛ كأنما الصورة خرر الذات» ترتفع بها وتسملوء تطلق 


وتنبجس هذه الهزة» فور اندلا ع الشرارة التى يحدثها الاقتران 
الحاد المماجئ بين «السحابة من الوطن .. وا 
المسيحيتين». وليس ثمة من شك فى أن كل جلزئية ف 
الجملة؛ كل مكون من مكونات النظم فيهاء بلغة الأجرجانى» 
تسهم جذريا فى إحداث هذه الهزة والأريحية. وييترئ ذا 


المنسقى بديلاً مثل: «أعرف أنها قادمة من الوطن! أو دهل 
هى...؟٠‏ أو «أعتقد أنها؛ لضاع نصف الأريحية عللى الأقل. 
و أن هذا البعد من تكوين الصورة لیس النتمقطة الد يقة التى 


أن يمرز ويتقصى فى السياق المحدد لدراستى وهو التشابك 
والتعدد فى الصورة الشعرية؛ أى التشابك والتعلددية ذ 
التشكيل التخيلى السحابة.. عينان مسيحيتان . إ( إن فعل 


1ه 


«الظن؛ مكون مهم فى خلق اللبس والتشابك والاحتمالية 
- وكلها من مكونات التعددية ‏ فى الجملة والصورة على 
حد سواء. فالظن ذو دلالة احتمالية: قد يكون الأمر كذلك» 
وقد لا يكون. قد تكون هذه السحابة قادمة من الوطن وقد لا 
تكون؛ وذلك أغنى للتكوين الكلى للصورة التى تبداً 
احتماليتها وتعدديتها بالإشعاع فور أن نتساءل: ما العلاقة 
بالضبط بين السحابة (فى وجودها المطلق أولاً» ثم فى كونها 
سحابة قادمة من الوطن) وبين عينين (فى وجودهما المطلق 
أولأ ثم فى حالة كونهما مسيحيتين) ؟ إن ما لدينا هر 
تركيب يتألف من طرفين كلاهما حسى مادى: السحابة 
العينان. ولو كنا فى إطار الإنتاج الشعرى القديم لكان من 


و 


1 


ا توقع جد أن يكون الرابط بين أى مكونين حسيين ماديين 
واضحًا سهل الإدراك؛ نسبيًا أو إطلاقًا. أماء هناء فى إطار 
الشعر المعاصر وقصيدة الحدالة» فليس من الحكمة أن نتوقء 
ملل هذا الأمر. إن السحابة واضحة دول شك وكذلك 
العينان. السحابة خملل دلالات سهلة التحديد» وكذلك 
العينان. والسحابة الممطرة سهل أن تبدو كالعينين اللقين 
تنديان بالدمء . لكن هل هذا هر ما تبرزه الصورة؟ هل لدينا 
58 ما 3 - ا س 
وسيلة نقدية للإجابة لت انعم) رتصور حل مقبول للمعضلة 
2 تقریر دلالة وحيدة البعد؟ من الجلى أن الإجابة لابد أن 
تكون بالنفى لكى تكرن علمية سليمة. فلا الجملة نفسها 
تشى بأن علاقة السحابة بالعينين كامنة فى النداوة - المطر- 
الدمع؛ ءلا النص الكلى یشعر بإمکان کون ذلك سلیما. کل 


هذا والنقاش لايزال يدور فى إطار الصورة «السحابة/ العينان» . 


وحين نتتقل إلى البعد الآخر للصورة.. «قادمة من الوطن/ 
مسيحيتان؛ نزداد الأمور خروجا من عالم ما هو قابل للتحديد 
ودخمولاً فى عالم اللامحدود؛ من عالم الواحد إلى عالم 
المتعدد. إن سحابة قادمة من الوطن قد تشع بدلالة القسوة 
كما قد تشع بدلالة الليونة» قد تكون الوعد وقد تكو 
الوعيد. وليس فی النص ما يرجح هذاء أو ذاك. وأن عينين 
يتين قد تكونان عينى زيف وقسوة» كما قد تكونان 
عينى رحمة ونعومة وقداسة ووعد. والأمر كله مرهون بالمنظور 
أولاً وبالشروط الثقافية الحضارية السائدة ثانيا. مر. 


س 


نظور 


من عتحدد دلالات السحابة القادمة من الوطن والعسينين 


ا ج 


المسيحيتين ؟ وفى أيه فرظ ثقائية تحضارية؟ :ومن الجلى.أن 
بوسعنا افتراض أن العلاقة التى تشد الشاعر إلى الرطن هى 
علاقة حب» وحن وشوق؛ وأن العينين المسيحيتين تشعان 
بدلالات الجمال والحنو والرقة والتسامح وا محبة والعذوبة 
والصفاء والوداعة؛ لكن هذا سيبقى افتراضا يروق لناء وقد لا 
يروق لغيرنا. وقد يكن أو لا يكونء أمراً مهما يسهم فى 
تشكيل الدلالة أن يشار إلى أن الشاعر ليس مسيحياء وأنه 
يملك رؤية للعينين المسيحيتب: 
الآخر. وقد يكونء أو لا 0 أمرا مهما أن نثول إن هناك 
تاريخًا من العداء بين العرب وأور روبا المسيحيةء أو أن هناك 
تاریخا من العلاقات الغامضة المبيمة فى فترات تاريخية 
لمنطقة (الإسلام) والمسيحية 


ين آخرية؛ أى متشكلة فى منظور 


طريلة؛ بين الثشافة السائدة فی ا 


وأن العصر الحاضر ؛ والسياق التاريخى الذى أنتج فيه النص 


( لبان کک السبعينيات؛ زمنيًاء ومد 


العلمانبة والقومية والتحرر... إلخ حضاريا) هو عصر تتلاشى 
فيه أهمية الفرارة ق المذهبية بين ات ت المثقفة وينعدم التعسب 


الطائف... ! لخ؛ لكن كل ما نقوله يظل فى إطار الاحتمال 
واخمتيار a‏ محددة دون أخرى للصورة يكاد يكون أمر 
إيمانئًا أكثر منه اختيارا نعين على تسويغه دلالات للألفاظ 
معطاة لاف أو 0 

غير أن التعددية الدلالية تبلغ ذروتها حين نعاين الصورة» 
ضمن بنية النص الكلية. وهى بنية تنبض بتوتر حاد ينبع من» 
ويولّد أشكالاً تمبيرية متناقضة متعارضة تفصح عن مساحة 
شعورية تتقاطع فيها الانفعالات بصخب بارز ملتبسة؛ غامضة» 
متعارضة؛ متناتضة. إنها بنية شعورية لغوية ضدية: التباسية. 
ويتجلى ذلك فى صور باهرة بعد فيض الصور المذبة. التى تلى 
الصورة المناقشة؛ إذ يجمع النص فى حيز واحد بين أربعة 
أشياء متعارضة ة يسأل عنها الطفل الأشقر على الرصيف (أر 
بالأحرى الرصيف الذى يحمل الطفل الأشقر) ؛ هى «وردة؛ 
أسير؛ سفينة؛ غيمة؛» كما يتجلى فى البيت ت التالى مباشرة 
الذى يربط اكتساح الكلمات الحرة؛ الذى يتم فى سياق من 
اللهفة والقوة والحنين المتفجرء باكتساح الطاعرن «والكلمات 
الحرة تكتسحنى كالطاعون؛ واصلاً بالتباس الدلالة؛ وتعدد 
الالحدمالات أرجهما فى :هذا العض على الأقل 


الواحد / المتعدد 


وبين هاتين النقطتين «السحابة عبنان مسيحيتاذ/ 
الكلمات الحرة كالطاعون» يتشكل نسيج صورى على درجة 
كبيرة من العذوبة؛ من جهة:؛ ومن الالتباس والتعددية فى 
الدلالات» من جهة أخرى. فلقد بدأت القصيدة بالحديث 
عن «السحابة» التى تبدوء بشكل طبيعى» نقطة انطلاق 


التصور والشعور» ر «الموضوع؛ الذى تتناوله القصيدة؛ ويل 


لحان ب بهذ الشكل موقع امبتدأ النفسى (مع أنها فى مرقع 
المفعولية نحوي) . لكن الأبيات التالية تسقط السحابة تماما 


وتنحدث عن أشياء أخرى بتسارع يقارب ضربات ريشة فنان 
ييمثر الموجودات أمامه على القماش. أولاً: «الطفلة المقرونة 
الحواجب» انيًا: «العيون» ثالمًا «الحزن؛ . وتواجه أية محاولة 
لتشكيل الدلالة بسوال فورى: ما العلاقة بين السحابة والطفلة 
وانعيون والحزن؟ هل الطفلة هى السحابة؟ أى: هل يقارن 
البيت الثانى السحابة بالطفلة؟ وهل السحابة هى العيوذ 
كذلك؟ أم أن الفصيدة منذ البداية لم تكن تنحدث عن 
السحابة فى الواقع. بل بدأت بعملية إيهامية (أسميتها فى 
بحث سابق «الانزياح التصورى»)"* فتحدثت عن السحابة 
وهى تعنى الطفلة. أى هل موضوع النص «طفلة» حبيبة» 
امرأة؛ يراها الشاعر ويكتب عنهاء لكنه يكتب عنها بلغة 
استبدالية استعارية تتمثل فى «السحابة» ولا تؤدى الأسكلة إلا 
إلى بلورة احتمالين يظلان قائمين» بعد أن يكتمل النص. 

(أ) نحن أمام صورة لسحابة (توصف بأنها كعينين 
مسيحيتين» كطفلة مقرونة الحواجب.. إلخ) . 

(ب) نحن أمام صورة لامرأة (توصف بأنها سحابة» طفلة 
مقرونة الحواجب... إلخ) . 

وما يزيد التشابك والتعددية والاحتمالات أن العين 
الإنسانية تبرز فى النص بشكلين مختلفين وصيغئين 

فهى نى الصورة الأولى فى موقع المشبه به (بلفة 
البلاغيين) ؛ أى أنها ليست قائمة فى الواقع بل تستحضر 
تخيليًا لأغراض المقارنة والإضاءة. وهىء هناء فى صيغة المثنى 
دعينين. أما فى البيت الخامس فإنها هى المشبه؛ أى أنها 
قائمة فى الواقع» وينطلق النص ليجد لها مشبها به؛ ثم إنها 
هنا فى صيغة «الجمع؛ «العيون». وفى هذا كله وجه من 


oV 


كمال أبو ديب 


وجوه التعدد لا يرتبط مباشرة بتعدد الدلالات با م المطروح 
فى هذا البحثء لكنه دون شك يسهم فى إغناء النص 
واخحراجه من الوحدانية وامحدودية إلى التعددية و محدودية 
۲ ے «القتل». 
«بردى الذى ينساب كسهل من الزنيق!*) البلورى 
لم يعد يضحك كما كان»[8”). 
حتى فى عزلة عن سياقهاء وهى قصيدة طويلة لحمل 
عنوان «القتل) 2 تنشحن هذه الصورة بعدد من الالحتمالاات 


0 رد لد" فى هذه 
الحالة إلى سهل هو بطبيعته ساكن. وهكذاء فول انخطاف 
مفاجى/ تدغم الحركة بالسكونية لتنبع من توحداهما حالة 
من التوتر النابض لا تصل إلى قرار (هى بؤرة المصيدة 


السهل من الزنبق. وحين تأتى الصفة «البلورى» إيأتلف فى 
فضاء الصورة الرحب لمعان وشمافية نادران يكونهما الخاد 
الزنبق بالبلور. ويبدو النهر الآن مضيعًا رائقاء شفاقًا ساكنا 


والتو-ميد بين المتناقضات يمنع تشكل الدلالة الوالمحدة أصلا 


(*) أقرأ الكلمة هكذا. ومناك احتمال آحر هو أن تكون «الزئبق» لكننى أجد 
0 لمق بطبيءة العسلبة ا'نادراية ‏ التصورية عند الماغرظ. 


ا لزنب 


o۸ 





وحين يأنى البيت الثانى ليقول إن النهر الم يعد كما كان 
يخلق وضعا آخخر من التغير والتحول وتعدد الدلالات. إذ إن 
الفعل فى البيت الأول هو فى اتام لكن البيت 
الثانى يقول إنه 2 يعد كما كان؛ مشعرا ٤‏ بأن «ينساب» قد 
تغيرت» لكن إلى أية حالة؟ لا السياق المباشر التالى للبيتين 
ولا النص كله يحدد طبيعة التغير. وتظل الصورة كما هى 


عليه؛ والنهر عالق فى الذهن؛ متغير لكنه ينساب كسهل من 
الزنبق البلورى. وبمثل هذه الطاقة على الإشعاع وتوليسد 
الاحتمالات» محفل الصورتان التاليتان اللقان سأكتفى 
بإيرادهما دون مناقشة؛ سوى الإشارة إلى استحالة مخديد دلالة 
واحدة لحبل الثريّات المضيئة» ولكونها جائعة (فى الصورة 
الأولى» وإلى استحالة إبراز نقطة ارتباط واحدة بين الخبز 
والطفلة العارية (فى الصورة الثانية)» رغم ما قد تفصح عنه 
الصورة من شبق مفتون يحيل حي اح ا 
جسد طفلة عار بالتحديد: 

” - «كنت أتدفق وأتلوى 

كحبل من الثريات المضيئة الجائعة 

وأنا أسير وحيدًا باتجاه البحر»(؟”). 


؛ ‏ «المجد كلمات من الوحل 
والخبز طفلة عارية بين الرياح»('"). 
1ك 
وتزداد الصورة تشابكاء وظلية» ومخولا إلى بؤرة لشعددية 
الدلالة مع حركة الزمن. وهى فى المرحلة الحاضرة بين أبرز 
الملامح المميزة لقصيدة الحداثة على هذا الصعيد المحدد 
بالضبط: أقصد خروجها من وحدانية الدلالة ووضوحها إلى 
ظلية الدلالة وتعددها وتشابكها. وسأكتفى بالنماذج الثلاثة 
التالية محمود درويش» ومحمد بنيس» وأناقش كلا منها 
باختصار شديد. 
أ محمود درويش» من «يطير الحمام؛. 
ونطين الحمام 
يمالس 
أعدى لى الأرض كى أستريح 


للم ا ج 


فإنى أحبك حتى التعب... 
صباحك فاكهة للأغانى 
وهذا 520 
ونحن لنا حين يدخل ظل إلى ظلّه فى الرّخَام 
وأشبه نفسى حين أعلقٌّ نفسى ا 
1 عنّق لا يعانق غير الغمام 
مار اما E‏ أمامي كدمع العنب 

7 بداية عائلة الموج حين تشب بالبر 
حين اغترب 

وإنى أحبك؛ أنت بداية روحى, وانت الختام 
يطير الحمام 

بحا الحماء(01). 
يتناسج منها هذا المقطع أكثر الصور 
فى شعر درويش ثراء» كما أنها ليست بين أكثرها قدرة على 
التركيب والصهر والتحوير. ورغم ذلك فإنها نقدّم نموذجا 
متميرً لتحول الصورة فى قصيدة الحدالة إلى بنية فيّاضة 
بالطاقات الإيحائية: والظلّية والاحعمالية. ففى وسط هذه 
النغمة التهويمية الثرية» التى تتمتع بدرجة عالية من الرضوح 
الإيقاعى» لكنها تملك محرا إغرائ تر إليه النفس بليونة 
ورونق وشئ من ال ال ل ال ن والتأمل النقد 
(الباحث عن الوضوح والحدود الفاصلة بين الأشباء) 
لتشكل شبكة تنسج E‏ حول الحس 
ر. وبستسلم الحس لتداحلات 
وتشابكات ترشح منها نشاءات رمادية لا ل 
بتماهى الأشياء فيها وبتمازج الخطرط والألوانء بحيث 
تمتنع الدلالة الواحدة؛ وتكثر الدلالات والترابطات والظلال. 
منذ ا حتى التعب» يدأ الاسترخاء واختفاء القوة 
المعربدة. وفى «صباحك فاكهة للأغانى؛ يفعقد الذمن 
الدلالة المحددة, كيف يكرن الصباح فاكهة؟ وما دلالة 
دناكهة للأغانى) :ثم كيف يكون المساءء الذى صوره 
الشعراء بألاف الصورء فجأة «ذهبًا» ؟ بهذه اللغة التى تضيف 
إلى الماء بعد) جديثا. أما «نحن لناه نإنها 8 ذروة 
التشابك والتداخل والحلولية بين الذوات والأشياء. ويعمق 


ليست الصور التى 


تتصاعد صور النص 


المتفخص بما يكاد يشبه الخ 


الواحد / المتعدد 


ذلك كله دخول ١ظل‏ إلى ظله؛ فى الرخام. الرخام؟ أى 
رخام؟ الجسد البض الجميل الذى يفوح عليه الظل فجأة؟ 
ظل جمد العاشق؟ وفى «أشبه نفسى حين أعلق نفسی) 
تتطاير حدود الرحدانية والمحدودية بشكل نهائى. يصبح الشئ 
نفسه وآخخر وثالدًا فى أن. وفى التجانس بين العنق ويعانق مثل 
هذا التكثير والتعدد. ثم تصل كل هذه الخيوط نقطة تأوجها 
فى الصورة المدهشة التى تستحق نقاشا بشئ من التفصيل: 
صورة الهواء يتعرى كدمع العنب. 

من الجلى أن الفعل (يتمرّى؟ يمنح الهم واء حضورا باهرا 
ف هذا النص لا يكاد يضارعه حضور آخر فى الشمر. وهر 

حضور مختلف جذرباً عنه فى القصيدة ة القديمة وفى الشعر 
الحديث عامة؛ إلا ما يمكن أن مجده فى لغة أدرئيس الشعرية. 
والصورة لا تؤنسن الهواء فقط؛ بل تمنحه ما يملكه أصلاً» 
فيما يبدو أنه مواهمة جميلة تخرج الهواء عن طبيعته لتعود 
فتبرزه فيها . ذلك أن الهواء عار أصلا. أما هناء فإن ما ينسب 
ایك اسما مرک : الهواء يرتدى شيكًا أولا (دون أن 
يشال ذلك) ؛ الهراء يتعرى الآن ما يرتديه. ونندفع اللغة غير 
مكتفية بهذه الاستعارة المركبة لتخلق صورة مضاعفة: الهواء 
غر أمامى كدمع المنب. العنب يؤنسن الآنء لم بذرف 
الدمع. ودمع TEE‏ > صان صفاء 
مطلنا؛ : صفاء الهواء نفسه. غير أن فعل العرى يمعد أبن 
ليشمال دمع العنب 7 لعولد 
حالة من الحرك كة الأثيرية الصافية ET‏ 
عريه بالعنب فى عريه: ES‏ 
والدمعة والصفاء والسيرلة تمتد خيوط خفية إلى «الموج» فو فى 
المع العالى: أنت ابداية عنائلة الموج .اننا عائلة الموج؟ أحى 
الموجة التى تتناسل منها موجة فموجة وهكذا؟ توالد الموج 
ا متشبث بالبرٌ فى سلسلة مترابطة تعطى لتشبثه قوة وسل 
بالبقاء: فى اللحظة التى بكرن فيها قد اغترب فصارت 
«العائلة؛ وانبثافها من جذر واحد الأمل الوحيد بتجاوز الغربة 
أر القدرة على خملها؟ منذ متى كان الموج» فى الشعر أو 
خارجه: يوصف بهذه اللغة الشرية التى تشعشع داخليًا 
بانفعالات حبية متنفضة لا تبرز على السطح بل تبقى نحفية 
جليّة فى الأعماق؟ 


تحت السقف الغسقىئ 

إلى حيث الجمرات 

لفيف 

محتدم بورود الحرمل 

ی 

الشّب 

الجمرات 

خلائق تكسونى بحفيف الضوء 


«لم يقصد فاس 
لع يتلق وكا من ر اواج 
نذا الولع القضنى يسن البام 
يعطيه فراشات 

تتحوّر من ألف 


هم 


منشق 


و f‏ 
عصفور قزحى لا 
يهجم 
إلا فى مسرح غبطته 
تتآزر فيها الفاءء(""). 
من الجلى» حتى دون كبير تأمل» أن التكوين التخيلى 
كله فى هذين المقطعين على درجة عالية من الالتباس 


36 


والإبهام والشفافية البصرية فى أن. وهذه الخصائص مجتمعة 
تدخل مثل هذا التكوين فى مجال ما أسميته فى دراسة 
أخرى «لغة الغياب» 2147 . ولغة الغياب على تواشج عميق مع 
الاحتمالية والتعددية التى أناقشها فى هذا البحث؛ من وجهة 
نظر دقيقَة؛ هى انتفاء نقطة ارتكاز واقتران واحدة فى الصورة 
تسمح بتخصيص دلالة وحيدة واحدة محددة لها. إن تكوين 
«الجمرات لفيف محتدم بورود الحرمل والشّب» لا يمكن أن 
يناقش» فى إطار الألران , تمتلكها هذه الموجودات» كما 
لا يمكن ) أن يشار إلى آلية واضحة نقوم بها الحمرات بما 
يشير إليه النص «خلائق تكسونى بحفيف الضوء؛ . لكن 
أدخل التعبيرات فى لغة الاحتمالية هى الصورة المتمثلة فى 
غسل «تجويفات الضوء المنشور على شجر النوم؛؛ حتى إذا 
تصورنا عملية فيزيائية يكون الضو. ء فيها منشوراً كغلالة على 
شجر هو شجر النوم 

وفى المقطع 0ه إمكانات مختلفة لكا دلالات 

الور لم يطفن ت نهر طفولته ل٠‏ ؛ لک. ن أيا منها لا 
يمائل ما فی التعبير «(قطف اللوز عن الشحرة) من وضرح 
ووحدانية فى الدلالة. بل إن الصورة لتخلق عامًا متشابكدًا من 
الإيماءات والتضمينات: الطفولة التى السابت زمنا رخميًا 
متسقنًا مترابطاء لكنه زمن ملئ بالجراح حتى لكأنها كانت 
شجرة تشمر الجراح القَابلة للقطف» ثم الترحد بين الزمن 
المنساب والشج جر المنمر فى ضورة على قذر عالٍ ان 
اقل كحي منها صورة الشجر والشمر» ويختفى منلها 
الزمن المنساب ليحل محل الأولى منهما فعل القطف ومحأ 
ر» ثم يدغم ذلك كله فى العبارة النهائية 
الم يقطف جرحا من نهر طفولته) . لک ن ما الذى يعنيه نفى 
فعل القطف بالضبط ؟ أأن طفولته لم تعرف الجراح؟ وإذا 
كان الأمر كذلك فلماذا تعجلى هذه «الفكرة؛ فى هيئة 
ليه فطل حتفي ی غا ی ی ا 
لنتائج «مشمرة) إيجابيا ؟ ثم كيف نتم عملية قطف الجرح 
بالضبطء على افتراض أن الطفولة عرفت جراحها؟ 

كل هذه الأسكلة» 0 الإجابة عنها بأية درجة من 
م باطن النصم 7 


الثانى صورة م إل 


E اليقين»‎ 


النأى عن تشكيل الدلالة الواحدة امحددة» وفى خلق تكوينات 
على قدر ا جد من التشابك والالتباس والتعددية 
1° 

وإذا كان لنا أن نصف طبيعة الصورة وتكوينها فى قصيدة 
الحدائة باستخدام أحد «القوانين؛ الأساسية للاستعارة» كما 
سنها النقد العربى القديم؛ فإننا نستطيع أن نظهر المسافة 
الشاسعة التى عبرها الخيال الشعرى والإبداع والنقلة التى 
أحدثها إلى الجانب المضاد تمامًا للجانب الذى تقف عليه 
الاستعارة» فى إطار هذه القوانين. لقد قال الامدىء مثلاً؛ إن 
العرب استعارت الشىئ"إذا کان بين المستعا ار والمستعار له 
مشابهة أو منامبة قابلتان للتحديد؛ دون 37 . واذا کان 
هذا قالون الاستمارة القديمة الغالب» فإن قانون الاستعارة 
الحديثة هر أن 


كل شی قابل للإقحام فى كل شئ؛ کل شی 
قابں لللسبة ای کل شئ؛ کل شئ فى متناول الخيال 
الخلافق» ولا حدود لما يمكن أن يفعله هذا الخيال على 
صعيد خلق الاقترانات والتشابكات بين الأشياء أو بين 
مكوّنات التجربة الإنسانية فى أشكالها وتجليانها امختلفة. إن 
استعارات أبى تمام التى ثارت الأمدىء مغلاء بالقياس إلى 


ا 


, 2 ت ر 1 5 
أن كف قصيدة الحدائة لا تكاد تحول بشى »2 ولا تدر لافتة 


E E EH 
بر‎ ٢ شمر بسح حاص‎ 


وصمها مغرقة 8 التقشصى› مغربة: 
بعيدة؛ کا کان ر يراها الآمدى. 


1ك 
منغ ا نزو ع إلى التعدد وال 1 لتشابك واللامحدودية درجة أله 


س 


يمد إلى لسيح . الل ر الشعرى نفسه» مولدا عملية بعيدة 


الغو الها > لا نقتصر فاعلية التعدد على المكرن 
لعبارة؛ الصورة)» أو تنحصر فى المستوى 
الدلالى؛ بل تغور إلى عمستوى نشكيل العلاقات امختلفة خختلفة 

ضمن النص اکل ؛ منطلقة من البنى التركيبية أو ما يمكن 


ان نسسيه نضم التراک همیب (Syntax)‏ وراصلة , عبر منحها 


الحرئى ( اللفظة؛ العبا 


وجوداً تنازعيا قلقا لا يستمّر على حال واحد دة بل سيره 
عمنية داخلية تذفعه بالجاهين مختلفين أو اكش الى خلق 
ية لمق لمل الفا ثم اتلس ملك 


الخصائص التنازعية ذاتها التى تمتلكها التراكيب المكونة 


الواحد / المتعدد 


الصغرى. وقد يكون أسمى تعبير اتخذه هذا النمط من التعدد 
والتشابك هو نص أدونيس «هذا هو اسمى» الذى مَل عند 
ظهوره نقلة كبيرة فى تطور قصيدة الحداثة؛ على مستويات 
متعددة من بينها المستوى الذى يعنينى فى البحث الحاضر. 
ولقد حصصت لهذا النص دراسة مفصلة فى مكان آخرء 
ولذلك أكتفى هنا بمناقشة الخصائص البنيوية له المتعلقة 
مباشرة بموضوعى الراهن . 
١-1١‏ 

يمن النشير لحري ميكل عام إل رن به لا 
دالة بين عناصرها المفردة علاقات تركيبية محددة أو سهلة 
التحديد نسبياء وإلى نقل مرسلة تنقجها المكونات الدلالية 
والتركيبية للبنية اللغوية. يتمثل ذلك فى أية جملة عادية؛ 
مثل «أمية طالبة جامعية؛؛ أو «رهام تخب ركوب الدراجة». 
إن المبتدأ والخبر وعلاقة الإسناد بينهماء ثم علاقة الرصف» 
محددة بوضوح فى الجملة الأ ولى؛ وفى الجملة 
علاقات الفعلية والفاعلية والمفعولية والإضافة ناصعة الجلاء. 
مقابل ذلك يتمتع التعبير الشعرى فى الغالب بدرجة أدنى من 
وضوح العلاقات وجلائها ويميل إلى خلق درجة من اللبس 
تختلف انخفاضا وارتفاعا من نص إلى نص» ومن مرحلة 
تاريخية إلى أخرى» ومن تيار شعرى إلى آخر. لكن الطابع 
العام للغة التعبير اليومى واللغة الشعرية المستقرة هو أن 
العلاقات فيهماء بين المكونات اللغوية الفردية» تميل إلى أن 
تكون قابلة للتحديدء فى إطار /١‏ ١؛‏ أى أن علاقة تركيبية 
واحدة تسود بين كل مكونين لغوبين (أو أكثر) . وحين تتعدد 
هذه العلاقة تنشأ ظواهر تركيبية؛ مثل التنازع الذى درسه 
اللغويون العرب القدماء دراسة دقيقة. فى جملة مثل ١‏ كان 
يميل أبى إلى أكل الحلوى» يتنازع الفعلان على الفاعل 
الواحد. كل ٠‏ منهما يشدء إل لى طرفه. وهو فاعل كا ل منهما 
دلاليا لكنه؛ تركيبياء يتجه إلى إبراز علاقة الفاعلية بينه وبين 
«يميل» بشكل أكثر مباشرة من العلاقة بينه وبين «كان». 

وقد تبلغ ظاهرة ازدواجية العلاقة التركيبية درجة أعلى 
بنشأ معها التباس فعلى فى طبيعة العلاقة بين مكونين 
لغويين. مثال على ذلك الجملة وعشق الغانيات قاتل ›»٠‏ 
فهناك خيطان من العلاقات فى هذه البنية ينشآن من علاقتين 


له الثانية تظهر 


3 


كمال ابو دیب م وك عا ا ا م 000 


مختلفتين بين وعشق» و«الغانيات؛؛ إحداهما المفعولية 
والأخر: ى الإضافة. ويمكن أن تنجلى العلاقتان بإعادة كتابة 
الجملة كما يلى: 
الغانيات يعشمن الرجال فيكون عشقهن معذبا قاتلا 
0 - الغانيات يعشقن فيتعذبن فى العشق 


_ الرجل الذى ي يعشق غانية يلاقى درجة عظيمة من 
E‏ 
عشقه لها. 


وقد قام النحو الشوليدى - التحويلى الذى بذل فيه 

رسك جور طح عل ا بد مستريين من 
المنية» فى دراسة مثل هذه الجملة؛ هما البنية العميقة والبنية 
السطحية. وكان عبد القاهر الجرجانى قد نائش الشكلة, 
بذکاء حاد» مرکا على الفرق الكبير بين معنيين مختلفين 
ينتجان من إبراز خميطين مختلفين من العلاقات بين مكونات 
البيت العالى 2330 
لعاب الأفاعى القاتلات لعابه 

وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل 

ية الخلاقة أنها تقوم على 
درجة ة أعلى من تعددية العلاقات؛ أم و على حدوث فجوة بين 
البنية السطحية والبنية العميتة""» رغم أن هذا |'الأمريسبى 
اريخياء أن لغة الشعر كثيرا ما تكون ذات بنى لغوية يمكن 
تقليص العلاقات التركيبية فيها إلى علاقة واحدة أو إلى 
علاقة راجحة وعلاقات أقا ل منها أهمية فى الجزء الأكبر من 
النص الشعم ری» مع حدوث درجة أعلى م من التعددية نى 
مواضع استثنائية فيه. . ولا تصل عملية التعدد درجة عالية إلا 
مع شعر الحداثة والحدائية فى العالم» بما فى ذلك الكتابة 


ومن السمات البارزة للغة الشعر 


العربية . 
۲-۱۱ 
يشكل نص أدونيس «هذا هو اسمى» بنية لغوية سمتها 
الأساسية أنها بئية تتعدد فيها العلاقات بين المكونات اللغرية» 
ر الت با كله لا فى لحظات استششائية منه؛ وبسورة 
تقاوم التقليص إلى علاقة واحدة أو إلى علاقة طاغية وأخرى 
ثانوية فى العديد من المواضع . يدأ النص بالشكل التالى: 


1 


«ماحيا كل حكمة / 
هذد تارى 
لم تبق آية/ دمى الآية 
ا 
خالقا فور انبثاقه تشكيلات إيقاعية متشابكة شديدة الالتباس 
والتفر 4 وانتعدد - وهى تستحق دراسة مفصلة فى مرضع آخر 
لغناها ورا ا ا فقرة قادمة 2 
التشابك نفسه بالتبلر, e‏ صعيد آخر غير ا الإبفاعى 
هر نظم العراكيب التى تشكل لبنات النص. وتبرز أولى هذه 
اللبنات فى الم لمقطع اقا 
خلت إلى حوضك/ 
أرض تدور حولى وأعضاؤك نيل يجرى/ 
فوا نا 
إضافة إلى تعدد الدلالة فى احوضك) » ثمة احتمالاد 
لقراءة التشكيا اللغرى الذى يتدرها هما: 
١‏ تأعضائك أرض تدور حولى وأعضاؤك نيل يجرى1. 


٠. دور حولي رض وأعضائك نيل يجرى‎  * 
وليس ئمة عوأمز كافية أو ملزمة لإقرار إحدى القراءنين‎ 
. ونفى الأخرى بصورة قصعية‎ 
غير أن درجة اللبس » هناء لا تزال منخفضة بالقياس إلى‎ 
أماكن عدة أخرى فى النص. مثلا:‎ 
«عندى لشدييك هالات ولوع لوجهك الطفل‎ 
يرز هنا خيطان تركيبياك للتشكيل اللغوى يختلفات‎ 


8 
1 : 0 
جوهريا حدهما ع الآخر: 


أنت؟ لم أجدك». 


١‏ وعندى هالات ولوع لشدييك وعندى لوجهك 
الطفل e‏ مثلها . 

٣‏ «عندى هالات ولوع لشدييك/ ووجهك الطفل 
له وجه مله . 





ويحدث ما يشبه ذلك فى التشكيل التالى: 
«هل يعرف الضوء فى أرض على طريقه؟». 
١‏ - «هل يعرف الضوء الموجود فى أرض على طريقه 
(خارج هذه الأرض))؟ 
؟ ‏ هل يعرف الضوء طريقه فى أرض على؟ (الطريق 
داخل الارض). 
٣‏ - :هل يعرف الضوء فى أرض على طريق على ؟ 
ويبلغ اللبس درجة أعلى فى: 
** «دهر من الحجر العاشق يمشى حولى أنا 
العاشق الأول للنار تحبل النار أيامى نار أنثى 
دم تحت نهديها صليل والإبط آبار دمع نهر 
تائه وتلتصق الشمس عليها كالثوب يزلق 
جرح فرعته وشعشعته بباه وبهار». 
إذ إن ثمة عددا من الخيوط التركيبية التى يمكن 
تشكيلها من وحدات هذا المقطع يكاد يفوق عدد كلماته 
المفردة: 
1١‏ !يمشى حولى دهر من الحجر العاشق 
أنا العاشق الأول للنار 


بل النار 


۴ 


'يامى انا 

نام أ 
0 

يأمى انثى 


أيامى دم خت نهدي الأنى 

أيامى دم نحت نهدى الأنثى صليل 

والإبط أبار دمع 

والإبط نهر تائه 

وتلتصق الشمس على الأنثى كالثرب 
وتزلق الشمس 

أيامى جرح فرعته وشعشعته الأنثى يباه وبهار) . 
- «يمشى حولى دهر من الحجر العاسق 
أنا العاشق الأول 

للنار تخبل النار 

أيامى نار هى أنثى وهى دم 

يت نهدى أيامى صليل 


الواحد / امتعدد 


والإبط آبار ديع 
والإبط نهر تائه 
وتلتصق الشمس على ایامی کارب 
وتزلق الشمس 
والإبط جرح فرعته وشعشعته النار يباه وبهار) . 
** «ردخلت مدرسة العشب جبينى مشئّق 
ودمى يخلم سلطات». 
١‏ (دخلت مدرمة العشب (فى زس مضى) 
وجبينى الآن مشقق 
ودمى يخلمع سلطان دمى؛. 
” - (ادخلت مدرسة العشب وجبينى مشقّق ودمى يخلم سلطا 
العشب». 


3 


** على وطن ليس لاسمه لغة ينزف نفيا 
ويثبت العشب ولماء». 

١‏ - على وطن 

على ليس لاسمة لغة 

هر ينفى الآخرين 

على ينزف نفيا 

هو منفى من قبل الآخرين 

على ينبت العشب والماء . 

" -«على وطن 

ليس لاسم هذا الوطن لغة 

هذا الوطن ينرف نفيا 

هذا الوطن يثبت العشب ولماء؛ . 

وشبيه بذلك التشكيل: 

«سمائى مخنوقة كتفى تهبط والأرض خودة 
ملئت رملا وقشا هلعت أركض غطتنى 
سنونوة نهضت لهيب ناهداها نهضت أفتم 


«يخرج الشجر العاشق غصن يهزنى أنبجيس 
ألماء انتهى زمن الناس القديم وجهى مدارات 
وفى الضوء ثورة أيقظتنى قرية فى مهبه». 


ل ل م 00 


وثمة ثورة فى الضوء؛. 
ومن ذلك: 
»+ «دخلت فى شرك الضوء نقيا كالعنف 
أسطع كالتيه خفيفا أطرافى البرق أطرافى 
رماح منحوتة». 
ودخلت فى شرا ك الضوء 
وأنا نقى 
كنقاء العف 
أسطع كما بسطع التيه 





وأنا خفيف 


اطرافی ھی البرق» 0 
_ «دخلت فى شرك الضوء 


الى 8 
والفسوء بھی 
6 1 و تا كه 1 


کالعنف اسع جم 
كالتيه 
البرق 0 وحدودى) 
** «أركض فى صوت الضحايا وحدى على 
شفة الموت كقبر يسير فى كرة الضوء» 
١‏ أركض وحدى فى صوت الضحايا الموجودين على شفة 
الوت يشبهون قبرا يسير فى كرة الضوء؛ . 
۲ _ «أركض فى صوت الضحايا 
وحدى أوجد على شفة الموت 
أنا مئل قبر يسير فى كرة الضوء؛ 
»ه «دم الأحباء كالاهداب يحمي» 
١‏ دم الأحباء يحمى المرء كما تحمى الأهداب المي 
- دم الأحباء مثل الأهداب 


دم الأحباء يحمى الأحباء» 


1 


** بسأل 0 س خيطا فى البحر يفزله 
الريان غنى ثلج المسافر شمسا لا يراها» 
١‏ _ «سأل النورس خيطا موجودا فى البحر يغزله الربان 
غنى ثلج المسافر شمسا لا يراها الربان 
دسا ل النورس خيطًا كان يغزله الربان فى البح 
الخيط غنى ثلج المسافر شمسا لا يراها الشلج 
وسأل النورس خخيطا... وغنى النورس ثلج المسافر» 
وقريب من ذلك كله: 
** «ورضع السيد الخليفة قانونًا من الماء شعبه 


المرق الطين سيوف مصهورة. .« 


١ _ ١‏ صه اليد الخليفة قانوتا 
م 
هذا القانرن من الاء 
شعب هذا القانون ارق والطين وسيوف مصهورا ,0 


_ ١٠ض‏ السيد الخليفة قائونا 
rs‏ 2 2 7 

ده الماع شعب اليك الخليفة 
| 


20 ا 
وم ا ق انلصي هذا الشعبف 
4 ”س 


ب وسيوف مصهورةة . 
#«ءة «أشتى لفة الد لنسل أصرخ انكتب الدهر 
وطاحت جدرانه بين أحشائى تقيأت لم يعد 
لى تاريخ ولا حاضر/ أنا الأرق الشمسى 


والفوهة الخطيئة والفعل انتظرنى» 


لقد انثقب الدهر وطاحت جدرانه 





ولم يعد لى, تاریخ ولا حاضر 

أنا الأرق الشمسى 
لاجكاء 

١‏ -«أنا الساكن المدى 

رأنا الساكن المزامير 

۲ «أنا الساكن المدى 

وأنا المزامير 

۳ - «أنا الرجل ذو المدى والمزامير الساكنة 

وأنا الغصن لاجا 
KK‏ «هدوءًا هذه قبه وسكناى فى فوهة نهد 
أظل أحفر» 

E)‏ (هدوء) هذه قبة 

وسكناى فى فوهة نهد 

وأنا أظل أحفر 

r‏ «هدرءا 

هذه قبة وهذه سكناى 

أظل أحفر فى فوهة نهدا . 

ويبلغ التشابك والتعدد واحتمالات القراءة درجه فصوى 

فى المقطع التالى: 
KK‏ «عريك الصاعق أعطى أمطاره يتماطانى 
ألق الشرق اغترفنى وغب أضعنى لفخذيك 
الدوى البرق اغترفنى تبطن جسدى نارى 
التوجه والكوكب جرحى هداية أتهجى.... 

التركيب اللغوى السابق عليهاء ثم تندرج فى قراءة تالية 


الواحد / المتعدد 


ضمن ما يليها من نظم. وتبدو الاحتمالات كلها قراءات 
مقبولة فى السياق الكلى للنص. 
وعلى قدر معادل تقريبا من التشابك وتعدد الاحتمالات» 
المقطعان التاليان: 
kk‏ «جزر للهيب تصعد فيها آسيا يصعد الفد 
انطفأت شمس حلمنا بغير ما هجس الليل 
نهارى يقاس باللهب استصرخت صوت 
الشعوب يفتتح الكون ويغوى...». 
kik‏ «لست الرماد ولا الريح 
سريرى أشهى وأبعد أقفاص دروب مهجورة 
فرس الماضى رماد وصبغة الله لون آخر 
3 يد على» 

۳-۱١ 
تظهر هذه التشكيلات - التى لا تمشل إلا جز) ما‎ 
يحدث فى «هذا هو اسمی) من تشابك وتعدد على المستورى‎ 
التركيبى““ - أن اختراق حدود التركيب وحيد البعدء‎ 
والدلالة الواحدة؛ قد وصل حد أن يشكل سمة مائزة للنص.‎ 
وقد يكون سليما أن يشار إلى أن هذه السمة تطبع شعر‎ 
أدونيس كله فى هذه المرحلة من تطور عمله. فقد رافق «هذا‎ 
هو اسمى» نصان آخران تبرز فيهما هذه الخصائص إلى‎ 
درجات متفاوتة. أما النصان فهما «مقدمة لتاريخ ملوك‎ 
الطوائف») و اقبر من أجل نيويورك) . وصدرت هذه النصوص‎ 
ججسيدا لروح «وقت بين الرماد والورد» الذى هو وقت موزع‎ 
يتنازعه زمنان ومصيران وعالمان. وإذا كانت هذه السمات‎ 
برزت فى شعر أدونيس» فى ذلك الوقتء فإن التطور اللاحق‎ 
فى قصيدة الحدالة قد اجه فى هذا المسار حتى غدا التشابك‎ 
التركيبى؛ الذى أصفه هناء سمة مشتركة بين كثير من‎ 
التتومن” ونسمح هذه الحقيقة بإدراج هذه الظاهرة فى إطار‎ 
الأطروححة التى يقدمها هذا البحث» وباعتبارها بجسيدا للتزوع‎ 
الحاد فى قصيدة الحداثة لتحطيم إسار الوحدانية والواحدية‎ 

وا محدودية والغور فى فضاء التعددية واللامحدودية. 
ملاحظة إضافية: 

قد يوضح الشكل التالى » بصرياء 5 أسعى إلى وصفه من 
تنازع فى العلاقات التركيبية» بصورة أكثر جلاء مما فعلته 





ا ج 


الفقرة السابقة. فى هذا الشكل يمثل الخط المتصل الرفيع 
علاقة أولى بين المكونات التى يقع محتها؛ ويمثل الخط 
الأسود العريض علاقة متك بين المكونات التى يمع 
تممها. وتمغل مساحة التطابق والاشتراك بين الخطين حالة 
اللبس التى يولدها الت ركيب اللغرى: 


×× «عريك الصاعق أعطى أمطاره يتماطانى 





رعد فى نهدى اختمر الوقت تقدم هذا دمي 














هداية أتهجى...» ا 
0 
التعدد فى الذات: الأنا/ الآخر؛ تجليات الأنا 
بين أول لتجسدات الحركة من الوحدانية إلى التعدد 


التحول الجوهرى فى لغة القصيدة على تئ الذات 
المعاينة» الذات الممارسة للفعلء أو «الأناة الشعرية. 
قد كانت «الأنا»» عبر تاريخ الشعر المربى. ودونما 
استثناء أعرفه؛ هى الضمير الشخصى ؛ أى الذات الفملية 
للقتاعز ر المتكلم المفرد. بكلمات أخترى كانت 
رياضيًا فعليًا للناطق م 
تسطى بصلبه» إلى النبى فى أا الذى نظر الأ 
أدبى) ؛ لمة خيط ينتظم الأنا الشعرية هو كونها الثاء | 
ينطتها فى وجوده التاريخى الشخصى. ومن أحمد شوقى فى: 
ويا اخ الوم يمينا انوك ين 
ماله مولعابمنع وحبس 


ت الأنا مهاد 


نفسى مرجل وقلبى شسراع 
بهما فى الدموع سيرى رأرسى» 
إلى جبران خطليل جبران فى : 
واف ل الاي :وين 
الغا س رز الو هوت 
يطفى هذا الخيط المنعظم. وفى بدايات الشعر 
تظل «الانا» الشعرية هى الأنا العاريخية الشخصية. إن أنه 
الملائكة والسياب (فى «قرارة الموجة»» و «أزهار ذابلة؛) على 
الترالى هى الملائكة والسياب؛ وأنا البياتى (فى (أباريق 


الحذيث» 


11 


ق دي 


74 

E : 1 0‏ 
أولى) هى على أحمد سعباه (ادونيس ). وفی ذلك لنه 
۶ 3 
تسد («الاناه الوحذانية؛ وعد عدودية) والونوقية , رالشخصانية. 

کک اه | لٹ اة 
جر سەر تہ لی منرر 
بها عن الأنا التاريخية الشخصية 
ا ا 

طبيعه ا ثثر تشابحا وتعقبدا وتسددا: فيوححدها تت (أناة 

ا اغ ا ١ SN NAT‏ 
عليا جماعية: أه يخاج بب غل نا الدانيه نهانيا ليحيلها إبى 


0 


3 5 8 ٤ 
دناه لامحدودة على الإطلاق. ويحدث هذا التحول» تاريخيا.‎ 


. ل e Ser‏ ل 
۴ 0 ا 1 TEE)‏ 
فى مرحله تغیر فن نهحة اللصيدة من الاناه إلى «البه. 

ون له 11 8 بن 2 . 

حدير اک ا وال ة ا ا ات أيض د ناريخية 

ر یر ر ر ل > 


- 8 
محددة. اما (ه.) خليا حارى فى «لهرا لرمادة ؛ مشلا فإنها 


3 5 
يكساه : 1 ”)ا a)‏ 
ليست ذاتا تأريخيه محدلدذء با حك لاوا حبة 
ل ت 


لك 


8 0 ا‎ e 
المح رة اسكتشنهةه؛ اس ابد ابتك‎ 


ل ج 

وتشمصس لكل الشخصيات 
الأسطر رية المغامرة من نديد إلى سار اركويولر مر جوسة 
أخرى: 


انعد أن شمائم 0 لكر والضسنء المراجى 


رد د و . المحهم بنش خر المحيد! عر د 


ال لے سی ر 


تت ان ارده الريك رساد السريع للشرن 


با ت 


الغرف. 
2 
0 


ونع ابرز ما يمنا هذا التحوا ل فى طبيعة والأناة ا 
5 32 5 


مهيار ا الدمشتى؛ ؛ شخصية أدوئيس 


د 5 TT‏ هرا 


التى بلجحسد من حلاليا ١‏ 
ا لساحرة E‏ ا 
وعددا بلهيسة پا 1 رفى كلت الصالتين N,‏ نمثل ا اا ال 
ذَانًا تاريخية شخصية» بل هذا الشئ اكاك المتعدد والممتّد» 
3 . . 8 

هذه الذات المتجاوزة للذات: الفو ‏ ذانية أو ميتاذاتية. 

«وجه مهيار نار 

تحرق أرض النجرم الأليفة: 

«مهیار صوت خانه عاشقد 

مهيار أجراس بلا رنين...' 

«أفتح بايا على الأرض, أشعل نار الحضور 


فى الفيوم التى تتعاكس أو تتوالى 














فى المحيط وأمواجه العاشقة 
فى الجبال وغاباتها. فى الصخورٌ 
خالقا لليالى الحبالى 
وطنا من رماد الجذورٌ 
من حقول الأغانى من الرعد والصاعقة, 
ازا ناء الفمتو ر( © 

11۲۴ 


وفی أعمق بخلياتها التعددية؛ تخترق الأنا حاجنا آخر هر 


حاجز الواحد» لا لتكتسب صيغة جماعية وحسب» بل 
لتتعدد فعلاً فى بنية القصيدة» فتصبح ذواتا متعددة. ولقد 
تجسد ذلك فى واحدة من أجمل صوره لدى البياتى فى 
قمر شیراز)› انين فى هذا هو اسمى)؛ و ١مفرد‏ بصيغة 
الجمع؟ . 

ولعل الاستخدام الشعرى للأسطورة ثم للشخصية 
التاريخية أو الشخصية المبتكرة المتقمُصة أن يكون الوجه المبكر 
لهذه الظاهرة؛ حيث تتقمّص الأنا ذانا أسطورية أو تاريخية 
تفعل من خلالها ويجسّد رؤياها بلغتها. وذلك ما يحدث عند 

السياب والبياتى وعبد الصبور وأدونيس (فى المسيح والسندباد 

والخيام والحلاج ومهيار)؛ ويحدث لدى شعراء آخرین 

ييتكرون شخصيات يتقمصونها (سعدى يوسف والأخضر بن 
يوسف) أو ينقلون شخصيات عادية إلى مستوى الذات 
الفاعلة فى التاريخ أو الشخصية الأسطورية (عبد العزيز المقالح 
ووضاح اليمن) . 

ونتتمثل هذه الحركة من الواحد إلى المتعددء إذذ؛ فى 
الحركة من الأنا الشخصية إلى الأنا الملقبسة وتتحقق فى 
خطوات نمرٌ داخلى تمر عبر الأسطورية؛ فالذات التاريخية؛ 
فالذات المراتية ٹم الذات المتكائرة» أو نا اسهعه«ذات 
التجليات؛. وسأحاول رسم هذه الحركة بإيجازء أملاً أن 
أستطيع تطويرها إلى مدى أكمل فى دراسات مقبلة. 

فى ذروة نضجهاء تمثل الأسطورة فى الشعر الحديث بؤرة 
دلالية تعددية تتوحد فيها الذات الفردية بذوات أخرى 
أسطورية؛ أو تاريخية أحياناًء هى تنام وتفرّع ويل للذات 
الفردية فى وجوهها الختلفة. هكذا تبرز لدى السياب» مثلاًء 


الواحد / المتعدد 


ظاهرة التراكم الأسطورى التى قد تمثل أحيانًا عدم هضم 
للأسطورة فنيّاء لكنها على المسعيند الذى اتم الآن بهء 
مجسيد فائق لمفهوم التعدد الذى أصفه. فالذات الفردية 
تصبح» فى خلياتهاء تموزء والمسبح؛ وأدونيس ؛ وبروميثيوس » 
والبطل امخلص بأنماطه الختلفة. وفى جل آخر لهاء تصبح 
الذات سندباد الرحالة المغامر (لدى خليل حارى بشكل 
خاص)»؛ أو تتوحد لهجة الذات الفردية فعلا بذات السندباد. 
وتتجلى التعددية فى تكاثر الرحلات وفى تكاثر الوجوه - 
«السندباد فى رحلته الثامنة) ؛ وجوه السندباد) . 
وفى ذروة تنامى هذه الحركة إلى التعددء نتكائر الذات 

الواحدة فعلاً, وتصبح ذات مجليات» كما أشرت قبل قليل» 
تمثلها الارا» و «عائ ئشة» فى قمر شيراز» كما أظهرت فى 
اة ق 

«ها هى زى «لاراء تتجلى: 

«فى لوحات اللوثر» والأيقونات 

فى أحزان عيون الملكات 

فى سحر المعبودات 

كانت «لاراء تثوى تحت قناع المىت الذهبى 

وتحت شعاع النور الغارق فى اللوحات 

فن تصن الجمراء 

فى غرفات حريم الملك الشقراوات - كانت 

«لارا» تحت الأقمار السبعة والنور الوهاج» 


وفى حب خت المطر» تتجلى «هى» فى المدينة العريقة: 
«كان يراها فى الحلم كثيرًا منذ سنينء كانت 
صورتها تهرب منه إذا ما استيقظ أو ناداها 
فى الحلم» وكان بحمى العاشق يبحث عنها 
فى كل مكان. كان يراها فى كل عيون نساء 
المدن الأرضية بالازهار مغطاة وباوراق 
الليمون الضارب للحمرة, تعدو حافية تحت 
الأمطار تشير إليه: «تعال ورائى» يركض 
مجنوناء يبكى سنوات المنفى وعذاب البحث 
الخائب عنها والترحال 


1Y 





کال أرقي الس سس 


كان يراها فى كل الأسفار 
فى كل المدن الارضية بين الناس 
ويناديها فى كل الأسماء». 
ويصبح هذا التعدد تعددا فى الذات والزمان والمكان: فهى 
هذه الذات الغيبية التى تحمن إلى كل مكان وزمان. وهى 
هذه الذات العادية التى تتحرك فى شارع من شوارع لندث» 
تدخل البار وتشرب: 
«شاحبة كالوردة تحت عمود النور رآها. 
جاءت قبل الموعد. كانت فى معطفها المطرى 
الأزرق. قبلا من فمها. ساراء قالت: 
«فلنسرع: ضحكا. دخلا بارا طلبا كأسين.... 
فرآها ورأته: فى أرض أخرى تحرقها شمس 
المسخراء:: 
نتا تیل ما لی کات ا فی 
عمق والفجر على الأرصفة المبتلة فى عينيها 
يتخفى فى أوراق الأشجار...». 
ثم ياتى التجلى النهائى» الأسطورى اللازمنى: 
«عائشة اسمىء قالت. «وأبى ملكا أسطوريًا 
كان/ يحكم مملكة دمرها زلزال فى الألف 
الثالث قبل الميلادء(""). 
۳ 
ولعلّ أعمق الظواهر خفاءً فى تجسيدها لحركة الواحد/ 
المتعدد أن تكون (بنية) فكرية ‏ فنية طغت لدى عدد من 
الشعراء ولم يقدم لها حتى الآن تعليل نقدى» هي ١بنية)‏ 
التحرلات . إن طفيان فعل التحول؛ وصور التحوّل أو لفظة 
التحولات: لدى شعراء مثل أدونيس والبياتى لتجسد 
الى أصفها بدقة. يكتب أدونيس «تخولات المقر 
«تمرلات العاشق؛: بل يسمى ديوانًا بأكمله ب 
التحولات والهجرة فى أقاليم النهار والليل»""“ (حيث 
يتوحد التحول والتعدد فى الذات بالتعدد المكانى والزمانى) . 
كذلك يكتب البياتى «تخولاته محيى الدين بن عربى' و 
ولات نيتو كريستى فى كتاب الموتى 201147 ٠‏ ويندرج 
ضمن هذه البنية مفهوم التقمصات أيضاء e‏ 


لهذا الكاتب عنوانها «تقمصات كمال نر ديب فى عصور 
الأخير: ولا 


38 





وثمة وجه للتعدد» غير التحولات» هر طغيان المرانية: من 
المسرح والمرايا لأدونيس إلى هذا المقطع المقتبس من قصيدة 
لقاسم حداد: 
«(صوت) 
أقول للمرايا: 
تكلمى للناس عن جمرتى الصديقه 
تغلغلى فى الجذر والزوايا 
لتكشفى عن وردة الحقيقه...,(1 
ويجسد هذا المقطع القصير العلاقة الجدلية العسيقة التى 
أحاول وصفها بين الواحد والمتعدد: فالمرايا (وهى رمز التعدد) 
تتكلم عن جمرة (هى واحد) وتتغلغل فى الجذر 
(الواحد) والزوايا (النعددة) لتكشف فى النهاية عن الحقيقة 
(الواحدة ‏ المتعددة فى (وردة الحميمّة؛). وبغير هذا اله 
يدولى صعبًا جد أن نفهم سر طغيان الصور الراتية 
خصوصاء طبعاء لدى أدوئيس الذى تمل المراة لديه مكانة 
بؤرية توليدية. 
وفى تطور حديث المهد لهاء تعجاوز الصورة المرأنية 
مرضوعاتها السابقة (الأنا/ المرأة؛ الحقيقة/ المرأة» ليصبح 
مرضوعها النص الشعرى ذاته» 0 نورى الجراح» ا 
نصا عنوانه «القصيدة» يكتمل وينشرء ثم يلحنّه بنص آخر 
اسمه «القصيدة فى المراة مقدما قراءة مخويلية تعددية للنص› 
من حيث هو ذات تنتشر وتتعدد وتنحول حين نواجه جربة 
المراتية بالطريقة نفسها التى تتكائر وتتحول فيها الذات 
الإنسانية أو الحقيقة: حين تواجه هذه التجربة". 
تتجلى 3 الواحد إلى المتعدد أيضا فى اللغة الحوارية؛ 
اللغة التى تتحرك بين ذاتين وتتنامى حول محورين. ربين 
أغنى تلياتها عمل سمير الصايغ «مقام القوس وأحوال 
فم و" الذى يجلو بعد) آخر من أبعاد التعدد هو طغيان 
صيفة الجمع ومصطلحات كالمواقف والأحوال. وصيغة 
ا ؛ متوحدة بالدلالة ا على الحالة وتعدد الحالة أو 
الموقف رتعدد المواقف»› تستحو تستحق دراسة خاصة من المنظور الذى 
أعنيه: من أدونيس فى «أغانى مهيار و «المسرح والمرايا؟ ر 
وخولات..... فى أقاليم.....٠‏ إلى أعمال البياتى وغيره. وذ 


: 


ف «أغانى مهيار الدمشقى) جمع بينهما؛ وكذلك يفعل 
«المسرح والمرايا» ؛ ردك يفعل «مقام الفوس وأحوال 
السهم؛» وكذلك يفعل «اوراق الجسد العائد من الموت؟ » 
1-۳ 
أما آخخر أنماط التعدد التى تنتمى إلى هذا المسترى من 
تعددٌ الأناء فإنه ما يمكن أن يسمّى تكثير الأنا الواحدة. ويتم 
ذلك بصورة رئيسية بانفصام الأنا إلى اثنين؛ لكنه يتخذ أحيانا 
صورة الكثرة التى تتجاوز التثنية. وقد كنت درست هذه 
الظاهرة فى سياق مناقشتى للتشظى والتفتت7؟"©؛ غير أنها 
تتشمى؛ فى الوقت نفسه؛ إلى حيز التعددية الذى أسعى إلى 
إبرازه فى البحث الراهن. ويبدو لى أن هذه العملية المزدوجة 
التى يشكل وجهيها التشظى» من جهه»؛ والتعددية؛ من جهة 
الببى الاجتماعية ‏ الاقتصادية ‏ السياسية ‏ الثقافية السائدة؛ 
وما تتعرضص له من خلخلات وانفجارات داخلية حاسمة 
الأهمية. 
وسأكتفى للتمثيل على تكثير الأنا أو تعددها بإشارات 
سريعة إلى عبارات جزئية ترد فى نصوص شعرية ينتمى 
أصحابها إلى أجيال مختلفة. 
أولى هذه العبارات من أدونيس الذى تتخلل هذه 
التعددية؛ بصيغتها الانفصامية؛ شعره الاخير. 
من «الوقت» 
ما الذى بنقضنی؟ 
آأنا مفترق 
وطريقى لم تعد. فى لحظة الكشفء طريقى؟ 


آأنا أكثر من شخصء وتاريخى مهواى؛ وميعادى 


حريفى؟ 
ما الذى يصعد فى قهقهة تصعد من أعضائى المختنقة 
0 


الواحد / المتعدد 


يسأل الآخر: من أنت؟ ومن أين؟ 
أأعضائى غابات قتال. 
... فى دم ريح وجسم ورقة؟»('*). 
ولدى محمود و يصبح تعدد الأنا سمة مائزة تبرز 
خلخلة وانفصام حادين وعداء وتناحرا. وأكتفى للتدليل على 
ذلك بنموذج من قصيدته (يطير الحمام) اقتبسته فى فقرة 
أخرى من هذا البحثء مضيفا إليه عبارة من قصيدة أخرى: 
وتخ لنا جين يدك ل ل إلى لله قن الرخام 
وأشبه نفسى حين أعلّقَ نفسى 
على عنق لا يعانق غير الغمام». 
«المكان الشيء فى رحلته من إلئ:(41). 
ويستمر هذا التشظى/ التعدد للأنا لدى شاعر شاب 
يكتب حديًاء واصلاً إليه فى صورة تنجاوز التثنية لتصبح 
تكثيراً غير محدود. يكتب سلام كاظم فصيدة!"4) يطغى فى 
المقطع الأول منها ضمير المفردء وتبدو الذات موحدة واحدة» 
غير أنها تعى أنها تنشمى إلى وتمثل جيلاً کاملاً. وهی 
تكتب مرثية هذا الجيل: 
«قوسى على كنفى وأحلم باقتناص رفات سنبلة 
ومرثيات جيلى». 
وتعلن القصيدة؛ خلال تطورها أن «فرديّة الينبوع ميتة 
غدا» ٹم تمرّ الذات بسلسلة الكسارات وتباريح وتنبثق فيها 
فجأة هذه العبارات: 
«والميتون الميتون ولست أعنى غير أشخاص الذين 
تخللونى» بعبرون الجسد: 
لا جدوى.. توسلنا إلى بوَاب مقبرة المدينة 
قرب الفانوس منا..». 
وتطغى على القصيدة فعلاً الذات الجماعية «نحن) 
لزمن» ثم تنفصم فجأة بالطريقة التالية: 
«امتلأنا بالرماد. 
زف انهاه العسن: 
أحضنهم وأبكى 
ولأن خاتمتى تجئ مع ارتخاء الشمس...». 


13 


كمال أبر و ا ج ج ص ج يي ج ي ي ي ي 


وتسودء حتى النهاية» الأنا الفردية التى تبكى فى سياقات 
جماعية» وتختتم القصيدة: 
«وأاسقط ميا فى نبرة الأشجار». 
٤‏ 
تعدد الصرت 
تتمثل حركة الانتفال من الواحد إلى المتعدد أيضًا فى 
الانتقال من الصوت الواحد إلى الصوت المتعدد؛ وهو انتقال 
يمنح القصيدة بعد) جديدا انفق على تسميته بالبعد 
الاحتدامى (الدرامى»» ويمثل انتقالاً من القصيدة الغنائية إلى 
القصيدة الاحتدامية (الدرامية) . 
وفى أبسط صوره يتخذ هذا الانتقال شكل ازدواجية 
للصوت فى القصيدة. لكنه فى أعقد صوره (لدى أدوئيس 
بشكل خاص) بصبح أصداء أصوات داخلية لا تسمى 
وتميز» كما يحدث فى العمل المسرحى» بل تنبئق فى نسيج 
النص وبنيته بلهجات متباينة وإيقاعات متفاوتة ولغات شعرية 
ا 
وقد يتخذ هذا التعدد شكلاً انفصاميًاء بحيث يكون 
الصوت فى القصيدة واحدا لكنه ينفصم إلى صوتين» كما 
يحدث فى قصيدة ياسين طه حافظ «الشبح والسيدة» التى 
يرفقها الشاعر نفسه بالملاحظة التالية: 
«فى القصيدة أساسًا صوت واحد هو صوت 
السيدة. أما الشبح فهو انشطار مأساوى من 
خيالها الملتف على الساقين المطاط للزرج 
الراحل؛ والذى هو البطل الحقيقى فى القصيدة. 
الصوتان يتحدثان من بعدين مختلفين لقضية 
واحدة. يحاول الصوتان أن يتبادلا الموقع على 
طول القصيدة حتى يتلاشى البعد أخيرا ونظل 
السيدة وحدها فى صمت الحجرة؛ كما كانت 
فی بداية القن 4 : 
ولقد وصفت خالدة سعيد النقلة من الغنائية إلى الدرامية 
لدى أدونيس ببراعة تغنينى عن إضافة جهدى الخاص إلى 
ذلك. وسأكتفى باقتباس رأى مطول لها فى جزء من دراستها 
لقصيدة هذا هو أسمى) : 


«ليست للقصيدة هندسة مغلقة ثابتة؛ لأنها دفعة 
أو حركة. وليس لهذه الحركة بداية ونهاية. تبدأ 
القصيدة وكأنها إضاءة مفاجئة لحركة كانت 
مستمرة من قبل وظلت مستمرة حتى بعد أن 
سكت الشاعر. بدأت: ... ماحيًا كل حكمة) . 
واننهت: :وطنى هذه الشرارة هذا البرق فى ظلمة 
الزمان الباقى...٠.‏ 

بهذا تكون القصيدة موجة لا بيتا. تمثل هذه 
البنية بمسارات وتيارات وتفجرات واصوات 
تتلاقی وتندمج أو يخترق بعضها بعضا ليخرج 
وقد عانى مولا ماء وبأشخاص أو «ظهورات» 
وانقسامات للشخص الواحد» وتقاطعات عبر 
الشخص الواحدء يتم هذا فى محرق أو مكان هو 
مديئة الاعماق» فى زمن هر اللحظة المتحركة. 
لذلك أقول إن القصيدة ذات بنية مسرحية... 
ويصل أدرئيس فى قصيدة هذا هر اسمى؛ إلى 
نوع من التجريد المسرحى. أى تبقى الحركة 
والتيارات والأبعاد ونغيب التفاصيل. يأخذ من 
اللخرار غايعه: أي قال قاين شرن أو 
تيارين وتصارعهما أو تعانقهما أو توازيهما؛ وبدل 
الأبطال الذين لا يتبدلون جد أنفسنا أمام الأبطال 
«الظهورات» التى هى خليات تومض لتحقق 
فعلاً أو خدث كشفًاً ثم تعود للاخاد بالواحد - 
الكل. وأبرز السمات المسرحية فى هذه القصيدة 
هى الخشبة والأبعاد والأصوات. وبدل الخشبة 
الواحدة هناك مجموعات من الخشبات تمثل 
مسقط اللحظة الحاضرة؛ ومسقط الظلال 
التاريخية؛ وعوالم اللارعی الفردى والجماعى. 
وتنتقل الحركة بين هذه الخشبات صعودا 
وهبوطاء إلى الأمام وإلى الوراء» وتتقاطع 
الأصوات المتعددة المسارات. تبداً صورة ا فكرة 
ما بتحريض الحركة على الخشبة الأمامية: 
وتنطلق الموجة باعشة الظلال والأصوات فو 





الخشبات الخلفية والسفلى. حين يقول مثلاً: 
«وطنى راكض ورائى كنهر من دم) تتحرك فی 
جميع الا جاهات أنهار الحياة والدم والحبر منذ 
نهر هيراقليطس أو التجدّد الدائم؛ إلى نهر دجلة 
مصبوعًا بالحبر أو بالدم حتى نهر الدم فى دير 
ياسين ؛ وحين يقول (من الحريق) ؟؛ يظهر خط 
النار الذى يقطع التاريخ منذ نار بروموثيوس إلى 
نار الفينيق» وحريق قرطاجة وروماء وحريق البصرة 
حتى حريق النابالم ويمتد نحو الذات ويسعث 
حريق الآأب» وحريق الحب ونار الفعل . 

ون الا المسرحية الأضرات'العى جد 
تشوازى» تتقاطع او تتداخل ويجىء واحدة» 
متعددة أو جوقات. هذه الأصوات تتفجر منطلقة 
من صوت الشاعر الذى ينقسم على نفسه ويصير 
ذاته وغیره فى آذ؛ أو ججىء لتتقاطم فى صوت 
الشاعر وتدخل فبه؛ أو تواكب» جوقات 
جوئات 2400 , 

e 
بالإضافة إلى الطبيعة الدرامية» يمنح هذا التعدد‎ 
للقصيدة كما يجسد فى الآن نفسه» بعد جديدا على‎ 
صعيد الرؤية العربية للعالم هو «تعدد المنظور» ؛ وهو وبين اهم‎ 
ما يحدث من تطورات فى الثقامة المعاصرة . ذلك أن الشقافة‎ 

العربية ‏ إذا كان لى أن ا شجعت عبر تاريخها المنظر 
ل ل E‏ 
المرئى من لاله عن طريق التفصيلات الجزئية. من هنا هذه 
القدرة العجيبة على رصد التفصيلات فى الثقافة. لكن رصد 
التفاصيل كان يقابله غالبا غياب للمرئى: غياب له فى 
كليته. وقد قدّم النقد العربى والدراسات اللغوية أفضل الأمئلة 
على ذ ذلك (كما يتجلى فى أية دراسة قديمة لنص شعرى - 
وليكن إحدى المعلقات مثلاً ‏ وفى الدراسة اللنوية للقرآن 
الككريم التى لم تنتج مخليلاً واحد) لسورة كاملة من حيث هى 
بنية كلية) . 

ووحدانية المنظور تنبع من وحدانية الإيمان: الإيمان 


بحقيقة واحدة مطلقة لا بديل لهاء وبقدرة الرائى على 


الواحد / المتعدد 


00 ا هذه الحقيقة‎ e 
مقافي كالاستراتيجية التى تفترض وعى البدائل' 0 السعى‎ 
إلى تفتيق البدائل وبلورتهاء حين لا تكون «قائمة‎ 
الوجود) فى حد ذاتها.‎ 

أما الرؤية عبر تعددية المنظور فإنها النقيض الجذرى لذلك: 
ا لو E‏ 

بمواقع إنسانية وشروط تاريخية متغيرة:» كل منظور يكشف 

مَيمة ا به اك فإن تعددية 5 تعددية 

0 جحسد جبرا إبراهيم جبرا هذا ا فى الرواية 
بشكا ل مین كما لجسل أدوليس فى #مفرة بسيغة 
الجمم»"“ بشكل رائع . . لكنه لا يزال بين المعطيات الجديدة 
التى لم تصل بعد حد أن تطبع الشقافة بطابعها. . ولذلك 
أكتفى؛ هناء برصده دوك محاولة تقصيه وتحديد ملامح 
تفصيلية له» مشير فى الوقت نفسه إلى تناميه المثير للاهتمام 
07 السنوات الخمس ں عشرة الأخيرة. حين عت هذه 

راسة 0 رواية جبرا ورواية عبد الرحمن منيف شرق 
ا العملين الوحيدين اللذين كان بوسعى الإشارة 
اليهما. أا الآن فإن عدا لافتًا من الروايات ومن النصوص 
الشعرية والمسرحية سد هذه التعددية فى المنظور. وآخحر 
النصورص 1 وأئية التى أتيح لى الاطلاع عليها هو «لعبة 
النسيان)(* محمد برادة. ٠‏ وواضح من انتشار هذه التقنية فى 
الرواية إلى درجة تفوق انتشارها فى الشعر أنها قد تكون أكثر 
خصوبة وأشد قابلية للاستخدام فى النصوص السردية. 
كاد 


(A). 


ثمة أشكال ل أخرى «متعددة» من التعددية» والانتقال من 
الراسخ الشابت نهائى التشكل إلى المتحرك المتحول الذى هو 
ا صيرورة؛ وبين هذه الأشكال ما يمكن تسميته 
«تعدد الأنماط الكتابية» أو والأجناس الأدبية» فى النص 
الشعرى. كما أن بينها ما سأسميه الآن «تعدد النص». وعلى 
مستوى أقل شمولية؛ يندرج التناص أو التداخل النصى -10) 
(616021160) ضمن هذه الظاهرة» حالقًا تعددية فى 
الصوت؛ واللهجة»› والسياقات التاريخية والثقافية» والأنماط 


4 





) ا ولو ا ا ا ل و ر ن ت 


الكتابية (أحيات) ؛ والدلالة, بل فى الإيفاع أيضاء حين يتم 
اقتباس نص له وزن وإيقاع مختلفان عن النص الذى يدرج 
(e)‏ 
فيه . 
أما تعدد الأنماط الكتابية فإنه يغدوء تدريجيًا» سمة من 

السائدة المعقولة ودوك رغبة فی الدخول فی جدال حول مأهية 
الشعر وماهية النشر) . وقد يكون النشر اقتباسا تاريخيًا (كما فى 
نص أدوئيس «(مقدمة لتاريخ ملوك لت وفې 
تصيدة طويلة لهذا الكانب هى «الأضداد» التى أدرجت 
فيها صفحتان كاملتان من كتاب (طبقات اله لسعراء اء المحدثين) 

کک وقد ا ذا علاقة مباشرة 
المقاطم النثرية ا باتظام وفى مواقم محددة 8 ف 
كما فى قصيدة عبد العزيز المقالح «أوراق الجسد العائد من 
الوت التى أقتبس منها الصفحتين التاليتين: 

قراءة فى أوراق 

الجسد العائد من الموت 


«صنعاء: الشارع الدائرى. 

الزمن: ۱۲ دیسمیر ۱۹۸۲. 

الوقت: الثانبة عشرة و ٠١‏ دفيقة ظهرًا. 

الأشجار تتمايل.. الطريق لم بعد دائريًا أو مستقيما. ها 
هوذا. بترن يتسع ويضيق» 

يصعد, يهبط.. السيارات نمسك 

فى بعضها تناه ونرتطم بأعمدة النور وتستنجد بفئ الشجر. 
البيرت تتمايل نوافذها ترتعش 

الناس يخرجون إلى الشوارع.. الكلمات ترنش 

فى الشفاه وتنطلق فى أشكال من 

الدوائر المكسورة). 


«إذا زلزلك...» 

وبكى جسل الارض 

أيتها النخلً اليمنياً ‏ يا امرأة البنَ: 
كيف يباغتك الاصفْر ‏ اموت 
والأسود لعن 


VY 


كيف تصيرين لحدا 

وينكسر الل في الخنجر الأربي؟ 

أيه للقيض الى من السيف 

لا تكشف السرٌ 

مازال فى الجسد امرأةٌ 

| 

ومازالت الام «عشتار» تشرق فى آخر الليل 

والطفل يبرسم فى صدره وجة مار من النار 

يخرج من حجر أورق الو في جنه 

ثم ينهض مرتبكًا 

ويفئّش عن قمر لا فضاء له 

ويروض أبن من رماد الحطام. 
تنخ لارا اران 
سجات مراصدنا عند الظهيرة ززا عنيقا 
بلغت فوته سبع درجات بمقياس ريختر, 
ربما بكرن فد ضرب أجزاء من المنطفة الوسطى باليمن! 

بعد الولادة 


يغفر الزمن فى أحضان الموت). 


قبط الليل عند الهيرة 
واحترق الشجرٌ الفروئ بماء الظهيرة 


فارتعشت فى عبون الصبابا الجرار 


هرى النبع» 

غاض حديث الصبايا 

استحال نداء الخلاخيل دمعا 

أسال دم العشب 

والاعرٌ اصطاده لهب لا پری 

هل أتى الموت مختفيًا فى ثياب الظهبرة؟ 

هل... 

وبكى جسد الأرض 

واختلطت ببقايا المرأيا عون مشفقة. 
وشتاء 

(ضوران: الجامع الكبير 

إمام الجامع ينهض من السجود الأول 


ر و جع 


ثم يقرا: طالقارعة ما الفارعة. وما أدراك 
ما القارعة, يوم يكون الناس كالفراش 
امبثوث. وتكون الجبال كالعهن المنفوش م 
صرت الإمام بنصدع, جدار القبلة يتصدع, 
تتوارى آبة الكرسى عن الانظاره بسقط السقف 
ويسجد المصلون قبل أداء الركرع 
وتذهب بيوت اللدينة لاداء صلاة الموت)»(15). 
وتستحق ظاهرة تعدد الأنماط الكتابية دراسة مستقلة فى 
مجال غير هذا المجال. وسأكتفى بهذه الإشارة إليها الآن» 
ولفت النظر إلى أهميتها. ويبدو لى أنها ستتطور بتسارع 
متزايد فى النص الحدائى المستقبلى . 
١-1‏ 
أما تعدد النص فإنه ظاهرة جديدة؛ من جهة؛ ومحدودة 
الحدوث؛ من جهة أخرى. ويمكن أن أدرج فيها نمطين من 
التعدد: أولهما تعدد النص بالمعنى الحرفى للعبارة؛ أى أن 
يشركب النص الكلى من نصين مختلفين فى إيقاعهما 
ولفتهما وتجربتهما.. إلخ. يدرجهما الشاعر معا بتوزيع طباعى 
متميز دالٌ؛ ليشكلا نصا واحدا. وأبرز مثل أعرفه على هذا 
النمط من النص قصيدة سعدى يرسف «غرناطة» )١9518(‏ 


التى تتشكل بالطريقة التالية: 


غرناطة 
في «البائسين» أراك تبحث فى الظهيرة 
لقد أطفئت الحمراء. ۰ 
ووراء بهرجة المدينة. والمخازن. عن حكاياك الصغيرة 
فى الصاح ٠‏ ْ 
عن منشد أعمى. وزاوية تدور بها القصائد 
عيناه. 7 سا ر 
سرية. عن ذلك السفح الذى فتلوا به لوركا. وعن بقيا قصائد 
خطوته. فى آخر الساحة 
ما تزل مطوية الأهداب ترقد بانتظارك 
ا ا 


الواحد / المتعدد 


طوفتَ حتى في الأزقة حيث تتبعك الكلاب 
منتصف الليل, كخصر امرأة يطوى... 
متسائلاً عن شاعر قتلوه؛ وانفجرٌ الجواب: 

5 وفى الشارع قيثارة 
«لوركا؟ أجل... لوركا؟ درسناه». وتتبعكَ الكلاب 
بنهمر الناؤج منهاء والندى يغرس أزهارة 
متعثرَ الخطوات, تسالك الأزقة عن جواب. 


فى الليل 

عد فالفتاة الآن فى المقهى, وقد بانى سواك 
فى منتصف الليل 

كي يطلب الاب منها. 


هنا فارق عبد الله أسوارة 
تلك أغنية البتامى 
تمت... ومنشدها تطلمل... ثم قاما 
نائمة أنت. وفى شعرك نوارة(). 
وينتمى إلى هذا النمط من تعدد النص كتابة نصين 
متوازيين شاقولياً على الصفحة؛ بحيث تنقسم الصفحة إلى 
نصفين يرد فى النصف الأيمن نص وفى النصف الأيسر نص 
آخر. وتتفاوت درجات الترابط بين النصين من قصيدة إلى 
أخرى وأول مثل أعرفه على هذا النمط قصيدة لهذا الكاتب 
(56), وآخر 
الأمثلة التى أنيح لى أن أراها قصيدة محمد بنيس ١ورقة‏ 
البهاء»(١*)‏ التى وصلتنى وأنا أضع اللمسات النهائية لهذه 
الدراسة. وقد نشرت عام 194 . وأكتفى هنا باقتباس 
صفحتين منها؛*؟ مثلاً على الظاهرة المناقشة» وبالإشارة إلى 
أن تعدّد النص يرد فى مقاطع أخرى من هذه القصيدة أيضا. 
وبين صور تعدد النص المقاربة نهج أتبعه سعدى يوسف 
توضع فيه إلى جانب النص الاول» ودونما انتظام » صناديق 
* حفاظا على الشكل الطباعى للصفحتين المقتبستين. نقلناهما إلى ملحق بأخر 
المقال (فصول) . 


نشرت عام ۹۷۲ فى ١بكائيات‏ من مرائى إرميا» 


YT 





كمال أبو ديب 


افا کرات ا ير تا با رق ال ٠‏ 
التاليين *“ ما يوضح هذا النهج. 


۲-۹ 
أما النمط الثانى من تعدد النص فهو أقل جذرية ولا 
يشكل تعدما للنص بالمعنى الكلى المتمثل فى النمط الأولء 


وقد يتطلب مصطلحا آخر لوصفه. لكننى» ندا سأدرجه 
ضمن تعدّد النص وفى هذه الحالة ينقسم النص إلى متن 
وهوامش قد تكون قليلة وتفسيرية الطابع» وقد تكون منتظمة 
وتشكل بدائل حقيقية لنص ال شن. لكن المتن والهوامش 
تشكل نص واحداً. وأبرز مثل أعرفه علي هذا النمط قصيدة 
أدونيس «إسماعيل) (۱۹۸۳)"“» ونص لهذا الكاتب نشر 
عام ۸ هو «رباعیات أولی)' 
هوامش مختلفة الطابع هو «الأضداد» (۱۹۷۲) ويستحق 
تعدد النص » أيضساء درا اسة.مستقلة ؛ لكنني أكتفى بهذه 
الإشارات إليه لأنها تفى بغرض البحث الحاضر؛ ولأننى لا 
٠‏ أكتب بحا مختصا بهذه الظاهرة. 
۳-۹ 

ثمة نمط أحير من أنماط تعدد النص أود الإشارة إليه» 
مع أنه لايزال فى حالة ا 
فيزيائيا للنص الواحد» إذ ينسأ من كتابة النص مرتين ( 
أكثر» نظريا) بصيغ متباينة» ومن اعتبار كلا النصين ا 
التجسيد الكلى للتجربة أو الرؤيا التى ينبع منها فعل الكتابة 
ثم نشر النصين المتباينين معا. . ومن الجلى أن هذه العملية 
تختلف جوهرياً عن فعل التنقيح أو إعادة الكتابة المألوفين 
جدا فى تاريخ النصوص ٠.‏ فهاتان العمليتان الأخيرتان تلغيان 
مراحل سابقة من تشكل النص وتستقران على صيغة نهائية. 
أما ما أشير إليه من تعدد للنص فإنه لا يلغى صيغة أو مرحلة 
من صيغ النص أو مراحله؛ » بل يعتبر كلا منها صيغة مكتملة 
ومع ذلك يضعها الواحدة إلى جانب الأخرى 0 بعدهاء 
خخالقًا بذلك صورتين مختلفتين للنص الواحد. والنموذج 
الأول الذى أعرفه لهذه العملية نص لهذا الكاتب تعود كتابته 
إلى 141/7 لكنه لم ينشر حتى 1484 هو «فصل 
الا 


٣‏ كان قد سبقه نص ذو 





(«) انظر الملحق فى نهابة المقال (فصول) . 


Vt 





أما تعدد النص النا من عملية التنقيح وإثبات صيغة 
نهائية على حساب صيغ أخرى سابقة؛ فإن من بين أبرز 
عحققاته ما فعله أدوئيس فى الطبعة الآخيرة مجموعاته الشعرية 
كلها؛ إذ نقح عمله كله وأثبت عبارة «صيغة نهائية؛ على 
الطبعة الجديدة. غير أن الصيغ السابقة لاتزال موجودة فعليا 
فى طبعات متداولة يستطيع القار ئ أن يعود إليها ويقرأها جنبا 
إلى جنب مع الصيغة النهائية. وبهذه الصورة قد ينشأ تعارض 
فعلى بين ما يعتبره الشاعر الصيغة الشرعية لعمله؛ وما يعتبره 
القارئ صيغا مختلفة يروق له بعضها أكثر من غيره حتى لو 
لم يتطابق ما يفضله مع ما يشرعه المبدع. ويمكن اعتبار هذا 
النمط من إلغاء الصيغ السابقة ظاهرة جديدة تصدر عن نزوع 
مناقض للتعددية التى أناقشها فى هذا البحث على مستوى 
فعل المؤلف لكنها تؤكد حضور التعددية على مستوى الواقع 
والقارئ. ومن الشيق والدال جدا أن ما يحدث فى الشعر بدأ 
يحدث فى الرواية ومجالات أخرى. فقد أعاد حليم بركات 
كتابة قصة قصيرة كانت قد نشرت عام ۲٦۱۹ء‏ مطورا إياها 
إلى رواية نشرت عام 4 . كما قام فاضل العزاوى بعمل 
مشابه» حين أعاد كتابة «مخلوقات فاضل العزاوى الجميلة) 
ونشر النص الجديد نحت عنوان فرعى «قصيدة ‏ رواية؛) 
متضمنا تعددا للنص بأكثر من معنى (تعدد الجنس الأدبى 
وتعدد النص نفسه) . وقد بلغنى حديثا يغا أن عبد الرحمن مليف 
قد أعاد كتابة «شرق المتوسط». وقد تتنامى هذه الظاهر؟ 
لتصبح آلية من آليات التعدد ذات أثر حقيقى فى نطور الكتابة 
العربية المعاصرة. (وأعيدت كتابة هذا القسم من هذا البحث 
فى جامعة كولومبيا/ نيويورك فى كانوث الأول 
441 . 
٤-١‏ 

تبقى فى السياق الراهن لدراسة التعددية ظاهرة فذّة بحق» 
قد يكون ارتباطها المباشر بما أناقشه غير واضح» لكنها 
تستحق الرصد. هى تعدّد المؤلّف» أى قيام أكثر من مؤلف 
بإنشاج النص الواحد. وليس فى مجال معرفتى أن هذه 
التعددية فى المؤلف عرفت فى تاريخ النص الإبداعى العربى؛ 
مع أنها مألوفة فى نمط آخر من النصوص كالنص الفلسفى 


مل ل يي يي ا د 


الذى يفترض أن إخوان الصفا أنتجوه. فجأة؛ خلال عفد من 
الزمان» نرى تعدّد المؤلف فى الكتابة الإبداعية العربية» فى 
الشعر وفى الرواية وفى الكتابة التى لا تقبل التصنيف؛ ضمن 
نظرية الأجناس المعروفة. يكتب جبرا إبراهيم جبرا 
وعبد الرحمن منيف «عالم بلا خراثط"''» ويكتب 
شاعران شابان هما إبراهيم زيدان وقيس مجيد المولى «قصيدة 
مشتركة عن النصف الحى والنصف الميت]7؟ 2١١‏ ؛ ويكتب 
قاسم حداد وأمين صالح الجواشن”*١١2‏ مبتكرين نمطا كتابيا 
تعدبا جديد). ولن يفاجكنى فى شه أن تتنامى هذه الظاهرة» 
خلال الأعوام القادمة لتصبح فعلاً إبداعيًا جماعيًا بحق؛ أى 
ن ا ا لعا تش و که 
حقيقى»؛ لا بدلالة مواهمة كما هي الحال فى رواية هانى 
الراهب «التلال:7 ١"‏ التى تستخدم «نحن» لتسرد النص 
الروائى؛ والكاتب فى الحقيقة فرد واحد؛ وصوته السارد 
صرت فردى. 
۷ 

أخيرا سأشير إلى جسد فد للتعددية هو الانتقال من المعنى 
الواحد المتجانس» أو المتناسق» إلى المعنى الضدىء وانتشار لغة 
المفارقة الضدية؛ وهى لغة احتمالات ومحارلات» وتمثل أحد 
أكثر طوابع اللغة الشعرية بروزاء خلال العقود الثلاثة الماضية. 
«مهيار؛ بطله الأسطورى بأنه : 

«يقبل أعزل كالغابة. وكالفيم لا يرد.... 
برسم قفا الها هم بن ا لا ياتى 

ويسمى البياتى أحد كتبه «الذى ياتى ولا يأنى) . ويعمق 
أدوئيس اكتشاف العالم» من اكتشاف الذات فى الأنه 
بخ ب . وتنشاً فى |ل* لشعر الحديث كله هذه اللغة 
الضدية؛ اللغة الى مخاول أن تقول الحال وألا تقول ما يسهل 
قوله. وتطغى» فى الوقت نفسه»› لغة ية » كأن عام الشاعر 
ا شبات فی مکان محدد وزمان مدرك» بل 
معلّق فى الفراغ؛ بين أن يكون أو لا يكون» بين الكون 
المترسب الذى انهار والكون المغلق الذى لم يتبلور بعد 
(دوقت بين الرماد والورد؛ ؛ يكتب أدونيس) . 


يتصف أدوئيس 


الوا احد / المتعدد 


ومن هذه اللغة البينية والضدية فى أن يتولد عالم من 
الممكن؛ من الاحتمال؛ من التلبس لصور متعددة. وعالم 
الاحتمال هوء, > خديداء عالم التعدد الذى يقف نقيضا لعالم 
الشئع الواحد المحدة المدرك. .م إن هذا العالم هوء فى الوقت 
نفسه» عالم اللايقينية الذى تنهار فيه الوثوقية والتحديد 
الإطلاقى للمكان والزمان والمعنى والرؤية والموقف» ل للذات 
أيضا . 

ولأننى خصصت دراسة مستقلة للغة المفارقة الضدية فى 
مكان آخرء سأكتفى فى السياق الراهن بتقديم عدد قليل من 
النماذج؛ مؤكد) أن غرضى هو التمشيل على الظاهرة فى 
صيغة عامة» لا الاستقصاء والتفريع» لكن مشيرا فى الوقت 
نفسه إلى أن لغة المفارقة الضدية تتنامى تناميا لافتًا جدا 
لتصبح سمة مائزة لكشير من النتاج الشعرى الراهن فى 
اللحظة التى أضيف فيها هذه العبارة (حزيران» ٠٠۹۹۳‏ 
وبطفى منها بشكل خاص النمط الذى سأسميه بعد قليل 
«لغة الغال) . 

تتخذ لغة المفارقة الضدية شكلا مفهوميا أحيانا؛ وشكلا 
لفظيا أحيائ أخرى. فهى نظهر بالشكل الأول فى الأمثلة 
التالية من شعر أدونيس(8١21:‏ 

«سقط الماضى ولم يسقط إلماذا يسقط الماضى ولا يسقط؟)». 


«أطلب الماء ويعطينى رملا 

أطلب الشمس ويعطينى كبفاء. 

«تظهر فى كوخ على الأردن أو فى غزة والقدس 

«وابتدىء من هنا 

مثلما تبدأ الفجيعة أو تولد الصاعقة 

مت؟ ها صرت كالرعد فى رحم الصاعقة». 

«وكان الوقت يشرف أن يصبح خارج الوقت». 

«ويبني جسرا يعبر عليه من الآخرة إلى الاولى». 

أما فى صيفتها اللفظية» فإن بين الأمثلة على المفارقة 
الضدية عبارة أدونيس 


¥0 





كمال أبو ديب 
م ل ل ص 


دجاء العصف الجميل ولم يأت الخراب الجميل» . 

إذ إن الخراب يرتبط فى الذهن وفى اللغة بنقيض 
الجمال» بالقبح والدمار» لكنه هنا يوصف بأنه الخراب 
الجميل. وتنشأ من ذلك شبكة من الدلالات الثرية التى نظل 
عصية على التجميع والتركيز فى بنية دلالية متناسقة إلى أن 
نستدخل فى الوعى عمل الشاعر كله وارتباط موقعه من بناء 
ثقافة جديدة ومجتمع جديد بالإيمان بضرورة تهديم العالم 
القديم وتخريبه. وبهذه الصورة يصبح الخراب حين يتحقق 
(وهو هنا غير متحقق) مجسيد) رائعًا لإمكان الولادة الجديدة 
وبناء عالم غض خحصب. من هنا يتوحد بعلا تصور الشاعر 
للعالم فى تعبير م ركز واحد هو «الخراب الجميل) . 

وبين الأمثلة أيض) قول أدونيس : 

«منذ يوحنا العمدان يمل كل منا رأسه القطوع في صحن 
وينتظر الولادة الثانية». 

أن يحمل المرء كتابا فذلك مما يتشكل فى إطار اللغة 
المتناسقة؛ وحيدة البعد؛ وأن يحمل المرء ثوبه فذلك أيضًا مما 
يتشكل فى إطار اللغة المتناسقة. أما أن يحمل المرء رأسه 
اللقطوع فى صحن فإنه مما لا يتشكل فى إطار لغة التناسق 
والدلالة المحددة المحدودة والعقلانية» بل إنه لينسج شبكة 
جديدة غير قابلة للتحديد فى إطار التجربة المألوفة واللغة 
المتناسقة دلاليا. ثمة بعد آخر للتعبير ينبع من تشكيل ا محال 
ولغة المفارقة الضدية فى بنية لغوية تبدو عادية تمامًا. وذلك 
البعد الآخر قد يكون قابلا للتحديد استعاريا وقد يكون غير 
قابل للتحديد مهما بلغ سعينا من الإيغال فى التحليل. وهو 
یی فى أية حال مكمنا لاحتمالات مختلفة ولإمكانات 
قابلة لتتحقق أو عدم التحقق. ومن هناء فإن لغة المفارقة 
الضدية ولغة انال تحملان فى جوهر تكوينهما بذور التعدد 
واللامحدودية والتشابك وتسهمان جذريا فى خلق النص 
المفتوح» نص الإمكانات والاحتمالات. 

وشبيه بهذه الصيغة التعبيرية القائمة على المفارقة الضدية 
التى تخفى وراءها رؤية معقدة التعبير الذى يختتم به أدوئيس 
«هذا هو اسمى): 

«عائش فس الحنين فى النار فى الثورة فى سحر سمها الخلاق». 


كل 


فمن الصعب» فى سياق عادى خارج هذا النصء أن 
نتصور دلالة متماسكة لعبارة (سحر سمها الخلاق» ؛ ومن 
الصعب أن نعصور دلالة معماسكة لهذه العبارة منسوبة إلى 
الشورة. أما فى إطار رؤية أدونيس الكلية للعالم فإن لغة المفارقة 
الضدية التى تتمثل فى العبارة المذكورة تصبح مشعة بدلالات 
على قدر كبير من الثراء والتشابك والتعدد. 

وقريب من لغة أدونيس هناء فى إشعاعها بالمفارقة 
الضديةء لغة قاسم حداد وأمين صالح فى «الجواشن) ''. 

«يحدث أن نشهر الفضيحة كالمخلب ونبجل الخراب». 


«فقد عرف بالخبرة أن الخراب قادم وأن الأنقاض سرف تزهر 
بعد قليل». 
ويتمثل هذا الدمط من المفارقة الضدية أيضًا فى الجمل 
التالية: 
«وأنت, أيها الليل الإباحى, الكريم كالموت, الطاعن فى العمي' 
الممعن فى غزو الأماكن الخالية...». 


«كان الحاكم المعطر بالكراهية بطوى بلاطه الفاحش ويسخرج 
لجمع محتشد خارج السرر المذهب». 

الغة محال » ومن بين نماذجها التعبيران التاليان: 
«مشى طويلا صرب عينيه ولم يصلء("١١).‏ 


«لاننى أبحر فى عينى 

رأيت كل شىء 

فى الخطرة الأولى من المسافة»(١١١).‏ 

والتعبيران التاليان: 

«الحدادون فى الإسطبل يطرقون حدوات أحصنة وهمية لن 


تحضر أبدًا.. إنها تترقرق فى صدر غيمة غارية,!١١).‏ 


دها أنت 5 
فتی مسکون بالرؤی 
مثل مسك الكتابة 


پاچ کے ا ا ا د ت 20 


قرين للجثة. حارس لها 
هل تسمع صوتنا نبيا يهمس بك: 


(7 e 3 5 


وللغة. ا محال علاقة وثيقة بما أسميته فى مكان آخر (لغة 
الغياب» » ويستحسن أن تقرأ دراستاى للظاهرتين O‏ 
۸ 

بين أعمق جليات التعددية فى الشعر الحديث يجليها 
الإيقاعى وسأكتفى بتمييز أنماط ثلانة من التعددية فى البنية 
الإيقاعية يحتاج كل منها إلى دراسة مستقلة: 

ات التعدد فى الك الإيقاعی (البحر)» 

؟ ‏ التعدد فى الوحدة الإيقاعيةء 

 “‏ التعدد فى البنية الإيقاعية. 
١-8‏ 

أقصد بالتعدد الأول امتزاج البحور فى القصيدة الواحدة» 
الغنائية القصيرة؛ والطويلة المتشابيكة على حل سواء؟ ويمثل 
هذا النمط أقدم أنماط التمدد الإيقاعى فى الشعر الحديث؛ 
إذ تعود الحاولات الأرلى فيه إلى الستينيات على الأقل. ولقد 
برز عند الاب فی محاولاات تبدر وأعية» فی قصائد مثل 
«فى المغرب العربى۲؛ «رؤيا فركاى»» «مدينة السندباده و 
درزيا فى عام 2115701985 

ويصل هذا التعدد ذروة من ذرى كمال في نماذج 
نحمرد درويش يحقق فيها قانونا إيقاعياً» كنت قد وصفته فى 
(فى البنية الإيقاعية للشعر المربى)”1 “2١١‏ حيث اقترحت أن 
أول أنماط الانقلاب الإيقاعى هو انقلاب الوحدة الإيقاعية 
إلى معكوستها: «فاعلن؛ إلى «فعولن؛؛ و «متفاعلن» إلى 
«مفاعلتن) , و «مفاعيلن) إلى ١مستفعلن؛:‏ كما يحدث فى 
قصائد عدة سأختار منها «قصيدة بيروت» لأناقشها؛ باعتبارها 
مغلا للظاهرة19١231‏ . 

تتحرك و قصيدة بيروت»» إيقاعياء بين بنيتين إيقا عيثير: 
تتشكل إحداهما من تنامى «متفاعلن | مستفعلن) › وتتشكل 
الأخرى من تنامى «مفاعلتن/ مفاعيلن» وتتوسط بينهما فى 
أول بروز لهما حركة إيقاعية متميزة تنقسم بينهما إلى درجة 
متساوية تمامًا. فى مقطع سأقتبسه بعد قليل» يبدأ التشكل 
الإيقاعى كما يلى : 


الواحد / المتعدد 


٠. 
2 


«تفاحة للبحر. نرجسة الرخام. فراشة حجريةء بيروت 

شكل الروح فى المرآة. 

وصف المرأة الاولى. ورائحة الغمام» 
ويستمر لصفحة كاملة إلى أن ينتقل جرئيا بالصورة التالية: 

«كأننا كنا نغنى خلسة: 

بيروت خيمتنا 
بيروت نجمتناء. 

حيث تشكل الوحدتان: «بيروت خيمتنا؛؛ من جهة؛ 
استمرار)ً ل «نغنى خلسة؛» ومن جهة أخرى وحدتين 
إيقاعيتين منفصلتين. هما ةمستفعلن/ فعلن» وتتكرر 
الرحدتان بهذه الصورة: (بيروت مجمتنا) ‏ (مستفعلن/ 
فعلن»» ما يوحى بأن الوحدتين فعلاً مستقلتان» وإذ يتأكد 
استقلالهما فإن المقطع يستمر فى نمو مفاجئ ل «مفاعيلن/ 
مفاعلتن) : 

«سبايا نحن فى هذا الزمان الرخو 

أسلمنا الفزاة إلى أهالينا 

فما كدنا نعضّ الارض حتى انقض حامينا على الأعراس والذكرثى 

فورّعنا أغانينا على الحراس من ملك على عرش 

إلى ملك على نمش / سبايا نحن..». 

وبين النماذج المبكرة لهذا التشابك بين «مفاعيلن؛ و 
«مستفعلن» أو «متفاعلن» و «مفاعلتن؛ قصيدة عبد العزير 
المفالح «مرثية أولى» المنشورة ۱۹۸۲ (التى لم تظهر فى 
ديوان حتى عام .'')۱۹۸٦‏ وسأقتبس منها مقطمين 
يمثلان التشابك الذى أصفه فى صورة متميزة له: 

موعن أغان تشعل الأنهار فى قمم الجبال 


تقول رائحة التراب الأرض: 
هذا جفنه يعلر 
وهذا صوته يعلو 
وهذا صوت ماء الشمس 
صوت الأرض يخرج من سنابل دمعها 


وتقول: 


ا 30 


ياجيل الاسى المتقكم: اتبعنى 
+ 
أعبد الله يازمًا من الكلمات 


يانهرًا من الاصوات 


لاذا الشعب ملقى فى فراش الموت 
مصلوب على خشب من الأوهام 
يخرج من ظلام.. للظلام 

ومن قبور.. للقبور 

ومن منفى بلا وطن 

إلى وطن هو المنفى 

ومن حقد له سبب 

إلى حقد بلا سبب؟ 

لماذا تمطر الايام خومًا 

والعيون دما 

وتبطل كل عام فى الديار 
متَجاعة مجئوئة للخوف؟! 


يا أيها الموتى....(''). 

أما الانقلاب الآخر فاعلن/ فعولن» فقد أصبح سمة مميزة 
للمتدارك والمتقارب فى الشعر الحديث بأكمله؛ ويندر أن 
نرى الآن أحدهما صاف) لا يختلط بالآخر. 

لنتأمل هذا النص محمد على شمس الدين مثلاً: 

«إن هذا المساء 

وحيد ولا يؤنس الخائفين 

إن هذا المساء 

حزين كوجه حميدة 

سأنصب فحًا له فى النجوم البعيدة 


وأوقف هذا التجسس نحوى 


VA 


سانصب فخا كبيرًا 

لفثران هذى السماء 

وأصطادها نجمة 

ثم ألقى بها فى يديها... 

ليس هذا المساء 

1 

فى الشجى 

كنت متكا فوق سيفى 

وحولى جنودى 

أقول لهم: 

سيُجونى من الريح 
كل ريح تهب علي 
ستدفعنى نحو حنفى» 
أو النص التالى: 

«لم يكن نائما 

كان مثل الحصى فى سرير المياه 

هادا 


,( 


وعميقا. 

قلت قبل الدخول إلى باب المشرقى 

أخوض إلبه الوحول القديمة 

وقد أزهرت 

أضم إلى شفتى زهرة غامضةء(""). 

ولنتأمل كذلك آخر النصوص التى أقرأهاء وأنا أعد 


الصيغة النهائية لهذا البحث: 
«هكذاء تصبح الشمس مثل قميصك والليل 
سجادة للصلاة 


وأنا ذاكر غائب ساجد قائم مالك سائل ساكن 

على العرش وحدىء(""١).‏ 

وكثيراً ما يتخذ هذا النمط الأول صورة أقل انتظامّاء 
كمثل فى الخروج من تشكل إيقاعى إلى آحر بطريقة لا 


ار م 


تؤدى إلى تكرين نستي داخل البنية الإيقاعية للنص؛ أو و 
إلى عملية ظهور واختفاء لتشكل إيقاعى أو آخر بصم 

متكررة لكنها لا منتظمة سه 
هذين التكوينين الإيقاعيين فى القصيدة الطويلة. ومن بين 
ار الماد ان أعرفها تشابكا وثراء قصيدة أدونيس «هذا 
أشرت إليها فى مكان 
آخر من هذا البحثء وهى أكثر النماذج التى أعرنها قرب 
عهد. وفيها تتداخل التشكلات الإيقاعية «الخببء الكامل» 
المدثارب» متكررة دون انتظام واضحء ونندرج ضمنها احيانا 


هر اسمی) ؛ وقصيدة محمد بئيس التى 


(الخبب خاصة) مقاطع نثرية أو مقاطع ذات تركيب إيقاعى 
مبتكر لا تنتمى إلى عروض الشمر القديم المألوف وتستحق 
المناية الخاصة فى مكان أكثر ملاءمة. 
0" 

أما النمط الغا انی من التعدد فإنه < كثر جذرية واخترافًا 
للتعاليم العروضية التقليدية وبلاغة سيد للتطورات الداخلية 
العميقة فی البنية الإيقاعية للشعر الحديث. ولخدث معظم 
نماذجه لدى شاعر رفع الخروج والإبداع راية هو أدونيس. 

ذامب أتفيأ بين البراعم والعشب. أبنى جزيرة 

أصل الفصن بالشطوط. 

وإذا ضاعت المرافىء واسودت الخطوط 

ألبس الدهشة الأسيرة 

فى جناح الفراشة 

خلف حصن السنابل والضوء. في موطن البشاشه.!("' '). 
لكنه؛ فى نموذج آخر؛ يصبح احتراقًا أعمق ؛ إذ تتناوب ثلاث 
نفعيلات لم مجتمع فى شعر عربى من قبل: 

«أعرف أن أجرح الرمل.. أزرع فى جرحه النخيلا 

أعرف أن أبعث الفضاء القتيلاء(؟"'). 

بل إن التعدد فى النص الأول يبلغ درجة أعلى بكثير مما 
يعبر عنه القول بأن ثمة انتقالاً فى النص من «فاعلن» إلى 
دنعركن» . إذ إن هناك إمكانًا ثانيًا لقراءة التركيب الوزنى 
لعن بكرن البيت الأول والأخيراتيمًا لها مبنبين على 


الواحد / المتعدد 


«فاعلن؛؛ وتكون الأبيات  ١(‏ 4) مبنبة على «فاعلاتن/ 
مستفعلن) › والبيت الخامس على «فاعلاتن/ فعولن» . وفى 
ذلك ذروة من ذرى التعدد والاحتمالية فى التشكيل الإيقاعى 
لنص الحداثة الشعرى؛ لأنه يمثل تعددا فى احتمالات 
التركيب الإيقاعى بأكمله. وسأختم هذا النمط من التعدد .. 
الإيقاعى باقتباسات تظهر التداخل ضمن البنية الإيقاعية 

بصورة لا تتحول إلى انتظام نسبى» بل تظل تداخلاً واختراقا 
3 التشكل الإيقاعى المألوفة: 
۲-۸ -1. 

«يتقضى لفة الرمل 

يحثو عليه السؤالات 

يحثر عليه ویحتال 

والرمل يعطى قميص الغبار إلى الريح 

الرمل يختال كالخيط فى خرقة باليه 

ماذا يقول الغبار عن الرمل 

والريح تركض فى صخرة خاليه.(*؟١).‏ 
۲-۸ 

«منذ متى ودمى يتنقّل بين الخطى العائرات 

يفتش عن فارس ضائع فى عيون العراق 

وعن فرس تتذكر (وادى القرى) 

تتلّمس فى الرمل سيقًا 

وفى الماء مملكة 

ومنذ متى وظريق خراسان لا يترجل عن حقده 

والنخيل تحدّق فى الاوجه الباكيات؟(1"١).‏ 

إن ورود «نعلن مفتعلن فاعلن» فى بداية المقطع 140 - 

8 ا 
الرحدات الإيقاعية إلى البروز معه 5 مواقع مناظرة - 

هى الحال فى نص أدوني «أعرف آان...» . وبالطريقة نفسها نفها 
تظهر «مستفعلن فاعلن؛ فى «ماذا يقول الغبار؛ » دون تشكيل 
ی ي . ومن الجلى أننا بحاجة إلى أن نقرً السطر 
الخامس من المقطع بتحويل همزة الوصل إلى قطع «ألرمل..) 
لكى نشكّل «فاعلن». وإذا لم نفعل ذلك بلغ الخررج 
الإيقاعى درجة أعلى بكثير ثما هو عليه. 


۷۹ 


أما فى المقطع (14 - ؟ - ۲) فإن «مستعلن» تتشكل 


فى بداية المقطع «منذ متى) ثم ينقظم الإيقاع فى تكرار 


ل «فاعلن» إلى نهاية «مملكة » ثم بيدأ انتظام جديد يتشكل 
من نكرار «فعولن): «ومنذ متى؛. غبر أن الخروج الإيقاعى 
يظل خروج) اختراقياً لا يؤسّس انتظام) جديدا. 

وإن هذه التطورات التى تبدو الآن واسعة الانتشار جدا 
لتجمد الدرجة العالية من اختراق مجالات الوحدانية والثبات 
التى بلغها شعر الحداثة. ومن الشيق والدال أنها كانت حين 
ميزتها وناقشتها للمرة الأولى فى كتابى (فى البنية الإيقاعية 
للشعر العريى) (151/4)»: ظواهر نادرة لا توجد إلا فى عمل 
عدد ضئيل جد من الشعراء. 
۳-۱۸ 

يبقى النمط الشالث من هذا الانتشقال من الواحد إلى 
المحعدد وهو أحدث الأنماط؛ أعنى به امتزاج بنى إيقاعية 
يحكمها قانون الانتظام الوزنى ببنى إيقاعية لا يحكمها هذا 
القانون""ء أى مزج الشعر بالنشر. ويحدث ذلك لدى 
أدونئيس ومحمود درويش وهذا الكاتب بوفرة لافتة» كما 
يحدث لدى سعدى يوسف وعبد العزيز المقالح وشعراء 
آخرين . 

وفى هذا النمط يصبح النص الشعرى تداخلاً وتشابكا 
لمكونات شعرية ونثرية ومقاطع مقتبسة؛ كما يحدث فى «هذا 
هر اسمى) أو «مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف). 

وقد كنت أشرت إلى هذا النمط من التعدد تخت عنوان 
آخر فى الفقرة (15) مسمّيًا إياه اتعدّد الأنماط الكتابية». 
وعودتى إليه الآن ليست من باب التكرار النافل؛ بل هى 
تصنيف له من وجهة نظر أخرى هى الآن البنية الإيقاعية 
لكل من المقاطع النثرية والشعرية فى النصوص المشار إليها. 
۹ 

ثمة نمط أحيرمن التداحل يستحق الإفراد والدراسة 
المتقصية» لكننى سأشير إليه هنا إشارة موجزة؛ هو التداخل 
الذى يخترق حدود الجملة اللغوية وأنساق القافية ليربط» 
إيقاعياء بين وحدات لغوية متتالية محققا عملية مدهشة هى 
الاتصال عبر الانفصام. وفى هذا النمط تبدو القصيدة مقسمة 


A. 





إلى أجزاء تلعب فيها القافية (التى تعطى حقها الطبيعى من 
الإبراز دور المؤشّر اللغرى على الانفصام؛ لكن الوزن يأتى 
ليقوم بدور الاتصال. فكأن الوزن يصبح جسراً يصل بين 
النفصمخين. وتخلق هذه الظاهرة توت عميانًا بين لفة 
الاتصال/ الانفصام يميز لغة الشعر الحديث» ولا أعرف له 
مئلا فى الشعر القديم إطلاقا. 

وسأمئل عليه بنماذج لمحمود درويش» وقاسم حداد؛ 
وسعدى يوسف. 
5 
درويش: «قصيدة بيروت؛ 

«تفاحة للبحر. نرجسة الرخام. فراشة حجرية. بيروت. شكل الروح 

فى المرأة. 

وصف المرأة الأولى ورائحة الخمام. 

بيروت من تعب ومن ذهب, وأندلس وشام. 

فظنا رند ووضانا الارض فى ريش ل 

وفاة سنبلة. نشرد نجمة بينى وبين حبيبتى بيروت. لم أسمع دمى من 

قبل ينطق باسم عاشقة تنام على دمى... وتنام 

من مطر على البحر اكتشفنا الاسم من طهم 

الخريف وبرتقال القادمين من الجنوب 

كأننا أسلافنا نأتى إلى بيروت كى نأتى إلى بيروت... 


من مطر بنينا كوخنا..... 
ا جدا. ذلك أن البيت الأول يستمر 
بن الفاح للبحر؛ حتى (اورائحة اشاب حت یی ل 


ا فى ا د جليدة: (بيروت من. 1 ل 
البيت الغان نى إلى قراره «وأندلس وشام ۰ مشكلة الآن نسقا 
تقفو واضحا : (الغمام) (وشام) بسكون ال . بيد أن قراءة 
(وشام) ستخلخا ل النمو الإيقاعى للقصيدة, لأن البدء بقراءة 
ا د 9 ؛ لايشكل OTE‏ ومن أجل 
الثانى» ونقراً: 

«بيروت من تعب ومن ذهبء وأندلس وشام 


و 4 
فضه, زيل 








ااا س 


وفى هذا البيت أيضاء ينبغى) للحفاظ على القافية؛ أن 
نقراً و وصايا الأرض فى ريش الحمام» بيد أن علينا أن نقراً: 
#من ريش الحمام؛ وفاء سنبلة...) من أجل الإيقاع. ھکذا 
تتعدد قراءة اللفظة الواحدة والجملة الواحدة ونخرج من 
الحدود الصارمة للقافية وللجملة إلى تعددية فى الإمكانات لم 
يعرفها الشعر من قبل ٠‏ 
وتبلغ ظاهرة التوتر المدروسة هنا درجة عالية من الحدة 
والدلالة فى مقاطم أخرى من القفصيدة؛ حيث يتكرن 
الاتصال/ الانفصام؛ لا عبر جملة لغوية متجانسة؛ بل عبر 
تشكلين إيقاعيين مختلفين , كما فى الأبيات التالية: 
«بيروت شكل الظل. أجمل من قصيدتها 
وأسهل من كلام الناس تغرينا بألف مدينة 
مفتوحة وبأبجديات جديدة 
بيروت خيمتنا الوحيدة 
بيروت نجمتنا الوحيدة 
هل تَمَدّدْنَا علو صفصافها لنقيس أجسادًا 
محاها 007 3 
إن الاحتفاظ بالقافية فى كلمة (الوحيدة) هنا يجعل 
المفطم التالى ينتسب جزئيا إلى الرمل. أما الحركة عبر القافية 
لد الكامل: «الوحيدة هل تمدّدناة . 
ريتجلى ذ ذلك إلى درجة أكبر فى المقطع: 
من ملك على عرش 
ال ر 
کک الزمان الرخر». 
لك أن تأكيد كالب اعرد مر ) سيجعل المقطع 
التالى «سبايا نحن» ينتمى إلى الوافرا الهزج. أما عدم تأكيد 
القافية؛ فإنه يجعل 2 نحن) 0 إيقاعيا للكامل» 
بقراءة «إلى ملك على نعش سبايا؛ . ويحدث الأمر نفسه 
فى الأبيات: 
«سبايا نحن فى هذا الزمان الرخو 
لم نعثر على شبه نھائی سوى دمنا 
ولم نعثر على ما يجعل السلطان شعبيا 


الواحد / المتعدد 


ولم نعثر على ما يجعل السجان وديا 

ولم نعثر على شئ يدل على هويتناء. 
۹ 

فى النموذج الثانى لقاسم حداد؛ تبرز الظاهرة ذاتها. فى 
قصيدة تتميز بقصر جملها وبروز دور القافية ا لمسكنة فيها: 

«تقول لى جرادة الذهب 

وكنت فى الصلاة: 

تقول لى: طير من الفلاة 

يجئ من عذابه 

فافتم له الحياةٌ 
رات 
جاء الطائن الريب 
وكنت فى اللهب»[8١).‏ 

ويتعمّق نيها دور الانقطاع بين الجمل والأبيات بسبب هذا 
القصر وهذه القافية السكة؛تبرز فجأة حركة تعدد تتمكل ی 
الانتقال» عبر حدود القافية» بين الجمل والأبيات: 

«جحظت عيناى وما سألوني ياخاتون 

جحظت والأسود فى عبنى حبر مسجون». 

هنا يبرز دور القائية فى حرف المد والسكونية. ويستمر هذا 
الدرر: 

لفحت الجن وما سالو ن تاهاتون 

فبأى عيون 

سيرانى الله. وعينى فى العقل المجنون». 

مركا إلى درجة عميقة. لكن البيت الذى يلى هو: 

«وما سألونى ياخاتون 

ما سألوني». 

وجل أن ورود «وما سألونى»؛ يفرض إعادة قراءة البيت 
السابق بالطريقة التالية : «سيرانى الله» وعينى فى العقل النجنون 
وما سألونى ياخاتون؛ التى تصل المنقطع» محققة التوتر بين 
طبيعتين ؛ ومستويين ع للغة؛ التقفوى والإيقاعى. ويجسد هذا 
التازع» التوتر الحاد الذى يكمن فى جملة «وما سألونى» ؛ 
لأن الفعل الآن يتكرر للمرة الثانية» ثم يتكرر للمرة الثالئة. 


۸١ 





كمال أبو دیب ذآ ل ا 


أى أن جملة اما سألونى؛ تصبح الحامل الفعلى للتعارض 
الذى ينشأ فى القصيدة بين حالة الذات «جحظت عيناى... 
بين الانفصام والاتصال. 
۳۹ 
سعدى يوسف «نشور» 

فى المستشفى المظلم 

دفنوه سريعًا 

ومضوا مرتبكين 

وها هو بفتح عينيه الذابلتين 

يفتح عينيه الواسعتين 

وتشفز 

يحفر فى الأرض عميقا» ,0 

من الجلى أن الوحدات المتقافية «مرتبکین ؛ الذابلتين» 
بح النون وربطها الت التالى» والثانية بتسكين النون 
والوقفة عليهاء والثالفة بكسر الئون ومتابعة القراءة لتتشكل 
وحدة إيقاعية منها ومن (ويح) . غير أن القراءة الأخيرة تمنع 
تشكل تقفية فعلية بين (الذابلتي: ن» الواسعتين) أو تشكيل مثل 
هذه التقفية يقتضصى تسكين النون فى «الواسعتين 0 . وهكذا 
يحدث ظاهرة الانفصام/ الاتصال التى أحدّدها فى هذه 
الفقرة. 

ويبدر 2 أن اكقسات هذه الطبيعة «الثنائية» أو 
«المزدوجة»؛ من قبل كلمة القافية؛ وتوزع قراءتها بين ما 
يفغرضه النظام التقفوى وما يفرضه النظام الإيفاعي: وازدواج 
دورها وضرورته لكلا النظامين هر المعادل الان على 
المستوى الإيقاعى التقفوى دأو الصوتى) للتعددية التى 
ناقشتها فى هذا البحث على المستويين ؛ الدلالى والتصورى. 
وما بش ب هذا ا التطورات المرصودة فى ٠‏ هذا 
الا ل ار رو E‏ 


AY 


مستوى دون آخر. أى أننا أمام إمكانية جديدة هى بلورة قانون 
بنيوى (نظرى الطابع شموليّه) لتطور قصيدة الحدائة من 
المحدودية إلى اللامحدودية. وبين ما يتضمله هذا القانون 
المبدئى ضرورة القيام بدراسات متقصية للمستويات الاخرى 
للنص الشعرى لكشف المدى الذى بلنته تخولات المكونات 
اختلفة له على ا محاور الموصوفة هنا. ومن الجلى أن التكهن 
النظرى الذى يسمح به القانون القترح إلآن هر القول بأن 
ترلات وتطورات ممائلة للتطورات والتحولات التى أصفها فى 
هذا البحث» ومجانسة لهاء قد حذثت» وأنها ستزداد بروزاء 
فى نص الحداثة؛ فى المستمبل إلا إذا حدث الكسار نوعى 
جذرى فى المسارات التى يرتبط بها مسار النص الحداثى. 
3 
تكشن حركة الواحد/ المتعدد تشكل بنية متميزة 
0 اك الس ى العربى ؛ سأختصر خصائصها 
الآن فى النقاط التالية؛ أملا أن أستطيع فى المستقبل مناقشتها 
١‏ - هى بنية تطرح البحث والعساول بديلاً للقبول 
والاستكانة والتكرار. 
١‏ - ترفض الإجماع وتجسد انهياره. 
٣‏ - ترفض مركزية الصوت والسلطة ووحدانيتهما. 
؛ - ترفض أن يكون المتكون الراسخ (الماضى) مصدراً 
للشرعية ورؤية العالم. 
ان فی عل انتک ن التجربة؛ بكل تعميدها ونشا 
وإشكالاتهاء 9 00 هذه | ويا الرؤيا. 
” - ترفض القبول بأشكال وصيغ مسبقة جاهزة مكتملة 
التشكل. 


۷ تبحث عن يجاوز مستمرلها وإبداع دائم لأشكال 
وصيغ جديدة ومتجددة. 
١‏ 
/- تنفى وحدانية الحقيقة بكل أشكا 
جوهرية فى الوجود. 
4 تلغى الحدود الفاصلة بين الأشياء وتطرح رؤيا تواشجية 
متجاوزة للعالم. 


اس سم 


ڪه تسعى 0 النم 9 والبنية الثقافية؛ من 
نص وبنية مغلقير 


من 1 ن وبنية مفتوحين. 
ومغل هذه البنية قد لججسدء بعبارة لوسيان جولدمان 
lı,» (Goldmann)‏ العالم E‏ التي حخملها فة أو جماعة 
معينة ضمن المجتمع 0 المعاصر. وهى رؤيا نقيضة للرؤيا 
المحافظة السائدة تاريخيًا وفى الواقع الراهن؛ وتمشل انشراخًا 
فعليًا ضمى بنية الثقافة؛ والججاهاً إلى تصور الحركة والفاعلية 
والتطور؛ بوصفها نتاجا للتعددية فى التصور والرأى والسلول 
والمعتقد. وإذا كان فى بعض ردات الفعل قريبة المعهد على 
الساحة الثقانية وام والدينية خاصة ما يجعل سلامة 
عبارتى السابقة مرضع شك شكء فإن النظرة إلى البنية الشقافية 
بأناة نجعل من الممكن أن نقرر أن ردّات الفعل هذه طارئة 
حد كبير نتيجة لعلف المواجهة 
بين حضارة الغرب ومنجزاته العلمية والتكنولوجية 
)1۳1( 


ومرضعية لأنها تأتى | إلى 


ا ال 
والسكرية ومجتمع يسار ۶ للخروج من ربقة الجمود 
كما تأنى أيضًا نتيجة لمرحلة الدفتت التى عانى منها الفكر 
العربى الحديث فی بحثه عن عالم متجدد ولانحسار إجازاته 
وتطلعاته الشورية. ومهما كانت الحال؛ يبده لى أن الحركة 


e‏ زال المدمة ة الأساسية للبعد الأدبى 


من الثما فة المعاصرة» وبعدها الشعرى ى بشكل خاص 


ولات فى بنية الثقافة 


يبدو لى أن أصدق تعبير عن هذه التح 
بكسن فى اتنا ا ات القن ترنقع فى كل مكان من 


الوطن المربى رانضة سلطة المؤسسة ا 


بمنظررها الوحدانی الذی لا يؤدى إلا SE‏ 
ونفيه؛ وداعية؛ بخرارة قد لا يكون لها من سابق؛ إلى خلق 
مناخ من الديمقراطية الحقيقية والحرية اللتين تتجسدان فى 
أن ذروة لهما فى قبول ان والحوار المفترح والتساؤل 
الدائه ومفهوم الاحتمالات والبدائل. ومن الدال أن كلمة 





الواحد / المتعدد 


«الديمقراطية» آخذة بالانتشار فى الحديث اليومى والنقاش 
مفتاحًا فى الحياة العربية. وما بروزها بهذا الشكل الراسع فى 
عناوين الأبحاث والكتب» بل اللات أبضً"""'» إلا واحد 
ص هذه التجليات المتعددة للبنية المعرفية التى بدأت تشكل 
المنابع الشرّة للفاعليات الإبداعية الفنية والفكرية فى الثقافة 
العربية ا معاصرة. 
١‏ 

تبقى نقطة أخيرة تستحق ؛ قدرا كبيراً م ا وا 
ھی ربط هذا الت لترجه الجديد كله برؤيا للعالم تملكها نئة 
جماعة؛ كما تقتضى نظرية جولدمان» وأود أن أعترف 0 
فى الصيغة الاولى المنشورة لهذا البحث كنت لا ازال اقبل 
نظرية جولدمان. غير أن سنوات من البحث دت بى إلى طرح 
مفهوم «البنية المعرفية؛ الذى ذكرئه قبل قليل والذى يختلف 
تر ن مفهرم و ويا العالم. ٠‏ وفى إطار مفهومى 
الجدید"' ٣‏ لا بب ربط ولي ی حصرى بين البنية المعرفية وفقة 
0 جماعة محده دة وا لذ ذلا 0 لبدئى هر أن 
الحر لتی کشفها هذا الببحث 
وامحدودية إلى | اللامحدودية. ٠‏ إلخ a‏ مرتبطة حصرياً بفكة 
محدودة كالمثشفب ين العرب أ ر بحماعة معيله كاضحات الفكر 
القرمى. ناتا غياب الحرية والديمقراطية والتعددية لا 
تقتصر فى عقابيلها على فئة أو جماعة بل تتجاوز ذلك إلى 
المساس بكل ما فی اجمتمع من تشكيلاات اجتماعية؛ ربكل 
ما فيه من نيارات فكرية أو فنية أو سياسية أو اقتصادية. غير أن 
هدا الس ور المبدئى لار يزال بحاجة إلى قدر کو من التطوير 
. وآمل أن يتاح 


. ن الو جدانية إلى التعددية» 


والتمحيم قا أن يتخذ لنفسه صيغة نهائية 
2 ما دسا 2 


لى القيام بهذا العمل فى مستقبل قريب. 


1 ا 
ا 


1 

ا 
1 
1 
ا 


8 
lle | 


Av 





ورقة البهاء ‏ محمد بئيس 


ا با 


فبلْ يُمْكنْان لجر هذى الثيلة 
مِفْتُوئَابَيْنَ القمر البخْرئ تُراوِدكَ 
الأعسسراسُ وآخسرةٌ الأحجسار عَلَى 
طلل من مارب فيل طفولة 
مَنْ يُنْسَاق مَعَ الس كب الفضراء 
قبلا ثم فوانيس المَربًات التى 
أخزتة إلَي صرخات دم يتصدع 
بين يَديْدالمُنسّ ال الطُيّب 
ماءٌ مُنطفئٌ يتذكر فاتحة الطُوفان 
تواشفيعٌ تَقرسُمُ حول الم غر 
ا ا ا اعات ي 
الخو اة ري اول مسا 
وار ف سا لسَي دَةالَكُْمُورهُ 
بِالحْمّى 

نََا ابنثّهًا الصغْرّى 

اروی 

عَبَش أطْيّب من رائحة 
تَتشبِهُ باْتهْلآل الأثك مَسَافة 
وعد حِنَ إلى رفي نَايَنْصُرْنى 
هل کسان له ان یاو او برح 
كان له أن كنا البَّاء إلى الدربوز 
ناهد وش تْمايِنضُجُ في هالعشق 
الاشيءُ م أخواض غبار ينا 
عدوي المرعب أنت الب تاسقي من 
حفن مسا رين مارات 
لمن عَطَشا أبديًا ل يستسلمُ لى 


ولتك اللخ راء هاا 
تنشجا تتتحساس برابرة 
الا EEE‏ 
يفت تح الآفاقَ لويف 
ت تعرش واا ب فيو 
فى صحن التاريخ مدارج 
متكت نجَمَة خُطوتهَا 


من َج ي يا 
و لأيّامَ 
سسا ر 


ریہ اللمذبوء يسن 


0 3 لاب أقفال 


دج أ 3 0 
فی باب 1 
لَه دود ال دة 


و 


2 چ o‏ ۰ 
والفنتتةه من دس تج د 





5 لكك فدات ج هد 
بتكتح ا ا 
. 4 4 الأ ر بر 
مُفُولَتهنٌ لهن نوامسسيس 
اعمال اه ن 
للثرة إفريتئ | ۰ 


AY 


البستانى - سعدى يوسف 


«منذ أن كان طفلاً تعلّمَ سر المطر 
وعلاماته: 

الغيمُ يببط فى راحة-الكفّ 

والأرض تقنط 

والنملٌ كيف يخطّطٌ أرض الحديقة... 


والجذْرٌ يهتز فى سره... 


مندٌ أن كان طفلاً. تعلّمَ أن المطر 
حين بأتي رذادًا... 

فلا برق فى آخر الأفق 

لا رعدَ فى القلب... لا موجة فى تهر 


0 0001ل 


غير أنكَ تعلمُ أن الحياةً التى اتسعت 
كالعباءة فى الريح 

سوف تسوق المطر 

ليلة. هائجًا كالجواميس... 

سوفّ يجىء لطن" 

ولا برق فى آخر الافقٍ 

لا رعذ فى القلب... 

لا موجة فى التهر. 





لا يتحدث مع فلسطين إلا نائما 


وأحياناء يسير إليها بلا جم 


الأصدقاء الذين أحبهم يفتحون له الأبواب 


من القنيطرة إلى القنطرة 
إنه لا يحب البرتقالء 


لکنه يحب اشجاره. 





فى «سيدى بلعياس» مقبرةٌ بيضاء 
وفی الأعياد ترتدى الأبيض والأخضر: 
عباءات النساء 

والصنوبر. 

كثيرًا ما فكْرَ أنه سيدفن فيها. 







أى قصيدة يكتب؟ 


الهواء مختوم فى زجاجة 
واللسان خشبةٌ جِفْفَها الكحول. 





0ل ل ا 


العمل اليومى - سعدى يوسف 


«يهبط من مقهى بغرناطة 
يهبط من خرائط الكرم الفرنسية 
يهبط بالمظلّة الاولى التى أودَعَها فيه 
يهبط فى البثر الخريفية 
فى غرفة بالطابق الرابع 
من عمارة فى ساحة التحرس 
مكتبان 
يمتلئان, الآن, بعد الآن.. 
بالغبرة والإعلان 
ويوقفان الآفقّ الاوسمٌ والأغصان 
علي حدود الحائط الأبيض حيث ارتمت العينان 
وحيث أسرابٌ من النوارس الميّتة ملقاة 


على الشطآن 


فى النبع غمسنا الأزهارٌ الأولى 
فابتلت بالماء أصابعنا 


باشّعرًا بين الزهرة والقطرة محلولا 
خصلات منك شرائعنا 





يجس بين العشب والجندئ فى مزرعة أخرى 
يجلس بين صاحب الحانة والآنسة الواثبة النظرة 
يجلس بين الماء والأسماء 

بجلنس اعات إلى غيثين: او زهرة 

بجلس فى الأضواء 

فى غرفة بالطابق الرابع 

من ا فى ساحة التحرير... 


۸۹ 


كرسيّان 

لا يبعدُ الواحدُ عن صاحبه مترًا. رماديان 
وبين كرسي وكرسئ... وبين الشىء والأسماء 
أسلاك كهرباء 

أجراس كهرباء 

أحراس أزهار من الشاىء وأوراق من الاعباء 
(لا يَبِعدُ البحرٌ عن المقهى كثيرًا... 


کان صوت الريح 
والملح والشيح بناديك طوال الليل) 
فى الغرفة كرسيّان 
تمسح عنهما الستائر المعدن طعمٌ الشيح والموجة والشطآن 


سميّتُ العشب فتئ, والشمس «مليكة» 
وجلست على الأحجار 


فرأيت الأرض أريكة 
ورفاقى الأاشجار 





بَفتحٌ بابًا مغربيًا في سكون الصبح 
يفتح صمت الجرح 
يفتح عينيه على العالم؛ أو يفتتح العالم 
يفتح أوراق القمارٍ الصعب... أو أوراقه الأولى 
يفتح بابًا معدنيًا يعزلَ العالم 
فى غرفة بالطابق الرابع 

1 و عمازة فى باجة التخرين: 
دولابان ۰ 
منغلقان, اليومء بعد اليوم 

لاتدرى بأسرارهها عينان 





يكدّسان الصيف فوق الصيف والأحقاب والأحقاب 
وفجأة... 

تاتى فتاةٌ: 

تفتح الدولاب 

وتفتح الثانى. 

وتغلق الدولاب 

وتغلق الثانى 
تاتى, ولا زهرٌء ولا أوراق 


د 
ا 
لا زهرَّ ولا أوراق 


للقيو المعتم 
رائحةُ العنب الصيفيةٌ والقدم العريانة 
ولأهدابى الغابة بعد المطر 


فى غرفة بالطابق الرابع 
من عمارة فى ساحة التحرير. 





۹۱ 


lacs 5 ر‎ 


الهوامش 
لهو 1 
١ہ‏ انض ر درامة هذه الظاهرة فى: كمال أبز ديب» جدلية الحفاء وات ٤ط‏ 
۳ دار العلم للملايين (بيروت» ۱۹۸١‏ الفصل الثالث. ط ١‏ صدرت 
عام ۹ -. 
۲ - «الواحدا المتعدد) كلمات» ع ٠‏ (البحرين» غ98١‏ ). 
لی تناق ل کک ي وقد طرحت المفهوم بصيغة 
مبدئية فى مقابلة أجراها عبد البارى طاهر مجلة البمن الجديد, 02 
(صنعاء؛ ۱۹۸۷( ص ص EI ٠١۲‏ 
۽ نش ر جزء منها بعنوان: "The Perplexity of the AH-Knowing”.‏ 
فى مجلة Mundus Artium‏ 


No, 1, vol. x, University of Texas press (Houston, 1977),‏ 
وأعبد نشره عدة مرات فى مجلات ركتب لم فى كتيب مستقل أصدرته 
مؤمسة الثقافة العربية الأميركية فى واشنطن : 
Adonis, Ali Ahmad Sa'id, ed. by Kamal Boullata (Washing-‏ 
ton, n.d. 1.‏ 
قالته فى 9199884 عتا 1 وهر مجمرعة مقالات أصدرها 
ملحن جريدة التايمز الأدبى عام 1977 ؛ بعد أن نشرت فى الملحق متفرقة. 
١‏ دلائل الاعجاز. تم: رشيد رضاء ط 25 (القاهرة, 1555ه| 1445م) 
ص ص ۲۲۰ ۔ ۲۲۱. 
أغانى مهيار الدمشقى؛ صياغة نهائية. دار الآداب (ييروت: 215484 ص 
للد 
34 الم فى كتاب الحصار. دار الآداب (بيروت: 21343 ص ص ١4١‏ - 
lo¥‏ 
3 - النص فى السابق ص .١155‏ مع أن أدوئيس يستخدم «الجرح» بدلالة أقل 
كثافة فى نص جديد عام 4 
١‏ ولتد خصصت لهذه الظاهرة بحنًا مستقلاًءكما نائشتها جزئيًا فى 
البحث المنشور باللغة الإتجليزية الذى أشير إليه فى (؟) أعلى. 
الرسولة بشعرها الطريل حتى الينابيع ؛ دار النهار (بيروت؛ 221١515‏ 


ص ص 14" ات 58 
١‏ أوراق الجسد العائد من الموت؛ دار الآداب (بيروت: 21485؛ ص 
ا 


0 وبوسع هذه الملاحظة أن تطور إلى صياغة لقانون مهم من قرانير‎ ١ 
اس ى البنيوى لعمل الشاعر كله. وقد شغل الأشكاليرا‎ 
0 الروس بمفاهيم ا وعلاقته بالمألوف وأنتجوا فى ذلك‎ 
. يستحق العناية‎ 
.۸٤ النص كاملا فى مرجع سبق ذكره. ص‎ 

. ١١ السابق» ص‎ _ ٠١ 

15 نفسه» ص ۲۹ . 

07 نفسه» ص ۳۸. 

۸ نشه؛ ص ص ٤٤٤٤۳‏ . 

65 نفسه ا ص ٤٩‏ . 

۰ نفسه» ص ٩٩‏ . 


۹۲ 


١ك‏ 
۳ _ نفسه؛ ص A‏ 
14د نفسها ص ۸۲ 
٥‏ _ تفسه»ء ف 


5 _ نفسه» ص A‘‏ 


۷ _ نفسه؛ ص ۳۲. 
۸ ص 1۲. 
VR‏ 


٠س‏ نممية؛ صل .Ar‏ 

ل لبحث المثار إليه فى إشارة (4) أعلى. 

TY.‏ _ النص ن من مجموقعه ¡ كاب المطابقات رالأرائل » الذى ادج فی 
الأعمال الشعرية الكاملة؛ ط »٤‏ دار العودة (بیروت؛ ۱۹۸۵) ج ۲؛ ص 
ETA‏ 

- ۷9 بکائیات من مراثى إرميا؛ دار العودة (بیروت» ۱۹۷۲)؛ ص ص‎ _ ٣۳ 
. 748 

4 حخصار لمدائح البحر؛ ط ”؛ دار العردة (بیروت» ۱۹۸۵١)؛‏ ص ۷۸ . 
السابق؛ ص 4. 

#5 نفسه ص ۲۹ . 

307 نفسهء ص لا 

8 بشكل خاص؛ الفصل الأول ؛فى الصورة اله 
والفاعلية النفسية للصورة: دراسة فى البنية» 

۹ _ كمال أبر ديب» فى الشعرية؛ مؤسسة الأبحاث العربية (بيروت» 
CAY‏ . 

E 


لشعرية: الفاعلية المعنوية 


Kamal Abu- Deeb, Al- Jur واتمول‎ Theory of poetic Imagery, 
Aris & phillips (Warminster - England 1979). 

,7١ 5845 كتاب الحصار: ص ص‎ 14١ 

۲ _ السابق» ص ٠٠۹‏ . 

N TOE 

4 نفه» ص .۱١۷‏ 

5 ا نفسهء ص 5 

45 راجع» أدرئيس احتفاء بالأشياء الغامضة الراضحة» دار الآداب 
(بیروت› ۱۹۸۸)» ص ۱۹ . 

/ا؛ ‏ السابق» ص 4 

4 نفسه» ص ٠١١‏ 

5 راجع دراسته المنعة فى أسرار البلاغة» خ: ه. ريتر. مطبمة وزارة 
المعارف (استاتبول: 1484): ص ص 71١‏ 555. 

٥‏ وقد شكل هذا النمط التصورى التعبيرى السمة المائزة لما بعرف ى 
النقد الإتليزى بالشعر الميتافيزيقى: كما يتمثل خاصة فى شعر جون دن 
(Donne)‏ وأندرو مارفیل (Marvel)‏ . . راجع درا دراسة إليوت للشعراء 
الميتافيزيقيين Metaphysical poets"‏ ع1" فى: 

T.S. Eliot, Selected Essays, Faber & Faber, 3 rd ed. ( London. 
1951), pp. 281-291. 


راجع مناقشة الجرجانى لهذه الصورة وأشباء لها فى أسرار البلاغة؛ ص 
ص a‏ 3 


مم ا ا ج و ج 


۲ _ دیوان خلیل حاوی» دار العودة (بیروت» ۱۹۷۹) ص ص ۳۲٣‏ - 
الشف 

*ه ‏ السابق» ص ص 8ه" 0 ٣٣٣٢‏ . 

4 - نفسه» ص ۳۳۲ . 

6 - نفسه» ص ص ۳۲۸:۳۲۲ ۳۱۷ - ۳۱۸ على التوالى. 

. ۲۳ الآثار الكاملةء دار العودة (بيروت؛ د.نا) ص ص ۲۲ ۔‎ _ ٠٦ 

۷ راجم: کمال أبر ديب» «لغة الغفياب فى قصيدة الحدالة» الفكر 
الدیمقراطی» القسم الأرل ع۲ (نیقوسیاء ۱۹۸۸) ص ص ٠١١‏ - 
۱ والقسم الثانى ع 8 (نیقوسیاء ۱۹۸۹( ص ص ۱٤۳‏ - ۱۷۸ . 

۸ مرجع سبق ذ وي ص .٠١١‏ 

السابق, ص 1۳ . 

۰ - نفسه. 

. ۱٦٤ ۔ مرجع سبق ذکرہ» ص ص ۱۹۳ ۔‎ ٦۱ 

- ررقة البهاءء دار توبقال (الرباط» ۱۹۸۸) ص ص ۹ - Ne‏ 

۳ ۔ السابق» ص ۱۳ . 

٤‏ - انظر: إشارة ۷ه أعلى. 

انظر: مناقشة الأمدى للاستعارة فى شعر أبى تمام رالقانون الذى بضعه 
للاستعارة الحسنة فى الموازنة بين شمر أبى تمام والبحترى؛ خ. السيد 
أحمد صق ر» دار المسارف (القاهرة» 141( ج ۱ص ص ۲٣١‏ 
الا Ve‏ 

5 - انظر: دراسته للبيت ولأمئلة أحرى فى دلالل الإعجاز» طبعة محمرد 
محمد شاكرء مكتبة الخالجی (القاهرة» .)۱۹۸٤‏ ص ص ۳۷۱ .۳۷٤‏ 

۷ - انظر. دراستى لهذه النقطة فى: فى الشعرية مؤسسة الأبحاث العربية؛ 
بیروت ۱۹۸۷ › ص ص ٥۸ ٥۷‏ . 

۸ - لزيد من التفصيل الدراسة المتميزة التى قدمتها أسيمة درويش ل اهذا 
هواسمى) فى مسار التحولات» قراءة فى شعر أدونيس› دار الآداب» 
بیروت» ۱۹۹۲ء ودراسة خالدة سعيد الرائدة للنص نفسه التى أشير إليها 
فى إشارة 86 بلى. 

5ه النص كاملا فى مرجع سبق ذ وص ص .٠۹ ١١‏ 

٠‏ أغانى مهيار الدمشقّي؛ ص ص ۲۸ ٥٠۰٠١‏ على التوالى. 

١‏ كمال أبو ديب «دراسة بنيوية فى شعر البياتى: قمر شيراز » الأقلام؛ ع 
۱ (بغدادء ۱۹۸۰) ص ص ۲۰۔۲٤‏ . 

"/ - ديوات عبد الرهاب البياتى » ج ۳ دار العردة (بيروت» د.تا.) ص ص 
۳ وما يليها. 

. 1558 صدرت طبعته الأولى عام‎ ٠7 

4ع فى مرجع سبق ذکره؛ ص ۱۹۷ . 

5 التی نشرت فی مواقف؛ ع ۳۰١‏ ۔ 5١‏ (بيروت» 2151/8. 

-١‏ من النص «أوراق الجاحظ الصغيرة؛ فى المسيرة» ع ۳ (بيررت» 
٠‏ وقد أدرج النص فيما بعد فى انتماءات؛ دار الفارابى (بيروت» 
7۲ . 

۷ نشر النص الأول بعنوان مختلف فيما بعد هو نشيد صوت. وسبنشر 
النصان مما فى كتاب مستقل يحمل العنوان: القصيدة والقصيدة فى 
المرآة. 

۸ - فى مجموعته التى تحمل هذا العنوان» المؤسسة الجامعية للدراسات 
رالنشر (بیروت» ۱۹۸۱). 


الواحد / المتعدد 


۹- كمال أبو ديب «نص على نص/ نص على عالم: الأزمنة الأولى/ 
الأزمنة الأخيرة»؛ كلمات؛ ع ٠١‏ (البحرين: 21985 ص ص ١4‏ - 
6 

م کتاب الحصار» ص ۱۳ . 

. ۱۲۹ مرجع سبق ذکره» ص‎ ١ 

۲ _ الموجة الجديدة: نماذج من الشعر العراقى الحديث ۱۹۷١‏ - ١۹۸٠ء‏ 
إعداد زاهر الجيزانى وسلام كاظم؛ دار الشثون الثقافية (بغداد» 1541) 
ص ص ۱۷ ۲۲. 


۳ _ فى قصائده الطويلة خاصة» مثل «مفرد بصيغة الجمع)» «مقدمة لتاريخ 
ملوك الطوائف»ء (المقر؛ ؛ «إسماعيل) ... 

٤‏ النص فى مجموعته عبد الله والدرويش » وزارة الإعلام والثقافة (بغدادء 
4۹ وقد تكون هذه الإشارة غير دقيقة. 

. ٠٠١-٠١۱ ص ص‎ )۱۹۷٩ حركية الإبداع» دار العودة (بیروت»‎ _ ٥ 

5 - حاصة فى السفينة؛ ط ۳ دار الآداب (بیروت» ۱۹۸۳)» ط ١ء‏ 
۷۰ 

الأعمال الشعرية الكاملة, ج ؟؛ ص ص .۷٠١ - ٠٦٩‏ 

۸ _ ط 6 المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروث؛ 194817). ط ١‏ 
131/1 1 

۹ _ دار الأمان (الرباط» ۱۹۸۷). وراجع. دراسستى للرراية فى النص 
والحقيقة: دوار الأسثلة/ أسثلة الدوار».مواقف؛ ع 59 (بیروت» 1۹۹۱). 

- سعدى يوسف؛ مثلاء ١تنويع‏ على ثلاثة أبيات. النص فى مرجع سبق 
ذكرهء ج اءص 05. 

. ۲٣۷ 5859 الأعمال الشعرية الكاملة, ج ۲؛ ص ص‎ ١ 

47 - نشرت فى مواقف, ع ۲٢‏ ۔ ۲٢‏ (بیروت› ۱۹۷۲ - ۱۹۷۳). 

. ۱١ ۔‎ ٩ النص كاملا فى مرجع سبق ذكرة؛ ص ص‎  4* 

94 فى مرجع سبق ذکره» ص ص 59905 ب ۲٣۰‏ 

8 بعنوان (مرثية الرؤوس)؛ ص ص 85 ۹۰ . 

5 النص كاملا ونماذج أخرى مشابهة فى ذات. 

۷ مرجع سبق ذ ص ص .٥۲ ٥١۱‏ 

۸ السابق. ص ص ۱۹۲ ٠۹٩‏ . 

8 كتاب الحصارء ص ص ۲۱۱ ۔ ۲۳۹. 

۰ -_ نشرت فى ملحق الثورة الثقافى (دمشق» 19417 ؟) ويؤسفنى أننى لا 
أستطيع توثيق العدد لصعوبة الحصول على الملحق الذى توقف عن الصدور 
منذ سنوات. وقد بدأ النص الممشى أو المهمش أر النص ذو الحواشى 
(بمصطلح أقل غلاظة) بنتشر انتشار تقليعات الأزياء وتتنوع مسوغاته. 
راجع مشلا من أجل نموذجين حديثى العهد نص قاسم حداد «المتن 
والحاشية؛ فى مجميعته قبر قاسم (تصدر قرينا) ونصوصا لجمال الدين 
خضور نى محاولات للهروب من الصيف إلى الجسدء دار جفرا 
(حمص» ۱۹۹۲). 

1١ - ٠١ ص ص‎ )۱۹۸١ نشر فى المهد, ع 7 (عتان» صيف‎ ١ 
العودة» ۲ - محاولة ثانية للكتابة عن العودة.‎ - ١ منضويا على قسمين‎ 
راجع من أجل هذه الأعمال على التوالى: حليم بركات» طائر‎ -١ 
الحوم؛ دار توبقال (الدار البیضاء» ۱۹۸۸) وفاضل المزاوى» مخلوقات‎ 
فاضل العزاوى الجميلة. وأبضً انجموعة الفصصية ديروط الشريف محمد‎ 

مستجاب (القاهرة» ۱۹۹۲( . 


۹۳ 


كمال أبوديب 
ره لا م و م ا ج د ن 


. )۱۹۸٤ المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بیروت»‎ ١ 

٠١١ فى الموجة الجديدة المشار إلبه فى إشارة (۸۲) أعلى؛ ص ص‎ - ٠ 
.١ هه‎ 

.21944 الجواشن» دار توبقال (الدار البيضاءء‎ _ ٠۰٠ 

دار الآداب (بيروت» ۱۹۸۸) . 

7 أغانى مهيار الدمشقى؛ ص ١١‏ . 

- جميع العبارات المقعبسة هنا من «مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف» في 
مجمرعة هذا هر اسمى» صباغة نهائبة» دار الآداب (بیروت» ٠۱۹۸۸‏ 
ص اص 16 ۱۲۰۱۰ ۰۱۲ ۰۲۰ ۲۲۰۲۰ على الترالى. 

٠‏ صا ص 15٠١1514‏ على التوالى. 

۰ يشار ملحم؛ مواقف, ع ۲۲/ ۲١‏ (بيروت» 151/7 2151/7 

. 5 أغانى مهيار الدمشقى؛ ص‎ ١ 

۲ الجواشن: ص ١7‏ . 

.١١8 السابق. ص‎ ١١+ 

6 راجع بحثى الغة الغياب فى قصيدة الحداثة؛» الذى نشر فى قسمين 
نى الفكر الديمقراطى؛ ليماسول؛ ع 7؛ صيف ١185‏ و ع۸ خریف 
۰ كمانشر كاملا تى فصول مج ع ”5 ؟ (القاهرة؛ 
۹ . 

٥‏ _ دیران بدر شاكر السهاب؛ دار العودة (بيروت - 21187 ح 2١‏ ص 
ص ۳٣١۰۳۹۲‏ . 

۹ _ دار العلم للملابين (ييروت» 21914 

27 فى مرجع سبق ذکره» ص ص ٠1١1417‏ 

4 فى مرجع سبق ذكره؛ ص ص 5١‏ 90 


۹ - السابق. 

١‏ راجع النص كاملا فى الشوكة البنفسجية:؛ دار الآداب (بيررت» 
۱ 

١‏ السابق. 

۲ _ أحمد طه» «مقام السكينة» مواقف» ع ٩٩‏ (ببروت» ۱۹۸۸)» ص 
ص ۹۳ .۹٤‏ 


م١١‏ _ «الدهدة الأسيرة؛ فى الأعمال الشعرية الكاملة, ج ١ء‏ ص 471 . 
4 2 السابق» ص 187 . 
٠‏ _ فى «أوراق الجاحظ الصغيرة» . 


عبد العزيز المقالح» «مرئية عصرية لمالك بن الريب» فى مرجع سبق 
د هص ص 757 7١‏ المقطع المقتبس ص 14 . 

۷ _ استخدم هذه المصطلحات لكى أيمنب نفى الإبقاع عن فصبدة النثرا 
ولمل تقديم مفهوم الانتظام الوزنى للتمبيز بين ما اعتبر موزونا وما اعتبر 
غير موزون أن يكون أكثر دقة. وراجع التمييزات التى أقمتها بين الوزن 
والإيقاع فى البنية الإيقاعية للشعر العربى ؛ الفصلان الرابع والسادس» ثم 
فى الشعرية, خاصة الفقرات ١١١۳٤١۳۲‏ . 

۸ -_ راجع: 9أوراق الجاحظ الصغيرة . 

96 النص فى مرجع سبق ذكرهء ج 27 ص 581 . 

Method in the Sociology of Liter- راجع. بلورته للمفهوم فى‎ 2 ۰ 

ature, English translation by W.Q. Boelhower, Blackwell 
(Oxford, 1980). 

ومنافشة جمال شحيد له فى البنيوية التركيبية, دار ابن رشد (بيروت» 
۲ وقد أخبرنى المإلف أن الخطأ فى العنوان يمود إلى دار النشرة 
والدفين طبعا هو (البنيوية التكوينية) . 

١‏ راجع. مناقشنی للحركات الدينبة فى الوطن العربى ومستقبلها فی 

"Cultural Creation in A Fragmented Society”‏ المتضمّن فى 
كتاب: 


The Next Arab Decade: Alternative Futures, ed. by Hisham 

Sharabi, Westview Press (Boulder, Colorado) and Mansel! 

Publishing (London) 1988, pp. 160-181. 

وقد ترجم البحث إلى العربية بعنوان غير دقيق هر «الإبداع الشقانى فى 

مجتمع مجزأ؛ ونشر نى العقد العربى المقبل: مستقبلات بديلة» مركز 
دراسات الوحدة العربية (بيروت: 1445) ص ص 2٠١7‏ ۲۲۸ . 

17 ود يكون ظهور مجلة شبه متخصصة تمل عنوان الفكر 
الديمقراطى حديئا أفضل تعبير عن هذه الظاهرة. وانجلة فصلية تصدر فى 
قبرص وهى الآن فى عددها الناسم . وقد تستحق هذه الإشارة نعليقا إضافيا 
يكتب الآن أثناء إعداد الصبغة العالغة لهذا البحث فى تشرين الأول 
+144, هرأن مارب جديدة فى الحكم تسعى ظاهريا على الأقل إلى 
اكتساب طابع ديمقراطى قد حدثت (الأردن واليمن) وأن الجلة المذكورة 
نوقفت عن الصدور!!!!والنذير أحيانا كالبشير. وشبيه صوت النعى إذا فيس 
بصوت البشير فى كل ناد. 

٠١١‏ الذى أبلوره فى كتاب قيد الإنجاز. راجع: إشارة (*) أعلى. 





۹٤ 


لال ااا لا ااال 


الخطاب الشعرى الحديث 
من اللغوى إلى النشكل البصرى 





رضا بن حميد” 


مالالا 


انتمهت القراءات الحديثة منذ مطلع هذا المرن إلى 
الاهتمام بالظاهرة الأدبية» مفيدة من منجزات اللسانيات عامة 
ومن النتائج التى توصلت إليها المناهج الحديثة؛ ولاسيما 
المناهج السيميائية والمناهج الشعرية التى أعادت الاعتبار إلى 
النص وجعلته منطلقا لها وغاية فى الوقت نفسه؛ تبحث فى 
قوانينه الداخلية التى تنظم ولادته» وفى العلاقات الظاهرة أو 
الخفية بين عناصرهء وتذهب إلى إبراز خصائصه النوعية» 
تلك الخصائص التى تصنع فرادة النص الأدبى؛ ولن يكون 
ذلك إلا بدراسة السمات التى جعل من رسالة ما نصا فنياء 
کما ذهب ر ومان يأكبسون (01 0‰ ەز 0 )R‏ أبرز مۇسسى 
الشعرية الحديثة؛ حين تناول موضوع الشعرية فى إطار 
الإجابة عن السؤال التالى: « ما الذى يجعل من رسالة لفظية 
ثرا فنيا؟»» ووصل النصوص الأدبية باللسانيات» بل لعل 





> كلية الآداب والعلوم الإنسانية؛ المبروان» نونس . 





أفضل هدية قدمها ياكبسون للأدب - على حد تعبير رولان 
بارت - هی «وصله الشعر باللسانيات؛؛ فكان البحث فى 
الوظيفة الشعرية التى ترتبط بتشكل الرسالة وتكون فيها هذه 
الرسالة غاية فى حد ذاتها وموضوعا للبحث والدرس. 

وتتولد الوظبفة الشعرية عن إسقاط محور الاختيار على 
محور التأليف وهذه الوظيفة فى منظور ياكبسون ليست 
الوظيفة الوحيدة فى فن الكلام» ولكنها الوظيفة اخصوصة؛ 
المهيمنة والحددة لوجود النص "2 . 


-١‏ سمات اللغة الشعرية 

إذا كان الكلام العادى أحادى الدلالة يقوم على 
الوضوح والإبانة ‏ إلا فيما ندر من استعمالات مجازية - فإن 
النص الشعرى خطاب مثقل بالرموز» متعدد الابعاد؛ ينهض 
بفعل الإيحاء وطاقات اللغة التعبيرية وقدرتها على إنتاج 
المدلولات» لذلك ظل بول فاليرى عا .8 يردد أن الشعر . 


۹0 


رضا بن حميد ج جه © و کے ےک 


لون من الرقص بالكلمات «ونظام من الأفعال لها هدفها فى 
وفعل ينزع إلى البقاء فى ذاكرتنا بما يشيره 
من انفعالات على خلاف الكلام العادى الذى يذهب إلى 
التلاشى بمجرد تحقق الإبلاغ ٠‏ 

وعلى حين يبقى النشر- فى أغلب تجلياته - موصولا 
إلى مرجعه» فإن الخطاب الشعرى غالبا ما يذهب فى ااه 
مفارق للواقع بفعل اللغة التى يجعلها مادة أساسية فى تشكيل 
عالمه ويضيف عليها حياة جديدة. 

وإذ إن النص الشعرى فعل كلامى بالأساس» فإنه يتجه 
إلى توظيف العلامة اللغوية فى مستوياتها الصوتية والمعجمية 
والتركيبية والرمزية امختلفة» فإذا ال لنص نسيج كلام؛ وحوار 
بين العلامة والعلامة؛ وإذا اللغة الأداة والجوهر» فهى أداة 


حد ذاتهة), 


لعبليغ الرسالة شأنها فى ذلك شأن الكلام المألوف بيننا أو 


الخطاب العلمى» أو الخطاب القمضائى؛ الذى من المفروض 
أن يفهم دون لبس» ولكنها أيضا تتمتع بوظيفة فى ذانها بما 
تنيحه من تراكيب وصور وأخيلة ودلالات حافه , 

فالشعر خطاب متميز يضمر أكثر بما يصرح؛ يوحى»؛ 
يأبى أن يفصح عن ظاهره أ حقيقته للوهلة الأولى » بل تراه 

مخادع هو النص» ظاهره يخفى باطنه» يتخطى المألوف 
وينيهض فى مقابل النثر خطابا يتجاوز الظاهر والسطحى لينفذ 
إلى الأعماق والدواخل » ويمكن أن نفيد فى هذا الغرض ىا من 
المقارنة التى عقدها جان ميشال آدم J.M. Adam‏ بين الشعر 
واللاشعر اعتمادا على تخديدات جان كوهين 0565© .[ ورأى 
فيها أن لكل منهما استراتيجية» فالشعر يتميز بجملة من 
الخصائص التعبيرية نفضل طابعه الوجدانى وكثافته وميله إلى 
النمرض على حلاف اللاشعر الذى يتصف بالورضوح 
والحياد فى التعبير ويرتبط بالفكر ويهدف إلى الإبلاخ 


رفی هذا الإطار تتحرك اللغة وتنهض من ركام الذاكرة 
وفوضى الأشياء فى عالم فاجع» لتؤسس كيانها وخصوصية 


11 


للعالم والأشياء بننفصل عن الواقع ويذهب فى امجاه أفق ييقى 
على احتمالات القراءة وكثرتهاء ويحملنا إلى تعدد المدلولات 
التى نظل تنتظر قارئًا يحررها من قيدهاء ويقف على طاقتها 
الخبيئة: وأبعادها ورموزهاء بل إن ولادة النص - كما 0 
تبدأ فى اللحظة التىّ تمارس فيها اللغة الشعرية سلطتها 

الرمزية» وتنفتح على إمكانات جديدة؛ فتقول وتعبر على نحو 
مستحدث» وتمارس تأثيرها | السحرى فى المتلقى ؛ حتى لكأن 
الهدف من الخطاب فى بعض الحالات هو اللغة ذاتهاء لذلك 
لم نعد نتكلم اليوم كشيرا عن حضور الشاعر بقدر ما بتنا 
نتحدث عن النص فى علاقته بمتلقيه» حيث تغدو القراءة 
ضربا من الجدل بين القارئ والمقروء. وما حضور النص إلا 
حضور للغة ال 


تعصف بمعقولية الأشياءء تبنى 


لنى تنشأ فى فضاء مخصوص من التعبير» 
قولها الخاص قرلا يحكى 
ذاکرتھا «ذاکرة تمتد بغموض وسط دلالات جديدة» كما 
ذهب إلى ذلك رولان بارت R. Barthes‏ ° , 
وبفعل هذه الخصيصات التى تميز الخطاب الشعر 

مج الألفاظ والتراكيب والأشياء فى غير سياقاتها الأصلية 
وهى إذ تقوم على التقابل والتضاد فإنما تحكمها الانزياحات 
الاختلافية )Eans différentes)‏ التی تسم الخطاب 
الشعری» ولا تظهر فى خرق أنظمة اللغة المنعارف عليها 
فنحسبء وإنما أيضا داخل الأبنية النصّية ومن خلال 
العلاقات التى تنسجها الألفاظ فيما بينها من ناحية وبينها 
وبين السياق من ناحية ثانية ثما يفضى إلى تخطى العلاقة 
الأيقونية (عدونههءا) بالمرجع وإلى ضروب من الإشارات 
البعيدة. ويقدم لنا الخطاب الشعرى الحديث أمثلة متعددة عن 
هذه الانزياحات» يمكن أن نذكر من بينها هذا المقطع 
لسعدى يوسف من قصيدته «الأخضر بن يوسف ومشاغله؛: 

رجال الجوازات خلف مكاتبهم 

يعلكون النبيذ الردىء 

وكان جواز السفر 

بطالعهم واحداًء واحدا... 


بين أختامهم والنبيذ الردىء(°) 


بي ل ل م س و ج 


فى هذا المقطع يستوقفنا السطر الشعرى التالى: «يعلكون 
ما الردىء؛ بما يتضمله من مفارقات عجيبة فى إطار 
علاقة بين النبيذ, وهر من معجم السوائل» ر فعل وعلك» 
ذى استعمل بدل فعل احتسى وينهض هذا الانزياح على 
58 التحويل الذى ينتقل بمقتضاه فعل 0 من دلالته 
و لتى 
منه ويسسرة بین 0 الإنسان إل 0 حديد 0 عن 
ساف يحملنا إلى معنى شعوری؛ مؤكدا الحركة الرتيبة - 
شرب البومى - الذى بات فملا يوميا ووجها لمعاناة «رجال 
لا تفل عن معاناة الأخضر بن يوسف» 
شخصية القناع التى يختفى وراءها الشاعر. أليست الخيبة 
شنا تصيب السجان كما تصيب السجين 0 شرابا 


تفيد مضغ الشئ كه وتقليبه 


لجرازات» التى 


على هذا 06 ال ردئ الذى نعيشه شخصية اأ بن 


وسف فى ا الوضع العام الذى يفرضه «رجال الجوازات4 
لذين يغتصبوك الحرية الفردية ويحكمون المراقبة. 


- اللغة الشعرية والغموض 

يعد الغموض خصيصة للنصوص الشعرية الحديثة. 
يذهب وا ی في الجا أعمال إمبسون 
.للا ويرى أن الفموض هرو «الصفة الداخلية 

لنى لا يمكن أن تمحى من ن کل رسال 

2 ذاتها 0 ويتحدد الغموض بمدى قدرة الملفوظ E‏ 
لاستجابة إلى أكثر من قراءة وتأويل » ويتجلى النموض فى 
ستويات عدة من النص كالمستوى التحك او ار كي ار 

وإذا كانت الظواهر البلاغية القديمة تحافظ على لون 
-خصوص من العلاقات بين أطراف الصورة؛ وعلى ضرب 
سن التناسب المنطقى» فإن الصورة فى الخطاب الشعرى 
مفارق يقوم على الغموض والتنافر 
ين عناصرها فتبدو الصورة وغائمة» كما يظهر فى هذا 
لقطع من قصيدة «المسافة) لسعدى يوسف: 


قبل عشرين عاماء أتيت مساء إلى نزل بالمدينة 


الخطاب الشعرى الحديث 


بين عروقى وبين النقابات حين تحطم أبوابها 

جدولا؛ إن الماء يبدأ والمد يعلى.. وتبدو 

جذور النخيل("). 

تبرز فى هذا المقطع ‏ الذى يحيلنا على لون من 

التشكيل السردى - جملة من المفارقات وذلك لاختلال 
العلاقات المنطقية بين عناصر الصورة وبسبب طمس العلاقة 
لعروق قى والنخيل عن 
كثر من مدلول. وإذا 
إلى التقريب بين طرفى الصورة» 
ويؤالف بين ما تباعدء فإنه هنا يخرج عن السنن البلاغية 
المألوفة ويوقع الاختلاف ويضاعف من التباعد متجها نحو 
الغرابة» ا كن كطان الريك لونه الطبيعى ويستحيل 
أبيض بكل ما يحمله البياض م: د قاقر يخ الارن احم 
ولماذا استعمل الشاعر اللون الأبيض الذى قد يحمل أكثر من 
دلالة؟ ثم ما علاقة الدم بالجذور والنزل والنقابات؟ 


الأيقونية با مرجع حيث يخرج الدم و وال 
دلالتها الأصلية ويستدعى الدال الواحد كث 


كان التشبيه يسعى ‏ عادة - 


الحق أن هذا المقطع لا يستسلم لقارئه بيسر لما يحوي 
ص مفارقات» ويعيش المتلقى لذة القراءة مزوجة بحيرة 
البحث» ويحاول أن يسحث عن الانسجام الذى يختفى وراء 
التنافر والتقابلات والأضداد. ونى بحفه يكتشف أن هذه 
العناصر وإن تباعدت ظاهريا فإنها ترجع إلى معاجم ثلاثة 
السفر قف الزماك والمكان» بحثا عن الانتماء الذى يتجسد من 
خلال النقابات رمزا للنضال أو المياه والنخيل والجذور 
صمتها وتغدر رموزا للحياة والإاخصاب» وتقترك بالمد الذى 
يمثل حركة التطلع إلى الزمن الآتى ويتجاوز الغربة التى تظهر 
يستحيل صورة للشاعر الذى تمتد عروقه ضاربة فى الأرض»؛ 
حيث تكست الانتماء عمقه ويرتبط التاريخ الفردى - 
منذ أكثر من عشرين سنة ‏ بالتاريخ الجماعى. 
قصائد أدونيس كما هو الحال فى المقطع التالى من قصيدته 
النشر ن يه ة «فارس الكلمات الغريية) التى وردت ضمن ديوانه 
(أغانى مهيار الدمشقى) : 


۹Y 


.رضا بن حميد 


تولد عيناه 

فى الصخرة المجنونة الدائرة 

تبحث عن سيزيف 

تولد عيناه,. 

تولد عيناه 

فى الأعين المطفأة الحائرة 

تسأل عن أريان, 

تولد عينأه 

فى سفر يسيل كالنزيف 

فى جتة المكان 

فى عالم يلبس وجه الموت 

لا لغة تعبره لا صوت - 

تولد عيناه (4) 

لفتنا هذا المقطع كما لفعت القصيدة بأكملها بعض 
الباحثين مثل محمد خطابى ف كتابه (لسانيات النص: 
مدخل إلى انسجام الخطاب)" لا خويه من مظاهر فنية 
غائبة مثل نص الأسطورة ( أسطورة سيزيف وأريان)”' 2١‏ هذه 
النصوص الغائبة التى مخكى جدل الوجود والعدم» أو الحياة 
والموت. 

كما يتراءى الغموض أيضا فى استعمال الشاعر بعض 
الظواهر البلاغية كالتشبيه ( سفر يسيل كالنزيف)» وامجاز 
(تولد عيناه ), والاستعارة ( الصخرة المجنونة» الأعين المطفأة 
الحائرة» سفر يسيل ...)» ويقوم هذا المقطع على السفرء فهو 
سفر فى الزمان من أجل استحضار الأسطورة وامتصاصها 
وتخويلها للدلالة على وضع معاصرء وهو سفر فى المكان 
يتراءى من خلال استدعاء العالم فر وجهيه: وجه 
سلبى وهر اكان الموات (جثة المكان) ؛ ووجه يصور العالم 
وهو فى حالة تشكل وولادة. ويتخذ لفظ السفر أبعادا متعددة 
تتراءى لنا كالاتى : 


۹۸ 





سفر في المكان 
(الأرض-الموات) 


سفرفي الزمان 
(استدعاء الاسطورة) 
السفر 1 
سفر نحو الداخل 
(النزيف) 
سفر نحو الفكر 
(سفر وجودي التساؤل» 
الحيرة.) 
الدوال الأخحرى» يحكى قصة الإنسان» قصة الرحيل الدائمء 
والإإصرار على المقاومة رغم ما ف الوجود من قهر ومحاولة 
لسلب الإرادة. فهل بإمكان الشاعر أن يفلت من الأرض - 
الموات أم أن مصيره هو مصير سيزيف وأريان؟! واللافت حقا 
هر هذا الانزياح المتولد عن اقتران فعل « يسيل؛ ‏ وهو من 
معجم السوائل بالسفر الذى كان بالإمكان أن يستدعى 
أفعالا أخرى من معجمه مثل فعل 1 سار ) أو بعض مرادفاته 
. وفى الظاهر ليس هنالك علاقة بين السفر»؛ و«يسيل ٠‏ 
ولكن فى الباطن هنالك أكثر من صلة؛ فهما يلنقيان من 
حيث الانتقال فى المكان؛ ثم إن السفر سرعان ما يذهب فى 
اماه الذات ويستحيل نزيفا داخلياء وهو مايبرر هذا 
الاستعمال. 
ھکذا يتنامى فعل الغمورض» ويفتح امام القراءة 
إمكانات عدة. ولكن ألا نخشى أن يصبح الغموض عنصرا 
معرقلا للقراءة يميل إلى الإبهام؛ ويصبح النص الشعرى 
الحديث ‏ تبعا لذلك - قولا مقفلا؟ 
هنا يتحتم علينا أن نفرق بين الغموض بوصفه فعلا 
إبداعيا مفارقا للخطاب العادى» وطاقة إيجابية لتوليد 
المدلولات وتكثيف الإيحاء والإبهام الذى يميل إليه بعض 
الشعراء الذين اهتموا أساسا بلعبة الأشكال والألفاظ» وذهبو 
شأوا بعيدا فى التعقيد والإلغاز وطلب التجديد باسم الحداثة 
نما جعل العلاقات بين أطراف الصورة الشعرية غائمة 
مفككة إلى درجة يغدو فيها المتلقى عاجزا عن فك الرسال 
اللغوية وثبين مستوياتها وأبعادها 2117 , 


س ا ا ج ت ي 


- التشكل البصرى : قيمته وخصائصه 
تشكل العلامة اللغوية مكونا أساسيا للخطاب الشعرى 
عديث؛ كما أسلفنا القول .غير أن القراءة تواجه فى بعض 
جارب الشعرية لونا مخصوصا من القصائد تعتمد علامات 
بر لفظية وتستعين بإمكانات الطباعة التى تمثل « علامة 
بلامات» فى النص» وتعتمد طرائق جديدة فى التعبير 
نويعات لم تألفها العين من قبل توجه المتلقى وتفرض عليه 
نا مخصوصا من القراءة عند التعامل مع هذه النتصوص» 
ی هذا الإطار تتنزل القراءة البصربة وتكتسب مشروعيتها 
ن حلال اهتمامها بطرائق تنظيم الصفحة التى تمثل تصوراً 
عيناً للكتابة» إذ لم تعد اللغة وحدها محور اهتمام»؛ رإنما 
نت أشكالها وتجلياتها الختلفة وكيفية عرضها وعلاتتها 
معمار الصفحة محط اهتمام الباحثين الذين انشغلوا بالقراءة 
بصرية . 
وشن نتحت هذه القراءات حقولا جديدة فى البحث 
السأويل فإنها لم مظ بالعناية ذاتها التى حظبت بها 
لعلامات اللفوية: إلا فيما ندر من المذاحيت العزيية 2177 


ويعد التشكل البصرى بنية أساسية من بنى الخطاب 
لشعرى الحديث ودالا ثريا يوجه فعل التلقى» استنادا إلى 
دوات مفهومية تمكن من دراسة شكل العلاقات» ليس 
على نحو يسهم فى إنتاج الدلالة . 
ولا يم کن للمتا لقی أن يست كنه النص ويغور فى داخله 
E‏ الطباعية؛ ؛ ذلك أن جملة 
بناه الصوتية والمعجمية والتركيبية» بل إن هذه العلامات غير 
اللغوية فى علاقتها بجماع مكونات النص التعبيرية والتركيبية 
كثيرا ما سد منزلة (:5:3:0) الخطاب الشعرى الحديث» 
وتکون على صلة وثيقة بالدلالة وطرق انبناء المعنى كما 
ذهب إلى ذلك جاك أئيس وزمث 65نا1220: 
«عندما نتحدث عن المرئى المقروء (Visibité)‏ 
نفترض أن الأشكال الخطية ليست جسدا غريا 
عن النص أو مجرد وسيط شفاف عند تفكيك 


الخطاب الشعرى الحديث 


الرسالة وإنما هى أجساد دالة مندمجة فى 
العشاكلات اة “١۳‏ 

راسا على ذلك يرى أنيس أن الخطيات 
(calligrammes)‏ مثلا ليست نصا يضاف إليه رسم» كما 
أن البيت الشتعرى ليس مقطعا صوتيا ينضم إلى سطر من 
الحروف» بل هو جسد كلى متكامل يسهم فى ضخ المعنى. 

وإذا كان التشكل البصرى مهما على مستوى إنتاج 
الدلالة» نهو مفيد فى تمييزه بين الأجناس رغم ما يوجد 
بينها من تداخل فى العصر الحديث؛ فعفضكة النص 
(1121153:100م5) تعد ظاهرة أو قل سمة تمييزية تتتصل 
بالإفادة من وجهة نظر سيميائية بها تدميز القصيدة الحديثة 
عن الرواية والخطاب الصحافى لاحتوائها جملة من السئن 
المركبة التى تشتغل على مستويين : 

_ مستوى أول تشترك فيه جميع النصوص مثل انجاه 
الكتابة فى العربية من اليمين إلى اليسار والتشكل الخطى 
للشرزيع » وهو ما يمكن أن نسميه بالدرجة الصفر فى 
تفضئة النص. 

ومستوى ثان يمثل درجة أعلى فى التفضئة ويذهب 
5 اتجاه استغلال الصفحة على نحو مخصوص بتوظيف 
جملة من التنويعات الطباعية وتقنيات الإخراج فى تشكيل 
الدال البصرى . 

على أن ذلك لا ينفى تميز بعض النصبوص الروائية 
الحديئة التى انخرطت هى الأخرى فى جماليات التشكل 
البصرى واهتمت ببناء الفضاء عبر أشكال بصربة مختلفة 
كما هو الشأن فى رواية (تجمة أغسطس) لصنع الله إبراهيم 
أو (الوشم) لعبد الرحمان مجيد الربيعى التى وصل فيها 
تنويعات الخط بزمنية القصء أو (دهاليز الحبس القديم) 
للحمدانى حميد التى وظف فيها بعض التنويعات الطباعية 
لشد القارئ؛ كالكتابة بحروف غليظة تخللت جل الفصول 
واختفت فقط من الفصل العاشر والحادى عشر والرابع عشر 
والخامس عشرء وقد اخمتص هذا النوع من الكتابة بفعل 
الك كن ولحظات الاسترجاع؛ هذه اللحظات التى مثلت 
نترات مخصوصة من حياة الشخصية ووجدت امتدادا لها فى 


۹۹ 


.رضا بن حميد سلس ل ل ل يبي 9 


حاضرها. وبالإضافة إلى ذلك فقد تواترت فى هذه الرواية 
البياضات والفرا اغات والعلامات الطباعية التى تفصل بين 
المقاطع» والنقاط والفواصل التى قد تستقل أحيانا بسطر 
كامل من الحوار وتكشف عن لون مخصوص من الحوار 
الصامت )14( ١‏ 

ومجد هذه الخصوصيات نفسها فى الشعر؛ فلئن كانت 
القصيدة التقليدية لا تفل بالتشكيل المكانى وتخضع لتشكل 
مسبق يقوم على تناظر بين شطرين يفصل بينهما بياض وف 
معمار محكوم بالبنى العروضية والإيقاعية؛ فإن القصيدة 
الحديثة منحت ظاهرة تشكل النص البصرى اهتماما خاصاء 
وحاولت جاهدة الإفلات من صرامة القوانين القديمة القائمة 
أساسا على التلقى السماعى» ومخربة كل الطرائق الممكنة 
مدفوعة بالر غبة العاتية فى التجديد وجاوز سلطة النموذج 
وارتياد مناخات جديدة ومساحات لم تألفها العين من قبل» 
فأصبحنا أمام لون جديد من الرسائل التى تفيد من الهندسة 
المعمارية والرسم والفنون التشكيلية وغيرهاء حتى لكأن النص 


ا 
٠‏ 


الشعرى لوحة تشكيلية ترسلها الأشكال والخطوط والألوان أو 
لنقل هى صورة بصرية يتوارى فيها المدلول وراء هيمنة الدال 
وم ركزية العلامة . 

وتخملنا القراءة البصرية إلى جسد النص فإذا بنا أمام 
نصین ؛ العنوان وقد كتين بخط مغاير» واحتل موقعا متميزا 
بوصفه نصا أصغر (micro - texte)‏ يقوم على وظائف ثلاث 
حسب شارل جريفال [65306 . 2١9708‏ , إذ يحدد؛ يوحى 
ويمنح النص الأ كبر (عا×ع) - 118010) قيمته؛ ويضيف إلى 
ذلك رولان بارت بعدا جديداء فيرى أن العنوان يفتح شهية 
القراءة ( 6130م 10001100 12) . ونص ثان» هو نص 
القصيدة التى تعتبر جسدا مرئيا وامتداداً للعنران بما تتضمنه 
من علامات لفظية أو غير لفظية تشتغل وتتعالق فيما بيْنها 
لتفضى إلى الدلالة . 

وتأسيسا على هذا البعد العلائقى يبسط العنوان ظلاله 
على النص» ويحدد هويته) فيوجه عملية التلقى› ويقدم لنا 
فضاء مكانى إيقاعه البياض والسواد. 


؛ - لعبة البياض والسواد 

يهتم عدد كبير من القصائد بانتشار النص على بياض 
الورقة بكلماته ومساحاته وعلامات الترقيم فيه» هذا الاهتمام 
لا يذهب إلى تنزيل الكتابة فى حقل متقدم من حقول 
أو التقليل من قيمته؛ ذلك أن البياض ليس فعلا بريكا أو 
ما هر عمل واع ومظهر من مظاهر الإبداعية وسبب لوجود 
النص وحياته؛ بل قل هو الهواء الذى يتنفسه النص كما 
ذهب إلى ذلك بول کلو دال أ13006© إناة2 ؛ أضف إلى 
ذلك أن البياض قد يصبح دالا بصريا يوجهنا فى. تحديد 
مقاطع النص الشعرى التى تنظم معمار الققصيدة وتبرز ف 
شكل تفضئة قوامها الانتظام والتكرار. كما أن البياض يحيلنا 
على تعدد فضاءات النص سواء كانت لغوية أو طباعية» 
تصويرية أو ثقافية: إذ لا يمكن فى التجارب الشعرية 
الحديئة؛ ولاسيما فى القصائد البصرية أن نتناول الكلام 
بالتحليل؛ دون أن نهتم بفضائه ومظهره وأشكاله المرئية, 
كما أن الاهتمام بالشكل البصرى يبقى منقوصا مالم 
يقترن بالكلام وعلاقته بالسياق . 

ثم إن البياض لا يجد معنأة وحياته وامتداده الطبيعى 
إلا فى تعالقه مع السوادء إذ تفصح الصفحة بوصفها جسدا 
مرئيا عن لعبة البياض والسواد بوصفه إيقاعاً بصرياً يتجه إلى 
حاسة الإبصار ويوجد فى صيغ الكتابة ذاتها ويتشكل 
بتشكلها على خلاف إِيمَاع البنى العروضية التى تبدو فعلا 

وكثيرا ما يحملنا الإيقاع البصرى إلى فضاء النفس 
وانفعالاتها وحالاتها المضطربة المتوترة لحقظة الكتابة, لحظة 
متفردة فارة من زمنيتهاء متلاشية فى بياض الورق . 

وفضلا عن ذلك »› فإن البياض كمه أكثر من دلالة 
وتتحدد معانيه حسب السياقات التى يرد فيهاء فقد يكون 
أحيانا طرفا فى لعبة الوجود والعدم» فإذا به يحد الشاعر من 





س 


لسواد» بصفته لونا مضادا له وصنوه العكسى ؛ فيقلص من 
ينما يمثل السواد الخزان الحاوى لكل الأشياء الحامل 
للحياة والإخصا ب“ : 

وقد خد لنياف أبعتادا أعرى كما عو لخاد فق 
تصائد سعدى يوسف الذى بدا اهتمامه بالتشكل البصرى 
مخصوصا منذ أعماله الأولى وقد اختار لها عنوان ( قصائد 
مرئية ) كما أنه نشر نصه ١‏ قصيدة تركيبية؛ مصحوبا برسم 
للمناضلة الزجية أنجيلاء واعتنى فى جل ما كتب بطريفة 
تنظيم الكلمات وعرضها على الصفحة . 

فى عالم سعدى يوسف يجيع البياض مقترنا بنفطتين أو 
أكثرء وقد بمتد ليشغل سطرا أو سطرين أو ثلاثة أسطرء 
ويفصح عن المسكوت عنه ويستحيل بنى صامتة تخفی وراءها 
جملة من البنى الناطقة» وتكشف فى الأثناء الأفكار الحبيسة 
والرغبات الممنوعة بفعل ضغوط الواقع؛ وهى بهذا تمنح 
القارئ حرية أكبر فى التأويل وتجعله يبحث ويشارك فى 
ومساءلة المعانى الحافة» ويتراءى هذا البياض فى نصوص عدة 
لسعدى يوسف. عندها تستحيل القصيدة جسدا مرئياً 
وتتفكك ترابطاتها النظمية وتتواتر الفراغات والتقطعات كما 
هر الشأن فى نصه ١‏ قصيدة إلى وائل زعيترا : 

عذبا لفلسطينء خبزا لأطفالها ... كنت 

في غرفة بأزقة روما 

وفى شرفة بالكتاب الذي كنت تقر ... 

وأي العذاب ۰ 

وأي بلاد تخيرت حبك فيها؟ 


هكذا تتكئف النقاط وتقترن بالاستفهام الذى يصور 
حيرة الشاعرء وتغدو النقاط الموصولة إلن مساحات من 
البياض علامة دالة على المسكوت عنه بسبب عجز اللغة عن 


التعبيرءفإذا البياض هنا على صلة ببنية اللارعى» يضح لى 
المعاناة» حينما يرحل وائل زعيثر ويرك الشاعر وحيدا يواجه 
الصمت والذكريات الحزينة. 

وقد تظهر أشكال أخرى لاستغلال البياض كما بدا 
ذلك فى قصيدة ١‏ الساعة الأخيرة» التى تستحيل فسيفساء 
نصوص» کل نص فيها يستقل بذاته» بل إن التشظى يصيب 
المقطم الأول الذى يحمل عنوان «فلسطينية كانت»» فإذا بنا 
أمام تصوص لوحات 0 تل الزرعتر: تلفزيون» مجند» دولةء 
المدينة؛ أشخاصء رقيم بابلى»؛ تظهر جميعها على ارتباط 
بتل الزعتر الذى يبقى الخيط الرفيع الرابط بينها . 

لم إن هذه النتسوص تمل مجربة متميزة فى إطار 
استشمار فضاء الصفحة وترظيف لعبة البياض والسواد وفق 
أشكال جديدة فيتقدم السواد حينا: 

فاختيثوا ... 

وفى سجداتنا اختبثوا 

وتحت نجوم من قادوكم اختبئوا 

وفى الصحف التى سطرتم اختيئوا )١4(‏ 

وقد تذهب الكتابة فى ااه التوازى حينا آخر» كما 
الشعرية : 

واحدة وأحدة» وأحدة؛ وأحدة وأحدة 


واحدة. واحدة. واحدة. وأحدة واحدة.() 


يتنامى البياض ليكتسح النص؛ يجعل من الكلمات 
شظايا فى فضاء التلاشى فتنفصم الترابطات النحوية وتتقلص 
مساحة الجملة شيئا فشيئا لتنحصر فى كلمتين ثم فى لفظم 
)morphéme(‏ وتفضى إلى لون من الاحتباس (عذىةامة'1) 
تكشف عن لاوعى الذات المتلفظة حيث يصبح التواصل 
مستحيلا بفعل الكبت وعجز اللغة عن التبليغ» فإذا النص 
يحملنا إلى ضرب من الإيقاع النفسى يفصح عن ضنى 
الكتابة . 


رلا يرن تمي ١‏ امس سس سمس ~~ 


ها هى شمس القرى تمنح النخل غاب من الريش أحمر 

ها هى شمس القرى تمنح النخل غابا 

وها هى شمس القرى 

ها هى .. 

ها هی .. 

ها.. 

ا 

فى هذا الفضاء التشكيلى الذى ينحسر فيه السواد 
ويقترن فيه توتر النص بتوتر الذات لحظة غروب الشمس 
ورحيلها بما يحمله من أبعاد درامية» جد أنفسنا أمام تمائل 
جديد بين تقدم البياض وعدم اكتمال الجملة تركيبياء 
نتتقلص مساحة الكتابة وتتقطع أوصال الجملة وتنتهى 
بمقطع طويل هو بمثابة زفرات يطلقها الشاعر, ونجد صدى 
لهذا كله على مستوى البنية الإيقاعية والدلالية وخخاصة البنية 
النفسية. 

وكلما نقدم البياض اتسعت حقول الدلالة؛ وأضحى 
أكثر أهمية وتعبيرا 
مختلفة إذ يعيد تنظيم الكلام على نحو جديد؛ وهو | 
جانب ذلك شكل من أشكال التلفظ عبر الغياب» فإذا النص 
فى صمته يتكلم ويعبر ويؤسس ضربا جديدا من الشعرية» 
السنا هنا أمام قرة البياض التحقيقية (06 06140502100116 8آ 
0135) ؛ هذه القوة التى تحملنا من المقول إلى اللامقول ومن 
المعلوم إلى المجهول» فإذا بنا أمام مسرح يتخذ الصمت 
موضوعا له كما ذهب إلى ذلك هنرى ماشونيك فى كتابه ( 
نقد الإيقاع ». والصمت ههنا ليس تغييبا للدلالة بقدر ما هو 
غياب للغة الكلام وبروز لدرجات أخرى من التعبير أكثر 
كثافة وبلاغة» فهو يظهر بمقدار ما يخفى؛ يوحى؛ يعبر 
بطريقة مخصوصة» ثم إن المت يعد أكثر المجالات تعبيرا 
عن التأمل والبحث والمساءلة ويعتبر لحظة لقاء ومحاورة مع 
القارئ مله من شعرية الكلمات إلى شعرية الصورة 
البصرية» فتغدو القراءة - تبعا لذلك ‏ حواراً عسيرا مع نص 
يلتهمه البياض وانخراطاً فى مغامرة لا تعرف النهاية من أجل 


من السوادء فهر فضاء ينهض بوظائف 


1.۲ 


إنتاج القصيدة التى لم تكتبء أو لنقل إن القراءة هنا كتابة 
مضارعة للنص الشعرى الحديث بكل ما حويه من إضافة 
ونزوع إلى طرح السؤال وملء الفراغات وتبين المدلولات . 
وإذا كان النص على تلك الحال من التوتره فإنه لن 
يستقر على شکل ثابت» بل تراه برحل باستمرار الإفادة من 
مظاهر مختلفة من التشكيل والهندسة؛ ولا غرابة حينقدذ أن 
نستوقفك فى بعض نصوص سعدى يوسف ظاهرة التأطير 
التى تحمل أكثر من معنى» وقد عدها ميشال بوتور 0126 
روزن 8<١؟2‏ وصفحة داخل الصفحة؛ تلفت انتباه القارئ 
وتشده إلى بعض المقاطع التى تكتسى أهمية خاصة؛ كما هو 
الشأن فى قصيدة «منزل المسرات» وقد افتتحها سعدى يوسف 
بمقطع مؤطر من ملحمة جلجامش' أو فى قصيدة «العمل 
البومى) وقد قامت على ثنائية المقاطع ا والمقاطع 
المؤطرة» وإذا بنا أمام نصين؛ نص إطار وهو نص الأغنية الذى 
يحيلنا على عالم الأحلام الموصولة بنزعة رومانسية تبرز من 
خلال المعجم ( النبعء الماءء الزهرةء العشب)ء غير أن هذه 
الأحلام سرعان ما تصادر وهو ما يوحى به التأطير. ٠‏ ونص 
متحرر» نص 0 
الذات خائبة» ويستمر التوازى بين الشكلين البصربين عبر 
الاستدعاءات وفعل التذكر والتداعيات حتى يبلغ منتهاه فى 
اتجاه امزاج الحلم بالواقع وتعالق الشكلين والخادهما فى 
تفضئة طابعها المميز الإطار الذى يصبح قيدا لا فكاك منه . 
أما فى قصيدة ١‏ البستانى» فيستحيل التأطير ظاهرة فنية 
تعكس فسيفساء القصائد المتنائرة بين فضائين؛ فضاء نصي 
كمه الدوال اللغرية وفضاء تصوبرى يفرض على امتلقى 
جهدا أكبر ومرجعية يواجه بها النص فى صمته ويجعله 
يبحث عن العلاقة القائمة بين الفضاءات المحكومة بإطار» 
والفضاءات المتحررة التى هى على صلة بالأرض والأشجار 
والمياه بصفتها رموزا للإخصاب والحياة. فللفضاء التصويرى 
تعبيريته ودلالته الخاصة إذ اقترنت النصوص المؤطرة داخل 
القصيدة «نص فلسطين؛ نص سيدى بلعباس» نص الكأبة» 
بدلالات الفقدء فقد فلسطين المكان ‏ الأصل لا باعتباره 
فضاء جغرافيا فحسبء وإنما أيضا باعتباره ذاكرة وتاريخاً 
وهوية. ومن هنا نفهم اهتمام الشاعر بأشجار البرتقال التى 
تستحيل علامة على الجذور الضاربة فى أعماق الأرض: 


ااا سس اا مس 


لا يتحدث مع فلسطين إلا نائما 


وأحيانا يسير إليها بلا نجم 


من القنيطرة إلى القنطرة 
إنه لا يحب البرتقال. 


لكنه يحب أشجار 0 


وما فقدان الأرض التى أحبها إلا ضرب من الموت 
الجازى لذلك تظهر مدينة سيدى بلعباس فى مقطع آخر وقد 
ارتبطت با لمقبرة؛ وإذا القفصيدة تعيش صراعا بين الموت 
والحياة؛ وإذا الكتابة التى ارتبطت بدورها بالفقد تعبير عن 


اا ١‏ 
هذا الصراع : 
أى قصيدة يكتب؟ 


الهواء مختوم فى زجاجة 


واللسان خشبة جففها الكحول. ‏ [(") 





وإذا كان الفضاء اللغوى يهتم بالقول والإفصاح عبر 
اللغة» فإن الفضاء التصويرى القائم على التأطير يسعى إلى 
إبرازر الفضاء الأرل بوصفه موضوعا للمشاهدة. وأشكال 
فى نماذج أخرى من الشعر العربى الحديث الذى استلهم 
أشكاله البصرية من التراث ومن فن الخطيات بالخصرص 
لتعدد أبعاد علائقها بالنص؛ فهى ليست إعادة أو نكرار)ً كما 
يمكن أن يتبادر إلى الذهنء وإنما هى إثراء للدلالة نظرا 

ونرصد لما قلناه بعض نصوص محمد بنيس التى تعد 
نموذجا لكتابة جريبية خررت من سلطة المؤسسة الشعرية 
التقليدية لتؤسس نمطا جديدا من الكتابة يحفل فيها معمار 
السطور وحينا آخر فى نهايتهاء وهى أحيانا تتوسطها لتحدث 





الكتابة ويذهب باطمئنانه ويدفعه دفعا إلى طرح السؤال. وفى 
نص (موسم الموت) يستغل بنيس فضاء الصفحة على نحو ' 
جديد فيحتل الملفوظ حيزا فى يسار الصفحة فاسحا المجال 
أمام نص مواز للبياض: 


تيدم عنا فككان الماء 
تخسلا وانحنيت لكل زائرة 
تنادينا دوائر وج هبي الأولى 
تمسالت فى صف وفالاء 
صافية يزركش صدرنا بعض 
الكلام تسابق الزيتون بين 
صراخنا قلنا وكان الطفل 
يدفع موته اقتربواء لنا الأعلام 
هل قتوك هذا يومنا أبداله 


سرا طريقته فمالك غير أن 
تليو وتض حك من جنون 
الحسرب ياخلى تجاوب فى 
السهول غبارهم ليت البلاد 
تضسيق حتى نشرب الشساى 
المنعنع ثم نرحل فى اتجاه 
الموت 


هذا الموت 


هذا (*') الموت 





ونص البياض هذا يسعى إلى مجاوزة أبنية وعى المتلقى 
التى اعتادت الشكل المتناظر للكتابة أو شعر التفعيلة الذى 
والحق أن هذا البياض الذى يستقل بذاته فى الحيز 
الأيمن من الصفحة يستدعى مساحات من الفراغ تحملنا إلى 


.رضا بن حميد > 0ک وو 2 س ج ی ی و 


ميتافيزيا الكتابة وخيلنا على الغياب» الغياب فى الموث الذى 
البياض والدلاشى» لذلك ينتهى المقطع بهذا الصوت الذى 
يغيب شيكا فشكا فى عالم ا موت» ويجد هذا الغياب التدريجى 
صدى له على مستوى الدال البصرى الذى يحاكى حركة 
التدرج: 

ال موت 

هذا الموت 
هذا الموت 

والطريف أن المقطع يفرغ اموت من مظاهر العنف ومن 
شحنته المأساوية ( تلهوء؛ تضحك)؛ فيحتفل به (شرب 
الشاى)؛ لكأن الموت ههنا فعل خلاص من جنون الحرب - 
القتل الذى لم يمس الفضاء والأحياء والأطفال فحسب ( 
الطفل يدفع موته)» وإنما مس الذاكرة أيضاء إنه صوت 
الرحيل إلى بنية الغياب» رحيل من جنون الحرب إلى جنول 
الكتابة» جنوك دام. 
٥‏ جماليات المحط / جماليات الفضاء التصريرى 

بف بنيس من التقنيات الطباعية الحديقة وأساسا 
الصفحة إخراجا جديدا ويتتحصل على أشكال مختلفة من 
الكتابة كما يتراءى فى نص (موسم الشهادة) الذى يعمد 
فيه إلى إبراز بعض المقاطع بخط مغاير» غليظ؛ حتى تبدو 
كأنها مجموعة من النصرص مستقلة بذاتها أو قل كأنها 
فسيفساء نصوص : 

وما إن نشرع فى قراءة ديوان ( فى اماه صوتك 
العمودى) محمد بنیس حتی جد أنفسنا أمام منظور جديد 
للإبداعية الشعرية تتمرد فيه الكتابة على انتظامها وفق طرائق 
او سنن متعارفة» وتترك للمتلقى حرية القراءة التى تذهب 
بدورها فى أكثر من ايجاه. فعلى مستوق التركيب العلامى 
عرض خاص» مستلزمة شروط تقبل متميزة. ويقوم تركيت 


1.٤ 


الانفصال والتنوع فى حركة الأسطر بتكسير الخطية والتزوع 
إلى التموج والتقلص والانحسار وتغيير الاتجاهات» ويظهر- 
تبعا لذلك ‏ إيقاع بصرى غير مألوف قوامه المشهد المرئى» 
وتتناوب الأشكال البصرية المقدمة فى الفضاء التصويرى عبر 
وفرة من الألفاظ الخالية غالبا من علامات الترقيم» هى فى 
مك وجو بين العلاتة الأيقونية والتجريدء كما هو الشأن فى 
هذا النموذح ": 





ولقد رأت يمنى العيد فى هذه العلاقة الأيقونية 
محاكاة لنزيف همومنا العام وا ول ا 
تعرج الكلمات وانفراطها من الكلمة المركز ( الدم ) يوحى 
بهذا النزيف . 

أما فى نصه ١‏ هذه المّصيدة المطاردة» الذى افتتح به 
مجموعته الشعرية فی ااه صوتك العمودى) ' فيرظف 
جملة من الأنساق التعبيرية؛ ويتناسل النص من الركن 
الأيمن فإذا بنا أمام فضائين» فضاء تتوزع فيه الكلمات فى 
شكل مثلث» وفضاء مخصص لفعل الأمر «أفق» الذى كتب 
بحروف سميكة وبحجم أكبر ووضع فى حيز مكانى يوحى 
بقيمة هذا الفعل الذى يتحرك فى فضاء عمودى من 
متمردة على تنظيم الأسطر المعهود ومنشدة إلى معمار جديد 
للفضاء يتوجه إلى المشاهدة قبل القراءة. وفعل م أفق ) بهذ 


م ا ا 


التوزيع الفضائى إنما يكتسى أهمية مخصوصة؛ ولا غرابة ما 
دعوة للفعل» وتخطيا لمنطق السكون» وهو ما ترحی به أيضا 
صيفة الأمر وتقترن هذه الدعرة إلى الإفاقة بالحلم والكلمات 
اتی لجو حبلى بالرفض فى فضاء المغلث المراجه لنضاء 
«أفق؛ كما يبينه المعجم اللنرى ( وجهى بستيقظ ؛» الحلم» 


الكلمات الطالعة» الضوء؛ اوراق الصحر... 200 








وقد يطفى البياض على السواد فى صفحة ما من 
مفحات هذه القصيدة فنجد أنفسنا أمام تركيب جديد 
للفضاء يتجاوز نيه النص الثبات أو الركون إلى أشكال محددة 
ویوجه القارئ إلى خخصوصية النص والتجربة؛ ولا يمككن إذ 
ذاك أن نصل بين أجزاء السواد المتباعدة التى تشكل جسدا 
متشظيا إلا عبر قراءة دلالات البياض التى تغدو امتدادا 


1 اد + لخملنا إلى حقول جديدة من ا متلق فيز لع 


الخطاب الشعرى الحديث 


ثانية» هى لغة السمت» لغة تعجاوز أحادية الدلالة ونخيلنا على 
تعدد القراءات بفضل طاقاتها الإيحائية» وبفعل الفموض 
وتنامى المسكوت عنه الذى يكتسى أهمية مخصوصة 0 





خحاسة 


ترجه اهتمامنا فى هذه الدراسة إلى الخطاب الشعرى 
الحديث» وحاولنا أن نقف خلالها على أهم سمانه؛ فانطلقنا 
من النظر فى لغته بوصفها ظاهرة مخصوصة تهيمن على كل 
الظواهر الأخرىء وتذهب فى التجاء الانزياح باللفظ عن 
مداراته الأصلية. وكثير! ما تتحدد شعرية النص بمقدار انحرافه 
عن القوانين اللغوية المتعارفة إلى حد صار فيه الغموض مجلا 
من مجالات الإبداع يشد القارئ والناقد على حد سواء. 

غير أن الخطاب الشعرى الحديث لم يعد مقتصرا على 
العلامات اللغوية» وإنما بات يختبر وسائل جديدة فى التعبير 
وأشكال طباعية مستحدئثة. وما كان ذلك إلا يسبب هيمنة 
فيها الصورة تنافس اللغة لتشكل القصيدة تشكيلا جديدا 
ينضى بنا إلى لون مخصوص من التلقى يقوم على جاوز 


الفنون البصرية واتساع حضورها فى عصرنا إلى درجة بانت 


ا م ب جر 


جماليات القصيدة الكلاسية:؛ بل إن الطريف حقا أن 
مثل هذه القصائد أضحت مرجعا يستلهم منه الرسامون 
أعمالهم وصورهم الفنية» كما هو الحال بالنسبة إلى 
جربتی كمال بلاطة وضياء العزاوى. 


الهوامش 


Roman Jakobson: Essai de Linguistique Général, : انظر‎ )١( 
`. Muinuit 1963, Tome I, Chapitre 11, p 220. 

(۲) جيرار جنيت 61 : حالة مزدوجة للكلمات» فاليرى وشعرية 
اللغة» تعريب مالك سلمان؛ مجلة كتابات معاصرة: الجلد الخامس؛ العدد 
الثامن عشرء أيار ‏ حزيران 214537 ص 55 . 

(۳) انظر الرسم البيانى الذى وضعه جان ميشال آدم «نقلة .1.11 لتوضيح 
التقابل بين الشعر واللاشعر. .م5 .عدوغوط J.M. Adam: Pour lire le‏ 
de Boeck-Duculot Bruxelles- Paris, 1986, p 24.‏ . 

(4) رولان بارت: «ما هى الكتابة؛ تعريب محمد برادة » مجلة الكرمل» العدد 
الثانی؛ ربیعم ۱۹۸۱» ص ۱۲۸ . 

(5) سعدى يوسف: قصيدة «الأخضر بن پوسف ومشاغله» دیوان الأخضر بن 
يوسف ومشاغله, الأعمال الشعرية؛ المجلد الأول؛ دار العودة» ط ۳ء بيروت 
۸ ص۱۷۲ . 

Michele Aquien: Dictionnaire de Poétique Librairie : انظر‎ )"( 
Générale Française, 1993, p 50, 

(۷) سعدى يوسف: قصيدة «المسافة» دبوان: تحت جداربة فائق حسن» 
الأعمال الشعرية؛ ص ١47‏ . 

(۸) أدونيس (على أحمد سعبد) : قصيدة فارس الكلمات الغريبة › ديران 
اغانى' مهيار الدمشقى » الأعمال الشعرية الكاملة» دار العودة» ط؟ » بيروت 
همذلا ص ۲۹۷ . 

(4) من الأبحاث التى اهت إلى دراسة الظواهر البلاغية وأثرها فى إنغاج 
الصورة فى هذه القصيدة يمكن أن نذكر دراسة محمد خطابى؛ لسانيات 
النص, مدعل إلى انسجام الخطاب, المركز الثقافى العربى» يروث - 
الدار البيضاءء ۰۱۹۹۱ ص ۳۲۷ وما بعدها. 

)٠١(‏ محكى أسطورة سيزيف قصة عذاب الإنسان حينما يكرس جهده من 
أجل لاشى» فقد حكم على سيزيف أن يحمل صخرة هائلة إلى قمة 
جبل؛ فيفعل ولكنه ما إن يشرف على الوصول إلى هدفه حتى تسقط 
الصخرة» وبواصل سيزيف حمل الصخرة عله بذلك يتخلص مما هو فيه من 


عذاب غير أنه لا يحقق هدفه. 


ال 


على هذا النحو فى عصر صارت فيه الصورة حاضرة 
فى مختلف أنماط حياتنا بصفتها موضععاءأو 
بصفتهاأداة. 


أما أسطورة أريان نهى «تعرض قصة أريان ابنة مبنوس التى أحبت تبزى 
وهربت معه اتقاء لغضب مبنوس» بيد أن تبزى فارقها لأنه أحب امرأة 
أخحرى كما جاء فى بعض الررايات» فأخذها ديونيزوس حين مر من هناك 
وتزوجها نأتجبت منه أطفالاء وتمكى روابة أخرى أن أريان فتلت فى جزيرة 
دباء قتلتها الإلهة أرتميس بأمر من ديونيزوس. 
انظر : Pierre Grimal: Dictionnaire de la Mythologie Grecque‏ 
et Romaine, Ed. PUF, Paris, 1986. pp. 50 et 425.‏ 

)1١(‏ يمكن العودة فى هذا المجال إلى محمد الهادى الطرابلسى الذى فرق 
بين ألوان مختلفة من الغموض يمكن أن نردها إلى نوعين: غموض الهدم 
وهو غموض يقصد منه التعمية والتضليل والالتباس» وبتولد عن قصور فى 
الرؤية؛ وغموض البناء الذى يرجع إلى المدلول ل إلى الدال ويضيف على 
النص طاقات جديدة. 
انظر: بحوث فى النص الأدبى » الفصل السادس: «من مظاهر الحدالة فى 
الأدب... الفموض فى الشمر»؛ الدار العربية للكتاب؛ تونس» ليبياء 
4 ص 161 وما بعدهاء كما سب لعز الدين إسماعيل أن فرق بين 
الفموض والإبهام واعتبر أن الإبهام يتصل بالبنى التركيبية ويجعل الشعر 
نولا مقفلا على خلان الغموض الذى يفسح للشاعر إدراكا أبعد مدى. 
انظر : عز الدين إسماعيل: الشعر العربى المعاصر» فضاياه وظواهره الفنية 
والمعنوية؛ دار العودة؛ ط” بيروت: 21541 ص ص 184 -؟157. 

(؟١)‏ يمكن أن نذكر من المباحث العربية التى اهدمت بظاهرة التشكل 
البصرى للنص الشعرى: 
- محمد بنيس: ظاهرة الشعر المعاصر فى المغرب» مقاربة بنجوية 
تكوينية» دار التنوير للطباعة والنشر؛ بیروت ٠۹۸١‏ . 
شربل داغر: الشعربة العربية الحديثة» تحليل نصى» دار توبقال للنشر» 
الدار البيضاء ١5/44‏ . 
- محمد الماكرى: الشكل والخطاب؛ مدخل لتحليل ظاهراتى: المركز 
الثقافى العربى» بيروت» الدار البيضاء ٠۹۹۱‏ . 

Jacques Anis: Visibilité du texte poétique, in Lan- :رJ†ظil‎ (1F) 
gage Française, n 59, Larousse 1983, Pp. 89. 


س ا و ا 


)۱٤(‏ لحمدانی حمبد: دهاليز الحبس القرم» دار الثقافة» الدار البيضاء؛ 
.A0‏ 

Ch. Grivel: “Puissance du titre”, in Production de يراجع:‎ )15( 
Pintérêt romanesque , Paris-La haye, Mouton, 1973, p.170. 

(15) يمثل السواد رحم الأرض الذى تتشكل فيه حياة المالم النهارى» رهر 
إلى جانب ذلك رمز الخصوبة كما هو الحال فى مصر القديمة أر فى 
إنرينيا الشمالية؛ إذ هر لون الأرض الخصيب والسحب الحبلى 
بالأمطار» كما أنه لون المياه العميقة لأنه بحوى مجمل الحياة الكامنة, 
انفر: Jean Chevalier, Alain Gheerbrant: Dictionnaire des sym-‏ 
boles, symbole Noir, Ed. Robert LafonU Jupitier. Paris, 1982.‏ 
Pp. 671.‏ 

(۱۷) سمدى يوسف: «فصيدة إلى واثل زعبنره » دبران الليالى كلهاء الأعمال 
الشعرية الكاملة؛ دار العودة؛ ط۳ › بیروت ۰۱۹۸۸ ص ص ۸۷ - ٠۸۸‏ 

(14) سعدى يوسف: تصيدة «الساعة الأخيرة؛ ديوان: الساعة الأخيرة, 
الأعمال الكاملة؛ ص ”47 . 

. 4/4 المصدر السابق» ص‎ )١13( 

(۲۰) سعدى يوسف: قصيدة «عبور الوادى الكبير) ديوان: الأخضر بن 
يرسف ومشاغله, الأعمال الشعرية الكاملة؛ ص 179 . 


الخطاب الشعرى الحديث 


(1؟) ميشال بوتور: بحوث فى الرواية الجديدة؛ تعريب فريد أنطنيوس» 
منشورات عويدات؛ بيرت - باريسء ١41/١‏ . 

(۲۲) سعدى يرسف: قصيدة «البستانى» » ديوان الساعة الأخيرةء الأعمال 
الشعرية» ص .6١‏ 

(۲۳) المصدر السابق» ص ٥١‏ . 

Jean Gérard, Lapacherie"Écriture et (54؟) يراجع فى هذالمجال:‎ 
lecture du calligrammes:", in Poétique, no50. avril, 1982, 
pp 195. 

(15) محمد بنيس: (موسم الموت» ؛ ديوان: مراسم الشرق» دار توبقال 
لنش الدار البيضاء؛ 2١14488‏ ص ص 97 84. 

(١؟)‏ محمد بنيس؛ ما جاء على صورة شنق؛» ديوان: فى أتماه صرتك 
العمردى» مطبعة الأندلسء سلسلة الثقافة الجديدة» الدار البيضاء؛ 
1 ص 1٩‏ . 

(۲۷) انظر بمنى الميد: فصل «الشعر اللوحة؛ الشعر اللغة) ضمن كتاب فى 
القرل الشعرى» دار توبقال الدار البیضاء؛ ٠۹۸۷‏ ص .۱٣١‏ 

(1) محمد بئيس: تصيدة «هذه القصيدة المطاردة»؛ ديوان: فى اتجاه صونك 
العمردى» ص ۱۳. 

(19) المصدر السابق, ص ۲۳. 





1.۷ 


ل 


منهج فى التحليل النصى 
للخصيدة 





محمد حماسة عبد اللطيف " 


LALLA 


- 


هناك مفاهيم معينة ينبغى الوقوف عليها قبل تخديد 
معالم هذا «المنهج؛ المفترح » أولها مفهوم «التحليل) نفسهء 
وهو فك الا لغويا ونركيبيا م ن أجل إعادة بنائه 
دلاليا. وهذا یستدعی ضرورة حديد الأجزاء المراد تخليلها 
وبيان دورهاء وكشف العلاقات بينهاء وتفسير الإشا رات 
الواردة فيهاء وملاحظة التدرج التعبيرئ لهاء وتوافق العناصر 
المكونة أو تضادهاء وتوازنها أو توازيهاء وتمايز بعضها من 
بعض» وإيضاح الإحالات القابعة فبهاء وطريقة نسح العلائق 
فى شبكة القصيدة ة الحكمة وتعائق كل خيط منها مع الآخر 
من أجل تكوين بنية لغوية ذات صبغة فنية خاصة. 

ولكى يكون هذا التحليل «تخليلا نصيااء لابد أن 

سّس على (النص» تفسسه. .ولا يمكن أن يصبح النص 
ا إلا إذا كان رسالة لغوية تشغل حيزا معينا فيها جديلة 


يكم مضفورة من ا ا e‏ . وهذه 





«أستاذ اللغويات» كلية دار العلوم» القاهرة. 


۱-A 


المرسلة اللغوية كلها. وأبناء اللغة المعينة» كما أن لديهم 
«سليقة» تهديهم إلى معرفة «النظام النحوى» للغتهم 
بكل أبعاده الصوتية والمعجمية والت ركيبية والدلالية» لديهم 


كذلك - حس مدرب أو «سليقة نصية» تساعد على إدراك 


رحد النص. فلو أتبت بعدد من الأبيات» مثلا كل بيت من 
قصيدة مختلفة حتى لو كانت هذه القصائد متفقة فى 
الو زك ار ووضعت هذه الأبيات فى صفحة واحدة على 
هيئة نص واحدء لاكتشف القارئ أن هذه الأبيات لا تؤلف 
«نصاً ۲ واحداً؛ لان النص الواحد فيه علاقات خاصة به تعمل 
داحل سياق لغوى ودلالى حاص كذلك» ويقوم عدد من 
الروابط اللغوية والدلالية بالعمل على تماسك هذا النص 
وتوحیده داخل إطار واحد نسميه (إطار النص» أو «مجال 
النصّ ؛ اللفرى. وسواء أ أكان هذا «النص؛, قصيدة أم غير 
قصيدة» فهو انصًا› لكن النص الذى أعنيه هنا هو نص 
«القصيدة)»› وهو - لابد مختلف عن ای نص آخر» فكل 
اس ود باه اهال ا 
خصائصها عن خصائص نص آخر. وقد تكونت هذه 
الخصائص عبر خبرات متراكمة وجارب متعددة فى عمر 


سس كس سس سس مهج فى التطيلالصى 


وجوده اللغوى؛ ومن هنا وجد ما يسمّى «الأجناس الأدبية». 
ولذلك يستطيع أبناء اللغة أن يميزوا بين «نص» القصيدة» 
وانص» القصة القصيرة و «نص» المسرحية» و «نص» الرواية» 
وائنص» المقالة و«نص» الكتاب» وغير ذلك من أنواع 
النصوص. وهم؛ فى هذا التمييزء يعتمدون على عدد من 
القواعد والفوارق المستقرة فى الذهنء والخزونة فى وعاء الخبرة 
المكتسبة» والمنقولة من الأجيال السابقة عن طريق التعليم أو 
القراءة والإدراك الذاتى» كما يستطيع أبناء البيئة المعينة أن 
يميزوا بين أنواع الأبنية العمرانية الخاصة:» فيفرقوا بين بناء 
أعد ليكون بيتأ» أو قصراء وأخر أعدٌ ليكون مدرسة» وخر أعد 
ليكون مسجداء وآخر أعد ليكون مستشفى وغيره أسس ليكون 
مقبرة إلخ» من خلال مواصفات ومعايير مركوزة فى الذهن 
تكرّن صورة خاصة لكل منها يحتكم إليها فى التفريق بين 
بناء واخخر. 

والغاية من «التحليل النصّى للقصيدة؛ محاولة فهمها 
وتفسيرها من خلال مكوناتهاء بصرف النظر عن الغرض 
الذى أنشفت من أجله؛ أو المناسبة التى لابست إنشاءها. 
والذى يساعد على الدحول فى عالم القصيدة ليس هو معرفة 
غرضها أو مناسبة إنشائهاء بل هو إضاءتها وكشف أسرارها 
اللغوية وتفسير نظام بنائها وطريقة تركيبها وإدراك العلاقات 
فيهاء وبيان الوجوه الممكنة للنصّ من خلال المعطيات 
التعبيرية المبنية على تواشج المفردات والبناء النحوىئ الذى يعد 
ركيزة النصّ الأساسية. ولا يتم هذا النوع من التحليل النصى 
إلا بالاعتماد على المادة التى تكوّن منها «النص الشعرى» 
۲ 


وئمة جهود كثيرة قديمة وحديثة تقوم كلها على غاية 
واحدة هى «تفسير النص الشعرى؛؛ وهى جهود متفاوتة - 
ومختلفة فى بواعثهاء » كما تختلف فى الطرق التى تسلكها 
لتحقيق هذا التفسير» ويس ابش ها اگم ا کر فن عنايته 
ببيان ١حيثيات»‏ هذا الحكم» » كأنه يحتفظ بهذه الحيثيات 
لنفسه؛ ويتباعد طرفا هذه الأنواع من الاجتهاد تباعداً ييعث 


أحيانا على الشفقة ويدعو فى أحيان كثيرة إلى الدهشة؛ 
وقليلا ما يكون باعثا علئ الإعجاب. 


۲ 


هناك من يتعاملون مع الشعر ‏ وخاصة القديم منه - 
على أنه انعكاس فنى لأساطير ومعتقدات دينية قديمة يربط 
أسماء الحيوانات الواردة فيه برموز موز أسطورية و دينية» ولست 
أرى بأساً فى هذا النوع من التحليل إذا أفضى إليه التحليل 
اللغوى النصى» ولكن أصحاب هذا النوع من التفسير 
يحاولرك أن يفسروا الشعر من هذا المنظور الأسطورى» 
ويدخلون على الشعر بهذه الرؤية المعدة سلفاء ويحاسبون 
الشعر على أساس منهاء ويحاولون أن يربطوا الشور الوحشى» 
والمهاةء والناقة» والفرس؛ والظليم وغير هذا وذاك بأساطير 
قديمة؛ ويجهدون فى استكمال عناصر الأسطورة المعروفة من 
قبل من خلال الشعر الجاهلى كنه. وهم بذلك ينظرون إلى 
الشعر الجاهلى كله على أنه وحدة واحدة» أو قصيدة واحدة» 
كما تدفعهم هذه النظرة نفسها نفسها إلى التسوية بين الشعراء 

جميعاء فالذى يعنيهم هو استكمال عناصر الأسطورة المعينة 

5 إذا لم تكتمل عناصرها فذلك يعنى عندهم أن 
بعض القصيدة قد ضاع فى أحسن الأحوال» وإلا فإِنّ 
بعضهم لا يتهيب من تهام الشاعر بأكه غير مكشمل العدة 
الفنية لأنه أ لم يستكمل عناصر الأسطورة التى رأوا فرضها 
على الشعر. 

وهذا الاتجاه فضلا عما سبقت الإشارة إليه - لا 
تعنيه الوسائل الفنية المستخدمة فى بناء القصيدة: ولا تعنيه 
طريقة بنائهاء بقدر ما يعنيه أن القصيدة أشارت إلى عناصر 
أسطورته أو لم تشرء ويعد هذا مقياساً مفروضا على الشعر 
وليس نابعا من صميم جوهره وأس ت ركيبه. 

ت 


هناك بعض النقاد تكون معلوماتهم غزيرة» وثقافتهم 
متنوعة رحيبة» ولذلك يجد الناقد فرصة سانحة لإسقاط ثقافته 
هو على القصيدة» ويرى فيها أشياء ليس لها سند من نص 
القصيدة نفسه؛ ومن هنا ينطلق من بعض المفردات الواردة فى 


1۰.۹ 


.محمد حماسة ہے ا اا ا مم رع و ن ت ي 


القصيدة - بصرف النظر عن سياقها الخاص - ويحمّلها من 
الدلالات مالا تحتمله؛ ويتدفق فى سرد معلوماته المستثارة من 
خلال هذه المفردات» التى كونها من غير الشعر؛ ولذلك 
ينتهى قارئ هذا النوع من التفسير وليس لديه رؤية تكونت له 
من خلال هذا «التفسير؛ وليس لديه عناصر موضوعية 
تساعده على تفسير القصيدة» ولكن كل ما لديه أشياء وجد 
«المفسر) القصيدة مناسبة لسردها على قارئه» وفرصة سانحة 
لإلباسها إياها ولا علاقة لها حقيقية بنص القصيدة من حيث 
هر نص لغوی فى 
5 

هناك أيضا النقاد «المذهبيّون . والناقد المذهبى منحاز لما 
قد وا ةة ويخاول أن بسر كن شيع بما فيه الشعر 
من حلاله؛ ولذلك إذا وجد قصيدة تقترب مما يدعو إليه 
ويعتقده؛ هلل لهاء واعتدها ‏ وإن لم تكن قصيدة جيدة - 
م ن عرز ااج عير وفى الرقت نفسه يزرى على قصيدة 
قد تكون من أحسن الشعر و وأجوده لأنها لا تتحدث عما 
يژمن به أو لا تدعو إلى ما يدعو إليه. 

وهؤلاء؛ بالطبع لا يهتمون بالنص نّ الشعرى وطريقة 
بنائه بوصفه نصا شعرياء بل يهتمون بما يسمونه «المضمون» 
مع أن الشعر دلا يينى بالأفكار بل بالكلمات؛ على حد 
التعبير الشهير لالارميه. 

ويعد من هذه الفئة كذلك النقاد الذين يهتمون 
بالتحليل النفسى لأنهم لا يهتمون بتحليل النص بوصفه بناء 
فنياء بل يهتمون بالإشارات التى تساعدهم على تحقيق 
الفرض النفسى الذى يزعمونه؛ وهم فى هذا لايفرقون بين 
القصيدة والحلم وظواهر الأمراض العصابية» فهذه كلها 
حالات نفسية. 

ويمكن أن نعد من هذه الفئة المذهبية كل من ينظر 
إلى «القصيدة؛ على أنها تعبير عن موقف سياسئ؛ أو حالة 
اجتماعية ؛ لأن هؤلاء جميعاً لا يهتمون ببنية النص اللغوية ؛ 
بل بما فيه من «أفكار) حمق لهم ما يريدوث. 


"مه 


هناك كذلك «النقاد التصنيفيّون» الذين لا يهتمون إلا 
بتصنيف الشعراء ووضعهم فى جداول مختلفة» فهذا شاعر 


1. 


قومى» وهذا وطنى» وهذا عاطفی» وهذا کلاسیکی» رهذا.. 

إلخ ١لا‏ ی ج مزا عاو تاا فا وا 
ق التعبيرية؛ ولكنهم ينطلقون أيضا من «الأفكار 
الى قد لاتلبت للعمحيص عند التحليل النصّى» فقد تكون 
القصيدة فى ذروة الو وهى تتحدث عن عاطفة خاصة 
جد مثلا. رهؤلاء أشبه بالصحفيين الذين لا يعبأون بالفحص 


۰ والتدقيق بل يأخذون الكلام من أطرافه كما يقال. 


a 
وهناك فغة - وهى كثيرة - تتعامل مع القصيدة على‎ 
أنها مجموعة «مفردات» غامضة متراصة؛ وتنظر إلى الشعر‎ 
على أنه النشر مضافا إليه الوزن ولذلك تقصر مهمتها على‎ 


شرح المفردات» وخويل الث سر ن الشعر إلى نشر»ءرقد رات 
فى بعض كتب أحد هؤلاء «تخليلا» لقصيدة طرفة بن العبد 


الشهيرة التى مطلعها: 
لخولة أطلال ببرقة همد 
تلوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد 

فقال خت عنوان «التحليل» خولة: اسم امرأة [وكأن 
القارئ لا يستطيع أن يدرك هذا بنفسه] : الأطلال: ما شخص 
بو انان لار [وكأن هذه العبارة أوضح من الأطلال] برقة 
لهمد: موضع. تلوح: تظهر. الوشم: ما ينقش على مواضع 
من الجسم. ظاهر اليد: ظهرها. وبعد هذا «التحليل؛» قال: 
«لقد رحلت خولة عن دارها التى فى برقة همد وبقيت من 
دارها أثار تشبه الوشم المنقرش على ظهر اليدا. 


هذه الفكة تنظر إلى الشعر كما أشرت - على أنه 
النشر مضافا إليه الوزن والقافية وعندما يتجرد من الوزن والقافية 
ويتحول إلى نثر يعود إلى ما يستطيع القارئ أن يفهمه! 

وعلى هؤلاء رأمعالهم أن يعرفوا أن الشعر ليس إعادة 
صباغة للأفكار النشرية؛ لأن طريقة التعبير الشعرى تحمل 
أنكا ر الشعر الخاصة بحيث تصبح الفكرة ة نفسها «فكرة) 
شعرية ويصبح تجريدها من صياغتها الشعرية تدميراً لها 
بوصفها شعراً . إن الشاعر يفكر بطريقة شعرية من أول الأمر, 
وهو لا ينثر الأفكار ثم يحولها إلى شعرء إنها تتلبس الشعر من 
أول لحظة إبداعهاء وتتخلق على هذه الصفة وبهذه الهيثة 





سس ست نھ فی اتیل انصی 


الشعرية» وليست الصياغة الشعرية ثوباً خارجيا يمكن أن 
ننضوه عن «الفكرة؛ فتتجردء أو نلبسها إياه فتصير شعرا. 
وليست هناك علاقة بين الصياغة الشعرية وما يقدمه هؤلاء 
الناثرون» لأن هذه الصياغة عندما تفقد طريقتها الخاصة فى 
التعبير تفقد شعريتها فى الوقت نفسه؛ فالشعر جنس من 
الصياغة وضرب من التصوير. وقد «ننظم الأفكار. نعم» 
ولكنها لا تكون شعراً بل تكون «نظما» كالالفية والشاطبية 
والرحبية. وهؤلاء أخيراً يسوون بين الشعر والنظم بصنيعهم 
هذا فيكونون أشبه بشارحى المنظومات العلمية؛ وهم بذلك 
يدمرون روح الشعر وجوهره. 

¥“ 

وقد ظهر أخيراً الاتجاه الأسلوبى. والأسلربية كعنائناراS‏ 
تعد فرعاً من فروع الدراسات اللغوية والنقدية» رهی معبر 
يصأ لى بين هذين النوعين من ع الدراسة» وقد عرفت بأنها 
وصف النص الأدبى حسب مناهج مأخوذة من علم اللغة. 

وقد نشأت أولا تلك الأسلوبية التى كانت تحاول 
الإجابة عن هذا السؤال: الماذا يكتب الكاتب؟) وعرفت 
«بالأسلوبية النشوئية) - حسب ترجمتها عند إخواننا 
التونسيين ‏ وتختلف أنماط هذا النوع من الأسلوبية 
باحتلاف الأجوبة المعطاة عن السؤال السابق» فقد تكون 
الإجابة متعلقة بالتعبير عن الواقغ المطلقء وقد تكون الإجابة 
أخلاقية أو اجتماعية أو نفسية أو جمالية. ولكن الخطر الأكبر 
فی هذا الايجاه كما يمول جورج ج مونان ‏ يتمثل فى 
استبطان الكاتب لا فى استبطان النص. 

ولكن هناك نوعاً أخمر من الأسلوبية ظهر فى أواخر 
القرن التاسع عشر وعرف بالاسلوبية الوصفية؛ ويهتم بالإجابة 
عن هذا السؤال: « كيف يكتب الكاتب؟» والاعتماد فى هذا 
النوع على القارئ وتعامله مع النص الذى يبدعه الكاتب» لا 
على الكاتب نفسه. وقد تطور هذا المفهوم وظهرت فيه 
وجهات تختلف باخقلاف الزاوية المنظور إليها فى النص» 
أهمها ما يأنى: 
NENT‏ 


هناك وجهة تنظر للأسلوب على أنه «انحراف» -26 
۳ بمعنى الميل عن «معيار) 10050 أو «مفارقة» أو 


«عدول» أو «مجاوزة) Departure‏ › وهو ما يستعملە معظم 
المتخصصين اليوم. . وفى الحقيقة ‏ كما يقول جون كوين - 
أنه مصطلح لا يحمل إلا معنى سلبهاء ويمكن أن نعرف 
الأسلوب بأنه مجاوزة» وحينكذ لا نحدد ما يوجد فيه؛ ولكن 
نحدد مالا يوجد فيه» فتقول: الأسلوب هو ماليس شاعا ولا 
عاديا ولا مصرغا فى قوالب مستهلكة» لكن يبقى أن 
الأسلوب على هذا النحو الذى يستخدمه الأدب له قيمة 
جمالية؛ وهو مجاوزة بالقياس إلى المستوى العادى؛ وإذن 
فهوخطا؛ ولكنه «خطأ مراد» ؛ فالمجاوزة إذن نقطة شديدة 
الاتساع؛ وما ينبغى عمله هو التخصيص بأن نقول: لماذا تعد 
ألوان من الجاوزة جمالية» وألوان أخرى لا تعد كذلك؟ ومع 
ذلك يحتفظ مصطلح امجاوزة بقيمة عملية مؤكدة ولا يمكن 
إحلال غيره محله؛ ولذلك يميل بعض علماء الأسلوب إلى 
اعتبار «الانحراف؛ أو «امجاوزة» حيلة مقصودة لجذب انتباه 
القارئ. ويمكن تعيين الانحراف ‏ كما يقول شكرى عياد - 
بناء على تكرار سمة لغوية ما إلى درجة غير عادية ولو لم 
تكن فى حال انفرادها مختلفة اختلافا قويا عن نمط اللغة 
المعيارية . 

وقد تدك يزنك ي (غ اللغة والدراسات الأدبية) 
خمسة أنواع للانحراف الذى يعد مقبولا فى النظرية 
الاسلوبية» هى 

(( انحرافات يمكن أن تندرج - حسب درجة 
امتدادها فى النص - فى الانحرافات الموضعية أو الشاملة» 
ويصيب الانحراف الموضعى جزءاً من السياق. ويمكن وصف 
الاستعارة بأنها انحراف موضعى عن اللغة المعيارية. أما 
الانحراف الشامل فإنه يصيب النصّ كله» مشل نرذد وحدة 
لغوية معينة بكثرة لافتة للنظرء أو بقلة لافتة للنظر فى نص ماء 
فيعدَ هذا انحرافاً شاملاً يمكن خديده إحصائيا. 

(ب) انحرافات يمكن إدراكها من خلال النظر إلى 
صلتها بنظام القواعد العارية» فتتنوع إلى انحرافات سلبية أر 
إيجابية؛ ولا ينظر للانحرافات السلبية على أنها تضيين أو 
تقييد للمعيار. أما الانحرافات الإيجابية فإنها نقدم قواعد 
إضافية لتقييد المعيار وتحديده »وتنشأ فى الحالة الأولى تأثيرات 


۹ 
ف 





محمد حماسة ا ا ل ا يي اي يد لسرم 


شب ة بانتهاك القواعد النحوية (ومنها ماسماه النحويون ا 
الضرورة الشعرية) وتنا فى الحالة الشانبة بقيود فى النص 
كالتافية مثلا. 

وقد لتنشرت النظرية التى تعد الأسلوب انتهاكا لقواعد 
المعيا ر اللغوى في أسلوبية الانحراف» وجات اهتماما كبيراً 
فی السنوات الأخيرة خلال مناقشة الأتتلرف فى علم 
النحو التحويلى التوليدى. Transformational generative‏ 


grammar. 


(ج) انحرافات يمكن تصنيفها على ضوء صلة 
المعيار بالنصّ الذى هو مجال التحليل؛ فيمكن تمييز 
الانحرافات الداخلية من الخارجية» فحينما تبرز وحدة لغوية 
عن المعيار اللمعد فى النص كله بوجد انحراف داخلى» أما 
الخارجى فإنه يحدث إذا انحرف أسلوب النص عن معيار اللغة 
المعينة (النظام اللغرى) . 


(د) انحرافات تصنف بناء على المستو لمستوى اللغوى الذ 
لكخدث فيه وبهذا يمكتنا تمييز الانحرافات الخطية أ 
الكتابية» 0 الانحرافات لفون نولجية أو الانحرا افات الصر فيه ة أو 

نحرافات النحرية ؛ أو الدلالية 1 

(ه) انحرافات تميز بناء على سنج أخرى يراعيها 
الدارس الأسلريى للنص. 

وسوف أقدم عدداً من ال لتعريفات التى تناولت العد 

ا ن المعيا أو الانحراف؛ فقد عرف أرل الأمر بأنه درس 
ع كاتب من الكتاب بعض وسائل . اللغة على بعض 4 
وعرفه م وروزو )14۳1( بأنه در أسة ة المظهر والجودة النانجين 

5 عن الاختيار بين ٠‏ تلك الوسائل التى تضعها اللغة بین یدی 
کا ل متكلم؛ وهذا الاختيار يمكن أن يقاس بما يسمي حالة 
الحياد اللغوية» أو بما سماه مووز زا م ن نع من 
درجة المفراة فى الأسلوب أو ومن شكل لغرى أقل ما 
يمكن تميزا؛ . 

رقد نظر ليوسبعزر (1444) إلى الأسلوبية على أنها 
ل د 
ما من ولحت ذلك 0 وهر الصقة الاسله 
ا 


11۲ 


ونوكت درورو (118) عن :مقياس موضركي 
لهذه الأنواع من العدوا ل بفضل منهج إحصائى») فالألفاظ 
ذات التواتر غير العادى: لدى كاتب من الكتاب» بالنسبة إلى 
ال لتواتر الموضوعى من حلال عدد كبير من الكتاب الآخرين 
المعاصرين له تکون الألفاظ المفاتيح عند ذلك الكاتت 


ويحاول ريفاتير )١1551(‏ أن يضبط مفهوم هذا العدول 
عن المعيار (الانحراف) أ أكثر بتعريفه بأنه احتمال ضعيف فى 
خحصرص ظهور شكا ل من الأشكال اللغرية: وهو ما يجنب 
اللجوء إلى مفاهيم المعيار أو الاستعمال العادئ الذى يصعب 
إقراره. 

وعلى حين يقرر كيبيدى فارجا (1557) ا 
ا والمفاجأة؛ فاب جاكويسوك يعرفه بأنه الانتظار الخا 
Expectancy‏ 4 (ويمكن أن نترجمها 7 
التوقع بدلا من «الانتظار الخائب» التى آثرها الطيب البكوش 


فى ترجمته لکتاب چورج مونات: : مفاتيح الألسنية ). 


ويعرف مارتنيه الأسلوب بأنه اختيار طريف لعناصر 
لغوية» القصد منها الر فع من المحتوى الإخبارى فى البلاغ؛ 
فأنت تزيد فى إخخبا, بلاغ ما كلما كانت الو لرحدة اللدرية 
المنتمية لبعض الوحدات الأخرى ضعيفة ة التوقع أ لانتكهن 
بها. 


1V۲ 


هناك مفهوم م شه یر آخر ولكنه لا ينطلق من أن 
الأسلوب «انحراف؛ يعرف الأسلوب ail‏ اتر Choice‏ 
أو انتقاء 521601102 يقرم به المنشيء لسمات لغوية معينة من 
بين قائمة الاحتمالات المتاحة فى اللغة. فاللغة تقدم أنماطا 
مختلفة للعغيير :عن معنى ماء وهذه الأنماط معروفة للشاعر 
ولكنه ينتقى منها أو يختار ما ما يراه مناسبا لقصيدته» وبذلك 


يكون مايشدمه هو و اخختياره من بدائل عدة أخرى متاحة. 


وبين ٠‏ «الاختيار و «الانحراف» _ كما يقول شكرى 
عياد ‏ تقابل | من أكثر من وجهء فالاختيار محدود بالإمكانات 
المتعارفة فى اللغة» » التى تصنف عند النحويين ات أسماء 
المطرد والغالب والكثير» ٠‏ فى حين أن الانحراف يبتعد عن 


و ج و و ی کی ی ي و ي 


طريق التعبير الشائعة؛ وربما ای ا ی ا 
والاختيار يوجد فى اللغة الجارية أو لغة الحديث؛ وإن 
لم يكن سمة مميزة لهاء كما هو فى اللغة الفنية» فى حين 
أن الانحراف يخص اللغة الفنية» وهذا منطقى؛ إذ إن الخروج 
على الطرق المتعارفة فى التعبير معيب اجتماعياء ولكنه مقبول 
إذا كان له غرض فنىء ولذلك لا يقدم عليه إلا أديب 
والاختيار مرتبط بالقائل أو المبدعء وقلما يشعر به 
المتلقى إلا أنه يرتاح لهء فإذا أراد أن يعيد الكلام أو يأنى 
عليه خاصية الاختيار «السهل الممتنع؛. والانحراف على 
المكسء فهو قد يصدر عن المبدع بصورة عفوية إذا انطلق 
فى التعبيرء ولكن المتلقى يشعر به شعورا قويا فى جميع 
الأحوال. 
وسواء أكان الأسلوب «انحرافا؛ أم «اختيارأ؛ فإنه لا 
يمكن رصده بدقة إلا فى ضوء التحليل الشامل للغة المعينة 
حتى يمكن قياس المتنوع إلى المتجانس» والخاص إلى العام ؛ 
والمنغير إلى الثابت؛ يقول هاليداى: (إذا كان لعالم اللسان أن 
يأمل فى الإسهام فى مخليل الأدب الإتجليزى فإن عليه» أولاء 
أن ينجز وصفاً شاملا لإتجليزية العصر على كل المسشويات» 
وهذا بالطبع ينطبق على كل اللغات؛ ولذلك فإن الأسلوبيين 
العرب يجب عليهم أولا أن يصفوا المستوى اللغوى الذى يعد 
لديهم المعيار :71052 الذى يقيسون عليه «أنواع الانحراف؛ ؛ 
أو ينبنى عليه «الاختيار» ؛ لأن اللغة الموصوفة لدينا هى اللغة 
وقد توجهت أنواع من الاعتراض قرية إلى النظرية 
الأسلوبية التى تقوم على اعتبار الأسلوب اختياراً أو انحرافاء 
لأنها تدور فى إطار نظرية واحدة؛ ولم تستطع الأسلوبية 
القائمة على الاخختيار أو الانحراف أن تدحض الاعتراض 
الأساسى التالى: ليس كل اخختيار أسلوب» وليس كل ارتفاع 
فى نسبة إخبار بلاغ ما أسلوبا؛ وليس كل انحراف أو عدول 


ما أسلوباً. ويقول جورج مونان: «فهذه النظرية التى تبرز 
بلا شك إحدى الخصائص فى كل أسلوب ليست - برغم 
ذلك العصا السحرية التى تمكننا من كشف أسلوب من 
الأساليب وقياس قيمته الجمالية قياس ثابتا) . 


لقد قامت الدراسات الأسلوبية فى جانب كبير منها 
على «الإحصايء»› واختلف الدارسون حول ما يمكن 
إحصاؤه» فبعضهم يحصى مفردات ية تبرز بروزا واضحا 
بتكرارها فى النص» وبعضهم يحصی الافعال»ء وبعضهم 
يحصى الاسماءء وبعضهم یحصی الصفات» وبعضهم يحصى 
نسبة الافعال إلى الصفات» وبعضهم يحصى الجمل الفعلية 
أو الجمل الاسمية أو الأساليب الخاصة كالشرط والاستفهام» . 
وغير هذا أو ذاك ثما يمكن إحصاؤه فى النص. 


وأريد أن أذكد أن الأسلوبيين الذين يتعاملون مع 
جانب واحد من جوانب النص كإحصاء المفردات وحدهاء أو 
أنواع من الأنظمة النحوية وحدها يحولون «الأسلوبية؛ إلى 
أسلوبية جافةء لأنها حينثذ لا تتعامل إلا مع عنصر واحد 
لايقوم بنفسه ولا يؤدى وحده غاية ذات فائدة تامة. والتعامل 
مع عنصر واحد من عناصر البناء اللغوى للقصيدة لا يحقق 
إيضاحاً ولا إضاءة للنص المدروس . 


إن كل ظاهرة فى النص المدروس مرهونة بسياقها 
النصى الواردة فيه؛ وينبغى ألا تفسر إلا فى إطاره» وهكذا 
نکب کل ظاهرة ‏ حيوية متجددة بتجدد النصرص. 

إن أصحاب الأسلوبية الإحصائية المشار إليها آنفا 
يجردون بصنيعهم هذا الكلمة من سياقها ومن دلالتها 
الخاصة التى اكتسبتها فى هذا السياق؛ عندما يتعاملون معها 
معزولة عن هذا السياق النصى الخاص. وإذا تكررت كلمة ما 
فى نص ماء أو إذا تكرر تركيب ما فى نص ما فإنه فى كل 
مرة يكتسب دلالة إضافية جديدة من سياقه النصى. ومن 
البدهىّ ‏ كما يقول تشيتشرين فى كتابه (الأفكار 
والأسلوب) - أن يفضى تغيير الشكل النحوى مع المحافظة 
على المفردات والمضمون العام للنص إلى انتهاك روابط 
الأسلوب: والمعانى الدقيقة التى لا تكاد ترى؛ ولكنها ذات 
أهمية جوهرية «لذلك يمتلك عدد المرات التى يستخدم فيها 


۱1۳ 


الكاتب هذا الشكل النحوى أو ذاك أهمية تروت ودرجة 
نسبية بالغة؛ . ولا يتوقف الأمر أبد) على استخدام حالة نحوية 
نعينة ا و عدم استخدامهاء بل يتوقف على 2 الأسلوبية 
ك . والحس الأدبى الذى يتمتع به 

لفنان الحقيقى يضطره إلى التنويع وتجنب التكرار مهما كان 
وه حى و كل كلل بل الفاعل» 

سم المفعول أو الصيغ النحوية التابعة لها . ويشرر تشيتشرين 
أن ا عدد الأفعال فى النص 
المهم دلالتها الخاصة» ويقول: 


لنص الأدبى بذى أهمية, وإنما 


زیخ عتا کبیا من د الأنعال 
مفترضا أنها نقوى ناير مدن د القصسصى؛ 
فالأفعال تمتلك ميمات أسلوبية متباينة إضافة 
إلى أن الأسماء لا الأفعال؛ تكشف الحركات 
الانفجارية. ولنقابل بين هاتين الحالتين: 

وثبة إلى النافذة. ها هو على الأرض» عبر 
السياج. فى الغابة. 

- نام. حلم أحلاما مزعجة. استيقظ. تمطى. 

لا حترى الحالة الأولى على أى فعل» ولكن 
الأسماء تخلق فاعلية عالية. أما الحالة الثانية 
المتضمنة أفعالا متراصة فخالية من الفاعلية؛ . 


ویر ى أن الأشكال النحوية لا يكون لها أهمية أسلربية 
إلا حين ترتبط بالسياق الذى يضعها فيه الكائب» ويس 
إنفاق الأشكال النحوية دليلا على اتفاق دلالتهاء بل إنها قد 
تشير إلى ظراهر أسلوبية مختلفة للغاية؛ متناقضة أحياناًء 
ولكنها تعتبر جوهرية بالدسبة إلى تلك الظواهر» وربما تدسم 
الوضوح المؤثر أو بانعزال كل حلقة فيها وبروزها دولا يلغى 

حتواء البناء النحوى لمتناظر على هذا المعنى الاستاتيكى أو 
نقيضه العلاقة بين المضمون والشكل» وإنما يكشف أنماطا 
متنوعة من هذه الروابط) . . وإذن لا المفردات وحدهاء ولا 
«الأشكال النحوية؛ وحدهاء كافية فى إبراز المات الأسلوبية 
الدقيقة للنص الأدبى؛ لأن إحصاء المفردات منعزلة» أو 
الأشكال النحوية منعزلة عن السياق سوف يؤدى بالضرورة إلى 
كرات م لا ا إا ف و الق رحد “سرف 


1٤ 


يحاول بطبيعة الحال أن يفرض هذه التفسيرات التعسفية على 
العمل الأدبى وبلبسه إياها قسرً. وإنما الذى عليه المعول فى 
إبراز : السمات الأسلوبية الدقيقة للنص الأدبى هو ذلك 
لتفاعل القائم بين اللفردات والنظام النحوى الذى يحتويها 
فى إطار السياق النصى نفسه. 


ا" 


e‏ أن الالكاهة الأسلوبى تتوجه إليه أنواع م 


الاعتراض - كالتى رأينا طرقًا منها - أجد فيه بعض الاس 

المفيدة الح يمكن الافادة ينا وأهم هذه الأسس أنه ينظر 
لى النص بوصفه كيانا مستقلا ؛ ويبتعد عما كان شائعا ع 

ا ا دبية م: تتبع مصادر الأفكار» وقضايا التأثير ۹ والتأثر» 
2 س الب ا ر 

والاهتمام بالدلالات السياسية والاجتماعية»؛ ولا يهتم إلا 

بالعمل الأدبى نفسه؛ بوصنه بنية مستقلة تحمل نى 

تضاعيفها مقائي- ح حل رمو زها جميعاء من خلال تكوينها 


زر 


1 


إنبخاص على اعبار أن الأدب ف لغرى قبل 5 كل شئ. 
1 


هناك عدد من المرتكزات الأساسية التى ينطلق منها 
هذا 00 . بعض هذه المرتكزات ضارب بعمق فى 
لعراث العربى القديم» برغم عدم اتصال بعض الأفكارء 
وانتطاعها فى مراحل من تاريخ جريانها. وبعضها حديث؛ 
رلكن حداثته وحدها ليست مسوغا من مسوغات الاحتفاء 
بهء بز إد هذه الحداثة ذات سمات تتشابه مع ع النسيج 0 
وهناك أفكار وافدة كثيرة؛ ولكننا لاتتجاوب معها فى 
من الأحيان» وتظل هذه الأفكار مل العضو الغريب 3 
فى الجسم الإنسانى يلفظه الجسم مع حاجته إليه لأن نسيجه 
لا يتلاءم مع الجسم المزروخ فيه. 
وشرط الاستفادة من الأفكار الوافدة ‏ فى رأبى - هو 
وضوح الشخصية الثقافية وتميزها واستقلالهاء فهذا ينبح 
معرفة مايمكن قبوله ومالا يمكن قبوله. والفقافات ذات 
لشخصية المستقلة يتجاوب بعضها مع بعض ؛ وتفيد كل منها 
من الأخرى دون حساسية أو عمّدة الإاحسام ن بالنقتص أ 


يت ا ص جه مقع في ليل إلى 


التعالى؛ وعندما تستفيد شيئأ تهضمه وتسيغه ويدخل فی 
نسيجها وتصبغه بصبغتها هى ويصبح من خصائصها. 

كياناً جديدا متميزا له خصائصه النابعة من هذا الانصهار أو 
المزج؛ فهو انصهار ومزج وليس خلطاء والفرق بين المزج 
والخلط كبير. 

۲_۳ 


المرتكز الأول من هذه المرتكزات التى يعتمد عليها هذا 
المنهج هو «النحو؛؛ وعندما أقول النحو أعنى «النحر 
التفسيرى»؛ لا (النحو التعليمى) ؛ وأعنى النحر أيضا بوصفه 
البنية العميقة التى تعطى الجملة معناهاء والنحو كما قدمه 
علماإنا الأائل علم نصئ لأنه يتعامل مع التراكيب» ولا 
يمكن فهم تركيب ما إلا من خلال بنيته النحوية فبالنحو 
١تتكشف‏ حجب المعانى) وبه تنم ١جلوة‏ المفهوم) كما يقول 
ابن مالك؛ والنحو هو الركيزة : الأ 00 
جاكبسون» ولابد لدارس الأسلوب أن يعتمد عليه لأنه ولا 
يمكنه التقدم فى حقله مالم يلم بالنحو بكل فروعه؛ 
بالصوتيات وعلم الأصوات الدالة» بالصرف» والت ركيب وعلم 
المعاجم» وعلم المعانى؛» كما يقول رينيه ويلك فى (مفاهيم 


نقدية) , 


ولا يمكن فهم تركيب ما إلا من خلال بنيته النحوية» 
والمفردات التى تشغل هذه البنية؛ والتفاعل القائم بين المفرد 
ووظيفته النحوية من خلال سياقه النصى. وهذا تركيز قد 
بحتاج إلى شرح طويل خلاصته أن التحليل النحوئ هر فى 
الونت 'نفسبه مخليل دلالى + وسن الإشارة هنا إلى أن ابن 
هشام حذر من أن يراعى المعرب مايقتضيه ظاهر الصناعة ولا 
براعى المعنى» وقال د كثيرا ما تزل الأقدام بسبب ذلك؛ وأول 
زات عل المرب أن بق 
ومعنى أن يفهم ما يعربه مفردا أو مركبا أن يفهم دلالة المفرد 
أولا وأن يفهم دوره فى التركيب؛ أى علاقته بما يكون معه 
تركيبا. وقد ذكر ابن هشام اثنين وعشرين مثالا يشرح بها 
وجهة نظره وكلها تؤكد اندماج النحو والدلالة؛ وليس 
أحدهما بمعزل عن الآخرء بل هما وجها عملة واحدة. وفى 


م مفردا 1" و مرکبا)» 


تطبيقات النحوبين على القرآن الكريم وعلى الشعر إشارات 
كثيرة ذات دلالة فى هذا الصدد. 


م 


لمرتكز الشانى ما نمخض عن الحديث حول إعجاز 
القرآن الكريم» إذ مال كشير من العلماء إلى أن الإعجاز 
يكمن فى نظمه وتركيبه؛ ومن ثم تفتّقت العقول عن 
دراسات عميقة فى هذا ا لمجال مازال أهمها ما قدمه عبد 
القاهر الجرجانى فى «دلائل الإعجاز» مستنداً إلى النحو 
حيث اكتملت لديه نظرية «النظم» المعروفة التى حولها 
التابعون إلى ما سموه «علم المعانى»؛ وقد أفاض عبد القاهر 
فی شرحها والتدليل عليهاء ومجدر الإشارة إلى لفتته البارعة 
إلى أن هذه المعانى التى يقصد إليها ليست معانى من الممكن 
حصرها وتحديدها بحيث يمكن أن تتحول إلى :قواعد) 
صارمة؛ بل هى معان كثيرة متجددة مع مجدد الإبداع ع الأدبى 
النقسية : 
دوإذ عرفت أن مدار النظم على معانى النحو 
وعلى الوجوه والفروق ق التى من شأنها أن نكون 
فيه؛ فاعلم أن الفروق والوجوه كثيرة ليس لها 
غاية تقف عندهاء ونهاية لا يجد لها ازدياداً 
بعدهاء ثم أعلم أن ليست المزية بواجبة لها فى 
أنفسها ومن حيث هى على الإطلاق؛ ولكن 
تعرض بسبب المعانى والأغراض التى يوضع لها 
الكلام» ثم بحسب بعضها من بعض واستعمال 
بعضها مع بعض» (دلائل الإعجاز ۸۷ خفيق 
محمود شاكر) . 


وهذه قفزة من قفزات الفكر الرائعة» غير أن عبد القاهر 
لا كان مرتبطا بالحديث عن الإعجازء ولا كانت الجملة 
الواحدة فى القران الكريم ما : بنظمها وتركيبها فإن تدليله 
على نظريته اقتصر على الأبيات المفردة والجملة المستقلة 
المعزولة عن سياقها النصى؛ » وإن كان فى أحيان قليلة قد 
يتجاوز البيت الواحد إلى عدد قليل من الأبيات» ولكنه لم 
يتناول نصًا مكتملا. الذى أريده هنا تأفنيش منهج لتحليل 
القصيدة كلهاء ومع هذا أجد أن صنيع عبد القاهر يفيد فى 


1 


خا نات 
کک 


دراسة القصيدة على المستوى الأفقى لا الرأسى» وشبكة 
العلاقات فى القصيدة ة بينها ماهو أفقى وماهو رأسى» ولذ لذلك 
ا قدمه عبد القاهر الجرجانى من 

حيث العلاقات الأفقية فقية فى القصيدة. غير أنا نتجاوز ذلك فلن 

علاقات الجمل بعضها ببعض» من حيث الثرابط النصى 
وبيان هذا التفاعل فى سياق واحد. 


7 


وإذا كانت محاولة عبد القاهر الجرجانى تمثل مرتكزا 
تراثيا أصيلا مع بعض الآراء النحوية الناضجة» وإذا كان هذان 
فان هناك مرتکزاً آحر معاصرا يتمثل فى جانبين: 


ay 


الجانب الأولى تمل فى الدعوة احدثة فى النقد 
الأدبى التى خاول جاهدة ترجيه النقد فى الأدب العربى إلى 
ا کی ا ذلك نما 
قدمه أصحاب «النقد الجديد؛ ٨١(‏ )ا۲٣‏ سNe)‏ الذى 
Ee‏ النقد الإتجليزى والأمريكى فى السنو 
لتى تلت الحرب العالمية الثانية. وقد وصف هؤلاء النقاد 
8 بأنهم اخ ری لا اعا تظرياكة أن 
القاعدة الأساسية للنقد عند هى النصْ لا بيوجرافيا الكاتب 
أو تاريخ عصره؛ ومن هنا أصبح النقد الأدبى الجديد أكثر 
ازتباطاً وتمسكا بعلم اللغة؛ لأن أصحاب هذه الدعرة يرون أن 
العمأ ل الأدبى فن لغوى فى المقام الأو ول» ولذلك ينبغى 
الدخول إلى النص الأدبى بغية ليله من بابه الاثم وهو 
«اللغة» بكل مستوياتها وأبعادها التى يستخدمها العما الأدبى 
فى شكله الفنى. . والقصيدة ة عند هؤلاء قبل كل شئ نركيب 
أو بناء لغوى . ومهمة الناقد حيالها ليست إطلاق الأحكام 
العامة القائمة على الاستحسان أو الاستهجان الذاتيين غير 
امبرهن عليهما من خلال بناء النص فته او رصد اتجاهات 
7 أدبية كالائجاهات السياسية أو الاجتماعية أو النفسية, أو 
غيرهاء ونسبة القصيدة أو قائلها إليهاء والاكتفاء يبعض 
الإشارات التى تساعد على هذه الغاية غير الأدبية . بل مهمة 


١ك‎ 


الناقد الحقيقية هى إضاءة العمل وتنويره واستكشاف جوانبه 
الفنية وعلاقاته فى ضوء ما يسمى «القراءة الفاحصة» 1056© 
2018 التى تعنى إغلاق التحليل أو القراءة على النص 
Ea‏ 

يعتمد على النص نفسه؛ وينطلق من إحصاء بعش السمات 


0 بعينه ؛ 
أكانت هذه السمات تعلق بالمفردات أم 


الخاصة فى النص الك 
ار 2ا 

بالنظام التحوى ببعض الصيغ. وهذا فی حد ذاته - 
. ولكن يعيب 
هذا الانجاه فضلا عن الاعتراضات الع وجهت إليه - 


8 
5 »® ا يدي للك 35 ١‏ 
متبول من حيث إنه يندا من النص وينتهى إليه 


. 
اج . 
يعن ٣رر‏ 


منها إهماله جانبا مهما جدا من جوانب النص هر 
«السياق» مع أن إل م بأ بل عل رد می اک ر 
الت ركيب» يقول جون ليونز (أعطئٍ ى السياق الذى وضعت فيه 
الكلمة وسوف أخبرك بمعناهاة ويضيف «من المستحيل أن 
تعطى معنى كلمة بدون وضعها فى سياق» وتكون المعاجم 
مفيذة بقذر ما تذكره من عدد سياقات الكلمات وتنرعها) 
ويرى أتباع النظرية السيائية أن الكلمة لا معنى لها خارج 
السياق الذى تظهر فيهء وأن الكلمات التى لا تظهر إلا مرة 
واحدة فى مجموع الم لونائق المنوافرة عن حالة لغوية هى فى 
غالب الأحيان مستحيلة الفهم وقد قدم بعضهم التعبير 
المتطرف عن هذه ا 
وإنما لها ا 
معنى كلمة مالا يمكن | تحديده إلا بنفضل معدل 
الاستعمالات اللغوية من ناحية والأفراد والفغات فى مجتمع 


ستعمالات نحسب» ولذلك يقول أنطوان ماييه «إن 


واحد من ناحية أخرى؟ . 
ومنها إغراق بعض الأسلوبيين فى مصطلحات غامضة 
غير واضحة؛ مع أن المصطلح من شأنه الرضوحء والتحليل 
النصى وسيلة إلى نوضيح العمل لا إلى إغماضه وإيهامه. 
ومنها استعمالهم رسوما وأشكالا معقدة لا تضوع 
العمل» بقدر ما تعقد السبيل إلى نهمه؛ أو تعين على ذلك. 





* هم 


المهمة التى قدمها علم اللغة الاي فقد کان لتقدم 
البحث اللغوى على يد دى سوسير أثر كبير فى تطوير مناهج 
2 وية ونقدية تعنی ببئنية النص ذاته وبمعايير بنائه, وكان 
لتفريق دى سوسير بين اللغة عناع120 والكلام Parole‏ ر 
فى ليل النصوص الأدبية من الداحل ٣1۴۲٣۵‏ وفى تركيز 
البحث فى بنية العمل ذاته» والتخفف من الانشغال بالعوامل 
الخارجية ؛ غير الفاعلة فی النص» عند تفسيره ومحليله. 


وإذا كان دى سوسير قد تناول هذه الثنائية: اللغة/ 
الكلام (عادمةط /عناومة1) فإنها اتخذت صوراً مختلفة فيما 
بعدء فنجد ثنائية الرمزا/ الرسالة 1455386 /6ع00© عند 
جاكربسون؛ ومجمد ثنائية اللغة/ الخطاب 25نامء215 /عناومةا 
عند جيسوم؛ وثنائية النظام/ ا Syste Text‏ عند 
يلمسلان› وأخخيرا | ثنائية السليaة/ Competence/ Per- çl!‏ 
6 عند تشومسكى . 


وقد كانت جهود دى سوسير فى علم اللغة الحديث 
فى الأ الشرعي للأسلوبية الحديفة! دحاول كتير من 
النقاد ويل عملهم إلى «علم) يشترب من الضبط ب من 
الانطباعية والأحكام الذانية النى كانت سائدة؛ وقد كان من 
نتائج ذلك النظر إلى الأسلوب على أنه العلاقة بين الفرد 
اللغرية فى كوبنهاجن» وحلقة براغ اللغوية أثر واضح كذلك 
ی توجيه النظر النقدى إلى علم اللغة والإفادة منه وتطوير 
النظر للنص. 

هذه هى أهم المرنكزات الأساسية التى ينبنى عليها هذا 
المنهج فى التحليل النصى للقصيدة سواء أكانت المٌصيدة 
قديمة أم حديفة . 
١-4‏ 
نماية راحذة) هى كشف النص وتفسيره) ويجلية رموزه 


نيج في التحليل النعتئ 


وإيضاح علاقاته؛ ولكن اختلافها يأتى من اتلاف وجهات 
الباحثين وغايتهم ومن اخحتلاف زوايا النظر للنص المدروس. 
رما لاشك فيه أن دور اللغة فى الأدب عامة يختلف عن 
دورها فى غير الأدب» ويتخصص هذا الدور فى الشعر فتكون 
اللغة هى السبيل الوحيد لبناء القصيدة» وعندما أقول «بناء 
القصيدة» أعلى به كل ما يكونها بوصفها قصيدة. والقصيدة 
ليست موجهة إلى معاصريها فحسبء بل هى موجهة إلى 
أبناء لغتها كلهم؛ ومن هنا تأتى أهمية النظر إليها بوصفها 
بناء لغوياء وتأتى أيضا شرعية النظر فى شعر السابقين؛ وأحقية 
كل جيل بالبحث فى شعرهم وقراءته وفهمه» ولذلك لابد 
أن يكون البحث فى خصوصية هذه اللغة ومميزاتها الخاصة. 

وهناك عدد من المعالم الخاصة بهذه الطريقة أو بهذا 
المنهج أهمها ما يأنى: : 

5-4 


لابد من النظر إلى القصيدة على أنها نص واحد وبنية 
متكاملة لاا يغنى جزء منه عن جزء آخر. والنص الواحد 
يتفاعل بعضه مع بعض بطبيعة كونه نصا واحداً. وقد تبدو 
القصيدة فى بنيتها الظاهرة جامعة لعدد من الصور ليس بينها 
- كما قد يظهر- رباط جامع؛ إلا أنها جميعا فى قصيدة 
واحدة ذات وزن واحد وروى واحد. إننا نظلم الشعر ظلما بينا 
إذا نظرنا إلى القصيدة على أنها كذلكء بل لابد أن تكون 
للقصيدة ١بنية‏ عميقة؛ مجمع هذه الصور فى إطار واحد على 
تباعد ما بينها ظاهرياء غير أن هذا الإطار يتسع لضم هذه 
الصور بحيث تكون كل صورة منها معادلا لبعد معين من 
أبعاد القصيدة» وبين هذه الأبعاد خيوط ناسجة؛ وعلاقات 
رابطة » فإذا رأينا القصيدة القديمة مغلا تبدأ بالغزل والذكرى؛ 
ثم تنتقل إلى وصف الأطلال وهى دار المحبوبة وقد درست» 
ثم تصف الحيوانات فيهاء وتنتقل بعد ذلك إلى وصف الناقة 
أو الشور الوحشى أو الظليم أو النعامة أو غير ذلك هما يرد فى 
القصيدة القديمة؛ فعلينا أن نبحث عن العلاقات التى تضم 
هذه العناصر فى قصيدة واحدة وعن وظيفة كل صورة من 
صورها مع الأخريات» ولا يصح أن نبتر هذا العضو من 
جسمه لنتناوله منفصلا؛ فإن «اليده إذا بترت من جسم 





محمد حماسة ا سي ص 0 


صاحبها لھا تفل سی ای و ر يل 
با شاه مد قبل لامع - إؤن - تمزيق ا 0 


aR 


النص الواحد حكمه علاقات لغوية ودلالية تعمل على 
تماسكه وترابط أجزائه وعلى من يتصدى لتفسير النص أن 
يستعين بهذه العلاقات بنوعيهاء وقد تكون العلاقات أو 
الروابط اللغوية واضحة تتمثل فى بعض الأدوات كالعطف 
والسببية وبيان الغاية أو الاستدراك أو التعليل أو التأكيدء أما 
الملاقات الدلالية فإنها متنوعة ومتجددة مع النصوص بحيث 
يكاد كل نص يبتكر وسائل تماسكه الدلالية, وهذه العلاقات 
الدلالية هى التى تكون العلاقات الرأسية فى القصيدة» ومن 
هنا تساعد على ربط الإشارات فى النص ببعضهاء وتعين 
على تطر ها ولوب تخولها حتى تكون فى الناية خيطا قوب 
يربط النص رباطا خخفيا يحتاج إلى تلطف لكشفه. 


وقد اسهم المفسروك للقرآن الكريم بنصيب وافر فى 
كشف التماسك الدلالى للنص 
الايات وا 
وتماسكه من خلال عدد من المعطيات التى تتشعث فى 
معالجتهم وأهمها الفصل , والوصل»ء وكل ما قدموه فيه يعتمد 
على مبادئ نحوية ة أو معجمية أو دلالية» وما حديشهم عن 
المطابقة ورد العجز على الصدر والتكرار إلا حديث عن مظاهر 
مختلفة من مظاهر التماسك النصى. 


للنص وبخاصة ماسموه المناسبة بين 
لسور. كما أسهم البلاغيون فى بيان ترابط النص 


لكن هناك قلة من النقاد العرب القدماء أشاروا إلى 
وحدة النص ووجوب تماسكه؛ بعضهم أشار إشارات مجملة 
مثل الجاحظ وابن . طباطبا والحاتمى» أما حازم القرطاجنى 
فقد فصل القول تفصيلا عبقريا فى كتابه (منهاج البلغاء 
وسراج الأدباء) . 


وهناك جهود غربية ة متنوعة فى دراسة التماسك النصى 
أت على النظر إلى النص على أنه وحده هو الذى يحمل 
وسائل اتساقه دون مشاركة من القارئ لان النص كله وحدة 


1148 


دلالية؛ وليست الجمل إلا وسيلة يتحقق بها النص» وأهم 

هذه الدراسات ما قام به هاليداى ون ی 
Cohesion ¡n English‏ «الاتساق فی اللغة الإنجليزية؛ وما 
قدمه تون فان ديك ك فى كتابين له أولهما هو: Some As-‏ 
pects of Text Grammar 19772‏ بعض وجرد نحو النص 
٣x and Context 1977 a‏ «النص والسياق» كما 

تنارل کل من براون ویول AF iw G. Brown & Yule‏ 
ليل الخطاب» 515ئا[03لم Discourse‏ . وقد اهتم إخواننا 
المغاربة بهذا النوع من الدراسة وأسسوا عليه دراسات نصية 
خاصة؛ وأكتفى هنا بالإشارة إلى كتابين ؛ أولهما هو (دينامية 
النص : تنظير وإننجاز) محمد مفتاح سنة ١54817‏ والآخر هر 
(لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب) محمد 
خطابى سنة 1451م, ثم بدا المشارتة فى الاهتمام بهذا 
الجانب.» ومن ذلك كتاب صلاح فضل (بلاغة الخطاب 


وعلم النص 214437). 
2 


يعرتب على الاهتمام بالنص لنص؛ بوصفه وحدة دلالية 
واحدة الاعتماد على التصيدة وحدها فى استخراج كل 
المعطيات التى تعير ن على تفسير النص دون النظر إلى 
مساعدات من ن خارجه حتى لو كانت تفسيرات الشاعر نفسه» 
فالشاعر بعد أن ينشئ قصيدته يصبح مثله أمامها مثل أى 
متلق أخرء ولا يكون الشاعر بالضرورة أقدر على تفسيرها من 
غيره فهو قد قال ما قاله بالطريفة لت باشيدهاء وأما اتير 
نهو مهمة نوع أخر من المتلقين. وهذا بدوره سوف يؤدى 
إلى فهم النصى لنصرص نفسها لا فهم ما ما نريده منها أر نقسرها 
عليه أ نليسها ما نفهمه نحن لا ما تقدمه هى. وکل نص 
يخلق سياقه الخاص به الذى يوضح المقصود منه. 


ومن المعروف أن السياق نوعاك: : سياق لغرى» وسياق 


حالى. یا السياق الا للغوى الذى توجده مکونات الترا اكيب 
ومعطيات التعبير لتعبير فهر موجود فى النص بوصفه نصا واحداً 
متماسكا. 


ع 


,أما السياق الحالى» وهو الظروف الملابسة للنص 


و 


الحيطة بهء فإنه على أحد أمرين إما أن سياق القصيدة اللغوى 





بتضمنه ويشير إليه؛ وحينكذ يصبح اقا نويا لان شارات 
أن سياق الققصيدة اللغوى لا يتضمنه ولا يشير إليه؛ فيكون 
معنى هذا أن «بناء القصيدة؛ لا يحتاج إليه؛ ويكتفى بنفسه 


دونه. 
o-4‏ 


تأسيسا على ماسبق ينبغى أن تدرس كل قصيدة على 
حدة» ونفسر وحدها فى ضوء معطياتهاء وكل دراسة بعد 
ذلك ينبغى أن تكون مبنية على دراسة كل قصيدة على 
حدة» وما يقال عن خصائص شاعر معين سواء أكانت هذه 
الخصائص أسلوبية أم غير أسلوبية يصبح عديم الجدرى 
والفائدة الحقيقية إذا كان غير مؤسس على دراسة كل 


قصيدة وحدها. 


عندما تخلل القصيدة وحدها يمكن فى هذه الحالة 
العشورفيها على ما يمكن أن يسمى «المرتكز الضوئى) وهو 
بكشف العلاقات ويوجهها فى القصيدة» وهذا المرتكز 
الضوئى ليس شيئا غيبياء أو فكرة مفروضة على القصيدة من 
خارجهاء ولكنه تركيب لغوى وارد فى القصيدة تتمحور فيه 
ذروة القصيدة التى يكون ما قبلها مفضيا إليهاء وما بعدها 
اما عنها أو تفريعاً عليها. 


8 4 
٠. 


١ - 


إذا أحذت القصيدة على أنها نص واحد يعد رسالة 
كاملة ذات علاقات متماسكة وينبغى أن تدرس على حدة 
اقتضى ذلك الاهتمام بكل عنصر من عناصر تكوين هذا 
النص بوصفه جزءا أساسيا من أجزاء بنية واحدةء ولابد أن 
کون له دور فى تكوين هذه البنية على الهيئة الوارد عليبها 
تماما كخلق الكائن الحى. وإذا كان كل عنصر له دور فى 
حوين بنية القصيدة فإنه يكون له رصيد مقابل له فى دلالتها 


ولا كانت معايير أى عمل فنى ينبغى أن تسعقى 
تستخلص من نماذجه العليا فإنه لا يصح أن تستورد 
لمقصيدة معابير من أعمال أخرى فنية أو غير فنية. والعناصر 


منهج فى التحليل التصى 


المكونة للقصيدة كلها لغوية بما فيها الوزن والقافيةٌ 
والتراكيب بدلالاتها الحقيقية والمجازية وكل هذه العناصر 
تتضافر من أجل إبلاغ الرسالة الشعرية. وقد أعجب لمن يظن 
أن «موضوع القصيدة مثلا يعد مكونا من مكوناتهاء لأن ما 
يسمى «الموضوع؛ أو المضمون إنما توجده العناصر الشعرية؛ 
وليس شيئا منفصلا أو يمكن انفصاله مع احتفاظه بخصائصه 
الشعرية ‏ عن بنية القصيدة بحيث يصبح معياراً يحتكم إليه» 
فليست القصيدة التى تتناول قضية كبرى من قضايا الكون 
والحياة بأفضل من قصيدة تتناول جناح فراشة ملونة؛ لأن 
الشعر لا يبنى بالأفكار بل يبنى بالكلمات» والشاعر يقدم لنا 
طريقة فى التناول ولا يقدم أفكاراء ونحن نعجب بصياغته لا 
بأى شئ آخر والمهم هو وسيلة التعبير لا ما يعبر عنه؛ لأن غير 
الشعراء من المثقفين يعرفون هذه (المضامين»؛ ولكن الشاعر 
هو من يدهشنا ‏ على حد تعبير الشاعرة إملى ديكنسون فى 
مطلع إحدى قصائدها ‏ «كان هذا شاعراً؛ إنه من يستخلص 
معنى مدهشاً من المعانى العادية» وعطراً عظيما من الأشياء 
امألوفة التى تلاشت عند العتبة؛ وندهش إِذْ لم نكن نحن 
الذين أسرناها من قبل» ولا يكون المعنى المدهش المستخلص 
من معان مألوفة إلا من خلال تراكيب شعرية تأخذ من مادة 
اللغة كينونتهاء وهنا يقوم «انجاز؛ بمعناه الأعم بدور كبير فى 
تشكبل البناء الشعرى. وليس معنى هذا أن كل تركيب فى 
الشعر يجب أن يكون مجازاء بل إن بعض التراكيب غير 
الجازية تكون فى الشعر أحيانا أكثر شاعرية وأخصب عطاء» 


وذلك مجاورتها ما تتفاعل معه أخذاً وعطاء. 
7-4 


يترتب على دراسة كل قصيدة دراسة مستقلة عدم 


تعميم نتائج الظواهر فى الشعر؛ فكل ظاهرة ترتبط بسياقها. 


وكل ظاهرة فى القصيدة سواء أكانت مخالفة للنمط أم 
موافقة له تكون دلالتها مؤسسة على سياقها فى القصيدة 
نفسهاء ومن هنا لا يصح أن يعمم الحكم بحيث يقال مثلا 
إن بدء القصيدة بحرف العطف فى الشعر الحديث يفيد كذاء 
ويكون هذا حكما مطرداً فى كل قصيدة» بل إن الظاهرة قد 
تكون واحدة؛ ولكنها تختلف فى دلالتها باختلاف سياقها. 


محمد حماسة ل 


وقد قمت بدراسة بعض الظواهر النحوية فى شعر 
صلاح عبد الصبور» وأحصيت أنماطا من الظراهر الخالفة» 
ووجدت أن كل ظاهرة منها تختلف دلالتها باختلاف 
سياقها. وسوف أشير إلى ظاهرة واحدة فقط من هذه الظراهرء 
وهى إشباع فتحة النون فى الضمير (أنا) فى الوصل. وقد 
وردت فى شعر صلاح عبد الصبور بهذه الصفة ستا وثلاثين 
مرة. 

وبدم) لست أميل إلى القول بأن الشاعر كان يستخدم 
(أنا) بإشباع فتحة النون فى الوصل لأنها شائعة الاستعمال» 
أو لأنه يغفل عن الاستعمال الخاص بالمستوى المعيارى فيهاء 
ا كلا الاستعمالين معيارى لأن نافعا قرأ (أنا أحبى وأميت) 
ومع ذلك وصف النحويون القدماء هذا الاستعمال بأنه 
ضرورة شعرية. . هذا الاستعمال الأثير لدى النحويين ورد أيضا 
فى شعر صلاح عبد الصبورء كما فى قوله فى قصيدة 
«لحن) : 


لا ولست المضحك الممراح فى قصرالأمير 
ساريك العجب المعجب فى شمس النهار 
أنا لا أملك ما يملأ كفى طعاما 
وبخديك من النعمة تفاح وسكر 
ويقول فى قصيدة «أغنية خضراء) : 
أنا مصلوب والحب صليبى 
وحملت عن الناس الأحزان 
ا فی ساق يقتضيه ويطلبه ولا يسد أحد 
الاستعمالين مسد الآخر ولا يغنى غناءه. وإذا رأيناه فی 
السياقين السابقين» وفقا للقصيدة ة فى كل منهما لا يشبع 
فتحة النون فى (أنا) وصلا أو لم يستخدمها بالطريقة التى 
Bb‏ 
TT‏ 


1١ 


وهو فى المقابل لا بملك ما يمل كفيه طعاماًء أم أمام أحزان 
الآخرين التى يحملها عنهم مصلوبا بحبه لهم. 
فی المقابل ۽ جد قصيدة دأجافيكم لأعرفكم» له تبدأ 

بكلمة (أنا) ب هة اجا بت بات الألف 
وصلاً» ويخبر عنها بكلمة «شاعر) : 

أنا شاعر 

ولكن لى بظهر السوق أصحاب أخلاء 

وأسمر بينهم بالليل أسقيهم ويسقونى 

تطول بنا أحاديث الندامى حين يلقونى 
اة الأولى فى القصيدة جملة قصيرة مثبتة جازمة؛ 
وإنشادها ‏ أو قراءتها - يتطلب سكتة خفيفة على كلمة 
(أنا) بما يفهم الاعتداد والثقة والشعور ار ويكشف هذا 
الاسعدراك التالى «ولكن لى بظهر السوق.. إلخ»» فظهر 
السوق عالم بختلط فبه العامة والغوغاء ا والمشترون. 
والذات المتكلمة «أنا شاعر» تنفرد بالتعالى والتفرد بعالمها 
اض غير انها مزل أحيانا من هذا البرج العالى إلى 
مؤلاء العامة تصاحبهم وتنادمهم وتسمر بينهم ثم تعود فی 
جدل صاعد هابط : 


على أنى سأرجع فى ظلام الليل حين يفض سامركم 
وحين يغور نجم الشرق فى بيت السما الازرق 

إلى بيتى 

لأرقد فى سماراتى 

وأحلم بالرجوع إليكم طلقا وممتلئا 

بأنغامى وأبياتى 

أجافيكم لأعرفكم 

فقد بدأت القصيدة بمخالفة لغوية (أنا) أو باستعمال 

غير مألوف» لتؤكد من أول الأمر اختلاف الشاعر عن غيره 
من عامة الناس» فهو منهم؛ ولكنه مختلف عنهم ر ومغاير لهم» 
وهذه المغايرة تقتضى مغايرة فى لغة الشاعر عن غيره؛ ولذلك 
وردت فى هذه القصيدة القصيرة أربع مخالفات لغوية» أولاها 
(أا) العبتة الألف فى الوصل » وثانيتها وثالشتها حذف نوك 
الرفع من الفعل (يسقونى) والفعل (يلقونى) - وإن كنت 
أرجح أن فى الفعل الثانى مخالفة صرفية أيضا إذ ينطق تی بضم 


منهج فى التحليل النصى 


لفقت المغايرة» وامتلاك اللغة, والقدرة على التمرد على کل 
فيد» وتؤكد الاقتراب من هؤلاء العامة باستخدام ف يقترب 
من لغتهم» ونجد فى قصر كلمة (السما) إحساساً بقرب 
السماء من الشاعر وأنها فى متناول يده؛ فالسياق كله يعود 
على كلمة (أنا) بتأكيد التميز والتفرد. 


غيرأن هناك ألواناً أخصرى من السياق يكون فيها 
التركيز على (أنا) من باب إثارة العطف واسترحام النخاطب أو 
الاعتذار له ولكن هذا العطف والاسترحام والاعتذار نفسه 
مغلف بالاعتداد بالذات والشعور بالتميز مثل قوله فى قصيدة 
«رسالة إلى سيدة طيبة) : 

ياسيدتى عذرًا 

فانا أتكلم بالامثال لان الألفاظ العريانة 

هى أقسى من أن تلقيها شفتان 

لكن الأمثال الملتفة فى الاسمال 

كشفت جسد الواقع 


وبدت كالصدق العريان 


نهو يعتذر للسيدة الطيبة عن كلامه معها بالأمثال 
القديمة لأنه أرق من أن يلقى الألفاظ العارية؛ ويختم هذه 
القصيدة نفسها بقوله: 


أشقى مامر بقلبى أن الأيام الجهمة 
جعلته ياسيدتى قلبا جهما 

سلبته موهية الحب 

وأنا لا أعرف كيف أحبك. 
وباضلاعى هذا القلب 


فهذا موقن اعتذارى عن عدم القدرة على حب هذه 
السيدة الطيبة لأن القلب مختلف عن قلوب الآخرين» فهو 
شديد الحساسية للأيام الجهمة التى جملت قلبه قلبا جهما 
وسلبته موهبة الحب. والمتكلم هنا يحتاج إلى قلب كقلوب 
الآخرين حتى يستطيع أن يحبها لأنه لا يعرف كيف يحبها 
وبأضلاعه هذا القلب المختلف عن قلوب الآخرين. إنه على 


5 5 ا 7 
ايه حال ليس كالاخرين نهو(انا) مختلف عنهم حتى ار 

فى هذه التجربة تتبعت استعمال كلمة (أنا) المشبعة 
فتحة النون» ووجدت أن کا مرة تکون فى سياق يكسبها 
معنى مختلفا عن المرة الأخرى. ا 

وهذا تفحسب - نموذج أردت به أن أدلل على أن 
الظاهرة الواحدة مهما كانت صغيرة تعد لبنة فى بناء 
القصيدة لا تكتمل القصيدة إلا بهاء ولا تفسر الظاهرة إلا 
من خلالهاء ولا يصح تعميمها على شعر الشاعر كله؛ فضلا 
عن شعر غيره. 
8- 

حاولت فى الصفحات السابقة أن أبين مفهوم التحليل 
النصى للقصيدة وأوضح المسوغات الداعية إليه فى التناول 
العربى» وأشرخ ا مرتكزات التى يستند إليهاء وقد أجملت 
معالم التحليل النصى للقصيدة نی النقاط التالية: 

(أ) التعامل مع القصيدة على أنها نص واحدء وبنية 
فنية لغوية متكاملة لا يغنى جزء منها عن جزء آخر, لان كل 
جزء يتفاعل مع الآخر أخيذا وعطاء فى تشكيل دلالته. 

( ب ) النص الواحد لخكمه علاقات لغرية ودلالية 
تعمل على تماسكه» وترابط أجزائه. وهذه العلاقات تكون 
lاتtlu „cohesion‏ 

(ج ) الاعتماد على القصيدة وحدها فى استخراج 
المعطيات التى تعين على تفسير النص دون الاستعانة 
بمسناعدات من خارجئة أياا نا كانتت على اعبار ان كل 
نص يحمل فى تضاعيفه مفاتيح حل ما يراد حله فيه. 

( د ) خليل كل قصيدة على حدة» وتفسيرها وحدها 
فى ضوء معطياتها التعبيرية الخاصة بها. 

( اه )الاهتمام بكل عنصر من عناصر مكونات 
القصيدة؛ وبكل ظاهرة نيها مهما بدت صغيرة » سواء أكانت 
هذه المكونات على المستوى الصوتى أم على المستوى الصرفى 


9١ 


محمد حماسة 
ا ا د 


أم المستوى المعجمى أم المستوى التركيبى لنرى كيف تعمل 
هذه المكونات وتلك الظواهر على تكوين النص» وبناء رؤيته 
الخاصة:؛ انطلاقا من أن كل مكوّن لابد أن يكون له رصيد 
من الدلالة حيث تشكل كل دلالة جزئية لبنة من الدلالة 
الكلية للنص . وأرجو ألا أكون مبالغا إذا قلت إن كل قصيدة 
تكاد تكون لها خصائصها التركيبية الخاصة؛ وهى 
«متفيرات» تتجلى على «ثوابت» من النظام النحوى . 

( و)عدم تعميم النتائج التى ينتهى إليها تخليل 
القصيدة المعينة على شعر 
عصره أو جنس الشعر عامة؛ لأن كل ظاهرة ترتبط بسياقهاء 
وإذا اختلف السياق اتختلفت دلالة الظاهرة؛ ومن هنا يكون 
ججدد الفن وعدم تأطيره أو قولبته؛ ويكون جدد التحليل 
النصى نفسه داخخل الإطار العام. 


الشاعر نفسه فضلا عن شعر شعراء 


ب 
E‏ أنناول للتطبيق قصيدة «صلاة؛ للشاعر أمل 

دنةا © فی ديوانه «العهد الآتى» . يقول: 

- أبانا الذى فى المباحث نحن رعاياك. باق 

ارد ا ا و 
تحرس الرهبوت 
۲ - تفردت وحدك باليسر. إن اليمين لفى الخسر 
انا السار فقن المي لذن ماشو 
إلا الذين يعيشون يحشون بالصحف الشتراة 
العيون.. فيعشون. إلا الذين بشون واا 
الذين يوشون ياقات قمصانهم برباط السكوت! 
؟ ‏ تعاليت. ماذا همك ممن يذمك؟ اليوم يومك 
يرقى السجين إلى سدّة العرش.. 
والعرش يصبح سجنا جديدًا. وأنت مكانك. قد 
بتبدل رسمك واسمك لكن جوهرك الفرد 
لا يتحول. الصمت وشمك. وآلصمت وسمك. 
والصمت - حيث التفت - يرين ويسمك. والصمت 
بين خبوط يديك الشبكتين الصمفتين يلف 
الفراشة والعنكبوت. 
؛ - أبانا الذى فى المباحث. كيف تموت 


1 


وأغنية الثورة الأبدية 


ليست نموت ٠‏ 
1-۷ 


ف اة کا ی مک فل ر اجاج 
بيت الافتتاحية» وبيتين طويلين» وبيت الختام. وكل من بينى 
الافتتاح والختام بدئ بالبداية نفسها «أبانا الذى فى 
المماحث؛ ؛ فصارت القصيدة محصورة بين هذا «النداء؛ » وإذا 
كانت البداية «تمجيدا» ؛ فإن النهاية «تهديد»» وهذا التهديد 
فى النهاية يعود بعد قراءة القصيدة إلى القصيدة كلها مرة 
أخرى فيحول هذا التمجيدء الذى اتخذ صورة التمجيد 
الدينى وسيلة» إلى سخرية لاذعة» وتهكم مرو 


وقد توحدت قوافی | الأبيات الأربعة (الرهبوت - 
السكوت - العنكبوت - تموت) وهى قافية مقيدة بعاء ساكنة 
ميسبوقة بحركة الردف الطويلة (واو المد) وقد تدرجت 
كلمات القافية دلالياء فالرهبة تؤدى إلى السكوت وانعدام 
الحركة» فينسج العدكبوت خيوطه التى تعد شبكة لاصطياد 
الفريسة فتفضى إلى الموت. وهذا المعنى مستفاد من الوقف 
على كل كلمة من هذه الكلمات فى نهاية كل بيت» وإلا 
اسي جر هذه الكلمات للوقف عليها مع أن هناك 
كلمات أخرى تتفق معها (الجبروت - الملكوت) ؟ وما معنى 
احتيار جملة (وباق لمن خرس الرهبوت) فى أحر البيت 
الاول؟ 

إن القافية تمثل جانبا صوتيا فى القصيدة» وهى أبرز 
عنصر صوتى فيها. وفى «شعر البيت» يكون دورها ظاهرا غير 
خاف. أما فى (الشعر الحر) أو «شعر التفعيلة؛ فإن دور القافية 
قد تغيرء فإذا الخدت القافية - مع أن شعر التفعيلة قد خرر 
من ذلك _ كان لاخادها دلالة حاصة. وقد الخدت القافية 
فى هذه القصيدة برغم تباعد ما بينهاء وبرغم استطالة الببتي 
الثالث والرابع» ومع تباعد ما بينها كانت القافية تأنى e‏ 
دورة واسعة فى البيتين الثالث والرابع » فأشعر اتاد القافية أننا 

فى الدائرة نفسهاء وأنها دائرة مغلقة لافكاك منها إلا بمرت 
من توجهت له القصيدة ة بالنداء» وقد أكدت القصيدة أن 
الموت له وحده» لأن «أغنية الثورة الأبدية ليست تموت). 











وقد ألحت القصيدة على هذه القافية؛ وهيأت ذهن 
قارئها فى البيت الأو ل لتلقيها وتشبلهاء بل توقع نظيرتها 
«الجبروت الملكرت؛ ولتجعله أيضا يشعر أن إيقاع هذه 
الكلمات بهذه الصيغة هو اللحن الأساسى؛ وهى كلمات 
ساف الرتت نفسه ‏ تناسب «الصلاةة لهذا «الإله» الجديد» 
وقد جاءت جميعا على وزن «الكهنوت؛ . 


۲-۲۷ 


وعلى المستوى الصوتى؛ أيضاء تنوعت «العقفية 
الداحلية» ١‏ فى البيتي ن الثالث والرابع» على حين تساوقت فى 


بيت الافتتاحية؛ والخدت فی تت الام اوت المت 
يها را ( ر 2 


f lul 0 |‏ ماه |1 u or‏ 
نموت» لتؤكد أن صوت التاء الساكنة المسبوقة براو المد هو 


ايفان الاساسى . 
وقد اشتمل الت ت الغانى فى داخله على تقفيتين 
داخليتين ؛ أولاهما السين الساكنة مع الراء المكسورة (اليسم 
3 0 - ااه 1 1 
- الخسر- العسر) رهى بذک بسو رنى الشرح واتعصر معأ 

| زا ىم 4 1 خا و ا 

على هرا انسثوق وان مع العسر يسراار ( إل الإنسان نغی 
حسر:. وهذا ما يناسب جو الصلاة؛ ايضا. والااحرى هى 
الشين مضمومة بضمة طريلة فالنرن مفتوحة «شوذا وقد 
تكررت ست مرات «يماشون ‏ يعيشون ‏ يحشون ‏ فيعشوك 
- يشوك - يرشوك» فأوحت بجر ال وشاية الخائفة) والوشوشة 
المأعورة ا لتى انتهت برباط السكوت» وساعدت صيغة 
المضارع انك إلى واو الجساعة فى هذه الافعال الستة على 


1 


وأما البيت الثالث فقد اشتمل فى داخله كذلك على 
تهفيتين داخليتين: أولاهما الميم الل لمضمومة مع كاف الخطاب 
«يبهمك- يذمك ‏ يومك» ر ا 
مرات أيضا مثل التقفية الداخلية الأرلى كن البيك الثانى» 
فصنعت معها موازاة صوتية؛ والأخرى هى امهم ا 
كاف الخطاب أيضاء عبر أنينا سيقت بسي شاكنة أو'شين 
ا له - يسمكة. 
والسيم بن بهسيسها الواضح يكافئها تضعيف الميم فى التقفية 
الداحلية السابقة. وقد أوحت السين هنا بالصلاة السرية لا 


پيڪ منها سوق صفير السين» وساعدت على رصم جر 


أصحاب هذا الضمير النا» هم الذين ينشدون أغنية الشورة 


منهج فى التحليل النصى 


لخشوع والخضوع فى هذا الصمت السميك الرائن الذى 
بقضى على الفراشة والعدكبوت والفريسة والمفترس معأ فى 
النهاية. 
۳_۷ 


على انتوق :الت ر كى خد أن «(ضمير الخاطب) 
يستولى على القصيدة من أرلها إلى آخرهاء فقد نودى فى 
أولها «أبانا. .؛ وحذف حرف النداء دلالة على قرب المنادى 
مع تعاليه وتألهه؛ فالقارئ أو المتلقى لهذه القصيدة لا يستطيع 
أن يطرد من ذهنه الجملة الأصلية التى حاورتها هذه 
الافتتاحية وهى «أبانا الذى فى السموات» الت ى نسختها هذه 
الجملة بالمياحث»؛ فرضعت المباحث مكان «السمورا ت» فكأن 
الباحث هى سموات هذا الأب الله المنادى» وأصنييحت 
.» تأليها لهذا المعالى امحتمى بالمباحث الذى 
يعلم خبايا كل منا ويحيط به ویشرف عليه من مباحثه - 


«أبانا الذى فى.. 


وعلى حين يتردد # کي ضمير الخأطب» سبع عشرة مرة؛ 
وينادئ مرتين يأنى فى الما ابل ضمير جمه المتكلمي: ن اربع 
مرات منها مرتات ea:‏ لجميع فى 
ملکیته ولخت سيطرته؛ ون يؤكد هذا «نحن رعاياك؛ ؛ ويعلن 
کن هذا الخضوع التهكمى من أول القصيدة فى جملة 
النداء الارلى وفى الجملة التالية ية لهاء ولكن المرة الم رابعة التی 

يأنى فيها ضمير جمع المتكلمين مع أنها ترد محوطة 
بالجبروت والرهبوت متوسطة بينهما وهى «وباق لنا الملكوت» 
تانی و کد اللحقة الأولى أيضا فاعلية هذا الجانب 
المستضعف وبماء الملكية له برغم القهر والرهبة المسيطرة» لأن 


الأبدية اس ليست تمترت» على حين تتوجه القصيدة فی 


“خخرها إلى هذا القاهر المتجبر المستعلى بهذا السؤال ه كيب 


موت 

فالضمائر المستخدمة فى القصيدة تمثل قرتين إحداهما 
متسلطة مستعلية قاهرة مستولية يبحث عن كيفية مرتهاء 
والأخرى خفية كامنة لا يظهر منها غير الخضوع الظاهرى 
والعبادة المعلنة التى تخفى ثورة «أبدية» ليست تموت مهما 


ی ا ج و ج ج ج ص صي ر 


بطشت بها القوة الأولى وتجبرت» وهذه القوة الكامنة قد تعلن 
أحيانًا ذمًا لهذا «المعبود» القوى «ماذا يهمك ممن يذمك). 
وبرغم ظهور القوة الأولى فهى ضعيفة أوهى من خيوط 
العنكبوت الذى يمثلهاء وسوف تقضى هذه القرة على 
نفسهاء وإلا فإن القوة الخفية الكامنة ليست تموتء وباق لها 
الملكوت. 


وفى القفصيدة شخوص أخرى» ولكنها تؤول إلى 
القوتين السابقتين» فهناك 7 تحرس) وهو نفسه (السجين 
الذى يرئى إلى دة العرش» والعرش يصبح سجنا جدیدا» 
وهو نفسه «الفراشة» التى تلفها القوة اتخاطبة بين يديها 
الحارس واحروس معا يلف الفراشة والعنكبوت؛ فهما إذذ 
قوة واحدة تمثل جانبا واحدا. 

وهناك أيضا «اليمين؛ و «اليسار؛ وهم جميعا فى 
لأنهم بعض الرعايا. وبنشق من هؤلاء نوعان ينضمان إلى 
القوة الأولى النوع الأول: الذين يماشون ويعيشون يحشون 
بالصحف المشتراة العيون فيعشون» وهم أنفسهم الذين يشون 


السكوت فلا يشت ركون فى أغنية الشورة الأبدية التى ينشدها 
الفقراء» ولسوف يخنقهم رباط السكوت هذا لأنهم بسكوتهم 
ساعدوا القوة العنكبوتية التى تنسج خيوطها القائلة حول 
الجميع . لقد تتابعت أداة الاستثناء «إلا) دون حرف عطف 
ثلاث مرات «إلا الذين بماشون - إلا الذين يعميشوذ 
يحشون... - إلا الذين يشون» فأبدلت التالى لها ما قبلهاء 
والبدل هو المبدل منه» فالذى يماشى هو الذى يعشى عينيه 
بالصحف المشتراة فيعمى عن الحقائق فيشى بالآخرين الذين 
يفتحون عيونهم على الحقائق. عندما جاءت الواو العاطفة 
والعطف يقتضى المغايرة ‏ فى (وإلا الذين يوشوك...) 
كفت عن أن هؤلاء نمط آخر هم طبقة أصحاب الياقات 
المنشاة المستفيدون من الوضع القائم ولذلك يسكتون عن كل 





۲€ 


4-۷ 


اشتمل البيت الأول على خمس جمل» الأرلى منها 
ندائية قصد بها استعطاف هذا الأب والتوجه إليه بالصلاة» 
وهى مغلفة بسخرية كامنة جاءت من وضع كلمة «المياحث) 
بدلا من «السموات؛ فى الجملة الدينية المأثورة فى المسيحية» 
ولعل فى هذا أيضا إشارة إلى خخروجه عن الملة أصلاء رأربع 
جمل أسمية تقريرية مثبتة جاءت الاولى منها «نحن رعاياك) 
لتدعم الصلاة الظاهرة المعلنة» وتؤكد السخرية الكامنة فى 
الجملة الأولى. وأما الجمل الثلاث الباقية؛ فقد الخد فيها 
الخبر المتقدم «باق..٠‏ وتوزع من له البقاء: دلك؛ ونا ر 
لمن تحرس». واختلف المبتدا المتأخر. فللمخاطب الجبروت» 


وللمتكلمين الملكرت» وللغائب المتخفى المحروس الرهبوت. 


وبرغم اتفاق الصيغة بين المملوكات الباقية الثلاثة بما قد 


يوحى بعدالة التوزيع فجأتنا الجملة الوسطى «وباق لنا 
الملكوت؛ ؛ إذ كان المتوقع أن يكون الملكوت للب الذى فى 
المباحث أو لمن يحرسه هذا الأب ويخصه بالرعاية؛ فكسرت 
هذه الجملة الرتابة» وأخلفت التوقع مرة أخرى» فإذا كان 
لهذا الأب ولن بحرسه التجبر والرهبة فإن الممكوت مع كل 
هذا وبرغم كل هذا «لناء نحن غير المتألهين وغير المحروسين. 


إن «من» اسم موصول مشترك يصلح أن يكون للمفرد 
والجمع» ويتضح ذلك من خلال الجملة؛ وقد حذف 
الضمير العائد من جملة الصلة «مخرس» فاحتمل بذلك أن 
يكوك فردا ا واحدا أوأكثر مص فرد واحدء وأن يكون واحدا 
متكررا يستحق الحراسة فى هذا الموقع » فهو محروس الو 
ولا تعنى القصيدة بعدد هؤلاء, وهم على كل حال 
محروسوك بقوة هذا الاب «الإلهى) الذى فى المباحث والذى 
الرهيبة العنكبوتية التى ستقضى عليهم كذلك فى النهاية. 
ومن هنا تؤدى الحراسة إلى الوقوع فى الخوف الذى من أجله 


شددت هذه الحراسة . 
وتقديم الخبر فى هذه الجمل التقريرية الثلاث «باق 


لك الجبروت» وباق لنا الملكوت» وباق لمن حرس الرهبوت؛ 
يتضمن إقرارا تعبديا ساخراء لأن الجملة الاستفامية الأخيرة 





فى القصيدة «أبانا الذى فى المباحث كيف تموت وأغنية 
الشورة الأبدية ليست تموت؛ تقفضى على كل هذه (الصلاة) 
الخاضعة بضربة واحدة خاطفة سريعة؛ فهذا «الأبا تمن يجوز 


ا 


له إلا ضرب من المصالحة الظاهرية التى تسبق الشورة الأبدية 
التى ليست تموت» والذى لا يموت هو الذى ينتصر فى 
النهاية على من يموت. وساعد على ذلك خلو البيت بجمله 
الخمس من الأثعال الأساسية إلامن الفعل «تخرس» الذى 
جاء صلة الموصول 0 ولذلك أوحت الجمل بأن كل 
شوء ثابت مستقر فى هذه المرحلة. 

أما البيت الثانى فقدء اشتمل على ثلاث جمل» 
الجملة الأولى فعلية تقريرية «تفردت وحدك باليسره والفعل 
«تفردت؛ بمادته وصينته وإسناده إلى ضمير المخاطب الواحد. 
وتأكيد هذا الإسناد بالحال «وحدك؛ تؤكد جميعاً أن هذا 
التفرد باليسر كان بسعى وعمل دائب من جانبه ليصبح 
جميع رعاياه إما فى الخسر وإما فى العسر. والعسر يقابل 
ليسر» فهما طرفان متقابلان؛ وأما الخسر فلن أصحابه لم 
بحتقرا هذا ولا ذاك فقد خسروا طرفى المغابلةء ولذلك فهم 
ليسوا طرف فى نزاع؛ وخسرانهم بسبب عدم وضوح موقفهم؛ 
ومن هنا تعبر جملة إن اليمين لفى الخسر)؛ متخذة 
أقصى ما يمكن أن تناله الجملة الاسمية من تركيد وتقريرية» 
رتأتى بعدها جملة «أما اليسار ففى العسر مسبوقة ب «أما 
الشرطية التفصيلية المؤكدة '2؛ وتطول الجملة عن طريق 
الاستشاء إلا الذين يماشون. إلا الذين يعيشون؛ يحشون 
بالصحف المشتراة العيون فيعشون. إلا الذين يشرن؛ ويعطف 
على هذا النرع دوإلا الذين يوشون ياقات قمصانهم برباط 
السكوت» . نهذان صنفان مستثنيان من العسرء أحدهما 
المماشى الببغاء المعصوب العينين الواشى» والآخر الصامت 
امود من رباط السكوت فى عنقه. وقد أراد هؤلاء وأوئئك أن 
بحظوا بشئ من اليسر الذى يتفرد به الأب المتوجه إليه 
بالصلاة فارتكبوا ما ارتكبوا من خيانة التبعية والوشاية أر 
السكوت المنقاد» ولن بحصلوا على شى ما أرادوه؛ لانه تفرد 
وحده بالیسر؛ ولن يشرك معه غيره - لو يعلمون - ولن نالوا 
ما نال شيكا. إلا الفتات. 


منيج فى التحليل النصى 


وأما البيت الثالث فقد اشتمل على اثنتى عشرة جملة؛ 
بدأت بالجملة الفعلية «تعاليت) » والتفرد الذى بدأ به البيت 
السابق يناسبه هنا والتعالى؛» و (تعاليت» بإسنادها إلى تاء 
المخاطب تزدوج دلالتھاء نهى تختمل المعنيين: التعالى المادى 
والتعالى المعنوى معا. وهى عبارة مخادعة يقصد بها شغل هذا 
الاب المتعالى عن الشورة التي تجمع؛ وتلهيه عنها مادا 
يهمك ممن يذمك؟) وهذه هى الجملة الاستفهامية الاولى 
8 القصيدة. ويؤكد التعالى الحملة الثالفة التقريرية «اليوم 
يومك) . وإذا كانت الجمل فى الشعر لا تخسر إلى معناها 
والإخبار عنه بهذا الخبر «يومك» يوحى فيما يوحى به بأن 
«الغد» قد لا يكون لهء بل هر لبؤلاء الذين يذمونه والذين 
يترجهرد إليه بالصلاة الظاهرية هله وهى صلاة يدفع إليها 
المهر والبطش والاستذلال والجسروت والرهبوت. تأتى بعد 
ذلك الجملة الفعلية «يرقى السجين إلى سدة العرش» تليها 
«والعرش يصبح سجنا جديدا؛ . ولعل هذا السجين هو ذلك 
«امحروس؛ الذى أشارت إليه القصيدة فى البيت الأول فى 
«وباق لمن ترس الرهبوت». فهو إذن سجين بهذه الحراسة 
البغيضة الكريهة؛ ويتحول (المرش»؛ نفسه إلى سجن جديد» 
يضاف إلى السجون القديمة الكثيرة. فالكل مسجون سواء 
الخوف والفزع (ولعل هذه الجملة أيضا نخريض للسجين 
صاحب العرش على سحانة وحارسه) ولكنك «انت مكانك» 
قد تتخذ أسماء مختلفة وصفات متغيرة «قد يتبدل رسمك 
كل هذا سجين صمتك وعزلتك. وهنا تتتابع اربع جمل 
تبداً بمبتداً واحد هو «الصمت): 


الصمت وشمك 

والصمت وسمك 

والصمت - حيث التفت - يرين ويسمك 
والصمت بين خيوط يديك المشبكتين المصمغتين 
يلف الفراشة والعنكبوت 


وأخبر فى الأولى عن الصمت بأنه «وشمك» والوشم 
علامات جسلية يصطعها الإنسان فی جلده» نهو الذى 


1١ بهم‎ 


محمد حماسة لم ل ا ا ا ج عي ر 


يجلبه» وهو الذى يصنعه بنفشسه»› لكن هذه العلامات 
المصطنعة المجلوبة تثبت لك تثبت وتستقر حتى تصير «وسماً) أو سمة 
أى علامة ثابتة تعد معلما عميزا مر ن الملامح الخاصة» وتأخذ 
هذه العلامة الشابتة فى الزيادة, رتتكائر حتى تتجمع وتغلظ 
تفيض من صاحبها إلى غيره وكل مكان يلعفت إليه أو 
يوجد فيه) ثم د يستطيا هذا الصمت وينسج شباكا لرجة تلف 
الفراشة والعنكبوت معاً 

0¥ 


قد يلفت النظر فى البيت الغالث؛ وهو أطول الأبيات 
إذا استفرق سبعا وأربعين تفعيلة» أن همزة الوصل قد قطعت 
فيه مرتین الأولى فى «اليوم يو مث والأحرى فى «الصمت 
وشمك؛ والنحاة العرب يعدون هذا من ضرورات الشعر 
المسموح بها فيه. . لكنى أرى أن الاضطرار يزيل لو أن الشاشر 
قال مثلا «واليوم يومك) و؛«والصمت وشمك شمك؛» ولر فعل 
ذلك» وهر قادر عليه؛ لصارت الجملتان حاليتين ¢ ولكنه ا 
يويد - فيما يبدو أن يجعلهما حاليتين. وقد كك في وس 
أيضا أن يقول «فاليوم يومك؛ و «فالصمت وشمك» ولو فعل 
ذلك زهر أيضا عليه قادر» لصار كل من الجملتين علة 
وسببا لا قبلهاء ولكن القصيدة ‏ فيما يبدو لا تريدهما 
كذلك. القصيدة أرادت أن تنتهى الجملة نحويا «ماذا يهمك 
من يذمك»؛ ولم ترد أن تنهى البيت فقطعت همزة الوصل 
فى «اليوم يومك»؛ وكذلك فى «ولكن جوهرك الفرد لا 
ات وشمكاحيت 1 رادت أن تنهى الجملة 
7 ا عند الايتحول» ولم ترد أن نتن ليث 
نقطعت همزة الوصل «الصمت وشمك) . فالإتياك بهمزة 
بها إلا فى أول ا تصال 
N‏ الننت ا مى |: الإنهاء 
والانصال ؛ إنهاء الجملة واتصا تصال ال لیت ؛ فالاسة ستعكناف البحوى 
فى «اليوم يومك» ر «الصمت م دوك أداة أدل على 
الشعر ر بالقهر الآنى والاستعداد لوثبة قادمة, على أن إرادة 
الععليا لا تستحيأ مع عدم وجود الأداة . فضلا عما 
به قطع همزة الوصل فى هذا السياق من الحسم والقطع 
والتأكيد. 


القطع هناء وهى لا يؤتى بها 


۲١ 


يريدهاء فهر ' ا 


أنى البيت الأخير فيعيد النداء الذى بدأ به البيت 
الأول «أبانا الذى فى المياحث». وإذا كان النداء الأول فى 
ظاهره - استعطافا وتوجها بالصلاة» فإن النداء الثانى تعقبه 
ضربة مفاجكة نلغى كل | ما تقدم حيث يلفته إلى هذا السؤال 
الاج ٠كيف‏ تموت؟) ويعقبه بهذه الجملة المتوعدة 
«وأغنية الثورة الأبدية ليست تموت» . وهذا السؤال هنا أشبه 
بتنبيه الفارس النبيل لخصمه قبل أن يوجه إليه الضربة القاتلةء 
وفى الجملة كذلك قدر من لستخرية الف تتمكين اها 
على القصيدة ة كلها بطريقة ارتدادية» وفيها كذلك قدر من 
الحسم» فالسئال ۽ موجه إلى عذا الأب المتعالى ا متفرد الس 
فى مواجهة هذه ك التى تعيش فى «العسرا› 
هذه الجموع التى تشور الآن على هذا القهر والاستذلال. 
کیٹ ةا فعليه ‏ إذن ‏ أن يختار لنفسه الميتة التى 
له محكوم عليه بالموت» فقد أحيط بهء 
وانهارت كل قوته؛ وسقط جبروته» وضاع رهبوت من 
یحرسه» ولم بق بحق إلا الملكوت لأولئك الرعايا 37 
تموت فى قلربهم وعلى شفاههم أغنية الشورة الأبدية (وأغنية 


الشور الأبدية ليست تموت). 
¥" 


إذا عدنا للعلاقات فى القصيدة وجدنا أنها نرعان» 
الأول هو العلانات بين أجزاء الجملة - وهو ما أسميه 
«(العلافات الأنقية» ت والأخصر هو العلاقات بين الجمل 
بعضها وبعض وهذا النوخ هو ما أسميه «العلاقات الرأسية 
وكلا النوعين اه لخاصة فى بنية النص ى» فالعلاقات 
الأفقية تشكل عصباً مهما فى بنية القصيدة؛ وهو امجاز 
بأنواعه امختلفة؛ والشعر يعتمد على مبدأين رئيسين ناظمين له 


م 


هما الوزن وامجازر 
الإسناد ومتعلقاته من النعت والتعلق والمفعولية والحالية 


والتكملة بالإضافة أو بالصلة أو بغير ذلك على نحو ما هر 
)£( 


. وهذه العلاقة الأفقية هى علاقات 


مفصل فى موضع آخر 
Y4‏ 


وأما العلاقات الرأسية وهى ترابط الجمل بعضها ببعض 
وجاورها فى بنية النص الواحد فإنها تكون مسؤولة عن تكوين 





سباق نتس معين يساعد على تفسير الى اكيت داحل النص 1 
٩ 2 . 5 < ٠.‏ 
1 يمحن نيمبا ا من ار 5 


باخراتها فی النص . والسباق الخاص هر ال ند ی يصب الجماأ 


صل 5 
وکل جملة فى النه 
ر 


ومكوناتها بسبغة خاصة. نند تكرن الجملة فى 
اندر خالية من امجاز مغلا بأن کا ا ر ا 


زره 


56 


مث بع الجما ل فى القصيدة التر نح بصددها نی (لی. 
e‏ ب مذ * 2 بذ 


رعاياك؛ تة دباق لث الجبروت» أو جملة «وبأق لنا 
ا 2 
ارتا ار ر جملة وباق من خرس الرمبوت!ا أو جملة 


(اليوم يرمك: i‏ و جملة فوانت مكانك1 اوخل کف 


تموت». ليذه جمل يب بین اجرائها فی علاثاتيا مصادمة 


ات ثعبم 


aN TAN 9‏ ا .2 
الين الا خثيار: ول تشثمل كل منها على صورة مجازية 

2 ا 0 1 1 4 

٠‏ حیل هھ . جحمله مله ا مماء ره ع این )لک 
~~ 7 س ا ا سينا ب - 
د 11 e‏ 
راسا 0 له دے' سی لی مرصلها 0 نند 2 سياه 


0-3 
E ٤ 0 1 1 bi‏ . 
ا ۴ آل اه إا 1 . a‏ 
را جه پیا ای غاصب واا الد لی ااحث! وجح 
RR‏ 200 ' د . 0 
سد د بوبیه ضيه لی ایا اش ص ٠‏ صضبة هذه الجما 
عر 2 


٤ 
دنه نی «انصااة) ومن هنا اصبحت‎ 


a a 3‏ السياف 


سن 

7 و . انر هله 
ابحاص بياب جملة ذات دلالة مجازية مال كاك اأص بنائها 

53 د ا‎ 
A _Y¥ 

aE 18 “1‏ . 
على مسترو ى العلاقات الائقية يننتنا ان الجما لى 
2 ل 


أله يدة قد لجأت إلى ركيت السب( البتدا + الخىم 





4 
امشردا فى اربع جمل و (الخبر المفرد امبتدا) فى ثلاثٹ؛ 


1 وم ]ان اه £ 2 ٤ 1 ES‏ 

؛'اتحستة التعلية المضارعية المشبتة) ف ريم ؛ (إميتذا + الخم 

2 2 2 7 کا ی ا 5 
. 

, ۴ . . 5 0a ا‎ 1 

لجمية التعلية المضا. رعيه المنخية) فی واحدة. واا الجما 


0 
ا Fy‏ :. أثعاليا كليا افما 
فعلية. وذى لخمس ا نقد حاوت. اتعالب كليا آفار 


0 
ا . 
58 . 
3 اسرد ر لازمة ٠.‏ 


هذه هى الجمل الأمناسية: وهناك جمل فرعية منها 
سثك جمل نعلية مكملة للموصول» ومنها ثلاث نعلية 
معطرفة؛ ومنها أننتان حاليتان إحداهما فعلية والأخرى اسمية 
عن المبتدأ فيها بجملة 


مھ سه . 
ر 


بجملة أسمية منفية خبرها حملة فعلية 


الأساسية فى هذه القصيدة بالذات؟ إن القصيدة بعنوان 


كع 


ا . 
نيج فى التحليل النسى 


«صلاة؛ وهى صادرة من رعايا للأب الجديد الذى حا 
با مباحث بدلا من السموات. والجمل القصيرة غير المعقدة 
هى الأشبه بالسلوات» والأكثر مناسبة لها لكى تتلاحق فى 
وتعباء وتتتابع فى قراءتها من هؤلاء الرعايا الكثيرين الذين 
يرددونها فی اصلانهم» . ونای الأنعال فى :الجمل الفعلية 
«الاب؛ المتوجه إليه 
بالصلاة والنداء ‏ أفعالا قتاصرة. نتكشف 


الأساسية - رخاصة ما أسند منها إلى 
عن أن هذا الأب 
عاجز قاصر لا يستطيع عمل شوء ولا يصدر عنه فعل يتمدى 
ذاته EE‏ رسمك - كيف تمورث!. 
وكذلك الأنعال لتى جاءت فى الجمل الفرعية مسندة إليه 
«جدهرك الفرد 1 بتحولا: وعلى حين جاءت أفعاله هر 
تأصرة. وفع هر مفميلا به لفعلين يرماك عليه الهم والذم 
مهما هما لا يني باله معبود؛ماذا همك ممن يذمك». وابفعل 
الرحيد الذى وصل منه |! لی غیرہ لم يجو عن طريقه بحيث 
يكرد هر ناصله: بل جاء من السمت الذى بير يديه 
المشبكتي: المسمفتين» وهو الفعل ديلف الفراشة والمنكبرت! 
على الشر والإهلاك ول بمکن 


ا سے ء نأف مفيك. 
ی :7 


تبر إذد معود لا يمدر إلا عا 


أن بصت ته حح 
3 ۶ 3 


ر كرت “2 , فو ی 3 
٤ 5 0_0‏ 
ألا اندين بماشوك..1 إل شير إن سقوط الادرات بينهاء 
4 
ونشيته الذاخنية بمفطي' صاتيين متماشي ' ن ١شوردا‏ اعصيأ 


إحساس باشصر رالتلا حر 
وند كسرت توانين الاخثيار مباشرة فى أكثر م 
مرضه وأكثر من علاقة» فحاي فی علا قه الاسناد 3 اليمي 
3 
ا 


2 ا 
قت وهذا 0 


۲ 


له ماهر مالرن دبك ع اصحاب 


مختلنون عن غيرهم فهم خاسرون لأن معبردهم نفسه باطل 
ماله البرار والهلاك. وجاء التضاد فى طرفى الإسناد بين 
«الياره و«فى المسره فأحدث مفاجأة. وجاءت المعسادمة 
الراضحة نی الإخبار عن «الصمت؛ بعدة أخبار تتابعت 
وتدرجت» فهر «وشم؛ وهو دوسم» وهو «یرین ويسمك) وهر 
بین يديه ايلن الفراشة والعتكبرت؛, إن هذه المصادمة نی 


ترانين لااختيار قد كونت صوراً استعارية متبولة فى القصيدة 
ر الخاد 2 وهى نفسها جعلت العرش يسبح 


سحا ديل رجعلت أغنية الثورة س تموت . 


.محمد حماسة ‏ 


وقد جد كذلك فى علاقات أخحرى غير علاقة الإسناد 
ضرو) من هذه المصادمة فى قوانين الاختيار المألوفة كتلك 
التى فى علاقة الإضافة فى «خيوط يديك» ثم بين خيوط 
يديك» و «رباط السكوت» وكتلك التى مجدها فى تعلق 
الجار والمجرور بالفعل مثل «يوشون ياقات قمصانهم برباط 
السكوت؛ وأثر هذا التعلق على وقوع الفعل على المفعول به» 


والمحرور «بالصحف) بفعله ووقوع هذا الفعل على مفعوله» 
وتعلق الجار وا مجرور فى جملة «يرقى السجين إلى سدة 
العرش) . 
۹_۷ 


وإذا كانت بعض العناصر النحوية تؤثر بوجودهاء فهناك 
بعضها امحذوف الذى يؤدى حذفه إلى تأثير آخر كالذى رأبناه 
فى حذف الضمير ير العائد فى لمن خرس۲» ومفله أيضا فى 
«إلا الذين يماشون» حيث حذف المفعول به فأفسح مجال 
المماشاة؛ وجعلها تشمل كل من يكون فى «المباحث؛ ومن 
يتفرد باليسر مهما تبدل رسمه واسمه؛ بل جعلهاصفة خاصة 
بهم كأنها أصبحت لهم طبيعة وسجية.وكذلك حذف ما 
يتعلق بالفعل «يشون» فلم نتبين ب على وجه التحديد ‏ بمن 
يشون ولن» وحذف هذا المتعلق يجعل الوشاية سجية وغاية 
فى ذاتها لهم بسبب ما دربوا عليه من الخوف والإذعان. 
/ط د ٠١‏ 

وقد يلفت النظر أن النعوت فى هذه القصيدة قليلة» 
غير أنها موظفة بدقة بحيث جاء أولها مؤديا غرضه بالانتقال 
بالقصيدة كلها إلى جو خاص من أول جملة فيها «الذى فى 
المماحث» والصلة والموصول شئ واحد كما يقول النحويون؛ 
وقد يكون للصلة هنا «فى المباحث» فضل هذا القحول» 
و كزية هذا النعت تكررت الجملة مرة أخرى فى البيت 
الأخير, 

وفى القصيدة خمسة نعوت أخخرى سوى هذا النعت 


ا مركزى هى : 


۱۲۸ 


١‏ - يحشون بالصحف المشتراة العيون 

؟ - والعرش يصبح سجنا جديدا. 

*؟ ‏ لكن جوهرك الفرد لا يتحول. 

4 - والصمت بين يديك المشبكتين المصمغتين 
يلف الفراشة والعنكبوت. 


إن النعوت هنا ليست نعوتا غيرملائمة؛ فليس هناك 
مانع أن تكون الصحف مشتراة» ولا أن يكون السجن جديداء 
ولا أن يكون الجوهر فردا فهى نعوت متوافقة مع قوانين 
الاختيار فى اللغة؛ وجاءت بين مجالات دلالية تقبلهاء ولكن 
النعستين الرابع والخامس «بين جيوط يديك اا 
لفحت بلك اعتبارهما نعتين غير ملائمين أى أنه 
كسر فيهما قانون الاختيار فى نعت اليدين بهذين النعتين إذ 
جعلهما شبكتين مصمغتين» فحولهما إلى صورة توحى 
بإحكام القبضة واللزوجة وعدم إمكان الفكاك منهما عن 
طريق هذا الكسر. 


ويمكن تفسير كل نعت فى موضعه بطبيعة الحال» 
فالصحف مشتراة سواء أكان ذلك من قبل الذين يحشون بها 
عيونهم؛ ويحكمون إغلاق ) عيونهم بها حتى ری رخ 
العين يقتضى عدم ترك أية ثغرة يمك ن أن ترى منهاء أم م, 
قا ل غيرهمء وعلى كلنا الحالين فهم ا ا 


يعيشوا فحسبء ولذلك ت يصدقين كا ل ما فى هذه الصحف 


لمششراة ويحشوك بها عيونهم بأنفسهم حتى يصيبهم العشى 
فلا يستطيعوا رؤية مأ حولهم . ونعت السجن بأله جديد يوحى 
بأن هناك سجونا ! أخرى ليست جديدة» فلا تصبح الما لمماجاة أن 
«العرش » قد تخول إلى سجن » بل ل إن كل ا قل 
صار من قبل سحنا حتى انتهى الأمر إلى العرش نفسه فأصبح 
سجنا جديدا يضاف إلى السجوث السابقة. ويأتى النعت فى 
«ولكن جرهرك الفرد لا يتحول» ليوحى بأنه لايشركه أحد 
ف هذا «الجرهر) فهو فيه متفرد»› بالإضافة إلى ما يوحى به 
فى هذا السياق ‏ هذا المصطلح الفلسفى «الجوهر الفرد) 
وقد اضيف إلى ضمير الخاطب. وأما اليدان المشبكتان 
المصمفتان فقد ممولتا إلى شبكة قوية لا يفلت منها شئ عن 
طريق النعت من جانب» وعن طريق الإضافة بين الخيوط 
واليذين من جانب آخر. 





١١ ا‎ 


ومن حيث مستوى العلاقات الرأسية؛ فإن القصيدة 

- كما رأينا- من قبل مكونة من أربعة أبيات فحسب» كل 
بيت ماها مكون من عدد من الجمل أشرت إليها كذلك؛ 
وبداية كل بيت منها موجهة إلى مخاطب واحد: فالحاد جهة 
الخطاب أدى إلى تماسكها النصى «أبانا تفردت ‏ تعاليت 
- أباناه وكما تماسكت أواخخر الأبيات وتدرجت دلالياء 
تماسكت أوائل الأبيات دلاليا كذلك. والقصيدة كلها 
مكونة من أثنتين وعشرين جملة أصلية اشدملت منها سبع 
عشرة جملة على ضمير الخاطب الذى نودى فى أول بيت 
وآخر بيت؛ ولم تخل من ضميره المباشر سوى خمس جمل 
ترابطت بوسائل أخرىء أولاها «وباق لنا الملكوت؛ وقد 
عطفت على سابتتها المشتملة على ضمير امخاطب بالواوء 


والجملتان الثانية والثالئة «إن اليمين لفى الخسم 
ففى العسر» وقد جاءت أولاهما تعليلية لسا اقا الم 
اشتملت على ضمیر ين للمخاطب نفسه «تفردت وحدك) 
کک اد ا الأحرى فقد اشتملت على 
ضمير الخاطب بالفحوى والإيحاء لاننا قد نفهم ما استشنى 


ا ا «إلا الذين يماشونك؛ إلا الذين يعشون 
لك يح شون بالصحف المشتراة الميون فيعشون عنك وإلا 


الذين يوشوك ياقات تمصانهم برباط السكرت عنك». 
والتعملة'الزايعة فى اليرقق السحين إلى سدة الفرش» كادينا 
لا م الغاطب» لأنها فى معنى ايرثق 
0 والجملة ھی اال يصبح سجنا 58 
ل قي رب الجية 

وقد عطفت بالواو على سابقتها وترابطت معها عن طريق 
العطف. وإذن يصبح النص كله وحدة واحدة متماسكة 

قد يلفتنا فى النهاية أن القصيدة تعاملت مع مفردات 
عادية» لم تنکسر بينها قوانين الاختيار بصورة حادة»ء ولم تكثر 
0 ر ت امب ة إلى یا لم غریب سوی حلع 
القداسة والألوهية الزائفتين على هذا «الأب» الجديدء رلم 
تلبث القصيدة أن كشفت هذه الخدعة فى نهايتها بعد أن 


منهج ف التحليل النصى 


مهدت لهذه النهاية بجملة ماكرة فى البيت الأول. ولم تتعقد 
فيها الجمل كثيراء بل سلكت طريق البساطة بحيث جاءت 
عفوية تلقائية» وهذا- كما أشرت ‏ يناسب جو الصلاة 
المزعومة . لكن لا يسعنا إلا أن نعترف بأن القصيدة عبرت فى 
بنيتها بطريقة عادية عن عالم غير عادى من خلال سياق 
نصى محكم صبغ كل الكلمات والجمل وصهرها فى بوتقة 
شديدة التفرد والخصوصية؛ وهكذا تفعل القصيدة الجيدة. 


-۸ 


هل يمكن أن نستخلص من تايل هذه القصيدة 
أحكام نطلقها على الشعر؛ أو على الشعر الحر» أو حتى على 
الشاعر نفسه؟ 


لقد رأينا مثلا كيف تعاملت القصيدة مع النعوت 
القليلة التى كان أحدها نعتا مركزيا قام بتحويل مجال 
القصيدة كله «أبانا الذى فى المباحث» ولذلك بدأت به 
القصيدة وحتمت به» واختلفت دلالته فى المرضعين مع 
الخاد صيغته فيهماء فهل يمكننا استخلااص حكم من هذه 
النعرت يكون جاهر) للإطلاق؟ 


اجن اا اف ا ليمك اا 
حكم يطلق على الشاعر نفسه؛ فضلا عن غيره؛ لأن دراسة 
كل قصيدة أخرى على مستوى النعت فيها سيفجإنا بأن 
الغاية من النعت اختلفت» وقامت النعوت بوظيفة تتناسب مع 
القصيدة الأخرى» ولنأخذ مثلا قصيدة اسفر الخروج: أغنية 
الكعكة الحجرية“ لا للشاعر نفسه. جد أن القصيدة قليلة 
النعرت كذلك» فقد بلغت النعوت فيها سبعة وعشرين نعتا 
فى مجموع القصيدة المكونة من ستة مقاطع؛ وقد وظف 
النعت فيها توظيفا بالغ الدقة متنوع الغرض. وقد خلا المقطع 
الأول فيها من النعوت تماماً؛ واشتمل المقطع الثانى الذى 
سأكتفى به هنا على نعتين اثنين فقط؛ تكرر أحدهما فى 
جملته خمس مرات فى هذا المقطع» ولم يكرر الآخرء يقول: 

دقت الساعة المتعبة 

رفعت أمه الطيبة 

عينها 


١4 


محمد حماسة 
ا يت م ا بي ج کج 


(دفعته كعوب البنادق فى المركبة) 
دقت الساعة المتعية 

(صفعته يد 

فلحي CN‏ 
ذقتالسناعة الكش 

جلست أمه» رتقت جوربه 

(وخزته عيون المحقق... 

حتى تفجر من جلده الدم والأجوبة) 
دقت الساعة المتعبة. 

دقت الساعة المتعبة. 


إن الجمل فى هذا المقطع تتفجر شعرا مع أنها جمل 
عادية ليس فيها كسر لقوانين الاختيار بين الكلمات إلا فى 
«الساعة ة المتعبة) ٠‏ و (وخرته عيوك ن احق ق س جلده 
الدم والأجوبة»؛ لكن الجمل الأحرى «رفعت أنه الطيبة 
عينها) و «دفعته كعوب البنادق فی المركبة) و (صفعته يد 
و«جلست أمه رتقت جوربه؛ جمل عادية. فما الذى جعل 
هذا المقطع يفيض شاعرية ‏ مع بقية القصيدة بالطبع -؟ إننا 
دلالة خاصة ترتبط بسياق القصيدة. 


وفى هذا المقطع ساعد هذا النعت غير المألوف» ونكراره 
مع جملته بنظام على توزيع الأحداث ای ت ا 
دالة بين ن أم (طيبة) تنتظر عودة ابنها الذى تأخر عن موعد 
حضوره من ل 
كعوب البنادق إلى 
الوقت بطئ ثقيل على كليهماء وقد وضع هذا المقطع عينى 
المتلقى على المشهدين المتباعدين فى لحظة واحدة من خلال 
الساعة المتعبة ودقاتها الرتيبة التى يسمعها الجميع 
واحد» والساعة تدق دقات رتيبة متمائلة؛ ولذلك جاء هذا 
المقطع كله مقفىء وقد حدد هذا النعت (المتعبة») صوت 
التقفية فجاء بالباء المفعوحة المتبعة بهاء ساكنة فأوحت 
بانقطاع النفس من اللهاث والتعب ويمكن إعادة كتابة هذا 
المقطع على النحو الذى يكشف توازى الأحداث زم: 
ومفارقتها دلاليا: 


حخقيق غير عادل فى غير جريمة . إن 


بع فی توقیت 


1 


PF‏ الوقن اا ل جا 


رفعت أمه الطية عينها ٠‏ دفعته كعوب البنادق فى المركبة 


دقك الناغة اليل 


3 - 


نهضت نسقت مكتبه صفعته بدء أدخلته يد الله فى التجربة 
دقت الساعة المتعبة 

جلست أمه رتقت جوربه وخزته عیون امحقق حتى تفجر 

من جلده الدم والأجوبة 


دقت الساعة المتعبة 
دقت الساعة المتعبة 


لقد كانت الساعة المتعبة تدق بانتظام وتتابع» وكنا 
نحن ا نعرف مايحدث فى الجانبين حتى انقطعت 
القدرة على التابعة وزادت الأمور كل فى مساره على حد 
الرصد والتسجيل» ولكن «الساعة المحعبة» مازالت تدق لتجعلنا 
نتتصور استمرار الأحداث المتفاقمة التى بدأت فى الخطين 
المتوازيين (أ) و (ب). وجاء نعت الأم بالطيبة فى هذا السياق 
ليزيد من حدة المفارقة بين هذين الخطين المتوازيين غير 
المنكافئين؛ فالأم الطيبة هى التى تفيض بالرحمة والحب 
والعطف والحنان على ابنها الذى يتعذب بكعوب البنادق 
والصفع والإجبار الدموى على الأجوبة؛ وهذه الرحمة عاجزة 

عن أن تبلغ مصبها الطبيعى فى الوقت الذى هر فى أشد 
لحاجة إليها بسبب القهر من جانب» والغفلة التى هى من 

دلالات الطيبة يا والفقر وقلة الحيلة من جانب آخر. 

الذى أود أن يكون واضحا الآن هو أن الوظيفة النحوية 
الواحدة لا تؤدى دلاليا الغاية نفسهاء فى جميع المواضع التى 
ترد فيها حتى لو تكررت فى القصيدة نفسها فضلا عن أن 
يكون ذلك فى الشعر كله أو عند عدد من الشعراء فى مرحلة 
واحدة: أو لدى الشاعر نفسه. لأن الوظيفة النحوية - و 
تجريدية - يمكن أن تشغل بكل ما يقبل أن يكون فيها من 
الكلمات ويمكن أن توضع فيما لا يمكن إحصازه من أنواع 
السياق الختلفة» ومن هنا لا يصح التعميم فى الأحكام. 





الهوامش . 


0) 


مل دنقل؛ الأعمال الشعرية الكاملة: ٠٠١‏ (مكتبة مدبرلى - القاهرة 
٥‏ وقد التزمث فى كتابة القصيدة بالكل الذى وردت عليه فى 
الديوان؛ ولككن الترقيم الخاص بالأبيات من عندى. 

يفول ابن هشام فى المغنى ١‏ / 34 عن أمّا؛ وإفادتها الت ركيد: وأا 
التوكيد فقل من ذكره؛ ولم أر من أحكم شرحه غير الزمخشرى فإنه قال : 
فائدة أمَا فى الكلام أن تعطبه فضل توكيد؛ تقول: زيد ذاهب فإذا قصدت 
نوكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد الذهاب وأنه منه عزيمة قلت: 
أما زبد فذاهب؛ ولذلك قال سيبوبه فى تفسيره: مهما يكن من شئ فزيد 
ذاهب وهذا التفسير مدل بفائدتين: يان كوه توكبدا وأنه فی معنى 
الشرط 


) بقرر ذل ماکس إيستمان الذى يرل إن الرزن وامجاز متلاحمان يتبع 
رر ل ب پدوں: رد الورك و جاز ج 


أحدهما الآخر» وعلى تعريفنا للشعر أن يتسع اتساعا كافيا لبشملهما معا 
وبشرح ترائقهما (نظرية الأدب 554؛ وقد ناقش كوليردج هذه المسألة 
بإناضة فى كتابه السيرة الأدبية النظرية الرومانتيكية فى الشعر: الفصل 
امن عشر 147 وما بعدها) ولد أفاض فيها النقاد العرب الندماء. وامجاز 
بعناصره وأنواعه لا يتحقق إلا من خلال العلاقات النحوية وبهذا بنبغى أن 
نفهم عبارة صاحب الصناعتين التى بقول نيها عن الشعر إن «أكثره بنى 
على الكذب والاستئحالة من الصفات الممتئمة والنعوت الخارجة عن 
العادات والألفاظ الكاذبة؛ (الصناعتين )٠١١‏ ويقول ابن فارس فى نص 
دال: إن «للشعر شرائط لا يسمئ الإنسان بغيرها شاعراًء رذلك أن إنسانا لر 
عمل كلامًا مستقيما موزونا يتحرى فيه السدق؛ من غير أن يفرط أو 
يتعدى أو بمين (يكذب) او یی بأشياء لا بمکن كونها بئة لما سماه 


(4) 


(د) 


منهج فى التحليل النصى 


الناس شاع رلكان ما يقوله مخسرلا ماقطاء الصاحبى: 455 . ولعل المراد 
بما أشارا إليه هر وقوع العلاقات النحوية بين الكلمات فى الجملة على 
مالا تقع عليه فى الواقع» أو فيما لا بألفه السامع؛ لأنه إذا كان الاختبار 
بين كلمات من حقول دلالية بمكن أن تكون بينها علاقات نحزية فى 
سياقها بأن نستممل الكلمة فى حقيقنها اللغوية؛ أى نستعمل فيما 
وضعت له فى اصطلاح أبناء اللغة المعينة, كان ذلك المسترى هو ما 
بعرف بمستوى الحقيمّة اللغوية: أما إذا كان الاختيار بين كلمات من 
حقول دلالية لا تألف بينها فى الحقيقة الوضعيةوبمعنى آخر لا نسنجيب 
لعلاقات نحوية معينة بينها وبين بعضها فلا تصلح للإسناد أو الاتباع أر 
الإضافة أر غير ذلك. فإما أن نكون هناك قرينة نسوغ هذه العلاقة الجديدة 
وبذلك يكرد الكلام مقبولا) أى صحيها نحويا ودلاليا ويدخل فی هذه 
الحالة ثفت باب المجاز بمعناه الواسع. أولا تكون هناك فرينة ‏ وهى دائما 
علامة سيائية سوام أكانت لغوية أم دلالية ‏ تسوغه ویز وروده» وها 
يخرج عن أن يكرن كلاما أصلا (انظر؛ كتابى النحر والدلالة: مدعل 
لدراسة المعنى النحوى الدلالى 17 وما بعدها) وما أربد أن أؤكده هنا أن 
انجاز تصنعه العلافات النحوية مع أن انجاز_ كما يفول العقاد _ دهر الأداة 
الكبرى من أدرات التعبير الشعرى لأنه تشبيهات داخلية وصور مستعارة 
وإشارات ترمز إلى الحفيقة الحردة بالأشكال الممسرسة وهذه هى العبارات 
الشعربة فى جوهرها الأصيل؛ اللغة الشاعرة ٠١‏ رانظر كتابى : اجملة فى 
الشعر العربى 4 - ۱۳ (مكتبة الخانجی ۱۹۹۰). 

انفر كتابى: فى بناء الجملة العريية ۳ . ١١7‏ (دار القلم - الكويت 
141( 

أمل دنقل؛ الأعمال الخعرية الكاملة: ۲۷۲ _ 758. 





ااا 


الشعر العريى الحديت 
مسا ' ل القراءة »و» 





إبراهيم رمانى” 


س 


ركز الفلاسفة المسلمون على «التخييل) 2١”‏ أكثر ما 
ركزوا على «التخيل؛ وفهموا الشعر على أساس أنه عملية 
تخييلية نتم فى رعاية العقلء أى أنه تخييل عقلى» فالشاعر 
بأحذ من مادته ا متخيلة؛ ويعرضها على العقل ليضبطها 
ويوجههاء ويصل بذلك إلى إثارة القرة المتخيلة لدى المتلقى» 
التى تبعث صاحبها على الحركة واتخاذ موقف سلوكى 
خاص. 

ليس التخييل الشعرى سوى عملية إيهام شعرى» تقوم 
على مخادعة المتلقى. وسواء أكان التخبيل يقوم على أساس 
نفسانی بحت أم منطقى خحالص» فهو يتحرك فى مدار واحد» 
خصوصيته فيما يحدثه من تأثير فى نفس المتلقى» لا فى 
الكفاءة التوصيلية لمعارف عميقة. 


ا و ا 


* باحث وناقد جزاثرى ٠‏ 


1١ 


ااا 


لا يهدف التخييل إلا إلى محض إيهام بججتموعة عن الأشباء 
الجاهزة من قبل » فهو إثار ة للذاكرة عن طريق الصور المقدمة» 
وما تستدعيه من معارف سبق أن ألفها القارئ» ربالتالى» 
يمكن للمتلقى استيعابها عن طريق القياس الشعرى لا عن 
طريق الإدراك العقلى؛ أى بالخيال لا بالبرهان. فى ضوء هذا 
تتأكد النظرة القديمة التى ججعل التعارض قائما بقوة بين 
التخيل والعقل؛ الشعر والفلسفة؛ ومن ثم مخدد وظيفة الشعر 
على أنه صناعة منطقية موجهة إلى عامة الجمهور؛ التى لا 
تقرى على فهم الحقيقة الجردة بالعقل؛ فتستعين على ذلك 
بالخيلة الشعرية ولذلك ‏ أيضا- لم نعثر عند الفلاسفة والنقاد 
والبلاغيين العرب على من ينظر إلى الشعر على أنه يقدم 
معرفة خاصة. 

نال مصطلح «التخييل» قسطا وافرا من التهوين» فى ربطه 
بالقوى النفسية الدنيا لدى الإنسان؛ فابن سينا يحدد طبيعته 
على أنها «انفعال من تعجب أو تعظيم أو غم أو نشاط من 


الشعر العربي الحديث 
ا ا د 


غير أن يكون الغرض بالمقول الاععقاد البعةه ". فغاية 
التخييل هى النجاح فى إثارة النزعة السلوكية لدى المتلقى ؛ 
رجوعا إلى قدرته على اسعمالة الناس الذين لا روية لهم 
ترشدهم) أو الذين يؤثرون التخيل على الروية» وكما يقول 
الفارابى: 
«وكشير من الناس إنما يحبون ويبغضون الشئ؛ 
ويؤثرون ويجتنبون بالتخيل دون الروية» إما لأنهم 
لا روية لهم بالطبع؛ أو يكونون أطرحوها فى 
أمورهم) 9 
ومن هناء ارتبط التخييل بالمعرفة الثانوية؛ التى لا ترقى إلى 
المعرفة الفلسفية الراقية» والتى يتوسل إليها بالعقل الكلى» 
زانحصر فى الجزثية والحسية؛ واعتمادا على مفهوم الشعر 
بوصفه قياما منطقياء اكتسب التخييل معنى «الحاكاة» فهو 
تشكيل للحقيقة على نحو مم مؤثر» أى يشتمل على المحاكاة» 
من حيث علاقتها بالواقع من جهة؛ ودون إغفال تأثيرها فى 
ES‏ ورا مون E‏ 
كابن رشد تشبيه ونوع من أنواع الاستعارة7؟) 
نى ضوء هذه الملامح العامة» التى تخدد الشعر كصناعة 
منطقية تخيلية. وتعرف البلاغة على أنهاء كما يقول ابن 
المقفع :« كشف ما غمض من الحق؛ اضرو لح ليخد 
الباطل» والباطل فى صورة الحق6!*؛ لم ينج مصطلح 
«التخييل» شأنه شأن مصطلح «الخيال») من سيطرة العقل» 
التى تلتفى مع مفهوم الصنعة الشعرية ذات الطابع المنطقى: 
هذه الصنعة التى تخضع لقواثين ٠‏ محكمة:؛ معلومة ينبغى 
للشاعر أن يتن الحركة وينسقها بمهارة؛ لينجح فى فعل 
«المحاكاة» وإحداث «التخييل» المرهون «بمقتضى الحال؛ أى 
أن العملية الإبداعية تتم مخت تأثير الشرط الموضوعى 
الخارجى أكثر من تأثير الشرط الذاتى» ومن هنا تأتى عملية 
النظم مسبوقة بتخطيط مرحلى مضبوط؛ يتعامل فيه الشاعر 
مع موضوعه بوصفه مادة مستقلة» يقرن فيها الشكل 
بامحترى» ويستند فى ذلك إلى تكوينه الشقافى» إلى ذاكرته 
اة ة التى يد صداها لدى المتلقى» » واعتمادا على كل هذاء 
علء , ارتباط التخييل بالعقل والمنطق» بالصنعة والذاكرة» 


بالشعر بوصفه قياسا على الخطابة, وبالبلاغة بما هى إيضاح 
للغامضء؛ كانت عملية التلقى للشعر القديم يسيرة لا 
تعترضها صعاب كثيرة؛ وإنما هى تعتمد على ذائقة عامة 
وخبرة مشتركة ومعرفة بنظام الصنعة. 

كانت القراءة القديمة معالجة لنص لا تستعصى بنيته 
على التفكيك؛ ولا تتأبى دلالاته عن التجلى يتكئ القارئ 
فيها على نموذج ثقافى - جمالى سائد» تکاد تتحدد 
إجراءاته ضمن أطر جمعية ويتم من خلاله التواصل مع 
النص فى ظل العقل وهيمنة المنطق وسيادة الواقع» كانت 
القراءة مواجهة لعالم مكتمل المعالم» لبنية مغلقة بنظامها 
الصارم» لا تنفتح سوى على معانى الذاكرة الجماعية؛ وألوان 
الصورة البلاغية. ولذلك فهى ممارسة أليفة» واضحة. 

كان التخييل يؤلف قراءة استقبالية تتحدد بفعل التأثير» 
الذى ينتج عن استشارة الذاكرة الصوريةء الخزونة بخبرات 
نفسية قديمة. وإذا انطلقنا من كون الخيال الشعرى القديم 
منطقياء لا يتحرك سوى فى أفق الحسية والعقلانية » انتهينا 
إلى التسليم بأن كل ما ينتجه هذا الخيال من صور- مهما 
ظهرت غريبة - فهى نظل ممكنة ومعقولة» واضحة فى ذهن 
المتلقى الذى يدركها بيسر وينالها بسرعة. 

لم تكن القراءة» إذن إلا تقربا من نص معلوم» تأملا فى 
بلاغة مرسومة؛ إدراكا لمعنى سابق» إماما بقوانين الصنعة» 
حركة فى مدار العقل والحس اللذين يفرزان مناحا جماليا 
واضحاء يعين القارئ على الفهم والتذوق؛ وهذا لا يعنى أن 
القراء القدامى كانوا لا ينفاوتون فى مستويات التلقى» تبعا 
لمستويات تكوينهم الفكرى والفنى» ولا أحد يزعم أن كل 
القراء القدامى كانوا يفهمون أشعار المعرى والمتنبى وأبى نواس 
أبى تمام» وإنما اختلفوا فى نوعية القراءة ودرجاتها؛ فبينما 
اشتكى بعضهم من صعربة شعر هؤلاء وغموضه» جد أن 
بعضهم الآخر قد أعجب به ووه بقيمته؛ لكن المسلم به 

_ فى آخر الأمر- أن القراء القدامى لم يعانوا فى أغلبهم الام 
القراءة مثلما يحدث اليوم. ولم يكن الشعر صعباء 5 
وشيئا يشبه الأحجية عند عامة الناس؛ كما مجده فى زمننا 
الحاضر. 





إبراهيم رمانی 


مجالا للحركة المنظمة؛ للوعى المستقيم» للفهم المنطقى؛ 
یدن الل الى باطنه ميس أ وإ ذلالعه قائيا لا أت 
فيه؛ فالدلالة متموضعة فى سياق متكامل حددت هندسته 
الجمالية وفق أقيسة العقل وقوانين الطبيعة. والقارئ مثل 
الشاعر محكوم بجهاز مفهرمى متناسب » لا لمسه التناقض » 
ولا يشوبه التباس» بحيث يلتقيان تلقائيا حول نص واحد لا 
تتباين غالبا مستوياته المعنوية » التى تنتهى فی دلالة. فی ذلك 
صورة لمستويات الواقع ومركزية السلطة الثابتة. 

كان الترابط الدلالى قائما بقوة بين الشاعر والقارئ لأن 
الكتابة الشعرية لا تتجاوز الإطار المرجعى إلا قليلاء ولم تكن 
تخرق قوانين اللغة المعيارية إلا فى رفق. ومن ثم كانت 

E 1 . 1 ek 1 

والنشر من جهة وبين الشعر والواقع من جهة أخرىء إنها 
تق وإنشائيتها» بكسرها عمود المرجعية؛ . وتأسيس سياق 
جديد يكاد يفارق كلية السياق الاجتماعى الثقافى السائد. 
وذلك انسجاما مع التصور الانقلابى الذى تومن به الحداثة » 
وتمارسه بكثافة سيدا لرغبة الرفض والتجاوز والتحرر» وكلما 
زاد مدى البعد ازدادت صعوبة القراءة واشتد الغمورض ف 
غياب أكثر القرائن الخارجية» بل حتى القرائن الداخلية التى 
ينهار أغلبها فى تركيب معقد وبنية هارمونية متداخلة. 
ل تأت الحداثة دعوة إلى القراءة المفترحة على أفق دلالى 
وقراءة على بات المعنى الواحد» الذى يجتهد المبدع فى 
تصويره وتبليغه» مثلمأ يحسن المتلقى فهمه والتأثر به» وكان 
كل منهما - على هذا النحور- يخضع للشرط الحضارى 
الذى أفرزه» ويعمل على تثبيت العالم الذى يرعاه» ويوجهه. 

لم نکن القراءة بالنسمة إلى الكتابة سوی الصدى بالنسبة 
إلى الصوت» كلاهما يعبراذ عن «وحدانية المعنى» 
)Monosemie(‏ الذی ینبہغی أن يصل على قدر كاف من 
الوضوح» لكى يتسنى للمتلقى استيعابه دوذ تعقيد شدید 


E 


د ج ت 


وبذلك يظل الخطاب (eعMessa)‏ موحدا لدى الباث 
والمستقبل (Emetteur ~ Récepteur)‏ . 

غلبت فكرة المعنى الواحد على الشعر الكلاسيكىء» الذى 
سلم بالماهية الشابئة التى قالت بها الأنلاطونية لاختزال 
الكينونة فى المطلق الكلى؛ ومنع التغير واحتواء التعدد. لأن 
التعدد ينطوى على المغايرة؛ وعندئذ لا يتم الترحد إلا عبر 
الذات فط كما راى المنطق الارسطى» الذى عمل على 
إلغاء التعدد والمغايرة (أليس البرابرة هم الشعوب غير 
اليونانية) ؟ 

أما عند فلاسفتنا المسلمين الذين جعلوا العقل مثالا 
للوجود والمعر فة فقد ,وا أن الحقيقة واحدة؛ ولا يأنى 
الاختلاف إلا من حيث القول الكشير؛ أى سلموا بواحدية 
«المدلول» وتعددية «الدال» ومن هنا أنتج الفكر الفلسفى 
المغايرة على مستوى آخر لا يتحدد بثنائية دينية واجتماعية؛ 
وإنما بثنائية معرفية تننج المغايرة بين الخاصة والعامة (ببين 
التصور والتخيل» بين البرهان والخطابة) . فتستبعد الذات 
العامة «الآخرة» بقدر ما تنفى الخارج فى الذات الفيلسوفة 
«الداحل ° : 

هكذا يتجلى الفكر القديم صورة أرسطية ومثالا 
أفلاطونياء يقر بواحدية المعنى وثباته» وليست البلاغة غير 
حيلة لتبليغ هذا المعنى» والإيهام بتصديقه لدى عامة الناس» 
وعلى القارئ امحكوم بجهاز مفهومى وأدائى مرحد؛ تخريج 
هذا المعنى البلاغى الجمعى . 

القراءة القديمة «استقبالية» نكرس ثنائية القارئ والشاعر 
وتكدفى باستيعاب المعنى الأحادى؛ الخاضع لمعايير أفق 
التوقعات» اموجه بالذاكرة الثقافية الكلية. ولا تسعى - مثلما 
فى النظريات الحديقة ‏ إلى توحيد طرفى عملية الإبداع 
(المبدع - المتلقى)؛ فى أنق تشكيلى تتم فيه صياغة النص 
على نحو بنائى معقد. تغدو فيه القراءة والكتابة بنية واحدة. 

تستند أية قراءة إلى ما يسمى بالإطار المرجعى 552006) 
of reference)‏ الذى يۇلف مجموع الخبرات والمعارف» التى 
تعمل على تشكيل فعل التلقى. ومعرفة القارئ بالإطار 
لمرجعى للشاعر ضرورية لفهم حركته الدلالية وخصوصيته 
الإبداعية» فهو بمشابة المرتكز الذى يتكئ عليه فى التواصل 


ر م لي ا س تالش ر الرس اذيك 


مع النص وإضاءة مجلياته المظلمة:؛ وإذا كان هذا الإطار 


المرجعى مشتركا فى القديم بين المبدع والمتلقى» لانطوائه 
على مخزون عام من التجارب والرؤى» المشاعر» والمعارف» 
التى وإن تباعدت فى مسافاتهاء فإنها تبقى على صلة متينة 
بالواقع الحضارى فى استقراره وكليته؛ هذا الواقع الواضح ح فى 
أغلب معاله؛ المحدد فى أكثر عناصره؛ الذى يوفر قدرا لا بأس 

التوافق والشرابط الدلالى بين الخاصة والعامة؛ بين 
الباث والمستقبل؛ ويسمح بوصول الدلالة مكتملة دون 
اعوجاج» ويحقق الغاية الاجتماعية الأخلاقية للشعمء إذا كان 


الأمر كذلك فى القديم؛ فان الهرة الشاسعة فی الإطار 


المرجعى الحديث بين طرفى عملية الإبداع عل القراءة 
عملا شاقا؛ ممارسة صعبة من الدرجة الأولى. 

1 فالحدائة تفجير لقاعدة الثبات؛ خخطيم للسائد» قلب لنظام 
الأشياء خرق للمسار الثقافى ‏ الاجتماعى. وبذلك فهى بعد 
عن الإطار المرجعى العام» جاوز لحدوده؛ وتشوير جذرى له؛ 
على نحو إشكالى يطرح الأسكلة الجوهرية؛ دون إيجاد أجوبة 
نهائية؛ ورجوعا إلى الحداثة بما هى انفجار معرفى؛ حركة لا 
نهائية من السؤال والبحث والتجديدء رغبة محمومة فى التعلق 
بالحلمى والأسطورىء والإقامة فى أعماق بنية الذات والعالم؛ 
يصبح الإطار المرجعى للشعر الحديث مجالا كثيفا 0 
الضبابية والتجارب المنداخلة ومضمارا مركزا من المعارف 


لمتنوعة المنصهرة فى بؤرة الدلالة الملتبسة الهاربة المتشكلة عبر 


كل قراءة حديدة. وبمغالاتها فی الرفض »؛ وغوايتها بالتجديد 


المطلق تشكل إطارها المتنائى الذى يكاد يصبح نقيضا للإطار 


الدلالى بين الشاعر والقارئ وتتباين المواقف الشعورية فى 
واقع حضارى معقد› لا تبين فيه المفاهيم ولا تتحدد فيه 
الهوية, ولا يفصح فيه إلا عن غمرض شامل . 

يدو أن البعد الاجتماعى (القراءة) للأدب» كان من 
البداهة بحيث لم ينل حظه الكافى من الدرس فى مختلف 
جوانبه » وهر إن لم تغفله الد راسات الأدبية» فقد انشغلت عنه 
بصلب عملية القراءة فى ذانهاء إلا أن تقدم البحوث الحديثة 
وتطور علم اجتماع الأدب (Sociologie de la littérature)‏ 
قد أفادا كثيرا فى دراسة هذا الجانب» وفضلا عن هذاء فقد 


انصرف علماء النفم إلن دراسة مسألة القراءة؛ وكل ما من 
شأنه إضاءة السبيل نحو فهم النص. 

فأنجزت دراسات مجريبية لعناصر مهمة فى النص الأدبى» 
كانت مهملة من قبل» نذك کر منها ما قام به فیرنر وکابلان 
)Wemer. Kap)‏ فى بداية الستينيات؛ فى دراسة حول 
القيمة الفراسية للكلمات تبعا للقوالب الصوتية المائلة فيها؛ أو 
الأشكال البصرية التى توحى بها .كما قام عبد السلام الشيخ 
بتحليل العوامل النفسية التى نؤثر فى أحكامنا الجمالية على 
إيقاعات الشعر امختلفة "2 . مثلما كان كتاب ‏ رودلف 
أرنهايم («اعطصة .2) فى سنة 14014 ؛ الفن والإدراك 
البصرى: دراسة ة فى سيكولوجية العين المبدعة مفيدا جدا فى 
بيان كيفية تذوقنا للأعمال الفنية 25 الرسم والتصر 
وذلك رجوعا إلى إمجازات علم النفس الحديث فى الإدراك 
البصرى فالإدراك البصرى فعل إيجابى إذ لا ينتهى مخديد 
الدلالة عند رؤية الصورة» بل تتضافر عناصر أخرى تعرف ب 
«العرامل التنظيمية» أو «الجدلية؛ التى تحدث تفاعلاً مستمراً 
بين جهازنا الإدراكى وموضوعات الإدراك المحيطة بناء وهكذا 
تساهم العين بقدر نسبى فى تشكيل ما تستقبله من الدلالة. 

فى ضوء هذا يمكن النظر إلى نظام البنية الشعرية 
البسيطة قديماء وما تستطيع أن تثيره فى الجهاز البصرى لدى 
امتلقى من انطباعات نفسية منظمة» تعين على صياغة 
الدلالة ووضوحهاء بخلاف بناء القصيدة الحديثة القائم على 
التداخل المعقدء الذى يشبه الفوضى» ويساهم فى تشويش 
نفسية القارئ» وميل الجهاز البصرى حملا ثقيلاء يدفعه 
إلى الدخول فى متاهة كتابية ‏ دلالية مجهولة الحدود مشبعة 
بالغموض. ويجدر بنا فى هذا المضمار الإشارة إلى جهود ناقد 
كبير؛ وضع نفسه فيلسوفا للمعرفة وعالما فى الرموز «دلاليا» 
ك وز 
ارمستروخ ريتشاردر Richards)‏ .له .1) الذی کرس إنتا 
النقدى؛ وخاصة فى كتابه ە معن (The meaning _ (ell‏ 
neanin8(‏ 01 للكشف عن كيفية بلوغ التجارب الادبية إلى 
امتلقى» والطريقة التى ممعلها تنم على أفضل وجه ممكن. 

فى رحلة النقد الأدبى انصرف النقاد مرة إلى دراسة النص 
الأدبى وسياقاته الاجتماعية (نظرية المحاكاة الرومانسية؛ 


إبراهيم رمانی 


الماركسية البنيوية) وانصرفوا مرة أخرى إلى الاحتفال بمعالجة 
القارئ لهذا النص؛ ومن جماليات الإبداع إلى جماليات 
التلقى» أو من مرحلة «قراءة النشأة؛ إلى مرحلة «قراءة 
التقبل» على جد اة الا شل ااال 
الخاصة بالقارئ والقراءة قليلة وتكاد تنعدم فى النقد العربى 
الحديث الذى انشغل كثيرا بالنص وصاحبه؛ وأهمل الطرف 
الآخرء الذى نظل بغيابه العملية الأدبية ناقصة؛ ويسقى دونه 
النص موجودا «بالفرة) لا «بالفعل» . 

ازدهرت فى ظل العلوم الحديثة نظرية التخاطب (الباث» 
الخطاب» المعقبل)ء التى أفادت النقد الأدبى؛ فى معالجة 
خصوصية الخطاب الأدبى» بما هو نص مفتوح يستتدعى 
التأويل المتعدد؛ مثلما تطور مفهوم القراءة الذى غدا بمثابة 
قراءة الفلاسفة للوجودء التى تتأسس على معرفة معقدة وخبرة 
ممتازة» ثما دفع الباحثين إلى «تشريح) عملية القراءة عبر أسثلة 
أساسية» ما نموذج القارئ الممتاز؟ هل يلتقى القارئ بذانه 
فى النص أم بذات أخرى؟ هل يقرأ بحرية أم هو يقتفى خطى 
قارئ ضمنى فى النص ؟ وما القاسم المشترك بين القراء 
الكثيرين لحظة القراءة؟ وأسلمت هذه الأسكلة الباحثين 
بالضرورة إلى طرح تساؤلات أخرى مهمة حول الكتابة 
وعلانتها بالقراءة والانتهاء إلى أنهما وجهان لفعل إبداعى 
واحدا ولعل أبرز ما وصلت إليه دراسات الأسائذة المتخصصين 
فى هذا المضمارء هى إمجازات «مدرسة كونستانس 
(إScho0 Kansan‏ )فى ألانياء وذلك بنظرية جمالية 
العقبل» التى تعرف بأشهر ممثليها ‏ هائز روبير ياوس - .11) 
(ؤناة[ .8 والتى تعتمد على مفهوم «أفق الانتظار»» الذى 
ينمل فى الاستعداد الثقافى والفنى للقارئ لحظة القراءة 
وللأديب لحظة الكتابة» وتكمن الخاصية الأدبية للأعمال 
الأدبية فى عدم إرضائها لأفق الانتظار وإحداث الخيبة الدائمة 
فى توقعات القراء(؟؛ أما نظرية «التأثير والاتصال» 2١7‏ التى 
يتزعمها ‏ ولفجاغ إيزر- فهى الخطوة الأكثر تقدما على 
درب نقد جماليات التلقى. 

تعود الأصول الفلسفية لهذه النظرية إلى نظرية «النسبية؛ 
رإلى «الفلسفة الظواهرية» : «الفينومينولوجيا) التى كانت رد 
فعل على الفلسفة العقلية «الكلاسيكية» التى تقول بنسبية 


كا 


E‏ ا 


الحقيقة؛ والعلاقة الجدلية بين الفكر الإنسانى والعالم ؛ 
ورفض أى منهح بفترض مسبفا تكريس الشبات وتعطيل 
الحركة ذات الاتجاهات المتعددة؛ وعلى هذا النحو لا توجد 
حقيقة العمل الأدبى؛ إلا حين يتواصل القارئ مع النص. 
ولا يتحقق مفهوم النص إلا من خلال القارئ» الذى يعيد 
تشكيله من جدید» وهو على وعى بأنه واقع خيالى جمالى؛ 
ومنه تصبح القراءة معالجة لتشكيل متحول من واقع عادى 
إلى واقع فنى؛ وحركة متعددة الطبقات: واقع الحياة؛ راقع 
النص واقع القارئ وواقع جديد يننج عن التحام القارئ 
بالنص. لا يتكون المعنى فى النص من فكرة محددة؛ بل 
يمثل عملية مستمرة تواكب مجربة القراءة المتطورة مع نطور 
النص. هذه العملية النسبية لا مسد سوى وجه من أوجه 
التفسير الجمعى للنص لأن المعنى ليس حقيقة نهائية» وإنما 
يرتبط بمشكلة نوضع فى محاور مختلفة و تختاج إلى تفسير 
لا إلى خديد» ولكى يصل القارئ إلى مرحلة التفسير يجب 
عليه القيام بعمليتى: صياغة المعنى المكون فى إطار؛ ومخويل 
هذا المعنى إلى دلالة بترجمته إلى معرفة (أفكار)» وبذلك 
يقترب من العملية الجمالية بما هى محاولة لآأسر ما له 
خصائص تلح على النظر فيهاء ولا تكشف عن نفسهاء 
وهكذا من خلال تفاعل جمالية الكتابة مع جمالية القراءة» 
يتحقق العمل الأدبى» الذى لا يمثل النص سوى احد 
لخليانه» وتتكون بنية القراءة الموازية لبنية النص. 

لا يوجد فى الواقع قارئ ثمثاز- كما يرى إيزر- وإنما 
هو قارئ ضمنى يظهر زمن القراءة ويمتلك إمكانات خيالية 
مثل النص» تمكنه من الحركة داخل بنية الكتابة والبحث 
عن مرتكزانهاء والفراغات الجدلية التى يجب ملؤها. إنه قارئ 
غير نمطى يلتحم مع النص فى خصوصيته دون الالتفات إلى 
بديل واقعى له أو بناء خارجی عنهء ويعانى القراءة إدراكا 
وإنتاجا للنص. 

تبدأ عملية القراءة برصد العناصر البنائية (الألفاظ» 
الجمل) ثم ربطها ضمن علاقات جدلية» تخيل دوما إلى ما 
هو خارجها وبعدهاء وكذلك تستمر القراءة كاشفة عن 
الدلالات فى عمليتى العفكيك والت ركيب» التى تستعين 
بالخبال والتوقعات الحتملة المتولدة عبر خطوات القراءة ولا 


ااا سسشسشصسسي سس اشعر العربي الحليث 


تعنى استمرارية القراءة انسياب المعنى إذ إن الوقفة ضرورية من 
حين إلى آخر للنظر فى التركيبات الأسلوبية المعقدة؛ التى 
يستدعى فهمها جهدا مركزا لقارئ متمرس لملء الفراغات 
كل تغيير فى «وجهات lلiظر« (Points of view)‏ أو فی 
الخيارات الأساسية فى النص التى ينطلق منها القارئ فى 
فهمه ونفسيره وتتحقق على مستويات أو طبقات هى وجه 
آخر لمستويات البنية وطبفات الواقع» وتلتقى جميعها فى 
وحلة النص وكلية الدلالة. 

هذه بعض الملامح الأساسية لنظرية إيزر» التى لا تبدو 
قيمتها فى جدتها كل الجدة بل فى ارنكازها على أسس 


فلسفية ونفصيلات تجريبية؛ واستفادتها من نظريات أخرى . 


وتجاوزها لها. وهى - فى مجمل القول ‏ تقر بأن النص بناء 
له دلالته (البنيوية) ونظام رمزى (السيميولوجيا) يبدأ بالتفاعل 
مع الواقع (الواقعية الاجتماعية) الذى يتشكل على نحر 
خيالى. ويتحقق من خلال واقع نفسی للقارئ والكاتب 
اعؤسس فعلا إبداعيا واحد! متعدد المعانى (عنوعوبز[2117)5. 

يفرز كل واقع حضارى نموذجه الثقافى ‏ الاجتماعى» 
كما أن كل نص أدبى ينتج نموذج قراءته. وإذا علمنا بأن 
انقلابا جذريا قد أصاب بنية العالم القديم بحيث انقلبت معه 
جميع المفاهيم الجمالية والشعرية وجب علينا إعادة النظر فى 

كان نموذج القراءة القديمة واضحا لدی المتلقي 2 يتبناه 
من قبل أن يدخل فى مواجهة النضء أؤ_ .على الأصحب 
تمثله تلقائيا لانه جرء من تكوينه الفكرى والشعورى» وهر 
يقارب نموذج الكتابة حتى يكاد يتوحد معه فى لغة مشتركة. 
وتم القراءة بفك الشفرات وفقا للمعارف الجمالية والبلاغية 
المتوفرة لدى القارئ» والمألوفة لديه منك زمن بعيذ » التى عدت 
هناء تكاد تنحصر هذه القراءة فى عملية استقبال سلبى» 
وعلى مسار واحد من النص إلى القارئ. 


لكن بمجئ الحداثة و مول الواقع الحضارى» من حيز 
«المقولة» الثابتة» الواحدة إلى حيز «القول» المتحول المتعدد» 
وتشكل بنية الشعر بما هى بنية للعالم من شبكة علاقات 
بنيوية تتمازج عضوياء؛ وتتواصل باطنيا فى مناخ إيقاعى معقد 
تغدو معه الدلالة احتمالية» مشروطة بالسياق اللامحدد 
المكثف إلى درجة الانفجارء وفى إطار هذا التحول ظهر 
مفهوم مغاير للقراءة القديمة يستفيد فى وجوده من إجازات 
علوم كثيرة ومن خبرات الحداثة الواسعة. 

لم يعد النص تصريحا نهائياء معنى كاملاء خطابا منطقيا 
بحدوده المرسومة من خارج النص» وبعيدا عن فاعلية الإبداع 
الحقيقى» وإنما غدا بنية رمزية لا تنفصح عن مخزونها الثرى» 
إلا فى عمق السياق النصى» الذى يقوم على طبقات عدة 
متداخلة؛ غائرة فى ظلمات التجربة الشاملة» إنه سياق ذاتى 
يحقن هويته فى إنشائيته الجديدة أكثر من مخققه فى مرجعيته 
المنهارة؛ ولذلك يكون النص دلالة سياقية نتبدى فى صورة 
متشظية؛ تشع فى كل جانب من جوانب النص وما تخفيه 
يقدر بأضعاف ما تبديه. ومن هنا فالقراءة الحديئة معاناة حقة 
لأنها سعى دائب وراء حداثة هاربة ودلالة متحولة وفق حركة 
جدلية داخلية؛ لا نقرى على حصارها بدقة وضبطها بيسر» 
إنها عملية كشف مضيكة لمتاهة النص, المفتوحة على 
احتمالات كثيرة» تزداد إشكالا بإصرار الحداثة على إهدار 
أكثر القرائن التوضيحية وخرق مجمل القوانين البلاغية 
القديمة؛ ومحاولة لاهئة لإقامة بلاغة جديدة معيارها التغير 
المفاجئ الذى تخيب معه كل توقعات القارئ. 

حرج النص من المكان «الأوقليدى» إلى التسزامن 
«الذرى؛: وأمست الدلالة فضاء قابلا للبحث والاكتشاف 
الذى تتعدد مستوياته بتعدد القراءات» ومستوى كل قارئ. 
هذا الفضاء المشبع بالسرية والفموض حت ألوان من الرمز 
الغريب والصورة المركبة والإيقاع المعقد الذى يموضع القارئ 
فى موقف المطاردة المستمرة لعنى يأنى ولا يأئى» يحضر 
ويغيبء؛ عبر التفكيك والتركيبء الاستبطان والتحليل» 
والإقامة فى باطن التجربة والخوض فى قراءة هندسية مرجعية 
واستكشافية فى أن. 


اھ 1 
إبراهيم رمانی 


الشعر نشاط ثدافی و الى نوعى يست م ثارئا نرعيا: 

ل على قدر ضردری من الاستعداد الجماء ن والثثنافى الذى 
بمکنه من ولوج عالم التق ككينا ا أن المتىفى لأى عل 
له الارتكاز على قاغدة أولية من المملرمات الخاصة 


U 
A فاه‎ 
؛ فانه يجدر با‎ 


ذل العلم» قبل الد شرو / فى عملية الل 


وامتااك ذائقة جمالية متطورة: 


1 





د ماح جربة مته ة ومعاناة أليمة تأسقة 

ن ب 1 9 و 

١ 5‏ 32 م . 
2 نعارةولا بمكنبا أن :شاد بحت وا تار ضحز 


الشنافة . سيم الذرى» لا يفدر الشعر حن قدره: 


ويتضشاعن شرط القراءة مم الحداثة ليصيع مهمة صعبة: 


ال نق سما معرة معتل ¡ راف جسالى مسرن ای عند 
ف اشک لحديدة: ال نتم جمبعها ٤‏ تأنن 
ww 5-5 0‏ 7 و 
الذاابة. لذلك ينبغي للتارئ الحديث أن يتكىئء عم 
EE a EE‏ رج ٣‏ کی کک 


eu. 


. وان يمتدلا دانامه 


1 


جو ت ن الثقافة العأمه »! 
ر ټ 
A e‏ كد E‏ 
حسالية مذريه») تمكنه من اندحول لی EL REE‏ 
ل 2 
5 1 و EG,‏ 
,نداب الدلالة المسية؛ ونير دنل فان الف رئ كين يرق 
ب ر 


3 : 
حازم القرصاجنر :بعد ال تيب عنه سرا ایک ه وبدذالعة: 


0-75 8 ع ويه 5 1 “3 38 
الى جمالى متكامل ( وإذا كال نمود جح الحدالة على الحو 
3 


١ لذي‎ 


مستحيلا بالشمة إلى قاری بسدر تی قراءته م لمرذج 


3-3 


ا )1۳( 


ال ! EE ١‏ 
رأيناه فى النصول السابئة, نَإد فب هد الشعر بغذر 


2 


اا وجمالى يرئد إلى عالم | القروك الر 


سيسق القرا اة الكتابة بره ى 
أنتجياء وإذا ثبت ت لدينا أن هناك 1 تبايناء قد قديصل إلئ 
الاقف ١‏ ر“ نمرذ الكثابة لدى النخبة الشعرية ونموذج 

ا *«سا اذ . م ريا 
القراءة عند عامة الناس» لاختلال بنية الواقع 0 
وانضرائه على مفارتات حادة: تتزامن فيها الثقافة المي 
مع الثقافة العامة, ويختلط نيبا الإبداع 3 مع التقليد العقيم) 
إذا لبت هذا كله ؛ فإنه يبين . لنا مدى البعد الكائن بين 
القارئ والشاعر» بين النص والراقع. وكيف أن الحداثة فى 
رفضها السائد العام» قد أحدئت انفصاما جوهريا مع الجذورء 
وولدت مشكلة عريصة للقارئ تدعى «الغموض!. 


. 1 78 
عجز القارئ عن اتات الدلالة ار عجر الشاعر ع 
4 : 1 ع م 
الترصيل الذى يؤدى إلى الإبهام فكلاهما- إذدت- 
يتسبب الى وجاد ضاداز انخموم ٠‏ ويشكاأ ما يسمى ب 


الجانب الذانى 1 لی متايبل «الحانب المرضرعى 1 الخاص 


لشبيعة الشعر لی حد ذال 


»اذا سلما بن ماني فى المائة من ال الع بے يعاد 
له 5 سر ی ا من انضعب انعری یدای 


5 ٤ 
EF Mi 5 ل‎ 
٠م مء مشكليه الامية ءال شاللسية ها لمسهة لهسم الملمشهي'‎ 
يه ر م ل 5 ت‎ 


دات هى اسحات ثقافة استيلاكية سائدة: ذات 





ا ' واب COE‏ 
الحميفى ليس به جور انم له قا يشكدان نقة 
الب رجه ازية الصغيرة» ات تمارس فعل الحدانة ألا نشلابى 
الحياة انسائدة وتصنم العاريخ ؛ إلا ان أدوليم يستطرد 

N 2 2‏ 8 و س 2 

٤ 

شم ات ا 

مضه اخ رای 


اا ف 
ن هذه الفئة aS‏ 


٠ 

KE 8 
33 
5 


وا کب رن م ھی یداع ر 7 


ا ميس8ة6ة6ةيييششةن:”سصم_سشس سمي س الشعرالعربيالطيث 


ويرضى بالقطيعة على أنها نتاج الفورة الكلية وأمية الجمهور. 
ليس هذا الطرح الأدونيسى لمعادلة الشعر والشورة» الشاعر 
والقارئ» سوى نرعة مثالية تعمل على تكريس «نظرية النخبة) 
التى فقدت قتها فى الجمهور؛ وتعلقت بطيف الأسطورة» 
وإذا كان الكاتب الابتذالى - كما عرفه لينين ‏ هو الذى 
يفترض قارئا لا يفكر أو غير قادر على التفكير» فماذا يكون 
الأمر مع أدونيس الذى يلغى حضور القارئ العربى تماما؟ 
لاميته مرة؛ ولتكوينه الثقافى القديم مرة ثانية؛ ولشغفه 
الإبداعى مرة ثالشة. إن الابتذال قد يأتى من التبسيط المفرط 
أعرلة جافزةم مراعةة لست الجمهور: لكن الابتذال قددياتئ 
وهذا ما حدث فعلا ‏ من مخادعة هذا الجمهور باصطناع 
التعقيد والغموض الشديد. 
لاشك أن القارئ العربى يغالى فى شكواه من الغموض 
لأسباب عدة جعلته عاجزا أو متعثرا فى قراءته النص الشعرى 
الحديث» لكن هذه المغالاة نفسها تجدها لدى النخبة الشعرية 
الحديثة؛ التى تدعى على لان أدوئيس ‏ مفلا بالقول: «أنا 
ا قصيدة غامضة فى الشعر العربى الحديث کلم . 
«إن وجود قارئ واحد يفهم قصيدة ما كاف لإزالة صفة 
الغموض عنها»”*١2.‏ ولدى خالدة سعيد التى تبدو أحيانا فی 
كتابها (الببحث عن الجذور) أشد تطرفا من أدوئيس نفسه» 
فهى حين تدرس قصائدء لا جد ما تلومه عليه سرى 
«الوضوحة» وترجع كل أسباب غموض النص إلى جهل 
القارئ» دون الإشارة إلى واجب الشاعر إزاء المتلقى» تقول: 
إنه ابتعد عن الغموضء لكن هذا الابتعاد جاء 
متطرفا حتى إن القصيدة (البعث والرماد) جاءت 
شديدة الورضوح» وهذا لا يستحسن أبدا..؛ أما إذا 
كان عامة القراء لا يفهمون هذه اللغة الخاطفة 
فهم المقصرون. اچ لا يعرفون تاريخ بلادهم 
ولا أدبها القديم» ولم يتشقفوا ثقافة مؤهلة لفهم 
ال 
إنها كم فى ثقة كلية ‏ درن استقراء علمى واجتماعي 
كاف على هذا القارئ «البائس؛ وتصفه بالجهل والكسل» 
وهى فى دعوتها إلى جاوز الشاعر للمتلقى, وانتقاله من 
الواصف إلى الكاشف. حمل دعرة ضمنية مؤداها الهروب 


من التهريج فى بلاط الك إلئ التهريج فى (برج عاجى) . 


يقدم أدونيس وصفا جيدا للثقافة العربية المعاصرة فى 
كتابه (الشابت والمتحول)7'/: محددا ملامحها 
بالإيديولوجية؛ الاستهلاكية؛ السفلية. وهى التى تشكل 
نموذج القراءة لدى جمهور الشعر الذى يظل متخلفاء بل 
متناقضا أحيانا مع نموذج الكتابة. وإذا تأسس النموذج 
الحديث للقراءة على جهاز مفهرمى إيديولوجى؛ ومعرفة فنية 
مسطحة؛ ووعى جمالى سلفى» فإنه لا ربب ينتهى إلى العجر 
عن التواصل مع النص - فى تركيبته المعرفية والجمالية 
الجديدة ‏ هذا العجر الذى يتحول إلى موقف لإلغاء (الآخر» 
حت ذريعة «الغموض». يصح الوصف الأدونيسى إلى حد 
كبير» غير أنه يظل مبتورا فى معالجته ظاهرة الفمرض من 
زاوية واحدة؛ يلقى منها كل أعباء الحداثة على القارئ» دون 
الالتفات لحظة واحدة إلى الشاعرء ألا تنطوى الكتابة 
الشعرية؛ مثل الحداثة العربية؛ على خلل عميق يسكن 
أعماقهاء ومن ثم راح جزء كبير منها يخوض فى المتاهة 
المعرفية ‏ التاريخية:؛ هذه المناهة التى تفضى إلى هاوية 
المجهول: وعلى حد قول الناقد نبيل سليمان: 
«ثمة الكثير مما يغرى بالجذرية» ويزوق الأحلام 
ويدغدغ النزعة المازوحية» وكذلك يبرئ الذات. 
ثمة الكثير مما يريح الصدر من هم الحاضر عبر 
الإحالة المطلقة على المستقبل» وربما كان فى 
هذا - ضمن الوضع النفسى الأزوم السائد» 
وضمن حالة الإحباط الواسعة ‏ أحد الأسرار 
الهامة لانتشار الظاهرة الأدونيسية "٠‏ . 
هل ينبغى أن يظل الجدال قائما على أشده بين سائل 
يقول: «لم تقول مالا يفهم؟) ومجيب يرد ولم لا تفهم ما 
يقال؟» ويدور فى فلك «الاتهام» الذى يفضى إلى القطيعة: 
بدل أن توضع المسألة فى سياقها الحقيقى؛ وتدرس على 
محك التجربة الفنية الخاصة (النص)» والتجربة الثقافية - 
الاجتماعية (العالم) ؛ وعندئذ تتكشف العناصر الأساسية التى 
تؤلف الظاهرة» فى إيجابيتها وسلبيتهاء وتعالج بأتجع السبل 
الممكنة؛ وذلك بالتعاون بين طرفى العملية الإبداعية» الشاعر 
والقارئ قصد إيجاد معادلة صحيحة للنص الشعرى. 





إبراهيم رمانى 


واعتمادا على ما سبق؛ يمكن الوقوف عند حل 
«احتمالى وضرورى» يتوزع على المبدع والمتلقى معا؛ 


العوامش 


)0( راجم مصطلح «التخييل» فى كتابى : 
نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين» ألفت الروبى» دار التنوير» ط ١‏ » 
بیروت ۱۹۸۳ ص ۱۹۳ . 
_ الصورة الفنية فى التراث التقدى والبلاغي عند العرب؛ جابر عصفور؛ 
دار التنوير بیروت ۱۹۸۲ ص ٦٩‏ . 
(۲)نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين؛ دار التنوير» بيروت» ص ۱۱۳ . 
(۳) امرجم نفه ص١١٠٠‏ . 
(4) نفسه ص۱۱۸۰ . 
زه ابو هلال المسكرى الصناعتين: » ت. ميخم أبق الفضل إبراهيم وعلى 
محمد البجاري: ط ١؛‏ دار إحياء الكتب العربية» مطبعة الحلبى ؛ القاهرة 
۲ص 9۳. 
(5) يرحع إلى مجلة دراسات عريية :الهوبة والغيرية فى المقال الفلسفى 
العربى ا على حرب» ع س۱۸ ٠‏ بيروت ؟لمقل صد. 
() الإيقاع الشخصى والإبقاع فى الشعر المفضل: رسالة ماجستير» كلبة 
الآداب» جامعة القاهرة ١51/١‏ . 
() مجلة فصول «من قراءة النشأة إلى قراءة التقبل»؛ حسين الواد ع ١‏ » 
مه القاهرة 21544 ص» ۰۱٠۹‏ 
(۹) انظر : H.R. Jaus. Pour une esthétique de La réception. Ed‏ 
Gallimard, Paris. 1978.‏ 


Wirkungsund Communikation theorie. انظر؛‎ )٠١( 


وضع إيزر هذه النظرية فى كتابيه القارى الضمنى. (60ذامها 756 
۲ ) و فمل القراءة (The act of Reading)‏ . 


ج م و رع ب 


فى تصحيح نموذجه الإبداعى «القراءة ‏ الكتابة» » وذلك 
استنادا إلى وعى عميق ومعرفة كلية بفن الشعر؛ وبظاهرة 
الحدالة» وبالواقع الحضارى کله. 


)11( راجع مجلة فصول. «نظرية التأثير والانصال» نبيلة إبراهيم ع» ١ء‏ م 9› 
القاهرة ٤۹۸٠ء‏ ص .٠١‏ 

)١1(‏ يرجع إلى منهاج البلغاء لخقيق محمد الحبيب بن خوجة؛ دار الغرب 
الإسلامي؛ ط ۲؛ بیروت 194481 ص۱۲۲ ٠۲١‏ . 

)1١(‏ يرى روزنتال فى كتابه شعراء المدرمة الحديفة (ص )١4‏ أن الغموض 
الفنى المعب على النهم لا يعود إلى القصيدة وإنما إلى الزاوية الت 
بنظر منها إلبها. 

)14( يرجع إلى مادی النقد الأدبى ١‏ . ريتشاردر» ت؛ محمد مصعفى بدرى» 
مطبعة الألخلو المصرية القاهرة» ۱۹۹۳ ص ۲۷١‏ . 

4A8 يروث‎ ١ جهاد فاضل قضايا الشعر الحديث دار الشروق. ط‎ (1o) 
.۲۸ ص‎ 

)1( أدوئيس زمن الشعر, دار العردة. ط٣‏ بیروت› ۰۱۹۷۹ ص ۱۹٤‏ . 

(10) المرجع نفسه ص. 117 . 

(/1) مجلة الموقف الأدبى» «ندوة ظاهرة النمرض فى الشعر العربى الحديث» 
ص ۹۱ 2 ۷ میق ۱۹۷7 

(۱۹) المرجع نفسه» ص ٠١۱‏ . 

. ۱۰۹ ص‎ ۱۹٩۰ خالدة سميد؛ البحث عن اججذور؛ بیروت‎ )۲١( 

(51) أدونيس : الشابت والمححول» ج ٣‏ صدمة الحداثةء دار العودة ١‏ ؟ 
يدروت ۹ مر ۰۲۱۵ ۲۲۵ وکذلك فی کتاب فانحة لنپایات 
القرن؛ دار العردة؛ بيروت 21948٠‏ ص 114. 

(۲۲) نبیل سلیمان مساهمة فى نقد النقد الأدبى» دار الطليعة» ط ١؛‏ ببررت 
۴۳ص ۲۱. 





16 


الا لبيئي:117 ةلازا اا ااا ااا لاا ااا ااا اماما ااا 


فی ا جدوی الشعر 





بول شاؤول* 


GERRE جو‎ SR ERGE عد‎ EHRE 
TTT 


لا جدوی الكتابة 

هل يمكن أن تقول شيئاً فى الكتابة. أقصد فى الشعر؟ 
وماذا يمكن أن تقول ؟ وهل إذا قلت شيئاً يعنى أنك كتبت؟ 
وهل إذا كتبت يعنى أنك قلت شيئاً! جوهر الكتابة؛ هل هو 
فى أن تقول شيكا أم أنه فى قول لا شئ؛ أو فى قول 
اللاشئ؟ 

مجرد التركيز على اللاشئ» يفيد معنى الك أو على 
الأقل يفيد معنى الخداع . 
الكتابةء الآخر. والعلافة بينهم ؛ مجرد خداع؛ وف «أجمل) 
مسافة القتل ( أى الثأر ) بين أطراف المثلث. الشاعر يكتب 
وبمسخ كجابته؛ الكتابة؛ ممسوخة تفادر بيت الأب إلى 








مصيرها الغامضء لتبحث عنه وتقتله؛ الآخر ( التلقى» 
الجمهور )؛ ينتفى بين العلاقتين؛ يلغى فى مسافة الوهم 
القائل. إنها ظاهرة الشأر المنعمد أحياناًء والغريزى أحياناً 
أخرى . 

فى هذا المناخ التكوينى الملغى أو المغتال باستمرار» 
ينتفى الشىئ ونقيضه» يلمع اللاشئ. والمسألة أكثر من سوء 
تفاهم» وأكثر من علاقة عبشية. سوء التفاهم ينطلق من أن 
أحد الأطراف يقول شيعا لا يصل إلى الآخرء أو أن الآخحر 
يقول شيئاً لا يصل إلى أحد الأطراف. والعبث أن ترد على ما 
هو موجود» بشۍ یفترض أنه موجود فى الذات» أو فى الآخر» 
أو حتى فى الموت. والانتصار فى النهاية للمعنى» أو اللامعنى 
الذى يكتسب معنى آخر. 

هل هى لحظة التكوين الأبدية؛ المسفوكة بحاضرها 
الأبدى؟ هل هذا ما يقصده البعض من أن الشاعر يموت 
(يقتل ) بعد كل قصيدة.. وأن القصيدة تستقل بميتتها 





بل عارك اناا اس بيب ب ب ب 


الموصولة حم اها اد الشتاعر )ع وآن الاجر 
(المتلفى) يبحث عبثاً عن هوية القاتل والقتيل (الشاعر 
والقصيدة) » من دوك أن يكون شاهداً أو وارثاً. 


إذن؛ ما معنى أن تكتب شعراً؟ معنى الكتابة فى لا 
معناها؟ كل شىء «يقول» حولك. الأنياء. الرسل . 
الفلاسفة. الموتى. الأحياء. الادباء. الثورات. التاريخ. كل 
لحظة تتراكم على ل قل لظ قلف صح أنت 
ركاماً من لحفلات لا تعرف متى جاءت» ولا کیف جاءت» 
ولا لماذا جاءت. نكتب كى تنفض ركام هذه اللحظات عن 
جلدك؛ وثيابك؛ وأشيائك؛ كى تنفض ما يقال حولك. وما 
بقرله الأنبياء والرسل والفلاسفة؛ والمرتى» والأحياء؛ والأدباء» 
واللحظات؛ والتاريخ كيين للد أن نفصل اللحظات عن 
تاريخهاء أن تنفصا انت عنهاء بكل ما يمنى 

هذا الاننصال من نوحش و وحشية وسكونية ا أن 


معدهاء عن 


تنفصل أنت عنهاء يعنى أن تبقى حيث أنت . من دون أن 
خدد مكانك؛ ولا زمانك. من دوك أن متخدد جسدكء ولا 
كلماتك. أن تنفصل يعن ى أن لا تتقدم؛ ولا تتأخر ولا تدور؛ 
رلا تعحرك. لا تذهب إلى مكات . ولا تأنى من مكان . أن 
تبقى فى العدم الغامض الذى لا يريدء ولا يقول؛ ولا يسعى» 
ولا ييحثء ولا يكرن . العدم الكائن فى عدمه . 

الدين فى منطلقاته؛ أو بالأحرى فى جانب من 
منطلقاته» عدمى . بنفى الراهن الدنيوى: هذه الحياة فانية 
وباطله؛ ينفى «الفبات»» يؤكد باطل العالم ولا جدواه. 
لكنه عدم يبحث عن معنى فى العالم الاخر . من لامعنى 
الرجود إلى اللاوجود. من وهم الحاسة إلى حقيقة 
التلاشى. شئ من التناقض بين الموت والحياةء بين السر 
الكامن والجوهر المعلن. إنه يكمل العسدم إلى 
صيرورة الابدية. 

الماركسية فى منطلقاتهاء أو بالأحرى فى جانب من 
منطلقاتهاء عدمية:» تنفى الراهن السائد» تنفى «الشبات؟» 
تؤكد بطلان العلاقات القائمة؛ تعدمها. كونها عدمية تبحث 
عن معنى فى العالم الإنسانى» العالم الأفضلء الإنسان 
الجديد» جدلية العدم والقيامة» جدلية التناقض الذى يسعى 


سواه إلى 


EY 


إلى تدمير ذاته» العدم المستمر للوصول إلى الصيرورة الأبدية: 

لم اللاتناقضات. الأساطير الدينية وغير الدينية تبدأ من 
0 لتصل إلى الحياة. دائماً كانت تعدم الموجود لتصل إلى 
الآخر الآخر المتعدد هناء الموحد هناك. هذا الآخر هو أخخر ما 
يصل إليه العدم 


الحلقة فى اثنتين؛ العدم فالحياة؛ أ العدم فالحياة فى العدم: 


... آخر ما يصل إليه الموتى . دائما كانت 
أى الآخر المعدوم فى عدمين . إنها فلسفات التفاؤل؛ مبنية 
على ركام العدم؛ لكن إلى 
سماوية؛ أى قدرية في 0 القدرية تراجيديتها أنها عدمية. 


6 6 
شمس اخری؛ تموزیه ؛ ادوئيسية: 


تمحر كائناً لينتصر كائن آخر أكبر. ماذا بقول إنسان قدری 


:أ لك 
یک و مجرد م٠‏ مسأكته المشلة و مسالته السائقة؛ مج دمل 
ا س 3 س 


کلامه. من سلطته» من ضعقهة من موته. لا شوء. قول 
العدم لأن العدم يقول أيضا. القدرية أصفى جواهر العدم. 
حتى الحرية فی كا زمن وفى كل مكان؛ ونى کل شرو صها 


١ '‏ 
وأحلامها وجنونهاء محكومة بقدرياٍ ماء بلا حرية ما . لذ 


الحرية؛ نفسهاء فى الكتب وفى الأذكار روفى الأ جساد ورفى 
الغرائز» من قدريتها أنها عدمية أيضاً. لهذاء ربما يقرل العم 


ب 


إن الحرية غير كائنة؛ وإنما تأ 5 و 


ييتى فى لنو الكلام. فى لغو الإنشاء. ما معنى اد تکل 
ET‏ 
«حرأة» فى نظام قدرى كامل فيك Ee‏ 


الحرية كالقدرية ( وهى منها) اذ جواهر العدم. علق 
هذا الاساس ربما اعتبر الفرضويرك» قدامى وجدداًء أن لدم 
والتخريب والإلغاء وحتى الفتا أجمل لحظات الحرية. أى 


أن الحرية أن تبدا بإلغاء الكائن ذى المرجعية؛ ذى الرجرد» 


وذى البنية. أو ليست هذه أيضاً من أصفى جواهر العدم. 
لكن اله لفوضويين» قدامى وجددً؛ فى كوتهم أخذرا بجاهز 
فكرى» أو عاطفى أو فلسفى أو حضارى» ينفذوك بحريتهم 
قدرية ما هى من جواهر العدم أيضاً . على أنهم فى فوضاهم 
يرمون أحياناً كثيرة أحلامهم على ركام ما يحطمون؛ ليقعوا 
فى الكلام الآخر؛ غير الفورضوى» 1 بالأحرق ليقعرا فى 


الآخر. ومن عدمية إلى أخرى: الآخر 9غير الموجود» . الحركة 
المننية. المسافة المحروقة . من اللاتواصل الفوضوى إلى 


احتمال التواصل مصالحة إنشائية؛ كلامية. أى عدمية تتبرج 
متها 


ا و ا ا ا و م ا فى لا جدوى الشعر 


الس رياليون» من فضت" ومتصالحين لاحقا)ء داروا 


وا سارل 


حول عدمية ما وحول لا مصالحة ماء رفضا ! وفكاهة سوداء 


وإنكارا وتخريباً» ثم راحوا ييحثوت عن قبول . مسرا أحياناً 


الصلب والعميق والمتناعى من غيوب وحضارة ومسطلحات 

قائمة وقواني' ن وأخلاق» ثم تعبواء وخخافواء , كالأطفال: وبعدما 
اغتالوا كل آبائهم الظاهرين وا مستترين؛ ؛ على الأرض وما 
بعدهاء راحوا ييحثوك عن ات كحكاية الابن الشاطر فى 
الترراة. وفى عمقهم ندامة قاسية:؛ وتور ةَ (دينية): فوجدوا 
ا الببوى. فمن نقطة أحر توا عليها الجسور 
حتى أقصى المعانى» إلى E‏ الجسور حتى 
أقصى المعانى» مافة من عدمية «غاهرية؛» إلى عدمية مبطنة) 
أو احتسالية. قلنا «عدمية ظاهريةة لأن السورباليين؛ راحوا فى 
عز فرضويتهم ينقبوذ عن «تاريخ) لهم ؛ فى الحضارة» وفى 
ذلل لك وهج الحاضر. (وكل 


ا ختلف فى الحضار کا ليده 


روا فى 


حاص ر عدم . لاه لايستمر) وکا قرافي عدمين بعلم 


¢ 1 لى عدم مي صوا ل فى التاريخ 


EE‏ . لک ن فى محاولة عقلتهم 
0 بالتم راضى وصلوا إلى 


موصول من التاريخ (المنتخب 


الإيديولرجى (المنتخب 
:اللامعقرل» ا سواء بالتبنى 

حيث ما كان عليهم أن صل يصلوا: إلى «تذهين ۲ اللحظة 
ا لعدمية؛» والتاريخ العدمى والكائن العديم. عقلنة اللامعقرل 
عدمية أخرى» غير تناقضية» وغير جدالية» و غير تفاعلية 
حتى. أئ أن عقلنة اللاشيء توصل إلى اللاشى... قد تکون 
سيان. فهل كان عليهم أن 
يتلاشوا فى هذا اللاشئ؟ أن يكونراء بقولهم وفعلهم 


٤ 0‏ 
هذه نعمة بروتوك أو خصيكته. 


وهواجسهم» هذا اللاشئ؛ أى إلغاء الغريزة التى تمدد مسافة 
بينها وبين ١‏ العالم؛ أو تدمير أداة الرعى بدرجاته 5 
نغى الحسد ذى المدرية الماهرة» ودی ن الذ ی 
يبيد؟ رهل هنا تبدأ ا “أو بالأحرى دا اللا ال 
ا واللغة تصبح ح فى هذا الإطا, ر اللاتاريخ ا 
اللاتا, ؛ 2 : إللك! 
واللاتاريخ هو اللغة؟ | أكثر: وهل هنا تكون اللالغة فضاء 
غامضاً للاتاريخ ؟ نعود هنا إلى المناخ التكوينى الملغى. أى 
الذى يعيش رون الدائم . وما معنى أن يكون السورياليون 
«لغةاء و١تا‏ ريخا ؟ يعنى . أن ينخرطوا فى وهم الجدوى؛ فى 


وشم «الخلرد؛؛ فى وهم :لأر , أى فى رهم الحضارى 
(الآخر) الذى شهروا تؤوسهم عليه. أى فى وهم «التاريخ؛ 
وفى وهم «اللغة). ب بمعنى آخر» راحوا يبحثون عن «اللغة؛ فى 
«اللالغة OT‏ » وهذا ما أفضى 

بهم إلى ثنائية معهودة؛ أدخلتهم تباعاً فى هذا النوع من 
الاشماء المتردد الذى عمقء باطرادء هذه الثنائية ؟ من هنا 
يمكن البحث عن الركام «الإنشائى؛ » و«البلاغى! » 
فى النص السوريالى الأكثر تظاهراً بالعدم. أى 
مع المرفوض (وإن ظاهريا»؛ الآخر بكل 


e‏ و 
لمتوا 


ما يعلى من تست EE‏ لهذا ربماء اتهم 


السورياليون و(الطليعيون) بأنهم طفيليو البورجوازية العائمة 
على سطح المجتمع. أى الارتباط بمرجعية تشكل مجمل 
علاقات راسخة» فى حين بدا وكأن السوربالية طيران فى 
فضاء» متحرر من التاريخ. ولهذا السبب» وقع السورياليون 
على أب آخر هو فرويد الذى طمس المرجعية المتسلطة وصولاً 
لى القعر المظلم؛ إلى الباطن الأقسى والأكثر تفلتاًء إلى طرف 
0 زة المطلقة؟ لكن ماذا يمكن أن يفعل السورياليون بكل 
هذه الأثقال؟ الماركسية؛ الحدسية: الفرويدية» الفوضوية».. 
والبورجوازية! كيف يمكن أن يصل السو ريالى إلى «الحرية) 
1 و إلى «الحلم) أ و «الكابوس؟» أو «الحب» حتى وهو مقيد 
ی کل هذه الذاكرات والتواريخ والأفكار والأذهان واللغات 
والتجارب؟ اد راد أن يجد تتزيراً ا عند فرويد أو عند 
ما رکس أو برجسون أو تروتسکی» أو حستی عند رامبر 
ولوتريامون وجملة من المكتشفات السابقة! لماذا يجب البحث 
عن سلطة؛ عندما نکون على طموح إلى الحرية. بل لماذا 
يجب خويل الحرية إلى سلطة. إلى تاريخ. إلى لغة؟ بروتوك 
حلم بالحرية وتخول إلى سلطة» حك بيانانه أيضاً إلى 
«كاتدرائية؛»؟ كل هذا يعنى أن السورياليين ارتدواء (وفى 
عمق نصوصهم) إلى النقيض: حجروا العاصفة؛ وقولبوا 
الريح؛ ومنهجوا الغريزة» هنا يمكن الكلام ,على أصالة 
ا و «انحراف) السوريالية. ما بين تريستان تزارا (رائد 
الدادائية)ء وأندريه بروتون (رائد السوربالية) . ما بين ما ركس 
ولينين. ماركس هر اللحظة المفتوحة وليئيل هو المؤسسة؛ 
(السلطة). ٠.٠‏ > - ..صه هو الاحتمال. لينين هو 





اي ال و 00 


«الواقع؛ . لهذاء ربماء يبدو ماركس هو الشاعرء ولينير هر 
اا 


الدادائية عبشت» واستبقت العبث فى كسوره وشقوقه 
وفجراته. الدادائية فجوة» كل ل شئ يسقط فى هذه الفجوة. لا 
شی يعلق. لا مستقبل لشئ فى شئ .. لا بناءء لا بنيةء لا 
تطور. لا وحدة . لا زمن. لا مكان. لا كاتتدرائيات. لا 
مؤسسات. لا إيديولوجيا. فقط العبث. فقط العدم. التحرر إلى 
العدم. الموث إلى العدم. الحب إلى العدم. اتتخريب إلى 
العدم. اللغة إلى عدم. التاريخ إلى عدم. كأنها الشعرية فى 
نتاجها الصافى فى جوهرها اللازمنى وعندما استولى بروتون 
على «الدادائية» حولها إلى مؤسسة: إلى «نظام» إلى «قانرك؛ » 
إلى «عرف» إلى «مصطلح» فأفقدها «عدميتها» الشعرية هذه. 
أدخل ديكارت إلى شفافية القول . أدخله بمباضعه وصقيعه 
وجفافه إلى حيث لا يحتمل القول حتى الهواء. وبهذا أدخل 
«السوريالية» التاريخ. أدخلها «هدفية؛ ضيقة؛ ورطتها فى 
دتناقضات» التواطؤ والعلاقات القائمة؛ صالحتها مع العالم؛ 
رغم ماأبدت من شرور و«عداء؟ وسلبية ضمن ١حلم‏ 
التغيبره ؛ تغيير العالم والحياة. لكن اذا على السورياليين» 
عندما ينتفضوك 0 «اللاواقع» أو (الواقع نع الأخصراء در 
الحلم)؛ أن يغبروا؟ وماذا عساهم يغيرون؟ أن يعطوا للعالم 
معنى؟ أن يختاروا الإيديولوجيا؛ أو أن يحملوا على 
كراهلهم «مسؤولية) تغيير العالم؟ وهل إذا كان العالم عبثياًء 
وحضارته متوحشة وجدواه بلا جدوى؛ على السورياليين ا 
يلعبوا دور الأبياء» و «المصلحين؛ وحتى الرؤيويين؟› 
لإعادة البناء من أجل عالم أنضل. لماذا كان عليهم أن يرموا 
هوياتهم الفارغة» الصفراءء المتطايرة على الأرصفة والطرقات» 
ويحملوا هويات حزبية أو مؤسسية؛ ليتحولوا من صعاليك إلى 
رجال شرطة؟ إلى حماة قوانين وأعراف وبنى» وإن كانت 
قوانينهم وأعرافهم وبناهم . ٠‏ لماذا عليهمٍ أن يحولرا الغابة 
بلعل إلى حدائق مهندسة؟ لماذا عليهم أن يحولوا الأشجار 
ولا زهار والورود والحيوانات والوحوش البرية إلى أشجار و ورود 
رحيوانات و وحوش «أليفة» تمرح راضية بين أتفاص 
الججمعات المتمدنة والمهذبة و المطيعة؟ هذه المسافة من العتمة 
إلى الضوءء من «اللاتاريخ؟ إلى «التاريخ؛» من المونى إلى 


1. 


الأحياء؛ من المسدس المحشو إلى المسدس الفارغ؛ من الفضاء 
لى 7 البيانات» من فوطي إلى العرف» هذه المسافة هى التق 
ا : ذهبوا ا وزمرا: î‏ رينيه ا ا راجوك» 
واو" کی ؛ وبريفير» ذهب كل منهم إلى سور رياليته أو إلى 

لاسورياليته» انتهت المغامرة «الجماعية؟› ولم بدا »> ربما 
المغامرة الفردية التى كان «يجب؛ أن تبداً. لأن المغامرة 
الجماعية هى إياها العلاقات الاجتماعية السائدة وإ كانت 
لسوريا! لية جماعيتها» 
لأن الجماعية أي تكن «فرضويعها»» تحمل فى داخلها 
(جدړی)؛ ولامعنى)؛ هما نقيض حلميها. ا المدارس 
والاججاهات الشعرية الجماعية حملت فى تضاعيفها 


سافرة هنا أو مقنعة هناك. أتعس ما فى أ 


«اسراض؟ السلطة؛ أى أمراض الإرهاب سواع على صعيك 


اعتساف السلطة اجماعية 


42 
لماذا يجب أن تكتب مجموعة تنتمى إلى مدرسة ماء 
له م متشابهة؛ ومقوبة» سرعاك ما تتحول ا ف متداولة» 
0 . . 
ونظن ان هذه الممارسات ل 
0 السائدة ا (يجماعي عيتها) ؛ إلى 


أداة لإيقاء ال للغة فى ام المتداول 2 أر فى المنشا 


0 


لمحشابه. بمعنى أحر» 
خويل 0 تاريخ أى إلى #مشعارف 
عليه؛؛ أى التباس» والآخر رفرس ؛» وذوبان مزيف فى 
التجارب وفى المقاربات. لا نظن أن ئمة شيئاً فى الشعر يحث 
على «التضامن»؛ و«الرناء؛ ؛ وا 8 و«الانسجام» ( على 
طريقة الفرسان الشلالة)» أو :الرفاقية» فى الحزب الواحد. 
التجربة الجماعية كونها تحمل معنى «الجماعية» ( التألف) ؛ 
تشكل تواطؤاً على الشعر نفسه؛ لأنها ترهقه بإرهاصات 
ليست منه؛ وليست من علاقاته الداخلية؛ وإنما من علاقات 
«الجماعة؛ و القبيلة الجديدة؛ إنها تفضل الآخر ( الجماعة؛ 
والنظرية) على الجوهر الشعرى ( المتوحش» العدمى) . الشعر 

لحظة خاصة . والشاعر لحظة حاصة و«المغامرات» الجما 

نفى لهذا الخاص لمبتور المفصول» نفى للشاعر . وتالياً نفى 
لحرية أو لوهم حرية؛ أو لعدم حرية. الحياة الجماعية نفسها 
استلاب وجحيم وجفاف» فكيف بالمغامرة الشعرية الجماعية. 


مسيم اع ج دای ا وی ا 


أهم ما فى الرومانتيكية أنهاء مع كونها «اتجاها؛؛ بقيت 
كالمرض» بعدوى لا ترد» أى باستجابة فردية» وإن كانت 
حدود الاستجابة الفردية تنحصر أحياناً كثيرة بمتداول زمنى» 
لهذا ربماء لا تزال الروماتتيكية» حتى اليوم؛ من حيث هى 
فضاء غير مقنن (وليس بوصفها أعرافا وردود فعل على 
الكلاسيكية) » سارية. والسرريالية» وقبلها الدادائية وقبلهما 
الرمزية ( لا بوصفها تقنية وإنما بوصفها جوهر) » من فروعها 
الضائعة. أى أنها بقيت رغم عدواها فردية. بلا حدود وبلا 
هدفية. وبلا قوم. ولا قبائل. ولا أحزاب ولهذاء ربماء 
حافظت على اختلاف تخاربها: فى فرنساء وفى المانيا وفى 
بلاد الإتجليز» ومن ثم فى أمريكا وأوروبا. أى حافظت على 
فردية القول. ( بالطبع لا نغفل أن الرومانتيكية؛ خخصوصاً فى 
فرنساء وقعت فى نمطية ماء لكنها نمطية تتصل بالعدرى 
أكثر من اتصالها بسلطة المدرمة). 


ولا تول» الرومانتيكية» على امتداداتها وتفرعاتهاء 
تمثل بإعدام الذهن بوصفه سلاحا للتعددية وللتاريخ وحتى 
للصراع» وبتغليب الحالة؛ أى الغموض ؛ أى السر. وإذا كان 
العقل لا يتحمل» وان على ادعای المناطق المظلمة والخافية 
والسقرف التى تتجاوزه؛ فالحالة ھی الوقوع فی «العناصرا› 
أى فى «المعطيات؛؛ أى فى اللاشئ. أسوأ الرومانتيكيات تلك 
التى كانت نطمح إلى قول شوء؛ إلى «تفكير) الحالةء إلى 
رفضهاء إلى متكها. لامارتين وموسيه ودیفینی ؛ يجسدوك 
الطموح إلى «قول» ما لا تريد أن تقوله الرومانتيكية؛ إلى ما 
ليس فيها ومنها. «بسطوا؛ الطقس وأفشوا ١السرائر»‏ ؛ وباحوا 
حيث كان البوح بحثا عن معنى؛ أو فلسفة أو مرجعية .قولبوا 
العاطفة نفقدت عاطفيتهاء وعقلنوا الإحساس ففقد 
الخسية . الناطفية والحسية هما وجنينا الخامض الأبدق: 
وجها الحالة التى لا تنمسك؛ والتى نعاش ‏ بلا حدودية - 
فضاءاتها. حتى الشعور الدينى عند بعض الرومانتيكيين مخول 
إلى طقوس كلامية دون قعره «العاطفى» . الرومانتيكيون 
والحالات والإدراكات إلى عاطفية خاصة وحسية فاضحة. 
هذا ما فعله الألمان؛ هولدرلن؛ خصوصاً فى مرحلة «جنونه» 
التى امتدت حو انعد عاماً, اختطلت فى قصائده وفى 


نصوصه الفلسفة والدين والموت واللغة والحب فى علاقات 
(غامضةة؛ء وودخاصة)» و(سريرية) › و(جنينية)» نذا من 
العلاقات «المنطقية؛ و «القرل» المصيبء وأسوأ القول ما 
يصيب. ريلكه دون هولدرلن لا سيما فى فتراته (البرناسية؛ » 
مرائيه وحدها ( وبعض رسائله) ؛ قربته من تلك الحالات التى 
ل تشى بأكثر من كسورهاء الإنسانية واللفوية. ريلكه في 
فتراته «البرناسية» كأنه كان يتداول الكلام الصافى المدمق» 
على نحت لا يجاوز الإزصيل بين الأصابع؛ على عكس 
جورج تراكل الذى حول المتداول اليومى إلى مبتعده 
«الخرافى! » «السرى». وهو بهذا يتصل بصوفية تقربه من 
جوهر علاقة هرلدرلن بلغئه؛ وبشئ من مرائى ريلكه. إنه 
الباحث عن الغموض فى وضوح الأشياء. الباحث عن 
المطلق فى النسبى» وعن العدم فى معانى الوجود الأكثر ألفة. 
التعبيرية الألمانية وسعت إلى حد كبير بؤرة اللاجدوى 
(الضعف) عند الرومانتيكيين» واتصلت على غير اتضاح 
بالعوجه الكلاسيكى؛ لكن لتعاود المادة الأولى الموروثة إلى 
تبقيع مضخم ونافر» أعطاها تطلعها وانفرادها. والمهم أنها 
بقيت خارج وسلطة؛ جماعية؛ أو تضامن متواطئ . 

بعد السورياليةء يقال» إن «المدارس)» والتجمعات 
والجمعيات «الخيرية» الشعرية انتهت» وإن هذا لأجمل 
النواقيس التى تعلن النهايات. وأزن مع هذه النهايات زمن 
آخر للقصيدة المتحررة من (العلاقات» الإنسانية الظرفية؛» 
ومن الطغيانية «الأخوانية». القصيدة لا تتحمل أحياناً أن 
يكتبها شاعر واحد فى أخخر زاوية معزولة فى العالم . لا 
تتحمل حتى رواسب «جماعينه) » البائدة أو «الحاضرة)» 
فكيف إذا تكدس عليهاء بممارسات متشابهة وببغائيات 
منمطة أناس وشعراء ومنظرون وأرتال! القصيدة؛ لا تتحمل أن 
يخترقها «ضوء؛ اجتماعى أو إيديولوجى أو غيبى أو سلطة 
عليا أو سلطة سفلىء أو اجتماع أو بيان أو برنامج مرحلى» أو 
خطة خحمسية أو عشرية» إنها تختبئ فى القعر المظلم؛ حيث 
لا يأنى إليها أحد؛ ولا يذهب منها شئ» ولا تتحمل حتى 
غبرة من جفن أو معطفء أو سعال أو دمعة من الآخر 
فليذهب الآخر إلى الجحيم! أو فلتبق هى فى جحيمها. 
التجارب الجماعية تلبس القصيدة أثواباً جاهزة؛ وبالية مهما 


ع1 





بول شاؤول اا ی ا 


كانت جديدة وزاهية . تفسد عليها عريها اللامتناهى» وتفسد 
عليها أمكتها الشاغرة؛ وفضاءاتها الفارغة» وتمتعها بموتها 
البطىع , البطى» ويقظاتها البطيئة البطيكة. ماذا يعنى أن يتجمع 
شعراء وکتاب ونقاد» و«یتفقون) على الشعر وعلى القصيدة» 
كأنهم هيئة قضاة أو هيعة محلفين ييرمون أحكاماً فى حق 
القصيدة التى وضعوها فى سجنهم الجماعى؟ كلما «ججمع) 
الشعراء ضعفت «القصيدة؛ كلما (اتفقوا »شعرت بالخيانة؛ 
كلما تأزروا فقدت شروقهاء كلما حكوا وثرثروا عنها بأفراء 
وأحناك متطابقة ليشرعنوا «وجودها) أصابوها بالإرهاب. هى» 


و 
٤‏ 


أى القصيدة؛ قد تتحمل أن يتكلم «شاعرها؛ عنهاء وإن على 
مضض» تسامح ضعفه وتعفو عن غروره» وحاجته إلى الثرثرة؛ 
«البربرة» والخطأ» > لکن لا تسامح أن يتحول هذا الكلام إلى 
عرف جماعى» يفقد ضعفه يصير قوة. يصيرتشاماء شار 
دسا بير قؤيأ بغير القصيدة بالجماعة أو بالقبيلة» أو 
بالتجمع؛ أو بالتمدرس؛ أو بالبيان» يضعف فى القصيدة؛ 
تضعف القصيدة بقوته. ا القصائد التى كتبت تلك التى 
كينت حت لافتة جماعية. أو من خلال (ماشية) جماعية. 
القصيدة لا تحمل أن يفتح لها طريقها أحد. . ولا أن يعبد لها 
دروبها 5 لأنها تعيش فى فجر دائم» أو بالأحرى فى موت 
وی ا ئمة. تطلع من اللحظة التى لا تتحمل أن 
يفتح لها أحد الباب أو النافذة. إنها النافذة والباب» إنها التى 


تفتح طريقها وتمشى وحدها . 
فى نقطة الصفر 
إذا كانت القصيدة لاتتحمل ما هو جماعى؛ وما هو 
ا , لأن ماهو جماعى معمم هو 
جنائزى مهمم! فيه من الاحتفالية والطقوسية ما يبرد دفئها, 
اق تمائلها واللحظة؛ وتفتقها الدائم من عدميتها. وفى 
هذا لمجال نتساءل: ألم تقع كل التجمعات الشعرية فى 
الطقوسية الشكلية» والاحتفالية البرائية » أى فی الفولكلور ية 
الاجتماعية البائسةء الهعة» الببغائية» النمطية؟ ألم تقع كل 
هذه التهويمات الجماعية فى فراغ غ «المعنى؛)» و«الجدرى؛ , 
عندما أرادت أن تديم فى القصيدة 9الحقيقة؛ الفائحة 
اهف اکر «الشوابت»» والموروثات؟ هذه البهرجة 
لجنائزية » والطقوسية ( والفولكلورية) تريد أن تربط القصيدة 


15 


تبراك ويتوارئه؛ الأحفاد والأجداد والأجيال المقبلة. تتحو 
إلى تخليد ذكراهاء أو بالأحرى تنحو إلى خلودها . وماذا 
يعنى الخلود سوى إدامة تفاهات الجماعة. واخمائرها 
التاريخية الواهمة؛ وعلاقاتها المتورطة بالموتى. وهكذا تخضع 
LR‏ أو لمونى السلطة) . وكل جماعة 
شعرية ( متآلفة) سلطة. ومونى أيضاً. وهذا يفضى إلى 
«التكريس»» أن تكرس قصيدة ( أوشاعر»» »> عبرهذا 
التجمع» وعبر تعميم ذائقة» أو أسلوب» أو تعبير» يعنى أنها 
صارت جزءاً من هذه السلطة والموتى أيضاًء قانوناً. أى كمن 
يحول دمعة فى آخحر القلبء أو فى أخخر اللغة» أو فى أخر 
الكسور ر إلى ١‏ وسام» شهادة تقدير» إلى بوق؟ إلى معدك. 
التجمعات الشعرية تجمعات معادن. كراس وأرجل كراس 
وأكوام ملابس وأصداء . عندما تخر الفصيدة من «عزلتها» 
لمطلقة إلى «تراتيل؛ التجمعات» وأناشيدهم الوطنية؛ تسقط 
فى الصدى «الكراسى) (أى الشعراء المتجمعون) يصبحود 
أصداء کراس أصداء أصداء. بنفمد الصوت فى «المعنى) 
العام» 1 ا «توتالينارية؛ صماء» بكماءء جامحة فى 
طغيانيتها أى ف فولكلوريتها وبخورها» وأقداسهاء ومجالسهاء 
عظاتها وفتاواها . 

0 (والقصيدة) فى نقطة 
الصفر. الصفر الذى يبقى صفراً. وصفراً فى عدم. عدماً فی 
عدم . أن تبقى فى عزلة العدم وكذلك فى لا جدواه. وفى 
جموده. وفى صقيعه؛ وفى أسافله؛ وإدراكه» رخف ابه 
ودهاليزه» وعماء.أى لا تذهب إلى أحد» ولا يذهب إليك 
أحد؛ حيث لا يحدث شئ!؛ حيث لا يوجد شىئ؛ حيث 
للفراغ طعم الفراحٌ . والمأساة لا تضئ والفكاهة لا تلمع. 
واللغة لا ترتدى من الوارث والموروث. والقريب والبعيد» حتى 
حتى الهواء الذى يوصلها أ ويفصلهاء حتى 
المسافة التى تلمها أو تبعثرها؛ فهى بلا هواء ولا مسافة . 


إنها لا تريد أن تصل إلى شى ولا أن يصل إليها 
شئع. لا نريد أن تصل إلى أحد ولا أن يصل أحد إليها. 
معتمة ومخفية فى عدمها. . باكرة فى انزوائها. وفى غريزتهاء 
خائنة ومخونة. . لا القضايا الكبيرة» ولا المبغيرة» ولا البناء 98 
اللغة ( لعنصر بناء اجتماعى أو سياسى أو إيلديولوجى أو 
إنسانى)» ولا العلاقة. 


٤ 
ورقه توت‎ 


ا سا ست فى لا جدوى الشع 


القصيدة؛ هى أن تخون كل العلاقات وتخونها كل 
العلاقات. أن تبقى رهينة امحابس. ماذا يعنى أن تكتب قصيدة 
للإنسانية ؟ للجماعة؟ للأفكار؟ يعنى أن تلغى الكتابة نفسها. 
أن تفقد القصيدة عتمتهاء وطيشها وخحفاءهاء وخيانتها. ان 
نفكك الجرهر إلى تفاصيله. أن تغلب الآخر. وهى؛ فى 
عمق صمتها وانزواثها وخوفهاء تلغى هذا الآخر: المعمم؛ 


والمقتحم. 

ماذا يعنى أن تكتب قصيدة للغة ( أى للموروث فى 
النهاية). أى أن ترمى عليها حطام الأعمدة والتواريخ؛ 
والأشكال ؟ ماذا يعنى أن تجملها؟ أن تقودها إلى «الشكل» ؟ 
أن خولها إلى ركامها. الجمالية اللغرية كالأفكار. كالحدث؛ 
تفضى» إلى آخر أيضاء يفترض أنها ألنته كى يلغيهاء اللغوية 
خطء ١‏ على عكس ما تريد غالبًا) فى التاريخ. كل الشعراء 
اللغوبين شعراء تاريخ شعراء حقيقة لغرية يرفعونها بكلام 
كامل؛ ناجزء بحشاً عن العبقرية الكونية للغة» أى بحثاً عن 

لماذا علينا أن لمجعل من اللغة إيديولوجيا؟ حتى عندما 
نرفض اللغة؛ مجعل منها إيديولوجياء كجهازء وبنية؛ وتراكم» 
وخبرات؟ أقصد عندما نرفض اللغة باسم اللغة؛ عندما نحولها 
إلى 
واحدةء اللغة مفهوم جماعى» أصدلا . مفهرم فولكلورى» 
مفهوم جاهز لانخاذ أشكال جاهزة؛ وصورة جاهزة. إنها 
تذكر» حتى فى أقصى حالات الثورة عليهاء و ردة الفعل» 
والانقضاضء والتكسيرء والتفجير. شغلوا أنفسهم بتفجيرها 
(أى اللغة) . 

و بانتهاكها؛ ؛ «اغتصابها؛ ؛ ونطحهاء وخبطهاءتهرهاء 
أى مارسوا كل أنواع السادية؛ والوحشية النظرية والمعنوية 
والمادية عليها. لكنهم كانوا «كناطح صخرة ..». تعاملوا معها 
كأطفال متمردين على أهلهم. غاضبين من سلطة أهلهم. 
تعاملوا معها من «مفاهيم؛؛ ومن ردود فعل. ردود الفعل 
كانت قصيرة» وقاصرة» سرعان ما هدات خواطرهم. إنه 
جانب تربوی» اجتماعی» فلسفى؛ ( أى إيديرلوجى) ؛ وهل 
يمكن التعامل مع طبيعة القصيدة واللفة بمفاهيم تربوية» 


وحش» نحاول قتله» أو تقديسه. والامران يصبان فى نتيجة 


واجتماعية وفلسفية؟ هل يمكن حل «مسألة؛ اللغة الشعرية 
بوسائل تربوية مثلاء أر زراعية ؟طلعت «الثورة) من رءوسهم) 
ومن الكتبء والورق» والكلام والمتكلمين. أغفلت الحواس؛ 
أغفلت الجسدء أغفللت الغياب. أغفلت الكسور. واجهوا 
«الآلة»اللغوية القائمة بآلة اجتماعية. ذهنية ثمائلة فى العمق. 
اللغة من حيث هى مفهومء وركام؛ وجهازء رقانون . 

وهكذا لمعت بلاغية متجددة على أنقاض بلاغية 
«بائدة؛ ؛عامت فصاحة خادعة على فصاحة معهوردة 
ومكشوفة. وفى كل الحالات هى الفصاحة تتنكرء وتتحول 
إلى عرف اجتماعى؛ وفنى وفولكلورى. أى إلى عرف يلتزم 
الآخرء والجماعة؛ والإشكالات والقضاياء أى يغيّب القصيدة 
نحت ثقل الأقنعة والملابس التنكرية؛ ويخنقها بربطات عنق 
الفلاسفة والمفكرين والبلاغيين والفصحاء والنبهاء 
والفولكلوريين والاحتفاليين والطقوسيين والموتى . 


لهذاء ومن ضمن الترجهين «اللغوى» و«الفكرى) 
(الإيديولوجى)» يجتمع الجميع على القصيدة. بصيرون 
«لجممامرزعاً نى نقاط متقابلة» ومعطابقة ومتناقضة» 
يحملون القصيدة على مشرحة عامة؛ثم يختارون ساحة من 
ساحات المدينة» ويرفعون لها تمثالاً» فى احتفال رسمى» 
وأحياناً شعبى ؛ وهكذا تلتقى القصيدة الجماهير والجماعات 
والناس والتاريخ والفولكلور. 

تصبح أغنية فولكلورية خالدة. 
فض سرائر القصيدة 

الشعراء قساة على القصيدة» يحملونها أرزاراً ليست 
منهاء ويكدسون على ظهرها مسؤوليات ومشاغل وأحدااً 
وحجارة وآلات» ووظائف ومهناً وأفكاراً ورسائل والتزامات . 
تماما کمن يقتلع طفلاً من نومه» ومن ضعفه؛ ومن 
هشاشتهءوبأحذه عنوة بيده أو عنقه أو أنفه ليحضر درساً أو 
محاضرة .. 

الشعراء قساة عندما يفضون سرائر القصيدة» يسوقونها 
ل الأنياق:[اللإبوجانات ويعرضونهنا للأصيوات والآذان 
والأرجل والأفواه والبطون والكروش والماكل والمشارب» 


1١ / 





يول شأرول سسسب سس ا سي سس سس سس سس س 


يخرجونها من «حجرهاء ومن مهدها ويجلدونها فى 
الاحتفالات الفولكلورية وفى الاحتفالات السياسية والخيرية 
يهجرونها من بيتها الأصلى؛ ومن مكانها الأصلى» الكتاب. 
ماذا يعنى أن يطلع شاعرء بكل ملابسه ودأفواهه) المتكائرة» 
وأحناكه» وآذانه وأنوفه وبنطلوناته وجيوبه؛ وألسنته وأضراسه» 
ويرمى الناس بقصيدة؛ من على منبر» أو من خلف مكروفون» 
أو فى ساحة عامة؛ أو فى حفلة عشاء (وما أكثر الشعر اليوم 
فى حفلات العشاء والغداء والفطور أيضا)؛ أو حفلة شاى» 
ماذا يعنى هذا؟ كيف يمكن أن يصل الشاعر باحتقاره 
القصيدة إلى هذا الحد؟ أية خيانة هذه؛ أن تستعرض الشعر 
فى الأسواق» وخصوصاً فى أسواق النخاسة؟ ماذا يفعل صوته 
عندما ينفتح؛ وينفتح» ثم يطلق بيت من الشعر فى الهواء 
الطلق أو فى القاعات امجهزة؛ والكراسى والطاولات والسجاد» 
والهتانات ١:‏ والرنتميين والزعماء والوزراء والمذيرين الدكاترة : 
ماذا تفعل يده» وذراعه ( وأكفه بالجمع ) عندما 
ترتفع» أو تدخفضء أو تسدل أو تفتح» أو تغلق» أو تنقبض» أو 
تنفرج أو تتقلص» ( وأحيانا تتملص كالبراغى العتيقة) ماذا 
تفعل بكلام القصيدة؟ وبصمت القصيدة» وبعزلة القصيدة؛ 
وماذا يفعل «النظارة» والجمهور؟ يسمعون؟ إلى ماذا 
يصغون؟ يصفقون؟ لمن؟ ولاذا؟ أية علاقة بين الواقف بكل 
آذانه ومأكولاته ومشروباته الشهية»ء ويلقى «٠قصيدة؛؛‏ وبين 
الجمهور الجالس على أكفه وفوقها وحولها؟ ماذا يريد 
الشاعر الواقف من الجمهور الجالس؟ ثم ماذا يريد الجمهور 
الجالس من الشاعر الواقف؟ هو يستجلس الجمهور 
رک رل ر ن کف ت الاق فن 
الشاعر الواقف على أضراسه ولسانه» والجمهور الجالس على 
أذانه وأكفه» ما هى» ما المسافة؟ ماذا يفعل الهراء الذى 
يحمل كلمات الشاعر الواقف إلى الجمهور الجالس» (الذى 
قد يقف عند الاقتضاء) ؟ ماذا يصل من الشاعر الواقف إلى 
الجمهور الجالس؟ هل يصل الشعر؟ هل تصل القصيدة؟ 
المعنى ؟ آه! من المعنى. أى معنى ؟ بل أى مغنى ؟! لماذا 
تصفق أحناك الجمهور فجأة؛ وتصطك أنوفهم من اللوعة 
والطرب» فتهتز بطون لهم وافرة» وقمصان منشاةء أو مكويةء 


١4 


وتدق ساعات ذهبية فى معاصمهم. لاذا يصفقون؟ ليد 
الواقف إذا ارتفعت كالسيف اليمانى» ثم انسدلت كستار 
مسرحية ثقيل؟ لصوت تهدج بعد وجبة فاخخرة؛ من 
الفاصولياء وه الكراعين» وه الكباب» و«الكبة؛ والدجاج 
و«الكسكوس» و«البفتاك) ؟... لصوت انثال ناعماً بعد مرقة 
ساخنة من الحساء؟ ثم ماذا يفرح الشاعر الواقف عندما 
يصفق له الجمهور الجالس؟ التصفيق؟ يمكن أن يرقص هذا 
الشاعر فى مربع أو فى حفلة أو فى احتفال بمناسبة مظفرة» 
ويهز بطنه؛ وأردافه ويصفق له الجمهور» ويمكن أن يعطس 
عطسة قوية أو خفيفة: أو بين بين؛ ويصفق له الجمهور. 
ويمكن أن يلقى خطبة بليغة أو غير بليغة» عن الاستقلال 
والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان» وعن نورييجا وبوكاسا 
وكاسترو وماوتسى توخ وزوجه» وعن الاستعمار وعن الوطن 
وعن منافع البطاطا والجزر وعصير ال اجو والجرجير والخس 
والبرغل والعدس» ويصفق له الجمهور. بل يمكن أن يقف» 
ثم يصرخء ثم يبتسم ثم يضحكء ويصفق له الجمهور. 
فالجمهور يصفق لأى شئ؛ ولأى كان. يصفق لسمير غام 
ولفؤاد المهندس. يصفت للبلبة والراقصة نوال؛ والمطرب 
الصاعد والمطرب النازل» إذن» لماذا يريد الشاعر المتتصب فوق» 
على المنبر» أن يصفق له الجمهور المسترخى» حت؛ على 
الكرسى. علاقة غريبة لكن هل هى فعلاً علاقة؟ أقصد هل 
وصل أخونا الواقف بقض قصيدته وقضيضها وعضيضها 
ورضيضها ومضيضها وفضيضها إلى الجمهور المنحول» 
المنهول» المعسولء المغلول ؟ أهذا ما يسمى شعرا يصل إلى 
الجمهور! أهذا هو التواصل, أهذا هو لقاء المثلث: الشاعر 
والقصيدة والجمهى,؟ أيمكن فى هذا المكان (المنبرء أو 
الساحة» أو الجاراج؛ أو المنصة) أن جد القصيدة مأراهاء 
والجمهور ملاذه؟ كأن عناصر المثلث كلهم في أمكنتهم 
الخاطئة؛ وخصوصاً القصيدة. فى مثل هذه الأمكنة الخاطقة» 
المضيئة عادة؛ وا منسعة؛ للفولكلور السياسى والاجتماعى» 
والمعبأة بالعادات والقيلولات»؛ تموت القصيدة؛ قبل أن تدحل 
إليها. قبل أن تتنفس هواءها المأهول بالمونى» تنشف مخت 
الضوء الكاشف » تذبل» تموت» كما تزرع وردة فى حائط» 





أو فى معطف. كأنها جاءت إلى مكان تخونه ويخونهاء ومع 
شاعر خانها؛ قبل صياح الديك . 


فالقصيدة لا تستطيع أن تتحمل كل هذه الممانى؛ 
سواء كانت جاهزة؛ ممجوجة أو غير جاهزة. فال معانى لغيرها. 

القصيدة لا تستطيع أن تتحمل أن تكون ذات جدوى 
اجتماعية أو سياسية. لا نستطيع أن تتحمل أن تكون ذات 
رسالة وعظية» لا تستطيع أن تحمل أن تكون أداة 
(لسواها) التعبئة الجماهير ( المعبأة أكثر من اللزوم بشروطها 
وأرضاعها)» أو لشحنهاء أو لتحريضهاء أر لتأليبهاء أر 
لتكتيلهاء أو لتوحيدها. فهذه المهمات لغيرها. هى دون ذلك: 
أصغر من غبرة» أو من دمعة؛ لغير الشعر والقصيدة أن يتوليا 
كل هذه الأثقال والأحمال التى لا تنتسب إليهماء بقدر ما 
تنتسب إلى أنواع أخرى من اللغط والخطب والرواية والقصة 
والإنشاء. إنها بلا أحمالء ولا أنقال» ولا فشورء ولا حقائق 
ولا أمكنة ولا أزمنة. ذرة مفلتة فى حريتها الشاسعة خارج 
هذه الأمكنة والحقائق. فالقصيدة التى يصطحبها «شاعرها؛ 
إلى العرام» هى قصيدة «الحقائق» ووالأمكنة؛ (الغائبة) . 
قصيدة الحقيقة» قصيدة جمهور الحقيقة:» (الثابت6 والدائم 
رقصيدة شاعر الحقيقة ١الثابت»‏ والدائم فى قيم «الحفيفة) 
الواحدة؛ والأعراف الصامدة. هىء التى تتحرك من عدمها 
(الحى) إلى عدمها ( الحى)ء تتعرى فى وحدتهاء وفى لا 
حقیقتهاء وفی لا جدواهاء ونی ضعفهاء ونی عماهاء وفی 
لامرجعيتها ( الناريخية و الاجتماعية والسياسية والغيبية 
والأخلاقية) تتعری فى جوهر عدمهاء وسكونهاء حيث» تغادر 
الشاعر نفسه إلى مكانها الخاص: الكتاب. تغادره وتنساءء 
وتضلل الجمهور والأصوات والقوانين والمنظومات المقيدة 
بكاملها . 

وإذا كان للمسرح مكانه هو الخشبة؛ وللسينما مكانها 
هو الشاشة» فمكان القصيدة الكتاب؛ الصفحة:؛ الورقة. هناك 
تقبع كاسرة و ؛ صامتة؛ متمردة على كل أشكال 
الإرهاب التى تمارس عليها فى الخارج: الموت»؛ الجسدء 
الميكروفون؛ الجمهورء الأفكار» الاحتفالات؛ متمردة على 
كل هذه الأشكال الطقوسية والفولكلورية المفرغة . 


فی لا جدرى الشعر 


الأوديبية المعكوسة 

الشعر» عندما لا يذهب إلى أحد؛ ولا يذهب أحد إليه؛ 
أى عندما ينغلق فى نقاط مرته «الحية)» و«الجاهلة»» 
و«المنكرة»» أى عندما يتجرد من فضفاض الرظائف 
«الحياتية) » العامة؛ يكون فعل مغادرة متعددة المسالك؟ على 
أن هذه المغادرة؛ لا تودع بالمناديل» ولا تقطع دروباء ولا 
تكتظ بمسافات» ولا ترود» إلا بقدر ما تفرص على كسورها 
ومكانها الشاغر . 

إنها تغادر الشاعر؛ وتتحرر من عبكه التاريخى 
والاجتماعى (وخصوصا الاجتماعى) والنفعى؛ ومن أحماله 
الزمنية المتعبة والمشوشة. تغادره كما تغادر الدمعة العين كى 
لا تعود أبدأً. تغادره كما يعرق الجسد. هذه المغادرة» خررها 
من الذاكرة؛ ذاكرته هوء وكذلك الذاكرة المعممة الى خبط 
به ولخاصره» لتنضم إلى النسيان. لكن ليس من ذلك النسيان 
المفوى والآلى؛ بقدر ما هو النسيان الذى يقطع الوشائج؛ 
ويتحدى القدرية المتصلة بالشاعر نفسه؛ القصيدة لا تنسى 
كاتبها فحسبء وإنما تحاول أن تقيم؛ معه؛ بعد المغادرة» 
علاقة ١‏ أوديبية» بامتيازء علاقة قتل؛ ربما متبادلة. الذاكرة 
الأوديبية تخول نسياناً أوديبياً» نسياناً يجعل من العودة إلى 
الوراء ( الشاعر) عودة إلى الموت» أو إلى الجفاف أو بالأحرى 
إلى الوصاية الأبوية. القصيدة لا تتحرر فقط من الآخر( 
الجمهور) ؛ ولكنها تتحرر من الشاعر الذى صار أيضاً بمثابة 
آخر. ونتسمرد فى ذلك؛ على مرجعية الينبوع الواحد أو 
الينبوع المتعدد. تتحول إلى عزلتها المطلقة. تغادر منزل أهلها 
إلى النائى أو المنباعد أو إلى الكهفء أو إلى القعرء إلى 
الاختباء. كأنها تبحث عن لعنتها الخاصة؛ بعدما بصقت 
لعنة الماضى والتاريخ. لعنتها الخاصة:؛ فى خبلاياها الخاصة» 
وفى حياتها الخاصة:؛ وربما فى ميتتها الخاصة. تصبح ذاكرة 
ذاتها. ونسيان ذاتها. و زمن ذاتها وصورة ذاتها. ويصبح كل 
بحث عنها من قبل الشاعرء بحثاً عن عدم . 

فى هذه المغادرة» تستقل القصيدة فى عزلتهاء وفى 
كواليسها. تصير من الكواليس» بعدما انفصلت عن الخشبة» 
وعن الجمهور؛ وعن الشاعر؛ تصبح فى الغربة المغلقة. لهذا 


١ مع‎ 





بول شاؤول ا لل م و 00 


عندما يحاول الشاعرء مبدعها نفسهء أن يستعيدهاء عنوة» إلى 
يت الطاعة؛ لبسقط عليها من قراءاته (المنجددة)؛ أو من 
حواسه ( المتجاوزة) ا 
يعثر على غبار» یفلت من قسوته» ومن اعتسافه» ومن تسلطه. 
فهى؛ تعود لا تتحمل أن ترجع أو تسترجع إلى لحظات 
الآحر؛ إلى لحظات الشاعر السابقة.وهو, عندما يحاول 
امتلاكها من جديدء بقراءة أو بممارسة صوتية ةأو جسدية» 
كأنما يحاول اغتصاب ممتلكات ليست له. وتصبح قراءاته هوء 
كآخر قراءة مشوشة هذه القصيدة؛ ومشوهتها؟ وتصبح قراءة 
فى قصيدة غير تلك التى عرفها الشاعر أو طن أنه يعرفهاء قد 
يتركها زهرة ويعثر عليها حجراً. أو يتركها حجراً ويعثر عليها 
سلحفاة أو يتركها سلحفاة ويعثر عليها هواء. قد يتركها 
درامية وبعشر عليها ضحكة. أو يتركها دمعة؛ ويعثر عليها 
صرخة» قد يتركها معافاة ويعفر عليها فى المرض؟ إنه يجد 
كاثناً أحس أو شيا آخر. ومحاولة رد الضحكة إلى دمعة» 
والحجر إلى فراشة» والهواء إلى سلحفاة» تصبح عملية قتل» 
بكل معنى الكلمة. هذه هى نتيجة أن يعاود الشاعر قراءة 
قصيدته» بعد المغادرة: : الأب الذى يغتال ابنه (العلاقة الأرديبية 
معكوسة) .. المغادرة الأبدية, هكذا. الحرية المطلقة. 


يلجأ بعض الشعراء؛ كباراً وصغارً؛ إلى تخحسين 
0 أو إلى قراءة قصائدهم قراءة نقدية بالأحرى» 
نتحول إلى قراءة #مبدعة؛ » عندما يقرروث أن يعيدوا صياغتهاء 

أو كتابتهاء بعد نشرهاء بسنوات؛ أو حتى بأشهر. ونقرأ أحياناً 
:ديوان الشاعر الفلانى» الطبعة الثانية أو الثالئة» منمقحة» . يا 
للرعب! ينقحوك., قصائد كتبوها ونشروها منذ عشر سنوات أو 
عشرين سنة.. . أو أقل أو أكثر يا للوحشية! كيف يحولون ذلك 
الكائن الذى غادرهم» » بکل ضعفه وقوته» إلى مسخ » يسلخوك 
جلده. يركبون بدل العين أذناء وبدل الفم خشبة» وبدل 
الرئتين مطاطاء وعلى جناح العصفور يضعون جرساًء أو قبة . 
ينشفونها وهم نقحونهاء يفتحون جرحاً فى كل كلمة 
يحذفونها ويركبون أخرى مكانها. هذا الاعتداء الوحشى على 
القصيدة» كيف يتمء بلا حنان ولا شفقة ولا إنسانية. كيف 
يجرؤٌ شاعر على معالجة قصيدته» بعد الانتهاء منها. فإذا 
كانت القراءة» قراءة الشاعر قصيدة» من جديد» وحشية 


\0. 


وبربرية» واعتداء على ممتلكات الآخرء فكم تصبح هاتان» 
الوحشية والبوبرية» أشد وأقسىء عندما يعمد الشاعر المتوحش 
إلى إعادة كعابة هذه القصيدة:» بعد الانتهاء منهاء 00 
واصدارها . ولا أتكلم هناء لاعن الناحية المهنيةء ولا 
الحمالبة» ولا الدلالية» أتكلم عن ضعف القصيدة؛ 
وهشاشتهاء إزاء بربرية القارئ الذى هو الشاعرء والمنقح الذى 
هو الشاعر. صحيح أن القصيدة تصبح أضعف عندما تغادر 

الشاعر» لكنها تكتسب قرتها من ضعفهاء » من عزلتهاء من 
حريتها . عظمة الحرية» أحياناً فى ضعفها فى عدم اتكائها 
على أية قوة خخارجها. 

فالقصيدة عندما تتحرر من الشاعر» إنما تتحرر بالدرجة 
الأولى؛ ليس من الشاعر فقطء وإنما من علاقات الشاعر 
بالآخر أيضاً. مخرر مزدوج؛ وحرية القصيدة المطلقة على الورقة 
( كتاباً كان أم مجلة) رس في ف الشاعر أرق عبني أ 
ربو رص وت . تتحرر من سطوته ؛ لأن السطوة 
هى قمة العلاقة بالآخر. تنفصل عن الأب كى تنفصل عن 
العائلة, وعن القبيلة» وعن الحزب» وعن المؤسسة. 

والشاعر عندما يعاود قراءتهاء أو تنقيحهاء بعد زمن؛ 
إنما يعاود القراءة أو التنقيح» عبر الآخر: القبيلة؛ العائلة؛ 
الحزب» المؤسسة أ ع لاك ل سلطة الأخر الميت. 
ويخلط بذلك الأزمنة والأمكنة والعناصر واللحظات» فى 
كيميائية فتل لا ترحم . 

إذا كانت تتحرر من الشاعر نفسه» فهل يمكن أن 
تقبل الناقد» عندما يمارس نقده عليها؟ 
تحربر القصيدة من النقد 

إذا كانت القصيدة تتغرب عن الشاعر» وتغادره» وتفقد 
صلاتها «الأبوية) » به فى قدرية أوديبية طاغية؛ فهل تغادره 
إلى الأخر» متمدلاً فى الناقد» أو فى القارئ امخلل؛ أو فى 
المفكرء أو فى السوسيولوجى' أو الأنشروبولوجى' أو 
الفيلسوف» أو العالم» أو البلاغى أو البيانى أو اللغوى ... إلخ. 

هل تغادر شاعرهاء > لتنضمء فى حريتها المجهولة؛ إلى 
مصير آخر» يمكن فيه؛ أن تستقر فى علاقات أخرى» رفى 


ا ل ا ا جج ج ي ل فى لا جدوى الشعر 


وشائج أخرى؟ بمعنى آخرء هل يصل الناقد إلى القصيدة. 
يتراصل بهاء بعدما أفلتت من الجمهور؛ ومن الشاعر؟ 
وبصيغة أخرى : هل يتمكن القارىء ‏ الناقد» ( من كل 
المقاربات) أن يحاصر حرية القصيدة؛ ولا نهائيتها؛ بما تيسر 
له من أدوات ومناهج نقدية (انطباعية؛ واقعية؛ ألسنية» 
أنشروبولوجية؛ نفسية اجتماعية) أى أدوات ومناهج نقدية 
خاصة وعامة ؟ 


إذا قلنا بعدما تغادر القصيدة شاعرهاء نصبح كل 
معاودة لها بالقراءة؛ أو بالتدقيح؛ نوعاً من وحشية يمارسها 
هذا الشاعر على هذه القصيدة العزلاء. فما بالك» بناقد 
محمل بكل العقد النفسية والثقافية والإنسانية» والإيديرلوجية 
والااجتماعية والشعرية الجاهزة» 0 على جسد 
القصبدة؛ بكل ثقلها؛ ونصالها؛ وبسعى إلى خليلهاء 
وتشريحهاء ؛ وكشفهاء والبحث عن علاقات ا فيهاء 
وعن عن مفایحهاء وأباها؛ونافذهاء وعروقها تاريخهاء اها 
نصلها؛ بحجة القبض على جوهرهاء أو على لغتها أو على 
تأويلات وتفاسير ومضامين ومعان» فيها . 


النصينة التى لا تذهب إلى أحدءر لا تأنى إلى أحدء 
ولا تنرع إلى ١معنى)‏ مأهول, أو غير مأهول» يشدهاء هؤلاء 
النقاد والباحثون (عن ماذا ييحفون؟؛ وامحللرن (ماذا 
يحللرن ؟)؛ إلى «معلوماتهم»» (ثقافاتهم»؛ (الميتة أصلاً فى 
أجوانهم) ؛ الجاهزة» طليعية كانت أم موروثة أم تقايدية؛ 
ويحاصرونهاء بأنفاسهم الثقيلة؛ وبأدواتهم امحددة؛ ليتواصلوا 
معهاء فى مختبراتهم؛ ونى تجاربهم. إنه التراصل الداهم؛ 
القمعى؛ الذى يضطهد القصيدة؛ ويشوههاء ويوقفها فى 
نقطة زمنية» أو لغوية» أو اجتماعية لا علاقة لها بها. 
نالقصيدة هى المجهول؛ نكيف يمكن أن نقاربها بامحدد 
وبا لمعلوم؟ والقصيدة هى المغادرة المستمرة» فكيف يمكن أن 
لجمدها على مشرحة» أو فى مكان؟ والقصيدة» هى العدم؛ 
مسافة العدم إلى العذم؛ فكيف يمكن أن نحقنها بموت 
«المعانى» ؟ وهى التى لا تريد أن تقول شيئأء فكيف نقولها؟ 
ھی التی لا تحمل لا وظائف ولا رسائل ولا مهام؛ نكيف 
نسند إليها هذه الأحمال الباطلة؟ 


الناقد أخطر على القصيدة من الجمهورء ومن الشاعر 
إذا عاود قراءتها أو تنقيحها. وحشيته لا تضاهيها وحشية؛ 
لأنها وحشية موجهة؛ وصارمة؛ وقاسية» وأحياناً قاتلة. الناقد 
يقتل المقصيدة» يمدد جنتها ص عينيه وأصابعه» ويقطعهاء ثم 
يدعى أنه يوصلها من حدید» ويحييها من جحديد» إن أية 
ب نقدية للقصيدة ة تعلى إعدامهاء وفی أفضا ل الأحوال 

مسخهاء مسخهاء ونظن أن الا جاهات النقدية القديمة والحديثة ما هى 
سوى أدوات إرهاب وقتل تمارس على حرية القصيدة وعلى 
مصيرهاء وحياتهاء وعلى الشعر فيها. الالسنية ومتفرعاتهاء 
خرل هذه القمصيدة العرلاءء الشقافة, الضعيفة؛ الغريبة) إلى 
يحملون «عاهاتهم؛ اللغوية أو الاجتماعية؛ وموتاهم» 
وعمقهمء ثم يغدرون بالقصيدة:؛ يواجهونها بوجوه معدنية؛ 
ونحاسية» وخشبية؛ ويكشرون فى وجهها الهش؟ يقولون إنها 
مداحلات «(موضوعية) ر واضحة؛ ر (علمية)؛ وناجزة» 
وجاهرة. كل هذا الرضوح» وهذه العلمية» وهذا الكمال» 
والجهزء تمارس على قصيدة س فی 0 فى 
ا e‏ زم عقون عليه تيا 
ونوافذها المطلقة لمطلقة: ويرسمونها بمحدودية البيان والالة والرقم 
الإيديولوجيون يجرونهاء رهى طائر العدم المطلق جنار 
إيديولرجى » أحادى؛ فتنهق على أيديهم وفى حيلم 
N‏ يخصوك e ٠‏ ودعو أنهم 
(الفرويديون) 0 فى 0 ونی ا 
الأنشروبولوجيون يجعلون منها جمجمة أثرية؛ أو هيكلاً 
عظمياً؛ تاريخياًء اللغويون (أو اللغوائيون) ؛ يجردونها من 
جسمها وحواسها ومائها, يحولونها إلى حطام لغوى ... 

النقد يجعل من القصيدة «فأرأ؛ مخبرياً. ليس فأرأ حياً 

مخبري 
(وما أجمل الفغران الحية)» وإنما e‏ هذا الينبوع 

العدمى الحى؛ ۾ ی القصيدة) حرم من ينبوعيته » وتدفقاته» 
ويجف فى عيود النقادء وعلى أصابعهم» » وأوراقهم؛ 
وأرقامهم» وتفاسيرهم» وتفاهاتهم. وهل هناك الاإنسانية) 
تضاهى هذه اللاإنسانية التى يمارسها هؤلاء النقاد على 


11 


بول شاؤول 


القصيدة! كيف يمكن أن نفترسهاء بهذه الوحشية والسادية» 
والقسوة» والبربرية ؟ 

إن أسوأ ما ارتكبت بحق القصيدة» هو النقد. سواء 
عندما اضطررت لذلك؛ أم عندما ادعيت ما يدعيه النقاد 
الآخخرون. لهذا أشعر بالذنب مجاه كل قصيدة حاولت أن 
أنتقدهاء وأععذر عن كل قصيدة أسأت إليها بالنقدء 
واعتديت عليها بالنقد» وشوهتها بالنقد. فالنقد اعتداء سافر 
غ ا ر لهاء ومحاولة قتل عن سابق تصور 
وتصميم) لهذا علينا أن نحرر القصيدة من تفاهة النقد» ومن 
تفاهة النقاد. كل من يمارس نقداً على الشعر» يصير تافهاً 
ووحشأ» ومسخاً. 

إن تحرير القصيدة من النقد والتحليل والالجاهات 
النقدية المضحكة أصلاً إنقاذ لها. ونظن أن النقادء (ونحن 
منهم عندما ننقد)؛ أناس جلادون» وسفاحون. والشاعر الذى 
يسعى إلى نقد شعره» وإلى النقاد كى يدرسوا شعره هو شاعر 
يكره قصيدته» شاعر يلد قصيدة» ويسلمها إلى الأموات. شاعر 
بحب أن يرى قصيدته جثة. 

فلنحرر القّصيدة من النقدء وليذهب النقاد إلى 
الجحيم! 
النشر والقطيعة المخلئة 

عندما قلنا بلا جدوى الشعر وضرورة مخرره من 
الجمهرر والناقد (وهذا ما وسعناه فى هذه المقاربة)» فى 
الندوتين : الفكريتين اللتين أقيمتا فی کل من تونس 
والجماهيرية» على هامش المهرجانين الشعريين» سكلنا: إذا 
كنت لا تريد أن يقرأك الآخر (الجمهورء والناقد) ؛ فلماذا 
أصدرت دواوينك الشعرية فى كتبء ولماذا تنشر قصائدك فى 
المجلات الشعرية؟ أو ليس إصدار الكتب توجهاً إلى الآخر؟ 
إلى الجمهور والناقد معأ؟ بل أو ليس ذلك مرك القصيدة» 
التى تعتبر أنه لا تتحرك نحو أى شئ؛ ونحو أى أحد؛ إلى 
هذا الآخر؟ وتالياً: ألا يعنى ذلك» أنك تقدم «مضامين؛ ماء 
فى قصيدتك» وتالياً: ألا تعترف بجدوى الشعرء لتعترف عبر 
ذلك الآخرء الذى تنفيه فى كلامك؟ ومكلنا: إذا كان الشعر 


\oY 





كما تقول» عدماً يمشى نحو العدم» فالعدم نفسه مضمون» 
عند أهل العبث مضمون» عند الوجوديين مضمون» حتى 
عند السورياليين مضمون. لا عدم يطلع من العدم. 

إنها أسئلة مربكة وجهت إليناء لكنها تندرج ضمن 
الأسكلة التى نطرحها. إن نشر الشعر لا يعنى بالضرورة؛ 
(هكذا حددنا الإجابة)» توجهاً إلى آخر محددء أو إلى أخر 
غير محدد؛ فالشاعر يصدر شعره فى كتابء أو ينشره فى 
مجلة أو جريدة؛ أو منشورء كى يتخلص منه» فالقصيدة لا 
تنتهى» ولأنها سعى إلى اللانهاية؛ فالشاعر يجد نفسه فى هذه 
اللعبة. ينحت هذه اللانهاية؛ يشتغل على القصيدة؛ فى اجاه 
عدمهاء أو بياضها أو حتى زوالها. ولأن القصيدة لا تنتهى» 
فإن العمل عليها لا ينتهى؛ وكى لا يصل بها النحت 
و«اللعب» أيضاً إلى نقطة إلغائها يقرر الشاعر أن يتوقف عند 
نقطة ما من هذا الإلغاء ليستثنى فتات عمله على القصيدة 
فیبعدها عنه» أو ینقذها من نفسه» أو یغادرها ( کی تغادره) 
إلى الكتاب» أو إلى أى منشور مكتوب آخر. النقطة الأخرى 
الت تحمل الشاعر على نشر القصيدة» إنه» حين يقرر 
«إنهاءها» فى نقطة ماء ويستبقيها عنده ١شبه‏ ناجزة) » فى 
الدرج؛ أو فى الغرفة؛ أو على الطاولة» فإنها تتحول» إلى ما 
يشبه الجئة التى تفوح رائحتها فى الجسم وفى الذاكرة وفى 
البيت وفى الكلماتء وتتحول إلى عبء ثقيل على الشاعر» 
والأخطر أنها قد تتحول إلى عقبة تخول دون الانتقال إلى 
يخربة أخرى. فتحرر الشاعر من القصيدة (بنشرها) وخرر 
القصيدة من الشاعرء يؤديان إلى حرية الاثنين. هى نشق 
طريقها إلى المجهولء وهو يشق طريقه إلى مجاهل جربة 
أخرى ) خخصوصاً | إذا كان الشاعر من النوع الذى لا يستطيع 
أن يشتغل على خربتين شعريتين متزامنتين نازلا سطع 
حتی عيش جربتين شعريتين منزامنتين» كى لا يؤدى ذلك 
إلى إلغاء متبادل بينهماء أو طلوع واحدة على حساب 
الأخرى. على هذا الأساس تبدو عملية النشر مرتبطة 
بالقصيدة وبكتابتها أكثر نما هى مرنبطة بالآخر (الجمهور» 
الناقد) . وفى هذا بالذات مخرر من هذا الآخر بمجمل علاقاته 
ومواقعه ومواقفه؛ وإرهاصاته. فعندما يلغى الشاعر أثناء 
كتابته متطلبات الآخر؛ والحاجة إليه» يعنى» أنه يلغيه أيضأء 


م ا و و ی فى لا جدوى الشعر 


ندما يقرر أن ينشر القصيدة فى كتاب أو فى مجلة. ويحدس 
»» عندما يحاول الآخر أن يقرأه حتى» تتضاعف الغربة بين 
نسل الا بن عن بمشهما. لقص 0 0 
دلاقة تنافر وتناكر وكراهية و بحريتها 
لطلقةء وبلا مرجميتها ترفض» أصلاً» الآخر» وتتمرد عليه 
الآخر المعبا بالمرجعيات القائمة» اجتماعية وفلسفية ونفسية 
إثقافية وإيديولوجية ولغوية» يرفض هله القصيدة الى لا يجد 
نيها «ماضيهه (والنقد كل النقد أسوأ أنواع التعامل مع 
لماضى المتجاوز) » ولا يجد فيها كذلك «معارفه؛» (ذاكرته) 
' الخاملة) ؛ وعاداته (المنمطة)؛ أى لايجد فيها ما ينتظره؛ 
برفضهاء وبنفر منهاء وهكذا ينشأ يينهما فعل عدمى يحمى 
الواحد ص الآخر؛ ويغرب الواحد ع ن الآخر. إنه 0 
المدمى بامتيازء تمق يتجاوز عدمية القصيدة قبل النشر 

هنا يبدو إصدار القصيدة فعل تضليل رهيب. ل 
وللناقد وللجمهور. تضليل ف الدلالات الراهمة . وتضليل ف 
اللغةء وتضليل فى المعنى المنفى . فالشاعر الذى ألغى الآخر 
م حساباته لدی کتابته القصيدة؛ لا يمكن أن يحسب 
حسابه قبل أو بعد إصدار كتابه. فالحلقة واحدةء وموصولة؛ 
مجلة؛ أو كتاب 7 لا يعترف لا ا بالصوت ولا 
بخن نوا دا عا لخم ا بنك لاون ل 
الكتاب»؛ وسيلة (جماهيرية)») أو وسيلة ترویج ؛ أو إيصال أو 
تواصل أو إیلاغ» أو بث؛ أو إر مال فى انجاه الآخر: وإنما 
جدار أخخر» (یوازی جدران اللغة» والعدم ؛ » وا موت» والمغادرة) » 


يتتصب بينه وبين الهواء المنفشى» أو بالأحرى قطيعة حادة 
تفصل بين ما يسمى التواصل و القصيدة. هذه القليعة نصل 
أيضاً إلى الشاعر نفسه. فالقصيدة بعد نشرها (بعد المغادرة) 
تقطع مع الشاعر ويقطع الشاعر معها أيضاً. إذن» تقوم قطيعة 
مثلثئة: قطيعة مع الآخر» قطيعة مع الشاعر؛ قطيعة الشاعر 
معها. وهذا يتصل إلى حد كبير بشعرية النص الذى؛ فى 
تفلته من هذه الوشائج؛ يخسر ماضيه؛ وربما يخسر حاضره 
٠ 00‏ وفى هذه الخسارة تربح القصيدة حرية غامضة 

يبة» تجعل منها كائناً بريه وحشيا لا تنفع لالتقاطه أو 
0 الشباك والفخاخ؛ ولا إغراء الألفة؛ والتسروض» 
والتكيف والراحة. بهذا المعنى تصير القصيدة غريزة مجهولة؛ 
بين الغرائز المعهودة؛ غريزة من حواس وعناصر تنتفى) 
وعادات مكسورة» وطقوس نافرة. ذلك أن الغريزة» غريزتهاء 
فى تمردها على الألفة تتمرد على الطفوس؛ أى تدمرد على 
الوصول إلى ما يجعلها رغبة مأسورة بالنهائى والمكرر. غريزة 
فى لاوصولها إلى شئ تمفظ رغباتها وأسرارها ومينانها 
وأزماتها ونقاسيمها. 

فالآخر عندما يتلقف القصيدة يحول غرائزها إلى 
طقوس؛ طفوسه وعاداته وتصنيفاته. لذاء تتكور القصيدة فى 
الکتاب کأنما کی تتخفی› کأنما کی تعاند» وتغادر هذا 
الآخر (بمن فى ذلك الشاعر) كى تنضم إلى عزلتها 
ورحدتها وتمتعها بذاتها؛ وبنرجسيتها وبخفائها؛ ويكسورهاء 
وبتوحشها. 

رالكتاب هو المكان الوحيد الذى يحضن هذه الغريزة 
الخالصة؛ هذه الغريزة القادمة, هذا النفى الحى للآخر. 





١ 





MELAS LSLLLLCALLSSSLLISLALLEULELSL SELLA RAL سا سانا ل‎ 


الشعر وضغوط التلفى 





على جعفر العلاق” 


سجسا ااانا 


جمهور الشاعر أم قارئ النص؟ 

ما الذى يدفع شاعراً؛ مثل أدونيس» إلى أن يتحدث بهذه 
النبرة اليائسة: «ليس لى جمهورء ولاأريد جمهورا ١7)‏ ؟ أهى 
القطيعة المحكمة بين الشاعر والجمهور؟ أم بين القصيدة 
ومتلقيها؟ أهى شجاعة اليأس؟ أم الاستغراق؛ فى الكتابة 
الشعرية كوناً مكتفياً بذاته ؟ 

إن سلسلة الأسكلة يمكن أن تنفتح على المزيد منهاء غير 
أن مايسترعى الانتباه حقاً هو تمييز الشاعر» فى جملة 
لاحقة» بين الجمهور والقراء: «الخلاقون لهم قراء»”"' » 
وهذا التمييز ليس هيناً. إنه يؤشر اتجاهين بمكنين تسلكهما 
القصيدة فى طريقها إلى المتلقى» أوء بعيارة أخرى؛ منحيين 
فى كتابتها يستهدفان, بالنتيجة؛ نمطين مغايرين من 
مستهلكى الشعر والمتعاملين معه. 





١6غ‎ 


الجمهور لايشير إلا إلى حالة عامة من التلقى» إلى أ 
عام من التكوين النفسى والذوقى والمعرفى. كتلة يحركم 
الشبه لا الاخعلاف» والروح العامة لا الخصائص الفرد 
وبذلك فإن الجمهورء بهذا المعنى» يستسلم فى تلقيه ال 
إلى دوافع مشتركة إلى حد كبير لا تفسح حجزا واض 
للنتوءات الشخصية وفردية الاستجابة. 

إنه يتلقى الأثر الشعرى تلقياً جماعياً؛ ويتضامن بطري 
عفوية فى إعلان احتفائه بالقصيدة. واحتفاؤه بها بن 
تدريجياً؛ وربما يكون للافتنان المتعجل» من قبل البعض» د 
فی انتقال هذه العدوى الوجدانية الملتهبة. والجمهور ٠‏ 
جانب آخرء هو الطرف الأخير من ذلك الطريق الشفاء 
الذى تسلكه القصيدة منبثقة من نبعها الأول: الشاعر. وج 
الجمهورء إذن؛ بقبة من بقايا الفاعلية الشفاهية ال 
حكمت» ولاتزال إلى حد ماء مسيرة التلقى والاستجابة ال 
نقطعها القصيدة عادة فى الجاه واحد من الشاعر! 
الجمهور. دون أن يتاح لهذا الا جاه أن ينفتل عاثئداً إ 
البداية : 





الشاعر سس الجمهرر 

وإذا كان الجمهور تجسيدا لاجاه شفاهى تقطعه 
القصيدة؛ فإن القراء لايمثلون؛ فى الغالب, إلا الاتجاه الآخر. 
ذلك الا جاه الذى تعمد فيه القصيدة لا على خصائصها 
الصوتية بل على تشكيلها الخطى» أو وجودها الفيزيائى 
المرنعش على الورق. القراء؛ فى معظم الأحيانء ليسوا كتلة 
أو شريحة أو مناخاً. إنهم عينات منعزلة عن بعضها البعض» أر 
هم» عموماًء ججسيد لفردية التلقى وخصوصيته؛ يلامسون 
القصيدة؛ لا باعتبارهم محيطأ عاماً متجانساً بل بكونهم 
أفراداً: يستعين كل منهم بعزلته الجسدية والروحية على 
استدراج القصيدة إليه؛ واستيعاب تفاصيلها. ولكل منهم 
آلياته الخاصة فى القراءة أو التلقى» وله ذخيرته من الخبرة 
والمعرفة التى يستنهضها بطريقة شخصية. وفى الوقت الذى 
بقف الجمهور فى نهاية طريق لايقبل العودة؛ فإن القارئ 
ليس علامة على طريق مغلق؛ بل هو مفصل حيوى يصب 
فيه الطريق القادم من النص ليتولد عنه طريق آخبر يعود إلى 
النص ثانية : 

القارئ سح النص 
سه 


إن الطريق هناء لايربط بين الشاعر والجمهور» كما فى 
الحالة الأرلى» بل بين النص رالقارئ. ولايتخذ هذا الطريق 
وجهة واحدة بل يسلك الجاهين متعاكسين يغذى أحدهما 


الآخر» ینمو به وینمیه فى آنأ" . 


لم يكن دور القارئ»› فی صلته بالنص» دوراً | ستهلاكياً 
ظمأه الجمالى» وتشبع ليه وهر فی عزلته البهيجة تلك» 
نزوعه إلى التلفى الشخصى الممعن فئٰ كثافته وفرديته, بل 
أصبح هذا القارئ طاغية جديداًء تشكل استجابته للنص نسيج 
نقدياً مؤثراً يقوم على سلطة القارئ؛ ويستند إلى استجابته 
للدنص الإبداعى : نقد اجب lallرh Reader - Response‏ 
Criticism‏ . وھکذا حولت عناية النقاد من النص باعتباره بناء 
متحققاً للمعنى إلى استجابة القارئ وهو يتابع النص مطبوعاً 
على الورق0؟ , 


ماعاد معنى النص» إن تمارا مؤلفه؛ بل ضار قاجا أر 
خلقاً يقوم به القارئ المتميز”*2. وقد ازدهر هذا الاتجاهء الذى 
يستند إلى فاعلية القراءة» ازدهاراً بيناً فى بيئات نقدية محددة» 
حتى غدا تيار مهيمناً. إن التقد البنيوى الفرنسى؛ كما يقول 
جوناثان كوللر؛ يقوم جوهرياً على نظرية القراءة”"؟. ولاشك 
أن هذا الاتجاه قد جعل من نشاط القارئ مولداً لعدد كبير 
من الدلالات والمعانى .كل قارئ للنص يجسدء فى حقيقته» 
أحد المعانى الممكنة للنص المقروء. ويمشل القراء؛ بعددهم 
المتنامى» تشظيات للدلالة؛ ونفجرات لها فى كل اجاه. كان 
ارتباط النص بمؤلف بذاته يعنى انغلاقه على معنى نهائى 
واحد لايقبل التعدد كما يرى نقاد هذا الامجاه. أما الركون 
إلى استجابة القارئ فهر طريق لا نهاية له صوب معان للنص 
لا نهاية لها أيضا . 


من مشكلة التلقى؛ فإنهما يختلفان» كما أشرناء اختلانا 
واضحاً. إن لكل منهما دلالته الخاصة على طرف من هذه 
المشكلة المعقدة: وبما أن هذا البحث ليس معنياء بشكل 
أساسى» بالقارئ ونظرية القراءة» فإن الاهتمام سينصب على 
الجمهور المتلقى؛ ذلك الجمهور المعروف بخصائصه التى 
أشرت إليها قبل قليل. مع أن التداخل بين القارئ والجمهور 
قد يرد؛ أحياناًء كلما دعت الحاجة إلى ذلك.. 


جسدية النص الشعرى 

او ا ا و 
عن القصيدة التقليدية فى اعتمادها الطريق الشفاهى أساساً 
فى مخاطبة الجمهور. ورغم ماييدو فى هذا القول من تطرف» 
للوهلة الأرلى» فإن تأمل شعرنا العربى الحديث» نحركة ونمواً 
وارتباطاً بالحياة؛ لايؤدى إلى حكم مختلف اختلافاً حاداً. 

منذ الخمسينيات والشاعر العربى الحديث شديد الارتباط 
بالجمهور. ومنذ ذلك الوقت وهو يسعى بدأب ومرارة إلى أن 
يوفر» فى قصيدته» مايحكم صلة الجمهور بهاء ويجعل تفاعله 
معها مؤكداً. ولاحاجة للتذكير أن الاستثناءات؛ وهى ليست 
كثيرة على أية حال» لاتغير كثيراً من هذا الواقع . 


على جعفر العلاق 


إن القصيدة العربية لاتزال» فى صلتها با متلقى» تخفى 
الكثير من تفاصيل كيانها الفيزبائى. ولم يستشمرء حتى الآنء 
وجودها الخطى الملموس بطريقة كافية وفعالة28. وبالرغم أن 
هذا الجسد النابض على الورق قد أصبحء فى السنوات 
الأخيرة» مجالا لاشتغال عدد من نقاد الحداثة فإن المتلقى / 
الجمهور لم يصبح طرفا مؤثراً فى هذا التفاعل» ولم يعئد» 
بعدء على الوصول إلى القصيدة عن هذا الطريق الجسدى 
تماما. إن امتلقى لايزال مفتوناً بالصوت: يحركه ويشكل 
استجابته؛ وهوء فى حركته باتجاه القصيدة:؛ يتبع نبض 
الإيقاع المكتوم حيناً» والتطريب الحسى والوجدانى حيناً آخر. 
ورغم المغالاة التى نلمسهاء أحياناًء فى الحكم على عزلة 
القصيدة العربية الحديثة؛ أو مجافاتها لاحتياجات المتلقى فإن 
الشعر العربى لايزال خطابياً فى معظمه . 

لقد كان ريفاتير محماً فى إشارته إلى دور القارئ فى 
تشكيل الظاهرة الأدبية التى لابراها إلا «علاقة جدلية بين 
النص والقارئ»""“. ويمكن لهذه العبارة الدقيقة أن تنطبق» 
تماماًء على واقعنا الشعرى إذا قمنا بزحزحة مفردتين. 
أساسيتين عن مكانهما: النص» القارئ. رحين نستعيض 
عنهما بمفردتين أخريين هما: الشاعر الجمهورء يكون 
الحكم أكثر انطباقاً على وضع الشعر العربى كتابة وتلقياً. إن 
الجدل فى شعرنا العربى لم يكنء فى الغالب» إلا بين 
الشاعر/ الصوت» والجمهور / الأذن. أى أنه كان تفاعلاً 
شفاهياً تشكل الأذن والشمة طرفيه الحاسمين. هكذا كان 
واقع الصلة بين الشاعر والجمهور وهكذا هو الآن تقريباء وإن 
كان قد فقد شيئاً من ضراوته السابقة. 
الشعر استغراق للسمع 

حين عرف جون ستيوارت مل الشعر لم يشر إلى طبيعته 
الصوتية فحسبء بل أعلى من تلك الطبيعة بطريقة لافتة 
للنظر حقاً. إن الشعر لديه ليس قولاً يسمع سمعاً فقطء بل 
١يستغرق‏ السمع» 2١١”‏ . فالشعرء إذن؛ استغراق للسمع؛ الحالة 
القصوى من الغرق فى نشوة صوتية وجذل إيقاعى غزير. 

والجمهور لابحقق صلته بالشاعر وقصيدته» بأفكاره 
وأهوائه ومواقفه» إلا عبر هذه الغلالة الصوتية الريانة. أما 


16 





الشاعرء وهو يدرك هذه الحقيقة بعمق» فإنه يحاول أن يضمن 
لقصيدته أكبر قدر من الغنى الصوتى الذى يجعل طريقها 
إلى الجمهور آمنا. ولتحقيق ذلك يسعى الشاعر إلى : 

١‏ الإعلاء من شأن الخصائص الإيقاعية والصوتية» 
والعناية بكل م يجعل هذا الثراء الصوتى متفشياً عبر النص 
الشعرى» صادرا عن تفاصيل الصياغة كلها: نظام التقفية» 


- وقد لايكتفى الشاعر بالغنى الإيقاعى فى نابا 
القصيدةء بل يدحل هو طرفا فى هذا الإثراء. فلا يعود وجودا 
بیولوچياً مستقلاً عن صوت قصيدته» وإنما يضيف إليها 
صرته هوء يقحم جسده فى عملية التأثير كلها: وهكذا 
بتضافر الجسدان معاء جسد القصيدة وجسد الشاعر فى 
إغداق هذا الرنين التهجدى الراجف. 
فى شعرنا الحديث؛ عموماً» صار للسماع أرجحية خخاصة 
على القراءة ونقاليدها "". وأخذ الشاعر الحديث لايتردد 
فى التغكير» مثله فى ذلك» مشل الشاعر التقليدى» فى آلية 
الإلقاء» ومواجهة الجمهور. حتى أخذ هذا الهاجس» هاجس 
الإلقاء؛ يترك بصماته على بناء النص الشعرى""'ء رهكذا 
يصبح «الصوتى حاضراً فى الكتابى» فى أكثر الأحيان. 
ودف التحمد بيس أبعد من ذلك حين يؤكد أن شع 
أدونيس الداعى إلى تخطى الشوابت شعر مشرع بالإنشهد 
والشفوية حتى إن الكتابة الجديدة: 
«التى مارسها أدونيس بأناقة متمردة» ونظر لهاء 
وهى الطرف الأقصى لحداثة شعرنا فى هذا العصرء 
مشعة بالشفوية؛ وخخصيصتها الإنشادية ذات صرح 
مکین)' . 
لذلك» فإن سلطة المعلقى ليست خارجية داثمًاء بل هى 
فى أحيان كثيرة؛ استبداد داخلى: يكمن للقصيدة فى مكان 
ماء قبل اندلاعهاء ليلقى على الشاعر رقاه السحرية قبل فعل 
الكتابة» ويملى عليه شروط التوصيل والتلقى. وهكذاء فإن 
للمتلقى وجود فى وعى المبدع'*21, ولامفر لهذا المبدع من 
مواجهة هذه الحقيقة: 





«إن الكاتب يعى» حسب مستويات متعددة» وفى 
مختلف المراحل التاريخية» صنف القراء الذى 
يتوجه إليه بكتابته؛ وهذا الوعى يعين العوامل 
الأخرى» بلاغة وقوانين كتاب "'. 
اللذة الغامضة 
على الرغم من أن الصلة بالمتلقى لم تخظ؛ فى بعض 
أنماط القصيدة العربية» بما تستحقه من عنايةء إلا أن الشاعر 
العربى الحديث لايزال حريصا على الاحتفاء بهذا الصديق 
الذى لا مفر منه: المتلقى أو الجمهور. وسنبحث فى فقرة 
لاحقة مجليات هذه العناية ونتائجها. 
كان الجمهورء فى أحيان كثيرة» عرضة للوم. وكانت 
جدارته؛ بوصفه متلقياء موضع شك وتساؤل مستمرين. 
ويمكن القول إن الاحجماه الذى بلورته مجلة «شعر) وقادته؛ 
نظرية وممارسة» إلى أفاقه المعروفة كان فى طليعة من وضع 
هذا المتلقى موضع الاتهام. 


وقد دار جدل عنيفء ماكان يهدأ إلا ليندلع ثانية حول 
هذه الأزمة بين الشعر ومتلقيه. وكان الجدل كثيرا مايختزل 
خيوط المشكلة كلها حول ظاهرة الغموض فى القصيدة 
الحديثة مخديداً: المستوى الثقافى العام؛ الاستعداد الخاص» 
شروط التلقى» وظيفة الشعرء طبيعته. وكانت حصة الجمهور 
من اللوم هى الراجحة دائماء فيما يتعلق بظاهرة الفمرض 
الظاهرة بكفاءة معرفية ونقدية متمیزة' . 

ولم يكن الجمهور هو المقصر دائماً؛ فقد شهد الشعر 
العربى الحديث أنماطا من الفوضى فى تركيب القصيدة بدءا 
الشعرى عموماً. إضافة إلى ذلكء فإن القصيدة لم تكن 
تنهض» فى بعض الأحيان؛ على مجربة إنسانية ثمضة وحقيقية؛ 
قدر اعتمادها على كد ذهنى» واختلاق» وافتقار إلى ماتريد 
قوله حقاً. 


إن الفموض خصيصة شعرية حقة. تترشح عن جماع العمل 
الشعرى» من بنائه ورؤياه فی فرادتهما وتوترهماء وینبئق عن 


الشعر وضغوط التلقى 


القصيدة الصادرة عن الانفعال فى تعقيده ورهائت!214, وهو 
حين يشع من ثنايا النص ومناحه الكلى فإنه يمزز من قوة 
القصيدة وجاذبيتها: 
ويضاعف من افتنان القارئ بها. ويشير الجرجانى إلى 
ذلك فى إحدى لفتاته الثاقبة: 
«من المركوز فى الطبع أن الشئ إذا نيل بعد 
الطلب له؛ رالاشتياق إليه» ومعاناة الحنين 
نحوهءكان نيله أحلى وبالمزية أولى؛ فكان موقعه 
من النفس أجل وألطف» وکانت به أظن 


اش 10 
واسغف») 3 


من جانب آخمر على القارئ أن يكسر دائرة التلقى 
السلبى. إنه مطالب» أيضاء أن يترك جلسته المريحة تلك 
متجهأ إلى القصيدة: يستقبلها فى نقطة ما فى الطريق» نقطة 
لقاء حار منفتح. ومن الطبيعى أن يكون لهذا اللقاء شروطه 
الشاقة أحياناً: أن يتوفر لدى متلقى الشعرء كما يرى صلاح 


ستيتيه 


«تقنية خاصة:؛ مرتبطة بحساسيته؛ وبواقعه 
الإنسانى والحياتى؛ وبتجاربه مع الكلام وأبعاد 
الكلمات؛ لكى يصبح هو أيضاء على قدر من 
الشفافية والطهارة الداخلية يتيح له أن يلج إلى 
عالم الشاعص"". 


ما الذى يترتب على الشاعر عمله لكى يقطع» هو الآخرء 
حصته من الطريق متجها إلى جمهوره: جمهور القصيدة 
الحديئة؟ لاشك أن هناك عوامل عدة سياسية واجشماعية 
حمل هذا الشاعر قدرا غير قليل من التنازلات الجمالية 
لكى يضمن لهذا اللقاء بجمهوره أن يكون فعالا. وإذا كان 
الجمهور طرفا رابحا فى هذه المعادلة, فإن حصيلة الشاعر 
منهاء موضع جدل وخلافتف شديدين: كيف انعکست هذه 
الصلة على القصيدة الحديثة لغة وبناء؟ أى الكفتين كانت 
الراجحة: تضحيات الشاعر الجمالية أم المردود الواقعى النفعى 
للتوصيل ؟ 


على جعفر العلاق 


نص الواقع وواقع النص 

قد ترتب على تلك العلاقة المشتبكة عدد من النتائج 
ارتبطت بالقصيدة الحديثة؛ رائقت نشأتها الأولى وتركت آثارا 
عميقة وموجعة على حداثتهاء مفهوماً وممارسة. 

كان الواقع العربى» آنذاك» يشرف على هاوية مخيفة؛ 
فرماد الحرب الكونية الشانية لا يزال حاراء وأنين الشعوب 
اله ينلا الذاكرة. ظاهريا كانت الحرب قد انشهت إلا 
أنهاء حقبقة, قد بدأت على صعيد آخر. وبدأ معهاء بالنسبة 
إلى الوطن العربى » عصر جديد من القلق والعنف والتشظى. 
لكنه؛ فى الوقت ذاته» عهد ليقظة الوعى» بالنسبة إلى العرب» 
ومعاناتهم الحديثة المقلقة. 


أحذ ثل النوم العربى بتفتت مخت دم فلسطينى حار 
ربدا الليل يذوب نت سماء مشتعلة: سلسلة من الانقلابات» 
والتململ؛ والإفصاح؛ بطرق شتى عن نزوع ثقافى وسياسى 
واجتماعى لم زألفه سابمًا. كان هناك مسعى عربى شاق 
لتجسيد هذا الوعى الجديد؛ والتعبير عنه على أصعدة مختلفة. 
ولم يكن للقصيدة العربية إلا أن تسهم بنصيبها الشاق من 
تلك المهمة: أن تتوجه إلى الناس وتشارك معهم فى تمزيق 
وجه القبح؛ وتعبر عنهم؛ فى صراعهم الضارى ضد ذلك 
الواقع البشع. وماكان لها أن تفلح فى أداء تلك المهمة ار 
انشغلت بمناخها الفنى الخاص» أو انصرفت؛ عبر عزلتها 
الرفيعة» إلى تعميق سلوكها الجمالى فقط. 

لقد اخحتارت القصيدة الحديثة؛ لاسيما فى الخمسينيات» 
التنازل عن بعض من سحرها الغائم» ولغتها المواربة وهى تتجه 
إلى ذلك المتلقى اممتشد: الجمهور. وصار واضحا أنها قد 
استمدت فيضا إضافيا من حيوية الجو العام: لم تعد مطلبا 
مايا رفا مضا ابل كانت دو نی اسان كثيزةة اج 
فكرية ووطنية» أو جهدا مزدوجا: فنيا/ فكريا فى أفضل 
حالاتها. 

وبقدر ها أفادت القصيدة الحديثة من جو البقظة العام» 
فإن طاقنها الخركة لم تكن فى منأى عن الأذى. كان على 
الشاعرء أحياناً: أن يجعل من قصيدته» فى ظرف ملتهب 


10۸ 


ا س 


أحيان كثيرة» فاعلية سياسية/ فنية» تسعى بحرقة واضحة إلى 
هدف يقع خارج القصيدة؛ هدفء أو أهداف؛ تمس واقع 
الناس وتلبى مطالبهم فى الحرية والعدالة. 


ولكى ينجح» فى مهمته تلك؛ لجأ الشاعر الحديث إلى 
تكريس قصياته لدور إضائى؛ عليها أن تؤديه فى أرض 
مجاورة. وهذا الدور لاتكمن قيمته داخل النص بل خخارجه؛ 
أى خارج الهدف الجمالى والفنى للقصيدة. وبذلك صارت 
بعض الكتابات الشعرية تأحذ» أحيانا» شكل الوسيلة وتلتزم 
بطبيعة الأداة. 

وحين انخرطت القصيدة الحديثة» فى ذلك السجال 
المنوثر , كان لها شرف الانتماء إلى الناس» والاتتصار للحلم 
الوطنى والقومى والإنسانى. وقد دفعت القصيدة؛ من جراء 
مسلكها هذاء ثمناً ليس هيناً: أجلت حسم بعض مشكلاتها 
الجمالية التى کانت تعطلب» کی تنجز؛ انخراطا فی جدل 
الحدائة الشعرية؛ وبلورة تصور عربى لها. هذا من جهة؛ ومن 
جهة أخرى تقديم تجسيداتها المنفوقة التى نستمد قوتها 
وجمالها من كيان شعرى مكتف بذاته. 


رخدت القصيدة الحديثة نفسها فى مواجهة راقع محتدم؛ 
,کان علبها أن تقنع» فى أحيان كغيرة؛ بدور الوسبط: أن 
تكون حمالة أفكار» وموضوعات» وأهراءء دون أن يشاح 
لحمرلاتها هذه أن تلتحم بجسد النص الشعرى وتغدو جزءا 
داخليا من نسيج مترابط. ۰ 


ونتيجة لذلك كله واجهت القصيدة العربية شرخا 
خطيرا: تمثل فى تلك الثنائية القائلة: الشكل والمضموة؛ 
التى طحنت بين فكيها القاسيين الكثير من الثراء الجمالى 
للنص. كان الواقع الشائك يفترح مضامين وموضوعات يدار 
حولها الكلام. وكان على القصيدة نقل تلك ال موضوعات 
والمضامين؛ سلسلة من الثنائيات تنهض» ثانية: الإناء ومحتواه» 
القدح وخمرته؛ اللفظة ومعناها. وكلها تعکس وضعا واحدا: 
ثمة وعاء لابد من مله بمضمون محددء ثمة رداء ينبغى 


حشوه بجسد مأ. 


ااالللللل-6-60--ْ.ءٌطس]ٍ”سضممضسضشسسس بح الشعر وضغوط التلقى 


وحين كانت القصيدة تخاول الانفلات من هذا القيد؛ أو 
تتمرد على أى ترتيب ذوقى أو إيديولوجى؛ أعد مسبقاء كان 
عليها أن تواجه تهما عدة: فهى كتابة مارقة» متعالية؛ 
وملتوية. لم يكن متاحا للقصيدة الحديثة أن يكون لها 
اختلافها عن السائد والمشترك؛ أو مسلكها الخاص فى التعبير 
الذى قد يكون» أحياناء على شئ من الغموض الاسر المشع. 
وقد فعلت تلك المواجهة فعلهاء فى أحيان عدة؛ ترويض 
القصيدة الحديئة وإعادتها إلى دائرة الشيو ع والعمومية» لغة 
وذائقة؛ الأمر الذى أدى إلى كسر نموها فى سياق حدائى 
متجانس . 


کان لواقع الخمسينيات إيقاع حار دام؛ وثرى بالوعود: 
تمتزج فيه البطولة والموتء والثقة الغامرة بالمستقبل فى مزيج 
مهرجانى غريب. وقد كان لكل ذلك أثره على حداثة.الشاعر 
العربى. حين كان السياب أو البياتى؛ مثلاً؛ يستجيب لواقع 
كهذاء فإنه بفعل ذلك» غالباء بدافع مزدوج» يشكل الفعل 
السياسى والفعل الإبداعى طرفيه الأساسيين. وهذان الطرفان 
يتضافران» أحياناء لتحقيق هدف لايستمد قيمته إلا مره 
مكنونه العام ومحتواه اللاشخصى. 


وهكذا يصبح الشاعر الحديث» يوما بعد آخر» جزءا من 
وتردده الإنسانى من جهة, ويشغله, إلى حد ماء عن شخصية 
شعرية نميزه. ومن أجل أن يكون انتماؤه لهدير هذا التيار 
مبررا كان عليه أن يصغى إلى نبض تلك الحيوية الشعبية 
الدافقة. ويتخلى» إلى هذا الحد أوذاك » عما يجعله؛ ربماء 
فردياً أو لامبالياً. 


فی «ا مومس العمياء» و«الأسلحة والأطفال؛ » معلا كان 
إصغاء السيّاب شديداء بفعل ضغوط إيديولوجية واضحة» لا 
إلى عالمه الداخلى بل إلى الخارج وهو يتشققء وينهار. 
كانت قصيدته عمرا فخما لضوت شعيئ عام وجليل. أما 
الجلال؛ لكنه لم يستطع أن يحقق ماحققه فى مرحلة 
لاحقة: أعنى ذلك الاتحاد المدهش بين القصيدة» ودلالتها 
لداخنية» أو التداخل بين الخاص والعامء الأمر الذى لم 


يتحقق إلا بعد أن خفت فى عظامه ذلك الرنين الإيديرلرجى 
المغرى» وماعاد هاجس الصلة بالجمهور شاغلاً أساسيا من 
شواغله. 

ومايصدق على السياب يمكن أن يصدقء أيضاء على 
الخارجى وبواعثه» قصائد عدة؛ فإن بعض المجموعات المبكرة 
للبياتى كانت استجابة وجدانية عذبة لذلك الواقع ومماشاة 
لمتغيراته الظرفية. 
التلقى تجربة جماعية 

أول مابلفت النظر أن الشاعر العربى الحديث لايزال؛ 
عموماًء يغدّى قصيدته بما يجعلها صالحة؛ باستمرار» للتلقى 
الجماعى. ورغم ما تعج به ساحة الشعر والنقد معا من 
ادعاءات تتخطى الذوق السائد» وتجاوز الأعراف الراسخة» فإن 
الكثير من شعرائنا لايكتبون لقراء مؤجلين أو أزمنة مقبلة كما 
يدّعى بعضهم. إنهم يكتبون القصيدة وفى مخيلة البعض 
منهم ؛ عكاظ من نوع ما هى عكاظه الخاصة: يستجيب 
لنروطها ويرضخ؛ دون وعى منه ربماء إلى تواطؤ واضح 
معها. أى أن فى ذهنه؛ إلى هذا الحد أو ذاك؛ صورة ملموسة 
لجمهور محدد) ومناخا عام للعلة 


وهو ليس قليلاً تتم كتابته بناء على حركة التلقى وانجاهاتها. 
ولا أظن أن أمة أحرى» على هذا الك وكب القاسى» تتفوق 


بإنشاده والتغنى به. 


فى اهتمامه بالجمهور/ المتلقى؛ كان الشاعر العربى 
يحاول أن يكيف جسد قصيدته ويحد من طفولتها الشرسة 
العامية. وقد مخلى ذلك فى بعض الظراهر التى كانت عخقق, 
فى واقع الحال استجابة لمتطلبات التلقى الجماعى: مواجهة 
الشاعر للجمهور. 


إن كثيرا من شعراء حداثتنا العربية هم» فى حقيقتهم؛ 
شعراء غنائيون» عدا اختلافات هينة لاتغير من جوهر الامر 
شيئا. 


على جعفر العلاق 


و يفصح الشعر العربى الحديث؛ عامة؛ عن دفء غنائى 
دفين» يتجلى فى نزعة الشاعر العربى إلى استشمار الإيقاع 
والاندفاع به إلى وديانه المرهفة. وقد لايقف هذا الوله عند 
الإيقاع وحده بما له من رفيف سرى هادئ» بل إن البعض» 
من يكتبون القصيدة الحديثة بحس تقليدى» يتجاوزون ذلك 
إلى تفجير ضجة النغم ودبيبها انخدر؛ مبتعدين عما تمنحه 
الزحافات والكسرات العروضية؛ مشلاً؛ من ثراء وترويض 
للصخب العروضى الراكض. 

وهذه الظاهرة كانت تغذى فى الجمهور غالبا نزوعه إلى 
الانتشاء بالإنشاد المهرجانى وتتغذى منه أيضا. 


وربما كانت المناية بالمفتتح الشعرى من أكثر مظاهر هذه 
الغنائية تجليا. فمن خلال هذه البداية الذاتبة يحاول الشاعر 
الحديث أن بختارء لملاقاة قارئه» أعذب ا مداخل وأكثرها دفا 
شخصيا. إن السياب؛ مثلاً؛ حين يستهل «أنشودة المطر؛ على 
هذا النحو: 

«عيناك غابتا نخيل ساعة السحر 

أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر 

وتغرقان في ضباب من أسى شفيف 

کالبحر سرح اليدين فوقه المساءء 

دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف» 

والموت, والميلادء والظلام» والضياء 


لتستقدة ملء روحی؛ رعشة البكاءء[١؟).‏ 

فكأنه يغترف من ذاكرة طللية فياضة؛ ويستثير فى 
المتلفقى مخزونا وجدانيا حارا. وهو؛ بعد أن ينجز هذه 
الافتتاحية الملنهبة؛ سرعان مايغادرهاء مفتونا بأسلافه 
الجاهليين» ليقود قصيدته عبر سلسلة من الانشغالات التى 
يرتبط» من خلالهاء الهم الوطنى والإنسانى العام 
بالانكسارات الخاصة. 

وتلعب الأنا الغنائية دورا مهما فى توثيق الصلة بين 
الشاعر وجمهرره. إن شعر أدوئيس فى عمومه» وفى (أغانى 
مهيار الد مشقى) وماقبله خاصة؛ يستجيب لتلك الذات 
الغنائية استجابة عميقة يكون الجمهور طرفا ا ار شرا 


11۰ 


و د ج 


رحين نتأمل؛ مشلاً» هذين المقطعين لأدونيس والبياتى 
جد أنهما يسعيان إلى إقامة تلك الصلة الوجدانية واللسانية 
بع القصيدة وجمهورها: 
ات قلت لكم أضفيت للبحان 
تقرأ لى أشعارهاء أصغيت 
للجرس النائم فى المحار؛ 


قلت لكم غنيت 
فى عرس الشيطان. فى وليمة الخرافة؛ 
قلت لكم رأيت 


فى مطر التاريخ: فى توهج المسافة 


ا و 


۲ قلت لكم لكنكم أشحتُّم الوجره 

عالمكم مزيّف وحبكم مشبوه 

يا أيها الابواق, يابهائما فى السوق 

قلت لكم عليقكم مسروق 

لكنكم نفختم فى البوق 

سرقتم كنوزى المخبوءه 

لكنكم لم تسمعوا بقية النبوءة 

وها أنا فى السوق 

أضرب فى السياط ؛ حافى القدمين 

عاريا مشنوق»("")” 

إن هذين اط متطعين» كلييماء يؤكدان صلة ا نوع 

خاصض بين الشاعر وجمهوره» تتمثل فى تلك J‏ م هة 
المشتركة بينهماء حيث يتحدث الشاعر إلى جمهوره أو شعبه 
أو مريديه مذكراً بوعيده. أو نبوءته أو رؤياه. 


إن الذات؛ لدى أدونيس؛ هناء تقف فى مواجهة الجمهور 
ناعلة مكتشفة: تنقل إلى الأخر(ين) خبرتها القاسية 
واكتشافها للغامض وامجهول. أما بالنسبة إلى البيانى فإن 
ضمائر الخاطبين وغزارتهاء وتراكضها المنتابع يضع الشاعر 
والجمهور انخاطب فى حمَّى من اليقظة العالية والانتباه 
المشدود. ومن جانب أخر» فإن هذا الجمهور يصبح طرفاً فى 
هذا الخطاب الملتهب الذى لايكف عن لذعه وتعذييبه» 
رإيقاظ إحساسه بالذنب» لأنه لم يسمع نبوءة الشاعر حتى 
النهاية ولم ينتبه إلى حلول الكارثة. 


لصب هس ب الشعر وضغوط التلقى 


ولابد من الإشارة إلى أن هذه النزعة تركت أثارا واضحة 
على بنية القصيدة الحديثة؛ حيث أدى هذا الاندفاع النغمى» 
أحياناء إلى ملامسة التجربة ملامسة خارجية بدل الغرص» 
بعيدا؛ للإمساك المتأنى بجوهرها الدافئ الطرى. لذلك لاييدو 
مبالغا القول بأن: 
«طفيان الانتظام الوزنى فى الشعر يرافقه 
انحسار للصورة الشعرية عنه. وكلما خف 
طغياك الانتظام الوزنی كلما ازداد بروزالصورة 
الشعرية فى النصوص المنتجة:2"47. 
ومع ذلك» فإن خفوت لغة المجاز» عموماء يكاد أن يشكل 
أرضا مشتركة مجمع بين الكثير مما يكتب من شعرنا الحديث 
الآن. وقد أدى ذلك إلى هذه النتيجة الباطشة بالشعر: هيمنة 
امجرد والذهنى والافتقار إلى الأداء بالصورة!" . 
شباك لإغراء الجمهور: 
والشاعر الحديث» حين يتمتع بيقظة جمالية عالية يحاول 
استدراج الجمهور وتغذية فضوله بأساليب شتى. إن التلاعب 
بأنساق الجمل الشعرية؛ والتنويع المرهف فى نظام التقفية 
والتنقل بين الخبر والإنشاء؛ كل ذلك يتيح للقصيدة حدا 
عاليا من الإثارة والجدة. 
لسأمل المقطع التالى من قصيدة «العودة لجيكور» 
للسياب: 
١-نزع‏ ولاموت 
؟ - نطق ولا صوت 
٠‏ طلق ولاميلاد 
؛ - من يصلب الشاعر فى بغداد؟ 
5 من يشترى كفيه أو مقلتيه؟ 
1 من يجعل الإكليل شوكا عليه؟ 
٠‏ - جيكور ياجيكور 
4 - شدت خيوط النور 
6 أرجوحة الصبح 
-٠‏ فأولمى للطيور 
5ت والتمل من جره 
يستنفر الشاعرء فى هذا المقطع الكثيف النامى» أقصى 
طاقاته: إحساسه باللغة والإيقاع والتقفية وبناء الجملة؛ كسرا 
لكل رتابة ممكنة ومحافظة على انشداد القارئ. 


,)51( 


ارتاتلا طيقة التقنفية, مثلة» لوجدنا أن الأيات 
(۸-۱) تتوزع على أربعة حروف روى (ت. د. ه. ر) أى 
أن كل بيتين اثنين يشتركان فى قافية واحدة. ولايشذ عن 
ذلك إلا الأبيات الثلاثة الأخميرة (4 )١١‏ . كما أن هذه 
القوافى تتارجح بين الحركة والسكون؛ فالشاعر يبدأ أبياته 
سلسلة من القوافى الساكنة ولايعود إلى القافية المتحركة ثانية 
إلا فى الأبيات الشلاثة الأخيرة» وفى البيتين (4 و١١)‏ 
خديدا ليجسد حركة الأرجوحة والطيور والنمل والوليمة 

وقد نوع الشاعر» كذلك؛ فى طول الأشطر؛ فالأبيات (4 
5) أكثر الأبيات طولا. أما الأبيات الباقية فتكاد تكون 
مسارية فى الطول. ولكى لاتتسلل إلى هذه الأبيات رتابة ما 
بسبب هذا التساوى فقد لجأ الشاعر إلى تنويع بارع فى 
التفعيلة الأخيرة من كل بيتين يشم ركان بقافية واحدة. 
وهكذا جاءت التفعيلات على الترتيب التالى: فعل. فعلاك»› 
فاعلان .نعلان. فعل . فاعلان.فعل. الأمر الذى أعطى المتلقى 
إحاساً بتفاوت هذه الأبيات فى الطول وتنوعها فى الإيقاع. 

أما الجمل فقد كانتء أيضاًء عرضة لتنويع جميل عزز 
الشاعر هذا المقطع بئلاثة أبييات تبدأ كلها بجمل اسمية؛ 
ويقوم كل واحد منها على التضاد. وقبل أن يبدأ إحساس 
المتلقى بثبات النسق فى هذه الجمل يتحول عنه إلى ثلاثة 
أبيات جديدة تبدأ بأداة الاستفهام (من). وحرص الشاعر على 
ألا تنفصل هذه الأبيات عن تلك المحيطة بهاء فجعل البيت 
يسبقه من جهة؛ ومتصلا بما يليه بأداة الاستفهام (من) 
ونبرته القوية من جهة أخرى. لكن الشاعر لايستمر فى 
اعتماد صيغة الاستفهام بل يكسر ذلك بصيغة النداء لجيكور 
إنعاشا لتواصل المتلقى. 

ويلاحظ أن الأبيات السابقة كلها لانتعلق بما يليها 
تر کنا أو دلاليا؛ فكل بيت وحدة تركيبية ودلالية مكتفية 
بنفسها. غير أن الشاعرء مدفوعا بهاجس التنويع الجذاب 


ا ا 


«٠ 


والتنقل ال ركيبى والإيقاعى يخرج؛ فى الأبيات )١١-/(‏ 
كل بيتين ببعضهما على المستوى التركيبى والدلالى معأً: 
«شدت خيوط النور 
أرجوحة الصبح 
فأولى للطيور . 


والنمل من جرحى». 


إن البيتين الأولين ينشدّان إلى بعضهما انشدادا يجسد 


حركة النور وهو يش أرجوحة الصبح. كما يجتمع البيتاك. 


الأخران إلى بعضهما ليمثلا اجتماع الطيور والنمل على 
تلك الوليمة الأسطورية: جرح الشاعر. 


ويلجأً الشاعر الحديث؛ أحياناء إلى أن يجعل من الجمهور 

طرنا فى الحدث اللسانى» من خلال توريطه فى علاقة 
صريحة بذلك الحدث؛ باعباره مخاطبا مباشرا يتجه إليه القول 
الشعرى: وينم ذلك عادة باستخدام أفعال الأمرء والنداء» 
والتكرار» والتوكيد والضمائر: 

3 

و آهء ابتعد. مبلكء لا 

أوشكت أن تغيب 

فاترك لا وراءك 

عينيك ار جنتك السمراء أو رداءك 

قصيدة للعالم الغريب:(31؟) . 

3 

ولاتسدلوا الستار 

هذا أنا هاملت؛ لاتقاطعوا الحوار 

بلا قناع » أهتك الأسرار 

لاتضحكواء فإننى أمرت» يا أشرار 

أدبت دورأء كان... لانقاطعوا 

من أفجع الأدوار 

فالمسرح العالم التيار 

يجرفنى 

وإننى أنهار 

لاتضحكوا 

وأوقفوا التبار 

لاتقلبوا شفاهكم 


لاتطفكوا الأنوان(“). 


1Y 


إن إقحام الجمهور طرفا فى الواقعة اللسانية لايتم» كما 
رأيناء إلا ضمن تلك الدائرة التى يدخلها الشاعر وجمهوره 
متواطئين ) عبر لعبة تستهدف استدراج الجمهور» واستفزاز 
حواسه؛ وجره إلى حلبة الخطاب وآلياته؛ وأخيرا إغراقه فى 
وهم المشاركة فى إنتاج هذا الخطاب وتلقيه. 


رکا رأينا فى المقطعين السابقين. فإن استخدام الشاعر 
هذه الوسائل الأسلوبية واللسانية من تأوه» ونداءء وتكرارء 
رأفعال الأسء والتوكيد؛ يجسد اهتمام الشاعر بجمهوره 
ومحاولته الاستحواذ عليه» عبر التركيز على مايغذى فيه 
الوظيفة الإفهامية والانتباهية» کما یری باک 

ودوافع التلقى والتوصيل تدفع بالشاعر الحديث؛ أحياناء 
إلى نتح بعض الفجوات الغنائية فى قصائده المركبة كما 
يضح بجلاء مؤثر؛ فى بعض قصائد أدوئيس» والبياتى؛ 
وحسب الشيخ جعفرء التى تعتمد التدوير أساسا إيقاعيا 
ل حيث تلعب تلك النرافذ الغنائية؛ عبر هاجسها 
الإيقاعى وتقفيتها ونبرتها الذائية؛ دوراً واضحاً فى إثراء 
التصيدة وتنميتها. 


وقد يلجأ الشاعر إلى تطرية قصيدته المدورة بمقاطع 
عمودية من شعره» كما ف بعس قصائد البيانى وسعدی 
يوسف أ من شعره وشعر الاحرين أيضاً کما فی قصيدة 
(الصقر) 17" لأدونيس وقصيدة «من تخولات شاعر يمانى 
ةف اا (FY)‏ 300 عزف أن و 
فى أزمنة النار والمطر» لعبد العزيز المقالح. و شك أن فى 
هذه المحارلات مایجسد مسعی الشاعر إلى اکن كثافة 
التركيت ووعورته من جهة؛ وإقحام عنصر التضاد والتعارض » 
تركيبياً ونفسياً» بين القصيدة وبعض عناصرها الداحلية من 


جهة أخرى. 

وللحصول على أقصى تأثير ممكن؛ قد يقترض الشاعر 
خصائص فن أدبى أخر يعتمد؛ فى صلته بالجمهور؛ ا مواجهة 
الشفاهية عادة» كما فى المقطع التالى من قصيدة (اعتذار 
عن خطبة قصيرة؛ : 

«سيداتى» سادتى 


خطبتى كانت قصيرة 





فأنا أكره أن بستغرق اللفظ زمانى 

ولسانی 

ليس سيفا من خشب 

كلماتى, سادتى, كانت عناقيد الب: 25 


إن الشاعر» هناء ومنذ العنوان» بوم حواس جمهوره 
لعلاقة مشمرة تربط بينهما. وهو يستعير بعضا من ملامح 
الخطبة وتقنيتها التى تمثل؛ فى أدبنا العربى وآداب العالم 
أيضاًء نقطة التماس الأكثر حرارة بالجمهور. 


من جانب آخر» تشتمل هذه القصيدة على مجموعة من 
وسائل التأثير البلاغية والأسلوبية والصوتية. وربما كان 
التكرار» وصيغة النداء؛ والإيقاع؛ والقافية (التى تمثل المقابل 
الشعرى؛ عادة؛ للسجع فى تراثنا الخطابى) أكثر تلك 
الوسائل فاعلية. 

ويمكن النظر إلى التناص من الزاوية ذانهساء أعنى زاوية 
التوصيل والتلقى ؛ باعتباره استشماراً لخبرة مشتركة بين الشاعر 
وجمهوره» إن القصيدة؛ حين تومئ إلى مايقع خارجها من 
نصوص وأحلناث ومرويات» نفتح ميراثا وجدانيا ومعرفيا 
مشتركاً بين الشاعر والجمهورء وتوقظ الذاكرة الوجدانية 
الجمالية للمتلقى ليبدأ نشاطه فى استقبال القصيد 
والتماهى معها. 


فى حديثه عن علاقة الشعر بالسياسة؛ یری روزنتال!؟") 
أن الشعر الحديث خخاصة «مشبع بالوجدان السياسى؛؛ وهو 
أمر يكاد أن ينطبق» تماماء على الشعر العربى الحديث: 
عناقيد من لغة وإيقاع تتأرجح فى فضاء السياسة ومهباتها. 


وكان من الممكن أن يشكل ذلك إحدى الفضائل 
الكبرى للقصيدة الحديثة؛ غير أن معظم هذا الشعر ؛ المترع 
بالسياسة » لايكتب إلا بطريقة مجانب الأداء الشعرى المشحون 
بالإيحاء والصدق الجارح. ولايستند؛ فى معظمه» إلا إلى 
المباشرة والشعارات والنبرة المهرجانية. ويتحول الشعرء بذلك» 
إلى بضاعة مثالية للتلقى المتحمس السريع. 


الشعر وضغوط التلقى 


وربما كان انتظار المعنى أول متطلبات هذا التلقى) 
فالقصيدة ماعادت مغامرة عبر اللغة أو انحرافاً 260131008 عن 
عاداتها الشائعة المستقرة. إنها وعاء للمعنى» ولم تترسخ فى 
ذهن المتلقى وذائقته» بعدء هذه البديهية الصعبة: إن شعرية 
القصيدة؛ أية قصيدة؛ لا تقع حارج لغتهاء وإنما تندلع من 
خلال مايقدم عليه الشاعر من تجاوزات بارعة» وانتهاكات 
محببة لثوابت القول؛ وعادات التعبير المتعارف عليها 
فالقصيدة؛ فى حقيقتهاء ليست إلا «خضرة فردية حلابة 
تندلع فى خحشب اللفة °" . 


إن الجمهرر المتلقى لا يؤرقه, "كشيتراء البحث الممض 
والممتع عن دلالة القصيدة؛ بل ينتظر منها أن عل يه 
كنوزها بيسر نام. فهى لاخمل» بالنسبة إليه» غير غير المعنى 
واضحاًء هينا» ومريحا. إن ماينتظره نص شفاف» بالمعنى الذى 
يراه تودورو ف" › نص نرى من خلاله معناه دولا نکاد نراه 
هر فی ذاته؛ إن اللغة» للمتلقى» ليست هدفا جماليا فى حد 
ذاتهاء بل صارت شيكاً آخر: أداة» أو جسراء أو بديلاً عن شئ 
يقول يا كوبسون: 

فی کون الكلمة تدرك بوصفها كلمة وليست مجرد 
بديل ر ن الشئ المسمي » ولا كانبثاق للانفعال. ونتتجلي في 
كون الكلعات عه کک والداحلي 
را 0 9 
حاملاً للمعنى فقطء بل يتوقع منها غالباء وظيفة إضافية: أن 
تخاكى شيئا ماء سواء أكان هذا الشئ واقعا أم واقعة أم حياة. 
والقصيدة» بالنسبة إلى معظم الجمهور» الت قر لغوية 
ورؤيوية ة مكتفية بذاتهاء ولا ينظر إليها على أنها انتهاك عذب” 
الأولى. 

القصيدة» بالنسبة إليه» محاكاة للحياة خارج النص غالباًء 
واقتراب من تفاصيل ذلك الواقع غير النصى اقترابا يطمح إلى 





على جعفر العلاق 


المائلة أو التطابق. كان الشاعر خسيدا لصراع بين قطبين: 
أن بحكم صلته بالواقع من جهة» وأن يحوله» من جهة 
أحرى» إلى واقعة نصية أو لسانية؛ تستمد مبررها من وجودها 
فى حد ذاته» ومن مناخها اللفظى «البنيوى الذى وجدت فيه 
واشتبكت مع مكوناته الأخرى. 


ولا يتم ذلك» عادة» إلا بما يحدئه الشاعر من كسر 
لسياق الحاكاة» وتشويش لامح الواقع داخل النص» وتغييب 
لحدرده؛ لذلك فإن بحث المتلقى عن صورة للواقع» فى ثنايا 
القصيدة» بحث لا يفلح دائما وهر يشتمل» قطعاء على 
مغالطة مرجعية ® yay Referential Fallacy‏ لاتختلف 
كثيراً عن مثيلتها المغالطة البيوغرافية -[58 121!م810852 
رمةا» حين يتحرك القارئ باحثاً عن مطابقة مابين واقع 
النص والواقع الشخصى لكاتبه؛ وبالعكس!؟'' . 


مصابيح النص 


بعيداً عن عناصر الإيقاع التى أشرت إليهاء فى فقرة 
سابقة» تلت عناية الشاعر بالجمهور فى جملة من 
الإجراءات التى كان يغلف بها قصيدته. رمع أنها نستهدف 
القارئ؛ بالدرجة الأساسء إلا أنها ظلت ذات تأثير 
المتلقى بمعناه الشائع: الجمهور. 

كان عنوان القصيدة يشكل مدخلا ضروريا للنص. إنه 
ديد لاحجاه القراءة» ورسم لاحتمالات المعنى. وقد سعى 
الشاعر الحديث؛ فى أكثر الأحيان؛ إلى أن يكون عنوان 
قصيدته تفسيريا: يجسد معنى القصيدة أو يختصر حكمتها. 
كانت عناوين القصائد تبسيطية أو شارحة. وهذا لايعنى» أبداء 
أن شعرنا الحديث لم يعرف ذلك الجدل الخصب المعقد بين 
طاقة النص وطافة العنوان. لكن ذلك لم يكن إلا استثناءات 
لم تزحزح ؛ كثيرأء من رسوخ القاعدة وتحكمها. 

وفى أحيان كفيرة كان الشاعر لايكتفى بالعنوان الدال 
وحده» بل يقحم بين القصيدة وعنوانها عبارة لايخطى القارئ 
دلالتها الإضافية؛ وهذه العبارة قد تكون إهداء أو مقدمة. 


11 


م م 


فی قصيدته «مقدمة لتاريخ ملوك الطرائن “٠‏ يضع 
ادو عنوانا شديد الالتحام بالنص» قادرا على توجيه 
القارئ» وافتراح الدلالة الممكنة للقصيدة. ومع حيوية هذا 
العنوان ومباشرته؛ واتصاله بجوهر النصء فإن الشاعر عمق من 
صلة القصيدة بعنوانهاء عن طريق الإهداء: 
ية لجمال عبد الناصرء أول قائد عربى حديث 
عمل لكى ينتهى عصر ملوك الطوائف ويبتدئ 
العصر الآخرا . 
إن القارئ قد يجد نفسه إزاء عنقود من الطرق المنضية 
إلى النص» أو حزمة من المفاتيح الى تصلح كلهاء ربماء 
وبفاعلية متفارتة لفك مغاليق القصيدة لذلك يظل الإهداء؛ 
كما فى قصيدة أدرئيس» تر جيحا لدلالة النص الأساسية 
واخختزالا للخيارات المتعددة للقراءة» واستخلاص دلالة القول 


الشعرى . إنه اختيار لطريق محل د) واهتداء إلى مفتاح بذاته. 


وتكاد بعضص المتدمات أن تکون فا ! وح النص 
الشعرى »؛ ار استبافا له فى صياغة معنأة العام » وفضحا لشرارته 


الكامنة. إن مقدمة أدونيس التالية لقصيدة «الصق""““ مثلاً: 
ارجعا لابأس عليكما, فسيتت وسيح 
الغلام أخى. فالتفت إليه لأقوى من قلبه. 
فاستمجل الانقلاب نحوهم, وقطعت أنا الفرات, 
وهو ابن ثلاث عشرة سنه ومضيت إلى 


قدمى». 


التلقى» مسبقاء فى حمى من الانفعال العالى وهو يستقبل 
القصيدة. إنها مقدمة نضصج بالعاطفة المعذبة» واللغة الشعرية 
التى يصف بها عبد الرحمن الداخل محنته الضارية؛ وكأنى 
بالشاعر قد أراد من صقر قريش أن يفتح لصقر القصيدة 





ولاشك فى أن الهوامش الملحقة بالقصيدة تمثل وجهاً 
آخر من وجوه هذا الغلاف الذى يضئ القصيدة أمام القارئ 
ويكشف عن تفاصيلها المضببة وإشاراتها البعيدة!؟؟2. خاصة 
فيما يتعلق بارتباط القصيدة بالنصوص الغائبة من خلال ألية 
العناص intertexuality‏ ا صلتها بالاستخدام الأسطورى. 
وقد شكلت الهوامش والملاحظات التوضيحية ظاهرة بارزة فى 
المرحلة الأولى من نوظيف الأسطورة فى القصيدة الحديثة؛ إذ 
كان النزوع إلى تبسيط الأسطورة؛ وشرح عناصرها وإعادة 
صياغتها صفة مشتركة بين المشتركين من شعراء الحدالة فى 
الخمسينيات. 


صياغة التجربة 


وكثيرة هى الأمثلة التى يمكن الاستشهاد بها للقدليل 
على ماذهبنا إليه من احتفاء الشاعر بالجمهور أو المتلقى. غير 
أننا سنختارء هناء مخربة كتبها عبد الوهاب البياتى مرتين وفى 
فترتين متباعدنين نسبيا. 


أحذت هذه التجربة» فى عام 15868 ؛ عنوان «أغنية إلى 
ولدى على“ اما فى عام 14565 فقد كان عنوانها 
«قصيدتان إلى ولدى على»““ . ومم أن العنوانين» كليهماء 
ذاتيان» فإن التأمل فيهما يكشف لنا عن فرق جوهرى بين 
القصيدتين”40. وأنا أزعم أن الشكل الأول لهذه التجربة 
كان أكثر استجابة للشروط العامة فى تلقّى الشعر من صيغتها 
الثانية, لأسباب سأتخدث عنها لاحقا. 

إن مادفعنى إلى اختيار هاتين القصبدتين هو أنهما تتيحان 
للباحث أن يقارن بينهما ويتفحص طبيعة التعديلات 
والانكسارات التى أدخلها الشاعر على الصياغة اللاحقة 
للتجربة إنهما تنهضان على مجربة واحدة: المنفى . ويتجهان 
إلى مستقبل بعينه: على ابن الشاعر. ونصدران؛ بتضافر 
أسلوبى واضح لا لبس فيه من مرسل أو باث بذاته: الشاعر. 
ثم إن القصيدتين: أخيراء تقفان على حافتى فجرة زمنية؛ 
عشر سنوات» الأمر الذى يتيح لنا ملاحظة جملة من 
المتغيرات» فى النظرة إلى الشعر؛ وصلته بالحياة؛ وطبيعة 


الشعر وضغوط التلقى 


التلقى. هذه الأمور التى طرأت عليهاء فى غمرة الزمن 
الفاصل بين القصيدتين؛ اختلافات لايمكن إغفالها. 
أغنية إلى ولدى على 
#ولدى الحييت 
ناديت باسمك والجليد 
كالليل يهبط فوق رأسى, کالضباب 
كعيون أمك فى وداعىء كالمغيب 
ناديت باسمك 
فى مهب الريح 
فى المنفى 
فجاوبنى الصدى: «ولدى الحبيب» 
والقاتلون 
يحصون أنفاسى وفى وطنى المعذب يسجنون 
آباء إخوتك الصغارٌ 
ويبشرون 
بالعالم الجر العبيد 
وبمعجزات 
دولارهم, أمل الشعوب 
وواهب الموتي الحياة 
ويروعون الأمّهات 
ويخضبون 
رايات شعبك؛ ياصغيرىء بالدماء 
وأنت لاه لاتجيب 
لاه ا الجديدة, لاتجيب 
وعيون أمك فى انتظارىء والسماء, 
والليل فى (بغداد) ينتظر الصباح 
وبائع الخبز الحزين 


يطوف فى الاسواق, والعميان والمتسولون 





ل 0 


يستأنفون على الرصيف 
تلاوة الذكر الحكيم 
ووراء انوا السجون 
يستيقظ الشعب العظيم 
محطما أغلاله. ولدى الحبيب 
وأنت لاه لاتجيب 
0 
الرحُ فى المنفى تهب, كأن شيئًا فى مات 
إنى أبارك؛ ياصغيرى. رغم قسوتها الحياة 
فانا وأنت لشعبنا ملك وإن كرد الطفاة». (1128) 
أول مايستوقفناء فى هذه القصيدة» عنوانها الذى: يطرح 
نفسه علينا دون لبس أو مراوغة. كان البياتى؛ فى هذه 
القصيدة؛ شاعرا يفنى مأخوذاء رغم حزنه وحنينه الدافقين؛ 


بوعود جمة؛ ومفتونا بحلم جميل لايريد التخلى عنه . ثمة 
انتناك بأنق زا ومدك فاضلة يتوهم بأنها وشيكة ة التحقق 


بفعل شعبى عارم: 
«ووراء أسوار السجون 
يستيقظ الشعب العظيم 
محطما أغلاله...». 
وعلى الرغم من أن بنية العنوان» فى القصيدتين؛ متمائلة: 


اسم+ حرف جر+ (اسم + ضمير) + اسم علم» فإن 
الاتعقال من «الأغنية» إلى ٠‏ «القصيدة؛ يجسّدء ضمنياء 
التحول من الانفعال إلى تنظيم الانفعال؛ ومن الشفاهية إلى 
النتص. ويمئل ذلك» أيضاء الانتقال من الحضور الفيزبائى 
للشاعر (الأغنية ترتبط بصوت يؤديهاء وهو هناء صوت 
الشاعر بدلالة مير المكل) إلى انفصال الشاعر عن 
قصيلته (فالتصيدة لها وجودها المنفصل عن وجود الشاعر 


نفسه) . 


1١5 


تتكون القصيدة من )۳٤(‏ بيتا. يشغل الخاطب أو المرسل 
إليه أربعة عشر بيتا منها. واخاطب» وهو ابن الشاعر بدلالة 
الراقعة النصية؛ لايتحرك عبر هذه الأبيات» بوصفه عنصراً 
من العناصر المحركة لحيوية النص. لقد أعطاه الشاعر وجودا 
لفظيا كثيفا لكنه وجود ساكن على أية حال» إن هذا 

لوجود اللفظى ( الاسم الصريح » الضمير » الإشارة إل الا 
الإخرة» اللعبة الجديدة) قد أعطى حديث الشاعر نبرة عائلية 
أسيانة؛ وغلب الاجتماعى على الجمالى» ولم يرتفع بهذا 
الشجن من مستواه الأسرى السيال إلى مستوى الصياغة 
الجمالية امحكمة. 


حين نتأمل عبارة: 
«ناديث باسمك» 


بيرى الذى يكتنفها؛ فهى 
تتف هكذا: وحيدة ة معزولة» فى مواجهة 0 
الأخرى: : الجليد؛ الليل » الضباب» المغيب. ليس هناك من 
رابط بينها وبين هذه العناصر اا او( 
و(کاف العشبيه) فقط. وهما رابطان خخارجيان کان البیانی 
يكثر من استخدامهما فى دواويته المبكرة ة بشكل خاص. 


فنا لاجد مايربطها بالغيط التعبير 


رحين يكر الشاعر العبارة نفسها ثانية» فإنها تظل معزولة 
أيضا عن «مهب الريح؛ و«المنفى! وهما العنصران الرئيسيان 
تسبي الال رلها . إن حرف الجر (فى) هر 
وحده الصلة الجامعة بين هذين العنصرين وناديت باسمك». 


فى الوسط التعبير 


فالرابطة؛ هناء هى رابطة مكانية مبحخض . إن «مهب الريح) 
ووالمنفى» : مغلا ؛ يظلات مجرد وسطين؛ أو إناءين يحتضناك 
محتوى ما : هو ند اء الشاعر. فالعلاقةء إذنء ليست علاقة 

تفاعل داخلى يصهر هذه العناصر أو يعجنها معا. بل ھی 
توالى ا 0 0 ا 
بتلك حلام والفراديس ال 


إن القصيدة کک و 


وبين الحنة العامة يده بعت 5 





يحلم به. إنهاء على مستوى الأذكار والمعنى ومنطويات 
الحنين فيهاء تصغى إليهاجس التوصيل» وتسعى إلى إشباعه. 


قصيدتان إلى ولدى على 
قمرى الحزين 
البحر مأت وغيّبت أمواجه السوداء قلع السندباد 
ولم يعد أبناؤه يتتصايحون مع النوارس؛ والصدى 
المبحوح عاد 
والأفق كفنه الرماد 
فلمن تغنَّى الساحرات؟ 
والبحر مات 
والعشب فوق جبينه يطفى وتطفى دنيوات 
كانت لنا فيهاء إذا عنّى المفنّى, ذكريات 
غرقت جزيرتنا وماعاد الغناء 
إلا بكاء 
والقبّرات 
طارت؛ فيا قمري الحزين: 
الكنز فى المجرى دفين 
فى آخر البستان, نحت شجيرة الليمون, خبّاه هناك السندياد 
والثلج والظلمات والأوراق تطمره وتطمر بالضباب 
الكائنات 
أكذا نموت بهذه الأرض الخراب؟ 
ويجف قنديل الطفولة فى التراب؟ 
أهكذا شمس النهار 
تخبو وليس بموقد الفقراء نار؟ 
مدن بلا فجر تنام 
ناديت باسمك فی شوارعهاء فجاوينى الظلام 
وسألت عنك الريح وهى تئن فى قلب السكون 
ورأيت وجهك فى المرايا والعيون 
وفى زجاج نوافذ الفجر البعيد 
وفى بطاقات البريد 
مدن بلا فجر يغطيها الجليد 
هجرت كنائسها عصافير الربيع 
فلمن تغنى؟ والمقاهى أوصدت أبوابها 
ولمن تصلى؟ أيّها القلب الصديع 
والليل مات 
والمركبات 


الشعر وضغوط التلقى 


عادت بلا خيل يغطيها الصميم 
وسائقوها ميتون 
أهكذا تمضى السنون؟ 
ويمرّق القلب العذاب؟ 
ونحن من منفى إلى منفى ومن باب لباب 
نذوى كما تذوى الزنابق فى التراب 
فقراء» یاقمری» نموت 
وقطارنا أبداً يفوت». 
0153 


لا أزعم» أبداء أن هذه القصيدة جافى شروط التلقى العام 
أو توغل بعيدا فى فرديتها وعزلتهاء فهى مثل سابقتهاء تقريياء 
تخضع لهيمنة واو العطف الذى يبدو رابطا خارجيا يصل بين 
عناصر القصيدة ووحداتها. ما أؤكده أن «قصيدتان.) قد 
تخلصت إلى حد واضح› ما اكتنف القصيدة الأولى «أغنية» 
من صيغ التخاطب والنداء وهاجس الوصول إلى الاخر. ولعبة 
الخطاب هنا ليست ثنائية» كما فى القصيدة الأولى. كما أن 
الضمائر فى حركة تبادلية. إن انخاطب الظاهرى أو المرسل 
إليه ليس ثابتاء إنما هو فى حركة تخفى فى ثناياها أطرافا 
أخرى . 

من جهة أخرى » فإن القصيدة تخررت؛ تمامأء من روح 
الشعار ونبرة اليقين المطلق بالغد؛ والحلم؛ وقدرة الجماهير 
على إتجازه » وهى أمور كانت من متطلبات البضاعة 
الإيديولوجية الرائجة عند المتلقى أنذاك؛ فالفصيدة ماعادت 
رقصة حول نيران ذلك الحلم الاسرء بل نواح يتصاعد عند 
جنته المضيئة. 


وربما كان فى احتشاد القصيدة بالأسئلة مايؤكد أن لغة 
اليقين قد تعرضت لانكسارات شتى» فالقصيدة؛ بمقطعهاء 
تتشبع بنار الأسئلة واهتزاز اليقين وخلخلته. لقد كان هذا 
اليقين فى «أغنية إلى ولدى على» ١555‏ ريان؛ عامراء رغم 
ضراوة الواقع : إنه يقين الخمسينيات وخضرة أغانيها الضاجة 
وانتظار الثورات الجارفة. أما بعد ذلك» ١٠۹٠ء‏ فقد تعرض 
هذا اليقين إلى شروخ كثيرة. وماعاد» كما كان سابقاء 
يسكن لغة القصيدة ويشع فى مفاصلها. 





ر ا ا ج 


إن الشاعر» فى هذه القصيدة؛ لايستجيب إلى الواقع» 
السياسى» أو الاجتماعى استجابة عفوية ة أو متعجلة ؛ إذ إن هذا 
الواقع ماعاد يمتلك السحر ذاته على وجدان الشاعر وقصائده. 
لقد صارت قصيدة البيانى أشد مكرا . كان عهد الغناء الطيب 
قد ولى ؛ وماعاد الشاعر مفتوناً بالوعو وسذاجة القلب 
0 . إن مناخا من القلق والخيبة بدأ يفصله عن طفولته 
ومدنه الفاضلة. 


على الشاعرء إذد» أن يصفى إلى درافعه الداخلية إلى 
ضغرط روحه وإلحاحها دونما محاباة لدافع آخر. لذلك فإن 
«قصيدتان إلى ولدى على) تكشف عن 3 شعرى وعناية 
بعناصر البناء يختلفان؛ اخختلافا دالأ» عما لمسناه فى قصيدنه 
السابقة. 


تتكون القصيدة من مقطعين يتمائلان» تماثلاً كبيراء 
على ام لمستوى المعجمى» والإيقاعى؛ ؛ والتقفوى» والتر لشو کین 
إضافة إلى 0 على كل منهما . يبدأ المفطع 
الأول بعبارة «قمرى الحزين» وهى بداية تتصادى؛ تركيبيا» 
مع بداية القصيدة إل ولى : «ولدى الحبيب» إلا أنها بداية 
زين» تعاود الظهورء ق الت 
وتغيرات واضحة» فهو يحتضن القصيدة من عتبتها الأولى 

حتى حافتها الأخيرة (البيت 
قمره من صفة الحزث وليغرق الاثنات ن فى يأس وموت شاملين. 


ا إن عبارة «القمر الحز 


ت قبا ل الأخير) حیں يجرد الشاعر 


يدأ المقطع الثانى؛ وسأركز عليه لضرورات عملية ولأنه 
ای الو اکر لبه الأول من القصيدة: بداية 
موحشة : 
«مدن بلا فجر تنام 
ناديت باسمك فى شوارعها فجاوبنى الظلام 
وسالت عنك الريح وهى تثن فى قلب السكون 
ورأيت وجهك فى المرايا والعيون 
وفى زجاج نوافذ الفجر البعيد 
وفى بطاقات البريد». 


لكنها ا . وقد وذ 
الشاعر لها مايجعلها كلا م: متماسكا. إن البيت الأول» مغلا 
لايقف بمعزل عن الغانى» ذلك لأن نداء الشاعر لا ينطلق 
فى «منفى) أو ذمهب» للريح مجردين؛ كما فى القصيدة 


۸ 


الأولى» بل طلر منطلق فى «شوارعها»» شوارع لمدن محددة 
الملامح . والشاعر يستهدف بشرا يتعاطفون معه و له. 
وإذا كان نداء الشاعر؛ فى القصيدة ا ولى» يلفى يلقى ذلك 
الصدى المطمئن الودود «ولدى الحبيب» فليس لندائه؛ هناء 
غير الللام: 
إن صلة النداء بالريح » فی هذا المقطع, صلة مختلفة؛ 
فبعد أن كانت» فى القصيدة الأولى» مكانية احتوائية صارت 
هنا صلة التحام ا إن الريح ماعادت مكانا للنداء: يحتريه 
دونما مبالاة؛ بل غدت هدف السؤال ووجهته كما أنها لم 
تعد محض ربح بل أصبحت ربحاً مخصصة: : تفن فى قلب 


السكن والظلمة. 


إل المقطع ا O‏ 
الأولى وأغلية و ولدى على بهذه ال لنبرة : البقينية الاحتفالية 


ال تشع 
e‏ 


س 
ا 
إنى أبارك؛ ياصغيرى» رغم قسوتها الحياة 
فأنا وأنت لشعبنا ملك وإن كره الطفاة». 

إن «تصيدتان إلى ولدى علىا تنتهى بنبرة ة أشد خفوتاء 
وأعمق ) حزناً E‏ إلا عالمه الداخلى؛ ولا 
يصغى إلا إلى هراجسه ومايترشح عنها من ذعر وحنين | دولما 

8 لواقع آخر» حين يتحدث بهذه اللوعة الشخصية 

الملتهبة: 
«أهكذا تمضى السنون؟ 
ويمزق القلب العذاب؟ 
ونحن من منفى إلى منفى ومن باب لباب 
نذوى كما تذوى الزنابق فى التراب 
فقراء. ياقمرى؛ نموت 
وقطارنا أبدا يفوت». 


ويستوقفنا فى هذا المقطع التباسان يعززان من لا يقينية 
القصيدة. إن الأبيات الأربعة الأخيرة من المقطع السابق 
تندرج »2 بدلالة سياقية وأضحةٌ » فی جو التساؤل الفاجع ذاته» 


۱ 


الشعر زضغوط التلقى 


وترتبط ارتباطا عميقا به. غير أن الشاعر حين جرد هذه 
الأبيات من علامات الاستفهام ترك مصيرها سائبا: أفى 
أبيات يحكمها الإنشاء؟ أم أن مكنونها إخبارى كنائى وقد 
عطفه الشاعر على شحنة التساؤل والندم فى البيتين السابقين 
لهذا المقطم؟ «كما أن البيت قبل الأخير: 
«فقراء» باقمری» نموت». 
يضع كلمة «فقراء؛ فى دائرة من الالتباس الصوة 

والتركيبى الدال. إنهاء تركيبياء مفتوحة على الحالية والابتداء 
معاً. أما على المستوى الصوتى؛ فهى تتمايل بين حركتين 
شمكنتين هما: الرفع والنصب 


هوامش 


؛ الأمر الذى يشبع مافى 


714 فى‎ ١١ حوار مع أدونبس » أجراه حين فبيسىء مجلة الشروق, العدد‎ ١ 

ةا 

5 المصدر نفسه. 

۳ على الرغم من أن ن نقادا كشيرين يعلون من شأن القراءة وصدتها المزدرجة 
بالنصء فإن هناك من بون من فاعليتها؛ مثل رومان اتجاردن؛ مثلاً» الذى 
يرى أنها ذات الماه واحد من النص إلى القار 
اادن . وأن النص فاعلية 
انظر: وليم راى» المعنى الأدبى» من الظاهراتبة إلى التفكيكية؛ ت, 
بوئبل یوسف عزیز» دار الأمون» بغداد» ۱۹۸۷ ؛ ص۳ ؟ ٠‏ 


ئ ولانسمح بأىّ نوع من 


مستقلة عن فاعلية القراءة تماماً. 


#عانضر M. H. Abrams. A Glossary of Literary Terms, Fourth‏ 
edition New York, 1981, p. 149.‏ 
5 انظر Loc. Cit.‏ 
كل انظر Loc. Cit.‏ 
۷ انظر .29 Catherine Belsey, Critical Practice, London, 1980. p.‏ 
شربل داغرء الشعرية العربية الحديثة: تخليل نصىء دار نربقال للنشرء الدار 
البيضاء, 58/4 ص ٠١‏ . 
كت أدرئيس » اللابت والمتحرل» ". صدمة الحداثة؛ دار العردة. بیروت . ط۲ 
۹ ص 181. 
2 مداخل إلى السبميرطيقا: مقا 
ونصر حامد أبر زيد» دار إلياس العصرية » القاهرة» 4 ص NÊ‏ 
١‏ روبرت شولزء البنيوية فى الأدب» ترجمة: حنا عبود؛ دمشق 2154814 ص 
۹ 
1١١‏ محمد بئيس» الشعر العربى الحديث» بنياته رابدالاتها؛ ۳ الشعر المعاصر؛ 
دار توبقال للنشرء الدار البيضاءء ۱۹۹۰ء ص ١٠١۲‏ . 
1 محمد بئيس» الشعر العربى الحديث: بنياته رابدالاتهاء ؛. ماءلة 
الحداثة؛ دار توبقال للنشرء الدار البيضاء؛ :١951١‏ ص ٠٦‏ . 


١‏ _ المصدر نفسه 


لات مترجمة ودراسات» إشراف: سيزا قاسم 


القصيدة من تأرجح وشك مهيمنين عليها دلالة وبناء. 


ب ا 
إن هذه النبرة الشجية: المترعة بالنبل والعذاب» والمشتبكة 


مع شكلها التعبيرى ماكان لهاء , كما يبدو أن جد طريقها 
إلى . قصائد الشاعر ال اي E‏ ؛ تقريباً» ؛ يستمد 


وهكذا ؛ فان لکد ر الواقع أ بشاشته» لضوئه وفوضاهء أثر 
لاينكر على تشكيل وعى الشاعر لحداثته الشعرية. . كماأن 


ضبط مسافة التوضيل بينه وبين الآخر يسهم فى تمييز 


سلوكه الشعرى؛ والارتفاع به إلى مستوى الصياغة الجمالية 


المرهفة لوجدان الإنساك وفكره» وجسده. 


ب؛ فضايا الحداثة عند عبد القاهر الجرجانى» As‏ 


د محمد عبد المطلب 
ص7١5.‏ 

7 محمد بني . ظاهرة الشعر المعاصر فى المغرب؛ مقاربة بنيريه ة تكوينية : 
دا ر التنویر» بیروت ط۲ ۰۱۹۸٩‏ ص ٠.۳۳۹‏ 
- انظر: : كمال خير بك حركة المحداثة فى الشعر العربى المعاصر؛ دراسة 
00 الإطار رالاجتماعى اللقافى للا جاهات والبنى الادبية 4/7 0 
وخاصة ۾ الفصل الغالث من النسم , الثانى . 

؛ أزمة القصيدة العربية : مشررع تسازل عدار الأداب» 


r۳ ص‎ 


۸ عبد العزيز المقالح 
بیروت» ۸٩‏ 

5 عبد القاهر الجرجانى؛ أسرار اللاغة. خفيق ه. ريتر. نصوير مكتبة 
المثتى» ص 115. 

۰ صلاح ستيتيه 1 لیل المغنى: مراقئف وآراء فى الشعر والرجردء حاوره 
جواد صبداری» دار الفارابی 

١‏ بدر شاكر السباب؛ أنشودة المطر, ط ۳؛ دار المودة» ببروت؛ 1۹۸۳ ؛ 
ص اه 

۲ أدرنيسء الآثار ا الكاملةء انجلد الأول؛ دار المكردة رو ۷۱ 
ص7148. 


بیروت» ۱۹۹۰ء ص .1١4‏ 


۳ عبد الوهاب البيانى» الديران» انجلد الأرل؛ ط٤‏ » دار المودة» بيسروت 
۰ ص ٤۹1‏ 

4 كمال أب دب؛ فى الشعرية, مؤسسة الأًبحاث العربية» بیروت» ۱۹۸۷ 
ص 4١‏ ولتأكيد ذلك يرى )أ بو ديب أن نسبة ورود العسورة الشعرية ة فى 
قصيدة اله النشر أعلى بمرات من ورودها فى شعر التفعيلة. . ويرى كذلك أن 
نسبة ورود الصورة : فى الشعر الحديث أعلى بمرات من ورودها فى الشعر 
القديم. المصدر نفسه. 

٠‏ _ على جعفر العلاقء فى حدالة النص الشعرى: دراسات نقدية , بغداد» 
۰ ص۳۰ . 

5 بدر شاكر السياب؛ المصدر نقسه» ص ٠٠٠١‏ 


۱۹ 


على جعفر العلاق 


أدونيسء المصدر نفسه, 541. 
3514 عبد الوهاب البياتى » المصدر نفسه» ص A‏ 


۹ے رومان ياكوبسن » قضايا الشعرية؛ نرجمة: محمد المولى ومبارك حنون؛ 


دار توبقال للنشرء الدار البيضاءء /15/4١؛‏ ص .”٠‏ وراجع أيضاً عبد 
السلام السدى» الأسلوبية والأسلوب» ط۲ . الدار العربية للكتاب» تونس 
7ص 15. 

٠‏ على جمفر العلاق» المصدر نفسه؛ ص41 -127. وفيما يتعلق 
بمحاولات البيانى تحديداً يمكن الرجوع إلى أطروحة للدكتوراه لصاحب 
البحث: 

The Artistic Problems in Abdul Wahhab al - Bayati’s Poetry: a 
Comparative Critical Study, Exeter Univ, 1983. 

كر أدرنيس » الآثار الكاملة. المجلد الثانى » دار العودة» بيروت؛ ص م -. 

۲ عبد العزير المغالح» عردة وضاح البمن» دمشق » ١584‏ ص لال 
4 

75 عبد الوهاب البياتى » المصدر نفسه» ص EY‏ 

٤‏ م.ل. روزنعال» الشعر والحياة العامة, ترجمة: إبراهيم يحبى الشهابى» 
دمشق » ۱۹۸۲۳ ص E‏ 

. ۲۸ على جعفر العلاق» فى حدالة اللص الشعری» ص‎ _ ٠٥ 

5" عبد السلام المسدى» المصدر نفسه» ص ١6‏ . ويضيف تودوروف فى 
تعريفه للخطاب الشفاف بأنه «منفذ بلورى لايقوم حاجزا أمام أشعة البصرء 
بينما يتميز عنه الخطاب الأدبى بكونه ثخنا غير شفاف يستوقفك هو نفسه 
قبل أن بمكنك من عبوره أو اختراقه» فهر حاجر بلورى طلى صورا 
ونفوشا وألوانا فصد أشعة البصر أن تتجاوزه؛ ؛ المصدر نفسه. 


اس ب س 


1 ي كوبسن »2 المصدر نفسه» ص‎ 3 3 N 

۸ مدخل إلى السیمیوطیقاء ص ۲۱۸. 

Allan Rodway, The Craft of Criticism, Cambridge, 1982, لع‎ 

P.173. 

» 141١ والقصيدة كتبت عام‎ 747 581١ آدوئیس» المصدر نفسه» ص‎ ١ 
ومن الجدير بالملاحظة أن الشاعر قد حذف تلك المقدمة فى طبعاتها‎ 
اللاحمة. وريما كان الدافع إلى ذلك أن هاجس المتلقى ماعاد» بالنسبة‎ 
إلبه» هاجساً ملحاً كما كان. راجع: الأعمال الشعرية الكاملة» امجلد‎ 
. Ae الثانى » طا دار العودة؛ بیروت‎ 

1 أدونيس» المصدر نفسه» ص‎ 4١ 

۲ يضع السياب عددا من الهوامش والملاحظات لقصيدته «من رؤيا فوكاى» 
تكشف عن نفاصيل الأسطورة الصينية الى تنهض عليها القصيدة كما 
تكشف بعض المراجع والإحالات والأسماء الأسطورية المعسمدة. وريما 
تقدم هذه القصيدة مثلاً واضحا للمبالغة فى الهرامش الشارحة للقصيدة 
فى شعرنا الحديث» كما أن هامشها الأول يصلح؛ هو الآخرء نموذجا 

امش الذى يسبق القصبدة إلى غرضها وتفاصيلها. راجع: السياب» 
المصدر نفسه» ص ٤٣‏ 66 

4 عبد الوهاب البياتى» المصدر نفسهء ص 4"؟  ۲٤٣١‏ . 

414 عبد الوهاب البياتى, المجلد الثانى , ط؛ . دار العودة؛ بيررت »٠۹۹۰‏ ص 
FEN‏ 

هناك› فی الحقيقة؛ كتابة ثالشة لهذه التجربة تقع» زمنبأء بين هاتين 
القصيدنين مرضوع الدراسة. وقد حملت عنوانا ماربا للقصيدة الآولى 
وهو (أغنية جديدة إلى ولدى على!؛ وبما أنها تقترب كثيرا من سابقتهاء 
صياغة وموضوعا وزمنا» نإنها خرج عن دائرة اهتمامنا ومانسمى إلى 
البرهنة عليه . 





١. 


الا لامالا 111111111 الل اا سلا الا ملا للا ااا امامل م01 








ve 


سس 1091019101111 
سه 


«وإنه - بحتمية زمننا القلب رجحيمه الكونى 
- لم يعد متاحا_ ولا مكنا ذلك 
الاسترخاء على هدهدة الكلمات ورخارة 
التعبير أو الاستنامة على زخرفة الأداء وخدر 
التصرير 
القصيدة الجديدة) . 


... ومن هنا وسواه .تشفارق 


فهى لا تتقولب فى فطانة ذهنية؛ ولا تتبرج فى خلابة 
لفظية؛ وإنما تختزل فى إيماء مضمرء وتختصر فى إلاع 
خحاطف» حالة أو حالات ومواقف ودلالات» وتكتفى بواسطة 
إضاءات مباغتة - ومفاجئة ‏ بخلق «جو» يتأرجح على حافة 
الرؤية والرؤى؛ حيث يلتقى البصر والبصيرة؛ فتخترق من بين 
توحدهما تخوم الحدود إلى اللامحدود. 

وهى - كذلك - التعبير عن الانكسار الفردى 
والجماعى؛ فالشاعر الحديث يلخص عصره» ويسكبه فى 


« .أمتاذ البلاغة والنقدء جامعة بنها. 








قصيدته» فسقطر شعرا ينفجر ‏ ويتفجر - ويواجه ويجابه» ومن 
ثم فلغتها مشحونة بالتوتر والتوفزء ومسكونة بالقلق والتوجس 
إن الذات الإنسانية تتعايش فى كونين أو محيطين؛ 


ب 


أولهما: ذلك الكون المحيط بناء أى الطبيعة بشروطها 


الموضوعية؛ بحدودها الزمانية والمكانية» التى تفرض وجودها 
ركينونتها عليناء ولسنا سوی شئ من أشيائهاء وثانيهما: ذانية 
الذات» وفرادة الفرد» التى هى نقيض مغاير لجبرية «الطبيعة) 
فهى كينونة الكون الروحى للذات» وهى كون الذات الخاص 
بكل ما يعتمل فيها من مشاعر وعواطف؛ ومن مواقف 
وإرادة» وباختصار يكل ما يميز ذاته عن ذوات الآخرين. 

ومن هناء كان التفارق بين القصيدة الترائية والقصيدة 
المعاصرة» فالشاعر القديم غائص فى الطبيعة» مستلب فى 
الكون المحيط به؛ والشاعر المعاصر يفك القيد الكونى»ء ويحاول 
نفى الطبيعة الجائمة على الكون الإنسانى. 


را ل ا ا ي 


والشاعر الحديث لا يخاطب أخرين - على حسب 
النمط الترائى - وإنما يتتحاور مع داخله؛ فشعره ذانه فى 
معاناتها وتوفزاتهاء وحتى لو توجه ‏ ظاهريا - إلى الخارج 
ومخاطبة الآخر باستخدام ضمائر المخاطبة وأدواتهاء فهو لا 
يعنيها بصورتها المباشرة» فهذه الخاطبة تكون متجاوزة دلالتها 
النحوية؛ لتعجول إلى نا يشبه سيدا لاننطاز الذات إلى 
ذانين. 

ولعل من أسباب تداخخل الترائب بين ضمائر المتكلم 
وضمائر التخاطب أن القصيدة نتاج فكر شعرى تنوشه توترات 
فى دخيلة الشاعر نفسه» فهو- فى أول الأمر وآخره - لا 
يعنى إيصال «خطاب) إلى «الأخر» وإنما خطاب من الذات 
إلى الذات. إن انقطاعا نفسيا بين الشاعر والآخرين يدفع إلى 
افتقاد أى خطاب تواصلى. 

ومن هنا كانت - القصيدة الجديدة ‏ غرابتها ‏ أو 
غربتها- فى مناخ خدرت ثقافته فى ماضوية الموروث» 
وتصلبت رؤيته فى تعاقبية تكراره وترداد أنماطه وكلاهما- 
ريته وثقافته ‏ مستلبة فى ذلك الشبق التاريخى لكل ميراث 
وموروث» حتى لو كان خطابية زاعقة؛ أو بهرجة فارغة؛ أو 
زخرفة باهتة؛ أو فكرة مسطحة؛ أو فى أحسن الأحوال رذاذ 
تهريم ضبابى» يتكائف فى لزوجة الشكوى والتشاكى والبكاء 
والتبا كى . 

وهل كانت موسيقية القصيدة بناجية من سلطوية 
المألوف وسيطرة المعروف» بعد أن استرخت الأذن قرونا على 
توالى تفعيلات ورتابة نغمات؟ 

ولسنا بحاجة للتذكير بأننا لا ننفى موروثنا أو نقلل من 
أثره وسأثوره؛ وإنما نعنى ‏ مما سبق - أن لكل عصر همه 
وهمومه؛ وأن لكل عصر ذرقه وتذوقه؛ بما يتخالف عن ذوق 
عصر سواه ويتفارق عن هموم غيره؛ على أنه من المفارقة أن 
تلك الخصوصية الزمنية يستطيع الشعر العظيم أن يتجاوزها 
إلى زمنية سواهاء وذلك بسبب تشبّع ‏ هذا الشعر - بالروح 
الإنسانى العام الذى هو وشيجة بين العصورء وإن نماذج 
متعددة من إرثنا الشعرى - كما نعلم - يصدق عليها ويتأكد 
فيها ما ذكرناه عن تلك الاستمرارية الزمنية. 


¥ 


\¥Y 


ليس مجرد كسر الشطرين واستخدام التفعيلة ميسما 
فارقا بين القصيدة الجديدة والقصيدة العمودية (مع محفظا 
على المصطلح ). 

إن الفارق الأساسى هو تشكيلات الأداء اللفوى 
وتحولات اللغة الشعرية؛ فالصياغة التشكيلية فى إيقاعية 
القصيدة الجديدة هى مفارقة جمالية بين القالب التقليدى 
فى إيقاعه المعروف» ومستحدثات الشكل الإيقاعى الجديد» 
فمن العفارق بين الشكلين - أو النظامين ‏ تقلص المبنى فى 
القصيدة الجديدة وانفساح المعنق وغزارة الإيحاء وكشافة 
التعبير. 

وإن كسر الإيقاع يتيح جاوز رتابته فى تواليه النمطى» 
حيث ينطلق الإيقاع - فى القصيدة الجديدة - من داخل 
القصيدة ويمتد فى فاعلية تشكيلها وفى حركية مسارهاء وهو 
إيقا ع باطن يحوم على كون الكلمات وكينونة الاداء . 

إن التجانس الصينى المتغلغل فى تناسقية الأصوات 
اللغوية ‏ كما فى نماذج جيدة- ومتعلدة- هو بديل 
مشروع عن موسيقية القصيدة الخارجية؛ فمن بين التوالى 
والتبادل الصونى يتشكل إيقاع مواز للإيقاع الداخلى» شريطة 
أن تتواءم - بصورة ما المسافة الزمنية» ومع ذلك فإن توترات 
القصيدة وتنقلاتها الآدائية هى التى تتحكم فى بنيتها 
الموسيقية» فالتوتر الصوتى ‏ إن جاز التعبير ‏ ينبئق من حتمية 
الفاعلية الشعرية مقترنة بالتبادلات الصوتية . 

وتتجلى فاعلية الأصوات فى قدرتنها على إضافة 
«طبقة» دلالية ‏ إن جار التعبير _ من خلال (الطبقة) 
الصوئية؛ وهى - فى ذلك - كأنها إيماء مكف يختزل 
إضافات وصفية أو تشبيهية أو سواهماء وكأنها ‏ لذلك - 
معنى فوق المعنى . 

إن الإيقاع الصوتى فى تخالف موقعه أو تشابه موضعه 
يؤدى - بالضرورة - إلى ولات وتبادلات فی بنية الشكل 
اللغوى وفى دلالة العلاقات. 

إن التشابكات الصوتية - فيما يلى - تتجاوز المصطلح 
الباهت فيما يعرف بالجناس. الذى هو فى كثير منه تشادق 


م ا لت ا ا ا ا ب 


لفظى أو تماحك ذهنى» وبظل - لذلك - مجرد لصق 
جزئى » ينغلق على مفردتين؛ أو ينحصر فى جملتين. 
التالى: 
النسيان طائر يفر فى الفراغ المراوغ ... ولا 
مجيب غير وجيب الجراحء(١)‏ 
كما أن التمائلات النغمية ا الإيقاعية تتشابك 
وفى النص النص العالى يتلاعب الأداء ا ب «لقطات؛ من 
«الإججيل ٤‏ ومن دلالة عنوان قصيدة إيليوت المشهرر 0 «الأرض 
الخراب) ولمنوان ديوان لصلاح عبدالصبور» مع مالا يخفى 
من مغرقى الحروف الصامتة بدلا من الحروف الصائتة حيث 
تعسى الأخيرة إدانة تذكر بمثيلاتها عند محمود درويش 
فى قوله: 1 نقصفهم بالحروف السمينة: ض» ظ؛ ص؛ 
: 00 
ق 04 
ولنلحظ تكرار الأصوات اللغوية فى النماذج التالية : 
٠‏ تلك حالتى الحالة شارتي الشهيرة انظروا 
ولا تنظروا وحسبكم من الكلام الحروف 
فإنهم يرثون الارض الخراب وأحلام الفارس 
القديء“(". 
وإن ملمحا فريدا أو متفردا نلحظه - كذلك - فى 
احتشاد أحرف بعينهاء كأنها نخلق إيقاعا خاصا يتناغم فى 
سيرورة التوالى وصيرورة التتابع : 
الخطوات يخترق الخلاء إلى خريف من 
الخديعة خرقة من خروع لا ترتخى فى المدخل 
الخالى» ادخلوا خفافا واخلعوا خفافكم خيرا 
لک( ) . 


القصيدة الجديدة بين التجديد والتجدد 


ه .. إنه الموعد المناسب لى: موعد بلا وعد 
ووعد دون میعاد. دعونی علنی أنام قليلاء(). 
_ «.. ثلك لغتى المسعورة تستبين كلما نسيت 
أو أسنت سنة من سهاد فاستدير استدارة 
حَارة فنفرون فى الحارات والسراديب»!١).‏ 
إن « التدوير» ‏ كما فى النماذج السابقة ‏ يجسد 
نيها ‏ وسواها ‏ إضافة فنية تتيح تدفق الأداء متجاوزة حدودية 
السطر الشعرى» وانغلاق المعنى عليه ولذا فهو التدوير- 
منجاة أيضاً من بتر الكلمات أو تعليقها لسطور تالية كما 
فى نماذج متعددة. 
والقصيدة المدورة ‏ كذلك ‏ تتمكن من الهروب من 
مخاطر الغنائية» أو واحدية الصوت» وهى - لذلك - تكاد 
تنانس خصوصية فنون مجاورة كالقصة والمسرحية من حيث 
التصارع أو التأزم أو تعددية الأصوات . 
ومع ذلك فلا تخلر ظاهرة « التضمين؛ من إشكالات 
أو محاذيرء قد يكون منها: : أن القارئ يلهث خلف الجمل 
التى تشلاحق وتتوالى ولا تتوقف» حيث يظل المعنى يتناسل 
منه معنی أو معان على امتداد القصيدة. 
وقد يكون منها ما ينصل بموسيقية التدوير» فأية وقفة 
تعنى انكسار الإيقاع وتشرذم النغم؛ ومن هنا قد تضطر 
القصيدة المدورة ‏ حفاظا على تسلسل نغمها وإيقاعها - 
لتى نتحول إلى رذاذ لفظى لا غناء ف فيه» 
أو إلى تتابع الإضافات بما لها من ثقل ونشازات؛ وقد يكرن 
م مخاطر التدوير - أيضاً ‏ ما تعانى منه كثرة من القصائد 
« الصور ».وتكدسها وتلاحقها أر 


حشو وتزيد للصفات الت 


انقطاعها وتشتتها. 
وا محاذير السابقة» حيث نقد فی القصيدة المدورة وفرة ص 
الأفعال تنيح كسر التوالى» وحيث تتحرك بالقصيدة فى 
دفقات زمنية» نتزامن مع حالات ترقب» وتتابع حدث 
وأحداث: 
ه أعرف شيثا سيدتى. لكن أسمع وقع خطى. 
فى البدء بطيئا مجهولا يتردد فى عمق الطرق 


١ 





رجاء عيد حت ات و ل 2 22 ج و ي 


المجهولة. مقترباء وأصيخ السمع: فأسمع وقع 
خطى تعلو السلم, تدنى. تدوقف. تخفق فى 
المشىء تتوقف عند الغرفة, أسمع نقرا فوق 
الباب وافتحه, هل كنت ترى أحدا؟ 
لا أسممع غير طيور البحر وخفق الأجنحة 
البيضاء» ويغمرنى الزبد البحرى الأبيض» لكن 
حين تركت القاعة فى الحفل السنوى 
الراقص عند الفجرء ولم أجد المفتاح سمعت 
طن 
وربما ينمكن التداعى إذا تلبس بنسيج القصيدة المدورة 
أن يهبئ للقارئ مشاركة فى تتبع الاندفاق الشعورى 
واللاشعورى الذى هو بطبيعته - بقوم على التوالى المتولد 
من سواه» وقد يتيح التداعى والتحاور الداخخلى منجاة للقصيدة 
المدورة» كما فى النموذج التالى أيضاًء حيث يتكئ على 
القص والجمل الخاطفة والتحاور الداخلى؛ ويوظف نيار 
الوعى ممتزجا بتحاور داخلى وخارجى: 
و ..... وتهبط سيدة. تتوقف باحثة, مرت 
عربات الحمل وغادر آخر منتظرء وأنا أتشبث 
بالغسق المتراجع منتظراء عبشاء وأجر خطاى 
إلي مقهى يتكائف فيه دخان التبغ .. هاهى 
تترك عند الركن حقيبتها وتواجهنى. تتجرع 
في بطء» أتذكر وجها حاول « جوياء القبض 
على شئ منهء أتبين ظلا فى قدح مملوء حتى 
النصفء. اتشرب سيدتى؟ 
٠‏ شكراً لن أمكث غير دقائق» 
معذرة. إنى أتذكر وجهك لكن أين رأيتك قبل 
اليوم؟ 
أتعرفنى؟ لكن خبرنى ما معنى هذا فأنا 
أيضا أتذكر وجهكء لكنى ما كنت هنا من قبل» 
ألم على المعطف مرتجفاء وألاحق ظلا فى 
الساعات. تلاحقنى متسولة ... »(). 


* 


17 


من منجزات القصيدة الجديدة أن الكلمة لا تعنى 
حدها اللفظى» وإنما تعنى ما تستدعيه طاقتها اللغوية من 
مدلول أخخر يتشكل فى سياقهاء إنها - القصيدة ‏ تحر المفردة 
من إسار الجملة؛ أو من حدود العبارة» وقد تعبث - كذلك - 
بالدلالات فى علاقاتها الدمطية؛ وكأن المعنى - لذلك - هو 
جدلية المعنى فى تلبساته وتخولاته؛ وربما يستحيل ضبطه فى 
منطق دلالة واحدة تشير إلى واقع مادى محسوس» أو تصور 
ذهنى محدود . 

فقد تكمن فى خفايا الشعور جوانب مستسرة لا 
يمكن القبض عليها بشبكة المنطق اللغوى؛ ومن ثم يكون 
التعبير عنها مغلفا بغلافة تبين ولا تبين» ويظل ا معنى أشبه 
بإلماعات تنفث مراوحة ومداخلة بين المحدود واللامحدود . 

وليست القصيدة فى دلالاتها معرفة محددة يمكن 
استخلاصها من موضوع أو مضمون محدد أو مقنن. إن هوبة 
المعنى - فى القصيدة الجديدة - هوبة تركيبية. وهى شبكة 
متداخلة من اللامتناهى واللاوعى ونقيضهماء وكلماتها لا 
تكشف عن نفسها إلا فى بنية القصيدة ذاتها. 

إن اللغة ‏ فى القصيدة الجديدة ‏ لا تنفى أحادية 
المفردة وإنما تتجاوزهاء فتضام المفردة فى وحدتها الجزئية مع 
الحلقة الكبرى التى تدور فى حركتهاء والتى هى - القصيدة ‏ 
صراع ضد جذر الدلالات اللغوية . 

إن ما ينطبع فى وجداننا لحظة رؤيتنا لعقد جميل لا 
يكون من ١‏ تراص) حباته» وإنما ينطبع جماله من علاقات 
کل حبة بسواها. وكل قصيدة جيدةطخلق تلك العلاقات 
فى تشكيل لغوى مفارق لسواها. وإذا عدنا إلى ١‏ العقدا - 
مرة أخرى - فقد تعاد علاقات حباته وتشكلاتها وتشكيلهاء 
وهى هىء ولكنها ‏ هذه المرة ‏ تكتسب فى علاقاتها 
الجديدة حيوية وابتكارا من حلال العلاقات اللغوية فى كونهاً 
التركيبى المؤطر فى سياق الخطاب الشعرى. 

ولعل الأسطر التالية شاهد وشهادة على التفارق بين 
نمطية مصفوفات مجازية جاهزة؛ حيث نتراص التعبيرات 
وتشراتب العلاقات» وفرادة التركيب وغرابة التشكيل؛ 
وانفلاتهما من رتابة تعبير واستنساخ تصوير: 


م 


دفى الشمس 
.. هذا مساء طويل وليل ثقيل 
هل الحلم يعثر فيها على التوم: 
لماذا يجئ المساء الأخير مع الصبح؟ 
ثم يحلق فوق ليالى الشتاء الطويلة:[") 
ولعله يصح ‏ هنا قول ١‏ أدوئيس»: 
«.. ما الفرق الحاسم بين الكتابة الشعرية القديمة 
والكتابة الحديثة؛ انه الفرق بین التعبير والخلق› 
كانت القصيدة القديمة تعبيرا تقول المعروف فى 
قالب جاهز معروف» القمصيدة الحديثة خحلق؛ 
تقدم للقارئ ما لم يعرفه من قبل فى بنية غير 
معروفة» وتلك هى الخاصية الجوهرية للشعر 
الحديث؛ إحلال لغة الخلق محل لفة 
ا 
* 
ولأن القصيدة الجديدة مغامرة ومجازفة » فصورها م ركبة 
ومعقدة. وقد تكون مربكة» فتشكيلها قد يضم من الفنون 
الإيقاعات فى توافقها أو ترافتهاء بالإضافة إلى إفادنها ‏ كما 
من القص والمسرح. ولكنها فى ذلك 
تتناسق مع متغيرات باطنية تدفع إلى ذ ذلك التداحل فى 
تركيبهاء ومن ثم قد تعتمد القصيدة ة على خيط متعرج» قد 
يبدر للحظة أنه عدة خيوط تتجاور؛ ولكنه حركة صاعدة حينا 
وهابطة حينا آخر. 
وإنها- كذلك - حلقات تتداحل» ودوائر تتوالى» 
وجميعها لا تنفصل فيها واحدة عن سواهاء ومن ثم فالصورة 
5 والصور- ھی رؤية القصيدة ورؤياها. ولذا فالدلالات لا 
تتمايز عن الصورة أو الصور ؛ فكلاهما قسيم صاحبه. 
إن الشذرات اللتصويرية لها قيمتها ومكانتها التى 
تتفارق بها عن مثيلتها فى نماذج متعددة من الموروث 
الشعرى والتى كان صاحبها يجهد فى تتسيقها وحشدها 


فى نماذج متعددة - 


القصيدة الجديدة بين التجديد والتجدد 


منفصلة؛ لمعانها ينشتت ويتبعثر كلمعان زجاجات مهشمة؛ 
e‏ تكون رؤية أو اث جسد را . 
نود بالضرورة - تعميماء انما نشير فقط إ لى المفارق» حتى 
بجا مسر بيات التصويرية؛ ففى فة القصيدة الجديدة 
تكرن تلك الجزيئات مشحونة بطاقات تعبيرية تتشاكل مع 
النسق البنائى للقصيدة؛ بل ربما.تتصادم تلك الجزئيات؛ 
ولكن هذا التصادم يشى بإشارات إلى ذلك التوتر الباطن؛ 
الهائلة من الصور فى كثافتها الانفعالية التى بسبب من ذلك 
تفترض علاقة فيما ألفنا ألا علاقة ‏ كما النص التالى - 
حيث يترحد الضحك بالدمع والبرق بالسواد والفرح بالموت: 

«وتهمهم بين جوانحنا الأسئلة البلهاء 

من أين؟ وكيف؟ لماذا؟ 

يتسلل برق أسود 

يقلب مائدة الفرح الميت 

و تطقطق فوق الماشة عظام الصمت 

.. نبصر قبرا قرب المائدة الجدباء 

يتجول مزهوا بالاحمال» .)١١(‏ 

ولنلحظ - كذلك ‏ تلك التسساؤلات ( من أين - 
كيف - ولاذا ) التى تنتشل جهامة أدرات الاستفهام على 
رغم تتابعها وتواليها من ذهنيتها ومباشرتهاء وكأنها - فيما 
سبق - صدى توترات باطنة. 
إن تلك القدرة على ابتشاث حيوية فى جمود تلك 

الأدوات؛ وعلى خلق فاعلية من سكونية مدلولها تجدها - 
كذلك - فى الأسطر التالية لشاعر أخر؛ حيث تتشابك فى 
مراوحة - ممرورة وساخرة - كما فی مختتمها: 

... هى اللحظة الموّاتية امسكوه أين متى كيف 

ماذاء ماذا تصنع الآن.. والقهوة الفاترة فى 

فى فناجين العزاء الليلى فمن الذى مات؟ء("'). 


\1¥o 





ر ا ج 


من تلك الصور الكابوسية المتوترة والمشحونة بطاقة 
فاعلة التى تتجاوز تلك اللغة الرخوة المنسيبة؛ ما تشكله 
الأسطر التالية من رؤية ورؤى» وهى - كأنها وعى اللارعى» 
أو لاوعى الوعى. إننا نكتفى برؤيتين من قصيدة «سفر الرؤيا 
وكلتاهما - مع تفارقهما ‏ يتوافقان فى ابتثاث فلذات 
سوداوية الوقع والإيقاع تختصر جحيما كونيا يحاصر الجميع: 
(!) ورأيت عليها شيئا لزجا كالدم 
ورأيت بقايا خصل من شعر أسود 
... وعذبنى الوجه المعروق 
(ب) قالوا : ورأينا بثرا طافحة بالماء العذب 
عليها ناعور ودلاء الناعور جماجم 
يجرى الماء إذا انقلبت خلل العينين 
من الاذنين 
من الفكين 
فإن فرغت 
مال إلى الخلف الرأس (") 
وقد تتكئ الصور الكابوسية على إفادتها من إمكانات 
تشكيلية» قد يكون منها ‏ القص؛ كما فى النموذج السابق» 
وقد تكون إفادتها من لغة , الحوار؛ المسرحى 8 وهی فى 
النموذجين التاليين تكون موظفة لمدلول سياسى» يذكرنا أوله 
بيوميات ٠‏ سعيد ؛ فى مسرحية ( ليلى وامجنون ) لصلاح 
عبد الصبورء التى ينتظر فيها ١‏ سعيد ) ١‏ القادم ٠‏ من بعده» 
وهى تمثل - فى رأينا - قمة وضاءة شعرية» وعنوان القصيدة 
ب هناتيش بذلك التشابه «آيات من كتاب الإمام المنتظر» : 
النموذج الأول : 
«أرعدت فى يدى العظام 
فأبصرت ماذا؟ 
عيونا كمرجانة فى الظلام 
ورأسا على الدم يطفو ويمتد نحوى 


۱۷7 


... قال : اسمع يا ولدى: 
هذا زمن غلبت فيه الروم 
فإذا ما اهتز السيف المرجانى 
على عنق الطفل المفطوم 
فاقرأً: « سېحانك» 
وتوضا بالدم 
اغسل وجهك بالزقوم» (أ') . 
أما النموذج الثانى فمن قصيدة «قصائد مهربة »2 وفيه 
نلمح - فی لمح خحاطف - ما نعرفه عن «حصان طروادة) 
فيما يكثف إدانة معاصرة للغفلة الغافلة : 
_ « أخذت «طروادة » من ثقبين بخف أبيك 
اکل 
والخيل الليل السيف وربك والبيداء 
ع راقع إغارة اليك التي للشهررة 
معطلة 
- وجمالك؟ 
- سائبة وتبول على الصحراءء (°') . 
أما النص العالى فهو يتكئ على «القص» وأنسنة؛ 
المجردات وتشخيصهاء مع استيحاءات تتشابه فى بعض 
ملامحها مع صور من مسرحيتى ( فى انتظار جودو) لبيكيت 
و( الكراسى ) لأونسكو: 
«.. نحمل بين معاطفنا جثث الأيام المقتولة 
.. وجهت الدعوة للأصحاب وللخلان 
لم تحضر إلا الأحزان 
.. وتقدمت الأحزان 
هذا حزن وردى 
ياتى برسالة ياس غامضة الاحرف 
من مولاى الحب 


يعتذر عن الحفل لان الحقد الأسود 


س 


قد أصبح ملكاء واعتقل العشاق وسجن الأنهار 
هذا حزن أصفر 
يأتى برسالة 
تحمل هذا التوقيع المتعجل 
٠‏ من قلب صديق طفولتك الضائّع» 
الإخلاص 
هذا حزن أسود يهتف: 
إنى أحمل نعيا 
باسم جميع المقتولين 
على أعتاب المدن الحجرية» )١١(‏ . 
* 
ولعل النصوص التالية تمثل نخسيدا وتأكيدا على 
نمك البنية الأدائية من تكثيف التوزيعات اللغوية؛ المشبعة 
بلمحات وإيماءات لدلالات دينية تاريخية » وا مكتنزة بمعارف 
وموروثات إنسانية كأنها مغامرة لغرية تقتحم الحد الفاصل 
بين الذات وما يتجاوزها . 
إن التتابع والتوالى لتلك الشذرات المضمنة لا ينزلق 
لى التشتت أو التمزق؛ حيث يعكف النسيج اللغرى على 
يا وتأطيرها فى نسى واحد ومتوحد. 
إن كشافة الاستلهامات اللغوية ‏ إن جاز المصطلح - 
تتجاوز مجرد اقتناص قولى؛ يتجمد فى لصق نضمینی. وا 
تعدد ابتثائها وتنوع احتشادها يخترق النسيج اللغوى خالقا 
توافقا وتفارقا مع ماضوية القول وأحادية المقول؛ فيتناسخ 
الماضى فى آنية الحاضرء وتتحول ١‏ الأسماء » و١‏ المقولات 
؛ إلى دلالات معاصرة وإلى إلماعات لها كينونتها المتميزة 
وحضورها المتمايز: 
٠‏ أجئ عاريا من الخليل والجرجانى وابن 
قتيبة حتى آخر وغد عصرى ينبح فى 
الصفحات الأدبية عاريا أكثر منى يوم ولدت 
0 


ويوم أموت» 


القصيدة الجديدة بين التجديد والتجدد 


لقد حولت الأسماء إلى أشياء؛ حيث ينبثق من 
صلادة مدلولها الأحادى حراك دلالى يوم - فيما يومىئ إليه 
ت :إلى محاولة الخررج من الآبا ر الراكدة أو خلع ما صببنا 
فی قو و ججمدنا ف 00 وتعود الجملة الأخيرة 
مداهنة أو موادعة؛ او خنوع او خضوع' ولنلحظ توافق اللسق 
الصرتى فى ١‏ أهرى ولا أهرى) وتفارق دلالته: 
..٠‏ فعاريااجئ مثلما ولدت ويوم أموت فظا 
غليظ القلب أهذى كما أهوى ولا أهوى إلى 
الهاوية. (4') 
وتتوالى اختزالات لغوية تكتنز دلالة الموروث من خلال 
لخوير وحويل؛ حيث تتبدل أحادية المدلول وتفارق واحدية 
الدلالة. 
شعرية تتخلر فى نش تشكيلات أدائية لها دهشة تكرين وبغتة 
ففى النص التالى ثمة وير يفيد من مصطلحات ترانية 
نقدية فيما تعادل مرثاة شاجية للذات» وثمة توظيف خاطف 
يتلاعب بتحوير صوتى للقب الشاعر القديم «ثابت بن جابر) 
( تأبط شرا ) ويفيد - كذلك - من تضمين الأثر النبوى» 
وجميع ذلك فى تشاكل وتمارج: 
« .. فلا يتبقي غير أن أكتب أهجية للعمر 
الكثيب موشاة بحوشى الكلام ومهجور 
الألفاظ وسقط متاع الشعراء الصعاليك ومن 
لف لفهم وأتأبط شرا أصفع به وجه العالم 
وهوانى على الناس جميعا دون استثناء 
قلست ا( 
ومن تداعيات لمقولات ومأثورات» تكون - هنا أشبه 
بمناجاة ذاتية؛ تتشكل لغة عبثية فى طزاجة أدائية من خلال 
تلك اللقطات الحادة والخاطفة» حيث تندمج تضميئنات 
لغوية» تتخالف زمنيتها وتتفارق مع مدلولاتهاء لتعود فى 


1 


رجاء عيد 


وإنما بتناسخ فى ذاكرة المتلقى فى مراوحة فكرية ووجدانية 
بين ( تاريخها) القديم وانبعائها الجديد فى بكارته 
ووضاءته. 
إن تلك التركيبات اللغوية المستحدثة تتفرد - كذلك - 
بالتنوع والتعدد, فمن بين مأثورات محورة» وتضمينات 
محولة» تتجلى - فى بهاء ‏ فرادة استخدام » ومهارة توظيف» 
كما فى النماذج التالية: 
مه تناكحوا فإنى مياه بكم الأمم يوم القيامة. 
واخرجوا إلى العالم صفا صفا بلا انتظام 
ولا تضعفوا فتذهب ريحكم إلى الضفة 
المقابلة». 
١ن‏ نمضي إلى الوادى المقدس أنبياء آبقين 
نأمر بالمنكر وننهى عن المعروف دون أن نكظم 
الغيظ أو نعفو عن الناس» 0 
وهى إذ تتوالى - فى نبرة ساخرة ومرورة - تكون 
المعادل الممكن الذى يستجلى التباين بين نسب التفارق» 
والذى يجسد جهامة العماء الكونى ف رديه الشاعر وركاه: 
«.. ولكنى باق أعوي فى واد غير ذى زرع .. 
أصرخ فى البرية. ياقوم قد زهق الحق وجاء 
الباطل إن الباطل كان فعولاء ("). 
«.. فلم تمنحنى غير قبضة من هواء سويتها 
ونفخت فيها من روحى؛ فصارت حمارا ركبته 
إلي القصر الجسمهورى الملكى القبلى 
الأسرى»"). 
ومجتزئ - حتى لا يطول سفر الکلام ‏ تشكيلات 
لغوية. تنبئق فى إلماعات بارعة من: ١‏ الإنجيل €: 
٠ (‏ التاج المجدول من شوك . 
(ب) صياح الديك . 
: ج 
(د) تضمین رهين من معلقة عمرو بن 
کلثوم . 


(ه) تضمين حديث نبوى . 


1,8 





ولنلحظ إيماءات التحويرات ودلالتها على حالات 


عو ]كه 
مسعيرات: 


:افامتحيييى تالحن المجدول :من تسوك حزن 
من قبل أن يصيح الديك ثالثة فرابعة فتاسعة 
سدى, وآيتى اللعينة ألا أكلم الناس ستة أيام 
إلا رمزاء وأستريح فى اليوم السابع فأمنحه 
لكم وفيه تتعبون .. ألا هبى بصسحنك 
فاصبحينا يا ابنة القوم اللكام .. والناس نيام 


فإذا ماتوا انتبهوا»("") . 


ونشير ‏ على عجل - إلى نص آخرء لا تخفى فيه 
تمازج لغة الشاعر بفلذات خويرية» يجدلها - بمهارة - فى 
خيوط نسيجه اللغوى؛ ولنلحظ كيف يطوّع مصطلحين 
عروضيين فى دلالة مستحدثة» لإدانة واقع مهترئ» وتوظيفه 
لبيت امرئ القيس المشهور للإشارة إلى قعامة الأشياء؛ ثم 
استلهامه نصا قرانياء ليكون مختنم انكساره وشهادة إحباطه: 
«.. فأكون أو لا أكون وتدا فى حقل أو سببا 
في قصيدة ملتزمة مداهنة لطيور سوداء.. 
والتماعة الأشياء لحظة لتنطفى إلى ليل كموج 
البحر أرخى سدوله بلا التياع لا انقطاع لا 
وداع.. وما بلغت مالا عين من قبل رأت أو 
أذن سمعت أو خطر على قلب بشر»(“. 
ما سبق تتشكل لغة أدائية لها طزاجة وبكارة» ولها 
تميز وتفردء كأنها لغة خاصة تتشكل على مستويين: اغتناؤها 
بمعطيات ترائية متعددة ومتنوعة. وتطويع تلك المعطيات 
لتتوافق وتترافق مع مجمل الحالة الشعرية فى إصرارها 
وانكسارها وفى توفزاتها وإحباطاتها. 
ومن بين هذين المستويين تتوحد لغة الشاعر - المعاصرة ‏ 
بتفردات اللغة المستلهمة والمبفوثة فى انسيال رهيق:. 
فتتوحد اللغتان فى لغة متفردة وفريدة. 


Kk 





ملاحظات وتساؤلات 

وحتى لا نكتب مقالا على مقال؛ نكتفى باختصار 
ملاحظات» واجتراء تساؤل وتساؤلاات منها: 

هل استنفدت مجديدات القصيدة الجديدة إمكاناتها 
وطاقاتها؟ وهل تتحول القصائد - مع تعذدها وكثرتها 5 إلى 


قصيدة واحدة؟ 


وعلى حذر ينأى عن التعميم ويتوجس من الإطلاق» 
نذكر من تلك الملاحظات ‏ على سبيل المشال ‏ تكرار 
الفكرة وتتشتت؛ ومنها سوءات استخدام «الرمز» حين يتحول 
إلى مجرد بديل إشارى يوجز فكرة؛ أو يختزل معنى» ومن ثم 
فلا قيمة له» ومنها ذلك التشابه والتكرار فى اء تخدام 
«الاساطير؛؛ حتى كادت تبهت قيمتها وتفقد وظيفتها. 

إن تكفرا وتزيدا ‏ فى كشير من الأعمال الشعرية - 
يتماحك فى لصقهاءكأن الشاعر قد صف أمامه مصفوفات 
جاهزة من الميشولوجياء ثم ينصب عدته ويلصق كل أسطورة 
أ أسم أسطورى بسواه؛ وحين تتزاحم أو تتعددء وتخفى 
دلالتها أو مضمونها ‏ فسرعان ما يحشد هامشه بشرح 
ولو ضيح . 
روص 

إن تلك الإشارات فى هامش القصيدة ‏ كمافى 
نماذج متعددة ‏ لمعنى الأسطورة؛ أو لتوضيح دلالتها لا 
فيمة له ويحول القصيدة ا معادلة لفظية لمغزى الاسطورة» 
وتكون القصيدة ‏ كذلك - مجرد موازاة للأسطورة أو 
استبدال جبرى لمصفوفات لغورية. 

ولا ينجو استدعاء الشخصيات التراثية من مخاطر 
ومحاذير. فدائرتها تنغلق على عدد من الشخوصء؛ يسهل 
إحصاؤها وتتبع استخداماتهاء ولعله لا يتجاوز استلهاما لحالة 
أو حالات» أو تشوفا لموقف ومواقف» أو مهربا من قتامة 
معاصرة» أو عزاء وتعزية. وتتشابه - فى نماذج متعددة بت 
الاستنامة على كتف الشخصية. وبئها مشتكى وشكاة. 

وبالمثل - فى صورة مقابلة - حن تستخدم الشخصية 


على سبيل المثال. 


القصيدة الجديدة بين التجديد والتجدد 


والخطورة تتربص بالجانبين» فجميع تلك الشخرص 
يمدت فى نماذج جاهزة ققدت طزاجتهاء وبليت جدئياء 
ينضاف إلى كل ذلك خطر الاسترخاء على رصد معادل 
ذهنى» تكون فيه الشخصية أحد طرفيه؛ فيتسطح الأداىء 
ولعله يصح ‏ هنا أن نذكر تخوفا بما نحن فيه؛ 
يقول صاحبه: 
«.. الهم هو أن على الشاعر أن يكون مكتشفا 
باستمرار» أى ليس هناك من يستطيع الركون إلى 
اكتشافاته السابقة أو اكتشاف الآخرين. الأصالة 
هى أمر يتجدد كل يوم. وعندما نشاهد أزمة فى 
الشعر كما نرى فى هذه الأيام؛ الأزمة فى 
الواقع هى أن الشعراء فقدوا هذه القوة التى 
كانت تسيرهم. الذى يخشى منه هو أن يكون 
النقطة التى يصبح فيها الشاعر مضطرا إلى 
التكرار» تكرار نفسه أو تكرار الأخرين)!2"5. 
ومع ذلك فلم ينغلق الطريق. 
فإن استكشانا لجوانب مستترة» وإن رؤية جديدة 
ومتجددة لا تزال فى قدرة الشعر ومقدرة الشاعر. 
هذه صورة - من صور - جديدة متجددة» تتمكن من 
الانفلات من رتابة الاستخدام» والانعتاق من مشابه 
الاستدعاء. لعلنا نتذ كر قصيدة «البحترى» فى صراعه مع 
الذئب ‏ على حسبه - وقصيدته - كما نعلم - تنكفيء على 
مضموينها الأحادى ولا تتجاوزه إلى سواه. بينما تتمكن 
القصيدة المعاصرة: «صراع صورى بين البحترى والذئب» ت 
بدءا من عنوانها_ من استشفاف تقارن ضمنى »؛ يختصر 
مسافة التفارق الزمنى. وفيما يتلبس الماضى بالحاضر ‏ أر 
الحاضر بالماضى ‏ يتشكل نص فوق النص» ويتمكن - 
بواسطته - من ابتناء تمائل من اللاتمائل» واجتلاء تشابه من ا 
المدّعاة ‏ يتجسد قرينها ‏ أو قسيمها ‏ المعاصرء ويتوحد - 
كلاهما_- فى أنية متزامنة» تختزل فى ديمومتها فلذات 


۱1۷7۹ 


زا ات م ل ل ر 


تخاورية» تشى بزيف البطلين - إن كان ثمة بطولة - حيث 
يتعرى زيفها فى الختتم: 
« - رويدك 
إن القول ‏ ليس الفعل ‏ في دمنا يشدو». 
ولعله يحسن اجتزاء أبيات من قصيدة (البحترى؛؛ 
لتتضح مهارة التقارث ‏ بين بطولته المدعاة ‏ وبين توظيفها 
المعاصرء حيث تلعب القصيدة ‏ هنا على مستويين 
متداخلين» يتشاكل ‏ من خلالهما ‏ الوجهان؛ ويتلايس 
البطلان: 
«.. عوى ثم أقعى وارتجزت فهجته 
فأقبل مش البرق يتبعه الرعد 
فأوجزته خرقاء تحسب ريشها 
على كوكب ينقض والليل مسسود 
فما ازداد إلا جرأة وصرامة 
وأيقنت أن الأمر منه هى الجد 
فأتبعتهاأخرى فأحلات نصلها 
بحيث يكون اللب والرعب والحقد 
فخ وقد أوردته منهل الردى 
E EE E EN‏ 
وقمت فجمعت الحصى واشتوينه 
عليه وللرمضاء مق فته رق 
تبتدئ القصيدة ‏ هنا باختزال شذرات تختصر 
تساؤلات عما تخلف من هزيمة «البطل» ‏ المعاصر ‏ فيما 
سمى - تقولا أيضا - بالنكسة: 
«رحماك با أبا عبيدة 
أفرطت فى توعد الذئب 
حيئما انصهرت فى توهج الرجولة 
وفجأة 


سقطت كومة من الهشيم 


18. 


عند ومضة المفاجأة 
دم وخوذة 
وجثة على الثرى مهرأة 
فكيف كان ذاك؟:("؟) 
إن بساطة التساؤل الممرور - والساحر: «فكيف كان 
ذاك؛؛ وملامسته لغة الحياة اليومية؛ لعله الشكل الأدائى - 
الممكن ‏ للتعبير عن دهشة الفجيعة وخيبة امريجى» ويكون 
قسيمه ‏ فى دلالته ‏ ما يرد فى تساؤل «البطل؛ نفسه؛ فهو 
كمانيكن د یی بافتقاد حنكة أو حكمة؛ وانعدام بصر أو 
بصيرة : 
ملئت - لست أدرى كيف - بالبطولة. 
ويتداحل الصوتان» حين يلعبس «التضمين» - من 
قصيدة البحترى - بصوت «البطل» المعاصر: 
«وحين هم الذئب بافتراسى 
هممت بالمناوأة 
عوى ثم أقعى فارتجزت 
(فلم يخف) 
وأقبل مثل البرق يتبعه الرعد 
إلى أن طوتنى 
حسب هذا الذى ترى». 
(لتلحظ أثر «البتر؛ فى جملة 9إلى أن طوتنى») وماله 
من أثر فنى» كأن انقطاع الصوت - أو بقية الجملة ‏ إيماء 
رهيف لمعانى متعددة» يشير إليها ما يليها: «حسب هذا الذى 


ترى؟. 


ويعود صوت الشاعر ‏ فى الختتم - ا بنوح 
«الكورس» فى المأساة اليونانية القديمة: 


«أما كان أجدي لوغنيت عن الرجز 
وأعددت حد السيف والهول يشتد». 


ولكن مأساة جديدة تتشكل فى رد فاجع بليد ومتبلد: 


- «رويدك. 





إن القول ‏ ليس الفعل ‏ فى دمنا يشدو». 
لقد أجمل المأساة شاعر آخر فى جملة كنصل سكين 
أو كحد سيف فى قوله: 
«وحاربت بدلا منا الأناشید.(^"). 
kk‏ 


وتتصاحب ثنائية تضمينية ‏ إن جاز القول ‏ مجاوزة 
أحادية استخدام أولاها: (شعرة معاوية)؛ ومفارقة مكرورها 
ونكرارها حيث تترادف ‏ لدى عدد من الشعراء - فى 
حكمتها التجريدية؛ لتنضاف كلصن إضافى مؤازر للأداء. 
ولكنها ‏ هنا نتمدد شكولهاء وتتعدد دلالاتهاء حسبما 
يتخالف سياقها ويتغاير مساقها؛ كما أن استخدامها ‏ كذلك 


الأبيض والأسود»» لتمرق - فى هذا التضام ‏ من المعنى القار 
فى دلالته المجازية الحددة» فإذا هما الشعرة والخيط ب 
يتبادلان حيناء ويتوحدان حينا آخرء وكلاهما مكتنز بتحولات 
المعنق والمبنى . 
إن النص التالى فى إفادته التضمنية من دلالة البيت 
القديم المعروفة: 
ما للجمال مشيها وئيدا 
أجندلا يحملن أم حديدا 
يوهئ إلى الخطر القادم؛ ولنلحظ توظيف «اللون» فی 
إيماءة خاطفة لتميع الأشياء وتغيم المواقف: شعرة «معاوية) 
ومخاتلتها؛ والخيط المتأرجح بين اللونين: 
١‏ ولا من يهدم الحد الفاصل بين الأبيض 
والأسود فكيف لى أن أكتفى بالكلام والجمال 
مشيها وثيداء!؟"). 
وان ترابطا يتشكل برهافة بين دلالة «للشعسرة 
و«المدينة؛ الفاسدة فى مفارقة عن نماذجها ‏ لدى آخرين - 
حيث لا تتفارق - عندهم - عن الضيق الرومانسى المعروف 
والمكرورء إنها ‏ هنا تكتسب بترافقها «مع دلالة شعرة 
معأوية] بعدا سياسيا حادا وقاسيا وصارما "كما فى هذين 


ارو 2 


القصيدة الجديدة بين التجديد والتجدد 


() «.. بكل أبنية المدينة تنهار فوق ساكنيها 
وأنا بومة تهوى الخرائب, وانهيار النظام 
القائم على شعرة معاوية التى لا تريد أن 
تنقطم»('"). 

(ب) «..فاستدارت إلى قوس المدينة نحو أبنية 
ستنهار بغتة حينما تنقطع شعرة معاوية. 


بغتة»("). 

وربما تتولى النماذج التالية عبء تعليق وجهد تفسير؛ 
فهى نتملك براعة استجلاء إيماءات لغوية تتضام وتتواكب» 
وابتدا ع تبادلات أدائية تتشاككل من سر وتمزق وتوتر وخفر. 
فشمة يأس يائس: 

( أ(« تؤرجحنى الريح الدوارة فى الخيط 

الممدود يدلينى مشنوقا أو مخنوقا» . 
(ب) «.. وشعرة معاوية لا تريد أن تنقطع» . 


(ج) ا وشعرة معاوية لا تريد أن تنقطع 


بشعرة أخشى انقطاعهاء . 
وثمة تشوف وانتظار: 


(1):.. افتراق الخيط الابيض عن الخيط 


الأسود». 
(ب) «.. انهيار النظام القائم على شعرة 
معاوية». 


(ج) ..١‏ لن بحين الحين إلا بعد فوات الوقت 
أى انقطاع الحيط»: 

( د ( «.. وعواء يقطمع الشعرة الفاصلة ولا 
الخيط الأبيض عن الخيط الأسود وانهيار 
النظام القائم على شعرة معاوية التى لا 
تريد أن تنقطم»(""). 


* 


رجاء عيد ر س د ج ج ل ل لاح ري ما 


ولم ببق فى لحظة يأس ياس سوى أن يكون كما قال 
الشاعر القديم: 
ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر 
تمضى الحوادث عنه وهو ملموم 
إنه - الآن - يشكل فى تضمين مومئ إلى البيت 
القديم لوحة عميقة اللون» كثيفة المح منفسحة الإيماء: 
تخطو الفصول على جسمى 
وتنحدر 
وأنا اشتباه 
حالة مكنونة 
بين الحريقة والرماد 
وبين صرخات الولادة والحداد 


وأنا اشتعال مرجأ 


الهوامش : 


(۱) دیران إشراقات رفعست سلام» الهيعة المصرية العامة للكتاب» 1157 » 
ب 
)١(‏ ديوان أحبك ولا أحبك» بیروت» ص ٠۹۸‏ . 
(۳) إشراقات رفعت سلام؛ ص ٠۹‏ . 
(4) نفسه» ص ° . 
(0) نفسه» ص ۲° . 
(7) نفسه» ص ٦٦‏ . 
(0) حسب الشيخ جعفر الأعمال الشعرية؛ بغداد» ۱۹۸٩‏ ؛ ص ٠۹۳,‏ 
من سوءات القصيدة الجديدة كثرة الإحالات والهوامش .. فمن الهوامش 
الملحقة بالديوان ٠:‏ فى قصيدة ١‏ التحول » يجد القارئ عبارة اقبناها من مطهر 
دانتی بتصرف ... وجويا هو الفنان الإسبانى المعروف ( ۱۷٤۹‏ - ۱۸۲۸ ) 
وأما الوجه الذى حاول الفنان أن بقبض على شئ منه فهو بمعنى عام هذا 
الجمال الهارب العاصى؛ وبمعنى خاص بالنسبة إلى جربة القصيدة فهو وجه 
درنا إيزابيل كوبوس وهى من لوحانه الشهيرة؛ (ص 407). وهذه إحدى 
مشكلات القصيدة؛ فكأن الشاعر يستعرض معرفة خاصة ربما لا تهم القارئ ٠‏ 


(4) نفسهء ص لا9” . 


1A۲ 


ينمو على جسمى التحول 
كس 
يا ليتنى حجر». 


الموت والميلاد (Fr)‏ 1 


وبعذد)» 


يكن شكله أو تشكله - فمن المدل ألا ننفى القصيدة 
الجديدة - بسسبا نماذج رديكة - فالمتطفلوك على مائدة الشعر 
يتناسلون فى كل جيل» يلركون ما يتساقط» أو يستنسخونه 
ركاما باهتاء یشوه الشعر؛ ويلورث نصاعته . 

ومن المأساة المسلاة أننا لن نعدم نفرا من بغاث النقاد 
الذين استنسروا فجأة» يزينوك 2 تخليطا وجهالة ت ویحسنوك - 
تلفيتا وضلالة ‏ كل ما يسقط من غربال الشعر. 


(9) محمد أبر منة؛ من قصيدة! ١‏ وشرب المسان»؛ الأعمال الكاملة, 
۹A0‏ مكتبة مدبولى' القاهرة» ص۲۰۲ ۴ 


)1۰( زمن الشعر, صيداء ١115‏ ٠ص‏ ° 


"(11) محمد أبو سنة» من قصيدة : «مائدة الفرح اميت ص 598 ٠‏ 


٠ 2" إشراقة السفرا؛ ص‎ ١ رفعت سلام» من قصيدة:‎ )۱١( 

(1) بوسف الصائغ» ديوانه: ديوان مالك بن الريب من قصيدة «سفر الرؤياا » 
بداد ۰۱۹۷۳ ص ۱۱۰ . 

1 |۹۸۳ محمد على شمس الدین» ديوانه قصائد مهربة؛ بیروت‎ )۱٤( 

. 854 نفسه ص‎ )١5( 

٠ ۳۲ محمد أب سنة من قصيدة : وتأملات فى المدن الحجرية؛ » ص‎ )١5( 

(۱۷) رفعت سلام؛ ص ۱۳ ۰ 

() نفسه» ص ۱٦‏ . 

(۱۹) نفه؛ ص ۱۸ . 

(۲۰) نفسه» ص ٩۲‏ . 


(۲۱) نفسه؛ ص ۳١‏ 3 


اس لسسسسسس ب القصيدة الجديدة بين التجديد والتجدد 


نفه» ص ۲۹ . 

( نفسه؛ ص٢۲‏ . 

(۲) نفسه» ص ٤۳‏ . 

(۲۵) جرا إبراهيم جبراء ينابيع الرؤيا؛ بيروت: 1515: ص ۱۲۸ . 

5 البحترى ديوانه » الجلد الغانى, ت . حسن كامل الصيرنى؛ ط؟ ؛ دار 
المعارف» ص ۷٤٤‏ . 

(۲۷) أحمد عنتر» دیرانه: مأساة الوجه الثالٹ بغداد» ۱۹۸۸ ؛ ص ۲۸ . 

)١(‏ استخدم الشاعر جملة ١‏ فلم بخف » بدلا من ١‏ فهجته ١‏ فى بيت 
البحثرى» رقد راعى الوزن نفسه متكثا على أن تفعيلة ٠‏ فلم يخف ؛ على 
وزن تفعيلة البحترى؛ ( فهجته ) ١:‏ مفاعلن » ولكن مع مفارقة لا 


تخفىء فالقصيدة هنا تستخدم تفعيلة الرجز ؛ المضمرة؛ ٠‏ مستفعلن ) 
وهى - نغميا- تتسق مع ٠‏ مفاعبلن ٠‏ أى تفعيلة « الطويل» . 

( ب ) فى استخدامه تفعيلة ؛ الرجز » المقطوعة (متفعل) - فيما قبل بيت 
البحشرى المضمن - ينم توافق النغم بين : فعولن؛» القى هى إحدى 
تفعيلات ١‏ الطويل »6 لتنسق نغميا مع ١‏ متفعل © . 

() أمل دنقل» الأعمال الكاملة» القاهرة» ص ۲٠۷‏ . 

(19) رفعت ملامء ديوانه: إشراقات؛ ص ١4‏ . 

(۳۰) نفه» ص ۱١‏ . 

(۳۱) نفسه» ص ۱۸ . 

(۳۲) نفه» صفحات ۲۰ ۔ ۹۸ ۔ ۱۷ے ۱٦‏ . 


(۳) نفسه » ص ۲۷ . 





م ااا ةلاطا 


خيط التراث فى نسيخ 
الشعر العربى الحديث 


مدخل تناصى 





سس سس 11111111110116 
ااانا 


یښ ثمة من يمارى اليوم فى الدين الكبير الذى 
طوقت به العلوم الإنسانية عنق النقد الأدبى؛ بخاصة فى هذا 
الفرن الذى غدت فيه علوم مثل علم النفس» وعلم 
الاجتماع؛ والأنشروبولوجياء والفلسفة» واللغريات الحديثة» 
مقاربته للنص الأدبى. وعلى الرغم من تفهم المرء رأى العديد 
من أتباع المنظور الداخلى 6601176م675م عأوم عام للأدب فى 
أن هذا الاستلهام كان وبال على النص الأدبى نظرا لما 
يعترف بأهمية الاستبصارات القيمة التى يسرتها هذه العلوم 


ا د 
* باحث وناقد» جامعة دمشق»؛ سوريا. 


18 


إلى محمد مصسفى بدوی) 


فان بعضًا من هذه العلوم؛ كعلم النفس""' ومختلف علوم 
اللغة الحديغة أو ما يعرف باللغويات"' له فى مرضوعه 
(الإنسان) بالنسبة إلى علم النفس» واللغة الإنسانية بالنسبة 
إلى اللغويات من المسرغات ما يكنى للدفاع عن استلهام 
النقد الادبى له فى مواجهة هذا الآخير للنص الادبي. فمنتج 
النص الآدبى ومتلقيه ومحوره هو الإنسان الذى يعنى علم 
النفس بجوانب حياته الشعورية واللاشعورية؛ وأداة الأدب هى 
اللغة الإنسانية محط اهتمام علوم اللغة الحديثة. ومعنى هذا 
أن دار س الأدب لا يغادر ساحة الأدب عندما يستعين بعلم 
النفس فى دراسته جوانب العملية الآدبية؛ و هو لا يبارحه قيد 
أنملة عندما يقف نفسه على دراسة أداته التى هى اللغة 
الطبيعية 086ا308آ 131 أو اللغة الإنسانية» ينظر إليها من 
موقع تخالف علوم اللغة الحديثة ويتبصر فى وجوهها 
ومستوياتها المتعددة. 





والواقع أنناء مهما كان موقفنا من استلهام النقد 
الأدبى لهذه العلوم الإنسائية فى عصرناء لا يمكن إلا أن نقر 
بأن هذا الاستلهام أصبح حقيقة يصعب جاهلهاء خاصة وأنه 
أحدث تغييرا كبيراً فى طبيعة تصوراتنا لمفهومات كثيرة فى 
العملية الأدبية مثل المؤلفء والقارئ» والنصء والقراءة» 
والتفسير وغيرها. وقد أدى هذا التغيير إلى تطورات مهمة فى 
مختلف النشاطات الذهنية التى تنطوى عليها الممارسة النقدية 
من شرح ونخليل وتركيب وتفسير وموازنة وحكم وغير ذلك. 

وإذا ما رغب المرء فى التوقف عند مفهوم واحد من 
هذه المفاهيم هو النص'"» فإنه يستطيع أن يقبين بسهولة 
مدى التأثير الجذرى الذى خلفه استلهام اللغويات الحديثة 
وعلم النفس فى فهمنا له من ناحية» وفى مقاربتنا له من 
ناحية أخرى. فالنص الأدبى الذى يمكن أن يكون جملة 
واحدة (كالمثل: على نفسها جنت براقش) ويمكن أن يمتد 
ليبلغ مجلدات عدة (كرواية «البحث عن الزمن الضائع tLa‏ 
temps perdu:‏ نال عء260567 لمارسيل بروستء واثلاثية» 
نجيب محفوظء؛ و«مدث الملح لعبد الرحمن منيف) لم يعد 
ينظر إليه اليوم على أنه مجرد تأليف لغوى يقوم به فرد 
موهوب بهنتمى إلى جنس أدبى معين موروث أو مستلهم من 
التقاليد الأدبية الأخرى. إنه لم يعد يتألف؛ كما يقول رولان 


بارت؛ من: 


«سطر من الكلمات تطلق معنى لاهرتيًا أوحد 
(هر رسالة المؤلف ‏ الإله)؛ وإنما هو فسحة 
متعددة الأبعاد تتزاوج وتتصارع فيها كتابات 
ليس من بينها واحدة أصيلة. إن النص نسيج من 
المقبوسات ناشئ عن ألف مصدر ثقافى»'. 


رلا كان النص الأدبى مارسة لغرية تخضع للنظام 
اللغوى الخاص بلغة ماء الذى يكتسب عادة عن طريق 
استيعاب نصوص أخرى أنشعت فی هذه اللغة» فإنه يقوم 
أساسًا على عملية إعادة إنتاج هذه النصوص السابقة لهء التى 
خبرها الأديب على نحو من الأنحاء خلال مراحل تكرينه 
الثقافى . والحقيقة أنه: 


خيط التراث فى نسيع الشعر العربى 


وضعه بوصفه ممارسة دالة signifying Practice‏ 
معناه القرل لك كن نص » ومنذ البداية» خاضع 
لسلطة نصوص أخرى تفرض عليه عا ما“ . 

إن مقدرة الأديب تتبدى أساسًا فى تشكيله من هذه 
النصوصء التى أتيح له تمشلها فى أطوار سابقة من تكوينه 
الثقافى نصًا جديد) يحمل بصماته الخاصة به؛ أو إذا ما 
شكنا استخدام لغة المجاز ‏ حياكته من تلك الخيوط التى وفرها 
له تكوينه الثقافى نسيجا محكما غاية الإحكام يصعبء إلا 
على القارئ المتمعن المدقق والخبير» تمييز خيوطه المكونة له. 

والنصوص إذ تستوعب » وتنقل » وتقبس » وتتجاور فى 
نفس الأديب» تتفاعل» لا على أنها أجزاء تشبه قطع أحجية 
الجيكسر 82216 0185289 » وإنما برصفها أنظمة دلالة لها 
تماسكها ووحدتها. وهى لذلك تتصارع ويحاول كل منها أن 
يسود النصوص الأخرىء» وتتزاوج مكونة النظام الدلالى 
الجديد الذى يجسده النص الجديد. فالس الشعرى » على 
سبيل المثال» نص ينتج دفى الحركة المعقدة لإثبات نص آخر 
ورفضه؛"" على حد قول جوليا كريستيفا. 

ولهذاء فإن النص فى بنيته الإنشائية 6"أوناء015 
1101 هر حصيلة جملة من عمليات تفاعل النصوص أو 
التناصات 12161602110165 التى مجرى فيه. والحقيقة أن 
للتناص الذى نقع عليه فى دراستنا للنص الجديد محرقًا 
مزدوجاء كما يقرل جوناثاك کولر: 


«فهو يلفت انتباهنا من ناحية إلى أهمية 
النصوص السابقة؛ ملحا على أن فكرة استقلال 
النتصوص فكرة مضللة:؛ وأنه ليس للأثر المعنى 
الذى له إلا لأن أشياء معينة كتبت مسبقاً. ولكن 
التناص بمقدار تركيزه على قابلية الفهم؛ على 
المعنى» يقودنا إلى النظر إلى النصرص السابقة 
على أنها إسهامات فى نظام ترميزى 0006 
يجعل التأثيرات الختلفة للدلالة ممكنة. وهكذا فإن 
التناص يغدو اسم لصلة أثر ما بنصوص سابقة 


ميد النبى اصطيف ل لم ا ل ع ي و 


محددة أقل من كونه تسمية لمشاركة الأثر فى 
الفسحة الإنشائية discursive space‏ لثقمافة ما: 
أى لل ماين نض ما واللغات الختلفة أو 
الممارسات الدلالية لفقافة ماء وصلته بتلك 
النصوص التى تفصح له عن إمكانات تلك 
الثقافة 9 . 


وبسبب تركيز التناص على دراسة ا 
للنص الجديد بوصفها إسهامات فى نظام ترميزى يجعل 
التأثيرات الختلفة للدلالة ممكنة» فإن الدراسة التناصية ليست 

كما يذكد كولر: 


اشير الاه 


«تفحصًا للمصادر والمؤثرات كما تعصور تقليديا 
إنها تطرح شبكتها على نحو أوسع يشمل 
الممارسات الإنشائية المغفلة» والنظم الترميزية ذات 
الأصول المفقودة التى لتجعل الممارسات الدالة 
للنصوص اللاحقة ممكنة»'" , 


وهكذاء فإنه ما دام النبصء أى نصء فى بنيته الإنشائية 
حصيلة تفاعل نصوص سابقة عليه e‏ 

مقبوسات» استيعابا وتخولاً لنص آخرء أو لنصوص أخرى!*) 
فإن الطريقة الأكفر جدرى - فيما يبدو لصاحب هذه 
السطور- فى دراسته هى فك هذه البنية النسيج؛ وإعادتها 
إلى مكوناتها الأولى ؛ وتبين الطريقة التى تمت من خلالها 
عملية إنتاج الممارسة الدالة الجديدة. 


إن النص الأدبى العربى الحديث؛ والشعرى منه بوجه 
حاص نص اُسهمت فی تشکیله مکونات ثلاثة (هى الأناء 
والآحرء والعالم) . . لقد حاك نسيج هذا النص خحيطان اثنان 
(هما خيط التراث العربى؛ وخيط تراث الآخحر (the other‏ 
رفا للكاتب العربى وحدد طريقة تضافرهما وصور 
علاتاتهما المتبادلة العال”” “٠‏ الذى أنجب هذا النص. ولذا 
فاب على المرء أن ينظر بداية إلى هذين الخيطين ويتبين دور 
كينها وكين البنية الإنشائية اا 
الحديث ؛ هذه البنية التى حلقها التناص» ويسرها عالم منتجه. 


لنتذكر؛ بادئ ذى بدءء أن منتج النص ال لنص الأدبى العربى 
الحديث هو قارئ قبل أن يكون كاتبًا. والغالب فى الكانب 


كما 


ألا يكون قارثًا عاديا وسبب ذلك هر وعيه السامى بأداة فنه 

سواء أكان ذلك ك فى نصه أم فى نصوص الأخرين . ومعنى 
هذا أنه قبل أن بنتج نصه الخاص به يكون قد قرأ واستوعب 
وتمثل الكثير من النصوص السابقة التى تتجاور وتتحاور 
وتتصارع وتتفاعل بوصفها أنظمة دلالة متماسكة فى نصه 
بعد أن تجاورت وتخاورت وتصارعت وتفاعلت فى نفسه. 
ان اال فى طبيعة صلة الكاتب العربى بأداة فنه 
يلاحظ أول ما يلاحظ أنها ليست بالنسبة إليه مجرد نظام 
لغوى يحكم إنتاج إنشائه الفردى عامعةمء: ويكفل لهذا 
الإنشاء ۽ الفردى الوصول إلى الآحرين وحسب؛ بل هى 
كذلك أداة للتفكير تنظمه بإجراءاتها وعاد داتها وأعرافها 
وقواعدها. وهى بالإضافة إلى هذا وذاك الأداة الأهم التى 
تتجلى من خلالها الثقافة الموروثة لمستخدم هذه اللغة. إنها 
أداة التواصل الأكثر جدوى مع هذه العقافة. فالفرد إذ 
يكتسب لغته الأم ويستوعب نظامها بعوامل مختلفة؛ 
سرت جوانب كثيرة من هذه الثقافة المدونة بهذه اللغة؛ 
لأنه من الناحية العملية يكتسبها ممارسة» ويواجهها نصوصا 
أدبية وغير أدبية من مختلف العصور يطلع عليها فى مختلف 

مراحل نكوينه اللغرى والأدبى والفكرى والشقافى. وهكذا فإن 
الموروث الثقافى للأديب العربى الحديث (الذى يشتمل على 


لنبرى الشريف» والشعر 


ص القران الكر ريم والحديث النب 
ا من الجاهلية حتى يومنا هذاء والتساريخ العسربى؛ 
Is‏ وغير ذلك ما يتواصا 

ماعا أو قراءة؛ ويأخذه مشافهة أو كتابة) يتسرب من 
ا طريق اللغة العربية إلى أرضيته الثقافية 
ليتجلى فيما بعد فى إنشائه الفردی» فى نصه الذى بنش" 
_ هذا النص ر الذى هو فى نهاية المطاف ف حصيلة تراكم 


النصوص المستوعبة فى نفسه. 


دل SUG‏ ر الكلاسية 


فيه. ا فی 5 a‏ التى حا کاھا د فترة 





الإحياء ضهنا أو عارضوها صراحة. ويلاحظه كذلك 
إشارات واستلهامات لهذا الموروث فى شعر رواد الرومنتيكية» 
وترظيفات متنوعة فى شعر ما بعد الرومنتيكية وخاصة فيما 


من هذا المرث. 
وإذا ما كان المرء فى غنى عن التمثيل للشعر العربى 
الكلاسى المحدث لأن خيط الموروث فيه أوضح من أن يمثل 
عليه فإن إشارات موجزة إلى نماذج من شعر الفترات 
اللاحقة ربما تفى بغرض بيان أهمية هذا الخيط أو المكون 
فی النص الشعرى العربى الحديث. 
فالقارئ»› مغلا مه لقصسيدة والمساء 2359 كينو رواد 
الرومانتيكية خليل مطرات يلاحظ خيط هذا التراث من خلال 
العصر الجاهلى وحتى العصر العباسى الثانى . فبيتا مطران: 
عمرين فيك أضعت لو أنصفتنى 
لم يجدرا بتتأسفى وبكائى 
ببيانه. لولاك فى الأحياء 
يدينان بما ينطوياك عليه من معا ودلالات لیت المتنبى : 
ذكر الفتى عمره الثانى, وحاحته 
مافاته. وفضول العيش أشغال 
الذى يسّر بسبقه لبيتى مطران إنتاج المعنى الذى يحملانه. 
والشأن نفسه يتكرر فى بيته: 
ففدوت لم أنعم كذى جهل ولم 
أغنم كذى عثقل ضمان بقاء 
الذى یتناص بشكل واضح م قول المتنبى : 
ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله 


وأخو الشقاوة فى الجهالة ينعم 


خيط التراث فى نسيع الشعر العربى 


وفى بيته الآخر: 
هذا عتابك. غير أنى مخطئ 


أيرام سعد فى هوى حستاء 


الذى يشى بحضور بيت المتنبى: 
هذا عتابك إلا أنه مقة 
قد ض من الدر إلا أنه كلم 
وفى قوله : 
ولقد ذكرتك والنهار مودع 
والقلب بين مهابة ورجاء 
الذى يتناص مع قول عنترة : 
ولقد ذكرتك والرماح نواهل 
منى وبيض الهند تقطر من دمى 
والواقع أن هذه الإشارات وغيرها جديرة بدراسة تناصية 
خاصة لأنها تعكس صورة شائقة من صور تفاعل النصوص 
العربية الكلاسية مع نص شعرى حديث هو نص مطران. 
وهناك بالإضافة إلى هذه الإشارات وجوه أخرى أفاد مطران 
ص خلالها من ا موروث الثقافى العربى عامة) والشعرى منه 
بشكل خحاص» إذ كانت الفورة على الأنموذج الكلاسى 
مازالت فى بدايتهاء وكانت هيمنة هذا الأنموذج أقوى 
واشمل وارسخ من إن يستطيع التحرر منها تماما. 
ولا كانت الرومنتيكية العربية المستلهمة من الرومنتيكية 
الأوروبية انعكاما للرغبة فى التخلص من قيود الماضى والولوج 
إلى العالم المتمدين الحديث”؟''؛ فمن الطبيعى أن يكون 
خط التراث العربى خفرا فى نسيج الشعر العربى الرومنتيكى 
الذى حفل أساسًا بخيط تراث الآخر؛ وهو فى هذه الحالة 
الشعر الرومنتيكى الأوروبى. 
وبمجرد جاوز هذه اله لفترة إلى ما تلاها من فترة 
الانقلاب على النزعة الرومنتيكية: يجد المرء نفسه من جديد 
أمام وضوح خيط التراث حتى لدى شاعر حديث كان له 
إسهامه الذى لا ينكر فى فتح بوابة الشعر الجديد كبدر شاكر 
السات 


ا 


والواقع أن دارس زم *"“ السياب الشعرى بقع فى 
قصائده على صور متنوعة للتناص تتفاوت بين: 

( أ ) استحضار نص شعرى محدد والصدور عنه فى 
النص الشعرى المنتج كما لمجد فى قصائده #شهداء 
الحرية»"' التى تعود لعام ۳ وا بورسعید ۰ التی 
تعود لعام ۹› و«شعاع الذکری ۲“ ال نشرت للمرة 
الأولى فى ديوانه الصادر عن دار العودة عام 21514 مع 
أنها تعود لفترة مبكرة من نتاجه الشعرى. 

فالقارئ لنص قصيدته الأولى بلاحظ بسهولة حضور 
قصيدة بشار بن برد المشهورة «جفا وده؛ فيه ومزاحمتها له 
فى ذهن القارئ ونفسه؛ وكذا الشأن فى نص قصيدته الثانية 
الذى تتبدى فيه ملامح عدة نصوص شعرية ترائية أهمها 
قصيدة أبى تمام فى فتح عمورية؛ أما نص قصيدته الثالثة 
نيقع فيه المرء على نص شعرى قريب العهد نسبيًا (ولكنه 
وثيتق الصلة با موروث الشعرى العربى ریگاد یکوت جرءا 
أساسيًا من متن الشعر العربى الذى يعداوله الشعراء العرب 
المحدثرن عادة فى فثرة تدريسهم الأولى) هر نص قصيدة 
«المساء؛ لخليل مطران التى تقدمت الإشارة إليها. 

(ي) اقتباس شطر شهير من نص شعرى قديم وإدخاله 
فى تفاعل نصى جديد كما جد فى قصيدة «البغى؛ ا 
كتبت قبل ثورة عام ٠۹۵۸‏ والتی نقراً فيها: 

«عيون المها بين الرصافة والجسر 


تقوب رصاص رق فست صفحة البدرء“'. 


( ج) اقتباس أنشودة شعبية ذات مسحة طقسية معينة» 
النص الجديد» كما نجد فى قصیدته «شناشیل ابنة الجلبى) 
المشهورة التى تعود إلى عام 117 والتى نقرأ فيها: 

«يا مطرًا يا حلبى 

عبر بنات الجلبى 

يا مطرًا يا شاشا 

عبر بنات الباشا 

5 مدا من ذهب“ 


AA 


(د) إقامة تناص رائع بين قصيدة قصيرة بكاملها ونص 
قرانى محدد كما نجد فى قصيلته الأنى غريب) التى تعود 
لعام ١‏ . والحقيقة أن هذا التناص المهم جدير بوقفة 
قصيرة تتوضح من خلالها أهمية خخيط الموروث فى نسيج 
الشعر العربى الحديث. يقول السياب فى قصيدته: 

«لأنى غريب 

لان العراق الحبيب 

بعيد وأنى هنا فى اشتياق 

إليه. إليهاء أنادى عراق 

فيرجع لی من ندائی نحیب 

تفجر عنه الصدى 

أحس بأنى عبرت المدى 

إلى عالم من ردى لا يجيب 

دائ 

وإما هززت الغصون 

فما يتساقط غير الردى 

حجار 

حجار وما من ثمار. 

وحتى العيون 

حجار وحتى الهواء الرطيب 

حجار ينديه بعض الدم 

حجار ندائى» وصخر فمى 

ورجلاى ريح تجوب القفار»'". 

وكما يمكن أن يلاحظ قارئ القصيدة فإنها تبدأ من 
لحظة القطيعة لمادية والنفسية التى تشمل الوطن والحبيبة 
وتتنامى » بعد تفاعلاتها امختلفة فى نفس الشاعر» وتتمدد فى 
كل الاتجاهات لتأنى على عالم الشاعر بمن فيه وما فيه 
وتحوله إلى حجارة هى جسيد لذروة هذه القطيعة. 


ثمة» فى البداية» انقطاع عن الآخر (وطنا وحبيبة) » 
وشعور عميق بالغربة لدى الشاعر عمن حوله وما حوله 
ببب وجود هذه المسافة المادية (كان فى بيسروت 
للاستعهفاء”'"') والنفسية بينه وبين الأخر الذى يجهد 
للتواصل معه. وإذ يكثف المرض غربته» وبالتالى شعوره بالعجز 


اس سس س خبط التراث فى نسيج الشعر العربى 


والضعف والحاجة إلى الآخر» يذوب حنيئا تنحوة) ويتجمع 
هذا الحنين فى بؤرة ة تصدر عنها هذه الصرخة الضارعة: 


«أنادى: عراق» 


ولكن ما حصيلة هذا التمدد باتجاه الآخر وذاك النداء 
الحار له؟ إنها النحيبء رجع الموت. وهكذا يزداد شعور 
السياب بالقطيعة عمقًا واتساعًاء وتلفعه مأساوية جديدة 
تضاف إلى مأساوية الموقف الأساسى (تزامن الغسربة 
ال ع اه مدا ار لابن للسياب :فيه 
- فيما يزعم - فالعراق هو البعيد» وليس الشاعر الذى قصد 
بيروت طلبًا للشفاء. 


إن هذا الشعور بالقطيعة مع الآخر (وطناً وحبيبة)» 
واستحالة التواصل؛ معه بسبب الموت الذى يسقطه الشاعر 
على الآخر؛ يضعان الشاعر فى موقف يشبه إلى حد كبير 
مرقف السيدة مريم عليها السلام التى تدرجت قطيعتها مع 


الآخر وتعمقت واتسعت على نحو ممائل. 


ولنقراً ما ورد من آيات كريمة بشأنها. يقول الله عز 
وجا 3 


«واذكر فى الكتاب مريم إذ اتتبذت من أهلها 
مكانا شرقيا* فاتخذت من دونهم تخاب فأرسلنا 
إليها ررحنا فتمثل لها بشرا سريا* قالت إلى 
أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياء قال إا أنا 
رسول ربك لأهب لك غلاا كان قالت أى 
یکون لی غلام رلم بمسسني بشر ولم أ باه 
قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله اية 
للناس ورحمة مناء وكان أمرا مقضيًا» فحملته 
فانتبذت به 2 فأجاءها الخاض إلي 
8 اميك فناداها من پا إلا خزنى قد جعل 
ربك مختك سربا« وهزي إليك بجذع النخلة 
تساقط عليك رطبًا جنياء فكلى واشربى وقرى 
SA‏ 
عينا* ) : 


وكما يتبين من قراءة الأيات المتقدمة: فإن نقاط 
التشابه فى الموقفين لا تقتصر على الانقطاع عن الآخر- 


ذاك الانقطاع المتكئف تدريجيًا (السيدة مريم عليها السلام 
تنتبذ من أهلها مكانا شرقيّاء وتتخذ من دونهم حجاباء ثم 
تنتبذ بعد حملها بجنينها مكانا قصيّاء والسياب منقطع عن 
الوطن والحبيبة لغربته» ومنقطع عنهما بضعفه وعجزه لمرضه) 
بل تشمل حضور الموت (السيدة مريم عليها السلام تتمناه 
لنفسها؛ وهو شفاء دائها الوحيدء والسياب يضرع إلى عالم 
من ردى لا يجيب حنينه إليه» وهو إلى جانب ذلك مسكون 
فى مرضه بشبح الموت الذى يلوح فى الأفق القريب). وأهم 
من ذلك كله مأساوية الموتف نتيجة تعمق الشعور بالحاجة 
إلى الآخر من ناحية وإدراك أن التراصل معه أمر شبه مستحيل 
من ناحية أخرى بسبب طبيعة الظرف الخاص بكليهما (البعد 
الفاصل بين بيروت وبغداد لدى السياب المريض العاجرء 
والحمل غير المعهود الذى لا سبيل إلى تفسيره للاخرين هو 
عقبة التواصل معهم لدى السيدة مريم عليها السلام) . 


حولي كان اا اة مانا ال مر تسكن أن 
تنتهى بعض وجوهها من جانب؛ وتستمر وجرهها الأخرى 
م. جات ثان. فولادة السيد المسيح عليه السلام قد تن 
بن جاب 7 ج م فد تنهى 
معاناتها الجسدية وتحمل لها بعض العزاء من ناحية» ولكنه ما 
بقى حيًا سيبقى نخسيدا لخطيئتها الكبرى فى عين الاخر 
الذى يأخذها بظاهر أمرها. ووضع كهذا يستدعى الرحمة 
بالطبع من الله عز وجل الرحمن الرحيم . وهكذا ناداها مناد 
م ى مها ألا شرن فد عجن يريك د تك سريًا؛ وهزى 
إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا طبًا جنياء فكلى واشربى 
وقرى عينًاه . لقد كان هز جذع النخلة بداية النهاية فى معاناة 
السيدة مریم ؛ ومنعطف التحول ف مصيرها ¢ کان الإذن 
بمعجزات عدة حملت فى طياتها خيراً عميما للسيدة مريم 
ولوليدهاء عليهما السلام» ولقومه, وللانسانية. 


ولحظة حضور الموت العائد من التمدد حنيثًا نحو 
الآخر» متزامنة مع لحظة اموت الوشيك الوقوع نتيجة الرضع 
الفيزيولوجى والنفسى للشاعر» جعلت السياب يفكر لاشعورياً 
بحركة مشابهة تأذن بسلسلة من المعجزات تبدل مصيره» 
ومصيرٍ م عت و ي . ولأن يأسه أعمق» 


ر ت 
وليس ثمة من عزاء مرتقب) نراه يفزع إلى غصون هزها 
سيكون أسهل على الضعيفء وثمرها أقرب متناولاً لليائس 


من يأس السيدة مريم (فهو لا يتوقع وليداء 


عبد النبى اصطيف ا ا ا ا ب ج و و 


الغرق فى يأ . وهكذا جاءه النداء من داخله» وامتدت يده 

لهز الغصون طمعًا فى الرطب الجنى - أى ثمر جنى 1 
ای اا اک ب سك لبه 
من جدید» ریشما تتوالی المعجزات التى تنتشله؛ وتنتشل 
حبيبته» وتنتشل وطنه. 

ولكن ماذا كانت الحصيلة؟ 

إنها لم تكن غير الردى» وليس هناك سوى الحجارة؛ 
الشمار حجارة» والعيون حجارة؛ والهواء الرطيب حجارة» 
ونداؤه حجارة» وفمه حجارة. إن ن هز الغصون لم یکن كما 
كان الشاعر يرجو؛ بداية نهاية معاناة الشاعرء بل بداية تنامى 
القطيعة التى فى نفسه؛ زحفها فى جميع | الابجاهات» 
واحتوائها لعالمه الذى يعصف به الموت من أطرافه كلهاء 
ويأنى عليه فى النهاية. وحتى الدم الذى يندى الحجارة» 
والذى يمكن أن يكون آية وجود حياة ماء يصبح أية إراقتها. 
إن تنا القطيعة بنخذ لبوس مخجر الكون التدريجى الذى ل١‏ 
يملك الشاعر إلا أن يفر منه. . ولكن أين المفر؟ 

وهكذاء يجد القارئ لهذه التصيدة نفسه فى مراجهة 
نصين يؤكد كل . منهما الآخر وبنفيه فى أن . فعلى الرغم من 
أن نص القصيدة يؤكد حضور النص ى القرانى فيه؛ فإنه فى 
النهاية ينفيه. . وكذا الشأن فى النص ى القرانى الذى يؤكد 
حضور نص القصيدة بوضعه خخلفية تتحرك مقابلها أمامية 
اللي السيابى من جهة؛ وينفيه من جهة أخرى لأنه يقيم معه 
فی النهاية علاقة تناقض حادء لا سبيل إلى حلها. 

لقد استطاع السياب أن يوظف النص القرآنى الذى 
يشكل جزءا أساسيًا من الخرون الشقافى الجمعى الجمعى للقارئ 
0 فى الجاه 

لف تمامًا لتوقعات القارئ؛ أى أنه استطاع أن ينطلق 

رد قارئه على نحو مثير. فهو من ناحية 
حطم رتابة الصورة المألوفة؛ وشخنهاء من ناحية أخرى» ومن 
خلال علاقات التناص الجديدة ا أقامها فى قصيلته؛ 
بطاقة تعبيرية ت هائلة - لقّد أطلقت هذه العلاقات النص الجديد 
فى تجاه معاكس تمامًا لمساراته الممكنة فى افاق توقعات 
القارئ. 

وبعبارة أخرى؛ لقد راكم السياب باستحضاره للنص 
الرآنى» جملة من الدوقعات؛ ثم ما لبث أن انعطف بها 


1١5 


انعطانًا حادا هيأ له بالموقف الذى خلقه بإحكام الصانع 
جد لتوقعات القارئ المسكون بالنص القرانى» جد حتمى؛ 
فرضه منطق القصيدة. 

رض التتجاب ليش الل الي 
الوحيد الذى نستطيع أن نميز فيه خخيط الموروث. فنحن 
نلحظه كذلك فى نصوص أخرى شعرية ونثرية؛ نلحظه لدى 
راء» ونلحظه 


الأدبى الحديث 


يش وغيرهما من الى 


أدونيس » ومحمود درويش 0 
كذلك لدی روائییر ومؤلفين مسرحییںن وف ن ومقاليين 


ا م ما 


وكتاب سيرة وسيرة ة ذاتية. وحسب ا مرء أن یش وی بعض 
الأمثلة على نحو برقى حتى يو کد أهمية هذا الخيط نى 
نسيج النص الادبى العربى الحديث. 

فهذا أدونيس ن :فى واحدة من 0 قصائده يسيم 
نی فيكتب فی الأغنية 
الثانية الموسومة ب «أغنية إلى هنا 0 من قصيدته المطولة 
«أغنيات إلى السيد الجنوب» " : 


علاقات تناص معينة مع النص 


أحمد» مريم» كريم 

قرأوا ما يقول المكان وما يكتب المستحيل 

وأتوا للنخيل يهزون جذع النخيل: 

رطب يابس» 

والمكان 

فى الجنوب شمالء فى الشمال جنوب 

والمكان كما خيلوا - 

خيلوا أنه الساق والجذع, واستشرفوا رياحًا 

من جديد تلقح هذا الا : 

ويكتب فى الأغنية الثانية عشرة المعنونة ب «أغنية إلى 

اللغات» من القصيدة نفسها: 

,كل تلك اللغات ‏ الشظاياء خمائر 

للمدن المقبلة 

غيروا بنية الاسم والفعل والحرفء قولوا 

لم يعد بيننا حجاب 

لم تقد بيننا سدود 

واشرحوا صدركم 

بالفواتح من سور الرغبات 

وجناتها المقفلة" . 


اا سسمسصضُم6ميم*شمششسسس ‏ حت يط التراث فى نسيع الشعر العربى 


استعارة موسعة أو 4116805 فى قصيدته «أنا يوسف يا أبى؟: 


أنا يوسف يا أبى. يا أبى إخوتى لا يحبونني, 
لا يريدوننى بينهم يا أبى. يعتدون على 
ويرموننى بالحصى والكلام. يريدوننى أن 
أموت لكى يمدحونى. وهم أوصدوا باب بيتك 
دونى. وهم طردونى من الحقل. هم سمموا 
عنبى يا أبى وهم حطموا لعبى يا أبى. حين مر 
النسيم ولاعب شعرى غاروا وثاروا على 
وثاروا عليك. فماذا صنعت لهم يا أبى؟ 
وسح ل كل رحا دن 
السنابل. والطير حلق فوق يدى فماذا فعلت أنا 
يا أبى ولماذا أنا؟ أأنت سميتنى يوسفًا. وهمو 
أوقعونى فى الجبء. واتهموا الذئب: والذئب 
أرحم من إخوتى.. أبت! هل جنيت على أحد 
عندما قلت إنى: رأيت أحد عشر كوكيًا 
والشمس والقمر, رأيتهم لى ساجدين."" . 
ويسدء وأن قصة يوسف تحمل سح خاصًا للأديب 
العربى الحديث» فركريا تامركاتب القصة القصيرة المميز 
يقدم لنا > قبل درویش بزمن طويل ؛ تنويعته الخاصة به من 
قصة يوسف فى قصته القصيرة المعروفة «يوسف.. يوسف 
الصغير الجميل الهالك»'“؛ حيث يقود الصبيّان محمود 
وسليم جارهما عدنان إلى حتفه بإغرائه على السباحة فى مياه 
ال الرغم 7 ن عدم معرفته السباحة بدافع النقمة على 
رق الطبيعى بين اسرتيهما من جهة | جهة 
أخرى: 
«قال سليم محمد: «اتركه. إنى أقول لك إنه بنت 
فلا تصدف» 
وخلع عدنان ثيابه» ودنا من النهر متوجسًاء 
فصفق محمد وسليم» رصاح محمد: «هيا يا 
بطل .. أرنا شجاعتك). 
فقال سليم لمحمد: «أتراهن أنه لن يجرؤ على 
غمس أصابع قدميه فى الماء؟؛ 


وفنجأة قذف عدنان بجسده إلى النهرء وراح 


يضرب الماء بيديه ورجليه بحركات جنونية) ثم 

صاح بذعر: (إنى أغرق». 

مكائهما بينما كان عدنان يغوص تارة ويطفر 

تارة أحرى» ولا يكف عن الصياح مستنجدا» 

وحمله ماء النهر بعيدا وهو يقاوم ويولول. 

وساد الصمت شيعا فشيكاء وعندئذ ارتدی محمد 

سات ثيابهما دون أن يتبادلا كلمة أو نظرة. ثم 

انحنى سليم ) وحمل ثياب عدناك» وقذف بها 

إلى ماء النهرء ثم انطلق الاثنان يمشياك بوجهين 

واجمين وخطى ثابتة مبتعدين عن النهن"" . 

وكذا الشأن ف قصة سليمان عليه السلام والهدهد 
التى يتخذها وليد إخلاصى إطار) لعمله السردى الأخير 
(حكايات الهدهد)' الذى يقدم فيه ليان المدرس 
الغريب الاطوا ر» الوحيد فى حى تلفه مسحة غموض أسر» 
يقتحم عليه عزلته طا طا تر الهدهد» شهرزاد جديدة ما ل من 
خلال حكاياتها الجديدة حكمة تمليها موضوعات الساعة 
التى تؤرف ق القارئ وسليمان ومجتمع الحى الذى يقيم به. 
وإذا كانت علاقات التناص فى النصرص الشعرية 

والنشرية الآنفة الذكر علاقات أحادية أو مزدوجة؛ فإن رواية 
إميل حبيبى المعنونة ب (الوقائم الغريية فى اختفاء سعيد أبى 
النحس اممائ تقدم للقارئ علاقات تناص متعددة من 
جهة: ومتنوعة من جهة أخرى » وممتدة زمانيا قرونًا عدة من 
جهة ثالثة. فأما تعددها فأمر تسهل ملاحظته» إذ لا يكاد 
يخلر فصل من لص ى ترائى أو أكثر محدد المصدرء بل حتى 
مشأ E‏ المعنية مع بعض الشرح أحياناء 
نما يشير إلى أن عملية التناص فن هذه إلا ا ملة على الأقل 
عملية مقصددة وواعية وهادفة, هذا إذا اسشعفتينا علاقات 
التناص غير المحددة صراحة» أو المشار إليها فى هامش النص. 
(امرأ القيس» السليك بن السلكة» أبا نواس المتنبى »محيى 
(الجاحظ› الف ليلة وليلة)» واقوال الصحابة والخلفاء ( على 
ابن ا بي طالب كوم النه راء ا جي التاريخى (قطز 
وبيسرس) واا عن امتدادها زمنيًا فأمر يتتضح من الأمثلة 


الانفة الذکر . ولا شر شك أن صور التناص هذه جديرة بدراسة 


عبد النبى اصطيف 
س م ا 9 و 


SE E‏ خلالها مدى إسهام 

نص ال لتراث فى تشكيل نصوص الأدب العربى الحديث 
وصياغة دلالاتها. 

ترى هل ثمة من حاجة إلى أمثلة أخرى من النص 
المسرحى العربى الحديث وآثار الحكيو'”" عملاق المسرح 
العربى من جهة» وسعد الله و 4 الباحث عن شكل 
جديد له يكون فى أن معا عربيا عاف امن هة ات کر 
من أن نستغرق بإشارة برقية كهذه؟ 

وهل هناك ضرورة للإشارة إلى شو شواهد من ن النص 
|| لسيرى بشقيه السيرى والسيرى الذاتى» أو النص المقالى» 
وسير على الجارم وعادل الغضبان وعيسى بلاطة وسواهم 
ا وأحمد E‏ ونعيمة 00 
الوطن لم ا 9 نمافج لا لا لخصی؟ 

وعلى أى حال لندع داخليًا بالانتماء» خارجيا بالثقافة 
والتدريب والتخصص الأكاديمى» هو إدوارد سعيد؛ يختم هذا 
الحديث عن خيط الموروث وأهميته فى سيرة طه حسين 
الذاتية :التي طالما خلبت ألساب القراء ال لعرب والأجانب» 

يديز إدزارة يبعيد أ قسمة لافتة للنفر 17 


0 نحو من الأنحاء بالقران ا بوصفه كتاب 500 وإنما 


بوصفه حضوراً أو حقيقة من حقائق الحياة اليومية» فيكتب: 


القران عن ظهر قلب» وأبوه سعيد عندما يتلوه 


الهوامش ؛ 


1( ص أجل الاطلاع على تفصيللات حول استلهام النقد الأدبى لعلم النفس 
انظر : عبد النبى اصطيف» «المنهج النفسى فى الدراسة الأدبية؛» المعرفة 
(دمشق)» السنة الحادية والثلائون» المدد ١٠٠؛‏ تشرين الثانى (نوفمبر) 


5 ص ص ٦۱(‏ - 


14۲ 


جيد) وغاضب عندما لا يفعل ذلك؛ وأصدقاه 
جميعًا هم زملاء متعلمون» وهكذا. إن أسلوب 
سرد الكتاب لا يشبه العربية القرآنية» ولذا فليس 
ثمة قضية محاكاة» وبالتالى قضية إضافة كما 
فى التراث المسيحى. 

إن انطباع المرء بالأحرى هو أن الحياة تتو 
بالقران» وتشكل به؛ إن إشا رة» أو حادثة» أو 
شعورا فى حياة الصبى يرد حتما (وبطريقة شائفة 
دائمًا) إلى صلة بالقرآن. وبكلمات أخرى ليس 
ثمة من فعل يستطيع أن يغادر القران؛ بل إن 
کل فعل يؤكد الحضور التام لتوه للقران» 
وبالتالى للوجود الإنساني»*". 


وهكذاء يقبين بكل وضوح أن خيط التراث العربى 
خبط بارز ومهم فى نسيج النص لنص الأدبى العربى الحديث» أنه 
مكون أصيل من مكرناته» وأن السبيل الأمثل لدراسة طبيعة 
هذا المكون وصلته بالكل الذى يشكله هذا النص ربما كان 
التحليل التناصى الذى يدرس تفاعل النصوص السابقة فى 
النص الجديد بوصفها ممارسات دلالية متماسكة تتجاور 
وتتصارع فيه لتكون فى نهاية المطاف ممارسة دالة جديدة 
تنطوى على معان ودلالا.: ی ما كان لها أن تنطوى عليها لرلا 
تلك النصوص السابقة. ذلك أننا نعيش فيما يبدو فى عالم 
النصوص التى يخيل للمرء أحيانًا أنها بتحولاتها الدائبة تصنم 
عالم الإنسان الذى تتخذه لساتا بفصح عما تریده؛ فی حين 
إنه بخيل إليه فى الوقت نفسه أنه يتخذها لسان صدق يعبر 


عما بداخله نفس وعقلاً. ولكن من/ ماذا كان فى البدء؟ 


(۲) من أجل الاطلاع على نفصيلات تنصل باستلهام النقد الأدبى للغويات 
الحديثة انطر: عبد النبى اصطيفء :بين اللغويات والنقد الأدبى: ١‏ فى 
البحث عن قاعدة»» الفكر العربى (بيروت)» السنة العاشرة؛ العدد الخامس 


والخمسون؛ كانون النانى - شباطء 1۹۸۹ ص ص ۸2 - ٠)١١‏ 


لامي خيط التراث فى نسيع الشعر العربى 


وبين اللغنويات والنقد الأدبى: ؟ - سبل استلهامة؛ الفكر العربى 
(بسروت) ؛ المنة الحادية عشرة» العدد الواحد والستوك؛ نموز - أيلول» 
۰ ص ص (584-57). 

(۳) انظر: حول مفهوم النص : عبد النبى اصطيفء ٠مكونات‏ النص الأدبى 
العربى الحديث: فى مفهوم النص)»› الناقد (لندن) » العدد الرابع والعشروذ» 
حزیران (یونیو) 2145 ص ص 5١١‏ 387). 

Roland Barthes, The Rustle of Language, 117385- انظر:‎ )4( 
lated by Richard Howard (Blackwell, 001986 

pp. 52-3. 

Julia Kristeva, La Révolution du Langage poé- : ڪil )د(‎ 

tique (Seuil, Paris, 1974), pp. 388, 9 cited by Jonathan 
Culler. 

The Pursuit of Signs: Semiotics, Literature, De- 
construction (Routledge & Kegan Paul, London.1981). Pp. 
105. 

Julia Kisteva. Semiotiké (Paris, Seuil, 1969), انظر:.م‎ )5( 
257, cited by Jounathan Culler, ibid, p. 107. 

(۷) انظر: جونائان كولرء المرجع السابق» ص )١۳۴(‏ . 

(۸) نشسه» ص (۱۰۳). 

Julia Kristeva, The Kristeva Reader, Edited by Toril (3) 

Moi (Basil Blackwell, Oxford, 1986), p. 37. 

The World, the Text lis بالممنى الذى حدده إدوارد سعيد فى‎ )٠١( 
and the Critic (Harvard University Press, Cambridge 

Ma. , 1983). 

أصطيف» «الشعر العربى الحديث رالتراث: القرآن الكريم 
- دراسة فى التداص»» الشراث العربى (دمشق»» العددان (5؟ ب »)۲١‏ 
نشرين الأول/ أكتوبر 15485 كانون الثانى/ ینابر ۱۹۸۷ء ص (۹۸). 

)١1١‏ انظر :إبراهيم السعافين» مدرسة الإحياء رالتراث: : دراسة فى أثر الشعر 


)١١(‏ انظر: عيد النبى 


العربى القديم على مدرسة الإحياء فى مصرء (دار الأندلس» بيسروت» 
دعت 
)١19(‏ انظر : نص القصيدة فى: ميشال حجاء خليل مطران: باكورة التجديد 
فى الشعر العربی الحدیٹ (دار المسيرة؛ بیروت» ۱۹۸۱) ص ص (۲۷1 - 
(YA‏ 
)14( انظر: محمد مصطفى بدوى» «الشعر العربى الحديث بين التقاليد 
والدورة ؛ عالم الفكر (الکویت)؛ انجلد ۹٠ء‏ العدد ٠۳‏ أكتوبر - ديسمبر؛ 
4۸ ص (95). 
)١5(‏ انظر: ديوان بدر شاكر السياب» مجلدان» (دار العودة؛ بيروت»: 2151/1 . 
)017( انظرء المصدر السابقء المجلد الثاني ص ص (8١7-١١١)؛‏ ومطلع 
القصيدة؛ 
شهيد العلا لن بسمع اللوم نادب ولبس يرى باكيه من فد يعاتبه. 
)١10(‏ انظر: نص القصيدة فى المصدر السابق, المجلد الأول .ص ص (157- 
2©؛, ومطلعها: 
با حاصد النار من أشلاء قتلانا منك الضحايا: وإن كانوا ضحايانا 
وهى تمزج شعر الشطرين بشعر التفعيلة؛ والقسم الثالث منها ينهج 
الشطرين ومطلعه: 


هاوبك أعلى من الطاغون فانتصبى 2 ما ذل غير الصفا ‏ للنار- رالخشب 

(1) انظر: نص القصيدة فى المصدر السابق' اجلد الثانی؛ ص ص ٠۹۹(‏ - 

۲/), ومطلعها: 
ييعث الهم لى شحوب المساء 20 ويثبر الدفين من رجائى 

.)٠٥١١( انظر: المصدر السابق» المجلد الأرل» ص‎ )١4( 

.555 المصدر نفسهء النجلد الأول ص‎ ٠ 

.)١95 2 1١98( المصدر نفسهء امجلد الأول ص ص‎ )1١( 

(0؟) للاطلاع على ظروف كتابة هذه القصيدة انظر: إحسان عباس» بدر 
شاكر السياب: دراسة فى حياته وشمرهء ط ١‏ (دار الثقافة؛ بيروت» 
84 )لوط "ء بيروتء 191/7, ص ص (7460 -191)؛ عسييسى 
بلاطة» بدر شاكر السياب: حياته وشعره؛ ط ١‏ (دار النهار» بسروت» 
))١410‏ ط ”7؛ بيررت» 4١‏ , ص ص (151--155)!؛ عبد الكريم 
حسن ؛ ا موضوعية البنيوية: دراسة فى شعر السياب» (المؤسسة الجامعية 
للدراسات والنشر والتوزيع » بيروت؛ 487ة١)‏ ص ص (584 -5085), 

(39) الفرآن الكريم؛ سورة مريم؛ الايات (15 25524 , 

)١4(‏ انظر: أدونيس ؛ كتاب الحصار: (دار الآداب» بيروت؛ 221448 ص ص 
EVAYA YON‏ 

(15) انظر: أدونيسء المصدر السابق» ص (157). 

() نفسه» ص (۱۷۰). 

(۷) انظر: محمود درويش» ورد اق ل (دار توبقال للنشرء الدار البيضاء؛ 
7 ص (۷۷). 

(۲) انظر : زكرا تامر؛ الدمور فى اليوم 
تموز ۱۹۸۱): ص ص (۲۰ ۔ ۲۸). 


العاشرء ط 7 (دار الآداب؛ بيروت؛ 


4 انظر: زكريا تامرء المصدر نفسهء ص (15/8. 
(0) انظر: وليد إخلاصى» حكابات الهدهد؛ (مؤسسة فكر للأبحاث والنشر 
بیروت» .)۱۹۸٤‏ 
١‏ ) انظر: إميل حبيبى» سداسية الأيام الستة» الوقائع الغربية فى اختفاء سعيد 
أبى النحس المنشائل وقصصر أخرى؛ ط ” (منظمة التحرير الفلسطينية) 
دائرة الإعلام والثقافة» دمشق, )۱۹۸٤‏ ص ص ٩۵(‏ - ۱۹۸). 
(؟7) انظر: إميل حبيبى؛ المصد, السابق؛ الصفحات (50, 85 85488) 
و ل ل 
(V4 l0‏ 
(۳۳) انظر : بسكل خاص مسرحية أهل الكهف. 
(۳) انظر : سعد الله ونوس» ببانات لمسرح عربى جديد» (دار الفكر الجديد؛ 
بیروٹت» ۱۹۸۸)؛ ص ص (۱۱۸ ۔ .)۱۲١‏ 
)۳١(‏ انظر: Edward W. Said, Beginnings: Intention and‏ 
Method (The Johns Hopkins University Press, Bal-‏ 
timore & London, 1978),p. 28.‏ 
وانظر أيضًا :كتاب محمد شاهين Mohammad Shaheen, The‏ 
Modern Arabic short story: Shahrazad Returns.‏ 
(Macmillan, London, 1989).‏ 
الذى يبين فيه مؤلفه؛ من خلال دراسة متأنية مجمرعة متميزة من 
القصص القصيرة العربية الحديثة ؛ كيف أن متخللات 5200118 
مثل السندباد وشهرزاد وأبى زيد والشاطر حسن تشكل أساس بنية القصص 
المدروسة الأمر الذئ ينفى عنها زعم البعض فى أنها مجرد محاكاة للآثار 
الأدبية الأورونية. 


YAT 


|االاامااا امام !عنامال الالالال ممماللمممم ا للالاللالاللللاطما اا االالالللاالملمممممم لاا ال اللا 


الكتاية الشعرية والتراث: 
مكانية القصيدتين القديمة والحديثة 





ريما عوض”" 


ااا 


ليس غريبا أن يعاد طرح مسألة الكتتابة والتراث التى 
يتصل النقاش حولها بين الكتاب العرب منذ ما يزيد عن 
نصف قرنء طالما أننا لم نصل فيها بعد إلى تغليب قناعة 
معينة. ولعل من أسباب ذلك تقنصير البعض عن إدراك ما 
تنطوى عليه هذه القضية من أبعاد فلسفية وحضارية عميعة 
ومتعددة الوجوهء واختلاط المفاهيم والمبادئ التى ينطوى 
عليها هذا الموضوع الكبير عند البعض الآخر. فظلت المسألة» 
بوجه عام؛ تراوح فى مكانهاء مخلفة أحيانا مزيدا من 
الغموض والالتباس. وليس القصد هو الإيحاء بوجود قول 
فصل فى هذه المسألة» فالأمور الفكرية ليست حقائق مطلقة 
ولا معادلات رياضية» لكنها- بالرغم من ذلك تسير فى 
الخاهات محددة منسحمة مع روح العصر الذى تظهر فيه. 
وقد كان للعصر الحديث ولفلسفة الحداثة موقفها المنسجم 
فى مسألة المعاصرة والتراث. 





* باحكة لبنانية . 





4٤ 


إن العلاقة بين الكتابة والقراث مسألة يطرحها كل 
عمل فنى يتم إبداعه. لكن هذه المسألة تبرز أكثر ما تبرز فى 
الفكرات الثى ايند انطلاق اعُنَامات أو سذاهب ية بغار 
مغايرة لما هو سائد. ولا تشكا هذه العلاقة قضية فى عصور 
يسودها الشعور بالانسجام والاستمرارية؛ لأن المبدعين فيها لا 
يواجهون صعوبة فى خديد تلك العلاقة. وقد برزت هذه 
المسألة فى ترائنا العربى وعرفت فى مطلع العمصر العباسى 
باسم الصراع بين القدماء والمحدثين؛ وأفرد جانب كبير من 
التراث اللقدى العربى لما سمى بالسرقات الشعرية» وبحث 
النقاد قضية المعانى المتكررة فى الشعر ومسألة السبق إليها. 

وفى الغرب؛ طرحت مسألة المعاصرة والتراث مع 
بدايات عصر التنوير فى أوروباء وكانت الاستجابة هى العودة 
إلى استلهام الموروث ومحاكاة الأعمال الفنية والأدبية الكبرى 
فى الغراث الإغريقى. لكن هذه المسألة لم تتخذ أبعادها 
الحقيقية إلا بانطلاق الحركة الرومنتيكية فى أوروبا فى أواخر 
القرن الثامن عشر. 


تميزت الرومنتيكية بشكل أخص بتأكيد أهمية العنصر 
آل ف الدب بشت ها افلم لد بج ارو 
سابقنًا على المجتمع من حيث الأهمية. وكانت النتيجة 
الحتمية لهذه النظرة هى الإيمان بأن الإبداع انقطاع عن 
التراث يحفق ذاتية الأديب أو الفنان ويكسبه شخصيته. ولعل 
الحركة الرومنتيكية فى أوروبا ولخليانها الأمريكية المتأحرة التى 
عرفت فى الولايات المتحدة فى الْعمّدين الثانى والشالث مم 
هذا القرن باسم المدرسة التجريبية» انفردت فى تاريخ الادب 
الغربى باتخاد موقف يدعو إلى الانفصال عن التسراث 
ومناهضته. لذلك» فان کاتب موضوع «الترا اث؛ فى موسوعة 
1 


الشعر ون ال شعر استهل 0 بموله إن ن دراسة شاملة 


لشعر تشتمل على تاريخ 
اشخر 0 لندرة الاتجامات المناهضة للتراث فی تاريخ 
الادب. ولذلك» لبن دقيقا الفول يان تاريخ الادب خرل 


لشورة على التراث » لان نسبة هذه 


مرضوع الم لتراٹ فى علاقته مع الك 


دائرى مسثمر بين ال لثرائية و 


5 000 
الثورة كانت ضئيلة 


لكن التحرل إلى التراثية فى الغرب عاد بانطلاق حركة 
الشعر الحديث التى قامت لمواجهة الحركة الرومنتئيكية 
ا ا فى النقد الإنتجليزى والأمريكى الحديث 
كلاسيكية القرن العشرين. 
الرومنتيكية بشكل .منهمجى؛ وثبت بالمقابل نظرة جديدة فى 
الأدب والشعرء هو الشاعر والناقد الإتجليزى تى.أى. هيوم؛ 
عام ۱۹۱۳ بعنوان «الرومانتيكية 


ولعا ل أول من ار فی وجه 


فى مقالته المهمة الم 
والكلاسيكية:”") وا 
لك 
نفسه وإزرا باوند وتى. إس. إليوت من أكبر دعاتها وشعرائها 
فى الحياة الأدبية الغربية فى القرن العشرين. 

ت مقالة هيوم بأنها أول دراسة فى الأدب تلفت 


ى عدت بحق ۽ بداية مرحلة أدبية جديدة 


كان شيوم 
كي . 


8 تر ركلا مم من أل من e‏ افنى 
00 50 0 من ل اه هذا م 
هيوم إلى تشبيت مذهب نقدى على غير الآسس التى قام 


الكتابة الشعرية والتراث 


عليه النقد الأدبى المربط بال ركة الروستيكةء الاعتقاده بان 
المرحلة الرومنتيكية فى الشعر الغربى قد انتهت لكن مبادئها 


ظلت مستمرة فی النقد الأدبى. یری هيوم أن الالجاهين 


الرومنتيكى والكلاسيكى يقومان على مبادئ حضارية 
متناقضة. فأساس الرومانتيكية هو الإيمان بلامحدودية 
إمكانات الإنسان الفرد الذى لو أعيد تنظيم المجتمع بالقضاء 
على النظام الي فيه جيك ميق التقدم. اا 
الكلاسيكية؛ فأساسها الاعتقاد بأن الإنسان ذو طبيعة محدودة 
وثابتة؛ ولا يمكن تطويره إلا بالتراث والتنظيه 9" . 

استطاع هيوم أن يثبت مبادئ جديدة أفاد منها إزرا 
س. إليوت فى تأكيده ارتباط الإبداع 
الحديث بالتراث .وأهم هذه المبادئ نفى بدأ الذانية فى الشعر 
والتعجيئر عن العراطف الفردية. ودعا إلى استخدام الصورة 
الحسية والاستعارة غير المألوفة التى مجعل القارئ يرى 
باستمرار أشياء حسية تمنع مر ن الوقوع فى الجر 0 . بهذا 
رسم هيوم معالم الق الحديثة التى 3 استنتاج 
مبادئها الاساسية من دراسته» وإن لم يستخدم بنفسه 
المصطلحات النقدية التى أصبحت مألوفة فيما بعدء والمبادئ 
هى التالية: 

أولا- استقلالية القصيدة عن مبدعها لأنها ليست 
UD E‏ 
مظاهر الطبيعة العضوية بما فى ذلك الإنسان الفرد وتأكيد 
اللاشخصية والموضوعية أسلوبا فى الأدب» وهذا ما يفسر 
عودة الأدب الحديث إلى الأسلوب الملحمى فى أعمال أدبية 
جيمس جويس فى روايته (يوليسيز) 
الذى استلهم فيها البناء الف الهومرى“ »> وعدت ألحد 
الكتب الأساسية فى الحركة الأدبية الحديثة. من هنا أيضا 
تكتسب كلمة وجل أو «إبداع؛ أحد معانيها فى النقد 
الحديث؟ إذ يصبح الاديب مثل الله الخالق مستقلا عما 
يبداع؛ وجوده غير مرثى . ش 

ثانيا: ارتباط القصيدة بالتراث الشعرى نتيجة لانقطاعها 
عن مبدعهاء؛ بل ولادتها من التراث؛ ولذلك سمى هيوم 


4 
2 


(لاذاعهم][) وتى .| 


أشافنة: خصوصا مع - 


ريثا عوض 


الحركة الشعرية الجديدة كلاسيكية؛ ومنه أفاد إليوت فى 
تطوير هذه المبادئ بشكل أحص فى مقالته «التراث والموهبة 
الفردية؛ التى كتبها عام ٠۹۱۹‏ . 

ثالغا ‏ مكانية النص الشعرى الناجة عن خخوله إلى 
صورة شعرية مجعل القراءة عملية مشاهدة فى المكان؛ وتلغى 
البعد الزمانى بما هو تسلسل وتتابع. وقد طوّر باوند هذا المبدأء 
خصوصا فى تعريفه الشهير للصورة الشعرية بما هى «تلك 
التى تمثل مركبا فكريا وعاطفيا فى لحظة من الزمن؛"› 
مؤكدا الخاصية المكانية ونافيا التتابع الزمنى بتحويل الزمن 
نفسه إلى مكان. 

رابعًا ‏ حذف البعد الثالث» وهو مبدأ مستفاد من 
الفنون التشكيلية ومرتبط بمكانية النص من ناحية وبابتعاده 
عن نقل مظاهر الطبيعة العضوية من ناحية ثانية؛ ونا عن 
مويل القصيدة بأكملها إلى صورة شعرية واحدة تحخضر 
أجزاؤها بشكل متزامن فى لحظة من الزمن. وإن كان البعد 
الشالث فى الفن التشكيلى هو المنظور الذى يكسب العمل 
الفنى عمقا طبيعياء فإن البعد الزمنى فى الأدب هو الذى 
يكسب العمل الأدبى صفة الاقتراب من محاكاة الوجود 
الطبيعى. وحذف هذا البعد يعد العمل الأدبى عن مطابقة 
المظاهر الطبيعية للوجود العضوى ويربطه بالنصوص الأخرى 
التى تشكل معا نظاما مستقلا هو التراث الأدبى. 

خامسا ‏ العودة إلى البدائية المرتبطة بحذف البعد 
الشالث» وهى نتيجة لموقف الإنسان الحديث من الوجود 
المشابه لموقف الإنسان البدائى» وكلاهما موقف غير منسجم 
مع الواقع يسعى بالفن إلى تخطيه فيبدع أعمالا لا تنقل 
ذلك الواقع فتلغى البعد الذى يكسب العمل الفنى صورته 
المطابقة للواقع ؛ وهو المنظور فى الرسم » والزمن فى الكتابة. 

أفاد هيوم فى دراساته المهمة فى الشعر بصورة خاصة 
من علماء الفن التشكيلى ونقاده من الالمان الذين اهتمواء 
منذ أواخر القرن التاسع عشرء بدراسة العلاقة بين الشكل فى 
الفن والجو الحضارى الذى ينشأ فيه. وتابعوا بالتفصيل مسألة 
الاتتقال من شكل فنى إلى أخخمرء معللين ذلك بالموتف 
الوجودى والحضارى للإنسان كما أشار الناقد الأمريكى 
جوزيف فرانك فى مقالته الممتعة التى نشرها عام ١51465‏ 


155 





بعنوان «الشكل المكانى فى الأدب الحديث»". رى فرانك 
أن هيوم تأثر بشكل أساسى بالميلسوف والناقد التشكيلى 
الألمانى ولهيلم فورنجرء خحصوصا فى كتابه (التجريد 
والتقمص الوجدانى)** الذی نشره عام ۱۹۰۸ء وكان لهذا 
الكتاب التأثير الأكبر على النقد الأدبى الإتجليزى الحديث 
بأسره من خلال هيوم؛ وإلیوت الذی فاد من هيوم . 


بهدف فور جر فى كتابه إلى شرح أسباب الانتقال 
والمذهب اللاطبيعى ف الفن. ففى المترات التى يسود فيها 
المذهب الطبيعى ؛ مثل العصر الكلاسيكى للنحت والهندسة 
الإغريقية وعصر النهضة الإيطالية وفن أوروبا الغربية حتى 
نهاية القرن التاسع عشرء يتجه المنان إلى تمثيل العالم 
الموضوعى ثلاثى الابعاد للتجربة العادية, ويسعى بدقة إلى 
إعادة إنتاج نماذج الطبيعة العضوبة بما فى ذلك الإنسان» 
ومن ناحية أخرى؛ ففى الفترات التى يسود فيها المذهب 
اللاطبيعى مثل فن الشعوب البدائية»؛ والنحت النصبى 
الفرعونى والفن الشرقى والفن البيزنطى والنحت القوطى وفن 
القرن العشرين » يتخلى الفنان ع العالم ثلاثى الأبعاد ويعود 
إلى المستوى ويختزل الطبيعة العضرية؛ بما فيها الإنسان» إلى 
خطوط هندسية فيحول العالم إلى خطوط خالصة وأشكال 
وألوان. ويقول فورجر إنه بالرغم من وجود فروقات شاسعة بين 
الأعمال الفنية فى العصور امختلفة التى جمعت دون تمييز 
فی كلقا هاتين الفعتين» فإن التشابه الأساسى بين الأعمال 
فى الفكة الواحدة والاختلاف الأساسى بينهماء بوصفهما 
مجموعة» والأعمال فى الفعة الثانية يبرزان بشكل مفي أ" . 


لمل من أهم ما وصل إليه فور جر وثبته فى النقد 
الحديث هو قوله إن واحدة من هاتين الفكتين ليست معيارا 
يتوجب على الفئة الأخرى اتباعه. وقد شكل هذا القول ردا 
على الفكر الغربى منذ مطلع النهضة» وحتى نهاية القرن 
التاسع عشر الذى عد المذهب اللاطبيعى انحرافا بربریا نا جا 
عن انعدام المقدرة الفنية. وبهذا نقل ثور جر مركز الثقل فى 
دراسة الشكل الفنى من السببية الالية الخالصة إلى سبب قائم 
على التوظيف المتعمد لا أسماه إرادة الفن أو إرادة 
التشكيل”"“2. من هذا المنطلق تصبح المذاهب الفنية حلقات 


اا سسسسلشس الكتابة الشعربة والتراث 


متواصلة ومتنامية تعبر عن الجاهات حضارية ذات أبعاد 
فلسفية؛ وليست أهواء فردية وشطحات ذاتية. وتكون عودة 
الفنان الحديث طبيعية إلى التراث الفنى الذى يعبر عن روح 
مشابهة للروح السائدة فى هذا العصرء أو أن الأشكال الفنية 
تلتقى عبر الزمن بالتقاء الأجواء الحضارية والمواقف الوجودية 
فتلغى بلقائها هذا البعد الزنى وتغدو نفسها متزامنة فى 
الكان. 


استطاع هيوم بحسه وبحدسه أن يرى أن الأدب لابد 
سر فن الانجاه نفسه الذى انطلقت فيه الفنون التشكيلية 
الحدية . وكانت الرومتتيكية الأوروبية فى مرحلة انحطاطهاء 
وكانت الحركة فى الولايات المتحدة تستعيد التجارب الأوروبية 
السالفة فيما سمى بالمدرسة التجريبية. فرسم هيوم فى مقالته 
«الكلاسيكية والرومنتيكية» الخطرط العريضة للانجاه الشعرى 
الجديد» مفيدا من مجربة الفن التشكيلى ومن آراء الكتاب 
الألمان فى فلسفة الحضارة وارتباط المذاهب الفنية بالتحولات 
الحضارية. وقد واصل تى .إس. إليوت وإزرا باوند وغيرهما من 
الشعراء والنقاد وضع أسس الحدالة فى الشعر والأدب. وكانت 
تجربة إليوت الشعرية وأراؤه النقدية سبيلا إلى ترسيخ حركة 
نقدية حديثة وصلت أرجها نيما بعد فى منهجين أساسيين 
هما المنهج الأسطورى بالمنهج البنيوى اللذان يصوغان» 
ويؤكدان بأسلوب منهجى متكامل» بعض الاراء الثاقبة المنثورة 
فى مقالات إليوت» وإن كانا غير مرتبطين بنقده. وقد أكد 
هذان المنهجان العلاقة الإيجابية بين الكتابة المعاصرة والتراث» 
بل لعلهما يقومان أصلا على إثبات تلك العلاقة. 


لعل موضوع الكتابة والقراث من أهم القضايا النقدية 
التى طرحها إليوت» وكان تعريفه للتراث الذى ينم عن نظرة 
ثاقبة وواعية ومثقفة حجر الزاوية فى بنية النقد الأدبى 
الحديث. يقول إليوت إن التراث يتضمن» أساساء الحس 
التاريخى الذى ينطوى على إدراك نافذ ليس لماضوية الماضى 
فحسب بل لحضوره؛ وهو يلزم الشاعر بأن يكتب لا بوعى 
الانتماء إلى جيله فحسب» بل بتأثير الشعور بأن أدب بلاده 
بأسره موجود بشكل متزامن ويؤلف نظاما متزامناء هذا الحس 
التاريخى - على حد قوله ‏ هو حس بالسرمدى وبالزمنى 


أيضاء كما أنه حس بالسرمدى وبالزمنى معا. وهو فى الوقت 

نفسه ما يجعل الكاتب يعى بحدة مكانه فى الزمن أى كونه 

معاصاً )0 5 ويستنتج إليوت ا انتا فى النقد ت من 
دما من شاعر أو فان: فى أى فن من الفنون» 
يصل إلى معناه الكامل وحده. إن أهميته وإدراك 
قدره هما إدراك وتقدير لعلاقته مع الشعراء 
والفنانين الراحلين ...إن ضرورة التمائل 
والانسجام والتماسك لاست من جانب واحد» 
نمايحدث عند إبداع عمل فنى جديد يحدث 
بشكل متزامن لكل الاعمال الفنية التى سبقته. 
فالأعمال الفنية القائمة تشكل نظام مثاليًا فيما 
بينها يتحور بدخول العمل الفنى الجديد إليها... 
إذ لاض خت ادل تعاضر مان 
الحاضر يوجهه الماضى» والشاعر الواعى بذلك 
يكون واعبا بالصعوبات الكبيرة التى يواجهها 

0 

ل 5 


وبمسؤولياته العظيمة 


كانت المبادئ التى أكدها إليرت منطلقا للمسار الذى 
انصب نيه النقد الأدبى الإتجليزى الحديث (الذى كان 
المنهج الأسطورى هو النظام النقدى الأساسى فيه)» وهر 
المنهج الذى صاغه الناقد الكندى المعاصر نورثروب فراى 
بصورة متكاملة فى كتابه المهم (تشريح النقد) الذى نشره 
عام ۷ حتى قيل إن فراى كان له أثر كلى بل 
منظر فى تاريخ النقد الأدبى اذ 

يقدم فراى فى كتابه هذا نظرة شاملة للأدب يركز فيها 
امعمامه على الأشكال والأصناف الأدبية وعلى تكرار 
الموضوعات والنماذج الأسطورية. وكانت عودة الأدب 
الحديث إلى استلهام التراث الأسطورى من أبرز خصائص 
بالشخصيات الأسطورية القديمة التى تمثل الاستمرارية 
الحقيقية للجنس البشرى. وبهذا اللقاء يتحقق جاور مستمر 
بين مظاهر الماضى والحاضر التى تتخطى الحدود التاريخية 


Ay 


وكا وض ب ل ا ر 


وتخيط بكل الأزمنة, فيتحول عالم الزمن التاريخى إلى عالم 
الاسطورة السرمدى؛ وتتجلى الاشياء فى صورة مكانية 

تع النقد الأسطورى؛ كما اكتمل فى كتابات فراى 
وبخاصة ف (تشريح النقد) ¢ إلى إعادة ربط الشعر بالحضارة» 
فدرس القصيدة الواحدة بما هى جزء من التراث الشعرى» 
ودرس الشعر بما هو جزء من الحضارة الإنسانية. فأصبح 
يؤديه مع الانغام الأخرى بخلق سيمفونية ا وبذلك» 
عمل النقد الأسطورى على إبراز موقع كل عنمل أدبى منفرد 
من العراث الأدبى العام. وقد أكد فراى أن الأدبء بروافده 
جميعاء يشكل إطارا عاما لكل عمل أدبى فردء كما أن 
العراث الأسظورى يشكل إطار) عاما لكل أسطورة منفردة. 


0 
3 


ورأى فراى أن الأسطورة عنصر بنائى فى الأدب؛ لأن التراث 
الأدبى حل محل الأساطير. وقد بحث النقد الأسطورى عن 
رابط يجمع بين القصائد الختلفة فى التراث الشعرى؛ فعاد 
إلى الرموز التى تتكرر فى الأعمال الأدبية؛ لأنها نماذج 
أصلية تصور حقائق نفسية مطلقة مكبوتة فى اللاوعى 
الجماعى الإنسانى ورأى أن النماذج الأصلية تؤدى إلى 
صهر التجارب الأدبية المنعددة فى وحدة متكاملة. فتغدر 
دراسة النماذج الأصلية محور النقد الأسطورى؛ لأن الأسطورة 
هى النموذج الأصلى فى الصيغة السردية والدموذج الاصلى 
هر الأسطورة فى الصيغة الدلالية ". 

ارتكز المنهج الأسطورى على النماذج الأصلية لأنه 
أخذ من الأسطور.: : دلالتهاء وأهمل السرد فيها وأحل محله 
البناء الأسطورى. ولم يكن فراى نفسه بعيدا عن الدراسات 
البنيوية ؛ خصوصا تلك التى كتبها كلود ليفى شتراوس فى 
الأسطورة» والتى بدا بدشرها منذ غام 19475 . عد ليفى 
_شتراوس الأسطورة موازية للغة؛ فعاد إلى علم اللسانيات 
الحديث ليفيد منه منهجيا. فقد لاحظ علماء اللغة ان بعض 
الأصوات فى لغة معينة ترتبط زمعان محددة» وسعوا إلى 
كاف علة ارتباط الأصوات بتلك المعانى» لكن محاولتهم 
لم تعط النتيجة المرجوة» لاأن الاصوات و وة فى لغات 
أخرى وحمل معانى مختلفة؛ فاستنتجوا أن الأصوات ليست 
لها قيمة بذاتهاء وأن الأهمية تكمن فى العلاقة التى تربط ما 


۹۸ 


بين الوحدات الصوتية اولي 29 , كذلك وازى ليفى 
شتراوس بين غور وا موسيقى » لان النغم المنفرد لا يحمل 
معنى بذاته. فترابط الانغام يؤلف البناء ا موسيقى » كما يؤدى 
ترابط التفاصيل إلى تأليف القصة الأسطورية”*'2. ولم تكن 
التتيجة التى توصل إليها ليفى شتراوس فى دراساته المقارنة 
هى أن الأساطير جميعا تؤدى الحقيقة نفسهاء بل إن 
تستطيع أمطورة بمغردها أن توديها 19؛ وهذا ليس ببعيد 
عما قاله إلبوت عن علاقة العمل الأدبى الفرد بالتراث 
الادبى. 


وإذا كان الأدب مرتبطا بالنظام الأسطورى» فليس غريبا 
أن يجعله البنيويون موازيا للغة. ولم يكن المنهح البنيوى فى 
النقد الأدبى» الذى بلغ أوجه فى فرنسا فى العقد السادس 
من هذا القرا ن بعيدا عن الخط الذى سار فيه المنهج 
الأسطورى. وترتكز البنيوية على القول بأنه إذا كان للأعمال 
الإنسانية أو للإنتاج الإنسانى معنى؛ مهناك بالضرورة نظام 
ضمنى من الأعراف والتقاليد يجعل هذا المعنى شمكنا. وقد 
وجد البنيويون ان علم اللسانيات الحديث يوفر نموذجا 
منهجيا لدراسة ظواهر حضارية أخرى غير اللغة, لأن الظواهر 
الاجتماعية والثقافية ليست ذات جواهر مطلقة بذاتها» بل 
يمكن تعريفها من خلال العلاتات الداخلية القائمة فيما 
بينها» ومن خلال مواقعها فى البنى الاجتماعية والثقافية 
المتصلة بها. وهذه الظراهر ليست مجرد أشياء أو حوادث» 


لكنها أشياء وحوادث ذات معن؛ أى إشارات؟ "".. 


يرتكز المنهج البنبوى على الاعتقاد بأن الأدب ‏ وهر 
فن يستخدم اللغة - يشكل بذاته لغةء لأن معانيه لا تفهم إلا 
من خلال أنظمة من التقاليدء كما أن الادب - وهو ظاهرة 
ثقافية وحضارية - نظام إشارات» مثله مثل اللغة. هذا المبدأ 
يسمح بافتراض نظرية منهجية فى الأدب تدرسه كما يدرس 
علم اللسانيات اللغة. وإذا افترضنا مع تشومسکی أن علم 
ال بنك ا بعد نظرية فى اللغة؛ فإن نظرية الأدب التى 
عدث عنها فراى يمكن أن تعد علم نحو الأدب أو الكفاءة 
الأدبية التى أنادها القراء والتى يمكن أن يكونوا غير واعين 
بها E4)‏ 


يس سس الكتابة الشعرية والتراث 


عبرت به هذه - عن نفسها ا 0 قانونا يعلو 
عليه ا م صن بد كام جديد 
ات 9 التي تم 57 فى لغة معينة ت وثقافة . معينة 
وصح ن ظروف حضارية محددة» وهر تجاوز الأعمال 
الموجودة ويعلو عليهاء ويصبح الإبداع الجديد ضمن المنطق 
الخاص الذى يحدده)؛ وهذا ما يجعل علاقة الادب المعاصر 
بالتراث الأدبى علاقة حتمية. 


ون ای أن اللفة ليست هى الأدب. والأدب 
_ وإن كانت أداته اللغة ‏ يستخدم هذه الأداة بصيغة خحاصة 
تختلف عن الاستخدام العادى لها. لذلك؛ فمعرفة اللغة 
تخرّل الإنسان أن يفهم تركيبات وجملا مصاغة بتلك اللغة» 
لكنه لا يفهمهام. 
قواني' ن خاصة به تسمح للمطلع عليها أذ يحول الجمل 
اللغرية العادية إلى أبنية ومعان أدبية. والشعر لا يمكن 
يكون له معنى إلا بالنسبة إلى أولئك الذين استوعبوا التقاليد 


ن حيث ھی أدب» لأن الأدب تنتلمه 


الوا E‏ ن النظام الشعر 520 
الجملة الواحدة معناها من النظام اللغرى. ولعل هذا ما قصد 


إليه نورثروب فراى بقوله: 


«إن القصائد الشعرية يتم إبداعها من قصائد 


شعرية أخخرى والروايات من روايات أخرى»”؟" . 


هذه النظرية تؤدى إلى تشبيت مبداً الشقاليد الشعرية 
والأجناس الأدبية» لأن الجملة يختلف معناها من نص 
آخر ومن جنس أدبى || ل عدر الوا اه 
معنى بذاتهاء بل يتغيّر معناها بتغيّر العلاقات التى تربط بينها 
وبين الجمل الأخرى فى النصوص الختلفة وبحسب موقعها 
من البناء الأدبى الذى تشكل جزءا منه. ويلتقى المنهج 
الأسطورى بالمنهج البنيوى فى طرح مبداً ارتباط العمل 
الأدبى الواحد بالتقاليد الأدبية الى تشكل جنا أدبيا معينا 


وتفرق بينه وبين أجناس أدبية أخرى. 


يقول فراى إن الشاعر الإتجليزى جوك ميلتون حين أراد 


:أن يكتب قصيدة عر إدوارد كينج لم يسأل نفسه ماذا 


يمكننى أن أجد لأقوله عن كينج؟ ولكن كنت ونم بعري 
معالجة موضوع كهذا؟ إن المفهوم القائل بأن التقليد دليل 
على انعدام العاطفة وأن الشاعر 0 إلى والصدق؛ (الذى 
يعنى عادة العاطفة المفصحة)””'' بإغفاله؛ معارض لجميع 
حقائق التجربة ة الأدبية والتاريخ الأدبى . وأضل هذا المفهرم هر 
الرأى القائل بأن الشعر وصف للعواطف» وأن معناه «الحرفى؛ 
هو انعكاس لعاطفة الشاعر الفرد . لكن أية دراسة جدية 
للأدب تكشف أن الفرق الحقيقى بين الشاعر الأصيل 
والشاعر المقلد هر أن الأول مقلد بصورة أكثر خفاء. ويرى 
فراى أن اتباع التقاليد الشعرية يكسب الشاعر جلالا 
ا ويزيد عمله غنى بربطه بالأعمال الشعر 
الأخرى*". 
إذن» كانت الحدالة فى لفن والأدب بما قدمته من 
فكر ونقد وإبداع ع فنى وأدبى عودة ! لى تأكيد حتمية العلاقة 
الإيجابية بين المعاصرة والتراث. هذا 1 الذى 2 الشعراء 
والنقاد والمفكرون الذين ساهموا فى وضع أسس الحركة 
الحديثة بمختلف مذاهبهم والجاهاتهم لا يعنى عودة عمياء 
لى الوراء محاكاة الأعمال الأدبية التى جاء بها القدماء» ولا 
يقصد به استنساخ الأنماط القديمة أو نة تقل أسلوب درن غيره 
فى التعبير لتعبير الأدبى؛ ا و الالتزام بالأجناس الأدبية التقليدية. 
زیت النفريق هنا بين العقليد من ناحية واتباع التقاليد 
الادبية من ناحية ثانية» فذلك يؤدى إلى التمييز بين الاتباع 


الأعمئ والإبداع» الذى وإن قنام. على استلهام التراث 


ای ميد ناه بأ يبحمل فی ایل ؛ يمتلك شخصيته 
الخاصة . والترا اث ليس هو التراث الشعرى ا“ و الأدبى فحسب » 
إنه الموروث الحضارى والثقافى للأمة بأسره » بمختلف وجرهه 
وتجلياته. إنه إتجازاتها التاريخية والفكرية والفنية؛ وهو كل 
شاهد فى عصرنا على وجود تلك الأمة عبر التاريخ. فعلاقة 
أمة من الأم بترائها هى وعيها بحضورها فى الماضى وحضور 
ماضيها فى الحاضر. 

لعل هذه المقدمة الطويلة تسهم فى توضيح المفاهيم 
والمبادئ الى ارتكزت عليها الحدائة بالغرب فى مونانها من 
قضية العلاقة بين الإبداع المعاصر والتراث ؛ ذلك لأن حركة 


م م١1‏ 


وتا ا ل ب 


الحداثة العربية ‏ حصوصً فى مجال الشعر- يفترض أنها 
عادت إليها وأفادت منها. لكن يبدو لمن يتتبع ما يكتب ويقال 
خَرل قضية العلاقة بين الشاعر العربى وترائه أن المسألة بعيدة 
عن الوضوح فى أذهان عدد من منظرى الحداثة الشعرية 
العربية» بل إن بعضهم يقر صراحة أنه لا يدرك معنى هذه 
القضية أو يدركه بشكل مبتسر وسطحى. يقول أدوئيس 

إذا سئلت الآن: كيف تحدد علاقتك؛ أنت 

الشاعر الحديث» بتراثك الشعرى العربى ؟ فكيف 

مجیب؟ 


أب ارلا لا ممن لهذا السؤال ذلك انى 
لا أستطيع أن أحدد علاقتى مع شئ غائم غير 
محددء وإنما أحددها مع شاعر معين. وأجيب 
ثانيًا بتساؤل: ماذا تعنى العلاقة» هنا. إذا كان 
السؤال مطروحا بمنطق الثقافة السائدة» فإن هذه 
العلاقة تعنى أن أكون مؤتلفا مع تراثى؛ » أى أن 
لا آنى بشئ إذا لم يكن أسلافى من الشعراء 
عرفوه ومارسوه وأقروه. أما إذا كان السؤال 
مطروحا بمنطق الرؤيا الإبداعية فإن هذه العلاقة 
تعنى أن أكون مختلفا عن أسلافى من الشعراء.. 
بل أكثر: لا يكون الشاعر العربى الحديث نفسه 
حما إلا إذا اختلف عن أسلانه؛ فكل إبداع 
اخحتلاف". 


من المؤسف أنه بعد أكثر من نصف قرن من الممارسة 
الإبداعية والنقدية لا يتمكن شاعر عربى حديث؛ كأدونيس» 
من أن يأنى بنظرة عميقة ومثقفة فى قضية العلاقة بين الشاعر 
الحديث وتراثه» فلا يزيد عن أن یردد ما کان يقال حول هذه 
المسألة فى بدايات ما كان يسمى بالحركة الرومنتكية العربية 
مثل ما جاء به أبو القاسم الخابى ی ددا عام 144 
حول «الخيال الشعرى عند العرب) . فأدوئيس مازال يظن أن 
علاقة الشاعر الحديث بقراثه تعنى نقل مجارب الشعراء 
السالفين وأقوالهم . لذلك» فهو لا يستطيع سوى أن يحدد 
علاقته مع شاعر معين؛ إذ كيف يمكن النقل عن أكثر من 
شاعر؟ وطبيعى لمن ينطلق من افتراض خخاطئ أن يصل إلى 


نتيجة خاطفة» فيقول أدونيس ويردد فى كل مناسبة ما قاله 
مثلا فى كتابه (الثابت والمتحول - صدمة الحداثة) : 
.. فان أشكال التعبير الموروثة » لغة لغة وبناءء إنما 


هى بمثابة القشرة والسطح ولابد من تمزيقهاء 
لکی نصل إلى ل وبناء جديدين2390 . 


دإن العلامة الأولى للجدة الشعرية هى فى إيصال 
الانفصال» إن صح التعبير» أى فى نفى السائد 
المعنىء علامة الأصالة؛ إلى كونه علامة 

الجدة"" . 
وجدت آراء أدونيس صدى لدى عدد لا يستهان به 
من المريدين والتلامذة الذين يرددون أقواله دون أدنى مناقشة. 
ولم 0 ن الذين ردوا على أدرئيس ؛ بصورة تعامة, مختلفين 
عنه من حيث المنطق وأسلوب المعالجة. فد قأم من كقره 
ومن خونه ومر ن هزأ به به . والحق ى أن ما يعانى منه نقدنا الأدبى 
الحديث» على وجه العموم » هر انعدام المنهج وضعف الفكر 
الفلسفى الموجه . إن نقدنا الأدبى اا ن حتى 


اليوم من وضع اشن نظرية لمفهوم الحداثة فى الأدب, ولم 
يستطع أن يرسى مبادئ فكرية تحدد علاقة الشاعر أو الأديب 


بترأثه ات الإنسانى» كما قصر عن دراسة الشكا ل الفنى 
فى الشعر والأدب درا اسة منهجية؛ » فلم يكن بمقدوره أن 
يواكب الحركة الشعرية والأدبية الحديثة» فظلت الحركة 
منقوصة؛ تنصف - إلى حد بعيد ‏ بالتجريبية؛ بالرغم من 
وجود شعراء وأدباء كبار فيها. 
والحق أن ما يدخل فى نطاق النقد الأدبى هو المنطق 
الذى ترتكز عليه أقوال أدونيم ى والأسلوب الذى يعالج به هذه 
القضية. أما الحديث عن إلحاد أدونيس 
أو وطنيته؛ فليس نقدا أدبيا بل يدخل فى نطاق ما يمكن 
تسميته بالشرثرة حول الأدب. إن النقد الأدبى العربى يحتاج 
إلى دراسات منهجية ومناقشة للمناهج السائدة فيه. ويبدو لى 
أن ما يطرحه أدونيس يعانى من احتلال فى المنهج؛ وهذا ما 
سأحاول تبيينه. ۰ 


أب | إيمانه» عن خيانته 


سصضضضثنة:ٌ”ةسيسيسسسييي س الكتابة الشعرية والتراث 


فى أيار/ مايو 1901 عقدت المنظمة العربية للتربية 
والشقافة والعلوم ندوة حول قضايا الشعر العربى المعاصر فى 
الحمامات بتونس» قدم فيها أدونيم ى بحثا بعنوان فی 
الشمايةع40") ضمنه موقفه من مسألة الملاقة بين الشعر 
ا والتراث. وتميز هذا الببحث أله اختصر مرقف أدوئيس 
من هذه لالت وحاوا ول الافادة من علم E‏ الذى 
ارتكز عليه البنبويون فى دراسانهم النقدية. وزات كاتبة هذا 
البحث ضرورة مناتئة بحث أدونيس فأعدت بحثا بعنوان فى 
المعاصرة والتراث) ؛ بينت فيه المغالطات المنهجية التى وقع فيها 
أدونیر"» وسأبرز هنا أهم ما جاء فيه. 


يطرح أدونيس مرنفه من علاقة الإبداع المعاصر 
بالتراث بقوله: 

وکل شاعر يشعر ويفكر ويكتب انطلاقا ثما هر 

وما هر کات كاتبة: مغاير» بالصرورة» ما هر 


غيره - قديما أو حديئا؛ . 


فيكون الانطباع المباشر لدى القارئ أن أدونيس يظن أن وجود 
علاقة بين الت الماصر ال ایی ا لضرورة النقل 
والتقليد . ويشأكد هذا الانطباع حين يواصل أدونيس حديثه 
عن التراث العربى متسائلا عن عام إن التأكيد أن 
التراث ليس شاعرا واحدا وليس مذهبا فنيا واحداء وأنه «ليست 
له إبداعيا هوية واحدة ‏ هوية التشابه والتألف وإنما متنرع؛ 
متمايز إلى درجة التناقض» . وكأنه يقول إنه ليس بالإمكان 
الارتباط بالئراث بسبب هذا التنوع؛ إذ كيف يمكن للشاعر 
المعاصر أن يرتبط بشعراء مختلفين وباتجاهات متباينة وبررح 
غير محلدة أو متغيرة؟ 

وإذا صح أن ما يسميه أدونيس «الخطاب السراثى) 
السائد 0 الرأى القائل بضرورة الارتباط بالتراث - يقوم 
على منطق رادة توحيد التراث» فهو منطق ظاهر البطلان لا 
يستحق المناقشة أصلا. ونججد أن أدوئيس الذى لا يعين هوية 
أصحاب «الخطاب الترائى؛ ولا يعطى أمثلة على حججهم» 
يستخدم المنطق نفسه الذى يرفض٠‏ . فإن كان ثمة من يتخذ 
موقا متطرفا 8 يمول و التراث» فذلك يعنى أن هذا 
المنطق يؤدى حتما إلى القول بأن علاقة المعاصر بالتراث هى 


علاقة نقل ومحاكاة. وحين أراد أدوئيس أن يرفض هله 
الملاقة عكس مبداً الرحدة وقال بالتنوع والتعدد ليشبت 
استحالة النقل عن القديم, لأن العلاقة بالتراث تعنى بالنسبة 
إليه أيضا النقل والمحاكاة. وأقحم فى هذا المجال حديثا عن 
وحدة الوزن والقافية باعتبار أنها العنصر الفرد الذى يوحد 
العربى الحديث» وقد جاء على هامش تراثنا النقدى القديم» 
ولم يصمد طويلا من حاول الأخذ به محاربة التجديد فى 
شعرنا العربى المعاصر. 

عن الشراث؛ فيلجا إلى التتحديد الذى وضعه فرديناند 
اللسان والكلاءا من حيث إن اللسان هو النظام اللغرى 
الذى كمه مجمرعة ص القوانين والأعراف؛ ويتشكل 
ضمنه الكلام» وهر مجموع التجليات الواقعية لهذا النظام » 
فاللسان هنا هو اللغة العربية بكل ما تتضمنه من احتمالات 
تعبيرية» وليس مجموع ما قيل أو كتب باللغة العربية حتى 
اليوم. قياسا على هذا التفريق يرى أدونيس: 


«أن هوية الشاعر العربى لا تتحدد بالشكل 
الكلامى الذى نطق به أسلافه الشعراء وإنما 
تتحدد بخصوصية اللسان العربى نفسه؛ . 


أدونيس أن مسألة الوزن/ القافية تصبح مسألة كلامية لا 
لسانية» وبالقالى يمكن «للسان اوش تجن دم أ 
بنية كلامية د 0 2 أدونيس !|! 
رك ا ثلاثة: 0 أن Oy‏ 
الحديث «أيا كان كلامه أو أسلوبه وأيا "كان المجاهه هو تموج 
فى ماء التراث»» لأنه يكتب باللغة العربية. . ثانليات أن هذا 
الشاعر تواصل فى المد الشعرى العربى حتى حين يكون 
ضديا. الا لا يمكن لهذا التواصل أن يكون فمّالا يغنى 


ريتا عرض ي ص و ر ن 


0 الشعرى إلا إذا كان انقطاعا عن كلام الشعراء 
من الواضح » هناء أن أدوئيس يخلط بين الأدب واللغة» 
6 هى المغالطة الأساسية ة النى ت فيها. فقد اعتبر أدونيس 
ر سا مواق رة ی بتع مل لی یت 
ا ا 
ووجوب انقطاعه عن التراث . والحق أن القياس ليون ما ذكره 
أدوئيس . فإذا كان الكلام - شعريا - هو جو ب ان 
قصائدء فإ اللسان هو الشعر من حيث هو نظام تستنتج 
مبادثه م التجليات الشعرية ا موجودة ويتخطاها بتحويل ف 
0 حيث هم Es‏ 0 
ل أو أموية 1 عباسية»؛ وضمن ذلك غزلية ة أو رنائية 7 
هجائية أو ذات وحدة أو تنوع؛ أو إلغاء الوزن والقافية» بل بها 
0 جديدة ضمن إطا 0 ا ة العربية» 
عن و شاقن هذه العبقرية .كما أن للغة 
العربية عبقريتها وهويتها الخاصة التى تسمح بنطق جمل لم 
تنطق من قبل» لکن سامعها_ إذا كان على معرفة باللغة 
العربية ‏ يدرك أنها عربية أو أعجمية من حيث المصطلح 


يبدو لی أن أدرئيس الذئ يتحدث عن الحداثة فى 
الشعر العربى» كأنه القيم عليهاء ليس فى نقده سوى 
استمرار للمذهب الرومنتيكى الذى قامت القصيدة الحديثة 
والنقد الحديث على أساس نض اما قول أدرنيس بأن 
«الشاعر العربى الحديث أيا كان كلامه أو أسلوبه » وأيا كان 
احاهه هو تموج فى ماء التراث؛ » فليس مجرد تمييع لدلول 
كلمة «تراث؛ وإفراغ لها من معناها فحسبء بل هر نفى 
وإلغاء من الأساس اتنية العلاقة بين المعاصرة والتراث عندما 
يصبح أى کلام ا وأى امجَاه معاصرء مهما كان» 
مرتبطا بالتراث . ويحاول أدوئيس أن يعطى للمفاهيم الى يقول 
بها صبغة موضوعية أو منهجية فيعود إلى علم اللسانيات» 


1.۲ 


لكنه حو جاهلا أو عامدا ‏ تطبيقه على الأدب والشعر» 
ويحور فى منطلقاته بغية الوصول إلى نتائج باطلة تؤكد 
ضرورة الوقوف موقفا «ضديا» من التراث وترى فى الإبداع 
انقطاعا عن التراث وتأكيدا رومنتيكيا ساذجا للفردية والذاتية 
فى الإبداع الأدبى؛ بيدما يقوم الاتجاه البنيوى فى النقد 
الأدبى الذى استفاد من علم اللسانيات على تأكيد ارتباط 
القصيدة الواحدة بالتراث الشعرىء؛ دون الوقوع فى وهم 
الخوف من النقل والاتباع والاستنساخ. 
إن هذا الطرح لمسألة العلاقة بين القصيدة العربية 
الحديثة والعراث العربى هى منطلق لعمل نقدى منهجى 
يتناول ترائنا الشعرى ليستنتج خصائصه؛ كما تدرس اللغة 
لاستنتاج مبادئها العامة أو علم نحوها. ولعل أفضل مثال على 
هذا التوجه المنهجى هو ما | حاوله الخلا ل بن اود فى دراسته 
الشهيرة لأوزان الشعر العربى. ولعله لانفراد التراث العربى 
بهذه المحاولة المنهجية شاع الظن بأن الأوزان والقوافى هى 
العنصر الموحّد للشعر العربى. لكن ليس هذا هو المقصود 
بدراسة منهجية لتراثنا الشعرى؛ لأن الشعر العربى لا تخدده 
وزانه» فهو ليس كلاما موزونا مقفى. إنه كلام قائم على 
منطق شعرى خاص عبرت به العبقرية الشعرية العربية عن 
ذاتها. كيف يحدد هذا المنطق الشعرى؟ ويم يتميز؟ ولماذا 
إتخذ هذا الشكل؟ ولم وحدة الى زك والقافية ؟ ولماذا اجه فی 
هذا المسار لسن اقل سي كن لناقد واحد أو 
لعدد من النقاد أن يجيبوا عنها فى مقالة أو مقالات أو كتاب 
كتب. إنها حجر الأساس الذى يجب أن ترتكز عليه 
١‏ راسة النقدية العربية حتى يصبح النقد الأد, بى العربى علما 
قائما بذاته وتطرح الشرثرة والأحاديث المسلية. ولن يتمكن 
النقد الادبى من 
قيمة» ما لم يكن الناقد على وعى نقدى تام بالتراث العربى) 
ر اعد" عسي غ ارات الحضارية 
جميعا؛ فالأمة التى لا تعى ماضيها أمة تعيش على هامش 


دراسة شعرنا الحديث دراسة جدية ذات 


"التاريخ وعلى هامش الحاضر» وتمارس ضد ذاتها عملية 


إيادة . 

إن المبدأ الأساسى الذى ينبغى أن تنطلق منه أية دراسة 
لترائنا الأدبى هى ضرورة استبطان هذا الدراث لاكتشاف 
جماليته الذاتية وعبقريته الخاصة» بدل الانطلاق من إثبات 





مقاييس مطلقة وعقد مقارنات خاطبة وإصدار أحكام جائرة 
ومتعجلة. ومن الغريب والمؤسف معا أن عددا كبيرا من الذين 
أخذوا على عاتقهم مهمة التجديد فى الشعر العربى فى هذا 
القرن نظروا إلى التراث العربى ار ة احتقارء كنظرة الغربيير 
حتى نهاية القرن التاسع عشر إلى تراث الشعوب غير الأوروبية 
الذى لم يندرج فى الايجاه الفنى الطبيعى. فمن الموقف الذى 
وقفه أبو القاسم الشابى من الشراث الشعرى العربى فى 
محاضرته (الخيال الشعرى عند العرب» التى حاكم فيها 
الشعر العربى بأسره بمنطق رومنتيكية القرن التاسع عشر فى 
أوروبا وفرض عليه معاييرها فقال: 


روحه فی أ ولحي إلى فكرة شائعة فيه شيوع 
ا و و .3 
النرر فى الفضاء لا يشد عنها لسم من أتسامه 
ولا ناحية من نراحيه» وهاته الفكرة هى أنه أدب 
مادى لا .سمر نيه ولا إلهام ولا تشوف إلى 
المستقبل ولا نضر إل صميم الاشياء ولباب 
الحقائق» وإنه كلمة ساذجة لا تعبر عن معنى 
عميق بعيد القرار ولا تنصح عن فكر يتصل 
اق اة و لا ال ۳ 

باقصى دا حیه من ار حی ساو س . 

إلى موقف أدرنيس المطابق لهذا الموقف» الذى يختصر به 
الشعر لري اس وهو ااا لعربى فى عصرنا 


باستثناء نفسه وبعش تأبعيه . يفول: 


«وإذا عرفا أن الجاحظ لا يميّز بين الشعر 
والخطابة بل یری أنهما واحدء أدركنا كيف أن 
الكتتمير العسربى يقوم على فضائل «الأمية) 
يمتمدها معظم العرب المحدثين ‏ قرّاءء ونقادا 


و( ۴ : 


مازلنا فى أواخر القرن المشرين نتعامل مع أنفسنا 
بمنطق الغ ب فى القرن التاسع عشر فى تعامله معنا. ولم 
نخط بعد الخطوة الفكرية التى تخولنا الوصول إلى الحداثة 
الحقيقية ولو على سبيل الإفادة من الغيرء إن برع بعض 
شعرائنا وكتابنا بنقل بعض النماذج الشعرية الغربية وسموا 





الكتابة الشعرية والتراث 


ذلك حدالة؛ وظلرا يفكررن بمنطق ما قبل الحداثة. وما 
نحتاج إليه هو النقلة إلى إضفاء البعد الحضارى إلى نقدنا 
ادي حتى نستطيع أن نتفهم ترائنا وٹقافتنا لعلنا نقدرھا حق 
ها. وقد تكون العودة إل لى الأصول ل التى ارتكز عليها النقد 

ا بى الغربى المرتبط بالح رک كة الحد لحديكة ة خصرصا ذ فى المبادئ 
بى وضعها قور خر سبيلا إلى كشف خصائم ن تراثنا الننى 
والشعرق لنتمكن من حديد علاقتنا به وموقع أدبنا الحديث 
منه. يدو لى أنه يمكننا الإفادة من التقسيم الذى اعنمده 
فور جر بين التجاهين حضاريين أساسيين هما الالجاه الطبيعى 
والالجاه اللاطبيعى؛ ولكن دون التعامل مع هذا التقسيم غلى 
أنه حقيتة مطلقة ومقياس وحيد ولخديد نهائى لطبيعة تراثنا 
وهويته؛ بل بوصفه محاولة لفلسفة الأشكال الفنية التى 


انصب فيها هذا التراث”) 


إذا اعتبرنا مع فور جر أن الحضارات التى لم تكن تشعر 
الإنسان أو اتی کان ا الدينى الغالب فيها يرفض العالم 
الد يوق لأنه عالم شر وفساد» تسعى / لى الهروب من هله 
المظاهر وتجاوزها بأسلوب فنى لاينقل الرجود الطبيعى بل 
يحوره ويختزله وينفى عنه المظاهر التى تقربه من الطبيعة؛ 
فيبدع نماذج تندرج نى الامجاه الذى اطلق عليه فورججر 
الاججاه اللاطبيعى ف الفن» وشر ما سماه التجريد ؛ اى اعتماد 
الأشكال الهسدسية والخطوط الخالصة والألوان. ومن المسلّم به 
أن الفن التشكيلى فى تراثنا العربى؛ خصوصا فى اجاهه إلى 
الزخرفة التى سميت فى الغرب الأرابسك» أقرب ما يكون إلى 
الاجاه التجريدى الذى تخدث عنه قورجر. 


وكان الناقد التشكيلى النمساوى الشهير الوا ريجل من 
أوائل الذين عرّفوا الأرابسك فى أوروبا فى العصر الحددث عام 
۳ بأنه شكل زخرفى خاصء اقتصر ظهوره فى الحضارة 
الإسلامية؛ يمثل نباتا نزعت عنه مظاهره الطبيعية ا من 
أغصان مبرعمة تتشعب منها أوراق الأشجار على فروع لولبية 
معترشة غير عضوية 17"". وكان فورتجر قد أفاه بشكل خاص 
من نظريات ريجل فى الفنون التشكيلية الذى كان أول من 
نبه إلى أن الدافع للخلق فى الفنون التشكيلية ليس الرغبة فى 
محأكاة الأشياء الطبيعية؛ ولو كان الأمر كذلك» لكانت 


عم 


ا ا لج ري كي سب 


القيمة الجمالية مطابقة للبراعة فى إعادة إنتاج مظاهر 
الطبيع**"'. ويلحظ فى تعريف ريجل للأرابسك تأكيده 
الاطبيعية» الأشكال النباتية ولا عضويتهاء وهو ما يضع هذا 
الفن ضمن الاجاه اللاطبيعى واللاعضوى الذى ثبته فورجر. 

غير أن هذا الفن الزخرفى الذى يعد الصفة الغالبة 
والمسيطرة فى الفن الإسلامى بأسرهء كما قال العالم الألمانى 
هرزذ 4 فى مقالته فى الطبعة الآولى من (الموسوعة 
الإسلامية) 57 لا يقتصر كما هو معروف فى تاريخ الفن 
على رسم الأشكال النباتية ‏ الذى يسمى التوريق - بل يتعداه 
إلى كل الأشكال الهندسية وتخطيط الحروف العربية؛ 
ويشتمل حتى على الأشكال البشرية والحيوانية التى لم تكن 
لها سوى الدلالة الزحرفية"“ ؛أى أن هذا الفن نزع المظهر 
الطبيعى عن التجليات العضوية فى الطبيعة كالإنسان والحيوات 
والنبات» فحوّلها إلى أشكال زخرفية مختزلا الأشكال البشرية 
إلى منمنمات أحيانا أو نماذج مستوية؛ حاذفا منها البعد 
الثالث الذى يمنحها العمق الطبيعى»؛ ومختصرا النبات إلى 


معمذة. 


وربط هرزفلد بين الاتجاه الفنى الزخرفى وطبيعة النظرة 
الإسلامية إلى الحياة التى يرى أنها معارضة للنظرة 
الكلاسيكية القديمة وحتى للنظرة المسيحية. وقال إن تلك 
النظرة أدت إلى اختفاء عنصر التشخيص من الأعمال الفنية 
لدى الشعوب التى دخخلت فى الإسلام بعد أن كانت 
الأشكال البشرية عنصرا أساسيا فى فنونه!؟. والحق أن 
الاختلاف أساسى بين النظرة الكلاسيكية الإغريقية والرومانية 
إل الوجود والنظرة الإسلامية؛ فالكلاسيكية لم تضع حدا 
فاصلا بين البشر والالهة؛ وهم بشر متفوقون لا يختلفود 
كثيرا عن العاديين من الناس ويتعايشون معا فى حوار يومى ٠‏ 
فكان الفن الكلاسيكى قائما على الإنسان فى صورته 
الطبيعية والعضوية؛ غير أن النظرة المسيحية ليست مطابقة 
تماما للنظرة الكلاسيكية وإن تأثرت بها فى بعض مراحلها 
بالغرب» خصوصا فى عصر النهضة. أما المسيحية الشرفية 
فكانت مختلفة» وكانت لها بذاتها بعض التأثيرات على 
المسيحية الغربية فى القرون الوسطى. من هنا كان الفن 


٤ 


البيزنطى المسيحى الشرقى نخجريديا لاطبيعيا. وكذلك كان 
النحت القوطى فى أوروبا بين القرن الفانى عشر والقرن 
السادس عشرء بعيدا عن تمثيل الاشكال البشرية فى طبيعتها 
العضوية وأقرب ما يكون إلى المنحوتات الشرقية فى الحضارت 
القديمة. وقد رأى فور مجر أن الفن البيزنطى والنحت القوطى 
يندرجان فى الاتجاه التجريدى اللاطبيعى ويختلفان اختلاقًا 
أساسيًا عن الاجاه الكلاسيكى الطبيعى""'. أما الإسلام 
ففرق تفريقا تاما بين الله والإنسان» فرفض مبدأ التتجسد» 
ووضع حدا فاصلا بين عالم الكون والفساد ودار الخلد التى 


.يعيش المؤمن فى توق دائم إليهاء حتى إنه يختار الاستشهاد 


مد هذه النظرة التى حختقر دار الفناء وتسعى إلى فين 
الحياة الأبدية فى العالم الآخر لا تلجأ إلى نقل نماذج الحياة 
الدنيا بل تتجاوزها بتحويل مظاهرها عن طبيعتها واختزالها 
إلى خطوط مجردة وألوان خالصة. وقد التتفت هذه النظرة مع 
نظرة الإنسان العربى قبل الإسلام إلى بيئته الطبيعية المقفرة 
والجافة والخيفة التى عاش فى صراع دائم معها ومع وحوشها 
الصحراوية باحئا فيها عن ركنى حياته الماء والكلاً. وقد رأى 
العالم الألمانى كوهنيل فى مقالته حول «الأرابسك؛ فى 
الطبعة الثانية من (الموسوعة الإسلامية) أن الفن الزخرفى 
سمى أرابسك لأن إبداعه كان نتيجة لموقف عربى خاص من 
الحياة والوجود'' ؟؛ فلم يربط بينه وبين النظرة الإسلامية» بل 
يجعله أكثر ارتباطا بالطبيعة العربية. والحق أنه ليس من 
والوجود قبل ادم وموقفه منهما بعد الإسلام. فكانت 
الاستمرارية فى أشكال التعبير الفنى بين العهدين أمرا حتميا 
وطبيعيا. 


يبدى كرهنيل ملاحظة موجزة وثاقبة فى مقالته حول 
الفن الزخرفى العربى يقول فيها «وتوجد تطورات موازية فى 
الشعر العربى والموسيقى العربية»''*'؛ ويربط بينها وبين 
الموقف العربى الخاص من الحياة الذى كان الفن الزخرفى 
أسلوبه فى التعبير التشكيلى. هذه الملاحظة الدقيقة موازية 
للخطوة التى خطاها هيوم فى دراسته للشعر والأدب حين 
اكتشف أن المذاهب الأدبية تسير فى الالجاه نفسه الذى تسير 
فيه الفنون التشكيلية لأنها جميعا مرتبطة بالانتجاهات 





الحضارية. هذه الملاحظة المهمة يمكن أن تكون مفتاح 
دراستنا للتراث الشعرى العربى. فإذا كان الفن التشكيلى 
العربى يندرج فى المذهب اللاطبيعى واللاعضوى؛ فإن الشعر 
العربى أيضا قد سار فى الايجاه نفسه؛ وهو ما أطلق عليه 
جوزيف فرانك اسم الشكل المكانى؛ المتصف أساسا بحذ 
البعد الثالث فى الأدب كما هو محذوف فى الفن» أى أن 
نراثنا الشعرى العربى» من حيث الشكل الفنى» يلتمّى 
بالققصيدة الحديثة كما حددها مفكرو الحداثة ونقادها 
بالغرب» فى الاجا التعبيرى وفى المنطق الذى يحكمه. 


كيف كانت القصيدة العربية مكانية» وما مضامين هذا 
التعريف؟ وماذا ينتج عنه؟ إذا اعتبرنا مع فرانك أن البعد 
الثالث فی الادب (وهو الذى يقرب النص الادبى من محاكاة 
المظاهر الطبيعية للوجود التى تخدد أساسا بالكون والفساد) 
وهر الزمن » علة التحولات الطبيعية» فان جنب التعبير عن 
تلك المظاهر الطبيعية فى الشعر يقتضى إلغاء عنصر الزمن 
(بما هو تسلسل وتتابع) فينتفى السرد القصصى. ولعل هذا 
ما يفسر خلو التراث الشعرى العربى من الشعر القصصى 
الذى يعد خاصية أساسية من خخصائص الشعر الكلاسيكى 
ل ولعله يجيب عن السؤال الذى طالما طرحه 
المهتمون بالشعر العربى فى هذا القرث: لماذا لم يكتب العرب 
ملحمة شعرية؟ وهذا ما يعدل عدم اکتزاٹ العرب القدماء 
بالشعر اليونانى الملحمى والدرامى» لأنه مناقض تماما للتوجه 
الحضارى العربى وغير منسجم مع ما نتج عنه من عشكل فنى 
للقصيدة العربية» وقد كان العرب منسجمين مع أنفسهم ومع 
موقفهم من الكون رالحياة والطبيعة» حين أهملوا الشعر 
الكلاسيكى اليونانى الذى جاءِ معبرا- کا فن النحت 
والعمارة ع - عن المذهب الما ايع a‏ 0 
سوق ير _- عن توجه 24 ل من فان 
الذين تساءلوا لم لم يفد العرب من الشعر اليونانى القديم لم 
يدركوا الأبعاد الحضارية للمذاهب الفنية. وهم يعتقدون أن 
الحضارة الإغريقية أرفع شأنا من الحضارة العربية؛ وان الإنسان 
العربى لا برا و قى |! لى ما حققه غيره من مستوى حضارى او 
حتى إنسانى » 00 فهم يطالبونه باللحاة ق بالغير واتباعه . وقد 


الكتابة الشعرية والتراث 


es‏ زان يت 


«هذا سؤال لم يجب عليه التاريخ. وما إخال 
السبب فى ذلك إلا الغرور» فمّد كان العرب 
معتزين بأدبهم يحسبهنه أنه هو كل شئ فى 
العالم» فلم يجدوا حاجة تدفعهم إلى ترجمة 
الآداب الأخرى وظل المثل الأعلى الذى مختذيه 
العصور الإسلامية فى روحه وأسلوبه هو الشعر 
الجاهلى9؟ , 
والإجابة ليست كذلك. فإن الحضارة العربية» وهى فى أوج 
الحيوية والعطاء والوعى لذاتهاء أدركت ‏ ولو بالحدس - أنها 
نسير نى غير الا جاه الكلاسيكى الإغريقى الذى تتناقض 
أشكاله الفنية مع الإبداع العربى. والحضارة الحية لا تفيد من 
الغير إلا ما يتماشى مع روحها وما يمكنها أن تصهره. 
ومن ناحية ثانية؛ فإن إلغاء البعد الزمنى وتأكيد 
الخاصية المكانية يحولان النص الشعرى إلى أجزاء متجاور 
تشاهد معا فى لحظة من الزمان» على حد تعبير إزرا باوند فى 
تعريفه الصورة الشعرية الحديثة. ولهذا كانت القصيدة العربية 
مجموعة من المشاهد المتجاورة التى يمكن أن يتم تبديل 
مواقعها دون أن يختل البناء العامء لأن هذه المشاهد متزامنة ؛ 
أى أنها حادثة معا ونشاهد معا ©“ فهذا التبديل ليس 
«تقديما» ولا «تأخيرا» لأن التقديم والتأخير يفترضان التتابع 
والتسلسل الزمنى» وهما أمران لا تدعيهما التصيدة العربية 
الممتدة أفقيا فى المكان. من هناء فالشاعر العربى يذ كر 
الأطلال والصحراء ويتغزل بحبيبته ويصف ناقته و فرسه 
ومعركة خاضها ورحلة صيد قام بها. وتتجاور المشاهد المختلفة 
دون أن يقصد أن يؤلف منها كيانا عضويا ©24. إن هذا 
الشاعر واعيا أو ولاواعيا ‏ يسعى إلى الهروب من الظاهرة 
الطبيعية العضوية باختزال جه العمقى ونحقيق صورة 
متكاملة مسطحة ومستوية. بل إن المشهد الواحد يتكون من 
مجموعة متجاورة من الصور التى يستقل كل منها فى بيت 
رئ مد لاف ره وة ل عن المعززة 


حتى يحدثوا ما سماه انقلابا فى 


اي م ي 


الجاورة المستقلة فى البيت الشعرى اجاور له .حتى إن امتداد 
الصورة أو المعنى إلى بيت ثان - وهو ما سمى بالتضمين - 
عد عيبا من عيوب التعبير الشعرى ا 
فصل ووصل فى أنء تهى إذ تفل | بين البيت والبيت 

بتكرارها ربط الأبيات جميعا ضمن لا را ما را 
الأسلوب الفسيفسائى افون شير فى اب اا رت 
الزخرفى الذى تميز به الفن العربى وانفرد به العرب وسينة فى 
التمبير التشكيلى: حيث لخطرط الخائصة مترابطة ومتداخلة 


3 
وكا ينه ê 3 35 ts‏ 
بح الال ان خالصة غير مزوجه. وقد لايىن ذلك بعيدا 
ِ :| ج پر ج 


ت 


03 1 1 ع 3 3 
عل اسلوب اشنانین الانطباعيين لی العصر الحديث: قاد سام 
الانطباعى يضع على لرحته الوانا خالصسة متجاورة بدن اد 
يمرجها على خحشته فيترك لمين المشاهد مهمة القيام بهدا 
AT i ê 2‏ 

ا ودبرر قو هد البناء الف 
البيت الواحدء إذ إنها السبيل إلى الربط بين الأبيات التى تبدو 


NES 5‏ 
ى حتمية وحذة الوزك فى 


منفصلة )2 كما بين المشاهد 00 وقد كان الإيقاع الوزنى 
محدد فى الشعر ك كما كانت لصرر لق دالا بات وامشاهك: وكما 


كانت الخطوط الراضحة 5 وان الخالصة فى الزخرفة. من 


e eH“ ت‎ u, 
ها فليس من الريب ال تختسب وحدة انوزت وانقافيه‎ 
٤ 
0 و ارين اله 1 1 چ‎ ê 
مها لی نارح الشمر العربى '2 بوصفيا وسيلة من رساد‎ 
eM 7 
البناء المنى للتقسيدة العربية» وتكوك وحدد ة الوزن والمانية‎ 


نتيجة لفلسفة معينة فى الحياة وفى الفن وليست بذاتها تعريفا 
بسار 


كذلك “فإ النك الشعری العربى » 0 0 ن تمثيل 


مظاهر الطبيعة ا الإنسان, ك کان حر ميقا كنذا 
اللاشخصية فى الشعر. وهذا أمر طبيعى بالنسبة لنسينة إلى الإنساك 
الخري الذى كان يشعر أنه لا يقوى بنفسه على مواجهة 
الطبيعة القاسية والوجود الغامض والقاهرء فاحتمى بالقبيلة» 
وأضاف إليها فيما بعد الدين والدولة» وظل عضوا فى 
مجموعة. . من هنا لم تكن القصيدة العربية؛ بصورة عامة» 
تعبيرا عن شخصية الشاعر اله لفرد» بل كانت مرتبعلة إرتباطا 
وثيمًا بالعقاليد الشعرية التى e‏ 
الع“ . فليس هناك فارق بين الأطلال ببرقة ثهمد وما 


خلفته الحبيبة وعشيرتها بسقمه د اللوى ويحومانة ة الدراج ا 6 


1 


اك 


ببرقة شمّاء. ونتشابه مشاهد الحرب والصيد وأوصاف الخيل 
والنوق. كذلك تختلط صفات الأبطال حتى يؤلف مجموعها 
ا ا واه كاملل . وتتشابه النساء فكأن الشعراء جميعا 


ل 


يفون 7 واحدة يسمونها تارة سلمى وأخرى سعاد أر 
خيلة أو هندء لان الشف راهن له تقاليده وأصوله» وهو مرجع 


ااا ل 0 خد نلا ته 


ذاته؛ ولیس 
ریت3 الشعراء إلى تقاليد معينة فى المديح وفى الرثاء وفى 
الهحاء وفى الغزلء مما يؤدى إلى إك كاب مجموعة القصائد 
e‏ 
تأكيد شخصية الغرض الشعرى. 


شخصية القصيدة سبيلا إلى 


ولا يمنى ذلك أن قصائد الرثاءء مثلاء تقلد الواحدة الأخرى 


وينقل الشاعر الوأحد نيها ع: الآخرء لكن هذه القصائد 
الرثائية جميعا تتم تقالبد شعرية م تا هوا 4 
وه وأمر لا بنفى الإبداع بل يؤکده» فليس هناك إبداع إلا 
ضمن إطار انتتاليد الفنية أو الشعرية. أما ما عدا ذلك فهو 
صف نقر أو هلوسة ذاتية» ويس إبداعا ولا فناء هذا المبداً 
الذى تناوله؛ وهو الذى أشأر إليه 
ف 


و ٠ 00 Ea‏ ألء 
دراى بقوتة إل ميلثرت جين اراد اد ن يكتب قصيدة عن إدوارد 


ادو الادب الغربى والنقد 


f 2 ا ص‎ e 
نفسه مادا يمكلم إن احد لاق له ت كينغي‎ 


0 ص ب 


١ 


ا كيف يتحكم شعريا معالجة مرط 


5 جمیعاء لیس هری ذاتیا بل هر 


هذه الملااحظات؛ وإ كانت لا تدعى الإحاطة 
بخصائص الشعر لشعر العربى ولا يقصد منها دراسته دراسة 
استقصاء؛ فهى مؤشرات نسهم فى إلقاء بعض الضوء على 
خصرصية التراث الشعرى المربى. وتتمثل هذه الخصرصية 
فى حذف البعد الثالث فى البناء الشعرى» وهو البعد الذى 
بإثباته يقترب العمل الشعرى من محاكاة مظاهر الطبيعة 
العضوية؛ وبذلك امعدت القصيدة العربية أفقيا فى المكان 
وتمولت إلى مجموعة متجاورة من الصور ضمن إطار واحد 
حددته وحدة الوزن والقافية» وأصبحت القصيدة بأكملها 

رة احدة تشاهد أجزائها بشكل متزامن فى لحظة من 
0 وكان هذا الاه اله لفنى فى البناء الشعرى انعكاسا 


سس سسب يس الكتابة الشعربة والتراث 


للايجاه الحضارى العربى؛ الصف بعدم الانسجام بين 
الإنسان ومظاهر الطبيعة والوجودء وهو موقف يؤدى بالإنساث 
إلى تجاوز هذه المظاهر بأسلوب فنى لاطبيعى ولاعضوى 
يختزل هذه المظاهر ويحولها عن طبيعتها فينتصر بالفن عليها. 
وبابتعاد هذا المذهب الفنى عن الوصف والنقل للمظاهر 
الخارجية وعن التعبير عن ذانبة الشاعر الفردء أكد الإبداع 
الفنى ووثق الصلة بالتقاليد الفنية وعزز مفهوم التراث. 

هذه المبادئ نفسها عادت الحركة الحديثة فى الفن 
والشعر فى الغرب إلى إثبانهاء وهى حركة معارضة فى الفكر 
والممارسة الفنية للمذهبين الكلاسيكى والرومنتيكى فى 
أن الشعر العربى نقيض الاجاهين الكلاسيكى 
رالرومنتيكى » وقد أسئ فهمه وتقديره حتى الآنء لأنه يحاكم 
بمنطق هذين الا مجاهين وهو منطق غريب عن طبيعته. والحق 


الغرب . والحق 


أن شعرنا العربى الحديث» الذى بلتفى مع الحداثة الغربية فى 
مبادئها العامة وقد أفاد فعلا من فكرها وممارساتهاء هو استمرار 
لتراثنا الشعرى العربى وجزء لا يتجزأ منه» لأنه يقوم أساسا 
على المنطق نفسه ويهتدى بالمبادئ ذاتها. لكن ذلك لا يعنى 
أن الشعر العربى الحديث شبيه بالشعر العربى 

وسائل التعبير وإن وجدا ضمن ااه وأحد. فهذا أبعد ما 
يكون عن المنطق وعن الواقع. فكل حضارة توجد وسائلها 
وکل عص رع سال وإن كان ذلك ضمن إطار عام» 
نكما أنا 
وان أمكن جمعها ف الاه واحد لوجود فواسم مشر که 
أساسية بينهاء فخصائصها لا تتطابق ولا تتخذ وسيلة واحدة 
لشعر العربى القديم والشعر الغربى الحديث 
أوجد كل منهما حلوله التعبيرية الخاصة لمواجهة مشكلاته 
الحضارية ا التشابهتين فى المبادئ ا كذلك 


الى 5 ٠‏ 
لقديم من حيث 


ااه 


لفن الفرعونى والغن البيزنطى 7 ن القرن العشرين 


فی التعبیر» فإن ا 


وتراثنا الشعرى فينبغى ألا يفهم من ا أن لخر عر 
الحديث مطالب باستخدام البناء الفنى نفسه الذى أبدعه 
شعراؤنا القدماء؛ ولا بالالعزام بموضوعاتهم أو بالأغراض 
الشعرية التقليدية. كما لا ينبنى أن يفهم أن هذا الشاعر 
بإمكانه أن يقلد الشعر الغربى الحديث مادام هذا الشعر يدخل 


فى الاتجاه نفسه الذى سار فيه شعرنا القديم؛ لأنه يكتب 
ضمن تراث فکری وخنى يستمد منه ذاته بوصفه شاعرا ويولد 
منه شعره الحديث. والشاعر الحقيقى الواعى والمثقف يستطيع 
التراث الحى المتواصل فى الإبداع الحديث. أما الناقد الادبى 
فيضع الاسس العامة ويشبت المبادئ الفكرية» ويكشف عن 
الأعمال الأدبية المهمة والكبيرة ويعلل تميّزهاء مستنتجا 
نه لحركة الأدبية وتعززها بالنظرية 


وحين ينظر الناقد فى التجربة الشعرية العربية الحديئة 
التى بدت خريية فى العقد الخامس مر ن هذا القرن» يجد أنها 
نضجت عبر ذرى إبداعية جليلة على مدى ثلاثة عمود من 
الزمن وأثبتت نفسها وترسخت فى إطار التراث الشعرى 
العربی. وقد کان ن الأصيلون من رواد هذه الحركة مدركين 
موقعهم الحضارى ودورهم النهضوى» فكانوا واعين بعلاقتهم 
بالتراث»؛ ولعل خليل حاوى بوعيه وثقافته ويخربته الشعرية 
المتميزة عبر خير تعبير عن هذه المسألة بقوله: 


«وحين أعيد النظر فى نهضة الشعر العربى 
الحديث التى أطلمناها لحن الرواد عبر 
ال لخمسينات؛ أرى أننا كنا نحاول واعين أن 
نحدث ثورة بجعل الشعر الحديث ينفصا عن 
التراث الشعرى ١‏ 
كل منا يحاول الانطلاق مما يرا 
التراث. وأعتقد أن كل نهضة شعرية فى أمة 
حمل تراثا شعريا عريقا متراكما لابد لها من 
العودة إلى الينابيع الأصيلة التى كانت مصدر 
كل نهضة فى الماضى» وهذه العودة تختلف عما 
يدعى بالسلفية الشعرية» ذلك أنها ليست عودة 
لإحياء الأنماط والنماذج التى استقرت فى 
قوالب جامدة» بل إلى الينابيع التى تفجرت منها 
روح حيوية تولد أنماطا لعي کان فی 


لعربى بقدر ما يتصل به . وکان 
اه عناصر حية فى 





مس سا سي سي ب سي سس ی ی چ م ا جیب SEES‏ 
pe TET‏ عد جع مه جع د يعاد عوط ايد 5 





و 1 





إلى غايتها من التطور فى نتاج المتنبى. ولا شك 
أنه يلمح فى الشعر الحديث غصة وثورة ونفار 
من واقع الحياة العربية الحاضرة» وهذه تكاد 
تكون شبيهة بما عاناه المتنبى الذى عاش فى 
عضر كانت فيه الحضارة العربية تشارف على 
الأفول, وكان المتنبى يحاول أن يبعثها من جديد» 
كما حاول الأصيلون من الشعراء المحدثين فى 
هذا العصرة”؟؟' , 
نى هذا النص المهم يحيط حاوى بجانب کنر فن 
خمصائص الحركة الشعرية العربية الحديثة التى كان واحدا من 
أبرز روادها فى الشعر ونى النقد الأدبى. فهذه الحركة هى 
نهضة وثورة؛ نهضة لأنها انطلقت بعد قرون من الجصود 
انطفأت فيها جذرة الإبداع الشعرى؛ وثورة على الامجاهات 
التى سبقتها مباشرة» ما حاكى منها الشعر العربى القديم 
دون أن يدرك الشاعر امحاكى موقعه فى العصر الحديث» وما 
نقل منها عن الشعر الشعر الغربى دون أن يعى الشاعر الناقل موقعه 
من تراثه. وفى كلتا الحالتين ٠‏ كان أولفك الشعراء غير 
مدركين البعد الحضارى للشعر وغير واعين بدوره الحقيقى. 
وكانت الشورة التى أحدثت نهضة هى تميق الحداثة من 
قلب التراث ومن أعماقه» وهى حداثة من يعى ذاته الحضارية 
ویعی غیره بوعیه بذاته. من هناء كان على الشاعر العربى 
الحديث - الذى قد اختار لنفسه الثورة سبيلا وحقيق 
النهضة غاية ‏ أن يحدد طبيعة علاقته بالتراث فيكتشف 
العناصر الحية فيه التى يمكنه الارتباط بها والتأسيس عليها 
والانطلاق منها. وقد رأى حاوى مثلاء أن الفطرة والشورة دما 
خاصيتان من خصائص الثراث الشعرى العربى يمكن أن 
يستلهمهما الشعر العربى الحديث؛ وهما من مبادئه. 
ولعل من أهم ما يطرحه حاوى فى هذا النص هو 
المقارنة التى يعقدها بين واقع الحياة العربية الحاضرة والمرحلة 
الحضارية التى عاشها المتنبى والتى وصفها بالمشارفة على 
الأفول . ومنها يستنتج أن دور الشاعر الحديث هو محقيق 
البعث الحضارى الذى رأى أن المتنبى رمى إليه. وقد كان 


۲۰۸ 


حاوى أمينا فى جربته الشعرية ونتاجه الشعرى لهذا ا موقف. 
ولعل إحدى السمات الأساسية التى اتصف بها الشعر العربى 
الحديث هى إعادة ربط الفن الشعرى بالبناء الحضارى الذى 
ينبثق الشعر عنه ويكون صورة له. والشاعر الحديث الحقيقى 
من الشعراء العرب هو الشاعر الذى أدرك العلاقة الجدلية التى 
تربط بين الإنان والحضارة من حيث إن الإنسان أبو 
الحضارة وابنهاء وهو الفاعل فيها والمنفعل بها. كما وعى 
قضية التحديات التى تواجهها الحضارة العربية منذ أكثر من 
قرنء وعاناها معاناة يومية عميقة وحادة؛ وكان صاحب 
موقف راسخ وواضح من هذه المسألة ("*2. وقد اكتسب 
الشعر العربى الحديث بالتزامه بالقضية الحضارية خاصية 
أساسية من خخصائص الحدائة هى اللاشخصية فى الشعر. فلم 
يعد الشعر بوحا ذانيا أو انمكاسا لهموم شخصية أو وصفا 
مظاهر خارجية:؛ واه إلى التعبير عن ضمير الأمة فى 
همرمها الحضارية» فعاد إلى الأسطورة الترائية والحكاية 
الشعبية نحوّلها إلى رمز يصل الماضى بالحاضر ويختصر 
الزمن؛ فكانت العنقاء والسندباد والحلاج والخضر والحسين 
وغبرها رمورا أسطورية تراثية أعادت صياغة الماضى والحاضر 
معا. أما العردة إلى الأسطورة التراثية القائمة فى ضمير 
الإنسان العربى والحاضرة فى وعيه؛ فقد ساعدت الشاعر فى 
الإفادة من الدلالة الأسطورية» بالإشارة السريعة» دون اللجوء 
إلى السرد القصصى» فتحولت القصيدة الحديثة إلى مشاهد 
أبرزت الذرى الشعر, بة وألغت التقرير» فأسقط البعذ الزشى» 
رحققت القصيدة خاصيتها المكانية؛ فكانت مرتبطة بأبرز 
الخصائص الفنية للقصيدة العربية القديمة وهى الامتداد فى 
المكان. ولعل ما لاحظه حاوى من موقف الشاعر الحديث 
غير المنسجم مع الواقع؛ الذى ولد فى الشعر ما أسماه غصة 
وثورة ونفارا » هو الذى أدى به إلى رفض مظاهر ذلك الواقع 
وتخطيه بشكل فنى يلغى طبيعته» وهو موقف مشابه للموقف 
الذى انخذه الشاعر العربى القديم من الوجود والطبيعة 
والواقع . فكان التعبير الشعرى فى تراثنا القديم وفى عصرنا 
الحديث انعكاسا للا تجاهات الحضارية والتوجهات الفكرية. 








و تھ عدت ل ل 











العوامش 

Solomon Fishman," Tradition”, Princeton Encyclopedia of (1) 
Poetry and Poetics (New Jersey, 1974),p. 859. 
T.E. Hulme, “Romanticism and Classicism”, Criticism’ The (Y) 
Foundation of Modern Literary Judgment (New York, 
1958), p. 257. 
Ibid. p. 258. (۳) 
Ibid. p. 264. (4) 
R. McHugh, “James Joyce", Cassell’s Encyclopedia of (o) 
World Literature (London, 1973), Vol. IL,p. 761. 
T.S. Eliot ed., Literary Essays of Ezra Pound (London, (7) 
1963). p. 4. 
Joseph Frank, "Spatial form in Modern Literature" Crit- (¥) 
icism, p. 379. 
Wihelm Worringer, Abstraktion und Einfühlung (A) 
(Abstraction and Empathy). 
Frank. P. 388. )4( 
يطلق فورتجر مصطلح التقمص الوجدانى على اللذهب الطييمى فى الفن‎ )٠١( 
ويعنى افناء شخصية المتأمل فى مرضوع التأمل حتى يستوعبه استيعابا‎ 
ناما. وقد استند الشعراء الررمانتيكيون فى إتجلئرا إلى هذا المفهوم فى‎ 
تفسيرهم لشعورهم القوى بما فى الطبيعة من جمال؛ وذلك خاصة فى‎ 

حالة الشاعر وليام وردزورثا. 
Magdi Wahba, “Empathy”, A Dictionary of Literary‏ 
م .(1974 ٣erm )Beir,‏ لذلك عد هيوم الرومنتیكبة خير مثال 
على المذهب الطبيعى مع أن ما عناه ثورتجر كان أوسم وأعمق من ذلك 


. إلى حد كبير.‎ 
Frank, pp. 382-389. (11) 
T.S. Eliot, Selected prose (London, 1965), pp. 22-23. (1) 
Ibid., p. 23. (O) 


Northrop Frye, Anatomy of Criticism (Princeton, 1957). (14) 

والكتاب يضم المادة التى قدمها فرائ فى أربع محاضرات عامة فى 

جامعة برنستون الأمريكية فى أذار/ مارس 1584 . وكان قد بدأ فى 

وضع أسس مذهبه ما قبل عام ١975‏ حين اكتمل جانب كبير منه 

خلال تدريسه طلاب السنة النهائية فى برنسترك؛ وقد نشر فراى الجزء 

الأكبر من مادة الكتاب فى انجلات الآدبية منذ عام ۲ رحتى عام 
Anatomy. pp. vii-viil 1400‏ 
William Willeford, “Myth Criticism", Ency. of poetry, p. (10)‏ 
.95 

0 انظر دراسة مفصلة حول هذا ا موضوع فى كتاب لمؤلفة هذا البحث 

بعنوان أسطورة الموت والانبعاث فى الشعر العربى الحديث (بيررت» 

(AYA 

Claude Lévi- Strauss, "the Structural Study of Myth” (1¥) 
Myth; A Symposium (Indiana, 1965), pp. 83-84. 

Edmund Leachy ed., "Introduction", The Structural Study 1۸) 

of Myth and Totemism (U.S.A. 1969), p. ix. 


. 77 أسطورة الموت والانبعاث: ص‎ )١9( 


الكتابة الشعرية والتراث 


Jonathan D. Culler, “Structuralism”, Ency, of Poetry, P.(Y°) 
983. 
Johathan Culler, Structuralist Poetics, Structuralism, Lin- (¥1) 


guistics and the Study of Literature (london,1977)p.122. 


Anatomy,p.97. (YY) 
الهلالان فى الأصل.‎ ( 
Anatomy, pp. 97-98. (T4) 


(16) أدونيس؛ النابت والمتحول؛ بحث فى الاتباع والإبداع عن العرب» ۲ 
صدمة الحدالة (بیروت ۱۹۷۸)» ص 714 - 170 والتأكيد فى 
النص الأصلى. 

(16) المصدر نفسه؛ ص .7١8‏ 

(۲۷) المصدر نفسه» ص .591١‏ 

(۲۸) نشر فى مجلة الكرمل (ببروت؛ صيف ١۱۹۸)؛‏ العدد اللالث؛ ص 

.1⁄- 4 

(۹) نشر فی العدد نفسه من الکرمل» ص ٠١١۹-۱٤۹‏ . 

. ٠١٠١ ١55 أشار أدرنيس إلى هذا التفريق فى صدمة الحدالة: ص‎ )۳٠( 

(۳۱) أبو القاسم الشابی» ایال الشعری عند العرب (نونس؛ ١۹۷٠)؛‏ ص 
1۳ . 

(؟5) صدمة الحداثة؛ ص ٠١۳‏ . 

(۳ ) أكد فرائك فى بحله أنه لا هو ولا فور تحر بنظران إلى هذه التقسبمات 
على أنها مطلقة إلا من الناحية النظرية. هذه الأساليب الحتلفة هى بنى 
مثالية يقترب منها الفن فى العصور الختلفة بنسبة نزيد أو تتقص وبمكن 
أن نوجد عناصر من كلا الاجماهين فى كل العصورء والثقافات نبدع 
اججاها أو آخر على أساس تغليب ذلك الالتماه وليس على أساس النفى 
المطلق للآخر. 

Frank, p. 390, footnote no. (5). 

E. Kühnel “Arabesque”, Encyclopedia of Islam (leiden. (£) 

1122+ 

(55) وقد طور قور مر هذه النظرية واستند إلیها فی نظریته 389 .م »۴٣۵۸k,‏ 
وربط بينها وبين الاتجاهات الحضارية. 

E. Herzfeld, “Arabesque”, Encyclopedia of Islam (؟) .معلازعا)‎ 

1917), vol. I, p. 366. col. 2. 


Ibid, p. 363, Col. 2 and p. 365, Col. 1. (TY) 
.Ibid..p .366. (TA) 
Frank, Pp. 389. (۳۹) 
Kühnel, P. 560, cal.l. (4 
Idem. (£61) 


(9) بل إن ما يمكن إدراجه فى الأدب القصصى العربى لا يخضع للسرد 
القصصى. ولعلى خير مثال لذا هو الأسلوب الروائى لألف ليلة وليلة التى 
تتألف من مجموعة قصص يكاد لا يربط بعضها بالبعض الآخر سوى 
الإطار العام وهو قصة الملك شهربار وشهرزاد التى نحدئه بقصص مختلفة 
لليال ألف وواحدة. 

(47) راجع فى هذا الموضوع للمؤلفة دراسة بعنوان «حكايات حارتنا: مفهوم 

جديد للروابة» » أدبنا الحديث بين الرؤيا والتعبير (بيروت» 2)1519/8 
.۲١۷ _ ۳‏ ولعل هذا الأسلوب ليس ببعيد عن الاتجاهات الروائية 


۲.۹ 


ا عي ا ل ان ري 


ْ 
ْ 
1 





EREY EE nepen سب ببسب بس‎ eren E 


wing Heer 


مسب مسج اسجس اج سجس جه a E‏ 


ل 


ريتا عرض 
الحديئة فى الغرب التى سارت فى الايجاه نفسه الذى سار فيه الشعر. 
ومن هنا اهتمام الغرييين اليوم بألف لبلة وليلة. 00 

(44) يلحظ أن هذا أيضا هو أسلوب التعبير الفنى فى القرآن؛ فكأن الكتاب 
بأسره مجموعة مشاهد خارج إطار الزمن» نبدو غير مترابطة؛ ولعل 
أفضل مثال هر سورة الكهف التى ممع بين قصة مومى والخضرء 
وذى القرنين وفثية الكهف» نتتجاورر هذه القصص واحيانا تتداحل 
مختزلة الزمن والتاريخ سامية عليهما. راجع أسطورة الموت والانبعاث » 
ص ۲ 4 

(45) الرحدة العضرية هر المبدأ النقدى الذى أطلقه الشاعر والناقد الإتجليزى 
الرومنتيكى صمرئيل تابلور كولريد ح؛ وقد أخذه عن الناقد والفيلسوف 
الألمانى جرهان جوتفريد هردر. وقد شاع استعماله فى النقد الغربى وفى 
نقدنا العربى الحديث حتى ظن أنه حكم مطلق على الشعر بأسره. وهو 


ليس سوى مبدأ نقدى رومنتيكى لا ينبغى تعميمه. 


(:؛) مرة أخرى أشير إلى أن هذا الحكم ليس على سبيل الإطلاق بل يمثل 
الصفة الغالبة, وهو ليس صحيحا بالقدر نفسه فى العصور الختلفة» ولعله 
بصح أكثر ما بصح على الشمر الجاهلى. 

(490) التقاليد الشعربة موجودة حتى فى أكثر الاتجاهات ذاتية. ولعل الرومنتبكية 
الغربية خير دليل على ذلك؛ ويصح وصف الطبيعة فى الشعر الإتجليزى 
مثالا. فكل حركة تخلق قاموسها الخاص وتقاليدها وإلا“لا سميث 
رک 

(4) راجع هامش (74) من هذا البحث. 

(44) محبى الدين صبحىء (مقابلة مع خليل حاري» ؛ مجلة المعرفة (دمشق؛ 
آذار ۱۹۷۳)؛ العدد ۱۳۳ ص ۹۷ ۰ 

(00) راجع للمؤلفة بحثا بعنوان «خليل حاوی يكتب ملحمة الإنسان 
والحضارة» ؛ أدبنا الحديث بين الرؤيا والتعبيرء ص 597 177 . 





۲1. 








STE EAS ARES SES 





م 


حلم عابر وجسد مثيم 
قراءة فى نماذج 
من شعر عبدالمنعم رمصان 


س 


شاكر عبدالحميد” 


TTT 


«وأخشى الشتاء لأنه فصل الراحة». 
«رامبو) 


تنضمن كل أشكال السلوك السوى وجود كائن 
بيولوجى بنشط فى موقع (مكان) معين يتسم با معقولية 
اة ى هذا الكائن. ومجال الدراسة الذى يهتم 
بالسلوك فى علاقته بالمكان هر ما يسمى بالإیکولرجیا ٤-0٥‏ 
روه. ف «الإیکولرچيا) مصطلح يشمن الى ذلك العلم الذى 
يدرس علاتات الكائنات الحية امختلفة من إنسان وحيواد 
وئبات ببيقاتها التى تيا فيهاء ويؤكد هذا العلم أنه ليست 
البيعة الطبيعية والاجتماعية فقط هى التى تؤثر على الإنسان؛ 
لكن الإنسان ذاته يؤثر على هذه البيئة أيضا تأثيرات كبيرة. 


وقد اهتم كيرت ليفين ‏ عالم النفس الألمانى - فى نظريته 
ل ت 


» ناقد» أستاذ بقسم علم النفس ؛ آداب القأهرة. 


المجالية حول السلوك الإنسانى بدراسة العوامل النفسية التى 
تؤثر على الفرد » ولذلك فقد استخدم مفهوم حير الحياة Life‏ 
Space‏ کى بتر ب ای تلك الجوانب التى تمثل كل 
الاهتمامات والأشخاص والأهداف» والموضوعات؛ والرغبات؛ 
وا ميول السلوكيةء وغيرها من الجوانب» وثيقة الصلة 
بالشخص» وھی جوانب تكون لها قوتهاء وانجاهاتهاء 
وحركاتهاء داخل حير حياة الشخص. 

والحقيقة هى أن كلا منا يعيش الواقع من خلال 
حسدهة. هذا الحسد هو الذى يحياء ويعيش :ويعمل » ويعلم؛ 
ويحب » ويكره » ويقوم بنشاطات الهضم» والتنفس » والح ركة› 


والإبداع. 


51 


امنود ATENEO‏ جوت سوه بده جه 1 


١ 
چ‎ 
5 
f 
ا‎ 
0 
0 
0 
ا‎ 
٣ 
ع‎ 
ا‎ 





يشش شيش شي ل 


شاكر عبد الحميد 


رغم ذلك؛ فقد تم النظر إلى الجسد؛ فى ثقافات عدة» 
باعتباره مرتبطا بالقذارة» والشر فقطء بل باعتباره أيضا بلا 
فائدة: هو الجانب الفانى» فى مقابل الجانب الخالد الذى هو 
الررح. وقد تم ربط الجسد بالجانب الغريزى اللاعقلانى» 
ذلك الجانب الذى مخاول عمليات التربية والتعليم والتنشئة 
الاجتماعية أن تبعده عن مدارك الطفل والمراهق» وتجعل له 
صورة سلبية فى وعيه؛ ومداركه؛ ومن ثم فقد تم اعتبار 
التباعد عن هذه الصورة السلبية: وجاوزهاء إنججازا متفوقا لا 


يشرقه إنخاز . 
1۱ ف أل .6 

حارلت فلسفات ميتافيزيقية عدة الحط من شأن 
الجسد؛ فقديما كان بقول «أفلاطرن»بأن الجسد قبر 5073 
«Sema‏ ثم قال «ديكارت؛ بعد ذلك بثنائية العقل والجسد» 
وأدت هذه الفلسفات الميتافيزيقية إلى النظر إلى الجسدء كما 


قا ا 58 َ 
قال ونیم بوتيت؛ باعتباره : 


«أداة تبك كل الممتقدات السابقة؛ ليست له لغته 
الشفاهية أ الكتابية الخاصة:؛ فاللغة تنبع من 
نقيضه الذى هو العقلء ومن ثم فإن الجسد هر 
كيان بلا ثقافة خاصة؛ كما أنه بلا قواعد 
خاصة تنظم سلوكه کہ ولذلك تہ عزل الجسد عن 


وجوده الخاص فى العالم»”'" . 


فى مقابل تلك الفلسفات التى تصورت الإنسان على 
هيئة ثنائية: تتكون من العقل (أو الروح) والجسدء أكدت 
فلسفات حديئة - أبرزها فلسفة ميرلويونتى - أن السلوك يمتد 
بجذوره فى بيولوجية الكائن :» فالكائن العضوىء والسلوك؛ 
والأسلوب» تمتزج كلها فى شكل جديد من الدلالات. 
فالتناغم الحركى يزخر بالمعنى؛ والموقف ورد الفعل يرتبطان 
بعرى وثيقة؛ ومن خلال المشاركة فى بنية معينة؛ يتم من 
خلالها التعبير عن شكل النشاط المناسب للكائن الحى. وقد 
قال بت ل أن فينومينولوجيا الإدراك) : 


«جسدنا ذاته لهء بالفعل» شخصيته ووجوده الذى 


يتفاعل ويتداخل ,مع العالم يحيث تصبع بئية 
العالم معتمدة على بنية الجده . 


۹۲ 





يمثل الجسد فى رأى ميرلوبونتى القصدية الأولية لنا 
من حيث نحن ذوات؛ بحيث قد يكون من المناسب أن نشير 
لى الوعى: ‏ ليس من خلال تعبيرات عقلية مغل «أعتة 


أنه 2 ولک م خلال تعبيرات اجسمية 2 كذلك أكد 


ب ب 
۰ 


م لوب ن“ ان : 


Eg 


«المكاك الذى تقوم بالحركة ة والفعل وااكاة فيه 
ليس موجودا خارجناء إنه ليس مكانا تمثيليا 


ص 


يعتمد على نشاط د العقل بقدر ما هر کان 
مرجاد داخل أبنيتنا الحسدية EE‏ 


«فالإنسان اذ يدرك الغا بلجحسمه) وكدذلك 


تتعرف البشرية» سواء فى طفولتها التاريخية أو فی 


طفولة الفرد الإنسانى > على الأشياء رانف 


الصوام «فالحفتى: :> الثقافة الجازات ا 
لام ان 0 0 


EFS Ea 
7 4 وأسكهد ا له‎ 
ر اي‎ 


٤ 
ا‎ e وا‎ 
كذلك» فان فينسوفا مثل جبريل مارسیل رای لی‎ 
5 ٤ 
الإنسان ذات متجسدة. وال الجسم عامل حاسم فى صمي‎ 
الخبرة اشرق وهذا ' الرجود الد الذى يسمیه هرسرل‎ 
» رمي رلربونتى ١الرجود نی العالم 4 هر مضموكث فكرة الجسم‎ 
0 0 ً ۴ 
التى ی الإنساك وجودا متفتحا للعالم ا على العالوت‎ 
. : 
علاقه حيازة أو امتللاك‎ GRE ,العلاقة نت * الإنساك وجسدد‎ 


على تحر ما يمتلا الإنسان الأشياء وا موضوعات الخارجية : 


انما هى علاقة باطنية تقوم على «المشاركة» وتنطرى على سر 
يعطى للجسم معانى خعله يقبل الخلود رالحياة الأبديةء* . 


حاول نقاد وشعراء عرزن کر ون ۽ لحأاصة فی 1 
الغلاثة الأخيرة» أن يجدوا فى التصو ا لتصوف 0 الشعرى لآم 
العاطفة› المدائحى» ممالى السلطة ومكرس الظلم والتخلف 


5 يفول ل رمضان بسطويسى فی دراسته عن «أنطولرجيا 


الجسد والإبداع الثقافى فى شعر مطرة” أ في محاولة منه 
لتبرير انسحاب المتصوفة بأجسادهم عن العالم 


«والمتصوف يشكل بجسده ثقافة مضادة وسط 
العالم الفكرى والاجتماعى والسياسى السائد 











لكى يتفرد ويختلف؛ ويقدس جسده فلا يكون 
مستباحا للنزعة الاستهلاكية... وهذا التقديس 
للجسدء يجعل الحضور الأصلى والأصيل للجسد 
يتم بغياب الجسد عن الممارسة التى يفرضها 
اجتمع؛ فلا يصب الجسد أداة للطموح والتسلط 
- اها دي 7 
والسيطرة وإنما هو التخلق والولادة والقيامة»" 
ویقول أيضا: 


«واللنصوف حين يجاهد لتحریر جسدە من 
الخارج فإنه يجاهد لتحرير جسده أيضا من 
الانسحاب إلى داخل الذات؛ فيسعى إلى الحضرة 
الكلية؛ فيشهد جسده فى الجسد الكونى» ويقاوم 
انفصال الذات عن الجسدء فيجعل من جسده 
معبرا لمقاومة غواية النفس )80 


نا ر معارض لهذه الآراء السابقة: فالتصوف فى 
ف حالاته أدى إلى حل ثنائية الروح والجسد على 
جات 5 ولصالح الروح ح أو الذات: وبذلك فقد ساهمء 
على نحو واضح؛ فى عمليات الانسحاب من ا الفعالة 
فى عمليات التمرد ومقاومة الظلم» ك كما أنه أدى إلى حل 
ثائية الأنا والأخمر لحساب الأخر؛ فمّد قام التصوف فى 
حالات كثيرة بإخلاء الساحة للاخر كى يستبد ويعبث 
بأجساد الناس ويعتدى عليهم؛ وطالت عمليته العنيفة هذه 
المتصوفير ا ( الحلا ج والسهروردى مثلا). لم 
التصوف ثنائية الروح والجسد بل زادها عمقا. وإ 2 
فلسفة أفلاطون» مثلاء بنظرتها إلى الجسد على أنه قبر» وإذا 
كانت فلسفات أخرى - ديكارت مثلا كما سبق أن ذكرنا- 
قد أكدت ثنائية الروح (أو العقل) والجسد بمزيد من النفى 
والنظرة السلبية للجسد؛ فإن التصوف ‏ رغم غنى التجربة 
الصوفية - قد أدى إلى الاحتفاظ بالجسد مع النظر إليه نظرة 
سلبية» كما فعلت الفلسفات الميتافيزيقية؛ بل إلى نفى وجود 
الجسد ذاته لصالح كيانات ميتافيزيقية أيضا (الحضر : الكلية 8 
الشهود .. إلخ). وبذلك « فإن الحضور الأصلى والأصيل 
لمجسد؛ لا يمكن أن يتم «بغياب الجسد من (أو عن) 
الممارسة اله تی يفرضها انجتمع . با ب خر هذا الجسد 


يحل 


حلم عابر وجسد مقيم 


فى هذه الممارسة؛ ومقاومته لهاء ومحاولته تغييرها وججاوزها 
إلى واقع جديد أكثر 9 وحرية وإنسانية. وبذلك» فإن 
فال فى سبر أغوار 0.8 والتغافل عن الخارج الواقعى أو 
التعبير عنه بطريقة رمزية موغلة فى التخفى قد قام تقريبا» 
ودوك وعى فى حالاات ككثيرة» بالدور نفسه الذى قام به الوجه 
الخطابى المدائحى الممالئ للظلم من الشعرء أو الفكر العربى: 
الأول أسقط طاقاته الإبداعية على كيانات ميتافيزيقية مفارقة» 
والثانى أسققطها على كيانات اجتماعية قمعية ظالمة. 


احسد والتحليز يل النفسى 


حدث كثيرون من المهتمين بالسلوك الإنسانى» خاصة 
من وجهة نظر التحليل النفسى عن الجسد. ولعل أشهر 


الأمثلة هنا هر فرويد فى حديثه عن الكبت» وعقدة أوديب» 
والإبدال؛ والنعويضء والتسامى» وغير ذلك من المفاهيم التى 
تتداول حالات مختلفة من الطاقات الجسمية والنفسية. لكن 
المثال الأقرب إلى موضوع دراستنا هذه؛ الذى قد يكون مفيدا 
أكثر من غيره» هو الحلل النفسى الألمانى وليم رايش الذى 
كانت دراساته وابتكاراته ومعاركه كلها موجهة نحو مخرير 


الجسدء باعتبا ار أن هذا التحرير هو الخطوة ة الأولى نحو خرير 
الإنسان قل عام » ولذلك عرض ها لبعض أفكاره» بقدر 
e‏ الاخحتصار. 


وليم رايش وعوائق نمر الجسد 


نظر رايش إلى الجسد والعقل باعتبارهما وحدة واحدة؛ 
وقال بأن أهم ما يعوق حدوث هذا الاتحاد بينهما تلك 
ا محاولات الدائمة التى يقوم بها امجتمع لإحداث الانفصال 
بينهما من خلال الية التدريع yİ) Armouring‏ التقييد أو 
التخشيب أو الضبط أو القمع لتلك القوة الظاهرية التى تخفى 
وراءها ضعفا كبيرا» والتى هى العقبة الرئيسية أمام النمو. 
فالكائن المدرع هو كائن غير قادر على تخطيم درعه (سجنه 
وقيوده) » وهو أيضا كائن غير قادر على التعبير عن أحاسيسه 
وانفعالاته البيولوجية الأساسية. إنه يكون على ألفة بإحساس 
الدغدغة» لكنه لم يمر أبد! بخبرة اللذة الكلية. 








/ 
ا‎ 
0 
1 
١ 
٤ 
٣ 
ع‎ 


اک و ا و ل و 


إن الفرد المدرّع لا يستطيع أن يعبرعن بادرة أو 
«تنهيدة) من السرور (اللذة) أو حتى أن يحاكيها شعوريا. 
وعندما يحاول ذلك فإن النتيجة تكون جلبة أو قهقهة مكبوتة 


' متأوهة مكظومة» أو حتى اندفاعا. نحو التقيؤء » إنه يكون غير 


قادر على أن ينفس عن غضبه؛ أو أن يلوح بيده علامة على 
الفضب. لقدأكد رايش أن عملية التدربع قد نشأ عنها 
تقليدان عقليان» أى تراثان فکریان» یمثلان اا الحضارة: 
الديانة السحرية › والعلم الآلى (الميكانيكى) . فالعلماء 
الميكانيكيون تكون تدر يعاتهم كبيرة : إلى درجة لا يكون لديهم 
عندها إحساس بعمليات حياتهم الحقيقية أو بالعمليات 
الخاصة بالطبيعة الداخلية. إل لديهم خوفا أساسيا من 
الانفعال العميق والحيوية والتلقائية. إنهم يميلون إلى تكوين 
تصور متصلب وجامد وميكانيكى حول الطبيعة» وهو تصر 
يتوجه أساسا نحو الموضوعات الخارجية خو العم الطبيعية. 
فالآلة ينبغى أن تكون كاملة ومن ب ينض أن ن يكون تفكير 
العالم وسلوكاته كاملين . إن الاكتمال هو خاصية جوهرية 
ميزة للتفكير الآلى الميكانيكى. إنه لا يتحمل (أو يتقبل) أية 
أخطاء أء أو أية مظاهر لعدم اليقين ,٠‏ كماأنه لا تحمل أية 
مراقف متغيرة أو غير متوقعة. . لكن مثل هذا المبدأ عندما 
نطبقه على الطبيعة يؤدى بنا بالضرورة إلى الخلط والارتباك. 
فالطبيعة غير مكتملة» , كما أنها لا تنشط بشكل ميكانيكى » 
بل بطريقة وظيفية. ووفقا لرايش أيضاء فإن السحرية الدينية لم 
تطور «تدریمانها» بشكل كامل كما حدث بالنسبة إلى العلم 
الميكانيكى . إنها مازالت ت فى حالة صلة (علاقة ما( مع الطاقة 
الحيوية للطبيمة. ومازالت قادرة على الوصول إلى 
الاستبصارات العميقة بسبب اتصالها النسبى مع الطبيعة 
الداخلية للبشر... لكن سكم امنا علد 
الاستبصارات العميقة قد تم مخريفها. فالديانات الزهدية 
التنسكية والمضادة للجنسء أدت بنا إلى أن نرفض طبيعتنا 
الجسمية الفيزيقية؛ وأن نفقد اتصالنا بأجسادنا. إنها تنكر 
مصدر قوة الحياة فى الجسدء وتقوم بالتركيز على الررح 
التى تتصل اتصالا واهنا فقط بالجسم. ذفى عملية تمزيق 
وحدة مشاعر الجسد» من خلال القمع الجنسىء وفى ذلك 
العوق الدائم لإقامة علاقات رصينة بين الإنسان والعالم» 
يكمن جذر كل الديانات النافية للجنس. 


51 


الله هنا فكرة سحرية غامضة حول التناغم النباتى بين 
الذات والطبيعة. إن تدريعات الشخصية يمكن النظر إليها الآن 
على أنها متطابقة وظيفيا مع خفض النشاط العضلى بدرجة 
كبيرة» ويمثل التغلب (الجمود) الجسمى الجانب الأكثر 
جوهرية فی عملية الكبت» وقد ذکر کل المرضى الذين 
عالجهم رايش أنهم - من خلال ممارسات وأوامر معينة (اكتم 
نفسك/ اجلس ساكنا/ التحكم فی الاندفاعات العضلية 
والحشوية) - تعلموا أن يقمعوا اندفاعاتهم ومشاعرهم 
الخاصة نحو الكراهية أو القلق أو الحب! ١"‏ . 
الانفعال» وما ندا بوصفه 0 دفاعية ضد ا شديد 
الرطأة يصبح سياجا جسميا وانفعاليا حصينا. 


من الممكن أن نخرج من المصيدة على كل حال» 

ن أجل خطيم السجن ينبغى أن ن نعترف أولا بأننا نقبع فى 
سجن .والمصيدة هى البنية الانفعالية للإنسان» بنيته الشخصية 
الاجتماعية التى لابد أن يحاول الإنسان بالسبل كافة أن يقرم 
بتغييرها. 


الجسد عند باختين 


لا يمكننا أن نحصر فى هذا السياق كل ما كتب ع, 
الجسد فى النقد الأدبى» كل ما نستطيع أن نشير إليه هنا . ا 
كعابة واحدة أو نظرية واحدة هى نظرية باخمتين» وجدناها 
أكثر فائدة من غيرها فى دراستنا الحالية عن كتابة عبدالمنعم 
رمضان الشعرة بارا كعاب عن الجسد من الخارج 
e‏ وكتابة غنه من الداحل ا (أعضاء تمشى 
وتتحرك وتطمح 0 1 
الجسد بلغته» وبمفرداته؛ المحدودة» والمحددة؛ فى محاولة منها ا 
لفك إساره وتخرير أعضائهء كى يكتشف هذا الجسد ذاته | 
ويحقق وجوده 0 هذا ام 0 


معقولة» مريحة أو صادمة. 








الل سس ؟؟ب ب سسسب سس جلم عابر وجسد مقيم 


استخدمت نظرية باخحتين الثقافية التى طبقها فى 
رابليه وعالمه وبتركيزها على الجسم الإنسانى فى 


11 


درأ أسته عن 


نشاطاته الاحتفالية؛ فى دراسات نقدية عدة 


ميز باخمعين فى هذه النظرية بين ما سماه الواقعية 
الجروتسكية ا الواقعية الاحتفllلية Grostesque Realism‏ « 
وما سماه «القانون الكلاسيكى؛ 2ههة© The Classic‏ أو 
«القانون الجسمى الجديد؛ «مصة© /زل80 بدع]8 . والواقعية 
الجروتسكية تشتمل على القيام بالإقلال أو الحط من قدر 
الأشياء المبجلة بوصفها عملية أساسية فيهاء كما أنها ترتبط 
بلجيو الأسفل من الجسم والنشاطات الخاصة به مثل: 
التغوط أو التبرز والتسافد (أو الجماع الجنسى) والحمل 
والولادة والاكل وتقطيع الأوصال. 


الجسد الجروتسكى (الغرائبى الاحتفالى) هو جسد 
مفتوح وغير منته أو غير مكتمل » وكما قال باختين» فإن 
التركيز هنا يكون على أعضاء الجسم المفتوحة أمام العالم 
الخارجى؛ أى تلك الأعضاء التى يدخل العالم من خلالها 
إلى الجسم أو يخرج (أو ينبئق) من خلالها ‏ هذا العالم - 
خارجا من الجسم (فى حالة الولادة مثلا) أو التى يذهب 
الجسم ذاته» عن طريقهاء كى يقابل (أو يواجه) هذا العالم 
الخارجى . 

هذا يعنى أن التأكيد هنا يكون على الفتحات أو 
الفقوب» أى ی على التحدبات وعلى التشعبات أو التفريعات 
المختلفة لهذا الجانب المفتوح مثل: الفم المفتوح ‏ الأعضاء 
التناسلية؛ النهود (الصدر) القضيبء الأنف... إلخ. 


أسماه الجسد الكلاسيكى ‏ وهو على نقيض الجسد 
الجروتسكى - يتسم بأنه ثابت غير متغير وأنه مغلق ومكتمل . 
إنه الجسد الذى تكون نتوءاته وانتفاخاته وتبرعماته وتهدلاته 
(عندما يتجاوز احسك ما حدوده الممكنة ويحل جسد آخر 
حديد مکانه) مستبعدة أو حفية ) قليلة الحضور. وكل فتحات 
هذا الجسد تكون مغلقة. وأساس الصورة هنا هى تلك الكتلة 
المفردة المنعزلة شديدة المحدودية والصرامة وتلك الواجهة 


الكاذبة غير القابلة للاختراق» إنها بمفابة السطح الأكمد 
(غير الشفاف أو الا ري فى ذلك تشبه تلك الفردية 
المغلقة التى لا تختلط أو تشمازج مع الأجساد الأخرى ومع 
العالم . وما يهتم به باختين هنا هو تلك الطاقة الحيوية الحركة 
التى توجد وراء الفكاهة الشعبية والاحتفالات الشعبية والنزعة 
الكارتفالية. 


أثرت هذه الأفكار على الكثير من الدراسات النقدية 
الحديثة» من ذلك مثلا ما قام به بيتر ستاليبرات وألوف وايت 
فى مناقشانهما للتمشيلات المبكرة أو الحديثة للأسواق 
وامحاكم وللمجون وللتأليف وللمدينة والاحتفالات. وقد اعتبر 
الجسد الكلاسيكى الواجهة:؛ و الطليعة:؛ التى أضفت 
المشروعية على الإيديولوجيا الخاصة بالثقافة الرسمية؛ كما 
تمثلت فى الفردية البرجروازية؛ وفى أشكال الخطاب 
المؤسساتية الخاصة بالفلسفة والسياسة. وقد أدت معالجات 
هذين الناقدين للطوبوغرافيا الجسمية -10 5013016 
hyمraعoم‏ لدی باختین إلى تضمين مجالات جديدة من 
البحث » منها مثلا: لماذا كانت التماثيل الكلاسيكية صرحية 
وساكنة ومرفوعة إلى أعلى (موضوعة فى أماكن مرتفعة) ؟. 


لقد كانت التماثيل الكلاسيكية توضع على قاعدة 
عل هذا التمشال فى وضع مرتفع وثابت وصرحى. وقد 
كان ذلك الجسم الكلاسيكى يشير إلى تصور جسمى 
مختلف تماما عن الجسم الجروتسكى الاحتفالى الذى كان 
عادة جسما متعددا. نحن نحدق فى الصورة ونتعجب» نحن 
نقف بجوار التمثال (أو الصورة) كمشاهين. هو نموذج 
متجمد لكنه أيضا عالمى أو مشترك ‏ خاص بالزمن الملحمى 
أو التراجيدى - أما الجسد الجروتسكى» فقد تم الإلحاح عليه 
باعتباره متح ركاء منقسماء متعدد الذوات» يضحك ويتفاعل 
ويحدت السرورت.خلال عمليات التبافل -. كما أنه ليس 
مغلقا ولا منفصلا أبدا عن سياقه الاجتماعى أو الذى يحاكيه 
الجسد» وهو - كما يقول بيرنت ‏ يمكن أن يستخدم 
بوصفه مصطلحا نقديًا. فالمكان أو الحيز الاجتماعى الذى 
يشغله الجسدء والآليات الرمزية التى يتحكم فيهاء والتشكيل 
الرمزى له وأشكال الخطاب التى يقوم بهاء كلها أمور يمكر 


ما 


و اي لت تي يي ل ل 0 


تضمينها هنا. كذلك فإن الأبعاد الرمزية للجسد والأبعاد 
الفيزيقية له وأهميته من حيث هو مركز للصراع الاجتماعى 
والسياسى» كلها أمور مفيدة فى هذا السياق. 


ولقد كان تنظيم إفراز السوائل الجسمية فى حضارات 
عدة ومازال» يعنى الوصول إلى درجة المواطنة والتهذيب 
والمدنية. كما أن هذا التنظيم يلقى الشوء أيضا على الفروق 
بين طبقّة اجتماعية وأخرى ويكشف عن بعض التمايزات 
الاجتماعية. وكما قالت مارى دوجلاس» فإن بعض الفتحات 
الحسيية ودر أنها تفل أحيانا نقاطا للدخول أو الخروج من 
عفن ال حدات الاججتماعية؛ كما أن الاكتمال الجسمى قد 


- 


يرمز إلى الاكتمال الكهنوتى (أو الثبوقراطى) . 

ترتبط 5 على نحو وثيق - صور المأدبة » أ الجلرس معأ 
هو جسد بظهر فى أشهر خلياته على أنه جسد يأكل ويشرب 
كما تال أرماندو فافازا. فأجساد بعض المرضى العقليين 
المشوهين لأنفسهم قد ينظر إليها على أنها خشبة مسرح 
تنعكس عليها الدراما الشخصية:؛ وبنسب متفاوتة» كما 
تنعكس عليها أشكال علاجية مختلفة» وضغوط اجتماعية 
متباينة» وأساطير ثقافية متنوعة؛ خخاصة تلك الأساطير ذات 
الطابع الدينى . والموضوعات الرئيسية فى هذه الأساطير هى 
على أساس المحبة والسلم. وقد فحص فافازا الندوب أو الجروح 
باعتبارها دلالة على الميلاد (اندمال الجروح) وعلى الحياة 
الشفاء النفسى. إن حالات تشويه الذات المرضية تؤدى» فى 
النهايةء إلى خفض عوامل القلق والاكتكاب وتقليل التوترات 
التى يشعر بها الافراد الذين يتهددهم الموت وعدم التنظيم 
وا مرض » وعدم الراحة» إنه يمثل محاولة لاستعادة التوازن 
الشخصى لإيجاد مكان ثابت فى إطار مألوف. 


الجسد قد يكون مجازا إيديولوجيا يمكن الفرد من 
التعبير أو النفى لعدد الممارسات السياسية والاقتصادية 


51 


وعوامل الضبط الاجتماعى»؛ بالإحباطات والحرمانات الكثيرة 
التى يحياها المرء. 


فى العصر الحديث لم يعد الجسد هر تلك الصورة 
المقدسة للكون المقدس الموحد غير القابل للانقسام. فالجسد 
المتحطم/ المفكك / المخترق/ المبذول والمستنزف (المجهد) 
يمكن قراءته باعتباره يخبرنا عن صور خاصة لوضع الإنساك 
وعدم أمنه, فى سياق اجتماعى وسياسى واقتصادى معين. 


وعدم 
تجليات الجسد وحالاته فى شعر عبدالنعم رمضان 

يحضر الجسد فى تصائد هذا الشاعر بتجلياته وحالاته 
وانفعالاته ,أعضائه وآلامه وأفراحه وتشوقانه وتدريعاته. الجسد 


5 ر 
0 


حاضر دوم فى تصائد هذا الشاعر. كان حضوره عابرا ار 
شارا از بعيد فى قصائده الأولى؛ حيث كان هناك ت رکیز 
على الأحلام وعلى الصراعات النفسية وعلى الشطحات 
الصرفية ت الصرفية فى ديوانه الأرل 232 . أما بعد ذلك» 
فقد حضر الجسد واحتل ساحة المشهدء لقد أصبح هو بؤرة 
الإبداع ومصدر الصراع» وأصبحت الحالات السابقة كلها 
تنويعات على ألحان معينة حزينة أحياناء أو توشك أن نكون 
فرحة أحيانا أخرى؛ بعزفها الجسد بكل أعضائه وبمجمل 
وجوده. الجسد لدى هذا الشاعر ليس مجرد جسده الخاصض 
قط لكنه أيضا جمد المرأة» وجسد الوطن؛ وجسد المدينة؛ 
التى هى نموذج مصغر للرطن (قصيدة الإسكندرية مثلا)» 
هو جسد التاريخ وجسد الحلم وجسد الذاكرة» وقد يكرذ 
جسدا فى لوحة فنية أو لوحة فنية هى الجسد (قصائد ناريمان 
مغلا)» وقد یکون جدا حقيقيا أو متخيلاء لكنه غالبا 
جسد مكبل واقع نحت ضغوط آلية التدريع التى تحدث عنها 
ال ويحاول الشاعر بإبداعه الخاص وبتأمله الخاص - فى 
حالات جسده وتجلياته ‏ أن يطلق هذا الجسد من إسار فيوده 
ويجعله متحررا من کل «میکانزمات) الكبت والقيود» صحيح 
أن ذلك يتم كشيرا على مستوى الحلم وكثيرا عند مستوى 
الذاكرة» وقليلا عند مستوى الواقع » لكن ما تخاول قصائد 
عبدالمنعم رمضان فى عمومها أن نقوله هو أنه دون خریر هذا 
العالم الأصغر (الجسد) لن تكون هناك حرية فى العالم 


ااا سس سس سس سس طلم عابر وجسد مقيم 


الأكبر (الوطن). وحرية هذا الجسد ليست هى الحرية 
لجنسية؛ كما قد يعتقد أصحاب التدريعات العقلية المتسرعة 
والأقنعة الأخلاقية الزائفة» لكنها الحرية العامة» حرية الحركة 
والتعبير والاعتقاد والتحقق؛ حرية أن تكون طبيعيا وعلى 
الفطرة» حرية أن خقق ذاتك بقدر ما تستطيع دون أن تضيع 
عمرك اول أن تكرن مدرعا کی يرضى عنك الآخرون؛ أو 
أن تك إسار تدريعاتك فيحاربا بك الآخرون ويضعونك فى 
خانة الخارجين المارقين الذين يجب نفيهم أو قتلهم. 


فی قصائد هذا الشاعر تواجهنا حالات عدة للجسد» 
فهو يواجهنا وهو يحلم؛ ويواجهنا وهو يتذكر؛ ويواجهنا وهو 
يشاهد ويشأمل؛ ويواجهنا وهو يتدواصل أو يحاول التواصل » 
ويواجهنا وهو متعبء ويواجهنا وهو محتشد بالطاقة؛ ويواجهنا 
وهو مستنفذ الطاقة» وهكذا. هذه الحالات قد جدها كلها 
فى قصيدة واحدة» وقد نخد بعضا منها فى بعض القصائد 
وبعضها الآخر نى قصائد أخرى؛ أى قد تكون هذه الحالات 
وغيرها من حالات الجسد حاضرة متكاملة متفاعلة فى 
قصيدة واحدة» وقد يكون بعضها هو الغالب على قصيدة 
معينة بينما تكون حالات الجسد الأخرى مستترة أو موجودة 
على نحو ضمنى مضمر كامن؛ فى هذه القصيدة نفسها. 


علينا أن نلاحظ أن ما يركز عليه هذا الشاعر هو 
الجسد من حيث هو حياة وحركة؛ وليس الجسد من حيث 
هر مرضوع صامت مصمت مغلق ميت؛ إنه يخشى موت 
الجسد العام وموت الجسد الخاصء ويعمل من اجل بعث 
لحركة فيهماء وعملية استكشاف الجسد عنده هى محاولة 
للبحث ع ن وسائل للنمو والتطو ر وا معرفة: وهنا لا يمكن 
فهم حركات الجسد ونشاطاته إلا فى علاقتها بما يحيط بها 
من بيكة اجتماعية ونفسية وثقافية؛ أئ لا يمكن فهم دلالات 
حركة الجسد إلا من خلال ربطها بالمواقف التى يكون 
الجسد جزءا منها يؤثر فيها ويتأثر بها (وهذا ما نسميه بالفهم 


الإيكولوجى للسلوك) 1 
تبدأ قصيدة «الغبار أو إقامة الشاعر فوق الأرض» 
نحو الانطواء والإيغال فى أعماق النفس: 


2) 


بنزو ع خاص : 


«ماذا إذا منحت نفسى هدأةٌ 

ماذا إذا جلست فى ركن من الأركان ؛ أنفغ الدخان 
من أنفى وأدهن الوقت بما يليق به 

اکر نولا تطح أن بصي ر خاية: 

مانا اڏا حلمت وحسدى ::تالذئ يكون :فارنا : 

كخطوتين من آشار أقدام وراءها مشت » محارةٌ 

تشكنينا القوضى ؛ وكلب صيد ؛ واستباحها 

اران ا ع ا وي ٠‏ تضئ 

SS 

ويصطفيه. يشترى له فما وإصبعین › يرسمان 

ساحة خالية من الأصوات. 

ربما يصح أن أكون حارسا لخطوتى ء أنام فى 

تحويفيا انا الصفير:» والمحدب”. المارق من 

أحشاء امرأة , تكاد لو تطفو على شفاهها هارية , 

ويختفى فى قلبها صنبور ماء». 


هنا محاولة انطوائية إبداعية ؛ وليشت محاولة انصرائية 
مرضية؛ محا ولة من الشاعر لأن يستعيدل ذاته, ویعود من 
الاهتمام بالمضايا الكبيرة ة إلى الاهتمام بالقضايا الصغير من 
قضايا الكون والأحلام الکبری؛ إلى قضايا الذات 0 
5 وكوابيس ونهايات فاجعة» علينا أن 27 بأحلامنا 
الصغرىء ومنها نشكل أحلامنا الكبرى؛ العكس هو نوع 
من الهروب والتهويم والمفارقة للواقع وللذات ولقوانين الاشياء 
والحركة فى الطبيعة. «اعرف نفسك» قالها سقراط منذ 
الاف السنين؛ ومصت هذه الآلان من لين ولم يعرف 
الإنسان نفسه لأنه انشغل بالقضايا الكبرى» وترك الانشغال 
بالقضايا التى اعتقد أنها صغرى» ومن ثم صاحبت الإئسان 
_ خلال سعيه فوق الأرض» وخلال لمجاحاته وإتجازاته 
الكبرى ‏ الكابة والاغتراب والدمار. «ماذا لو منحت نفسى 
هدا التساؤل مطروح هنا فی صيفته الإجمالية المفتوحة؛ 
بحیث بمکننا أن نستقبله على أنه تساؤل» أو على أنه 
تعجبء أو على أنه اندهاش» أو على أنه حالة من اليأس» 
والتعجب» والرغبة فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ م ذات ذابت 
فى أشياء عدة» ثم اكتشفت أن هله الأشياء أدت بها آل 


YY 


شاكر عبد الحميد 
اله ا ج ا وج ت 


اغترابها عن نفسهاء وليس اكتشافها لها ومعرفتها بها. هنا 
تعود الذات أو خاول أن تعود - أو تتساءل هل تستطيع أن 
تعود» أو خلم بأن تعود - إلى عالمها الصغيرء تهدئ من 
توتراتها وانشغالاتها وتجلس فى ركن صغير تدخحن» أو تعمل » 
أو تخلم» أو تقوم بما تخب أن تقوم به؛ مهما صغر شأنه فى 
نظر الآخرين. روح الحالم تطمح هنا إلى الوصول إلى ذلك 
الوضع الانعزالى الذى محدث عنه باشلار» والذى تتدفق فيه 
التأملات الشاردة: هنا يحلم الشاعر باللحظات الجميلة التى 
مرقت من بين أصابعه؛ بكل ما هو هارب وعابر وسريع 
الزوال» بخطرتين متبقيتين من آثار الأقدام» وبمحارة صغيرة 
تمشى توجد فيها الفوضى والأحلام والفراق» محارة توجد 
فيها الحياة والموت» الانفتاح والانغلاق» الخفاء والتجلى) 
محارة وء ء محملة بالحلم؛ بالحياة؛ والانفتاح» والحركة؛ 
والتتحقق» وتختفى فتترك الموت» والانغلاق» والسكون» 
والضياع» والتشتت» محارة تشبه أسلحة ا موتى بجمع جوهر 
الحياة كله بين جنباتهاء حولها تتجمع عناصر الحياة الأولى: 
لماء والتراب والهواء والنار. فهى «تضئ عندما يختلط التراب 
بالعناصر الأولى» فى إضاءتها نار لكنها نار سريعة الانطفاء 
00 فالرياح العاتية على رمال البحر غالبا ما تقوم 

طفائهاء هناك ماء «ينشع مثل الحزن» أو حزن ينشع مثل 
الا محارة تسكنها الفوضى» فيها النار التى تضئ والماء 
الذى يغسل الأحلام وينقيها ويصطفيها وفيها التراب الذى 
يختلط بالعناصر الأولى؛ وفيها أحلام صامتة تشترى 
عناصرها. 


والأحلام هنا كائنات حية تريد أن تتكلم» وتمسك؛ 
وتلوح ؛ وتشير بأصابعهاء لكنها تعجز غالبا عن بلو 
مرادهاء هى أحلام بكماء تتحرك فى ساحة خالية من 
الأصوات. هذه الساحة الخالية من الأصوات تشكل مشهدا 
كابوسيا لحلم صامت مكبوت مكتوم عاجز مرعب» محارة 
ترتبط بالفوضىء والفراق والموت؛ وكلاب الصيد؛ وماء يرتبط 
بالحزك» والصمت والحلم» والكبت» وحلم يرتبط بالعجزء 
والرعب» والشلل؛ والموت. ماذا يستطيع الإنسان أن يفعل 
سوى أن يعود القهقرى؛» ينكص على عقبيه» إلى طفولته 
الأولى يحلم بأن يصير طفلا؛ ٠‏ أو يحلم بالطفل الذى كان. 


1۸ 


يحاول أن يعطى نفسه «هدأة» ويجلس وحده فى ركن منزو 
بعيد يدخن؛ ويتأمل» ويفكر » ويحاول أن يخطو خخطواته 
الأولى » يحاول أن يعرف ويفهم؛ يراقب حركاته وسكناته» 
ویخاول أن يكون حارسا راعيا لخطوته. هذا العالم الكبير 
امحتشد المكتظ يتحول إلى عالم صغير خاص» عالم من 
الأشياء الصغيرة» لكنها الخاصة جداء والحميمة جداء التى 
غفل عنها الإنسان إلى حد كبير جداء عالم يهتم فيه الإنسان 
بآثار أقدامه؛ وخطواته؛ التى هى دلالات رمزية لحركته 
البسيطة المتواضعة فى هذا العالم» وهى حركة ضرورية لقطع 
طرق العالم ١‏ بيرة» تلك الطرق التى يحاول الناس كثيرا 
قطعها قفزا فيقعون فى برائن الضياع؛ والبأس» وهر 
الاحلام. يريد الشاعر أن يتحد بخطواته البسيطة البطيئة 
المتأنية» يراقب 
والآثار إنه فى تأملاته الشاردة لايرغب فقط فى الانطواء ‏ لا 
نعزال ‏ من الخارج إلى الداخل » لكنه يحاول أيضا تقليص 
أحلام هذا الداخل على هيئة خطوات صغيرة» وفى تكثيفه 
مشاعره وأفكاره وأحلامه يقوم الشاعر بتقليص ذاته أيضا؛ 
بحيث لاتمتد كثيرا خا 


ذاته «صغيرا ومحدبا ومارقا کر اناع امرأة» عل عر صغير 


33 


آثار أقدامه؛ ينام فى جاويف هذه الخطوات 


رج حدودها الصغرى؛ إنه یری 


لأنه يرى نفسه صغيرا فعلا؟ أم أنه صغير لأنه يريد أن ير 
ي هل هو صغير لأنه ارتد إلى طفولته حيث 
كان صغيرا؟ أم أنه صغير لأنه يشعر بالتعب والإجهاد 
واستنزاف الطاقة إزاء عالم كبير لايكف عن الحركة 
0 والإيهام بالاهدمام بالأشياء الكبيرة؟؛ 

ثم كان عليه »کی یخرج من حالته السلبية هذه أن 
يعود 7 ذاته» يهتم بأشيائه الصغيرة وبتفاصيل حياته اليومية. 
هذه وغيرها؛ كلها احتمالات قائمة وممكنة. هل هو محدب 
لأنه ينظر إلى أسفل ؟ إلى أعضائه وإلى آثار خطواته؟» 
أم أنه مدب لأنه انطوى على ذاته يتأملها ويستبطنها ؟ أم 
أنه محدب لأنه ارتد إلى تلك الفترة ة القديمة التى كان فيها 
طفلا صغيرا يحبو؟ أو قب| : قبل ذلك حين كان جنينا محدبا فى 
ب أمه التى مرق من أحشائها؟ هذه أيضا وغيرها احتمالات 
صحبحة» وقائمة» ومكنة» ولاتمنع بطبيعة الحال وجود 


احتمالات أخرى صحيحة؛ وقائمة » ومكنة أيضا. 





فى كثير من قصائد هذا الشاعر يحدث الانطواء من 
العالم الخارجى إلى العالم الداخلى: وداخل هذا العالم 
الداخلى تنشط الذاكرة فينبعث الماضى. وداخل هذا الماضى 
تبرز صورة امرأة قد تكون الأم؛ وقد تکون الحبيبة وقد تكون 
الأم الحبيبة أو الحبيبة الأم؛ فى ظلها يتفي الشاعر الحماية 
والأحلام؛ لكنه لاينسى أبدا فى تذكراته وأحلامه أنه ذات 
وعالم ید رکه» ويعيش معه» وينطوى بعيدا عنه» لکنه دوما 
يعرد إليه ؛ أ يحمله معه إلى داخل داته. ومن داخل هذه 
الذات المنشطرة دائماء يتشكل عالم من الأشياء المفتتة 
الصغيرة» عالم يحاول أن يدركه الشاعر ويتأمله ويستوعبه. 
0 3 الذاكرة الكبيرة إلى عناصر صغيرة» 


0 


والأحلام ليست كالاحلام ؛ إنها , شظايا من التأمللات 


٤ 


توشك أو تلم دوما بان تکون» وهی 
إلى حد ما من مشارف 


الشاردة ا التى 
تقترب - فى بعض ا 5 
النحقق. ترتبط صورة المرأة/ الأم/ الحبيبة بالميلاد والحيا 
والمستقبل» لكنها ترتبط أيضاء فى الوقت نفسه؛ بالموت 
والماضى والاختفاء؛ ومن ثم تكثر مع صورة هذه المرأة صور 
الطنم والاختفاءء؛ الميلاد والموت» الوقت الذى لم يكن 
مواتياء والأرض والسماء. 


«لم يكن لدى الوقت . كى أدلّها الى السماء , 
حيتها تحلس ستو رین فرق الارن »لم تكن 
لدی جراة القم a‏ وال باه ا 
E‏ 
الوحيدة المفتوحة الآن على البحر » كأنها أصابع 
الشحاذ». 


المرأة / الأم/ الحبيبة هى أيضا كلحظات الحلم سريعة 
الانقضاء ورغم اختفائها من راقع الشاعر الحالى تظل حاضرة 
معه مهيمنة عليه؛ فى عالم يضج بالذكريات والامنيات التى 
لم تتحقق والتى يستعيدها الشاعر مشحونة بالشجن ومسكونة 
بالحسرة الم يكن لدی الوقت» ولم تكن لدى جرأة الفم 
المزموم» ۰ مضت الأم الى السماءء ولم يكن لدى الشاعر 


حلم عابر وجسد مقيم 


الرقك أو الجوكء أو الإفكان؛ كن يكرن بجوارهاب او مها 
كى يدلها أو يؤخر وصولها إلى هناء جاء الموت ومعه النرم» 
والظلمةء والغياب» فجأة وحمل معه امرأة اتنفتة بالقرةء 
والجرأة؛ ٠‏ ا بالحياة والحماية والماء , لكنها کت معه 
قبل أن ت تمضى الحروف الكتابية التى يحاول أن يكتب الش غر 

من خلالها كتابته الصغيرة 8 فضاء ملىء بالوحل 0 
تركت له أيضا نافذة وحيدة مفتوحة على البحر «كأنها 
أصابع الشحاذ». النافذة المفتوحة على البحر قد تكون هى 
نفسها الحروف التى يخاطب من خلالها الشاعر العالم» وهذا 
E‏ العالم 
لشب أصابع الشحاذ: فى أحيان قليلة خظى هذه الأصابع 
باستجابة الآخرين وأحيانا رة لد خطى سوی بالتجاهل 
والبرودء ولا يجد الشاعر إزاء هذا التجاهل والبرود سوى أن 


ومن لم تظل نافذة الشاعر الى وحيدة ال 


يغلق نافذته الرحيدة أحيانا ليعود إلى ذانه يراقب الأشياء 
الصغيرة. النافذة التى ھی رمز للانفتاح والانغلاق» للخارج 
والداخل؛ هى أداة الشاعر وآليته الخاصة فى هدم ذلك العالم 
الكبير وتحويله إلى أشياء صغيرة مفتتة:» النافذة هنا ليست 
بالضرورة هى نافذة المنزل لكنها قد تكون نوافذ الشاعر 
الخاصة: عيونه وحواسه المفتوحة على العا! م ال لتى يفتحها 
للخارج فيرى العالم امخيط به ويغلمها فى مواجهة هذا العالم» 
ويفتحها على عالمه الباطنى فيرى ذاته وذکریاته وأحلامه» 


«ماذا إذا اذعيت أن كل هذه الأشجار » كانت بذرةٌ 
واحدةٌ وأن كل هذه النساء . آهة واحدة. وأن 
رحلتى من آخر البيت إلى الردهة . كانت خطوةٌ 
اد واک ما اال اوی شن موف + 
لكى تضمّه ساقان , شفَتا . والتفّتا . تُخّبِئان قب 
واحدةٌ . وتعلنان أن صدا الحرير ممكن”. وأن 
لحظةٌ واحدة هى التى تبقى . لكى تَؤمّنا الطيور , 
أل اميا ».ورتم اقها تصطف :دوهما سوق إلى 
منزلة .. E OT‏ 


أرواحنا , نلفها بالعرق الرائق » نستعجلها». 


A‏ زر 


ا اا ل ل را ج ير ي 


الفاعلية الشعرية الخاصة ( وهو مصطلح أفضل فى رأأى 
من مصطلح والآلية» الذى يفيد الميكانيكية والحتمية) التى 
يستخدمها الشاعر هنا هى فاعلية التقليص أو الاختزال» وهى 
فاعلية تركز على المفرد وبع علي نع عي ا 
على الكثرة» أ على الرحدة التى هى «الكثرة) فالأشجار 
كلها «بذرة واحدة)» والنساء كلهن «آهة واحدة» والحركات 
كلها داخل البيت «خحطوة واحدة) » والعالم تاريخه كله هو 
«وخطوة واحدد) ليس هناك عتب على الشاعر ولا إنكار لحقه 
2 أن «يدعى) أو يقول بذلك مادام قد حدد هدفه على أنه 
«البذرة؛ و «الآهة) و«الخطوة» 515 ففى البذرة 
يكمن عالم الأشجارء وفى الآهة يكمن عالم النساءء 
والخطوة هى بذر ة الحركة» والبرهة هى بذرة العالم الكبير 
ا فالشاغر يحتفى بالضتغيره و ادرف والجزشى ٠‏ رالفار 
والعالم الحقيقى عنده يكون حاضراً فى لحظة يجد فيها 
الإنسان ذانه ويحقق وجوده؛ وقد تكون هذه اللحظة هى 

لحظة الالخاد الجنسى بين رجل وامرأة» لحظة تججمع بين 
التوهج والخمودء بين اللمعان والانطفاء» بون الوجود 
الأرضى» والوجود السماوى» لحظة يتحد فيها الناس مع 
الطبورء أى مع رموز التجلى؛ والحرية؛ والحركة؛ والخيال» 
والقدرة على التواصل المنطلق المتحرر من كل آليات الكبت 
والتدريع . والطيور التى يطمح الشاعر هنا أن تقودهء أو يقودهاء 
ترتبط بالحالات شديدة العمق والتوعج من الوعى » والتفكير» 
والتوحدء والخيال؛ والتحقق؛ إنها طيور تحضر وتختفى؛ 
كالأحلام» » ومن الم فهى ترنبطة بكل ما هو عابر غير مقيم؛ 

طيار غير مستمّر؛ إنها فر فى حالتها هذه تشبه بذور الأشجار 

والآهاث الصادقة للنساء التى لا توجد إلا فى لحظات المتعة 
الفائقة» سريعة وعابرة» لكنها صادقة وعميقة , والخطوة نشبه 
نهر هيرقليطس الذى لا يستطيع الإنسان أن ينزله مرتين لان 
مياها جديدة تأتى إليه فى كل لحظة» والبرهة العابرة سريعة 
الانقضاء قد يدرك اسان فيها دون سواها ذاته سر وجوده 
فيتحرر من كل طموحاته الأرضية فى المنزلة والمكانة والمهنةء 
ويستريب فى كل معنى وجوده ويعود إلى أشيائه الصغيرة 
يستنطقها ويندمج معها : 


۰ 


«هكذا نصعد فى الظلمة » #فخفورين: بالذى 
نخافه . وبدنما تفثك تفبّش الريم حكائب الليل , > وتضسع 
الحمّى على الأرفف , و«الفازلين» والحلوى » 
وماء الو ورد ٠‏ فى تویجات. ترف مثلما ترفرفٌ 
انود 
يعود الشاعر من الخارج إلى الداخل» من عالم ذى 
ضوء صناعى إلى عالم ذى نور حقيقى. وفيما بينهما يصعد 
وحبيبته مرورا بالظلمة؛ أو يصعدان فى الظلمة مخيط بهما 
وتتعقبهما مخاوف كثيرة؛ فى الظلمة تكمن كائنات» 
وذكريات وأحاسيس وأفكار غامضة ومخيفة؛ هناك ريح 
«تفتش حقائب الليل »رر سلالها من الهواء» واتضع 
الحمى على الارفف» و«الفازلين» والحلوى» وماء الورد» فى 
تويجات ترفرف مثلما ترفرف النهود؛ ؛ عالم يضح بالحركة 
والخوف والترقب والتحذير فى الخارج» وعالم ۽ بأشياء 
ممائلة فى الداخل؛ لكن عالم الداخل عالم خاص حميم» 
فرغم ما فيه من حركة وخوف وترقب فهوء وحدهء ينعم 
بالحنين 
«بينما تحرر الرَيحٌ سلالها من الهواءٍ ٠لا‏ تسون 
نطف تكونت ؛ ولا يكو ن ظلٌ الكائنات ساخنا, 
يكون وحده الحنين"» نائما . على سريرنا. 
ترتبط الريح بالروح بالنفس الحيوى فى الإنساك وفى 
الكون» بقوة البقاء والاستمرار فى الحياة» وهى ترتبط رمزيا 
بالحبال دالخيوط اتی تربط الإنسان بالآخر أو بالكون؛ وترتبط 
أيضا بالخفىء با 
المراوغ» ع E‏ 16 الرياح من إسارها وينطلق 
الهراء من سلاله التى كانت مختويه: يكون عالم الشاعر فى 
بدايقه» ولا توجد على سريره حركة؛ ولا ظلال؛ ولا ملامس 
بار دة, أو ساخنة؛ يكرن هناك فمَط الحنين يدعره ويناديه؛ 
ويكون هناك الخوف من الليل» ومن النوم ومن كائنات 
الليل والنر م السوداء الكابوسية التى تقضى على النوم وتبدد 
الحني 


س * 


لضمنى » بغير الملموم ى (الحنين) بالعابر» 


ماذا إذا استطاع اللوم أن يدس فيه » كائناته 
السوداء هل أفرّ خلفه كأتّنى الغبان , أترك الوتت 
على ردفين عاريين أم أخاف رقّة «الحاتجو» » 





فأنطرى بما ملكّته من تُعَبٍ , أكف عن محاولات 
التسعئ: أكتفى بأن تكون غابة الأيّام فى اكتهالهاء 
ببورتريهأت» » وكسر مسن الفيوم ؛ فى حديقة 
الأجنة التى سنو وارها كدت 
فلم تعد سيدة تبكى 
ولم يعد للشاعر الخليق باصطياد نفسلة .: أن يرك 
الحزن » وأن يبيت فى الحانات ٠‏ يسكب العالم من 
کوب إل لى فراغه الموحش». 

حالة الشاعر هنا مريج من الحيرة والخرف: هنا عالم ليلى 
غامضء والليل فى تصائد هذا الشاعر ليس حاضراً فى 
الظلمة فنط؛ با عر لامر ونى ساحة شمس 
الى ن الساطعة؛ إنه الليل ا الذى يشير إلى عياب القيم 
وانقلاب المعاير وضياع الأحلام, الليل هنا دّد يرمز أ إلى 
تلك الحالة البدائية التى يطمح الشاعر فى أن يصل إليهاء 
حالة النكرص 8 الاخاد س ر ا 

گی ا ل 4 


أو الحبيبة الا , التى يدا 


م العظيمة/ الأ الاحبيبة | 
يمح إليها ويحلم بها بكل ما قد بعتم 
عليه هذا الرمز من ميلاد وحب وموت وتدمير. الللمة 
حالة تسبق الميلاد والنور والبداية والابقداء «الاستيلال 
والتوير ٠‏ لكنها أيضا حالة ترتبط ا والعماع: وسديم 
الموٽت؛ والجنرن» والتفكك؛› والتحلل . 
تتطور وهى ترتبط بجانب الأمرمة 2 لر از نشوية (الحنا 


لظلمة حالة تنمر 


والحنين لهما ررابط مشتركة خفية) ويرتبط الجانب الأسرد 
من الليل بالموت؛ كما يرتبط بظلمة الرحم التى خرجنا منها 
إلى ظلمة القبره مارين خلال ذلك رة الان كسا كات 
صمويل بكيت يقول: بينما يرتبط الجانب الأبيض المضئ منه 
بالنوم والأحلام والدمرء أما الرحيل أثناء الليل فيرمز إلى 
محاولة الوصول إلى تلك الأسرار الخاصة بفئة معينة 
مصطفاة من البشر دون غيرها (تد يكوث من بينهم الشى 
الصادقون والمبدعون الصادقون الحقيقيون بشكل عام مثلا) . 
ماذا إذا دس الليل كائناته السوداء فى حنين الشاعر؟؛ 
ماذا إذا دس الليل كوابيسه فى هدأة الشاعر الليلية؟ ماذا إذا 
حاول إخافته أو غوايته أو استدراجه؟ هل يجرى خلفه كأنه 
الغبار؟ هل يتبدد خلف غواياته أم يتراجع مقيدا أيضا أمام 


حلم عأبر رجسد مقيم 


تهديداته ؟ هل برك ما بين يديه : ترك وقته الحدد الخاص 
الحميم وعلى ردفين عاريين؛ ؟ هل يخاف من ارقة 
التائججوه ؟ أم يختار تلك الحركة الوئيدة الرائعة» لكن المليئة 
بالذ كريات» والحزن» والشج ن» والرقة» والحنين» ويفرح بما 

ملكته يداه من أشياء صغيرة وبكف عن الحركة والسعى؟ 
تساؤلات وتساؤلات» والشاعر واقع بين برائنها امحيرة» رغم ما 
تش به القصيدة ة من تمرد ورفض لكل ما هو ضد قناعات 
الشاعر وأحلامه الخاصة. ولذلكء؛ فإن التساؤلات هنا ليست 
تساؤلات الحيرة؛ بقدر ما هى تساٌلات الاستنكار والتعجب 
والرفض . يرفض ى الشاعر أن يكون مع القطيع› وأن يصع 
حياته سعيا وراء مكاسب قليلة وانتظارا لاكتهال الأيام 
ونهايتها؛ وبأن ار ES‏ 


3 


يفول فهدف الحياة ينبغى أن يكون هو الحياة» يرفض الليل 

وأحلامه أو أن تكرن إمكانات التحقق فيه مكرسة من أجل 

صو شخصية باهتة» أ 5 اجا تخي + ظلام الغيوم «نتنايا 
ا 0 د 3 د م رم 2 


لذلك.: فإن الإجابات عن التسالات المرتبطة بالأفعال: 
«هل أمر؟ ... أترك؟... أخاف؟... أنطرى؟... أكن؟ . 
أكتفى؟ ؛ حى دائما بالنفى. رغم ما يكتنف اللسافة بين 
التسائل والإجابة من حيرة وقلق واستنكار ودهشة. يرفض 
الشاعر صررة حديقة الأطفال الأجنة الأحلام التى نهدمت 
أسوارهاء فصارت مستباحة؛ ويرفض صورة المرأة/ الوطن 
التى فقدت 0 وأصبحت مستباحة ناء فلم تعد 
تبکی لأى ى؛ يحدث لهاء ويرفض صورة الشاعر الذى كف 
عن ارا لفهم ذاته ودوره؛ وقدراته, وإمكاناته؛ وجلس 
يبيت فى الحانات يسكب العالم من كرب إلى فراغه 


ا موحش » فاصبح عالمه يدور بين رحى الفراغ والوحشة 1 


ملعمو لوج م ر رر لن اة الت 
أم الرحيد من يرى فى ذكرياته أودية الت . 
فنسخت الوادى الد لذى بقربه 

يطويه 

يسحب الّذى يليه 

والذى يليه 


قبلما ينازع الشاعر كائنٌُ آخرٌ ». 


اا ا 0 


تنفتح بوابات الذاكرةء يخرج الشاعر من الظلمة إل 
النور» لكنه ضوء كالظلمة» وظلمة كالنور. فى انطوائه 
المخاص» وظلمته الخاصة» يرى الشاعر الاشياء واضحة؛ فی 
ضوء الظلام الخارجى تضيع الرؤية ويتبدد الإدراك» ومن ثم 
يقفل الشاعر عائدا إلى ذاته ووحدته التى هى قلعته ‏ كما 
كان كير كجورد يقول - کی يرى الأشياء بعين اليقين. إنه 
ينقل الخارج إلى الداخل ويقوم باختزاله» من خلال 
تلخيصه على هيئة متغيرات» وقوانين خاصة: يللاحظ 
هيا علية. عندما خرج الشاعر من داخله اك الخارج 
اضطرب وضاع» عندما عاد من الخارج إلى الداخل أدرك 
وفهم ووعى . ولكن هذا الإدراك والفهم والوعى لم يكن 
مكنا دين ذلك الخروج» وهكذا فإن فاعلية الحركة هنا 
٠‏ نتحه من الداحل إلى الخارج » ثم من الخارج إلى الداحل» 
ثم من الداحل إلى الخارج» وهكذا فى حركة إبداعية 
بندولية لا تكف عن الحركة والتارجح والانتقال والالتقاط. 
بشعر الشاعر بأنه منفى فى بلده» غریب فی أرضه»؛ غریب 
TRT‏ حيان التوحیدی» الذى هو ليس غريبا عن 
البلاد لكنه غريب عن العباد «من فى أهله غريب». يتساءل 
الشاعر کن هذا الفقر الضارب فی بلاد غنية» عن هذا 
بنذ کر› ويتذ كر» وذ كرياته ایت من الماضى البعيد» بل ھی 
من الماضى القريب» والقريب جداء ماض انطوى عنه لكنه 
حاضر فيه » لايد رکه الان فقط› بل يدركه ويتذ كره ویعیش 
فيه» والفاعلية النفسية النشطة هنا هى الذاكرة القريبة التى 
تستوعب الأحداث التى نمر بها خلال أيامنا هذه؛ إنها تنقل 
لنا اثار الخبرات الحديثة التى نتفاعل معها ونعانيها ولانستطيع 
أن ننساهاء تعاونها؛ فی ذلك» ذاكرة شخصية» وليست 
ذاكرة جماعية أو تراثية بعيدة تمتد بالإنساد إلى طفولته 
وذكرياته الأولى وغالبا ما تكون هناك المفارقة» أو التضاد بين 
مكونات ذاكرته البعيدة» ومكونات ذاكرته المريبة» الأولى 
زاخرة بالضوءء والثانية تغشاها الظلمة : 


و 


لايدرى لماا هزه الأودية التى تزدان تحت 
الشمس , كيف يجرؤ الجاموسٌ والغزلانٌ واماعزء 
أن تدوسها , وكيف لا تكون ساق امرأة ؛ إناء 
دمر , عندما نشاء أن تكون ساق امرأة » حيّية ' 


a‏ ء نه 
ورطّبة“. وفوق سطحها يرتعش الطالع». 


YY 


الوديان الخصبة نحت الشمس التى هى رمز للخصوية» 
والإثمار» والحرث والفلاحة» والعناية » والرعاية» والحياةء 
والحماية؛ والامانء حولت إلى ساحة من الفرضى؛ جو 1 
فيهاوتدوسهاكل الكائنات البرية والجبلية (الإنسانية 
خاصة) القريبة والبعيدة» المرأة التى يفترض أن نكون 
مرتبطة بالحياة› والميلادء والتجدد» والانتشاء؛ حولت إلى 
امرأة عاقر مثلها فى ذلك مغل الوديان المجدبة التى تعمها 
الفوضى. وملامح اشر والأعضاء تكون إما حائنة 0 مريرة) 
لاتبوح بالصدق ولاعحفن المراد منها: 


ا تخوننا ا ملام الّتى تلبسها الأعضاء , عندما 
نعرفها للمرّة الأولى» وريّما تصين صرة"” إذا 
تأخرّت عن الرحيل» 
وهكذاء فإن الملامح امحببة المثيرة للاهتمام غالبا ماتكوك 
ملامح خائنة» وتکون الملامح المألوفة المعروفة مريرة وباهتة؛ 
والشاعر واقع بين الخيانة والملل والرتابة» فالطريق الذى يعبره 


یتسم بالضبابية والماوغة «الخداع» والبرودة» «القتامة : 
i‏ کک رک abe‏ و 


هزه هى القنطرة الّتى نعبرها , أقدامنا تغوص فى 
أخشابها . تعبرها , 
صو يشابه الأسفلت ؛ يستحم فى فضائها . 
نعبرها. وخلف كلّ خطوة مدينة تهوى » إلى 
حدود شيء غامض. 1 
الحركة الغالبة هنا العبور» محاولة عبور القنطرة التى 
توصل بين مكانين؛ إنها وسيلة للاننقال من حالة إلى 
ا ىء هذا العبور قد يكون مؤديا للوصول إلى هدف نسعى 
إليه » وقد يكون مؤديا إلى مزيد من اليه والضياع (مدينة 
تهرى). لم يكن إيقاع الحركة» هناء التى عبر عنها الشاعر 
من خلال تكراره كلمة «نعبرهاء إيقاعا هادئا أو مريحا؛ 
فأخشاب القنطرة :, كالرمال المتحركة» تغوص فيها الاقدام؛ 
وفى كل خطوة من خطواتها يتردد صوت يشبه صوت المشى 
فوق الأسفلت فى الفضاء المحيط بالقنطرة؛ والشاعر هنا 
يستخدم الفاعلية المسماة تراسل الحواس أو التركيبية خاصة 
فى ربطه بين أكثر من حاسة؛ وفى نقله الوظائف الخاصة 
بحاسة معينة» إلى حاسة أخرى» ويظهر ذلك على نحر 
واضح فى قوله «وصوت يشابه الأسفلت يستحم فی 











فضائها». وما قام به الشاعر هنا هو أنه ربط بين الصوت 
الذى هو 0 سمعية؛ والأسفلت الذى هو خاصية 
بصريه من حيث لونه) وشمية ة (من حيث رائحته) ولشية 
(من حيث صلابته)» ثم إنه أطلق هذا السوت بخصائصه 
الضية المتعددة ف فضاء القنطرة ا يط بالشاعر بينما يشوم 
بعبو, رها . القنطرة إل لتى عبرها الشاعر قد تکون ھی قنطرة حياته 
الخاصة أو العامة» وقد تكون ھی معبرة من عالم , الخا رج ج إلى 
عالم الداخل وبالعكس» من عالم اليقظة إلى 0 لم النوم 
وبال كسء يقظة كانها ا كأنه اليقظة› وفيما 
بينهما تموى مدن ومدن إلى ما وراء حدود غامضة وبقاع 
بعيدة؛ حالة هى كالشلل أو هى شلل فعلى؛ تداحلت 
فيها حدود الأشياء وضاعت فيها ملامح وأعضاء : 


اكائما الانسحة امحت 
ولم يعد بقدرة الأشياء أن تكون حرةٌ 
متى ترفرف الأيدى , على ضاف السك :ان 


شى اه الخضرة نكن تحت رعشة الأيدى › 


ato فتعلر‎ 


فى ظل هذا الشلل » فى ظل هذا التداخل وعدم 
اليد وا لىع . هذه الحالة من «البين بين E‏ 
الأشياء فيها أن نكون حرة؛ ولاتستطيع الأشياء أن نكون 
ضائعة:؛ لا تستطيع الأشياء والناس أن تكون غائبة؛ ولا 
تستطيع أن تكون حاضرة؛ حضورها غياب» وغيابها حضوره 
لقد فقدت الأشياء - 0 أو الناس الأشياء ‏ قدرتها 
على الخركة؛ والفعل, 
السديم العشوائى 0 الشاعر: متى ترفرف الأيدى على 
تامع الخ ار کی مناخ الحضرة تستكين خت رعشة 
الايدى» «فتعلو» وخمحا؟) فى دعرة واضحة لحرية حركة 
الأيدى التى هى رمز لحرية حركة الإنسان» بشكل عام. 
الإنسان العبد غالبا هر إنسان مكبل اليدين» عندما ترفرف 


الأيدى أو حتى ترتعش فمعنى ذلك أنها حرة وها خفق 
ذاتهاء أو تحاول أن تصل إلى هذا التحقق؛ الحضرة هنا هى 
الوجود الحقيقى» الحضرة من الحضورء. والحضور ضد 
الغياب؛ والحضور معناه الوجود الملموس المحسوس المؤثر 
والفعال. 


حلم عابر وجسد مقيم 


اليد هى واحدة من أكثر أعضاء الجسم فى قدرتها الرمزية 
التعبيرية. وقد كان أرسطر يعتبرها «أداة کل الأدرات» 
راعتبرها بعض الفلاسفة تكاد تتكلم» مثلها فى ذلك مثل 
الفم» فنحن نستخدمها فى الطلبء والآمر والتعبير» والوعد» 
والوعيدء والسماح بالدخولء أو الانصرافء والتوسل» 
والإنكار» والتعجب» والموافقة» كما نستخدمها فى التعبير عن 
الفرح والأسف» والتردد» والاعتراف» والحجم» وغير ذلك من 
الأغراض. وترتبط الأيدى بالقوة والكرم (اليد العليا واليد 
السفلى) والعدالة والحماية وغير ذلك من الدلالات. 


الأيدى هناء بالنسبة إلى الشاعر وسيلة للاحتواء والإمساك 
بكل ما هو ملموس ومحلد ومحبب ويقينى » إنه يناديها 
ويتعجل حضورها الحر الطليق؛ ويعلن أن هذه الحركة الحرة 
للأيدى» التى هى فى الوقت نفسه حركة حرة للجسد كله 
وسيلته الخاصة للكرامة» والاستقلال والبعد عن أن تكرن يده 
يتحکمون فيها ويح ركونها 9 ا 


«هكذا يقتر ب الشاعرٌ من غريمه تطبخ «الناز» 
انحيا ذا واضحا من بود ان يسارب الرصيف 
والغواة . أن يمشى على شريانه المفتوق » حيث لا 
اول الملل ان بكرن لذ ر اوخ 
تقدر الأرض على إقفال فرجهاء. 


بكم الساع كيه فى بواجي غريمه الذى قد يكون 
شاعرا آخر» وقد يكون أى إنسان آخر يتبنى أنكا ر أرقيما 
ومعتقدات غير الأفكار والقيم والمعتقدات التى يتبناها الشاعر» 
والتى تنبنى على أساس الابتعاد عن كل ما هو مبتذل وشائع 
ومستهلك ومباح» ومقاومة كل محاولات الغواية والتدجين» 
وجعل الشعر (أو الصلصال مادة الخلق والإبداع) يتبنى قضايا 
الإنسان والوطن ‏ دون لغة زاعقة أو نبرة حماسية مدببة عالية 
الرنين »لكنها مجوفة المعنى وخالية من الصدق - «البارة قد 
يكون هر المكان الذى يلتقى فيه شاع بغرمائه وأصدتائه» 
مستهلك ومبتذل؛ ومباع» ومتروك (الرصيف»؛ وضد كل ما 
يحاول أن يستهوى الإنسان ويغويه ويبعده عن قضايا حياته 


YY : 


ا و ا ج ج ص و 


الأساسية من أجل مكاسب صغيرة عابرة. يتمنى الشاعر من 
الأخر أن يكون معه فيقاومان معا الابتذال والغواية» حتی لو 
نيا على شرايينهما المفتوحة» ويتمنى أن تغلق الأرض 
فتحاتها وتكض عن أن تكون مستباحة لمن يستطيع أن يدفع 
الشمن (هذه 1 0 اشرب أسام لدي باء المغلقة اام 
الغرباء بعرباتهم الملكية التى يقودها عسس «وجندرمة؛ » بينما 
الزهور التى تنبت وتورق فيها هى زهور بلاستيكية صناعية؛ 
وتحدث ثورة فى هذه الأرض الخراب» لكنها تفشل بعد ما 
كادت توشك على النجاح : 


«كانت ثورة الموتى . مهيأة, ولكن اختلاط 
فحيحهاء بسيولة الأحماض ٠‏ والغازات ؛ لم يدع 
الهواءً الرخى ينزل من عباءته . سوى صوت › 
يشى بأواخر الكلمات. 

فى أذنين 

عالمتين 
أن مفازة كبرى هى المعجم » أن اله لا يسكن فى 
الظلمة» من ذا يستطيع إذن أن يقهر الموتى » وأن 
يضع السلال على ظهورهم ‏ ويملأها بما 


ادخروهة» . 


ثورة المونى هذه قد تكون هى ثورة الجوعى المرتبطة 

بمظاهرات الجوع وطلب الخبز التى حدئت مرات عدة فى 
تاريخ هذه الأرض (آخرها با م( التى يتحدث عنها 
الشاعر؛ ثورة ة الموتى المقهورين كادت أن تنجح؛ لكنها فشلت 
لأن وقودها أو قوتها المحركة كانت منبعثة من أعماق البطن 
وليس من أعماق العقل » من الشعور الفردى العابر وليس من 
الشعور الجماعى الواعى المقيم» من الجزر المنعزلة وليس من 
الكيانات المتكاتفة. ٠‏ ومع ذلك فان إن اشر تترك وراءها دائما 
فكرة خحالدة» هى أن الشورة ممكنة وأن القمع لا يمكن أن 
يدوم » وأن حدود 00 اكبر نما يقدم للناس» وأن الله 
موجود فى النور والحياة و أكثر ما هر a‏ 
والموت : 

«هل من شاهد 

جسدى حدودى 


لم يشأ أحدٌ من الأطفال 


٤ 


أن يتقبل الأرض الخراب 

ولم تكد أغنية أخرى 

تدار على «الجرامافون» 

إلا وأ ختفت شفة 

تفتران 

عن وقت 

هو الوقت الذى أبغيه». 

يدرك الشاعر أن الأرضء كما قلناء تعج با موتى 

والضائعين ؛ ونفتح بواباتها» وفتحاتها للغواة» والطامعين ٠‏ يعود 
إلى ذاته, إلى حسدة) لن عالمه الصغير» يبتعد عن ذلك 
العالم الخراب الممتلئى » بالعفن» المكتظ بالنتانة» والأحماض 2 
ولي زات» والفحيح» والزهور الصناعية؛ يستحضر 0 
ف ن الأغانى ال الخاصة سريعة تاشتاب الكنها أغان یل ٤‏ 
زمن يبتغيه الشاعر ويحلم به؛ وهو زمن غير هذا الذى يعيشه 


ونعيشه معه : 


«من منا سيبتكر الطيور , ويخلط الحناء , بالأفلاك 
e‏ 
للذكريات الغفل » أم أن الغواة هم الذين هناك › 
أرجلهم سيوف الله » واستيقاظهم يبدى كما لو أنها 
سقطت طيور المن من أحلامهم ؛ وتآكلت فى 
الريح. 
مازالت لدى الأشياء الأشياء , آونة » لتحيا مرة 
أخرى , وتفرد ظلها للنور » كى يمتص عنها الموت, 
يفسلها . فقط فيما ينام الليل . سوف تصالح 
الأشياء أنفسها . وتستلقى على مهل , ولكن ريما 
يحتاج هذا النور أن يقوى وأن يختاره الشاعر 
حتى تستدير الريح نحو الأرض أو تمضى. 
وفى أطرافها كتب معلقة 

” وإزميل 
لعلى ذات يوم أشترى الأحلام: أرصفهاء وأبنى 
ل ا 


ااا الال برض ل 





ولزادهاء ويملكها أبناؤها؛ يحلم بالطيور» والحناء؛ بالأفلاك 
البعيدة ؛ يحلم بنافورة حت عينيه» مع دورانها وحركة مياهها 
تنبعك الذكريات النقية غير الملوثة» يحلم؛ ويحلم» ويخاف 
من حلمه؛ وعلى حلمه؛ من الغواة الطفاة الذين يحطمون» 
بأرجلهم وبمنهم وبح ركتهم وبنومهم وبيقظتهم» حركة 
أحلام م الشاعرء وأحلام الأطفا! ل الذين رفضوا قبول الأرض 
الخراب. ويستمر الشاعر فى الحلم؛ يحلم بالضوءء ويحلم بأن 
يمتص هذا الضوء ظل الموت من الأشياء؛ ويغسلهاء وييعث 
1 الحياة ؛ يحلم بانقضاء الليل/ الظلمة ومجوء الضوء / 
لها ر/ الوجود/ الخضرة/ التحقق/ الحرية؛ ؛ يحم بالنورء 
وباختیار الشعراء لهذا النور؛ يحلم بالشقافة» 
رالعمل» وبطاقة هائلة تدفع الوطن إلى الأمام فيتغير ويغير» 
يخلع عن نفسه أسمال الموتى ويرتدى ثوب الحياة النقى 
النظيف. ويظل الشاعر فى تسازلاته وأحلامه؛ فالمتغيرات 
الأساسية لحالته الشعرية والحياتية مازالت قائمة والعالم لديه 
عالم مختلط › متزاكت متداخحل» يفككه وی رکبه» يعود إلى 
أصغر شكونه » ٹہ يرجع إلى أكبر همومه وانشغالاته» و 3 لقصيدة 
هنا لاتلتزم مايسمى فى التراث النقدى بالوحدة العضوية. 
فليست فيها بداية محددة ونهاية محددة» فوحدتها مضمرة 
وليست ظاهرة» الوحدة هنا هى وحدة التفتيت؛ والاختزال» 
والعأمل» والاختلاف واستبطان عالم الذات وعالم الواقع؛ 
وليست وحدة البناء أو التركيب الخارجى للقصيدة . يعالج 
الشاعر صورة معينة ثم يخرج منها إلى صورة أخرى أو أكثر 
من صورة؛ ثم يعود إلى صورته الأولى» کی يؤكدهاء أو 
يضيف إليهاء أو ييرزها بشكل جديد. 
يتمنى الشاعر أن يقلب الأمور فتبنى الأحلام على أرض 
صلبة (خرائط الأجساد» وليس العكس. هنا ينتقل الشاعر من 
حالة التأملات الشاردة وأحلام اليقظة والتذكرء التى هى فى 
العادة حالات فردية تأملية ذاتية؛ إلى حالات حوارية يحاور 


وبشوة هذا النورء 


«مازالت يدى تختز من عنقى . صراحًا يشبه الماضي؛ ويشبه 
ذلك الوقت الذى أبغيه 


حلم عابر وجسد مقيم 


هل حقا 

تكون الارض مزرعة لغير الارض - قال الشيخ 

أحذية ‏ يقول سواه 

صوت طفولة أخرى 

ومن أقوالهم : 

رمانةٌ. تفاحة. بصل وثوم 

غرفةٌ الديدان 

إكليل الهلاك 

صحيفة الموتى 

قرین دائم للباه 

إبريق من الفخار 

عش البلبل الخشبى». 

مازال الشا لشاعر يبحثء ويستطلع » ويتأمل ؛ ويستكشف سر 

وجوده؛ وطبيعة حياته وواقعه؛ يشعر بالاختناق» يبحث عن 
صوته الخاص» ينادى ويصرخء يبحث عن زمنه الخاص» 
المستقبلى؛ يسمع صراخاء يصدر منه صراخ تكرر كثيرا فى 
الماضى » ومازال يتكرر فى الحاضرء يقيم حوارية بينه وبين 
الأطفال والشيخ والاخرين؛ يقيم حوارية بين الأطفال 
(الشاعر/ الحلم/ المستقبل) والأطفال (الحلم / المستقبل / 
رفض الأرض الخراب/ البراءة / البعد عن التلوث) والشيخ 
(الماضى / الحكمة / الموت) والاخرين (الحاضر/ الغواية / 
الرصيف / الابتذال) . والأرض (أو الوطن) كما يراها الشاعر 
ھی كل ذلكء معاء الآن ٠‏ لكنها لايمكن أن تكن كذلك 
بالنسبة إليه فى المستقبل» » أو هكذا يحلم. ٠‏ يرى الشيخ الأرض 


أحذية: وعبودية؛ وقمعاًء واستغلالا, ويرى الشاعر أنها ينبغى 


أن تكون صوت طفولة أخرى؛ بينما يرى الآخرون أنها مكان 


للحصول على الطعام والشراب (رمانة / تفاحة » بصل وثوم) 
أو أنها مجرد مجموعة آثار قديمة:» أو أنها مكان دفن الموتى 
(أرض للقبور والهلاك)؛ أو أنها ترتبط فقط بالعرض والشرف 
الذى عادة مايفهم بمدلوله الجنسى فقطء أو أنها وسيلة 
للحصول على الطين؛ وبناء المنازل» رصت أباريق الفخارء 0 
أنها موضع الأغانى الحماسية والعاطفية الكاذبة (أو الصادقة) 
التى يعيش فيها البلبل محبوسا أو طليقا. الأرض لدى الشاعر 
هى الأرض: وهى دوما مرتبطة بالحياة والإيجاب» والتفتح» 
والتحقق» والامتلاء بالطاقة» والإمكانات» والأحلام. الأرض 


Ye 


لدى الشاعر هى قصائده» فإذا كانت خراباء كان الشعر حرابا 
أو معبرا عن هذا الخراب. والوطن» فيما يرى الشاعر بالنسبة 
إلى البعض» ھی کلمات وحوارا ات جدلية فقط! 
" علم «الديالكتيك» 
جسم عائم فى الماء 
مايبغضة الله وما يعشقه الشيطان 
مومسة 
سريرٌ الكون 
إسفنج 
تراب آكل للروح 
هل حقا 
يكون الشعر مزرعة: يقول الشيخ 
أحذية : يقول سواه 
من أقوالهم: علم الديالكتيك». 
فإثبات علاقات الإنسان 5-5 3 يتم من خلال 0 
ولیس من حلال الفعل» » وهو بالنسبة إلى البعض الآخر جزيرة 
أو جسم عائم فى الماء» أو هو ما يرتبط بالجسد والخطيئة 
والحياة... إلخ. 
والشعر» كذلك؛ يشبه الوظن» يمكن أن يكون حذاء فى 
قدم السلطة أو الغواة» أو غيرهم» عندما ينبعث بعيدا عن 
الصدق فى ااه اصطياد المكاسب الصغيرة ة(أو الكبيرة) » 
وقد يكون وسيلة للعب بالكلمات وا والحيل اللفظية» 
لكنه بالنسبة إلى الشاعر أرض ينبغى "أن ترخر بالأغانى 
الجديدة» وبالزمن الجديد» وبالأطفال الصادقين» وبالأحلام 
الجديدة حتی لو كانت أحلاما صغيرة ٤‏ 
أن يتقبل الأرض الخراب ِ 
إل واختفت شفةٌ 
وحلّت غيرها شفتان تفتران 
عن وقت 
هو الوقت الدى أبفيه». 


۳٢ 


وهكذاء فإن الشاعر الذى ا راد أن ينطوى داخل ذاته» 
ويعطى نفسه «هدأة؛ ويجلس فى ركن من الأركان» يفكر 
فى أشيائه الصغيرة» قد حمل العالم معه» وتفجرت بداخله 
ذكريات» وأحلام» » وتمردات» وإيديولوجيات. لقد وجد نفسه 
یعیش واقعه كله بماضيه وحاضره ومستقبله» » لقد أراد أن 
يستوعب الواقع بداخله فوجد الواقع يستوعبه» ا راد أن يحتوى 
الواقع » فوجد هذا الواقع يحتويه. صحيح أنه اهتم بالأشياء 
الصغيرة والعابرة فيه» أو أراد أن يستمر فى اهعمامه بهاء » لکنه 
أدرك فی الرقت نفسه أن هذه الأشياء الصغيرة والجزئية 
والعابرة» والذاتية» والداخلية؛ ليست منفصلة أبدا عن الأشياء 
والقضايا الكبيرة» والكلية؛ والمقيمة؛ والمتعلقة بالخارج 
وبالآخرين؛ لقد انفصل ليتصل» وانطوى لينبسط» ولم يكن 
انقباضه الداخلى العاكف على الذات إلا امتدادا وتعميقا 

وإحاطة بكل مايتعلق به» وبحياته» وبواقعه» وبحياة الآخرين 
بما يرتبط بها من تهديدات وکوارٹ وآمال. 
جسد المدينة 

يقول باشلار كلما ذهبنا نحو الماضىءكلما بدا الخليط 
السيكولوجى الذى يشتمل على الذاكرة والتخيل غير قابل 
للانحلال. رإذا أردنا ا لساهمة فى وجودية الشاعرى 
(الجمالى) يجب أن نعزز وحدة التخيل والذاكرة. لذلك 
يجب هنا التخلص من الذاكرة التاريخوية (التى تفرض 
خصائصها الفكرية على الأحداث)» إنها ليست ذاكرة حية 
تلك التى تسير على سلم التواريخ دون البقاء. مايكفى فى 
أمكنة الذكرى أن الذاكرة/ التخيل مجعلنا نعيش مواقف 
لاحدثية (غير مرتبطة بحدث بعينه) فى وجودية شاعرية 
لاتشوبها الحوادث. أننا نعيش هنا جوهرية شاعرية» ففى 
تأملاتنا التى تتخيل وهى تتذكر يسترد ماضينا شيئا شيكا من 
مادته... إن مايعيش فينا إذن ليس هو ذاكرة تاريخ وإنما هو 
ذاكرة کون" . 

قصيدة «الإسكندرية؛ لعبد المنعم رمضان(19) هى قصيدة 
ذلك الخليطالسيكولوجى» ذاكرة / تخيل الذى أشار إليه 
باشلار. إنها قصيدة أقنعة أيضاء هى قصيدة حول الذاكرة 
والتخيل والوجدان والمكان. 


سج تت جام عاين وجس مقيم 


« كان كفافى يعشق الإسكندرية 
كان يرف فوقها كورقة 
ويختفى فى رعشة الأزقة 
وكان أن ناداه طائر البحر 
جا 

واحترقت جبته 

فمال نحو امرأة يعرفها 
تقول: ما الذى أغواك يا كفافى 
يقول: ساعدان أبيضان». 


الإسكندرية هى أُرض المشاق الهائمين» رهى مكان 
الهاربين من وطأة الذات» ومن عنت الآخرين» هى تاريخ 
يتشكل»؛ وجغرافيا تمتدة فى الفضاء اللانهائى, حيث البحر 
والسماء والتاريخ؛ وحيث كفافى ولورنس داريل وكل من 
عشقوا أبدية بودليرء التى هى البحر مختلطا بالشمس. كان 
كفانى يعشق الإسكندربة ويعيش فيها كحلم عابر» وكصرفى 
عاشتق محترق» الإسكندرية هى امرأة كفافى ذلك الذى كان 
بلا امرأة» لقد عشق المكان الذى خرب روحه» أتلفه العشق 
فهام على وجهه «یختفی فى رعشة الأزقة) » يصبح كفافى 
والإسكندرية عاشقين» رجلا وامرأة» عاشقاً ومعشوقة» وهاهما 
« يغافلان البحر 
یبرکان فوقه 
يغتسلان فيه 
يصبحان جرةٌ 


ورزئيقه 
وحين يكون الناس فى الحانة 
0-6 
“يقال عنهما يمامتان 
وحینما یگاءب الساقى 
ويعلن انتهاءه 
ولايريد الناس غير خيمة 
وحارسين 
يقال عنهما : جروان عاشقان 
الرجل الذى يدعونه كفافى 
والمرأة التى يدعونها الإسكندرية». 


الإسكندرية ليست مجرد مكان؛ بل هي مكان لجسد؛ 
ھی مكان/ جسد؛ وهی جسد/ مكان؛ وهى كائن متحول» 
وجسد لايكف عن التكون والتشكل. تاريخها تاريخ جسد 
وتفاصيلها تفاصيل جسدء وجسدها جسد منتهك بالمحبين 
والقاصبين وبعوامل الهدم والبناء» بالموت والميلاد. ركفانى 
لايكف أبدا عن عشقهاء وهى تسلم له نفسها لأنها أدركت 
أنه يحبها دون غرض» يتجول معها وفيها وبهاء يغافلان البحر 
ويفتسلان فيه» ويواجهان الصحراء ويتجولان فى الشوارع؛ 
يتحدان؛ يصبح هو هى؛ وتصبح هى هو. . ولأن كفافى كان 
شاعرا فقد عشقته الإسكندرية كما عشقها؛ إذ أدرك فيها 
أعظم ماتمتلكه من أسرار وخصوبة؛ أدرك فيها الحلم وأدرك 
فيها الخلود» أدرك فيها حلم الخلود وحلم التميزء أدرك فيها 
حلم الأبدية (البحر مختلطا بالشمس»» وأدرك فيها السر 
المرارغ للحظات الجميلة سريعة الانقضاء؛ مرعلى 
الإسكندرية الكثير من الغزاة الطامعين والغزاة الحالمين. لم 
يقدم لنا عبد المنعم رمضان الإسكندرية من خلال المنظور 
التاريخى الكرونولوجى ؛ بل قدمها تنا من خلال المنظور 
السيكولوجى حيث بدأ بالأحداث الأقرب إلى نفسه؛ وهى 
أحداث قريبة حتى من الناحية التاريخية؛ د تاريخ إسكندرية 
كفافى؛ وقدمها على تاريخ إسكندرية الإسكندر أو قايتباى أو 
غيرهما.. بل إن الإسكندرية» هناء ھی مكان يتجاوز الأفراد 
رالأحداث ر الجزئيات» فكل هذه المكونات مجرد حبات رمل 
على شاطئها الرحيب؛ ومجرد قطرات ماء فى بحرها امخيف. 
ليست قصيدة الإسكندرية قصيدة غنائية حول شاعر يتحد 
بالمكان فيعطى لهذا المكان كل الخصائص الإيجابية السرمدية 
الأبدية» بل هى قصيدة درا امية مملوءة بالذكريات» والتخيلات» 
والأحداث الكولاجية التاريخية» وبالحزك؛ والحسرة» والأسى» 
والأمل وكل هله الأمنيات والمشاعر الإنسانية المتنائضة» 
والختلطة» والمتميزة فى الوقت نفسه. تتحرك الإسكندرية بين 
شاعرين: شاعر من الماضى البعيد نسبيا هو كفافى وشاعر من 
الحاضر المعيش الان هو عبد المنعم رمضان:؛ ومن بين بعث 
الشاعر/ الحاضر لروح الشاعر / الماضى يتكشف لنا هذا 
المكان بكل خخصوصياته وأحداثه وتواريخه؛ عوالم مختلفة من 
الذكرى والتخيل: 


يفف 


وا ا م 


«حين اغتسلث فى مياهها 
لم أذكر الإسكندرَ 
القوى مثلما تقل كت التاريخ 
والجميل مثما تخْمَنْ النساء 
لكننى حين اغتسلت فى مياهها 
ذكرث أنها هى التى تخقّفت 
من ثوبها الرملى 
أعطت جسمها للبحر 
صار و 
تدف قوق ازجل الشطان 
تنتوئ العكوف 0000 
حتى إذا تهيات للقوم 
كان هذا الرجلٌ القوئ, مثلما تقول كتب التاريخ, 
والجميل؛ مثلما تمن النساء, 
خائقًا 
يحلم فى تطوافه بامرأة 
تنيمه على الفراش 


تأخذه وديعة” 30 


تبدو صورة الإسكندرية هنا كما لو كانت هى التى 
أعطت الإسكندر خصوصيته؛ منحته أعظم ما فيه؛ إنسانيته» 


حزنه؛ وبقاءه؛ وحاجته إلى امرأة. صورة الإسكندر هنا تبدو 


مثل صورة إنكيدو المتوحش فى إسطورة جلجامش» هذا الذى 
هدأ وتخول إلى الشكل الإنسانى وبكى عندما أحب امرأة. إن 
الإسكندر هنا إنسان خائف ومنعزل؛ يبحث عن مكان للراحة 
والإقامة بعد طول السفر والترحال؛ يبحث عن امرأة ييكى 
بين يديها وينام فى هدوء كطفل عند قدميها. إن الإسكندرية 
هى التى منحته إنسانيته قبل أن يمنحها اسمه» الإسكندر هنا 
يبدو صورة أخرى من كفافى» ولكن كفافى كان شاعراء 
وكان حالماء وكان منعزلا ومتوحداء أيضاء ولذلك ألفته 
الإسكندرية واتخدت به وانحد بهاء دون شروط كثيرة للتفاهم. 
ولم يكن الحال كذلك بالنسبة إلى الإسكند ر. إن ما يجمع 
كفافى والإسكندر وعبدالمتعم رمضان هنا هو ما يسميه 
باشلار بالتأملات الشاردة» وهى ما نسميه أحيانا «بأحلام 
اليقظة» إنها مادة ليلية موجودة فى وضح النهار» وهى أيضا 


YA 


ظاهرة انعزال» أو ظاهرة تكشف عن الحاجة إلى العزلة حتى 
لو ظل الإنسان حاضرا بين الناس. إنها ظاهرة جد جذورها 
فى روح الحالم» » ليست بحاجة إلى صحراء كى تستقر 
رقمو ی - وليس سببا- حتى نضع أنفسنا فى 
«وضع انعزالى».. فى وضع انعزال حالم. فى هذا الانعزال 
تستقر الذكريات نفسها فى لوحات وتسبق الديكورات المأساة. 
إن الذكريات التعيسة تنتزع على الأقل السلام من الكأبة 
(ص »)١4‏ الإسكندرية هنا حلم؛ ومكان حلمى» أكثر منها 
مكانا حقيقيا متعينا. 
بعطى الإسكندر للإسكندرية اسمها لكنها نظل مختفظ 
برائحتها وبجسدها القديم الذى كان قبلهء وهو ما حاول 
الإسكندرية» كذلك» جاهدة» بعد ذلك» أن تفعله بعد أن 
خحالط هذا الماء الكشير من آثار الغرباء» إنها تخاول جاهدة أن 
تظل حرة منطلقة محتفظة ببعض مائها القديم : 
«كان ماء البحر صاحيًا 
يختال فى أروقة ا 
والإسكندر الأكبر لايكف عن تحديقه 
لكي يرى الإسكندرية 
لو أنها لم تغتسل فى الليل 
لكنها تخشى على مياه البحر أن تنام 
تخشى عليه أن تسرقه 
أحصنةٌ الظلام 
تخشى إذا ما كلم الصحراء 
أن يسم صوئه 
فيا جنود 
ابنوا فنارة لكى أرى فى كل وقت 
قامة الإسكندرية 
الماء جوهر الإسكندريةء الماء هنا يختخلط بالظلام 
والصحراءء الإسكندرية تخشى على مالها! روحها هجوم 
جيوش الصحراء. الماء هنا رمز الحياة» والتدفق» والاخضرار» 
والانبعاث. والإسكندر لايكف عن التحديق فی الإسكندرية» 
يريد أن يراها فى الليل كما يراها فى النهار» يريد أن يحيط به 
كما أحاطت به يريد أن يمتلكها كما امتلكته؛ يريد أن 
يضعها بداخله مثلما هو يشعر بأنه حاضر بداخلهاء استلبت 
قلبه» وروحه تغوص بین رمالهاء وعقله ضاع فى بحرهاء 








الإسكندر يعأمل» الإسكندر خحائف» الإسكندر يبكى» 
الإسكندر إنسان؛ الإسكندر يبدأ فى غزو ذاته» يريد أن يمتلك 
هذه الذات مثلما امتلك العالم؛ الإسكندر لم يمتلك شيعا 
لأنه لم يمتلك ذاته رغم كل ما امتلكه من بقاع العالم. 
الإسكندرية جعلته يبدأ فى الشعور بهذه الذات؛ إنه يريد أن 
يرى الإسكندرية فى كل وقت لأنه عندما يراها فإنه يرى 
ذاته, لقد اتحد بها ولم يعد يرى لوجوده معنى دونها. 


لكن الإسكندر يرحل عن الإسكندرية لأنه حاول أن 
يمتلكها فامتلكته» ولم يكن الإسكندر معتادا على أن غلك 
بل على أن يملك» رحل عنها وغاب فى .رمال الصحراء. 
وجاء الرومان وحاولوا أن يشاغلوا المدينة الجميلة الفاتنة 
«بالكتب القديمة؛ والعلماء والحسابين والمنجمين؛ و«الخزف 
المصقول والتمائيل التى من البرونز والتى من الحجره» حاولوا 
أن يشغلوها بالخف والجلباب» والجورب والسوتيان...إلخ» 
حاولوا أن يشغلوها بالمسرح الرومانى؛ قرب البحرء باللعب 
والتمثيل واللهو والتهريج؛ لكنها ورغم فرحها ونشوتهاء بل 
وأثناء فرحتها ونشوتهاء وخلال فرحتهم ونشوتهم؛ مخكى لهم 
عن قصص الظلم وعن شكاوى الفلاح الفصيح: 
قبل نهاية الحفل 
وباغتتهمو 7 
وأنشدت مظلمة الفلاح 
فأدرك الرّومان أنها الجميلة التى 
ثم تتوالى التواريخ والشخصيات على الإسكندرية» يجئ 
قاينباى؛ ويبنى قلعته؛ ويحاول أن يمتلك الإسكندرية؛ وأن 
ينظر إليهاء فيجدها هى التى تنظر إليه؛ حاول أن يكشفها 
فوجدها هى التى تكشفه؛ حاول أن يحاصرها فحاصرته» 
حاول أن يسيطر عليهاء وظن أنه قد سيطر عليهاء فوجد أنها 
هى التى سيطرت عليه: 
«فخاف قايتباى 
أمّر الجنود أن يشيدوا عمارة 
تسمح للعاشق أن يرى 
وللمعشوق أن يكون 


حلم عابر وجسد مقيم 


لكنها الإسكندرية 
كت عليه حن مات 


يجئع بعد ذلك «البدو والمضوليون» والعسكر وسكان 
الولايات البعيدة؛ وسائر البشر؛: يجئ الغزاة من الشرق» ومن 
الخارج » من البحر» ومن الصحراء : 
كانوا لدى الإسكندرية 
يشاهدون رملها الناعم 
حينما ترفع رجليها عن البحر 
ويلمسون شعرها 
إذا تنقّضت من البخار 
يجلسونها على الأريكة 
التن تشبه خصرفا 
ويأكلون مثلها: 
السردين والنارنج والأرن 
وينعمون بالنبيذ مثلها 
لكنه لايشبه البحر كثيرا 
ويأخذونها إلى أرجوحة البوغاز 
U‏ 3 
يفتضونها 
تسأل الغزاة : 
هل مازالت الأفراس مثل النخل 
ينظرون 
صارت الأفراس مثل شجر الصفصاف». 


يجئ الغزاة من كل صوب, والإسكندريون غائبون عن 
صورة الإسكندريةء لايشاركون فى تشكيل ملامح هله 
الصورة» ولايضعون أى خط أو أى لون فى تفاصيلهاء البحر 
يتحرك› والماء يتدفق» ويجئ الغزاة من كل حقبة»؛ ومن كل 
صوب» يتفرجون على الإسكندرية» وينتهكونهاء تلك التى 
مخولت إلى امرأة تتحرك بين الماء والرمل؛ يلمس الغرباء شعر 
الإسكندرية ويتفرجون على ساقيهاء ويجلسونها قرب البحر 
ويفتضونهاء يأحذون خيراتها ويرحلون او يقيمول» 
والإسكندريون المصريون غائبون؛ ينعم الغرباء بخيرات بر 
الإسكندرية وبحرها؛ الإسكندرية هنا صورة مصغرة لمصر التى 


اعم ياة 


CT 


تقيم بين البحر والصحراء؛ يجئ الغزاة وينعمون ويمرحول 
والمصريون غائبود» تمساءل الإسكندرية فى محنتها: هل 
مازالت الأفراس مثل النخيل ؟ ويجئ الجواب بأن الأفراس لم 
تعد شاهقة كالنخيل» لم تعد رافعة القامة سامقة؛ مشرعة فى 
الفضاءء بل أصبحت متآكلة متهرئة متساقطة كأوراق 
الصفصاف فى الخريف» والسيوف أصبحت لينة صغيرة 
حزينة يملؤها الصدأ والحزن والملح والدموع؛ يجئ الغزاة من 
كل صوب ومن كل حقبة؛ يجيكون ويرحلون ونظل 
الإسكندرية خالدة؛ لكنها لانظل أبدا صافية؛ رملها لم يعد 
كالرمل الأبيض الناعم القديم؛ وماؤها لم يعد هو ذلك الماء 
الصافى النقى الخير الباعث على الحلم والذكرى والخيال» 
مارها صار متعطنا أسنا رأكداء وحياتها صارت خخربة وروحها 
صارت معئمة صرثة. هنا يبدأ الإسكندريون المصريود 
يدركون الإسكندرية للمرة الأرلى» يبدأون فى الفهم 
والإدراك» بحاولون غسل أطراف الإسكندرية وتنظيف 


جسدها: 


«وأدرك الإسكندرانيون 
أنهم نجوا 
فعائقوا الإسكندرية 
حمّموها 
سلوا الأطراف والأرداف والحقوين 
أعلنوا اشتهاءها 
لأنها حين أتاها البدو. طالبينها 
توجعت 
وأصبحت مدينة EEN‏ 
ومنذ ذلك اليوم 
إسكندرية 
هنا مابشبه العصور فى المقطع السابق أن البدو الذين 
جاءوا من الصحراء كانوا هم السبب فيما أُصاب الإسكندرية 
من أوساخ وتهرؤات رقررح » لأنها فقدت وجهها اليونانى 
الرومانى القديم (لأنها تمثيل «أيقونى»» مصغر لحضارة البحر 
المتوسط) . وفى واقع الأمرء فإن هذا التصور يبنفى ألا نأخذه 
بحرفيته» فالبداوة هنا قد تعنى كل ماهو ضد الحضارة وضد 


۳. 


المدنية؛ والبداوة هنا مصطلح قد بنطبق على كل ماهو ضا 
الحرية وضد التقدم وضد الشعر وضد الحلم وضد الوجدان 
وضد التحقق» البداوة هنا ليست بالضرورة مرتبطة بالبدو 
بالمعنى الحرفى للكلمة؛ وقد تعنى البداوة كل ماهو بدائى 
وكل ماهو همجى وبربرى ووحشىء سواء جاء من إحدى 
الصحراوات العربية أو من جبال الأناضول (الغزو العدمانى» أو 
من قلب باريس (الحملة الفرنسية) أو من على ضفاف 
التايمز (الاحتلال البريطانى) ؛ أو من أى مكان آخر فى العالم 
حتى لو كان قدجاء من قلب مصر نفسها حين يحول أهلها 
البحر إلى مكان للصرف الصحىء والبر إلى وعاء كبير تلقى 
فيه القاذورات وتسود فيه المظالم والبيروقراطية والفساد والعنف 
غير المبرر. الإسكندرية كما يصورها الشاعر هنا جسد يشبه 
جسد المرأة: ذات أطراف وأرداف وحقوين» ورأس وشعر» 
وتفتسل وتخاف وتحب وتحلم» وهناك نوق جارف فى 
القصيدة إلى أن تعود هذه المدينة / الوطن إلى صورتها 


النظيفة القوية / القديمة. 
جد اللرحة ولوحة الجسد: 


مثلما كان الإسكندر يحاول أن يحيط بالإسكندرية 
فوجدها د أحاطت به وأذابته فى عشقهاء ومثلما حاول 
قابتباى أن يمتلكها فوجدها قد امتلكته؛ ومثلما حاول 
كفافيس أن يغيب عنها فوجد نفسه یکمن بداخلها ويحضر 
فيها؛ هكذا لنجد عبد المنعم رمضان إزاء لوحات عدلى رزف 
الله: حاول الشاعر أن يحيط بلوحات الفنان فوجدها قد 
أحاطت به؛ حاول أن يمتلكها فوجدها قد امتلكته» حاول أن 
يحتويها فاحتوته» وهكذا فإن آلية الاحتواء والاحتواء المعاكس 
هى إحدى الفاعليات الأساسية فى تكوين العوالم الفنية لهذا 
الشاعر. 

يخرج الشاعر من تدريعاته؛ يسقطهاء يتحرك من انبهاره 
بالجسد - فى لوحة - إلى تفكيكه لوحة الجسد ثم جميعه 
لمكوناتها فى إطار وجودى ومعرفى كلى . 

كثيرا ماكان الجسد فى اللوحات الفنية أقرب إلى 
الجد الكلاسيكى؛ أى الجسد كما تدده قوانين السلطة. 


ب سس م تست لم عابن وجسد مقيم 


أما فى لوحات عدلى رزق الله فالجسد مفكك ومبعثر ومنداح 
ونابض بالحياة والحيوية؛ منه تخرج الزهور والكائنات الحية 
والدلالات والقصائد؛ الجسد فى لوحات عدلى رزق الله حالة 
من البهجة والشجن؛ من الحلم واليأس» من التحقق والععزه 
من العجز الرافض» والحرية المطلقة؛ جسد متقطع الأوصال 
تخيطه الأضواء والألوان والغموض الموحى» وئمة قرابة روحية 
بين لوحات عدلى رزق الله وقصائد عبد المنعم رمضان. 
«هذا الجسدٌ الغامض 
حين تمرّ عليه يمر عليك 
وحين تحاصره بالنظريات الطبقية 


تلتف عليه الخوذ الخوص 
وبعض الفلاحات المنكفئثات لدى أقدام النهر . 
فیفتح باب 


صوي هيام البدو 
يمس النافذة الخلفية 
يبحث عن رائحة تجهش فوق ذراع الماضى 
تحت الإبط 
وتحت زهور العانة 
ترسم فوق البر غزالاً برا 
في البحر غزالاً بحريا 
وتكوام فى الصحراء عواميد الاحزأن 
رزق الل) ۲۱١‏ 


لاتفلح النظريات الفلسفية والسياسية فى الإمساك بجوهر 
العمل الفنىء إنها تطمح جاهدة أن خوله إلى شئ قابل 
للتصنيف وإلى موضوع يخضع للقولبة؛ لكنه أبدا يروغ منهاء 
فى جوهره حلم؛ وفى أعماقه ذاكرة» هو شئ يتجسد 
ولايتجسدء یری ولايرى» طبقاته متعددة ودلالاته دائمة 
التفجرء والانبجاس» وحين تكلمه يتفتت.. وحين تمر عليه 
يمر عليك »عقل الشاعر المدرع بالنظريات الفلسفية 
والجمالية حين يواجه عملا فنيا إبداعيا متميزاء ويحاول أن 
يضعه ضمن قوالبه الضمنية المسبقة؛ يجد أن هذا العمل 
يتفتت ويروغ من هذه النظريات والقوالب» وخلال تفتته يقرم 
بتفعيت تدريعات هذا العقل وفك قيوده؛ ثم إنه يقوم بفتح 


البوابات السحرية التى حاول هذا العقل بتدريعاته ذات 
الأصول الاجتماعية والتربوية امختلفة أن يخفى وراءها قدراته 
الذهنية والوجودية الحقيقية» قدرة الخيال التى تفتح بوابات 
الحرية وقدرة الحب التى تفتح بوابات التحقق. 
وهكذاء فإننا جد أن الشاعر / المشاهد الذى حاول أن 

يسيطر على لوحات الفنان وجدها تروغ من محاولانه وتسيطر 
هى عليه؛ لكنها سيطرة أخرى؛ مختلفة. السيطرة الأولى هى 
قيد» هى قولبة مغلقة جامدة نابعة من أفكار وتصورات مسبقة ٠‏ 
تكمن فى قاع الماضى» بينما السيطرة الثانية هى حرية 
مفتوحة منبشقة من إمكانات واحتمالات متعددةء» ومن ثم 
فهى ليست سيطرة بقدر ماهى بداية أولى؛ وتفتح على عوالم 
جديدة كان العقل المدرع يمنع صاحبه فى الماضى من 
رؤيتها خوفا ما قد تمثله عمليات التعرض لهذه العوالم؛ 
والإيمان بهاء من تهديد لانزان صاحبه الوهمى الداخلى» 
وللعالم المتسلط امحيط به. 

«هذا الجسد الغامض 

يمس النافذة الخلفية ۰ 

يبحث عن رائحة تجهش فوق ذراع الماضى 

تحت الإبط 


وتحت زهور العانة». 


«النافذة الخلفية؛ «وذراع الماضى» «والإبط) ١وزهور‏ 
العانة» وغيرها من الكلمات والصور تيل كلها إلى الذاكرة 
وإلى الجانب السفلى من الجسد وإلى العالم المخبوء منهء إلى 
الغريزة التى ترتبط بالخيال؛ إلى عوالم من البر والبحر 
والصحراءء إلى غزلان مرسومة فى الذاكرة؛ ونساء يرسمهن 
الخيال» وإلى حركة دائبة تبعشها لوحات عدلى رزق الله فى 
خيال الشاعر وفى وجدانه؛ عوالم يختلط فيها الفرح بالأسى 
والتفاؤل بالشجن والذكريات ب «عواميد الأحران» . 


خلال كل ذلك؛ يظهر الجسد فى اللوحات ويختفى؛ 
يتحول ولا يغبت على حال لأن قانونه الأزلى هو الحركة» 
هو الحرية» لا الشبات أو القبد أو السكوت» ومن حركته 
تتشكل حركة التاريخ: خلال العمل والكفاح؛ وخلال الفن 


ES ا‎ 


والإبداع» وخلال الصراع والحروب» أو خلال أوقات السلم 
والتقاط الأنفاس» خلال المتعة وخلال العذاب؛: خلال 
اليقظة» وخلال النوم أيضا: 
«هذا الجسد الطافح بالأجساد المختفية 

«هذا الجسدٌُ الام المخطوف 

يخالط فى الردهات 

العرق 

وخبر الرب ويخلط بين الكهف 

ورائحة الحيطأن». 

(عن ناريمان عدلى رزق الله) 


تختلط اللوحات الفنية فى الردهات أو قاعات العرض 

بأجساد مشاهديياء وتخرج روائح من ااه اللرحات 
ا بروائح Tê‏ من أجساد المشاهدين, تختلط 
الاجساد المشاهدة بالأجساد المشاهدةء الجسد فى اللرحة 
طافح وممتلى بأجتساد كثيرة مختفية خلفه وحوله وأمامه؛ 
وكذلك ف أجساد المشاهدي. ن للوحات بعضها يظهر» وبعضها 
® خلف بعضه ومن هذا 000 الاحتفالى اس 
يحتفى الفن لتا ؛ عرق يختلط بعرق ومسيطر ٠‏ 
مسیطر عليه أنفاس تختلط› وأفكار ورؤى جديدة تتوالد, 
ومثلما تنفتح تجاويف الجسد فى أعماق اللورحات تنفتح 
اريف كهوف الذاكرة والرعى فى أعماق المشاهدين» وقد 
تلبستهم أعمال عدلى رزق الله وفتحت بداخلهم ينابيع 
جديدة للفن والإبداع: 

, هذا الجسد الطافح بالأجساد المختفية 

ينسلٌ إلى أوراقى 

ويذكرّها بالينبوع 

ويبل الجذع 

يبل مساحة ما بين الكتفين 

ويصبح حين يمس القلب 
فراشا 


أبيض 


۲ 


ممتلئا 
بالجوع». 
دعن ناريمان عدلى رزق الله 


يتحرك الجسد من لوحات عدلى رزق الله» إلى قصائد 
عبد المنعم رمضان؛ يذكرها بالينبوع؛ بأصل الحياة» بالحب» 
بالامتزاج» بالجوع» بالآخر» ينسل الجسد إلى عالم 0 
ويعسلل إلى أوراقه ويتخللها ويصل إلى أعماقهاء ثم إنه 
يتحول بعد ذلك 4 شئ أثيرى يشف ويصفوء ويتحول إلى 
فراش أبيض جائع إلى لى الحب والمعرفة والعدالة. تتحول أوراق 
الشاعر وقصائده» وكذلك قلبه ومشاعره ووجوده؛ إلى حالة 
من الفهم الوجودى والمعرفى وللإنسانى» فالرحم فى اللوحة 
يصبح ١كبيرا‏ مثل الأرض ) ويصبح 
٠مساحة‏ أغراب تتحاذى 0 إلى فراشة وإلى أيقونة تنتظر 
نشيدا أميا »» وإلى غير ذلك من الصور الدالة والواردة فى 
هذه القصيدة. 


ونى القصيدة/ اللوحة ب 


تكثر فى هذه القصيدة أيضا الكلمات والصور الدالة على 
حالات الجسد وأوضاعه بطريقة تتفاعل فيها لوحة الجسد فى 
اللوحة مع جسد الحبيبة فى الذاكرة. ونكون القصيدة بوتقة 
لانصهار هذا الجسد المدرك (اللوحة) مع هذا الجسد 
اللستدعى (الحبيبة)» مع جسد الأرض وكل الأجساد 
الأخرى والأغراب الذين يقفون بجوار بعضهم البعض 
فنكتشف قرابتهم ر ولتفتع كاري غربتهم (هل هذه هى 
صورة الأيقونة إلتى تنتظر نشيدا أميا والتى سبق أن أشرنا 
إليها؟) : 


«يتوالد هذا الرحم الواضح مثل الأرض يصير مسافة 
أغراب أخرى تتحاذى». الصورة البصرية للمقطع الشعرى 
السابق توحى بأن عملية تداخل الأجساد ودخولها فى بعضها 
البعض هى عملية بطيكة» تأخذ وقتا حتى تحدث؛ فالصورة 
الرأسية : 


ااا سس بي سح هلوعابر وجسدمقيم 


أعطت انطباعا إدراكيا ومعرفيا مختلفا بالتأكيد عما لو 
قال الشاعر: «جسد يدخل فى جسد» الصورة الرأسية توحى 
بالتمهل؛ والبطء وربما الاطمئنان واليقين والمتعة» أما الصورة 
الأفقية فتوحى بالسرعة والعجلة والخوف واللايقين الصورة 
الأولى توحى بدرجة ما من الوعى والقصدية» لكنه وعى 
يختلط بالحلم؛ وقصدية التهويم. وحين يتوالد الرحم ويتشكل 
من اختلاط كل هذه الأجساد يصبح مساحة واضحة مثل 
الأرض تضم کل الأغراب: تمزجهم وتوحد بينهم. وهو حلم 
أمى (رابع ربما) موغل فى المثالية؛ ومن ثم فإننا جد هذا 
الشاعر بعد ذلك يعود إلى عالمه الصغير » عالم جسده الخاص 
وعالم جسد المرأة الخاص» يحاول أن يحيط بهماء شاعرا 
بيأس: من محاولة لإخاطة بذلك الججسد الكبير الأنمى؛ وإن 
كنا نرى أن هذه الحركة الدائبة الدائمة من هذا العالم الكبير 
إلى هذا العالم الصغير» ومن هذا العالم الصغير إلى هذا العالم 
الكبير هى إحدى الفاعليات المهيمنة على عالم هذا الشاعر 
وعلى تصوراته» رغم ما قاله ذات مرة فى حرار له مع أحمد 
الشهارى: 
«فى شعرى, لا أحلم بأن أعثر على أشياء كثيرة 
ولا أظن أن الشاعر مطالب بأن يعثر على أشياء 
كثيرة» إنه يدور حول أشيائه؛ يجرب فى سبيلها 
أكثر من شكل» ليراها بأكثر من عين» ولتظل 
هذه الأشياء القليلة تشوقاته التى تساعده على 
بناء جدار يستند عليه عندما يتعب... فى شعرى 
تفاصيل يومية؛ حياة صغيرة» آلام صغيرة» رجال 
عابرون» نساء عابرات» ولغة يومية تبدو عابرة 
أيضاء فى شعرى سجود أمام العابر» وأنا أرى 
نفسى عابراء الموت يجبرنى على رؤية نفسى 
عابرا ۱۷ . 


رحين يسأله أحمد الشهاوى: «إذن.. ماذا تريد أن 
تكتب ؟» يقول عبد المنعم رمضان: 
«أريد أن أكتب جسدى. أن تكون له الصدارة» 
أن تمر كل الأشياء الأخرى عبره» جسدى هو 
کل ما أظن أننى أملكه» ما أظن أنه رحلة تعرفى 
الدائمة» ما أظن أنه يجعلنى فرداء رأسى خملنى 
ضمن جماعة» مهما حاولت سأجد من يشترك 
معى فى ملكية بعض أفكارى؛ . 
ويقول أيضا: ٠‏ 
«فى شعرى نخوف من تآكل الأعضاء؛ خوف 
من تسوسهاء ولذلك مجدنى أحتفل بتعميد 
الأعضاءء لأن تاكلها هو الموت ١‏ . 
صحيح أن الكثير من قصائد هذا الشاعر (كقصيدتى 
«فناء ماء حنين ماه و«الغبار؛ على سبيل المثال لا الحصر) » 
قد صدر عن هذه الحالة الخاصة: الاهتمام بالتفاصيل 
اليومية» والحياة الصغيرة والالام الصغيرة والرجال العابرين 
والنساء العابرات والمشاعر والأحلام العابرة. لكنه فى هاتين 
القصيدتين نفسيهما وفى تصائد أخرى (كالفتوحات 
والإسكندرية؛ وناريمان مثلا) قد عبر عن اهتمامه بالحياة 
الكبيرة والآلام الكبيرة» والأحلام الكبيرة والأفكار الكبيرة 
والسرمدية: أفكار العدل والحرية والكرامة والتحقق لكل البشرء 


بل إن تعبير الشاعر عن اهتمامه الآنى بجسده قد يكون مجرد 


تعبير عن استراحة ا محارب الذى شعر بالإجهاد من طاقته 
المستنزفة وراء الأفكار والأحلام الكبيرة؛ نلك التى لحقتها 
الكثير من النكسات والهزائم فى السنوات الاخيرة؛ هى نوع 
من رد الفعل الحمائى يقوم به الشاعر لحماية ذاته ونحاولة 
نهم ما يحدث وما يكو» وفى قلب تعبيرها المتكرر بكلمة 
«ماأظن» عن مجسده: (اجسدى هر كل ماأظن أننى 
أمتلكه» ما أظن أنه رحلة تعرفى الدائمة؛ ما أظن أنه يجعلنى 
فردا۲» یکمن وعی الشاعر الملتبس بأن وما يظن أنه 
«يمتلكه) وأنه «رحلة تعرفه الدائمة» وأنه وما يجعله فردا» 
ليس هو أيضا إلا حالة من حالات اللايقين والتعبير التى 
أصبحت تسيطر على عالم الشعر؛ حالة من فقدان الثقة فيما 


0 


هو حارج هذا الجسد من أحلام متهاوية؛ ومن ثم محاولة 
للوصول إلى نوع ما من أنواع التوازن من خلال هذا الجسد 
فما يوجد خارج الجسد؛ يتسم بالتاكل السريع والتسوس 
المتلاحق. إن تلك الهشاشة والضعف والمرض والتهاوى التى 
أصبح عليها جسدا الخارج هى ما جملت الشاعر يتحول إلى 
ذاته ‏ ولا نقول ينكفئ عليها إلى جسده؛ يحاول أن 
يفهمه؛ أن يحميه من كل ما يحيط به من تأكل وتسوس: 
«ولذلك يجدنى أحتفل بتعميد الأعضاء لأن تاكلها هر 
الموت» . لقد وجد الشاعر أن تلك الأمنيات الكبيرة ‏ التى 
تموت على نحو مروع ‏ غالبا ما كان مكانها الخارج» وغالبا 
ما كان مكانها يكمن فى عالم الأحلام؛ لذلك فإننا نواجه 
هنا بثنائية ما فى عالم الشاعر: بين عالم الخارج م 
التأكل والتسوس والتهاوى) وعالم الداخل (عالم الأشياء 
الصغيرة التى يحاول الشاعر أن يمنح من خلالها نفسه 
هدأة) , هذا من ناحية؛ ومن ناحية فإننا نواجه تلك الثنائية 
الغريبة التى أقامها الشاعر بين عالم الرأس أو الأفكار التى 
يشاركه فيها الآخرون الذى ‏ عالم الرأس هذا يجعله 
«ضمن جماعة؛ وعالم الجسد الذى «يظن» أنه كل ما 

يمتلكه.. إلخ. شعر هذا الشاعر يكشف عن تناقض حاد مع 
كر نظرية؛ شعره يكشف عن اهتمامه 
الكبير بالآأخر؛ توقعه الجارف لأن يكون ضمن جماعة» 
لكنها ليست أية جماعة» إنها جماعة تشاركه أفكاره 
ويشاركها أفكارهاء وشعره يكشف کذلك عن ذلك الامتزاج ج 
الذى يطمح إليه بين ما تختزنه الرأس وما يطمح إليه الجسد: 
نهذا الشاعر لا يكف عن مراقبة الواقع والناس» فى الوقت 
نفسه الذى لا يكف فيه عن مراقبة ذانه وجسدهء لا يكف 
عن النقاط الملاحظات وعناصر المدركات للواقع ويعيد 
صياغتها بشكل شعرى؛ كما لا يكف عن اجترار أحزانه 
واستبطان مشاعر وحدته التى ‏ وإن كانت وحدة ظاهرية - 
يشاركه فيها أصدقاء من الماضى؛ ومن الذاكرة ومن ميدان 
«الرأس» الأعلى الذى تصوره منفصلا عن الجسد الأدنى. 

«وكنت وحيداً 
أمشى فى خطوات الملك الغابر 


أحمل ذاكرتى 


£ 


لون الكلس النائم فى حيطان البيت 
وأحمل رقم الهاتف 
يوم العطلة 
أحمل أشجارا تتشارك فى الميدان 
وأحمل كتبا تحكى عن بشار 
رامبو 
أدخل فى شجر ملتف 
أمشى فوق العشب الناضج 
تومئ لى الزهرات 
وتهمس فى خجل: 
أشفيك من الأمراض الرطبة 
(من قصيدة حكاية) ٠)‏ 
لا يستطيع الشاعر أن يتخلص من ذاكرته؛ سواء ذاكرته 
القرية التى يتذكر من خلالها حبيبته ورقم هاتفها 
وجولاتهما معا وذكريات خاصة عن ماضى أسرتهاء أو 
ذاكرته البعيدة التى تخملٍ أشعار بشار ورامبو وحكايات 
عنهما. تظل الذاكرة معه لأنها - ببساطة - خزانة الجسد 
وباعثة طاقاته وأحلامه وخيالاته ورژاه» وهی أيضا ار 
أحزانه وأفراحه. 
يبدو لنا أن هذا الاهتمام المحموم الدؤوب الموغل بالتعبير 
عن أعضاء الجسد وحالاته الختلفة فى قصائد عبد المنعم 
رمضان له ارتباطه ‏ من ناحية ‏ بما قاله هذا الشاعر من 
اهتمامه الخاص بتعميد أعضائه (لاحظ الدلالات الختلفة 
لكلمة «تعميد)) وأيضا بما قلناه عن رد الفعل الحمائى 
الذى يقوم به وعى الشاعر إزاء عالم يمتلئ بالتغيرات السريعة 
ويزخخر بالتهاوى المتلاحق للأحلام والإيديولوجيات والأفكار 
الكبيرة» كما أنه له أيضا- من ناحية أخرى _ علاقاته بما 
ذكرناه عن نظرية باختين فى بداية هذه الدراسة» من أن 
النزعة الجروتسكية الاحتفالية الكارنفالية تتضمن فى أعماتها 
تلك الحاولة الخاصة للإقلال من قدر الأشياء والأفكار المبجلة 
التقليدية اتی غخاط بقدر كبير من الهالات الكاذبة والأقنعة 
الخادعة ولأهداف طبقية واستغلالية فى المقام الأول كما أن 





ااا ددس هلوعابر وجس مقيم 


الاحتفاء أو الاهتمام بالأعضاء والنشاطات السفلى من 
الجسم (الجماع والحمل والولادة والتبول والتبرز... إلخ) 
وأيضا بالطبقات السفلى من المجتمع (الفغات الهامشية من 
المنبوذين والمقهورين والمغيبين عن سلطة اتخاذ القرارات.. 
إلخ) يشتمل هذا الاحتفاء ‏ على إعادة الاعتبار لأعضاء 
ونشاطات إنسانية أحيطت دائما بالخوف والتحريم والاستبعاد» 
رغم وجودهاء الظاهر أو الضمنى؛ فى كثير من سلوكات 
ومنتجات وأفكار وأمراض وأحلام الجنس البشرى؛ كما 
يشتمل أيضا على إعادة الاعتبار لطبقات وفئات طالما لحقها 
الظلم والاحتقار والاستبعاد. 
هذا الجسد الاحتفالى جسد فردى وجماعى فى الوقت 
نفسه؛ فجسد الرجل جسد فردى وكذلك جسد المرأة جسد 
فردى؛ لكنهما لا يكتسبان معناهما واكتمالهما إلا من 
حلال اتحادهما وامتزاجهماء »> خلال عمليات التزاوج 
ر ومن نم يسهمان فى تكوين جسد جماعى صغير 
(الأسرة) أو جسد جماعى كبير (الأمة أو الشعب. ٠‏ إلخ). 
هذا الجسد الاحتفالى ليس معزرلا ولاصارماء ولامدرعا ولا 
لابسا أقنعة كاذبة» وليس معتماء ولا غير قابل للاختراق» بل 
هر عكس ذلك كله. 
حتى جسد الشاعر ليس جسدا فرديا كما قال جسده 

يشاركه فيه الآخروث: : قد يتحكمون فيه من خلال القمع أو 
السجن أو تقييد الحركة؛ قد يشاركونه فيه من خلال أفعال 
الحب والخطاب أو التواصل الإنسانى بشكل عام والشعرى 
بشكل خاصء وكلها نشاطات لا يمكن أن تتم إلا بمشاركة 
الآخر فى جسد الشاعرء مشاركة إيجابية منعجة؛ أو مشاركة 
سلبية قائلة لأشواق الروح ولصبابات الحلم. يقول الشاعر: 

«متى تكلميننى 

متى تصفّفين شعرك الاسود لى 

متى يكون ليلنا 

حرا كبوص النهر» 


«من زمن 


سأعثر فى سهول دمى 


علي فرع يرفرف فوقه غصنان 
أجلس تحته وحدى 

لعلّي ذات حلم أبتغى أحدا 
يميل إلى 

يحملئى 

ويرفعنى إلى غصن 

ويأنس لى». 


(من قصيدة: ثلائية العاشق)7"؟) 


ويقول أيضا: 
«وربما نكونٌ لوزتين 
وربما لا نعرف الإنضاج 
لكننا نفرش فوق اليأس 
غمامة 
تكفى لكى نمر 
ونبدأ الهياج». 
(من قصيدة: ثلاثية العاشق) 


فى قصائد هذا الشاعر سعى دائم وتوق جارف للتواصل 

مع الآخزء رغم ما قد توحى به القصائد من رغبة فى 

الأنطواء؛ والبعد عن هذا الآخر والانزواء داخمل الذاتء الا اد 

مع الآخرء الذى هو مكمل للأنا وليس نقيصا لهاء يجلب 

إلى الشاعر حالة من البهجة وعبور اليأس والائتناس 

والاطمئنان. وأكمل صور للأخمر فى رؤية هذا الشاعر هى 

المرأة الجميلة» يقول فى مقطع نشرى من قصيدة اثلاثية 
العاشق؛ : 

«وأصرخ فى المحبين : امرأة جميلة تساوى 

الشجر كله, امرأة جميلة تجمع حول أصابعها 

الفهم وسوء الفهم, امراة جميلة تعنى أننا لا 

نسير فى الاتجاه الخاطئ ولانسير فى الاتجاه 

الصحيح: نمشى فوق إرادة المشى ونعتلى 

صخرة, إما أن تقلعنا الريح؛ وإما أن تزرعنا 

وتحمل عنا حبوب اللقاح , فتصبح اناشيد 





شاكر عبد الحميد 
5 9 ار ا ج ج ا و ر ی 


خرافية . ونصبح نحن كائنين اثنين . كائنا 
واحداء كل الكائنات على الأرض تصبح حقلا 
للامشاج » ولا تغوينا غير لحظة العشق» 
(من قصيدة: ثلاثية العاشق) . 
المرأة الجميلة هى الفصول الأربعةء هى الطبيعة هى الحياة 
هى الحقول المتماوجة والطيور المتدفقة؛ الطبيعة تتحد فى 
وعى الشاعر بامرأة» والمرأة تتوحد بالطبيعة؛ يصيران لوحة 
واحدة: 
«خذى من الحقول 
ثوبك الكتان 
خذى من العناق 
ثوبك الحريرٌ 
ولا تبوحی باسمه 
لأنه يشف بالكتمان 
وربما يطيرٌ 
يغطس فى رائحة الألوان 
أمشير لون الفم 
طوبة لون الجسد المصهور 
هاتور لون الشفة السفلى 
ولون الطمى 
كيهك لون العاشق 


الواقف عند السور 


من حديقة السماء 
ويرسم الأعضاء». 
(من قصيدة : ثلائية العاشق) 
المرأة الجميلة إذن هى البهجة والفرح والائتناس والتواصل 
والطبيعة, وهى أيضا حلم» حلم يرتبط بالأحلام: أحلام 
افق خيال الشاعر وتهويماته الشاردة ویمر سريعاء ثم يعود. 
والشاعر/ الشاعر لقيود الحسد والواقع والإمكان» يستجلب 
هذا الحلم دوماء ويدرر حوله, ويتمسك به» ومن خلال فعل 


۳7 


الاستعادة المخكرر هذا يكون هذا الحلم عابرا ومقيما فى 
الرقت نفسه؛ ومضات تلو ومضاتء وأحلام تتلو أحلام؛ 

خضر وتغيب» تغيب وخضر: . 
«امرأة جميلة تعنى أننى أزمعت لى انتح 
البيت بورق الصفصاف , وأقنص لذتى مثل 
يكون مثل النطفة, وأزمعت لو أهيّج الملاك 
الفاسد ألوديع , أمشى خلفه فى الغابة ؛ وعلى 
أكتاف الرجال البالغين . أانصب نفسى ملكاء 
وحين تريننى ؛ أزين رأسك بخصلة من شعر 
وأزين جسملك بالبخور والتراب والطين 
قدم الملكة , ثم انصرف إلى عرشى حين أكون 

وحيدا». 

(من قصيدة: ثلاثية العاشق) 
أحلام الشاعر ليست مفارقة لجسده أو لواقعه؛ بل هى 
أحلام لجسده و وأخلام بيج بجسدهة a:‏ بكل ما 
وإحباطات E‏ وسيلة الشاعر ا هذه الأحلام؛ لم 
هى الواقع» جسدها هر جسدة) والواقع كأنه امرأة » يحلم لها 
الشاعر ويحلم بهاء ويحلم من خلالهاء ويحلم أن يحررها ومن 
خلال خريره لهاء يحرر ذاته . المرأة هى الأم وهى الأرض بكل 
ما يرتبط بهذه المفردات من رموز ودلالات ميقولوجية ترتبط 
بالخصوبة والتجدد ويحمق الأحلام . حسيك المرأة جحسد 
احتفالی» مفتوح عمطلا كن 
التى يدخل منها الال . إلى هذا الجسم 5300 إلى 
العالم كما تخرج كائنات حية جديدة أجنة ومواليد من هذا 
الجسد إلى العالم. يركز الشاعر على الفتحات والتحدبات 
«التفريعات الختلفة لهذا الجسد المفتوح على الفم والأعضاء 
التناسلية والنهود والعينين والأذنين. . إل كما يهتم ويحتفى 
بشكل خاص ؛ بالأعضاء 00 فق لجم (رأيضا بالطبقات 
ل لعل والولادة والتبول وغير ذلك من النشاطات. 








يقول: 
«كان اسم ساقيك الغزالتين 
كان اسم حوضك الظلام 
كان اسم ثدييك ارتعاشة اليمام 
كان اسم فمك الفضاء 
کان اسم جسمى 
خيمة الصحراء». 
(من قصيدة: ثلائية العاشق) 
ويقول فى قصيدة «الحفل» 0 
«النساء الخبيثات 
يعرفن أنى أقبّل شعرك كى يتفكك 
أنى أقبل جسمك كى يتفكك 
أنى سأجمع هذى الشظايا ٠‏ 
والحمها 
بسوائل نازلة من تقوبى 
تلك التى تتوزع فى الفم 
ترسب فى منتهى البطن 
تخرج عند التقاء الغريمين». 
ويقرل كذلك فى القصيدة نفسها: 
«ليس جميلا سوى أن نكون وحيدين فى الليل 
نملا كل الشقوق بآهاتنا 
ونحاول أن نضع اللغة العاطفية 
جنب الجدار 
ونکشف سوأتها 
ونبول 


حلم عابر وجسد مقيم 


لقد اكتشف الشاعر لا جدوى تلك اللغة العاطفية التى 
ضللت أجيالا من العاشقين؛ ومن الشعراء الثائرين أيضا 
وأضاعت أحلامهم؛ استبعدها من قاموسه. كانت اللغة 


الائ إلى الرضول إلى خيش الغزوية أر سن الرطنة 


وكانت هذه اللغة وسيلة للغياب وليست وسيلة للحضورء 
دليلا على المجز وفقدان القدرة على الفعل وليست دليلا 
على النقاء أو التزعة التطهرية» كانت قناعا يخفى وراءه العجر 
والعنة بكل أشكالها الفعلية أو الرمزيةء المؤفتة أو الدائمة. أدرك 
الشاعر بعد خارب مريرة مع تلك اللغة العاطفية أن الأحلام 
تبدأ من الجسدء من الواقع؛ لاتليه أو تعقبه؛ ولا تسبقه أو 
تفارقه. أدرك الشاعر أيضا أن فقدان العلاقة السوية الخصبة 
المتحقفة بالجسد الإنسانى هى بداية فقدان العلاقة الخصبة 
السوية بالواقع وبالحياة وبالتاريخ والأحلام. قام الشاعر 
بالتركيز عنّى الجسد الإنسانى بأعضائه ونشاطاته وآهاته 
وأحلامه؛ لم يعد ينظر إليه تلك النظرة التطهرية الكاذبة؛ بل 
باعتباره جوهر الفعل الإنسانى ونقطة الانطلاق وبداية الحرية؛ 
والهدف الذى تتمحور حوله أحلام النوع البشرى كافة» 
سواء كانت هذه الأحلام واقعية؛ متحدث الآن وهناء أو 
ميتافيزيقية؛ نخدث بعد ذلك وهناك. تختلط فى قصائد هذا 
الشاعر مفردات الجسد بمفرادت الأحلام بالاحتفال بالجسد 
الإنسانى وبالآخرء بأحلام الثورة والحرية؛ بالأمنيات المستحيلة 
وبكل تفاصيل الواقع الماضية والحالية والمستقبلية (انظر على 
سبيل المثال لا الحصر: قصائد الرسولة مثلا) . 

فى قصائد عبد المنعم رمضان الأخيرة مثل: «أنت الوشم 
الباقى؛ ونخت سماء واطقة, 7" » هناك هذا الاهتمام 
المسيطر باستكشافي أعضاء الجسد ونشاطاته الأدنى والأعلى 
وليست هناك من تقييمات أخلاقية تعطى قيمة أدنى 
للأعضاء الدنيا أو النشاطات الخاصة بها؛ وتعطى قيمة أعلى 
للأعضاد العليا أو النشاطاتالخاصة بهاء فهناك احتفاء بالجسد 
كله بأعضائه ونشاطاته كافة؛ فهذه الأعضاء والنشاطات 
جميلة فى ذاتها وليست مرتبطة دائما بالخطيئة والقبح» بل 
إن القبيح ذاته قد يكون جميلاء ويتوقف الأمر على منظورنا 
فى إدراك الاشياء وعلى طريقتنا فى التعامل مع الحياة. 


ا 


خاتمة 

وهكذا فإننا جد أن هذا الشاعر خلال انهماكه فى 
الأشياء الصغيرة والتفاصيل وجد نفسه منفمسا فى القضايا 
الكبير: :, وخعلال محاولته للإحاطة بالأشياء والمدركات امختلفة 
(اللوحات والنساءء وتفاصيل الواقع وقضاياه) وجد هذه 
الأشياء والمدركات والتفاصيل والقضايا خيط به ولختريه 


هوامش : 


Lyons, J., Ecology of the Body: Styles of Behaviour in (1) 
Human Life. Durkham: Dule University Press, 1987, P, 19. 


Ibid., p. 20. (۳ 

Ibid., P. 105. ١ (۳) 

٠ رمضان بسطاریسی : «أنطولوجية الجسد والإبداع الثقافى فى شعر مطرا‎ )٤( 
۷-۱ ألف (مجلة البلاغة المقارنة)‎ 

() نفسه ص 5 .1١‏ 

)١(‏ نفسه؛ مواضع متفرقة. 

(۷) نفسه» ص ۱۱١‏ . 

(۸) نفسه» ص ۱۱١‏ . 

(4) نفسه. 


Frager, R. & Fadiman, J. Personality and Persona! (1۰) 
Growth. New York: Harper & Row, 1984. مم‎ .180 -- 5. 


Burnett, M.T. Tamburiaine and the Body, Criticism 1991, (11) 
1, pp. 31- 48. 


00 5 رمضان: الحلم ظل الوقت . الحلم ظل المسافة؛ مطبوعات 


أصوات (7), طبعة محدودة» القاهرة: ماير 114 م٠‏ 


(ومن خلال مانسميه بعملية الاحتواء والاحتواء المضاد) » 
وخلال اهتمامه بالأحلام العابرة وجد نفسه فى مواجهة 
جسده المقيم» ثم إنه ‏ خلال ذلك كله قدم لنا مجموعة 
من القصائد المتميزة التى حاول من حلالها تبديد الغبار الذى 
يتحت الرؤية الصافية عناء وتأكيد قيم العدالة والحرية 


والجمال للجميع. 


)٠۳(‏ عبد المنمم رمضان: الغبارء أو إقامة الشاعر فوق الأرض» القاهرة: الهيكة 
المصرية العامة للكتاب, ١15517‏ م٠‏ 

)١4(‏ جاستون باشلاره شاعرية أحلام اليقظة. (ترجمة جورج سعد) . بيروث: 
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. 1151 م٠‏ 

)٠١(‏ قصيدة «الإسكندرية) : ضمن ديوان الغبار أو إقامة الشاعر فوق الأرض. 


)٠١(‏ قصيدة «عن ناربمان عدلى رزق الله»» ديران الغبارء أر إقامة الشاعر 
فرق الأرض. 

AY)‏ حوار مع أحمد الشهارى فى مجلة نصف الدنيا بعنوان عبد 
الصبور رحجازی ومطر وأمل دنقل برو شفب وبينى وبينهم معارك 
وحرورب» بتاریخ: 1۲۸ ؟/ ”154. 

(19) قصيدة «حكاية؛ ؛ ديران الغبارء أر إقامة الشاعر فوق الأرض. 

)٠١(‏ قصيدة دثلالية العاشق» » دبوان الغبار أو إقامة الشاعر فوق الأرض. 

)1١(‏ قصيدة «الحفل» ديوان الغبار أو إقامة الشاعر فوق الأرض. 

(۲۲) قصيدة «أنت الوشم الباقى) و قصيدة ٠‏ نت سماء واطثة) فى ديوان 
قبل الماء» فوق الحافة. بيروت: دار الآداب» ٤۱۹۹ء‏ 





A 





اذا تركت الحصان وحيدا: ظ 
عل اللحظة النلسطينية الملتبسة 





نخرى صالح* 


ESE اك لجاز جل‎ EEE حو رحو تنه وت بن برو متت حي‎ ENE 
سس‎ 


فى لماذا تركت الحصان وحيدا أسجل ما يشبه 
السيرة؛ وأعيد تاليف ماضي»'. 
محمود درويش 
يعيد محمود درويش فى مجموعته الشعرية الأخيرة 
(لماذا تركت الحصان وحيدا)“ تأثيث قصيدته بالعناصر 
الأرلى» مستخدما ذاكرة الطفل فيه ليطل على الفنضاء 
الزمانى - المكانى الذى شهد صرخة الراوية فى القصيدة. وهو 
يستخدم ضمير لمتكلم لتدشين المشهد فى هذا العمل 
الشعرى المركبء الذى يتشابك فيه السرد والغناء والدراما 
والحوار والتعليق» ليوحى بهيمنة نوع السيرة على أفق هذا 
العمل الشعرى. وعنوان النص الافتتاحى فى هذا العمل 
يشدد على عنصر الولادة منظورا بعين الذات فى فضاء زمانى 
أت «أرى شبحى قادما من بعيد؛ . ويضئ العنوان المأخوذ من 
سياق النص ذاته المشروع الشعرى؛ ويكشف عن استراتيجياته 
ا ا ا سم 


٭ كانتب وناقد ‏ الاأردن. 


وغاياته المدمثلة فى إعادة ترتيب سيرة الذات والجماعة من 
منظور الزمان الحاضر. على ضوء التجربة التراجيدية التى 
سجلها الشاعر فى عمله الشعرى» بدءا من ( أوراق الزيتون) 
وصولا إلى ( أحد عشر كوكبا) الذى يمثل قمة تطور مجربة 
درويش الشعرية» ويضع شعره فى مصاف أهم التجارب . 
الشعرية العالمية خلال القرن العشرين. وتبدو السيرة الشعرية 
من هذا المنظور إعادة تركيب لكسر المكان فى الذاكرة» ونوعا 
من إعادة ترتيب السياق لماض تصدع وملأته الشروخ أكثر 
من مرة. ويكشف لنا صوت الراوى ‏ الشاعر عن بعد الرغبة 
الذانية فى مشروعه؛ عن النزعة الإرادوية التى تعيد ترتيب 
المكان والزمان الغائمين من منظور الواقع الراهن وقدرته على 
تشكيل الماضى وإعادة ترتيب عناصره: 

«أطل كشرفة بيتء على ما أريد 

أطل على أصدقائى وهم يحملون بريد 

المساء : نبيذا وخبزاء 


وبعض الروايات والأسطوانات (o0‏ ( ص: ). 


فخرى صالح وعم يي 0 


واللافت فى هذا المقطع الافتتاحى أن الشاعر يستخدم 
فيه تشبيها يوحى بالشبات والإطلالة على المكان ا حيط 
(كشرفة بيت). إن العالم منكشف هكذا وبصورة سافرة أمام 
العين التى تشاهد؛ لکن هذا العالم المراقب سرعات ما يتحول 
إلى مشهد تنظره العين الداحلية للراوى - الشاعر. إن 
الاستعارة المكانية تعمل الآن من خلال عملية تخويل غير 
البيت ) من المقطع التالى «أطل على نورس» وعلى شاحنات 
جنود/ تغير أشجار هذا المكان» (ص:١١)»‏ على الانتقال 
بالقارئ إلى زمان ومكان ماضيين للإطلال على ما تصوره 
المين الداخلية وما تعيد ذاكر ة الطفولة تأثيقه بالأشجار 
وشاحنات الجنود والنوارس والأنبياء القدامى والسلالم الحجرية 
والمناديل التى تخفق فى الريح. لكن ما ينبغى أن نلاحظه فى 
هذا المشهد الافتتاحى لهذا العمل الشعرى المركب» هو أن 
الحاضر يظل يخترق الماضى على الدوام. إنه يعيد تشكيله فى 
كل لحظة وبنوء بثقله عليه ويمنعه من أن يظل ماضيا. وإذا 
كان الشئ المألوف أن يقوم الماضى بتشكيل الحاضر ومنعه 
أن نلمس إلى أى مدى يضغط الحاضر على الماضى ويقطع 
سيرورنه. إن الراوى - الشاعر يفتح المشهد ليرى شبحه قادما 
ص بعيد فى إشارة إلى رحلة الذاكرة فى ماضى الذات 
و استعادة تفاصيل المكان والزمان الغائبينء لكن هذا المشهد 
بمناصر الحاضر وشروطه» بجروحه وتمزقاته. ومن هناء تبدر 
الحركة السريعة بين أشياء الماضى والتاريخ والحاضر 
والمستقبل. إن العين المراقبة للرارى - الشاعر تتحول ما بين 
سطر وآخمر إلى عين داخلية» ثم إنها سرعان ما ترتد إلى 
المشهد الخارجى لتعيد التقاط التفاصيل اليومية البسيطة : 
«أطل على كلب جارى المهاجر / من كنداء منذ عام 
ونصف...) (ص:۱۲)؛ فى محاولة للبقاء قريبا من اللحم 
الحى للواقع » من المشهد الذى تستطيع العين المراقبة التشديد 
على واقعيته. لكن هذا الواقع القريب من الأصابع» الراقع 
الذى تستطيع حدقة العين أن تخيط به وتسبل الجفون عليه؛ 
الفرس والروم والسومريين» وصور شعرية مستعادة» حصان ابی 


Yé. 


الطيب المتنبى المسافر إلى مصر وعقد إحدى فقيرات طاغور. 
إن الماضى يصبح أكثر حضورا وقربا من الأصابع» من 
الحاضر نفسه؛ فى تمهيد واضح لكى يغمض الرارى - 
الشاعر عينيه ويعيد تريب لحظات الماضى. 

«أطل كشرفة بيت على ما أريد 

أطل على شبحى 

قادما 

من 

يعيد..» (ص:5١).‏ 

ينقسم هذا الممل الشعرى من ثم إلى ستة مشاهد أو 

حركات هى بمثابة فصول السيرة الذاتية للشاعر. الحركة 
الأولى المعنونة ب «أيقونات من بلور المكان؛ وصف شعرى 
لولادة الرارى - الشاعر ورحيله عن قريته بعد اشتعال الحرب 
الولادة فإنه يؤثث المشهد بما يوحى بالاستعداد للحرب أر 
الرحيل أو كليهما معا: 

«أسرجوا الخيل. 

لا يعرفون لماذاء 

ولكنهم أسرجوا الخيل فى السهل» 

(ص : ۹( 

إن السطور الشعرية السابقة تبدر بمثابة نبوءة؛ إرهاصا 

بما سيحدث بعد قليل من رحيل وعودة, لكن حدث ولادة 
الراوى - الشاعر يقطع النبوءة ويفتح المشهد على المكان الذى 
تنبى عناصر الخصب والتفتح فيه» ونوار اللوز والخبيزة التى 
جديد ستندس صرخته فى شقوق المكان. ثمة منظر رعرى 
وهيمنة لعناصر الخصب فی لحظة الولادةء ولكن هذا المنظر 
مهدد بالصورة الافتتاحية؛ التى أوردناها قبل قليل» وهى 
وترقب المجهول. ويتواصل هذا الإحساس بالريبة والخوف من 
خلال وصف صرخة الطفل بأن فيها حذرا لا يلائم طيش 
الترقب أن يمهد لحركة الرحيل التى أمحت إليها صورة 


ااا سسسسشسسسسس لذا ترکت الحصان وحيدا 


الخيول المسرجة التى أفضت إلى مجع شاحناتهم من البحر» 
صعود الراوى - الشاعر وأهله إلى الشاحنات أيضا للرحيل 
عن المكان. فى هذا الموضع من الحكاية؛ نلاحظ كيف 
يجدل الشاعر ببراعة بين ماضى الذات وماضى الآخرء كيف 
اكس الرحلتانء رغم أن وسيلة النقل هى نفسها 
(الشاحنات) . ئمة ندم وتبكيت للضمير وانهام لجيل الآباء 
بارتكاب معصية الرحيل وحوار بین الاب وابنه يكشف عن 
الرواية الجماعية لجنود جيش الانقاذ الذين حاربوا ببنادق 
مكسورة» والسكان الذين اشا وتركوا الحصان وحيدا يؤنس 
وحشة المكان. 
انا خان 
لا مکان له › 
ربما أتدبر أمرى » وأصرخ فى 
ليلة البوم : هل كان ذاك الشقى 
أبى » كى يحملنى عبء تاريخه؟ 
ربما أتغير فى اسمى؛ وأختار 
ألفاظ أمى وعاداتها مثما ينبغى 
أن تكون.....» (ص .)35١:‏ 
فى الحركة الثانية المعنونة ب «فضاء هابيل؛ تعويض 
عن الحاضر المكسور: «شظايا يركبها/ الاخرون مرايا 
لصورتهم بعدنا.. ص :70) بالغناء. عود إسماعيل؛ الذى 
يرجع اسمه صدى أسم جد العرب إسماعيل بن إبراهيم ؛ 
يميد الزمان إلى أوله؛ إلى الخطرة الأولى والتكوين الأول. 
وبتقاطع فى سياق إعادة الخلق والتكوين حدث القثل 
الأسطورى ‏ الرمزى الأول فى الخليقة (قتل قابيل هابيل) 
مع حدث قتل قابيل اليهودى المعاصر هابيل الفلسطينى. إن 
درويش يذوب شخصا وشاعرا فى إسماعيل المنشد وعازف 
الناى ليعيد تشكيل ملامح الحاضر بالغناء أو الشعر. ولهذا 
السبب تصعد السخرية من كلمات الأب الذى روى للابن 
أن القلاع الصليبية «قضمتها حشائش نيسان بعد / رحيل 
الجنود...) (ص :ه3) . 


«... كانت الحرب انتهت 


ورماد قريتنا اختفى بسحابة سوداء لم 


يولد عليها طائر الفينيق بعد كما 
توقعناء ولم تنشف دماء الليل فى 

قمصان موتانا. ولم تطلع نباتات » كما 
يتؤقع النسيان : فى 'خُود الجَنود «(ض:). 


وتسعفنا هذه المقابلة الساخرة بين حدثين تاريخيين» 
هما الغزو الصليبى والاحتلال الإسرائيلى لفلسطين» بتحديد 
المعنى الضمنى لفضاء هذا المشهد. إن الشاعر يسمى هذا 
القسم من عمله الشعرى «فضاء هابيل» ذه بعناصر حدث 
القتل جميعهاء قابيل وهابيل والغراب حتى إنه يضمن الآية 
القرآنية التى تروى حكاية الغراب مع قابيل. ثم إنه يورد 
مقابلات ضمنية بين الحدث الكونى - الأسطورى للقتل 
الأرل - وتعاقب الغزاة على جسد الأرض الفلسطينية عبر 
الشاريخ. إن درويش يقدم تأويلا تاريخيا لما حدث؛ ولكنه 
«يؤسطر» هذا الحدث ويشكل من مادة اليومى والملموس 
تصويرا مجردا للتراجيديا الشخصية والجماعية؛ بحيث يصبح 
النشيد وسيلة لإعادة الفردوس المفمود والاستعاضة عن الواقع 
الخشن الفظ بالحلم؛ بالفن والشعر: 

«... يعبرون جميعهم تحت 

القصيدة. يعبر الماضى المعاصر مثل تيمورلنك 

يعبر تحتها. والأنببياء هناك أيضا يعبرون 

وينصتون لصوت إسماعيل ينشد : ياغريب » 

أنا الغريب: وأنت مثلى يا غريب الدار » 

عد... با عود بالمفقود, واذبحنى عليك 

من الوريد إلى الوريد 

هللويا 

هللوياء 

كل شئ سوف يبدأ من جديد » (ص:18). 

ويمكن القول إن قصيدة القطار تعمل بصورة تامة 

على إحلال صوت الراوى ‏ الشاعر محل صوت المنشد 
(إسماعيل». إننا هنا بإزاء عملية إبدال للأصوات؛ حيث 
تظهر شخصية الشاعر التى كانت مختفية وذائبة فى الشخصية 


ا م ا الال ا 


ا مروى عنهاء وهی تقوم بدءا من هذه القفصيدة بتلوين العالم 
برؤيا الغريب المنفى الحالم بفضاء آخر. عند هذا المفصل من 
واليأس والإحباط من التجربة الجماعية التاريخية هى 
الموضوعة المهيمنة فى (لماذا تركت الحصان وحيدا). مشهد 
اننظار متواصل يذكر بشخصيات صمويل بيكيت» بفلاديمير 
واستراجون فى مسرحية (فى انتظار جودو) . وما هولافت فى 
هذه التجربة العبثية, التى يحاول الراوى - الشاعر التغلب 
عليها بالغناء» أنها تعجن التجربتين» الذاتية والجماعية؛ فى 
مشهد الانتظار والقلق. 

«مر القطار سريعا U‏ 

كنت أنتظر 

على الرصيف قطار مر , 

وانصرف المسافرون إلى 

أيامهم... وأنا 

مازلت أنتظر » (ص:؟1). 
وهكذا تعود السطور الشلاثة الأخميرة من القصيدة لقرجع 
الصدى نفسه؛ صدى الانتظار الطويل الطويل والكمانات 
الباكية عن بعد . والحركة الثالشة فى العمل «فوضى على 
باب القيامة» تنسج لحظاتها من مادة الانتظار. إنها تقوم 
بإزاحة الفواصل الزمنية بين العصور فتستدعى الآلهة الكنعانية 
انات وجلجامش الطامح إلى الخلود وقهر الموت» وذات الشاعر 
الجوال بين الأزمنة فى فترة الغزو الصليبى لمصرء وذكريات 
الطفولة» وحوار يديره الشاعر مع حله وأمه. لكن ما يتحكم 
فى عناصر المشهد هو: «صضنورة... الحاضر المكسورا 
(ص: (Ve:‏ التى تدفع الشاعر إلى صنع «تراجيديا مكررة) 
اص (At:‏ وما يل من هذه ا ع الأسطورية 
الطويل: 


«كان شئ يشبه العنقاء 


يبكى داميا » 


على مقر من ية الاد 


ما نفع انتظارى وانتظارك ؟« (ص:14). 


يقود هذا التسازل إلى حركة رابعة تشيرها ذكرى 

السجن الذى يتحول إلى «غرفة للكلام مع النفس» واتخاذ 
تدابير شعرية تمنع اليأس من بسط نفوذه. هناء فى هذه 
الحركة؛ يصرح درويش بخطته لتحويل الهزيمة إلى نصر 
باستخدام القصيدة والاعتصام باللغة. ومن الواضح استناداً 
5 شعر درويش ومايكتبه من نثر وما يدلى به من أحاديث 

- أن القصيدة بالدسبة إليه» والشقافة بالنسبة إلى 
a‏ بعامة» هى حصن الدفاع الأخير أمام هزيمة 
الحاضر المدوية. من هنا يبدو الشعر وسيلة لاستعادة الوطن 
(القصيدة .../ فى وسعها أن تعيد» / بصرخة غاردينياء 
وطنا!)» وسببا فى انقسام النفس على ذاتها والسقوط فى 
شرك الاغتراب عن الذات وعدم تعرف الهوية : 

«القصيدة بين يدى » وفى وسعها 

أن تدير شؤون الأساطير » 

بالعمل اليدوى » ولكننى 

مذ وجدت القصيدة شردت نفسى 

وساءلتها : 

من أنا 

من أنا ؟» (ص:؟١٠‏ ). 

إن درويش يشدد فى هذه الحركة على اتخاذ اللغة وطنا 

بديلا للمكان الغائب الذى لا يعودء وهو انطلاقا من القدرة 
الأسطورية للقصيدة على إعادة وطن ضائع يردد على الدوام 
أن لغته ھی وطنه» فى إشارة واضحة إلى سكنى الشاعر لغته 
ليعيد تأكيد روايته لتاريخ شعبه: 

« ... فلتنتصر 


لغتى على الدهر العدوء على سلالاتى؛ على» 
على أبى» وعلى زوال لا يزول هذه لغتنى 


اس سس ست 


ومعجزتى . عصا سحرى . حدائق بابلى 

ومسلتى؛ وهويتى الاولى» (ص : .)١١4‏ 
تبدو اللغة فى هذا المفصل من مفاصل الحكاية 
الشعرية؛ التى بدأت برغبة الشاعر فى الإطلال على ما يريدء 
رحما وملاذا للراوى - الشاعر الذى يريد أن يكتب حكايته 
ليرث أرض الكلام ويملك المعنى تماما . وتفضى بنا رغبة 
الشاعر هذه إلى الحركة الخامسة من حركات القصيدة التى 
يرتدى فيها الراوى ‏ الشاعر قناع طروادى يحاور هيلين 
معاصرة تنفى اشتعال حرب طروادة «فتقول له :/ حرب 
طروادة لم تكن / لم تكن أبدا؛ (ص :118)؛ فى إشارة 
بليغة إلى حرمانه» حتى من تصور ذاته طرواديا معاصرا مهزوما 
يمكنه أن يتكلم بلسان الطرواديين ويعيد رواية الحكاية 
باسمهم واسمه . ونحن نعلم أن درويش يمود فى شعره 
الأخير إلى إنطاق ا محرومين من الكلام وا ممنوعين من رواية 
حکایانهم» عبر عبر إعادة صياغة إرواية الهنود الحمر أو رواية 5 

الأندلسيين الخارجين من الأندلس» فى محاولة لخلق تعبير 
مواز وغير مباشر عن التجربة الفلسطينية. ومن الواضح أن هذه 
المشاغل الشعرية التى تعود إلى أرض الحكايات التاريخية؛ 
الفنخولة بملامح الأسطورة فى الكثير من فصولهاء نابعة من 
أرض الراهن » والشاعر يقوم )ميد ليد بين الراهن من 
خلال اللجوء إلى حكاية الطفولة والتاريخ والأساطير ليحفظ 

شعره من هجوم التفاصيل اليومية التى تفرغ القصيدة من 
لهبها الدائم المشتعل» ولكى يحشد الحكاية اليومية بأتصى 
جرعة ممكنة من المعنى؛ وتلك فى الحقيقة طريقة صنع 
الأساطير التى هى مهمة الشاعر الملحمى الذى يطمح 
محمود درويش أن يكونه » فى زمن تضاءلت فيه قامة هذا 
النوع الشعرى وتوزعت عناصره على الأشكال الشعرية 
الختلفة. ومن الواضح فى الماذا تركت الحصان وحيدا) أن 
درويش ينتهك البنية الملحمية التى تتبدى فى نایا هذا العمل 


فى الحركة السادسة والأخيرة بإغلاقه المشهد على حوار 


الذات مع الآخرء وهو حوار يخبكه السعال السريع (ص: 
© فى إشارة دالة على غياب الحوار وانعدام شروط 
الرصول إلى تفاهم مشترك يحفظ لكل طرف حقه فى رواية 


اذا نركت الحصان وحيدا 


حكابته. ويمثل الشاعر لغباب أرضية الحوار بمشهد مثول 
برتولت بريخت أمام محكمة عسكرية إسرائيلية يقوم فيها 
القاضى بتحويل الشهادة إلى محاكمة ويتحول القاتل إلى 
ضحية ويغتصب رواية الضحية وأسماءه: 

ومضت الحرب. وضباطك عادوا سلمين 

2 وهذا شانى ا ت بی 

الزنزانة امتدت بى الأرض» 0 رعاياك 

يجسون كلامى غاضبين ویصیحون بآخاب 

وإيزابيل: قوماء ورثا بستان نابوت الثمين! 

ويقولون : لنا الله 

وأرض الله 

لا للآخرين ! 

. ما الذى تطلبه؛ ياسيدى القاضى » 

من العابر بين العابرين ؟ 

فى بلاد يطلب الجلاد فيها 

من ضحاياه مديح الأوسمة ! 

وأن أسقط عن صوتى قناع الكلمة : 

هذه زنزانة. ياسيدى ؛ لا محكمة 

وأنا الشاهد والقاضى . وأنت الهيئة المتهمة 

إن درويش يصل بإغلاقه الشهد على سكانه ذروة 

ويتبادل الضحية والقائل المواقع فى نص شعرى أظن أنه من 
أفضل النصوص الشعرية التى كتبت خلال العقد الأخير عن 
اللحظة الملتبسة للراهن الفلسطينى الذى تختلط فيه التراجيديا 
بالكوميديا السوداء؛ وتضرب المفارقة بجذورها فى أرضه. 


ا ج ج ت م 


(1) من حوار مع مجلة الوسط (لندن) أجراه مع درويش الشاعر اللبنانى عباس بيضوت 


(؟) محمود دروبش: لماذا تركت الحصان وحیداء رباض الربس للکتب والنشر؛ لندن» کانون الثانی ٠٠۹۹۰‏ 


YEY 


ا 





أشراك الغوانات 
قراءة فى 
فاصلة إقاعات النمل* 
محمد عفيفى مطر 





السيد فاروق رزف ** 


د 
LSS‏ 


«هذا شبق الكون تعرى, فاحد قطعان اشتهاءاتك 

واخرج من فتوق الرجز الغفلء 

وخذ من إرثك الداثر فتل الليف واقد 

من حبالاتك أشراك الغوايات وثبت وتد 

الخيمة. وافتح للصبا باب النشيد». 

الفاصلة هى لؤلؤة أو جوهرة تفصل بين لؤلؤتين من 
لون واحد.. 

هذا المعنق المعجمى مثير للتفكير ومولد للأسئلة» فأى 
اللآلىع يصنع الغواية وينصب شرك الأسئلة. هل هما اللؤلؤتان 
ذوانا اللون الواحد أم هى اللؤلؤة الفاصلة؟ ما الجوهر الذى 
يفطيه الرماد؟ هل هو ماتراه عيناك ‏ كما هو - أم ما تصوغه 


يبب س 
#محمد عفيفى مطر» فاصلة إيقاعات التمل» شرقيات» القاهرة 155. 
+ه باحث وناقد مصرى. 


YE 


الرؤية حين تنصب على مساحات الفراغ فتملؤها بغوايات 
الغياب ؟ 
الفاصلة هى مهلة؛ لحظة سكوت؛ مساحة صمت أو 
فراغ أو هامش يفصل بين نصين» متنین» كتلتين أساسيتين . 
فبل ذلك الفراغ » الغياب» العدم» هو نفسه الجوهرة التى 
تفصل بين لؤلؤتين؟ كأن الفراغ هو النص الأصلى الذى 
خرج عنه ‏ أى انفصل ‏ الكلامء الامتلاء؛ الوجود اليوى 
المعيش . 
«... أواخحر الآيات فى كتاب الله فواصل بمنزلة 
قوافى الشعر» جل كتاب الله عز وجل » واحدتها 
فاصلة). 
أواخر الآيات هى أيضاً جواهر تفصل بين اللآلئ 
المتشابهة؛ الشيمة التى تكسر نمط التكرار فى قطعة 
الأرابييسك» وهى تؤكدء فى الوقت نفسه» ضرورة الوشج 


سس دمل سكفب-مب أشراك الغرایات 


وتجعل من حبات اللؤلؤ المتشابهة اللون؛ الكلمات» كلا 
واحداً »لايقف الصمت فاصلا محايداً بين مفرداته؛ وإنما 
يكون منها ولها وجودا خاصا غير مألوف. 
من الواضح» ظاهرياً على الأقل» أن الفاصلة تتكون من 
عشر قطع موزعة بالتساوى: حمس خارج الأقواس وخمس 
داخلها. لكننا إذا ما أمعنا النظر إلى القصيدة بوصفها كلا 
وفى ضوء تكوين بقية قصائد الكتاب» وجدناها تشكل فى 
مجمرعها خربة درامية واحدة. تتكون هذه التجربة من مقدمة 
أو استهلال تعقبه نسعة مشاهد. ولمل فى الرقم تسعة إيحاء 
بتاسوعات دانتى» وهو استدعاء مبرر؛ إذ محتوى القصيدة على 
سلسلة مشاهد تمثل مستويات مختلفة من الجحيم. ثم ننتقل 
عبر عذابات السجن» المطهرء من جحيم «الشك» و«الخراب 
العميم! إلى مايشبه الفردوس الشبقى الحميم حيث: 
«التين المتهتك وحامات التوت وإغواءات 
العناقيد وحرائر القطيفة من 
طلع وحب حصيد». 
تبدأ القصيدة بكلمة «غموض»» وهى بداية دالة لقصيدة 
تعلى بالنموض على مستويات عدة: الغموض الأخلاقى؛ 
الننسىء العاطفى؛ الروحى. الغموض الذى يحاصر الشخص» 
أو يحصر الأمة أو يصنع سياجاً يحول بين اللفظ والمعنى» أو 
بين الإنسان وماضيه» أو بينه وبين غيره من البشر. 
غمض الدم أى لم يعد واضحاً أو ظاهراً؛ أو لعله غاب 
عن الجسد أو غاب فيه» إذ يقال «غمض السيف فى اللحم 
أى غاب فيه» ؛ فهو غياب مؤلم وجارح لا يحدث إلا بالدم! 
وهو هروب إلى الداخل أيضاء وكأنك متحتمى به من 
«انكشافات» أو افقضاحات قد تكون أقسى من إيغال السيف 
فى اللحم. 
غموض الدم الهارب» إذنء يوحى بالخوف» الخوف من 
الشك» الجهلء الظلمة التى تحجب المحبوب» بل تحجب 
المحب نفسه عن ذاته» وتت ركه وقد بات يتخبط «خبط الذبيحة 
بين عماء دم..) وشك لا تمحوه معرفة ولا يؤكده جهل. 
وغموض الدم يشير أيضا إلى انهيار علاقة القربى التى كانت 


. 


قائمة على الدم؛ إلى سقوط تلك العلاقة الحميمة التى 
كانت تربطه وامرأة القصيدء وتداعى الرابطة التى كانت تربطه 
والأهل.. وبقية القبيلة. 

الغموض كلمة تفتح حفلاً دلالياً محددا تدور فى مداراته 
أغلب جمل المقدمة التى تتضمن كلمات مثل: ويخبوب- 
تجهل ‏ تخبط عماء - المسترية - الظلمات - يتكتم - 
خبء؛. كل واحدة من هذه الكلمات ترتبط بدرجة أو 
بأخرى بمعنى من معانى الخفاء والكتمان من جانب 
الآخرء الأشياءء العالم كله الذى يبدو حريصاً على أن يستر 
ويدارى كل شئ عن الشمسء لأن الشمس قد تؤدى إلى 
تجدد الحياة أو إلى الكشف عن المستور من فساد مكتوم أو 
مسكوت عنه. وعلى الجانب الاخرء نلاحظ انقسام الذات 
الحاضرة فى القصيد إلى متكلم ومخاطب. المتكلم يعرف 
ويصف ويحذرء والخاطب يتخبط ويضيع فى دهاليز الجهل 
والمماء. ولكن المخاطب الآخرء الغائب/ الحاضر؛ هر تلك 
الأمة من النمل المعرف؛ أمة لا تسمع نداء الشاعر؛ نملة 
نكرة» ولا تفطن إلى الخطر الذى يحسه إزاء ذلك التحول 
الذى يلم بالأمة كلها: 

«التواريخ تمحو التواريخ». 

ضاعت كل الأشياء التى كانت تبدو ثابتة ومؤكدة. 
غمضت الأرض وسقطت الحدود وتداعى معها معنى الشرف 
المرتبط فى الوعى العربى بالمرأة: الأرض/ العرض. فضياع 
معالم الأرض يقابله اختلاط ملامح المرأة وانتثارها: 

«هى انتثرت من ملامحها». 

الفموض يطوى الذاكرة والأرض والعرض. وإذا كان 
الغامض من الأرض هو الموضع المنخفض الذى لا تبين 
معالمه؛ فإن الذى يسكن تلك الأرض هم من لايملكون 
القدرة على اعتلاء الجبال؛ بما يتضمنه معنى صعود الجبل 
وركوب الصعاب من معانى الرجولة والفحولة؛ أما من ارتاحوا 
للغامض من الأرض فهم الذين: 

«أشتوا بجراد الكذب وهلكوا 


بالرعاف وتبددوا ترابا فى احذية الأمم». 


السيد فاروق رزق ا > ل ا ت 


فالغموض مرتبط بالهبوط؛ وكل معرفة ينالها السالك فى 
هذه الأرض تعنى مزيداً من الهبوطء ومن ثم الجهل. 
فالغامض من الأرض هو «مكمن الظلمات»؛ حيث تسكن 
«أسرار الأرض وغيوب الظلمة وباطل الليل والنهار». إنها 
المعرفة التى نخشاها جميعاً. معرفة الخراب الكامن فى 
الداخل» فى مسارب النمل/ دهاليز الروح. تلك هى المعرفة 
التى لاينالها المرء إلا بالدم. 

ولعل من اللافت للنظر هنا ارتباط الغموض بالدم فى 
أكثر من سياق: «غموض دم)» «تخبط خبط الذبيحة / بين 
عماء دم؛, وهو ما يستمر ليس فى هذه القصيدة وحدها 
ولكن فى أغلب قصائد الديوان. 

الدم الهارب الذى يخبو وينبض يبدوء ككل عنصر فى 
الفاصلة؛ دالة ملتبسة وملغزة أحيانء فهى تشير إلى الحضور 
والغياب معاًء الشك واليقين» الجهل والمعرفة» خوف يتقلب 
فى صفحة الوجه. فى أى وجه يتقلب؟ هل فى وجه انحب 
أم وجه امحبوبة؛ أم فى وجهيهما معاء هل هو خخوف امحب ما 
يعلم أم مما يجهل ؟ 

الدم هو» من ناحية» لفظة مرتبطة بارتكاب الخطيئة 
والدنس الذى قد يكون مصدراً للشك» فنحن لا نقرب المرأة 
(اللى عليها الدم) ؛ والدم أيضاً مرتبط بالبكارة؛ ومن ثم 
بالعرض . ومن ناحية أخرى» يستدعى الدم صورة العلاقة التى 
تربط الجنين بأمهء وكأن طريق الخلاص والمعرفة اليقينية يعود 
بنا إلى رحم الأم / الأمة. وإذا كان الدم الهارب يكشف عن 
الخوف الذى يبعثه الشك ونقص الإيمان؛ فإن الذبيحة التى 
تتخبط بين عماء دمها هى إنما تكفر بعذاباتها عما قد تكون 
قد اقترفت من ذنب. فهل الك هو ذلك الذنب المقيم؟ 

الشك» فى العربية» يؤدى أيضًا معنى الخرق؛ فأن تشك 
الشئ أى تخرقه؛ وهو معنى يشير إلى اننهاك جسم مادى أر 
جسد بشرى. الذى ينتهك هو علاقة التوحد بين العاشق 
وواحدته التى هى المرأة» القبيلة» الأمة التى لم تعد هى الأم 
التى تحمى وتضم وتلملم أشلاء واحدهاء بل صارت هى 
موضع الشك. 


51 


عن الشك. فالشك فى الأمور العقائدية يعنى خرقا لقانون 
أساسى من قوانين الإيمان هو التسليم. فأسلم تعنى انقاد؛ 
وأصبح مسلماً. والأصل فى معنى اللفظة هو التسليم والرضا 

إن الفاصلة تستدعى مجربة النبى إبراهيم؛ ولكن الطير 
أجزاء القصيدة تشكل مراحل التجربة» التى يظهر فيها الذبح 
كطريق وحيد لإدراك اليقين؛ ولكن الأشلاء المتنائرة على 
قمم الجبال لا تسمع؛ ولا تستجيب للنداءء ومهما كان 
قرب انمحبوب وحضوره الجسدى يقينا لاشك فيه؛ فإنه ييقى 
وجودا غامضاً ومنتشراً ما بين (مستحيل يلوح» ودمكن 
أبدى . 1 

فالطريق الوحيد لاجتياز أزمة الشكء الانتهاك» هو طريق 
وصنعت تاريخها بنسيج فريد يجمع بين العشق والده'!' : 

الشك فى المحبوبة هو نفسه الشك فى حقيقة الدور الذى 
توهمه الشاعر لنفسه» ف جدوی الشعر» ومعنى العلاقة التى 
تربطه بأمته. الشك الذى يسرى فى صميم العلاقة الشخصية 
يشتبك وخيط الشك فى العلاقة بالوطن؛ وخلفهما يستفر 
الخراب العميم» فما الذى بقى لك أنت: 

«أنت تهوى على ركبتيك نداء دم واتكاء خراب على بعضه 
وتلطم وجهك من رهبة الظلمات وأزمنة 

تلك هى الأزمنة التى حلت أما أزمنة العشق فتخبو تحت 
ركام «اللهجة المستريبة) » ويضيع آثر ا محسوبة برغم حضورها 
الذى تسجله التواريخ الجديدة» لكن لا بصورة المعشوقة 
الواحدة القادرة على منح الحياة ولكن كهقبلة صبغة فى 
أديم الزجاج» و انبرة صوت» و ..١‏ خط ار والكحل 
والأحمر». قد تبدو الصورة هنا خربة أوزيرية معكوسة» 





ج و 1 أشراك الغوايات 


فالرجل يلملم أشلاء الرأةء الحبوبةء التى لم تعد هى نفسها 
ا . العبارة تحمل أصداء دأنت 
واحدها وهى أعضازك انتشرت»» لكن الانتثار هنا أشد قسوة 
وأكثر إيلاما لأنه يكاد يؤكد الانفصال والعجز عن امحبة من 
حيث هى فعل وجود خلاق. 
يحاول العاشق أن ينقذ المعشوقة من «الخراب العميم»؛ أن 

يرفع عنها الرصد» ويحل السحرء » وييدد ما بينهما من «نمل) 
الشك والخراب. لكن هل يستطيع؟ ما الذى يلملمه من 
رفات الحبوبة؟ إن حضورها يتحول إلى بعض من يقايا الألوان 
التى خلفتها أدوات الزينة» حتى صوتها يغدو مجرد «نبرة 
صوت» تخفى أكثر ما تبين» كأنها نبرة صوت آخر» منفصل 
عن صاحبته» صوت كطلائع النمل التى تسعى إلى جمع 
الحبء ثم تخطمه وتخول بينه وبين الماء كى تفقده القدرة 
على الإنبات: 

«واللهجة المستريبة نملا يدب دبيب ال ملامح في 

عاصف تتكسر د 

نمل تنشر أرساله الحب من مكمن الظلمات وتقضمه 


تحت غرائزه الروح» 


عله يتكتم خبء تحوله وانكشافاته». 
النمل الذى يجمع الحب» ثم يفلقه أو يقضمه حتى لا 
ينبت2'0؛ هو الذى يجسد حضور «اللهجة المستريية؛ فى 
علاقة الحب امحتضرة. وكأن كليهماء النمل والشك؛ يسلبان 
الحب والحبء القدرة على التجدد والنمو فهما يحطمان 
الوحدة اللازمة للإنبات» ويحرصان على الفصل والقطع 
والجفاف لكى يصنعا العم الضرورى لوجودهما. 
النمل هو «طائف الشك»» ١اللهجة‏ المستريبة» والحاجز 
الذى يفصل الأنا عن الآخرء هو ما يسرى فى النفس مردداً 
أصداء الفناء والخواء والقطيعة: «... نمل بلا عدد يتسلل 
منك وفيك». الهواجس» الظنون» حتى الذكريات صارت 
بعضا من فلول النمل التى لا تنقطع . 
نقول إن اليد أو القدم قد نملت» ونعنى بها أنها قد 
خدرت واسترخحت» لا بالإرادة والرغبة فى الاسترخخاء؛ ولكن 
بالعجز عن الحركة وفقدان السيطرة على الجزء الذى نمل» 
ركان قد فل ار . وتغلغل النمل فى لحظة امحبة يوحى 


بالعنة التى إن لم تكن قد أصابت جسد لمحب فإنها قد 
ET‏ 


«الخبء هو ا راخبوء» . وفى القرآن «وهو الذى 


يخرج الخبء فى السموات والأرض»؛ وفسر الخبء فى 


الأرض بالنبات» والذى فى السماء بالمطر. 

فالنمل الذى يتكتم خبء وله وانکشافاته»› يغدر 
بكتمانه وخبيوط الشك التى يغزلها ستاراً يحجب النور عن 
حبءِ الأرض» النبات» ويحول بينه وبين خحبءِ السماءء 
المطر. فيموت النبات من الكتمان ويسقط المطر سدى. كزفرة 
تتهدم ف دمعة صامتة. 

وهكذاء تنتهى مقدمة الفاصلة بإعلان الفشل وتصدع 
تلك العلاقة الفشل الذى؛ ربماء يكشف عن تصدع أكبر 


فى جدار الوطن وروحه؛ بل فى معنى كونه الوطن. تلك 
النهاية لا يجسدها صوت وإنما دمعة صامتة . كأن الكلمات 


قد بانت عاجزة عن فضح هذا الخراب العميم . فما الذى 
ييقى إذن؟ 
«ليس يبقى سوى زفرة تتهدم فى دمعة صامتة». 
بداية جديدة 
نهاية المقدمة بكلمة «صامتة» تعود بنا إلى ارتباط 
الممث بالفاصلة. فالصمت عند نهاية البيت الشعرى أو بعد 
أواخر الآيات هو «فاصلة) أى «مهلة), فراغ يصل ويفصل 
فى أن» يقطع استمرارية البيت» أو الآية» لكى يفتح أهامنا 
سياقاً جديداً. 
السياق الجديد تشكز فيه دلالة جديدة للنمل ولعلاقة 
الشاعر به: 
دشافوق.. تقوده الرائحة ويقودك 
الإيقاع وأهوية المحاريب وخفاء المجازات...» 
النمل رمز شديد الكثافة والشراء فى القصيدة. فهناك نمل 
الشك الذى يقتحم جدران العشق المتهدم ويعجل بفنائه 
امحتوم. والنمل هو أيضاً تلك الأيام المتعاقبة» المتشابهة» لعنة 
الزمن التى تأنى على الناس والحضارات: 


TEV 


اا داو 0 


«وهى الموكل فى توالى الدهور بنقل الأهرامات 

ورماد المومياوات وأقواس النصر وهياكل 

الحضارات - ذرة ذرة - إلى خلاء الشكل 

وأبدية الفراغ المنبسط الذى تعود إليه 

التراكيب ونضالات المعاني...» 

وينما جد «الأهرامات ورماد المومياوات وأقواس النصر 

وهياكل الحضارات؛ إجاز الممضى وميرائه العظيم؛ جد 
النمل يسمل على مسخ ذلك الشراث وتحويله إلى جزء من 
أبدية الفراغ المنبسط. إنه يمحوء بحركته الدائية؛ كلل دالة 
تشير إلى البقاء أو الخلود «التواريخ تمحو التواريخ؛ . هناء 
لايرقى سوى.. الصمت: صمت النهايات؛ الاستسلام لأبدية 
الفراغ والإيغال فى: 

«مسرب النمل حتى 

قراه البعيدة فى ليلة الروح والجسد المتاكل 
والنظرة الميتة!!» 


الشاعر يرى فى استسلامه لغواية الإيقاع والمجاز ما يجعله 


يشبه النمل فى اندفاعه خحلف «الرائحة» . كلاهما خركه قوة , 


لا يستطيع لها دافع؛ كلاهما يندفع صوب ظلمة لا تنفك 
تدعوه إليهاء وتراوده عن نفسه» وتنصب له القبور» التى هى 
كالأ رحام» أشراك غوايات لاتنتهى. لكن» بينما يتوحد الدمل 
والفعل الذى يقوم به, يعانى الشاعر من الانفصال القائم 
والمستمر بين ما يفعل وما يرى أن عليه أن يؤديه. فهو مزع 
بين احتياراته الجمالية والأسكلة الوجودية والأخلاقية التى 
تطرح نفسها عليه. »فهو يحفر لنفسه ملاذاً فى ظلال اللغة» 
مستسلماً للوقوع فى إحدى «أشراك الغوايات»ء لكنه لا 
يتوقف عن لوم نفسه» فهو «... الشاعر المنتشى بالخرائب 
والذكريات» يصطلى وحده «بالنبوءات والوهم؟ » ويواجه 
الاختيار الصعب بين الكلمة الخالقة والكلمة المضغةء بين 
الحياة فى تيه المجازات: وكأنها «ملائذ النمل؛ والموت 
الروحى فى أبسطة الرمل وساحات بيت الشعر وترجيع 
القوافى والأوزان وكلمات العبيد الشعراء: 
دولا ملجا فملائذ النمل أكرم على نفسه 


من عماءات الإمعات الجيف» (ص 45). 


YEA 


لكن هل ارتاح الشاعر فعلاً إلى ذلك الاختيارء أم أنه 
يظل وحده: «ليس لى درع ولامجد»؛ يطلق نداءات مكتومة 
ونبوءات لا تستجيب لها قافلة النمل الفاقد للوعى وللذاكرة» 
الضائع ف متاهات لغة السوق وتقلبات القردة والنخاسين» 
وتبدل «مواقع الأصوات فى عماء الحلوق». فهل يستسلم 
للممت؟ 

الممت الذى هو الفصلء القطعء الفطامء الخروج. 
خروج من البيت؛ الأصل» الرحم» ودخول فى مكان آخرء أو 
فى «المكان الآخر؛. لكن هل هناك بديل حقيقى لملاذ 
العاعر الأصلى» قبل الفصل» وقبل الكلام» وقبل الخروج؟ 

ليس هناك مايعوض ألم الخروج من الأرض التى كانت . 
مجمرة البدايات. 

للذكرى والحنين إلى البدايات حضور قوى فى 
«الفاصلة» . قد تكون البداية هى رحم الأرض» الذى هو أيضاً 
موضع الانتهاء. من ذا الذى لا يعاوده الحنين إلى تلك 
اللحظة المصمتة الداكنة اللونء قبل السقوط فى «أزمنة الدمع 
والأسكلة؛ والتردى فى هرة الشك الكامن فى الأبجديات؟ 

هناك نوستالجيا أو حنين دائم للعودة إلى زمن السكوت 
والظلمة الأولى. الطين والحرف» كلاهماء جنينى الإيحاء. 
كلاهما مادة أولية للخلق؛ للتشكيل» لإعادة الصياغة. وحين 
يعود الطين إلى مقدوره قبل الكلام» فإنه يعود بنا إلى لحظة 
ماقبل الخلق» ماقبل الشك.. والخطيكة؛ لحظة كان اليقين 
الأول الصامت مطمكنا إلى سرمديته؛ لم يكن الحرف قد 
غادر ظلمته الاولى: 

«هكذا مرتجع الطين إلى مقدوره قبل الكلام 
هكذا مرتجع الحرف إلى ظلمته الأولى»7). 

أرسال نمل جديد 

«تنمل الناس أى تركوا واختلط بعضهم ببعض» أو 
تفرقوا للسعى تفرق النمل». إنه السعى وراء لقمة العيش » 
ومجرد البقاء. تلك هى حركة «الناملة... أى جماعات الناس 
السائرين فى الطرقات». تلك الحركة الدائنة الخالية من 
الإحساس بالآخر والوعى بالمصير والإيمان الشخصى بالحضور 


يمي ل ا أشراك الغوايات 


الفعلى للواحد المتعالى' إيمان لا ينفصل عن الثقة بالعشق 
والمعشوق والارتباط بالأرض ومن عليها. إيمان لا يعرفه 
النمل ولاتخسه الناملة. 
لعل النمل الذى يجسد حركة الجماعةء السابلة» فى 
سعيها الم من أجل البقاء» هو هذا ال المعرف 
بالنداء؛ . أما الشاعرء فهر «نملة نكرة) غير أن تلك النملة 
النكرة؛ كما فى الأمثولة الدينية؛ هى التى تملك المعرفة 
والقدرة على التب . منذ بداياته الآولى والشاعر يعرف ويعانق » 
نيما يشبه اشتهاء القدر» ذلك التفرد المعذب الذى يجعله 
يصر على ا ی أحياناء فى مواجهة 
القافلة» ذلك فى الوقت الذى يحتفل الجمع فيه بتاريخ 
جديد يمحو التواريغ التى كانت؛ ينقضهاء أوينسخهاء ثم 
يكررها ويعيدها مرات ومرات حتى تصبح سخا ممجوجاء 
كهينمات الذين مانوا هلعاء وإيقاعات الذين ماتوا طمعاً. 
العبيد الشعراءء الناملة أو السابلة» يحتمون من لعنة 
الأسئلة وجحيم الظنون بمسخ المعانى واستبدال مواقع 
الأصوات فى عماء الحلوق» فبقضون حيوانهم فى استهلاك 
الكلام المألوف» المكرور» المدون» كأنه سماط أعد لهم ما 
انفكوا يعاودونه مرات ومرات؛ كالنمل» يتبعون أرسالهم؛ 
ويقتفون أثر من مر قبلهم من عبيد مضوا فى ي ارق المعبدة 
المأهولة. 
جميمهم يحومون حول سماط المسخ الذى يصنعه 
الشعراء المداحون؛ النخاسونء الأرقاء. وقريياً منهم؛ فى ركن 
اخر من التعشيقة؛ «ينزوى الشاهد مابين فتوق الرجز المضغة) . 
وحده العاشق يعى رهبة الظلمات وصبوة السعى وراء 
النور» الحق؛ الإيمان. وحده يظل معلقأ بنسيج متفرد تشتبك 
فيه خيوط الدم بامجاز:جسد إله مشنوق يتأرجح على تخوم 
الكلام المضفة وبلاغة الصمت: 
«.. وحدى .. ليس لى درع ولا مجد 
سوى عرى الوليمة 
في عراء الرمل والفصحى.. وهل غير العراء 


منبرا فى ضحوة العيد وأسماط بلاغ وثريد!!» 


الكلام المضغة هو لغة السوق» المهرجان» العيد» حيث 
تتواری الكلمة/ الشهادة والكلمة النبوءة لتتم الصفقة بين 
«خفرن يعرض الصيد ولص يشترى بالرعب؟ . 
زتره ارا رفات الأهل وصيد الغرباء. فأى 
احتيار ببة ییقی له سوی ليقف وحيدا معانقا صمته أو موه 
الختار . أما النبوءة/ التحذير فتضيع هباء بين ا رسال النمل 
المعلقة مصائرها بالخراب العميم» » الضائعة فى زحام الممالك 
والمصالح» الموغلة فيك كحضور باهظ الوطء لوجود منفصل 
عنك» مفروض عليك. 
كأن النمل؛ بهذا المعنى وحده» هو الرصد والحصار 
معنى ويحيله إلى جزء من (لوحة تعشيقها جمد). 
ويكتمل ليل الفاصلة بتحول الوطن إلى سوق كبيرء كل 
وان أله بهن ایر کل ا ... أشتوا بجراد 
الكذب وهلكوا...» فما الذى بقى فى هذا الخراب العميم؟ 
«شحاذون فى الساحة, أضواء دم من ¿ سالف القتل» 
سباياء جوهر من أعين الموتى, عظام بليت فى 
قبضه ة النخاس...». 
«الهدايا منجز الماضى الذى ولى) فمن يمنحها 
من؟ لم يعد هناك شئ لا تطوله أيدى النخاسين وجار الدنيا 
ميراث الأجداد لم يعد سوى «عظام بليت فى قبضة 
النخاس» . تاريخهم رفات عظامهم» عيونهم التى تشكلت 
فيها صورة الدنيا ذات يوم ؛ صارت جميعها سلعة معررضة 
للبيع والمساومة: 
«جوهر من أعين الموتى...». 
العبارة تستدعى السطر الذى أحذه إليوت فى «الأرض 
الخراب the waste land: those are pearls that were‏ 
وعيرع وز 2447 عن مسرحية شكسبير «العاصفة) : 
دتلك الآلئ كانت عيناه». 
اللغة ا بحي فوق ظهورنا وامجار 0 000 
هى م كانت 6 لين حت الذى سرت فيه 


۹ 


أرسال النمل؛ فحطمته. الذكريات التى مسخت وثبتت 
ملامحها فى لوحة تعشيقها جمد.. 
ما نشاهده هو تخول موضوع حى؛ أو كان حيأء وذى 

قيمة وجدانية خاصة إلى جماد» مادة ذات قيمة تبادلية» 
مرتفعة الشمن» لكنها يجسد معنى الموت العقيم» المشاع. 
موت لايخلف جثة تخصب الأرض وتكمل دورة الحياة. 
موت كامل ونهائى. موت الروح قبل الجسد. موت: 

«قافلة البدى التى تضرب فى 

ذاكرة الرمل المقفى...». 


«وتقلب من تاريخ العشق الفراش أشفاراً 
والبكر العوان كربا ونواعى يندين 
أسفارا ترسف من قيذ إلى قوادة». 
الذى يتجلى فيما تشهده اللغة من خولات مخاكى المسخ 
الذى يلم بالعلاقات الشخصية والاجتماعية فى قلب أمة 
باعت «تسبيح القطا» لتشترى «مغزل الدم؛ ! 
هل كانت تلك ھی البدايةء أ أم أن البداية هى لحظة 
الصمت الفاصلة التى أعقبت فتل تیر لأحيه هابيل؟ تلك 
اللحظة التى تبدو متكررة أبدا فى الزمان العربى: 
«في البدء کان قتالهاء وفي البدء أبدا يكرن: 
تلك هى بعض الدلالات المروعة التى يضفيها الراهن 
طريقة واحدة لتأويل المدايات» أم أننا دائماء بعد كل برهة؛ 
فاصلة؛ لحظة صمت» نبداً من جديد» وكأن الزمان العربى 
هو سلسلة من آلبدايات التى تقطعها فواصل من الصمت 
والفراغ الذى دائماً ماينتهى «بطير من شظايا الجمر والفولاذ 
يهرى من تعاشيق السعرف) 
فما الذى تفير من تاريخ القبائل حين تبدلت أدوات 


(0. 


«التعاشيق» ومنجزات. الماضى وجماليات اللغة / الشهادة هى 
الل متكت واستحالت جزءاً من زمن «الخيمة والقفر 
الجليل؛. فصل آخر من خولات «أزمنة طالت بها الأدهر»» 
«أم الوقت بدء انحلال بسجادة الكون؛ ؟ 
«كان نمل بلا عدد يتسلل منك وفيك, 
قبائله - في ضراوة زحمته - فككتك 
وبينكما شهقة ومسافة دمع ذليل» 
بين «دمعة صامتة؛ فى نهاية القطعة الأولى «ودمع ذليل) 
فى نهاية القطعة السابعة؛ ازدادت ضراوة النمل وقدرته على 
التفكيك ونقض النساجة. لم يعد النمل فى التراب» وإنما هو 
فى الداحل «يتسلل منك وفيك» فكيف يتحد العاشق 
بمحبوبه وقد تفكك هو نفسه وانتغرت أشلازه؟ أما ما بينه 
وبين الحبوب فقد صار لانهائياًء ليس مجرده دمعة صامتة» 
لكنه «شهقة ومسافة دمع ذليل) . 
فى أزمنة التتصدع والحسرات» على الشاعر أن يهرب 
بمحبوبته: الحقيقة والمثال» المرأة والوطن؛ الجمال والشرف» 
ليرفع الرصد ويحلل بعشقه: 
«.. ما بالسحر ينعقد 
' واركض بها فى الأرضء أضرم فى خرائيها 
الأشعار...» 
الشعر هو النارء القوة الخالقة» القيمة الحقيقية التى دونها 
يتساوى الكائن و«السقط الذى يسفى» .. تذروه الريح كأوراق 
الشجر الذابلة» كالندى؛ كالتراب» أو يضيع سقطاًء جنينا لم 
يكتب له أن يحيا فى رحى عالم جدب عنين فظل محفوظاً 
فى «لوحة تعشيقها جمد .° 
هى انتغرت من ملامحها 
نهاية القوس الأول هى لفظة «الحروف» التى 000 
البدايات» الحركة الأولى من الصمت إلى الكلام. ولعله من 
المألوف أن ينظر إلى الصمت باعستباره الحالة الأولى أو 
الأصلية للبشرء كأنه حال الوجود فى دائخل الرحم. ثم نولد 


لل ا و ج ی ی و ر أشراك الغوايات 


فى قلب حالة السكوت» العدم» الفراغ اللانهائى؛ وتولد معنا 
الصرخة التى, تبمثها حالة الاغتراب الأولى. الخروج إلى عالم 
معاد يضع الأغلال على صرختناء أغلال الحروف التى تقطع 
الحبل السرى الأخير: الصمت. الصمت يقطعه الكلام يضيع 
التوحد الأول مع الام. يتسلل إلينا نمل الشك؛ وسوء الفهم 
وأشراك الكلام: غوايات الكلمة. 

فى البدء كانت الكلمة . والكلمة هى التى جعلت من 
الطين خلقا حي ن نفخ من روح المتكلم الأول» وقسيل له: 
كن» فكان» وكانت معه الخطيكة والفناء. الكلمة تخلق 
وتمنح الخلاص. لكنها أيضاً تشوه وتمسخ وتخيل إلى العدم ؛ 
كأن القدرة على الخلق والإبداع هى نفسها القدرة على 
المسخ والتشويه. 

المرأة هى الكلمة التى تهب الحياة وتصنع الشكل» 
نكيف إذا ما «هى ان نتثرت من ملامحها؛ ؟ كأن اللغة تتحل؛ 
تتفككء نعود إلى حالتها الأولى؛ ويعود معها العاشق ممزعاً 
بین الحروف: ضائعا وبين الهلاوس والفزع المنتتشى 
بالنبوءات والوهم..»» رهين ذلك المحبس الضامر الباهظ 
الوطء: «أنت قيد الذراعين.. ! 

تتكرر العبارة حرفياء ركأنها إدانة أو حكم لا ينقض. وما 

بين المرتين تلملم المرأة حطامهاء وتنكر مرور العاشقين الذين 
لم يدخلوا فيها 7 فيها ولم تلق من عشقهم العنين سوى عقم أزاد 
انتشارها وبعثر أشلاءهاء فما تخلق منهم واحدها «ولاعشبها 


ابتل). حتى فى لحظة الذروة تظل منعزلة» محجوبة عن 


عشاقها ومنتثرة: 
«ومجد احتراقاتهم لم يكن غير محض زجاج نشعشع 
نظرتها عبرة». 


تلك المرأة» أكشر من محض امرأة. هى حضور يجاوز 
تصوراتنا عنه» والتشكلات التى يمنحها وعينا له. لا يمكن 
اختصارها أو حبسها فى معنى واحد أو دلالة محددة. هى 
واقع ووهم» جسد ورمز» أحرف غامضة منتثرة وكلمة واحدة 
ضامة: 
«أنت قيد الذراعين.. سانحة تدريك 


وأخرى تعريكء والنمل يكتب عريك..». 


المرأة هى دائماً الفاعل: تدلل وتهمل» تمنع وتمنع) 
تنسج وتنقض ما نسجتء فكأنها إحدى ربات القدروعاة5 
تخطط حيوات الخلوقات ونكتب تاريخها وتنسج مسائرها 
وأقدارها ثم تنقض ما نسجتء لا لذنب اقترفته تلك 
«النساجة»» لكن فقط لأن الإلهة قد شاءت. هكذا يتساءل 
الشاعر ونمل الشك يعتلى جسد العشق المنهدم؛ ويطوف ما 
بين بدن يتمزع وروح مخترق: 

«هل كنت محض خيال ونساجة أبدعتك على 

نولها واشتهت 

من فساد العناصر ترقب وجهك تنحل لحمته وسداه؟». 

الصورة أيضآ تذكرنا بصورة بنيلوبى 56761056 رهى تنتظر 

عودة زوجهاء دیوش وناعو5لإ00 الذى طالت غيبته 

عشرين عاماًء وكانت هى تعلل خطابها بوعود كاذبة» مدعية 

أنها لن تستطيع الزواج مرة أخرى قبل أن تنشهى من نسج 

لكفن الذى تصتعه للإيريتس؛ حميهاء وفى كل ليلة كانت 

بنيلوبى تنقض ما نسجت أثناء النهار. وعندما عاد أوديسيرس 
متنكراً أنكرته بنيلوبى حتى وصف لها شكل فراشهما! 

امرأة الفاصلة تخوض مجربة مشابهة ومغايرة فى أن؛ فهى 
انتظرت عاشقها فى غيبته: : 

«كان الشتاء البهيم يبعشر عريك فى السجن, 


ت نقض مانسجت فهى فى نشوة 


وهى بكامل زينتها انتظرتك». 
ولكن عند عودته بدت كأنها تنكر ذلك الكيان المتهدم؛ 
«.. نداء دم واتكاء خراب على بعضه؛» وتنتظر رجلها الذى 
يعود «بالانقلاب الفلكى». لكن العاشق العائد يحمل فى 
صدره جراح شك لا تلتهم: 
«هل مستحيل يلوح أم ممكن أبدى نهاياته بدؤه!! 
واستباقات نمل الطلائع مستدفئ فى الضلوع؟!» 
مرة أخرى يتخذ النمل قناعاً جديداً؛ فهو يقين د 
واندفاعة الرغبة الصادية للمعشوق. وإذا ما كانت المرأة تملك 
أن لمحدد الأتدار وتغزل الحيوات وتنسج الفواصل» فإن تلك 


n 4 





السيد فاروق رزق ا ج ج ج ج 


الكائنات الدقيقة التى تبدو بلا حول ولا قوة تمتلك معرفة 
غيبية «بأسرار الأرض وغيوب/ الظلمة وباطل الليل والنهار؛ . 
كأنها قد غدت أكثر من مجرد كائنات عابرة مخلوقة لغاية 
محددة سلفأء بل هى : 
«نقاط من الأحبار الكونية المتسربة 
تهب غير المكتوب شفافية الانتقال إلى 
أجناس النطق» (ص 85). 
هنا لون من ضفرء أو تضفيرء الصور الذى تنجاوز به 
أشعار عفيفى مطر رؤيته الحادة امحددة. فإذا كانت المرأة قد 
ارتبطت بالنمل فى مطلع القصيدة» باعتباره طائف الشك» 
فإنها تعود هنا لتلتقى بالدمل فى علاقة جديدة توشجهما معأ 
فى تعشيقة الخصب والنماء وتجدد الحياة؛ إذ إن كليهما 
ينتظر انتهاء الشتاء ومقدم الربيع . 
نعم «الموت بوق يجلجل؛؛ ولكن خخروج النمل من 
مكمنه بشارة «بالانقلاب الفلكى؛ » وإعلان بفك الرصد 
ورفع عذابات الانتظار» بأن الإله الذى مات ودفن فى الشتاء 


)١(‏ ألبست الأبيات المنسوبة إلى عنترة » بل إن قصة عنترة كلهاء تكشف عن 
ذلك اللارعى الجمعى: 
ولقد ذكيتك والرسح نواهل منى 
وبسيض الهند تقسطس من دمى 
نوددت تقبيل السيسوف لأنها 
لمعت كلبساق تفسرك المعسبسسم 
(1) «وإذا جمعت (الدملة) الحب فى بيتها خافت أن تنبت فتقطع كل حبة 
إلى قطمتين لتذهب عنها قوة النبت... ثم تأتى بقطعها وتبسطها فى 
الشمس حتى تزول عنها النداوة فلا يتعفن» وإذا أحست بالفيم ردنها إلى 
مكانها خوفاً من المطرء وإذا ابتل شئ منها بالمطر تنشرها يوم الصحو لتزول 
عنها النداوة...© . 
زكرها القزربنى . عجائب الخلوقات وغرائب الموجودات» تمقيق: فاروق 
سعد دار الآفاق الجديدة» بیروت » ۹۷۸ . 


YoY 


قد عاد الآن يخصب الأرض بجثته ويعيد إلى الوجود - 
بشهادته - روح الحياة. 
فلكى تتجدد الحياة؛ يجب أن يدفن الإله المغدور: قد 
يكون هو العاشق المردى بالهوى والشكء أو هو الحب «الذى 
ربما كان»» أو الذى لم يكن قط» أو هو امحبوب: الضحبة 
التى لابد أن تذبح للوصول إلى «علم اليقين؛ لرؤية ذلك 
المخبوء وراء نبرة الصوت» خلف الوجه/ القناع» فى الظلمة 
التى يصنعها محض الوجود: وجود امحب ووجود اخحبوب: 
«التين المتهتك وحلمات التوت وإغواءات 
العناقيد وحرائر القطيفة من 
طلع وحب حصيد». 
هكذا تنتهى الفاصلة بإعلان الانقلاب الفلكى الذى ` 
يصاحب إعادة ميلاد الإله المشدور الذى وطأ الموت ودثر 
الممت بأكفان الشك والرهبة؛ لتولد الكلمة واهبة الحياة 
والبشارات. لكن السؤال يظل عالقاًء منذراً بتحول جديد مع 
انقلابات الفصول: 


«هل مستحيل يلوح أم ممكن أبدى نهاياته بدؤه!!» 


هل هناك عاشق قادر على الإجابة أبدأ؟ 


(*) لعل من الواجب أن أعتذر عن انتقالى المفاجئ, أحياناء إلى قصائد أخرى 

فى الديوان؛ ولكن هل هناك «فواصل» حقيقية بين قصائد الكتاب؛ أم أن 

جميعها أجزاء من تصبدة واحدة. هذا المقطع من قصيدة «أكتمل 
ذپحا» ص ۲۷ . 

Full fathom five the father lies. (0 

Of His Bones are coral made; 

Those are pearls that were his eyes 

Nothing of him That doth fade, 

But doth suffer a sea change 

Into Something rich and strange. 

(The tempest, Act 1, scene 2) 

وردت الأبيات فى مسرحية شكسبير العاصفة؛ وفيها يحاول أربال إغاظة 

فردیناند بإيهامه أن أباه قد مات غرقاً» مع دعوته لفرديناند أن ييتعهج لما 

تعرضت له جئة الأب الغريق من مخولات بسبب «تغيرات البحر). فقد 








تمول «الأب» إلى جواهر وأحجار كريمة؛ «شئ قيم وغريب؟؛ وهو مايرى 
إليوت أنه قد حدث للأب الإله وللقيم التى تعتمد على وجوده؛ إذ تم 
مخويلها جميما إلى سلعة؛ قد نكون مرتفعة الشمن؛ لكنها قابلة للبيع 
والتبادل. وفى الوقت نفسه» انعدمت قيمة الخصب والنماء المرتبطة بالإله 
المشنوق. فالإله الغارق ليس موى بعض لآلى وأحجار كريمة. 


(5) تعاشيق هو عنوان المقطوعة الأولى فى ديوان عفيفى مطر فاصلة إيقاعات 


الدمل ؛ وبين التعاشيق والماصلة علاقة مركبة مجمع ما بين التقابل 
والتوازى. فالتعاشيق كلمة توحى بالربط أو الوشج الذى يجمع الماضى 
والحاضر وبضمهما معأ فى إطار واحد؛ بل فى نوع من التداخل الحميم 
الذى يكاد يلغى ذلك الحد الفاصل؛ حمَّيمياً كان أو متوهما؛ بين الزمن 
الذى تشير إليه اللوحة وجودها الراهن؛ كالوحة نعشيقها جمد؛ ؛ بين 
أحاضر الصوت المتذكر والولد المنذكر بين الجمال المصنوع الصامت 
الذى تجسده «أقواس الزجاج الصلب» رحياة الصبا المتقد بأشراك غوابات 
لم بعد باق منها الان سوى «جمر زفرة تخبو يغطيها الرماد) . 

أى لوحة لك التى ممع بين زمن الفاصلة وأزمنة اللآلى المتشابهة فى 
عقد كاد ينفرط ؟ 

م 

وسرب الطير منفرط ومنعقد 

والقمح من ذهب الأضواء يتقد؛ (ص ۷). 

لانستطيع أن جزم ما إذا كانت هذه الصورة حية؛ متألقة» تطفو بوهج 
صبوتها على صفحة الذاكرة أم هى بعض تفاصيل من (الوحة نعشيقها 
جمد» هل هى إحدى صباحات الزمن الضائع أم هى لحظة وقوف الشاعر 
أمام تلك اللوحة كما كان أسلافه يقفون على الأطلال؟ 

إن حركة الطير نفسهاء «منفرط ومنعقد؛؛ تبدو كأنها صورة أخرى 


أشراك الغوايات 


لعملية تعشيق الزجاج؛ لكن هنا النشابه يوحى بأن تلك الطبور ند 
مسخت. والنص يواجهنا باستمرار بتحولات من هذا النوع الذى تغدر فيه 
حركة الطيور فى انتظام ودقة «أقواس الزجاج الصلب؛. هل فى هذا 
التحول ممق حلم أم مسد كابوس؟ بالنسبة إلى الذين باعوا تسبيح القطا 
فإن هذا التحول هو انتقال لقيمة مادية أعلى؛ استيعاب للمتغيرات ومرونة 
فى التعامل مع الواقع. أما بالنسبة إلى الولد الحالم فإنه لا شئ يعدل تسبيح 
المعا. فالتحول عنده ليس سوى لون من المسخ؛ يخلف الجدب ويورث 
العقم وينزع من العالم منى القيمة: ٠.‏ 

ديا أبها الولد 

فى عنكبوت الشمس - وأضحى 

عيناك من قبس والقلب ينفئد؛ . 

للوهلة الأولى نظن أننا فى قلب مشهد رومانتيكى تقليدى: صبى يقف 
وحده مغموراً بجمال الطبيعة. ولعلنا نترقع بعد ذلك نوعاً من الحسرة 
والأسى على مافات؛ لكننا جد خطاباً متعدد المستويات؛ ف « القلب 
بنفغد) . قد يتعلق الأمر بمشاعر شخص بتأمل طفولته وبحن إليهاء لكنه 
برتبط أيضاً بواقع جماعة مسخت كل مفردات حيانها؛ ماضيها وحاضرها 
ومستقبلهاء فأصبح كل مافيها عقيم «خضرة.. لا تلد «غيمة) مسخها 
الزجاج فصارت صورة جامدة لا وظيفة لهاء ولاضرورة لوجودها ؛ ١لا‏ ماء 
ولا زبد»؛ والعشب»» الذى يفترض أنه يصلع الحياة» يتحول إلى (بعض 
سواف من ذرور اللون بنشرها/ عمصف وأزمنة؛ والسواف لفظة مرتبطة 
بمعانى الهلاك والفناء ‏ فالسواف هو «الموت فى الئاس والمال... وهر داء 
يأخذ الإبل فيهلكها... والسواف: بفتح السين» الفناء...» كذلك الذرور 
- «ينشر على قسسيص الميت الذريرة... والذرورء بالفتح: مابذر فى العين 
وعلى القرح من دواء بابس» . 








RRR ECCT‏ عع 


الشعر دون نظم 





ااا ااا 


الشعر دون نظم* 





ترفيتان تودوروف * 


بان 


سؤالاً: ما الذى يتبقى من الشعر 
إذا أزيل النظم؟» فمن المعروف خا ومنذ الفترات 
الكلاسيكية؛ أن حاصل جمع القافية والبحر وحديهما لا 
يساوى شعراء والرسائل العلمبة التى كتبت نظماً تقدم الدليل 
على ذ ولا لك. 

ليس السؤال بهذه البساطة على أية حال؛ لاسيما إذا 
سعينا إلى صياغته فى شكل إيجابى: فما الشعر- إذن - إذا 
لم يكن هو النظم؟ إن سؤالاً بديهيا ينبئق من الصعوبة التى 
نواجهها فى الإجابة عن السؤال الأول 


ربما تض ن عنوانی 





* هذا المقال فصل عنرانه 7/6756 1/1]0101 Poetry‏ من کناب 
تودوروف الأجناس فى Genres in Discourse, trans- ll‏ 
lated by Catherine Porter, Cambridge university‏ 
press New York, Port Chester Melbourne sydney,‏ 
.0 قامت بالترجمة» فاطمة قنديل شاعرة ومحررة بمجلة «فصول)» 
وراجعت الترجمة سمية رمضان مدرس اللغة الإتجليزية بمركز اللغات 
والترجمة بأكاديمية الفنون بالقاهرة. 


ال يي د 


هل ثمة شئ يعد «شعرية؛ عبر ثقافية [8نا)أناء5هة1 
وعبر تأريخية Transhistoric‏ « أم أن هناك حلولة متم ركزة 
ومحدودة ف زمان ومکان؟ 

فلنبدأ بدراسة قصيدة النشر فى مناقشة هذه المشكلة؛ 
حيث إن الوجه المقابل للنظم هر النشر» فإذا تغاضينا عن 
النظم فماذا يقابل الشعر إذن؟ وبحثًا عن هذا سوف جد 
حالات جكريبية نموذجية» إذا جاز التعبير. 

إذا كانت قصيدة النشر مكاناً نموذجيًا نبحث فيه عن 
إجابة الأسئلة المتعلقة بطبيعة «الشعر غير المنظوم؛؛ فربما كان 

ن الأفضا ل أن نبدأ بفحص عمل يسبقنا فى هذا امجال؛ 

1 وجه الخصوص,ء التاريخ 2 ر لوسوعى ار 

يع ا poéme en prose de Boudelaire û 4 î‏ 0 
(75نا0ز 205 حيث 5 _ لذلك السؤال - فصل بكامله هو 
جمالیات قصيدة النثر؛ 1 


تودوروف 


يتمثل بدقة ‏ عند سوزان برنار- جوهر الجد. ى الأدبى 
[ قصيدة النشر] فى تسميكها أ المتناقضة: 


وفاليجمرعة الكلية المعقدة من | القوانين التى 
تهيمن على تنظيم ذلك ال وع الأصلى موجددة 
رف ای نوا فن بد انر 
فتصيدة النشر فى الحتيقةء تتأسس على وحدة 
0 فقط فی شکلھا بل فی 
رس أيضمًا: النكد بر الج ار 
الفوضى المدمرة والفن المنظم»(ص 


RETÊ 


ومؤلف قصيدة اثر 


«يمدف ! إلى ما 2 ساکن ¢ إلى حالة من النظام 
وال ازن أ و بممنى آخر إلى اللانقام الفرضوىي 
للکون الذی یمکنه أن به لك ف ا 


آخر؛ أن يعيد خلق امالس CET‏ 


n .‏ 1 
ليتذ كر القارئ أن محل البحث هنا: لم يزل قصيدة 
ليشد ً 


النكر؛ وليم الشعر غير المنظوم» شأ يستدعر مقولة خديريه 
١ 1 .‏ 1 

تغلب على اية حال - تمي لخلاب بردر فهناك 

5 ١ 2 1 EE 20 

فرق بین ان لوكد أن ما يمي قصيدة النثر هو المواجهة بین 


المتناقضاتء وأن نقول إن قصيدة النشر يحكمها أحيائً مبدأ 
راحد» وأحيا أخرى نقيضه (على سبيل المخال: الميل إلى 
التنظيم أو عدم التنظيم) . العأكيد الأول ذو محتوى معرفى 
دفيق ان إثباته أو دحضه بدرا اسة النماذج کات 
نرى» أما الثانى فلا يمتلك هذا المحتوى الدئيق تمعن أن 
() :وما لين ( أ ) يمان الكرن تماما إلى الدرجة التى لا 
يصبح معها معنى لنقول بأن شيكًا ما يمكن . تمييزه على أنه 
(أ) أو (ليس أ). 


تشقل سوزان برنار- دوك توفف - من تأكيد إلى آخر 
_ كما أنغنا فى الفقرة المشتبسة سابًا ‏ التى تفتح وتغلق 


الجزء الأول لمناقشتها. 
خاص» وهر تعريف الشعر. إذ عند أن شرحت برئار مكونات 
و الحداثة» الفكاهة. 0 وسوف نضع جانبًا 


Ye0۸ 


مم ا ي 


وملمحها الأول والأساسى هو الوحدة؛ فتقول: الدينا تعريف 
للقصيدة بوصفها وكلا؛: يعد الوحدة والتركيز مقرميه 
الضروريين؛ (ص ۳۹٤)؛‏ کل شئ دیعمل» جمالياء كل 
شی يسهم بالشاركة فى التأثير الكلى: كل شيع موصول 
بالآخر وصلا لا فكاك منه فى هذا العالم الشعرى» الذى هر 
غاية فى إحكام الوحدة والتعقد فى آن؛» حیٺ تكون لدينا 
(مجموعة من العلاقات» عالم منظم تنظيمًا فائقاء 


(صا؛؛). 


هرل د العبارات عن لورحدة: ٠‏ الكليةء التماسك تبكر 
مألوفة بالنسبة للشارئ ام فق عا لها سوة 

ااا بشكل عام أك کی ن اقتصار ها على التقصائد 
أن ضيف : : إذا لم نكن كل بنية بالضرورة شعرية 


فلیست کن قصيدة بالضرورة مبنية. 


ی المضوية إلى الر ومانتيكية . غير 
أننا لا نستطيع أن ندخل فيه عنرة کل «تصيدةة:؛ درك أن 
نمارس عنفاء سواع على الت ا و على اللغة ة الم واصفة للنص. 
أعنى المنردات النقدية؛ وسرف أعرد إلى هذه النقطة بعد 
فایل. 

عندما أدركت برنار أن التعريف بمصطلحات الرحدة 
بتسمء إلى حد ماء بقدر كبير من التعميم (برغم كل شئ» 
ألبست الرواية أيضمًا عالما منظمًا إلى درجة فائقة؟) مجدها 
تست د عی ملمحاً انیا للقصيدة» يعد إسهابا فى الملمح الأول 

يسمح لنا بان 2 نميز الشعر ع ن الأجناس الأدبية الأخرى» وهر 
ES E‏ أو- بشكل أدق _ طريقة للهروب 


ھے“ قنضته: 
س 


دإن القصيدة تطرح نفسها بوصفها كلاء تركيا 
غير قابل للانقسام... وبذلك نصل إلى مطلب 
أساسى رئيسى للقصيدة»؛ وهر أن وجودها 
بوصفها قصيدة مشروط بقدرتها على استبقاء 
[الحفاظ على] أطول أنواع الديمومة الممكنة 
لاض الأبدى للفن؛ أى قدرتها على أن تقوم 
بعثبيت عملية متحركة فى أشكال غير زمنية 








مسي ي٠يسسيس-‏ الشعر دون نظم 


ومن ثم تخد تختلط ب [تتداخل مع] متطلبات 
الشكل الموسيقى؛ . (ص 447). 

وإذا أردنا أن نعرف الحقائق اللغوية موضع النقاش» 
فإننا نكتشف أن هذه اللازمنية قاسم مشترك شائع بالنسبة إلى 
1 تنلل من التقئيات. 

9 بداية السلسلة الأولى» جد المبداً الذى يكمن أيضا 
وراء الإيقاع والقافية (وهما غائبان الآن) وهو التكرار الذى 
يفرض : «بنية إيقاعية على الزمن الحقيقى للعمل) (ص 
5١‏ ؛) فى المجمرعة الثانية من التقنيات جد الزمن ممح 
تماماً؛ إما من خلال تقربب لحظات مختلفة أو بواسطة تدمير 
المقرلات المنطقية (ذلك التمييز الذى ما إن ينم وضعه حتى 
يصبح موضع نقاش» حينما تضيف برنار مؤكدة الكلمات: 
«وهر يعادل الشع نفسه) (ص (0o‏ 


وتتكشف المقولة الأخيرة (هذا إذا كانت مقولة 
واحدة) فى السياقات التى : «يثب فيها الشاعر إلى حد مؤلم 
من فكرة إلى أحرى»» «مفتقرا إلى مناطق التحول؛ (ص 
هه ؛ ).: مشتمًا «الصلات» والترابط بين الأفكارء وكل اتساق 
الوصف» وكل تماسك فى السرد؛ فالشعراء ا محدثون؛ بعد 
رامبوء يفضلون الوجود فيما هو غير متواصل ليتسنى لهم 
إنكار العالم الحقيقى» (ص 455). سوف نتغاضى عن أن 
اللاتماسك مقدم هنا على أنه قسم من الأقسام» أى بوصفه 
ملممًا خاصاً من التماسك نفسه؛ من الوحدة أو الكلية (من 
خلال وسيط الحضور الأبدى) ؛ ولبؤجل الفحص التجريبى 
لهذه التأكيدات. فحين نحصر أنفسنا ‏ فى هذه اللحظة - 
فى تعريف الشعر فقطء يمكن أن نستخلص ما يتكافاً به مع 
اللازمنية. غير أن الأدوات المستخدمة لإنتاج هذه الحالة 
اللازمنية؛ أو على الأصح العمليات التى ربما تمتلك هذه 
اللازنية بورصفها نتيجة لهذه العمليات (التكرار- 
اللاتماسك) ؛: يمكن على سبيل الافتراض أن تختزل إلى هذه 
النتيجة العامة الواحدة؛ حيث يمكن هذا الاختزال من 
إجمال التكرارات واللاتماسك تخت وهم اللازمنية؛ وهو 
احتزال هش تمامًاء مثله مثل القياسات المنطقية التى عودنا 


إياها مسرح «العبث) : «البشر فانون» الفثراك فانوك» ومن ثم 
فالبشر فثراك . 

ربما يكون أكثر حصافة وأكثر دقة أن نترك جانبًا 
مبادئ الوحدة واللاز. منية ذات القيمة العملية الضئيلة؛ التى 
لا تعلمنا شيئًا؛ وأن نعيد صياغة أطروحة برنار فيما يلى: 


ديمكن الوصول إلى الشعرية أحيانًا بواسطة 
التكرار وأحيان بواسطة اللاتماسك اللفظى؛ . 


ربما ركرك هذا اء وبمك التحقى لله غير أنه 
لا يعطى تعريفا واحدا محدد) للشعر. فلننظر إلى بعض قصائد 
النشر الفعلية كى نختبر الصلاحية التجريبية لهذه الفروض ؛ 
حيث فكرة الشعر قيد العمل. ويساعدنا فى هذا البحث اثناذ 


0 4 
من شعراء قصائد النثر المعروفين إلا وهما بودلير ورامبو. 


من الطبيعى أن بدأ ب «بودليراء وإ ل يكن شر 
(حتى إذا افترضنا أن وهم امخترع ذو معنى)ء إلا أنه هو الذى 
أثبت شرعية هذا الشكل وأدخله إلى افق معاصريه والذين 
جاءوا! م بعذه؛ والذى جعله نمرذجا للكتابةء جا اديا 
بالمعنى التاریخى للكلمة» إنه هر أيضمًا الذى 3 للتعبير 
الفعلى «قصيدة النثر) منذ أن استخدمها ليشير إلى مجموعاته 
الأولى ا منشورة. 

ويزداد الأمل فى البحث عن إجابة لسؤالنا حينما نقرا 
فى إهداء المجموعة أن بودلير قد حلم ب «معجزة النثر الشعرى 
الموسيقى بلا إيشاع وبلا قافية2)9 هذه الموسيمَى الموعودة 
أل افا ا ٠.‏ خا 
للمدلول هى مجرد متعير أصطلاحى 55 «الشعر دول نظم؟ . 


على أية حال» لقد أفلح بودلير فى طرح السؤال» غير 
أن رد الفعل الذى قدمته نصوص المجموعة كان إلى حد ما 
مخيبًاً للآمال؛ على الأقل عند القراءة الأولى» لأن بودلير لم 
يكتب فى الحمّيقة شعراً دون نظم» ولم يكن ببساطة ييحث 
عن موسيقى المعنى» بل كان» بدل ذلك» يكتب قصائد 
بالنشر بمعنى أنها نصوص تستشمر- فى جوهرها الفعلى - 
التقابل بين الممناقضات (ولهذا السبب يمكن أن يكون محل 


تودوروف 


الجدل أن المجموعة التى كان عنوانها موضوعا لتردد بودلير 
تستحق أن تسمى «قصائد نشرية صغيرة أكثر من كابة 
باریس Spleen de Paris‏ › حتى لو کان العنوانان مترادفين 
بشکل ما) . 


ويبدو الأمركما لو أن بودلير انتزع العناصر الموضوعية 
والبنية ة الخاصة بتسعه ة أعشار هذه اللصرص من اسم ال لجنس 
«الندى ‏ الشعرى tpoetic - prosaic‏ أو ايل علم 3 
أقل اسمية كما لو كان منجذبا فقط إلى الجن e‏ 
ذلك المدى الذى سمح له أن يجد شكلا ملائما (التجاوب 
)٠a correspondence:‏ للمناصر الموضوعية الخاصة ب 
الشنائية ؛ التناقض» التعارض ؛ ومن ثم فإنه يقدم توضيحا جا 
لتعريف برنار للجنس الأدبى. 


هذا التأكيد يمكن تدعيمه إذا استدعينا قبل أى شئ 
الأشكال أو الصور الثلاث الختلفة التى تكشف عنها الدراسة 


ولية اللشنائية. 


نستحق الصورة الأولى اسم اللامعقولية 
(implausibility}‏ (لقد تحدث بردلير نفسه عن الغرائبية 
biens‏ وهی ظاهرة يمكن وصفها لكنها تشذ كثيراً 
عن العادات المألوفة؛ بحيث لا يكون فى وسعنا سوى أن 
نقابلها بالظواهر أو الوقائع «المعتادة 47506231 . وعلى سبيل 
الغال؛ ففى قصيدة «المقامر الكريما جد أن الآنسة بيستورى 
هى أغرب امرأة يمكن أن توجد» وكذلك فإن كرم الشبطان 
يتجاوز كل التوقعات» وفى قصيدة «منح الجنيات » يتم رفض 
المنحة العلوية» وفى (بورتريه للعشيقات» يقود كمال العشيقة 
إلى قتلها. 

يمكن هذا التناقض - فى بعض الأحيان ‏ من مقابلة 
فاعل المنطوق بمعاصريه؛ حيث يجاهر هؤلاء المعاصرون 
بفلسفة إنسانية ساذجة» بينما يؤمن الأرل بان الألم يجب أن 
يكون عقابا مرجها لإيقاظ الكرامة. 


م 


1 
ا 


“u 


ويمثل العضاد «ع٠۸ء!اد۷اط”ة»‏ الصورة الثانية للثنائية؛ 


وهى تدمثل فى شكلين متقابلين يوجدان مما ويشخصان 
الشئ نفسهء بطريقة منطقية تقريباً فى بعض الأحيان. 


1. 


اس سم 


ويمكن توضيح التضاد بوصفه تناقضا بين الأشياء؛ 
بين ما هی عليه فى ذانهاء وما تظهر به. فالإيماءة التى تظهر 
على أنها شئ نبيل هى شئ فظ (فى «المزيف»» «الحبل؛) 
ركذلك فإن صورة معينة لامرأة هى الحقيقة التى تحمل فى 
باطنها صورة مختلفة (فى لمرأة البرية والمغناج المتأئقة) وغالبًا.. 
ما يكون للشئ نفسه جانب ذو طابع ثنائى فى مظهره كما 
فى جوهره. . فنشمة امرأة قبيحة وجذابة فى أن فى 
ايفاص ر وذات طبيعية هيستيرية فى (أيتهما 
الحقية لحقيقية» وئمة رجل يحب امرأة ويريد أن يقتلها فى الوقت 
نفسه كما فى «المغازل البارع فى الصيدء أر رجل يجسد 
الوحشية ويتوق ! لى الجمال فى آن؛ تى «الر لرجاج | أو 
حجرة هى حلم وحقيقة فى آنه كما فى (الحجرة المزدرجة) 
بينما تنال أماكن معينة قيمتها من واقعها الفعلى الذى 
بجسد الفموض : على سبيل المثال؛ الفسق حيث يلاقى النهار 
الليل كما فى «شفق المساء» أو ميناء حيث يندمج مما الفعل 
والتأمل كما فى «موانئ البحرا. 


ويمثل الطاق antithesis‏ المستخدم بوفرة عند بودلير 
الصورة الشالشة والأخبرة من الثنائية؛ وهو عبارة عن جاور 
وجودين» أو ظاهرتين أو أفعال وردود أفعال تؤول فى النهاية 
إلى خصائص متناقضة. هكذا يكون لدينا إنسان وطبيعة 
بهيمية كما نى «المضحك ؛ أو إنسان ھا فی 
«الكعكة» رجال أغنياء وأخرون فقراء فى ل رامل وعيو 
الفقراء »» البهجة والمعاناة ف فى «المهرج العجوز ؛؛ الزحام 
والعزلة فى «الحشدء العزلة» ٠‏ الحياة والموت ف فى «المقبرة وقاعة 
التتصويب؛؛ الزمن والأبدية فى «الساعة ۲ السماء رالأرض 
فى «الغريب»» وغيرها. 

وكما رأينا فى صورة اللامعقولية» سوف مجد هنا أيضا 
ردى فعل متناقضين للظاهرة نفسها كل واحد منهما إلى 
جانب الآخر وفى حين يرجع أولهما غالبا إلى الحشد 
ينتمى ثانيهما إلى الشاعر ومثال ذلك: البهجة والإحباط فى 
والآن» السعادة والشقاء فى «الرغبة فى الرسم » الحب 
والكراهية فى «عيون الفقراء » الإباء والتوقع فى «الغوايات ٠؛‏ 
الإعجاب والرعب فى صلاة اعتراف الفنان ».. إلخ. 





ويمكن اكتشاف هذا التجاور الطباقى؛ بدوره عبر 
صيغة مأساوية أو سعيدة؛ فحتى أولئكك البشر الذين يشبه كل 
منهم الآخر يرفض كل منهم الآخر كما فى ١يأس‏ المرأة 
العجوز» » وذلك الطفل الثانى «الذى يشبه الأرل تماما حتى 
إننى اعتبرتهما توأماه يتورطان مما فى «حرب قثل الأخ 
لأخيه حرفيًاه «الكمكة؛ و«كأبة باريس». غير أن كلا 
الطفلين» الغنى والفقيرء فيما أرى يعودان إلى الاتصال مرة 
أخرى بواسطة «أسنانهما المتطابقة البياض»» وذلك برغم 
انفصالهما عبر «حواجز رمزية؛ فى «لعبة الطفل الفقير؛ 
(ص75)؛ وكذلك فإنه إثر الهجوم الوحشى على المتسول 
العجوز الذى أعطاه ظهره تستطيع «الأناه أن تعلن: «سيدى» 
أنت صنوى» فى (أوسعوا الفقراء ضربا؛. 

وحتى لو كانت الأحلام مقابلة للواقع» فإنها تصبح 
تماما كالحقيقة فى «المشروعات © و«(النوافذ ». 

ولا توجد هذه الثنائية المطردة فى التركيب العام أو فى 
العناصر الموضوعية للبنية فقط. لقد لاحظنا كيف أن عناوين 
كثيرة قد بنيت على أساس جاور المتناقضات كما فى: 


الكلب والرجاجة ذات الاريج. 
- المرأة البرية والمغناج المتأئقة 
يقن الحساء والسحب» المقبرة وقاعة التصويب . 


فنضلا عن تلك التى تكتشف فى الأشياء مثل الموانئ» 

الغرفة المزدوجة . 

أيتهما الحقيقية؟ 

- المرأة. 

وغالبًا ما تتوازن كل الجمل بين طرفين متناقضين 

مثل: 

- الزوجة المبهجة اللعينة . 

المغازل البارع فى الصيد . 


الشعر دون نظم 


صرة الغائط. 
- العطور الرقيقة. 
- الكلب والزجاجة ذات الأريج. 
وقد نرى هذه الثنائية فى عبارات مثل العبارات التالية» 
الواحدة تلو الأخرى كما فى «المهرج العجوز »: «البهجة فى 
کل مکان» صنع الالء الفسوقء فى كل مكان تأمين 
المستقبل هو الخبز اليومى» فى كل مكان السعار بتفجر من 
الحيوية؛ هنا التعاسة المطلقة؛ والتعاسة تصنع كل هذا الفزع 
عبر خداع الاسمال الكوميدية؛ (ص 55؟). 
وكذلك فى مثل هذه العبارات: 
«الحشدء الوحدة: شكلان متطابقان وقابلان 
للتبادل بواسطة شاعر خصب وذى فاعلية. إن 
الرجل غير القادر على أن يأتنس فى وحدته هو 
فى الوقت نفسه غير قادر على أن يكون وحيدا 
فى حشد من الناس») (ص .)25١‏ 


بنيت النصوص بكاملها على «سيمترية» متقنة» وعلى 
هذا فالغرفة المزدوجة تتکون من تسع عشرة فقرة؛ منها تسع 
للحلم» تسع للواقع» وقد تم الفصل بينهما بواسطة فقرة تبدأ 
ب الكن.. أيضًا فى). وفى قصيدة «فينوس ومهرج البلاط 
الأحمق ) جد ثلاث فقرات كرست للابتهاج وثلاث 
كرست للمعاناة؛ والفقرة السابعة ىه فى المنتصف» وتقول: 


«الآن» فى منتصف كل هذا الابتهاج الكونى 
أمسكت بالمحة من الروح المليفة بالأسى؛ 
(ص١٠).‏ 


وحتى إهداء المجموعة يوضح» أكثر من كونه ينظر» 
يجعلنا ننسى أننا نتعامل مع متباينات؛ مع متناقضات ومع 
تمزقات ودموع مأساوية كامنة؛ فالطباق عند بودلير متضمن 


YT 


تودوروف ل ا 


فى نظام من التجاوبات ولا يقنتصر على القيام #ستة ستدعاء 
المتناقضات مر ن أجل أن يتطابق. مع التسمية المتناقضة لقصيدة 
لنشر. ويا ماكان الموضوع أو الشعور الذى يتم وصفهء فهو 
فى النهاية يدمج فى وفسرة من الأصداء: مها ل المرأة زهرة 
الدهلية الأليجورية التى من أجلها - فى 9دعوة لرحلة؛ يحلم 
شاف ر اطا روطن ٠‏ رطا ها 


«ألب من الممكن أن تبقى فى إطار مائ 
أليس من الممكن أن ترى نفسك منعكسة هناك» 
فى تتجاوبك الخاصء كما تقول الصوفية؛ 
س 
وريما يعملكنا الإعجاب إزاء هذه الوفسرة فى 
المتشابهات؛ وهذا القياس رباعى الشكل (المرأة اليه :إل 
الوطن كالبورتريه بالنسبة إلى إطاره) ؛ الذى يتم تدعيمه عن 
طريق التشابه بين ا موضوعات المتجاورة: الإطار يجب أن يشابه 
البورتريه» والوطن بخن أن ننه الراك وبحت اي أذ 
السورتريه فى الحقيقة هر بورتريه الرأة» هو صورتها ا مطابقة 
للأصل (كل ما هو مفتقد هو التشابه المباشر بين إطار اللوحة 
والوطن) . 
هذا «التجاوب» الفائق هو ما يميز إلى حد بالغ عالم 
بودلير سواء ما كان منظوما منه أو منشوراء وهو بلا شك يمثل 


وب ار ال و 
منظم إلى درجة فائقة؛. 


وبرغم ذلك» زان ما يوحد مجموعة بودلير الشعرية؛ 
حقينة؛ هو بالضبط ذلك التقابل بين المتناقضات. 


ولا تقتصر العلاقة بين قصيدة النشر وتباين العناصر 
الموضوعية على هذا التشابه البنيوى فقط. فكما نعرف» هناك 
0 القصائد يتخذ من العمل الأدبى للشاعر موضوعا 
ومن لم يمكن أن نضيق عنلاقة المياركة إلى عا 
المشابهة فى قصائد مثل: : وصلاة اعتراف الفنان» » «الكلب 
والزجاجة ذات الأريجا؛ والزحام» . والمهرج العمجوزا› 
«الغوايات» » «الرغبة فى الرسم؛ » «فقدان الهالة» » وغيرها. 


TY 


وما | يعد أروع من ذلك , أن التباين المستدعى والمشيد 


بدقة من «التشرى» ودالشعرى» يتم إدراكه لا على أنه مقولة 
أدبية وإنما بوصفه أبعادا للحياة وللعالم. 


ألا يكون» إذن» الرجل الذى يحلم بالسحاب بيدما 
ب لاخو إلى إعادته إلى الأرض قريًا من «الحساء 
النشرى » شاعراء فى «الغريب ؛ ووالحساء والسحب 6. ألا 
يعنى كونك خیا کشاعر انك نك يا فى الوهم «وبرغم أننى قد 
کون شاعا إلا أتى لست ساذجًا كما نريد أن ن تعتقد؟؛ 
«المرأة البرية وا مغناج المتأنقة» ص ۹ تحبا مثل أولعك 
اليبَاتمين: ٠‏ العداء الذين تحرروا من الروابط المادية» والذين 
يحظون بإعجاب الطفل تالف يتحدث باسمه الشاعر 
قائلأ: «للحظة > SE SEE‏ دون 
يكون لى أخ) «الهمات»› ص ۷۱ . ولیس 
الا و للحياة مقابلاً تمامًا للمل «النبيذ. عد 
النضيلة؛ كما فى قصيدة «اسكر» ص ۲۷١‏ أليس نثر الحياة 
الذى يكرس له الإنسان اليوم بطوله بينما يحلم فى منتصف 
الليا 0 بالفاعلية الشعرية الخالصة؟ 
وأنت يا إلهى لمزيز.. تضمن لى أن أنتج بضعة أبيات جميلة 
0 لست أدنى الرجال؛ - هكذا يقول 
کک صباحا ۲ . تؤکد إحدى قصائد بودلير 
لنشرية؛ وهى تصيدة«الصولجان :»هذا التواصل بين 
مستويات العناصر الموضوعية والمستويات الشكلية بفاعلية ذات 
طابع خاص . 
فالسولجان هو شى؛ عصاء تستخدم فى المراسم | لدينية 
ونمثل طبيعته المزدوجة نقطة البدء ا 
مألوف تمامًا) ؛ حيث يوصف الصولجان بداية فى النص 
«بمعتاه الدينى والشعر ثم الفيزيقى, فالصولجان على هذا 
شم مزدوج مثل 0 مثل الشفق» وذلك نظرا لأنه 
شعرى وروحى من ناحية» ومادى ونشرى من ناحية أخرى. 
مد الاك الما ا ی ا 
المستقيم والخط المنحنى, ثم كما لو أن العلاقة بين الشعر 
والفن ليست واضحة بما فيه الكفاية وكما لو أن التشابه 


البنيوى ليس كافياء » فإن ثمة توازتا سيتبع ذلك؛ حيث 


ااا سسسسشسس سس لس سح الشهر دون نظم 


«الصولجاك هر عمل المنان نفسهةء و« الصرلجان هو صر 
ازدواجيتك المدهشة؛ ذلك المسيطر العظيم والمبجل» (والنص 
يهديه الشاعر إلى «ليست؛) فيقول: 
«أبها الخط المستقيم يا خط الأرابيكء أيها 
القصد والتعبير» صلابة الإرادة وأفعوانية الكلمة» 
وحدة الهدف وتنوع الوسائل» اندماج العبقرية 
المقدير الذى لا يتجرأء من يكون ذلك ا محلل 
الذى توانيه الشجاعة المقيتة ليجزئكم ويفصل 
بینکم». ( ص ۷۳). 
ينتمى الصولجان قبل أى شئ إلى النشر والشعرء إلى 
المادى والروحىء كما لو كان انصهارا للخط المستقيم 
والمنحنى» ليصبح رمز للمحترى والشكل فى الفن» وا محترى 
والشكل بدورهما يتمددان بشكل نموذجى فى الشعرى 
والنشرى. 
تكمن هنا وحدة مجموعة قصائد الندر لبودلير» ورحدة 
مفهوم الشعر ر التى تقدمها هذه النسوص» وليس هذا المفهوم 
و بأكثر من ایق للع ؛ للمثالى» روي 
بتک ا ال ت کے غرم ات اقول ب دون ای 
تکرار - مراد لا «شعر) . 
وإذا كان علينا أن نصدق بودلير نفسه» فالشعری هو 
مقولة ة عناصر موضوعية مضاف إليها الإيجاز ز. على النص ن کف 
رن شعرباًء أن ییقی موجرا ولا أصبح سردي أو وصميّاء 
مجرد! أو محددا. 
لقد أدرك بودلير هذه القاعدة الخاصة بإدجار الان بو 
«بإمكاننا أن نقوقف أينما شئت» لى حلمى»ء لك 
مخطرطتك» للقارئ قراءته» لأننق لن استبقى 
ذهن القارئ الملول معلقًا بخيط من الإثارة التى 
تنشأ عن عفدة غير ضرورية وغير متناهية) . 
هكذا يقول بودلير فى إهداء المجموعة المذكورة؛ ومن 
ثم فالقصيدة عنده قصيرة؛ والشعرى أثيرى؛ هذا هر U‏ شئ 


إذا لم يكن علينا أن نضيف «عمل؛ التجاربات الذى أشرنا 
إليه» تلك التى كانت متشابكة إلى حد كبير فى قصائد نثرية 
صغيرة كما فى (أزهار الشر) . 

عبر هذا الملمح الأخير ريما يضرب بودلير مثالاً على 
افتراض برنار الأول الذى يطابق بين الشعرى والإذعان لمبداً 
المشابهة. 

لنأخذ مثلا ثانيا فري) من بودلير من الناحيتين التاريخية 
والجمالية وهو (إشراقات)” رامبو. لقد كتبت نصوص 
(الإشراقات) ند غير أن صفتها الشعرية واضحة. وحتى إذا 
لم يسمها را رامبو نفسه «قصائد نثرية؛ » فسوف يفعل ذلك 
فراؤه» ثما يبرر إدراجها فى مناقشتنا. لنبدأ بملاحظة سلبية» 
تقول إن مبدأ المشابهة الذى رأيناه حينما تعرضنا لبودلير لا 
يتحكم فى كتابة رامبو» وكذلك فإن امجاز الرئيسى» وهو 
الاستعارة لدى بودلير؛ غائب فعليًا عند رامبو. وحتى حينما 
توجد التشبيهات فإنها لا تكشف عن أية تشابهات. إنها فى 
الإجمال مقارنات غير معللة كما فى قصيدة ١سهرات)‏ 
حيث يقول رامبو: بحر السهرة مثل نهدى إميليا»؛ لكننا لا 
نعرف أى شئ عن إميليا ومن ثم لن نعرف أبدأ كيف يبدو 
بحر السهرة هذا. يقول رامبو فى قصيدة ١حرب)‏ إن 
ذلك بسيط بساطة جملة موسيقية»» لكن الجملة الموسيقية 
- حسبما نعرف - ليست سيدا للبساطة. وإلى جانب هذاء 
فإن النص الذى يقدم هذه المقارئة؛ والذى يفترض فيه أنه 
يضاء بها بعيد عن البساطة من جانبه. 

فی قصيدة «حيوات» حينما يقول رامبو: «الحكمة 
مزدراة مثل الهيولى» : جد متعارضين يتحدان عبر الازدراء 
الذى يستدعيانه» ومرة أحرى فی قصيدة ١عبقرى)‏ نجد 

هويتين غير معروفتين يتم إحضارهما معا عبر وساطة طرف 

ثالث» حيث يقول رامبو: «الكبرياء الأكشر شفقة من 
الحسنات المفقودة؛ . 

وبعيداً عن تقديم الكون فى رسوخخه وفى تأسسه على 
العناظر الكونى» تلقى هذه الممارنات الضوء على لاتماسك 


العالم الذى تستحضره. 


تودوروف 


إن الباحث الذى يعقد العزم على أن يجد امجازات عند 
رامبو سوف يجد كنايات لا تخلق عال) من التجاوبات» وليس 

من المؤكد أننا 0 هذه الكنايات 
قد تكون موضع جدل تماما مثل أجزاء الجسم أو خصائص 
الشئئ الت لتى يقع المرء فى البداية مت إغراة نفسيرها بواسطة 
المجاز المرسلء وال لتى تنقلب فى النهاية لتصبح أجزاء حرفية 
وخصائص لا يمكن إحالتها إلى أية كلية. والشوء نفسه 
يمكن أن نقوله عن هذا العالم المشوش ا الذى تستدعيه 
تعبيرات رامبو» والذى يتطلب حرفي بدائل غير ذات نظام . 


ورغم ذلك؛ فإن ئمة إغراء عظيم كى نستشعر ذلك 
اللجوء إلى الخيال الكنائى» حتى إذا لم يكن الهدف النهائى 
للكناية قد خقق بشكل موثوق به. 
حينما نقرأ فى قصيدة 9ديمقراطية؛ ١‏ رطانتنا تخمد 
صوت الطبل»» فإن عاداتنا اللغوية تقودنا إلى أن نحول العبارة 
لى: تمثل اللغة بالنسبة إلى الكلام أداة الصوت الذى 
يصنعه» ومن جانب آخر فان كلا من هذين الفعلين [اللغة - 
الكلام! يستدعى عامله؛ مما يرسخ لدينا الانطباع بان استخدام 
الكنايات التى تتضمن عاملا (]2868 30) E‏ أو مكان 
الفعا E‏ التى نقرأها 
فی قصيدة ١متروبوليتان؛‏ والتى تتحدث عن (رمال مغسولة 
بسماء نبيذية)» أو تلك الفقرة فى قصيدة «تصوف» التى 
تقول: «تراب القلعة معفر بأقدام كل القتلة وكل المعارك؛. 
تر أيضًا إحدى الخصائص الأسلوبية المعروفة لنص 
رامبو بهذا الاتتشار الكنائى؛ فقد يصف الشاعر خداعات 
بصرية على أنهاأشبءواقعة فى فقرة مثل هذه على سبيل 
الال حيث يقول: «يبرز شئ بالقرب من قمة اللوحة ويسقط 
إذا كان قري من القاع؛ » ثما يجعلنا نتساءل: أليست لدينا فى 
هذه الفقرة كناية ابتداء من الصورة حتى الشئ المصور بشكل 
من أشكال التجاور المنصل وعدم التشابه؟ من ثمء فإننا مجد 
فى الغابة فى قصيدة وطفولة؛ : «ثمة كاتدرائية تهبط وبحيرة 
تصعدا» وفى قصيدة ١مدن)‏ نقرأً: : «فوق مستوى أعلى القمم 
بحر مثار بميلاد ينوس الأبدى»؛ وفى «أمسية تاريخية) جد 
«أنهم يلعبون الورق فى قاع الغدير) . إن الكناية تعلل استحالة 


7 





هذه الفقرة فى قصبدة «بعد الطرفان» التى فيها: «البحر 
المتدرج فى الأعلی کما فی النقوش؛. کما أننی أعتبر الكناية 
مسؤولة عن تعبيرات مثل: أعشاب الفولاذ فى «تصوف؛»؛ 
عيون ثلاثية الألوان فى «موكب:» السهول اللاذعة فى 
إحيوات»» «الأرض الجرداء» » والطفولة المتسولة فى 
«وحيوات»» والعيوث الممتلئة بالحجات المقدسة فى قسيدة 


«طفولة) , 
كما أننى أعتبرها مسؤولة أيض) عن هذه العبارات مثل: 


- بترم الرولانات بشجاعتهم فی (مدل)» ومصابيح 
8 اا حدث صوت ا فی e‏ 


«حیوات) . 


ليست (إشراقات) رامبوء إذنء شعرية لأنها منظمة 
بشكل فائق؛ بالمعنى الذى يحظى به هذا التعبير فى السياق 
البودليرى؛ أو بسبب سمتها الاستعارية (فالكناية محسوبة على 
النشرى) . فضلاً عن هذاء فإن قصائد رامبو لا تنتسب إلى 


هذين الملمحين. 


لقند أوضحت برنار» كما رأيناء الاتجاه الرئيسى الثانى 
فى قصيدة النشر عند رامبوء الذى يدمثل فى: اللاتماسك» 
اللااستعمرارية» نفى العالم الواقعى ويمكن أن نقول» 
باختصارء إن نص رامبر يرفض التمثيل؛ وهو شعرى لهذا 
السبيء لكن هذا التأكيد يتطلب بعض التوضيح خاصة فيما 
يتعلق بالخصيصة التمثيلية للنصوص الادبية. 


لقد 8 اتيين سوريو Etienne Souriau‏ فى کتابە 
يجاوب الفنون!؟؟ كاكة 065 0 ) مشكلة 
ملمحا 00 فارقًا. ففى الحقيقة هناك إلى جانب 00 
التمثبلية اة repersen tative‏ فنون خر ى غير تمثيلية» أطلق 
عليها سوريو (تقديمية 106 عع» وهى ملازمة لوجود 
السوناتا ووجود الكاتدرائية نیما یتعلق بموضوعهما وکل 
الصفات المورفولوجية وغيرها التى تساهم فى بنيتهما. 





کر ج س ج جت الو ون م 


فی الفنون التمثيلية يوجد نوع من الثنائية الأنطولوجية 
doubling‏ [ةءأع 00010 بمعنى تعدد الموضوعات المتلازمة» 
نمن ناحية هناك العمل الفنى؛ ومن ناحية أخرى هناك 
الأشياء التى يمثلها هذا العمل. وهو ما يميز الفنون 
التمثيلية؛ فالعمل الفنى والشئ يجتمعان عند نقطة واحدة 
فى الفنون التمثيلية» وبذلك يعطى العمل الفنى الممثل مبررا 
إذا جاز التعبير - لنفسه جنبا إلى جنب لما هو خارجه (على 
الأقل لما هو خارج جسده وخلف ظواهره برغم أنه للا يزال 
مدقا من نفسه ومدعمًا بنفسه) ؛ بمعنى أنه يعطى تبريراً 
لعالم من الموجودات والأشياء التى لا يمكن أن تختلط معه. 


نعيجة لذلك؛ يأنى تقسيم رئيسى للفنون إلى 
مجموعتين مميزنين؛ مجموعة الفنرن التى فيها عالم العمل 
الفنى يفترض موجودات تدميز أنطولوجيًا عن الممل الفنى 
نفسه؛ ومجموعة الفنون التى يكوث فيها الهدف الموجه -05 
ject - oriented‏ إلى تفسير المادة يقوم بتفسير العمل الفنى 
دون افتراض ای شئ آخر إلا ذاته (ص ۹۰). 

وحينما يتجه سوريو إلى الحقل الأدبى» على أية حال» 
فإنه سيضطر إلى ملاحظة عدم تناسق فى لوحته الخاصة ب 
«التجاوبات الفنية» » فلا يوجد فى الواقع أدب غير تمشيلى 
presente‏ أو من الدرجة الأولى » فالشكل الأول للأدب 
سوف يكون نوعًا من ال «الأرابيسك؛ للصوامت 
والمتحركات» وتناسقها اللحنى له[ وبشكل أكثر توسعاً 
فإن الملمح العام للجملة سيكون هو الدورة؛ وتعاقب 
الدورات... وهكذا؛ (ص .)١34‏ 


إن هذا: 


«الحيز الأولى الضيق (الذى سوف يحصر الفن 
نظريا على وجه التقريب فى مجموعة من 
المقاطع الموسيقية دون أى قصد دلالى ومن ثم 
دون أى استحضار تمثيلى) هو فعليًا محض 
هراء؛ إلا فى حالة علم العروض الخالص الذى 


الشعر على أنه شكل أولى لفن هو نعليًا من 


إن مثل هذا الإلحاح على الدال هو بالتأكيد ما يمكن 
من تمييز الشعر عن النشر (وبهذا يجيب سوريو على السؤال 
الذى كنت أسأله فى هذه الصفحات) وذلك فى صفحة 
8 ولكن عن طريق كل المظاهر التى تلعب فى الواقع 
درا هامشي) فى العلاقة بالأدب برصفه كلاً. 

(ضوضاء الشعر عند الدادئيين» الابتداع اللغوى عند 
المستقبليين» الشعر الحرفى والشعر المجسم) . 


ويرجع ذلك - تبعًا لسوريو - إلى الفقر الموسيقى فى 
أصوات اللغة إذا قارناه بالموسيقى فى حد ذاتهاء وربما يضيف 
المرء» الفقر البصرى للحروف مقارنة بمجمرعة الوسائل 
الصالحة للرسم. 


يبدو ذلك التقسيم صائبًا تمامًاء حتى إن المرء يأسف 
لأن ثنائية التمثيل/ التقديم «representation/ presentation‏ 
الحدودة. 7 

غير أن المرء قد يتساءل عما إذا كان نفسير هذه الثنائية 
يتلاءم حقنًا مع حقل الأدب؟ وعما إذا لم يكن يستقيم 
بشكل أفضل مع ما هو فقط مادة خام للأدب أعنى اللغة؟. 

لمد کت سورير نفسة : 


«إن الأدب.. يستعير مجموع علاماته الكلية من 
نظام قد شيد بالكامل منفصلاً عنه وهو اللغة) 
( ص „(lot‏ 


إن «الشكل الأولى؛ للأدب ليس هو الأصوات وإنما 
الكلمات والعبارات»ء وهذه بدورها لها دوال ومدلولات. ومن 
ثم فإن الأدب التقديمي56568]3016م لن يكون فقط هو ما 
تنوقف فيه الدوال عن كونها شفافة ومتعدية 6لاناأكهةتا 
لكن الأهم من ذلك هر الأدب نفسه كميا وكيفياء الذى 
سيتوقف فيه المدلول عن كونه شفافاً ومتعدياً. 


سيكون مشار البحث» من ثم ذلك الربط الآلى الذى 


تودوروف مل و و بي ل كي ف ا 


قصد اللجوء إلى التمغيل )؛ من أجل اكتشاف ما إذا كان 
ويتضح أدب التقديم Literature of presentation‏ 
فى «إشراقات» رامبو؟ حيث یکمن «الشعر؛ الخاص بها فى 
سمتها التقديمية presentative character‏ وكثيرة تلك 
الوسائل التى اعتاد بها رامبو خطيم هذا الوهم التمثيلى. نهى 
تمتد من الععليق .ما فوق اللغوى الواضح Explicit meta-‏ 
commentary‏ عن أناعضة! كما فى الجبملة الشهيرة من 
قصيدة «البربرى» التى تقول: 
دراية اللحم النازف على حرير البحار والزهور 
الشمالية) 
(لا وجود لها) (الإشراقات) . 
إلى تلك الجمل غير النحوية بشكل واضح» التى لن 
بعرف معناها مطلقاء كتلك التى يختتم بها قصيدة 
«متروبوليتان» : 
«فى الصباح حين وإياهاء تجادلت خلال لمعانات 
العلج» الشفاه الخضر؛ المراياء الاعلام السوداء 
والاشعة الزرقاءء والعطور الارجوانية لشمس 
القطبين - قوتك) . 
وبين هذين الحدين المتطرفين» سلسلة من العقنيات 
النى تجعل التمثيل مثار شكء بل مستحيلاً فعليا. ومن ثم» 
فإن الجمل الغامضة التى تملا معظم قصائد (الإشراقات) لا 
تعوق التمثيل كله ولكنها عله غامضا إلى حد بالغ. 
حينما يمول رامبو فى نهاية قصيدة ١بعد‏ الطوفاك): 
«والملكة الساحرة التى تؤجج جمرتها فى جرة 
الفخار؛ لا تريد مطلقًا أن تروى لنا ما تعرفه 
وتخجهله». 
فنحن أمام ملمح فيزيقى يمثل تهديدا بواسطة شخصية 
أنشوية» غير أننا لا نعرف شيقاء أيا ما كان» عن هذه الشخصية 
أو عن علاقعها بما سبق (الطوفانات)» وبالطبع فحن لا 


عدم 


نعرف (ما مجهل»؛ وبالطريقة نفسها فإننا لن نعرف مطلقاً أى 
شئ عن الولدين الوفيين - «البيت الموسيقى! أو العجوز 
الو حبد الهادئ الجميل المذكور فى «عبارات» أو تلك 
الشخصيات الاخرى فى (الإشراقات) » فهى كائنات تظهر 
وتختفى مثل أجسام سماوية فى منتصف الليل المظلم فى 
وميض الإشراقات. 

وتؤدى اللااستمراربة إلى التأثير نفسه؛ فكل كلمة 
يمكن أن تستحضر تمثيلاً» ولكن حينما تؤخذ الكلمات معا 
لا تصنع كلا ومن ثمء فإننا نتقاد إلى تدبر أمر الكلمات من 
حيث هى كلمات» كما نرى فى قصيدة «(جنية٠»‏ حين 


ا 
يقول رامبو: 


وفى سبيل طفولة هيلين ارتعشت الفراء والظلال 
وجوف الفقراء وأساطير السماء؛ . 


ويطرح القعدد الشديد للموضوعات مشكلة» فكل 
موضوع يساهم فى جعل ما قبله يبدو غير حقيقى. ويمكن 
أن يقال الشئ نفسه عن الإكمالات [الظرفية - الشرطية] 
المقامية فى الجملة المقتبسة عن قصيدة :متروبوليتان؛ (التى 
تمت الإشارة إليها سابقًا والتى يضعها رامبو بين فوسين 
قائلاً: الا وجود لها؛) أو المقتبسة عن جملة أخرى من 


النص نفسه حيث جد هناك : 


«طرئاً خدها حرائط وأسيجة حديدية)2 (زعور 
مرعبة) و«حانات لم تعد تفتح أبوابها أبدا» وهناك 
أميرات» وإذا لم يؤثر فيك ذلك كله» فثم مأ 


ریما يكون هذا هو السبب فى أن المرء يشعر دائمًا 
باغراء تقليب الكلفات على مختلف الوجوه الممكنة فى 
نصوص رامبوء محاولا إيجاد بعض التماسك فيها. 


وهناك تقنية أخرى مجعل التمثيل ليس فقط مشكوكا 
فيه بل مستحيلاً حقناء وهى تظهر فى حالة وجود جمل 
متناقضة و متعارضة:؛ وذلك بسبب تغيير هيكل اللفظ 


- (أنا) و(أنت) (الممرد‎ Gaz Framework of ennuciation 


222 مسج حب ع ب بت اج جا ون لور بت و > ر الشعر دون نظم 


المألوف)؛ (نحن) و(أنتم) (الجمع ‏ الرسمى)» نادر) ما يتم 
الاحتفاظ بها من نص إلى آخر. (نجد هذا على سبيل المثال 
فى تصائد: «بعد الطوفان؛؛ «حيوات»؛ «متروبوليتان» » 
(صبيحة نشوة؛؛ فجرا). ويثير هذا سؤالاً: هل وجود 
الجمال سطحى أم داخلى بالنسبة إلى الذات؛ تلك التى تقول 
فى قصيدة «كائن جميل»: !إن عظامنا تكتسى جسدا عاشتا 


حديدا؛ . 


ذلك التمثيل المشكوك فيه 3 المستحيل» بجده أيضًا 
فی ميل رامبو إلى وصف خصائص أ أجزاء من الشيء دوك 
حتى تسمية الاشياء نفسها» إلى ذلك المدى الذى يجعل المرء 
لا يستطيع أن يكشف عما يتكلم عنه الشاعر. ويسرى هذا 
س نقط على نصوص مثل (هاء, 11[), ذلك النص الذي 
يدر كأنه لغر حقيقى. بل اشا غل تجرف أخرى لا 
تخصىء ويشهد بذلك التردد الذى يغالب الناقد أمام هذه 
النصوص . إنه ذلك الاهتمام بالخصائص على حساب الاشياء 


التى تشخص هذه الخصائص» ئما يعطينا انطباعا بأن رامبو 


- 


ينضل دائما المصطلح العام على الكلمة المحددة؛ مضفيًا 
ی ا 
۳ حديث رأمبو, عن : المترف الليلى لل «المتشردان؛ ؛ أو : 
العرف غير المألوف ل «المبارات» » أر : الأريحيات العامية 
وثورات الحب ل «الحكاية » «حشائش الصيف و«الميب 
الخطير للتفانى» وهزيمتى وهذا اليأس الحقير لل «عبارات»» 
والتوهجات الثشمينة والأثير البارد ل «جنية؛, الأهوال 
الاقتصادية والسحر البورجوازى ل «أمسية تاريخية» . 
إن رامبو موا لع ضا بالمحددات الكلية -مهناو 762581 نا 
5 كما لو كان مشرعا. نراه يقول فى :سهرات» : (أناس 
بكل الشخصيات الممكنة بين كل المظاهر الممكنة؛» وفى 
«حرب؛: ذدكل سماتهم انعكست فى وجهى). 
هذا التحليل المتعلق بفشل التمئيلية فى (إشراقات) رامبو: 


الأولى : إنه ليس صخي أن كل :نضصرض:(الأراقاك») 


إذا كان التمثيل نى هذه النصوص يفشل كثير) فإنه ينجح 
كثيرا أيضا. وفضلاً عن هذاء فإن السمات الفعلية نفها 
التى تساهم فى هذا الفشل يمكن أن توجد خارج الأدب 
وخارج الشتعير خاصة, كما يحدث فی النصوص المجردة 
والعامة على وجه الخصوص. 

ومن حسن الحظ أن رد فعل هذين الاعتراضين واحد, 
نالتمارض بين التقديم Presentation‏ والتمشیل ۸٤۲۴‏ 
sentation‏ من خلال اللغئة: لا يقع بین : عين من الكلام؛ 
وإنما بين مقولتين. فاللغة قد تكون شفافة أو غامضة 
متعلية:؛ أو لازمة, لكن هذين امحورين محورات متطرفان»› 
ودائما ما يكون الكلام الواقعى متمركر 1©4ده-م] ‏ إذا جاز 
التعبير- فى مكان ما بينهما؛ حيث يكون الكلام الواقعى هو 


0 8 8 
8 7 1 
اقرب إل ار ابعل من واحد من هدين الحدين. 


فی الرقت نفسه» فان هذه المقرلة - مقولة رفض 
اليمشيل - لاتدعزل عن غيرهاء بل إن الخادها مع مقولات 
أخرى هو ما يجعل من رفض التمشيل منبعا للشعرية فى 
(الإشراقات) . وعلى سبيل المثال» فإن النص الفلسفى الذى 
لا يقوم بعملية تمشيل يحافظ على التماسك فى أتصى 
معائيه . 


- حقيقة ‏ شعرية؛ وربما يمكننا أن نمثل ذلك النظام 


النمطى ٣ع‏ اءرء ادءنعهاممر) الذى ينطبع فى نفس قراء 
رامبوء مهما کان غیر مقصود› بما یلی : 





تودوروف 


وهذا يعيدنا إلى هدفنا الأساسى» حيث يمكن القول 
إن اللازمنية التى تؤلف جوهر الشعرية عند سوزان برنار هى 
فقط نتيجة عرضية لرفض التمثيل عند رامبو ولنظام التجاوبات 
عند بودلير. وعلى هذاء فإن مساواة أى منهما بالآخر يمثل 
نوعًا من تدمير الحقائق. حتى إذا كانت نصوص الشاعرين 
لاتفصل بينهما سوى بضعة أعوام ومكتوبة باللغة نفسها وفى 
المناخ الذهنى نفسه لما قبل الرمزية» فإن هذه النصوص مؤهلة 
(بنفسها أو بواسطة معاصريها) بوصفها نصوصا شعرية لهذه 
الأسباب المختلفة والمستقلة: (ألا ينبغىء إذن» أن نذعن 
لليرهان ؟) . 


لا يوجد (الشعر؛ بوجه عام» وإنما توجد تصورات 
متغيرة للشعر» وسوف د تستمر هذه التصورات فى الوجود؛ 
لبس فقط من فترة إلى أخخرى أو من بلد إلى آخر بل أيضًا 
من نص إلى آخر. 


الهوامش. 


Suzan Benard. Le poéme en prose de Baudelaire û nos (| ) 
jours (Paris: Nizet, 1959). 

Charles Baudelaire, Paris spleen, 1869,Louise Varése (¥) 
(New York: New Directions {James Laughlin, 1970) ix, 

Arthur Rimbaud, illuminations and other prose poems, (T) 


trans. Louise Varése, rev. ed. (New York: New Directions (James 
Laughlin, 1957). 





إن القعارض بين التقديم/ التمشيل» تعارض عالمى 
وطبيعى (وهو متضمن فى اللغة) غير أن مطابقة «الشعر؛ مع 
الاستخدام التقديمى للغة يعد حقيقة محدودة تاريخيا ومقررة 
ثقافيا. وبناء على هذه الحقيقة, يمكن أن يلقى ب ١بودلير»‏ 
خارج الشعر. 

وییقی التساؤل (الذى لا يمنع من دراسة الاستجابة 
التى تنجم عن هذا العمل التمهيدى) عن وجود صلة بين 
الأسنات التكلضة التى من جلها عيذ النض في الماضى 
(شعريا) . 

لقدكان هدننا الحدود فى هذه الصفحات هو إظهار أن 
هذه الصلة لا تكمن حيث يفترض أن تكمن» وتفديم صيغة 
أكثر دقة لبعض أسباب ذلك. 


وقد استعانت المترجمة بترجمة خليل الخورى لإشراقات رامبو عن الفرنسية 
مع بعض التغييرات الطفيفة على ما ورد فى كتابه راهبو حياته وشعره؛ مطبعة 
الشعب» بداد ۱۹۷۸ء ط (1). 

Etienne Souriau, Correspondence des arts: éléments d' es- (¢) 


thétique.comprée, 2nd ed.(Paris: flarnmarion, 1969) 





A 





OOOO OOOO 


إعادة بناء الشعر العربى الحديث 





LASALLE RLELSLENGRHLOLHIAIHL‏ مأ 


. إعادة بناء 
الشعر العربى الحديث : 


قراءة نقدية فى الانسئلة والإجابات 


ااا 


عافد ها شد ماك شد لنت الدرية ل القذ 
س ب ا س 


الأدر ٠‏ تصدذر سلويا من المحيط !! لى اخليج . لتزحم رفرف 
المكتبات وقرائم الإحصاء البيبليجراق ٠‏ در ق 
غالبيتها الساحقة ‏ معرفة جديذة » أو سالا احديدا ؟ أو تدقع 
على إعادة النظر - أو التشاؤك أو ر الراسخ المتكلس م 


الأفكار والرؤى والتصم رات ' 


فالغالبية الساحقة من هذه الأعمال محكرمة ‏ فى أفضا 
مادجھا۔ بإعادة إنتاج السابق . بتكراره ‏ إلى حد ابتذاله- 
بلاإضافهة: فية 
رالاستهلاكية . حشود من نأور أق تقذف مما المطاء بع العربية كل 
يوم . لا تراكم غير سواد على الصنحات البيضاء 7 


كن طباعية اة 
هو بالا .وا 5 


يغلت من هذا السواد الغالب أعمال فردية نادرة ٠‏ كل بضع 


يتات + 'تقتح لفكة مقيكة 4 الا الم ةن ا 
ر 6 ر يىد ى ض وصد . و 





الشعر العرى الحديث . بنياته وإبدالاتها ء أربعة 
الدار البیضاء ٩۱۹۸۔1۹۹۱‏ . 


محمد بیس 
أجزاء 5 دار تويقال 


* شاعر وناقد, مصرى ٠.‏ 


اللا 


ر نحت سلا وم ¥ 
MEN‏ 


السكونية المهيمنة . أو تطرح السؤال الغاثب ٠‏ أو نعيد 
التشكك فى الأجوبة المتحجرة . أعمال نادرة إلى حد مفزع 
بشبه النضيحة أو يقارب الكارثة , بلا انتباه من أحد . 
فالانتباه مكرس أساسا للعابر . الوهمى . الذاق . الصغير . 
نعم . هى الوحدة العامة للزمن العربى الراهن - منذ 
السبعينيات ‏ التى تتداعى خلاها الأبنية التى بدت ذات يوم - 
منيعة وراسخة , فلا يكون للثقانى ‏ بالذات -حق الانفلات . 
وذلك ‏ بالتحديد ‏ ما يمنح تلك الأعمال النادرة قيمة قصوى 
إضافية . فى تضادها مع الاتجاه العام للزمن العربى الراهن , 
بوصفها أعمال بناء وإعادة بناء فى زمن منذور للأنقاض » 
وأعمال تأسيس فى مناخ محكوم بالهدم » وأعمال ترد الاعتبار 
للعقل والعلم والجهد الإنسان فى زمن يقوم على إهدارها جميعا . 


أحدث هذه الأعمال النادرة كتاب ( الشعر العري 
الحديث : بنياته وإبدالاتها ) للشاعر والكاتب المغربي ١‏ محمد 
بنيس » . ليس *كتاباً مفردا . بل مشروعا فادحافى أربعة أجزاء 
لعربى كين > منذ البارودى حتى محمود 
|'-اسية ء وافاقه التالية 


لإعادة بناء الشعر !! 
درويث . بحلقاته الوسط ' 


رفعت سلام ا لت ل ا ی ی ر ا ١‏ 


ولتوقيت صدور أجزاء المشروع دلالة أساسية . فم بين عام 
صدور الجزء الأول وعام صدور الجزء الرابع والأخير؛ وقع 
الغزو العراقى للكويت » ونشبت حرب الخليج ٠‏ ليكتسب 
المشروع قيمة التضاد البدئى مع الواقع العربى الشامل › 
DS EE‏ 


ينطلق الشروع- ابتداءً ‏ من « العرب ؛ فى زمن 
« القطرى » . ومن «١‏ التاريخى )ل زمن ا حرئى العابر » ومن 
« العقل ه فى زمن ١‏ العبثى » . وينطلق ‏ انتهاءً - صوب 
و كلية ٠‏ البناء الثقاى العرى > ووحدته الموضوعية » واضطراد 
حلقاته الاساسية . تاريخيا » وشموليتها . ينطلى ‏ إذن - 
من الجوهرى المتحقق صوب الجوهرى القادم . 

ولعل هذه الوضعية الخاصة بمشروع بئيس هى التى 
فرضت - باللقابل - ضرورة نفيه عن الحضور : الإعلامى ؛ 
والاحتفاء الذعائى بما يشبه مؤامرة صمت هريبة . تليق 
بالأعمال المضادة للسائد . وهى أيضا ‏ التى أبعدته عن أقلام 
النقد ١‏ العابر » الاستهلاكى ٠‏ الذى تكتظ به الدوريات 
العربية . وهى ‏ أخيرا - التى تمنحه قيمة امعم الإشارى البارز 
فى ساحة النقد الأدبى العربية » فاصلا ومضيئا . 


أولا : بحثا عن المصطلح 
)١(‏ 

لقراءة مائة عام من الشعرء وإعادة البناء . إشكاليات 
اة . وخاصة إذا ما كان الهدف طرح الأسئلة الصعبة . 
الغائة » المسكوت عنما . القبض على هذه الإشكاليات خطوة 
أول » تقطع - ربما- نصف المافة . وكيفية المعالجة. 
والتحليل » والمساءلة › خطوة أخرى » تكمل - ربما 
المسافة . وبين الخطوة الأولى والأخرى : أسئلة والتفاتات . 


فأى ٠‏ شعر عرب » ؟ وأى « حديث » ؟ 

سؤال أول مزدوج تجيب عنه المقدمة النظرية للمشروع ؛ 
الى تسل ناتحة الجزء الأول » ضمن أسئلتها العديدة 
المطروحة , والمراوغة » لا يتوجه السؤال عسوب نحديد ماهية 
« الشعر» » ولا يبحث عنبا ؛ ذلك التوجه الذى يفترضه 
وبنيس وء فيعارضه بأن ٠‏ التحديد الراسخ والمطمئن للشعر م 


ا 


يعد اليوم مكنا » ؛ بل يتوجه صوب تحديد ‏ التيارات ؛ التى 
تؤسس « الشعر العربى ؟ . خلال زمن البحث . هل هى 
التيارات المدرسية , السائدة » أم المهمشة , المقموعة , أم هما 
معا فى وحدته الجدلية ؟ أم ماذا ؟ 

تطرح المقدمة السؤال . بتفكيكه إلى عناصره الأول 
المطلقة » ومساءلتها » فى ذاتها. بوصفها مفاهيم مجردة : 
« الشعر » ء ١‏ العروبة بو “«الحديث» . وهو النطق الذى 
يفضى إلى تصعيد الثانوى ومنحه قيمة ليست له » أو إقحام 
الجرد » المطلق » العام فى موضع المتعين ؛ المحدد الخاص . 
بفعل إسقاط العلاقات والتفاعلات البينية بين عناصر المصطلح 


الواحد . 


« هناك أولامسألة تحديد وتعريف « الشعر » فى تعبيرةالشعر 
العربى الحديث » ذلك ما يطرحه منطق المقدمة » ويفضى إلى 
نتيجته الحتمية بالسؤال عن الكيفية : « كيف يمكن ذلك؟ 
أبوضع معيار لما هوشعر أم لما هو لیس شعرا ؟ ). وهوسؤال 
تجاوزته ‏ كثيرا _ ثقافتنا النقدية المعاصرة » نألغت ‏ بالتالى - 
أهمية استعادته فى بحث جاد . ولا حرج إجابة المقدمة عنما 


بطرحه الوعى النقدى العربي الراهن . 


وعلى نحو مقارب ٠‏ تغضى مساءلة ١‏ العربى ؛ إلى تصعيد 
إشكاليى شعر العاميات العربية > وإبداعات الشعراء العرب 
المكتوبة بلغات أجنية . إشكاليتان فادحتان , تثبته| المقدمة 
بوصفى] عنصرى خلل فى مفهوم « العروبة » الذى يؤسس 
للدراسات الأخرى التى سعت - من قبل لبناء موصو 
١‏ الشعر العربى 267 باعتباره مفهوما مسكونا بميتافيزيةأ « الوحدة 
والتجانس » التى تشطب على التعدد والاختلاف . ولا يتم 
توظيف اكتشاف الإشكاليتين عبر المشروع » فلا يكون ه) غير 
الإئبات » فعبورهما إلى « الحديث » - العنصر الثالث ثى 
على القادمين . 


أما مساءلة م الحديث ١»‏ فتتحقق عبر متاهة نظرية مكثفة ٠‏ 
فى أصول الكلمة ودلالاتها اللغرية والنظرية المختلفة » أوربيا 
وعربيا , وصولا إلى تقرير فعلين لتحديث الشعر العربي : 
تحديث بعيد فى القرنين الثامن والتاسع الميلاديين » فى العصر 





العباسى » وتحديث قريب منذ بدايات القرن التاسع عشر 
(أم ‏ الأدق . وفق وجهة النظر هذه نهاياته ؟ ) مع حمود 
سامى البارودى . 

تُعرف المقدمة الشعر العرى الحديث ١‏ بالبذرة النظرية 
لا بصفته الزمنية » . و« المنطلق النظرى للشعر العرى اخديث 
و انر ال مرا اة إل الان فى 
التقليدية أم بالتوجه نحو المستقبل ا متخطى للماضى كا لدى 
الرومانسية العربية والشعر المعاصر . وهو بذلك معبأ ٠‏ بوصفه 
كلا , بالتصور الأورى للحداثة وموشوم بها » . ٠‏ 


ولكننا نعرف أن « العودة إلى الماضى » و١‏ الترجه نحو 
المستقبل المتخطى للماضى »؛ فعلان متناقضان . حركتان فى 
اتجاهين متعارضين حديا . كل منما نفى للآخر لا تخفف من 
وطأته صباغة لغرية مجردة » باختصارهما فى صورة ( تجاوز زمنى 
ونقدى » » مع إلغاء - أو إسقاط ‏ ماهية هذا التجاوز وطبيعته 
وتوجهه . 

ونعرف أيضا- من خلال المقدمة ذاتها ‏ أن « التصور 
الأورن للحداثة » . الذى ١‏ يعبىء » المنطلق النظرى للشعر 
العربى الحديث » مرهون بالتقدم إلى المستقبل لا إلى ا لماضى » 
إلى المجهول لا المعلوم . وذلك ‏ بالتحديد ما تنقضه القصيدة 
التقليدية العربية » أواخر القرن الماضى وأوائل ال حالى . بما هى 
عودة إلى الماضى ( أم يصح القول بتقدم « إلى الوراء » ؟ ) ٠‏ 
واستعادة للمعلوم ؛ أی بما هى نقض للمنطلنق النظرى 
للحداثة , 

فالقصيدة التقليدية هى مأزق « النظرى » فى الحدالة » 
ابتداء من التعارض بين ١‏ التقليد » و « الحداثة » اصطلاحيا 
ومفهوميا » إلى تحققهم| النصى . وهو ما سيتم التأكيد عليه فى 
الجزء الرابع من المشروع ‏ « مساءلة الحدائة  »‏ من وافع أن 
د التقليدية خضعت لتجميد الزمن فى نموذج موحد . به يتشبه 
كل من يريد التقدم وإليه يؤول . ولذلك فهى تلغى التاريخ 
الشعرى وتعدده . كما تلغى الحاضر واختلافه . ولا تكون 
استعارة مفهوم التقدم من الثقافة الأوربية سوى إنعاش مقاومة 
التقليد لكل تجديد . . (151/4)* 





¥ الرقم الأول للجزء ٠‏ والثانى للصفحة 3 وهو ما سنعتمده فيهم| يل 
من إحالات . 


إعادة بناء الشعر العربى الحديث 
ف الذى يبقى ى « التقليدية » من حداثة ترشحهاللانضواء 
تحت مصطلح « الشعر العربى الحديث » ؟ ما الذى يجمعها 
ب ( الرومانسية ) و١‏ الشعر المعاصر » ضمن مصطلح واحد ؟ 
يقرر بنيس : « بهذه الرؤية إلى الزمن سيكون تأويل ' 
الرومانسية العربية والشعر المعاصر متعارضا مع التقليدية لأنه 
ينطلق من المستقبل لا من الماضى فى تحديد اتجاه التقدم » كا 
ينطلق من المجهول لا من المعلوم . من المفاجىء لا من 
المألورف . تأويلان متعارضان لهم] نتائجه] البعيدة . وأسبق 
النتائج ما يتعلق بتأويل المفاهيم الأخرى المتفاعلة مع مفهوم 
التقدم » » كمفاهيم النبرة والحقيقة والخيال ( ۱١۲/٤‏ ) . 


وتتأكد ‏ بالتالى - مشروعية التساؤل حول حداثة 
« التقليدية » » ومدى المشروعية النظرية فى وضعها ضمن 
سياق واحد مع نقيضيها : الرومانسية والشعر المعاصر . 


نعرف أن جميع الدراسات السالفة تعتمد ‏ تقليديا ‏ هذا 
النظر : الخطى » ل ١‏ الشعر العربى الحديث ٠0‏ . بحكم نبجها 
المدرسى ء النقلى . بما يشكل معه التبار السائد فى النظر 
النقدى الشعرى . ولكن . ما قيمة « إعادة البناء » المسكونة 
بإعادة النظر والأسئلة الفاضحة للاتساق الظاهرى للسائد . إذا 
ما نحولت إلى ١‏ استعادة » البناء نفسه ؟ . 


(۲) 


وللمصطلح وقفة أخرى مع « الرومانسية » . 

ففى تحديده لتسمية « الفعل الشعرى التقليدى » بقرر بنيس 
أنه ولم يستند تعريف هذا ( الفعل ) لشعرية عربية ٠‏ 
غلبة النموذج الغرى فى العصر الحديث . ولذلك فإن 
التعريف ء ومن لم التسمية » استقى من الغرب أدواته فى 
التصنيف والتأريخ › ساكتا عن نقد التصورات والأدوات 
داخل سياقها . . وطبيعة اللغة الواصفة التى تم اقتراضها من 
سياق الثقافة الغربية . والشعرية الغربية أساسا , لا تتملك , 
بالضرورة » قدرتها على الضبط الذاتى فى سياق الشعر العرى 
التقليدى . إن التمركز حول الذات الغربية » من قبل 
المستشرقين أو بعض النقاد العرب . هوما أعطى الآخر. 
الغرب » شرعية تسمية هذا الشىء . والآخر ذا المعنى هو 


رفعت سلام ا > ج ف رر 


الأدب الذى يختار الاسم ¢ بل إنه المتعالى الذى لا يقبل 
بالمعصية و/أو البطلان » ( ٠ ) 71-141١‏ ا 


ف و المعصية و/أو البطلان » : منطلق الوصول إلى حديد 
تسمية الفعل الشعرى التقليدى » خارج ماتم اققراضه من 
اللغة الواصفة الغربية ( كلاسيكية » وكلاسيكية جديدة » 
ونبضة » وبعث ؛ وإحياء » وانبعاث ) . باعتبارها نسميات 
٠‏ مبتورة السياق عند تطبيقها على التقليدية » . 


وهذا المنطلق ‏ الذى يفضى إلى لسارو التقليدية #تصمية 
لهذا الفعل الشعرى ‏ جذوره واتساقه مع دنية النظر الكلية 


النظر . هو إذن » بمعنى آخر ‏ منطلق مؤسس على رفض 
إسقاط المصطلح الغرى » ذى السياق التاريخى المعرقى 
الخاص , على الفعل الشعرى العربى ذى السياق المغاير ؛ 
تاريخيا ومعرفيا » فى هذه المرحلة أو تلك من مراحل الشعرية 
العربية . بؤكد ذلك ما بورده « بنيس 6 - فى موضع آخر - على 
سبيل انتقاد أحد النقاد على ذكره « الشعر الغنائى »فى تحليله » 
«وغير منضبط للسياق التساريخجى المعرق الذى ظهر فيه هذا 
الصطلح , فظل » نتيجة ذلك ؛ غريا ضمن مجمل 
التحليل » (71/4؟)٠‏ 


1 وذلك ‏ تحديدا ‏ ما وفع فيه « بنيس » عند اختياره لمصطلح 
« الرومانسية » » بوعى أن التسمية فى هذه الحالة » غربية ؛ 
وقد تم نقلها إلى العربية عن طريق ه التطويع » فى غالب 
الدراسات التى تناولت الموضوع » ونادرا ما نعثر على نوع من 
« التوالد من الداخل » . . والفرق بين المفهومين فى الترجمة 
يبلغ مكان القراءة » مكان الغرب فى تسمية « التطويع ٠٠‏ 
ومكان الشرق العربى فى نمافج « التوالد من الداخل » . 
فالموقف نظرى قبل أن يكون تقنيأ» ( ۲۹/۲ ) . 


وعى فادح بوضعية مصطلح « الرومانسية » جا هو- أولا - 
غربى , بحدد - ثانيا - « مكان القراءة » و - بالتالى - 
طبيعتها . وكلاهما ينتسبان إلى الغرب . وثمة - أخيرا - 
فداحة الوعى - بأن الموقف من المصطلح ليس تقنيا ؛ بل هو 
موقف نظری . 


V€ 


لاتكمن الفداحة فى الوعى بذاته » بل فى التتاقض بين 
الموائف النظرية لهذا الوعى من مصطلحى ١‏ التقليدية » 
ود الرومانسية » بين القبول فى ١‏ الرومانسية » - بالميدأ النظرى 
E‏ 
للمحددات الغربية للمصطلح › التى يتم القبول بها فى 
« الرومانسية ». 


منطلقات منبجية نظرية متعارضة فى تأسيس المصطلحات 
الرئيسية » وتفاوت واضح بين قبول « نقدى ؛ لمصطلح 
والتقليدية» , وقبول وحيادى سلبى » لصطلح 
د الرومانسية » ٠‏ بلا مساءلة نقدية . 


(۴) 


وعلى نحو مشابه , يثيرمصطلح ٠‏ الشعر المعاصر » - عنوان 
الجزء الثالث - أسكلته الواخزة . أية و معاصرة ؛ ؟ وهل ثمة 


معيار ومحددات ؟ ٠‏ 


يقوم « بنيس » - فى مقدمة الجزء الثالث - يعملية رصد 
تاريخى للمصطلحات الدالة على الشعر العربى » فيم) بعد 
اللترت الغالية 'الثائية.- 'وينتهى إلى :خضو ر ثلالة مصطلحات 
أساسية : الشعر الحر» ود الشعر المعاصر » ثم « الكتابة 
الجديدة » . ولكنه سرعان فا يحول هذه المصطلحات الدالة 
على ثلاث نظرات » ى شعر مرحلة عربية » إلى ثلاثة مستويات 
فى « الممارسة النصية » ذاتها لتتحول اختلافات مُنظرى النقد 
إلى اختلافات فى المتن الشعرى . وخلال صفحة - أو 
صفحتين - نصبح بإزاء ثلاثة متون شعرية : الشعر الحر 
والشعرالمعاصر والكتابة الحديدة » لا ثلاثة مصطلحات لتن 
شعرى واحد . وإن يكن متعدد الأبعاد . 


و اختصار المتون والمصطلحات إلى ١‏ الشعر 
العاصر» » الذى ينون التجربة كلها » برغم الوعى بغربية 
الصطلح ( ذلك اليدا الذى سبق رفضه مع « التقليدية » » 
والقبول به مع و الرومانسية » ) » والإشارة إلى أن المصطلح 
لا يتوافق إلا مع مستوى متوسط من التجربة الشعرية العربية ٠‏ 
ما بعد الحرب العالمية الثانية ( ٠ ) ۲١/۳‏ 


ب ج ي يت إملوه ام الخير الب الحديث 


ولكنه - وقبل فض الاختلاط بين المصطلحات والمنون 

الثلائة - يطرح مصطلح ر الحداثة الشعرية » داحل السياق 
نفه » دون تاطبر نظرى » باعتبارها توصيفا لماهية المتون 
اللالة » بحيث تتبدى هذه المتون كأنها « تحقيق » هذه ال حداثة 
70/5 ). ولكننا نكتشف أن« الحداثة الشعرية ؛ تستوعب - 
مفهوميا ‏ المتن التقليدى إلى جانب هذه المتون (۲۱/۳ ) › 
ليكف المصطلح عن أداء دوره الوظيفى المعرفى فى التأطير 
المنہجى . 


متاهة من التضاربات الاصطلاحية والمفهومية مؤسسة - 
أولا - على اعتبار تعدد المصطلحات دالا على تعدد المتون 
الشعرية » برغم ما يكشفه الرصد التاريخى - المثبت فى 
السياق - من توجه المصطلحات المتعددة إلى وصف متن شعرى 
واحد عام » له أبعاده الداخلية ومستوياته المتفاوتة . وهى 
مؤسسة - ثانياً - على منح المصطلحات النلاة الأولى قيا 


معرفية متساوية » عامة » فب يتعلق بالشعر العربى منذ أواخر : 


الأربعبنيات . ولكن مزيدا من التدفيق سيكشف أن مصطلح 
و الشعر المعاصر » بنطوى على فضفاضيته التى تتبى على 
الابتداء بأواخر الأربعينيات » بل تنفتح - بالضرورة - على 
السابق ؛ حيث « المعاصرة الشعرية » لا تتطابق - بالحتم > مع 
و الآنية الزمنية » › بقدر ما تطرح التفاوت بيني . وقد تجاهل. 
التحليل - كلية - تحديد معنى « المعاصرة الشعرية » » مكتفيا 
برصد مسيرة الصطلح التاريخية عبر النقاد السابقين » من 
خارج ؛ ليرشح سباق استخدام الصطلح بالمعنى « الزمنى » . 
وسيكشف المزيد من التدقيق أن مصطلح « الكتابة الجديدة » 
المستمد من « أدونيس »يقصر عن إمكانية تعميمه على الخارطة 
الشعرية العربية » فى تلك المرحلة » بما هر مصطلح ذو طبيعة 
ذائية » ينطلق ضمن سياق المشروع الشعرى لصاحبه . هو 
عنوان رؤ يه و أدونيس »فى الكتابة , وتنظبر لتوجهه الشعرى فى 
مرحلة ما معينة » بلا تعميم على جميع مراحله » ولا خروج إلى 
ما يتخطى حدود مشروعه الخاصل إلى الشعر العرى . مصطلح 
لا يستند إلى العام » بل الخاص ؛ إلى امتحقق » بل الأمول ؛ 


إل الرصد , بل التبشير ؛ إلى الجمعى » بل الفردى . ولرجا لو 
توفر لثالث المصطلحات - ٠‏ الشعر الحر » - التعميق التنظيرى 
والتأسيس المنبجى > لكان أقريها إلى التعبير عن التجربة 
الشعرية الخاصة فى تلك المرحلة . ويبقى ل «الحدالة 
الشعرية » أسثلة اخرى قادمة . 


ثانيا 5 بحثا عن الشعراء 
كيف يمكن الدخول إلى الشعر العربى الحديث؟ من خلال 


أى أبوايه:؟ . 


يقسم « بنيس ١»‏ الشعر العربى الحديث » إلى ثلاثة متون ١‏ 
وختار عينة من شعراء كل متن شعرى » تمثل أبرز وأهم 
خصائصه . عينة موحدة العدد ( أربعة شعراء ) من كل متن : 
ثلاثة يمثلون مايعتبره « المركز » » والرابع يمشل مأ يعتبره 
المحبط » الذى ينتج القصيدة « الصدى » لقصيدة المركر 
الشعرى ( الشام والعراق ومصر) . 


وهكذا ندخل - من جديد - غابة الأسئلة . 


)10 


لماذا ينحصر عدد شعراء كل عينة ١‏ من العينات الثلاث . 
فى أربعة ؟ هل للرقم دلالة ما أومعنى خاص ؟ هل ثمة ضرورة ' 
لتثبيت الرقم ٠‏ رغم اختلاف العينات ؟ وهل أسفرت النتائج 
عن صحة هذا الاختيار ؟ حفنة من الأسئلة الأولى التى تحتاج 
إلى استقصاء عينى . ۰ 


لا يقدم ؛ بنيس ؛ أى تفسير, أو إيضاح , لذلك الرقم 
المطلق المحدّد لعينة شعراء كل متن . أما اختيار شعراء العينة 
المثلة لكل متن » فمحكوم ب «إمكانية وكثافة استيعاب 
البنية العامة لكل متن من المتون » والتعامل مع نماذج شعرية 
ذات سلطة نصية . . » ( ۳۷١‏ ) . « الأساس فى الاختيار هو 
شمولية قوانين البنية النصية ويمكنها . ومستويات الفعل 
الشعرى والأسئلة النظرية والمعرفية التى تطرحها نتاجات كل 
شاعر من هؤلاء الشعراء » (١//ره")‏ . ذلك هو المعيار 
المطروح لتحديد الاختيار . 


Yo 


بالنسبة للقصيدة ١‏ التقليدية » . يقع الاختيار على متحمود 
سامى البارودى وأحمد شوقى وحمد مهدى الجواهرى ؛ ومن 
المغرب محمد بن إبراهيم . وهو اختبار يتفق وواقع القصيدة 
التقليدية » والنتائج المستخلصة من أهم الدراسات النقدية 
لتلك القصيدة » وخاصة بالنسبة للأول والثان . 


ويطرح اختيار « الجواهرى ؛ تساؤلا حول فجوة الزمن بينه 
وبين البارودى وشوقى , حيث تبدأ تجربته الشعرية مع وفاة 
شوقى , بما قد يشير إلى فجوة تاريخية ثقافية , فشعرية » ها 
نراتياتها المختلفة وتحققاتها الفنية على جسد القصيدة 
وأعضائها التى تستحق الاستقصاء والنظر , بما ينفى عن 
الفجوة صفة « المجانية » . فه| - شوقى والجواهرى - لم يكتبا 
نصا شعريا واحدا » وإن اشترك نصاهما فى بعض السمات . 
ولعل ملامح التمايز بين نصيهم - التى تجاهلها التحليل - 
لتبدو أعمق من الاشتراك فى هذه السمة أو تلك . 

يعترف « بنيس » بذلك خلال إشارة عابرة » خارج سياق 
التحليل النقدى » ضمن رصده المختصر للسيرة الذاتية 
للجواهری › من أنه « توجه فى سبتمبر من العام نفسه 
۱۹٤۸ (‏ ) إلى فرنسا وهناك كتب قصائد تخرج على التقليد 
٠ ۲/۱ (‏ والتشديد من عندنا  )‏ إشارة خارج سياقها ' 
مفتقرة إلى الأسانيد والتحليل والتدليل » وإن أكدت ذلك 
التمايز المفتقد , تحليليا . 


فجوة الزمن - هنا - ملغاة . أو منسية ., أو« مسكوت ٠‏ 


عنبا » ٠‏ بالتعبير ا مغرب المنقول عن الفرنسية . واثارها الفنية - 
من ثم - تبقى خارج دائرة التحليل والرصد والتقصى . بفعل 
منبجية التحليل والنظر ؛ التى تثير - ولابد - أسئلة قادمة . 


(۲) 


مع « الرومانسية ٠»‏ . تبدأ علامات الاستفهام الم لمبجية فى 
التصاعد حول اختيار عينة الشعراء » وعلامات استفهام حول 
دلالات الاختيار . 


يرصد « بنيس » أن و أول ما يعترض الدارسين ؛ بالنسبة 
للنص الرومانسى العربى » هو تعذد الممارسات النصية . مما 
اضطر معه البعض إلى اختزال هذه الممارسات الدالة فى ممارسة 


ك7 


واحدة » هى القصيدة التى توفر لما الوزن والقافية . 
والاختزال , فى هذه الحالة » ل يبلغ الممارسات النصية بقدر 
ما ألغى التحليل النصى ونظريته . وقراءة البنية النصية للشعر 
الرومانسى العرى تتطلب , تبعا لذلك . ضرورة لمس تلف 
الممارسات الدالة . فى إطار نظرى وتحليلق معا ”١/17(‏ . 
والتشديد من عندنا) . 

ولكن المفاجأة تكمن فى شعراء العينة المختارين : خليل 
مطران وجبران خليل جبران وأبو القاسم الشابى والمغربى عبد 
الكريم بن ثابت . تكمن المفاجأة فى استبعاد شعراء « أبولو» , 
حميعا . دفعة واحدة » بعد استبعاد « جماعة الديوان» 
بأكملها . ۰ 


يطرح ١‏ بئيس » - 'نفسه - سؤال الاستبعاد : «أين هى 
الحركات الأخرى الفاعلة فى الشعر الرومانسى العربى ٠‏ 
كمدرسة الديران . وحماعة أبولو مثلا ؟ » )١9/7(‏ . ١أما‏ 
الجواب . . فهو متضمن فى اختيار أى القاسم الشابى ذاته » 
78/1 ) . ولا تعنى الإجابة الغريبة أن صاحبها قد اكتشف 
لنا - خلال بحثه - مشاركة الشاب فى تأسيس أبولو وتحديد 
توجهها الشعرى ؛ فهو م يتعرف على المجلة - حسبم) يقرر 
« بنيس ‏ - إلا مع العدد الرابع » كأول عدد منها يصل إلى 
يديه 185/57 ) ٠‏ لتبدأ - من بعد - علاقته الخارجية مها . 
وهى العلاقة التى بضخم « ببس » من شأا » ليختصر 
الشابى - من خلالها - أهم حركة شعرية عربية رومانسية . 
وتفيد الإشارات الى يوردها « نيس » - فى هذا السياق - أن 
« الشابى » قد عثر على تحققه الشعرى بالتماس مع « أبولو ٠‏ » 
وخلال العلاقة با . وهو افتراض قد يكون صائبا » ولكنه 
لا يفيد فى الإجابة عن سؤال الاستبعاد » بل بؤکده عبر تأکیده 
مكانة الجماعة الحاسمة فى تاريخ الشعر العربى » ودورها غير 
المسبوق فى تفجير طاقات الشعراء المتماسين معها . 


إلغاء لا يتمكن « بنيس » من تبريره منبجيا ؛ بل ولا يعيره 
الأهمية التفسيرية اللائقة بدور الجماعتين الشعرى , ليأخذ 
الاختيار - هذه المرة - سمت ١‏ المزاجية » المفرطة من كاتب 
يعترض على « اختزال هذه الممارسات الدالة فى ممارسة 
راسد و ع ال و امالك :ابل 


التحليل النصى ونظريته » . 





وى مقابل هذا الإلغاء لا يتخطى مفهوم : تعدد الممارسات 
النصية ؛ لدى الرومانسيين , المعنى العروضى الذى يتيح 
اا ا 
الحديث . ف « الممارسة النصية » - لدى « بنيس » - ذات بعد 
واحد وحيد . يتحقق فى العلاقة الموجبة أو السالبة مع 
المروض » وحده› ليتم « تصحيح ) اختزال القصيدة 
القروضية لعي العروضية بارال اند الت دافا خن 
عر عرض ق 
اإيفاع. ظ 


وهذا المفهوم المختزل ل « الممارسات النصية » هو أداة 
التواطؤ على تغييب « أبولو » و« الديوان » » قسرا ب بممارساتها 
النصية » برغم اعتمادها مرجعاً نظرباً ل « الرومانسية 
العربية » » لتتغمق المفارقة المنبجية : إلغاء للنصى . وإثبات 
للنظرى . 


)۳( 
ف الخرء الثالث من الشروع › ختصر ( ننيس ) الشعر 
المعاصر فى أربعة شعراء : بدر شاكر السياب وأدونيس ومحمود 
درويش . والمغربى محمد الخمار الكنون . 
اختصاريضىء - بداية - مأزق الرقم ( ٤‏ ) الذى حصر فيه 
وهو ال أزق الذى تكشفت مقدماته فى 
اختياراته « الرومانسية » السابقة » وخاصة مع إقراره بالتعددية 


« بنیس » اختياراته . 


النصية, واتساع مداهاء ابتداء من «الرومانسية»» وهى التعددية 


الى تصل حدودها القصوى مع تيار : الشعر الحر» . حيث 
يكتب كل شاعر قصيدته الخاصة » بلا عمومية » وحيث 
الصرت الشعرى مرهون بفرادته واستقلاله . 

هكذا - على سيل المثال - تكمّل الشعراء الأربعة 
التقليديون بالوفاء بالتعبير عن الرئيسى الجوهرى فى القصيدة 
التقليدية العربية . ولكن الرومانسيين الأربعة عجزوا عن 
الوفاء بمثل هذا التعبير. ليس - فقط - لخلل جوهرى فى 
النظر- أففنى إلى واللزاجية » معيبارا للاختينازة بل + 
أيضا - لأن الممارسات النصية الرومانسية . والجديرة - 
حقا - بالاعتبار » تتخطى - ولابد - ذلك الرقم السحرى 
(4). 


ومع القصيدة التالية للرومانسية ٠‏ تتقلص - كثيرا - حدود 
العام . المشترك فى الممارسات النصية , لتنتفى - إلى حدود 
بعيدة - إمكانية التمثيل ؛ أن يمثل شاعر ما فريقا أو يختزله . 
ففى هذه القصيدة » ليس ثمة فِرّق أو جماعات نصية » يكن 
لأحد أصواتها أن يختصر الفرقة أو الحماعة . أما« شعر»- 
ومثيلاتها - فليست سوى تجمع لشعراء . قد يجمعهم إطار 


. نظرى مشترك › مؤقتا. يجاسون به العالم المحيط . دون 


إمكانية للاختزال أو التماهى النصّى . 

فقدر هذه القصيدة ج بوصفها حالة بالغة الخصوصية ف 
« الشعر العربى الحديث » - أن كل شاعر من كبارها يمثل 
ممارسة مستقلة . متميزة . ها ملاعحها الموشومة به » وآفاقها 
المرهونة بفرادته . قصيدة متعددة الأبعاد بتعدد الممارسات من 
شاعر لآخر . بل من مرحلة لأخرى ضمن تحولات الشاعر 
الواحد . 

هكذا , مدد ١‏ بليس » الشعر « المعاصر » على السرير نفسه 
الذى استوعب ١‏ التقليدية » » من قبل . فلا فاض الحسدٌ 
المعاصر عن السرير ٠‏ راح يقطع منه عضوا فعضوا 2 لدو 
الحسد متسقا مع المساحة المتاحة . ولكن ماتبقى .. لم يعد , 
الجسد ء بل بقاياه . 
يمثلون ا مركز الشعرى ( العراق والشام ومصر ) » وواحد يمثل 
المحيط ( المغرب 2 باعتبارها واحدة من نقاطه ) 2 فهل هى 
المصادفة « الموضوعية » - مرة ثانية ‏ التى حذفت القصيدة 
المصرية ٠‏ بالذات 3 من نصوص المركز المختارة ؟ وإذا كانت 
العلاقة ‏ بالغة الهشاشة ‏ بين ١‏ الشابى » وه أبولو» قد سوغت 
إلغاء حركة شعرية بأكملهاء دون ذكر حركة أخرى هى 
«الديوان»» فا مبرر حذف القصيدة المصرية «المعاصرة»» 
بوصفها قصيدة «مركزية» ؟ 

لا يقدم : بنيس » أى تبرسر . يتحدث - فحسب - عن 
العتبات : عتبة سفلى وأخرى عليا ؛ وبينها عتبة وسطى › 
ينتقى لكل منبا شاعرهاء, ولكل شاعر قصائده. 
وللمحذوفين : الصمت واللسيان وميا - معا - دلالات 


وأسئلة مضيئة . 


رفعت سلام 6 0000 1 


)٤( 
لا بغيب الانحياز  القطرى ؛ عن متن المشروع » ليتكشف‎ 
رفض « القطربة » - المتنائر فى سياق التحليل - عن إنشائيته‎ 
. » إعلاميته‎ ١ وشعاريته . أى عن‎ 

. فالشعر العرى منقسم إلى « مركز » و« محيط » قطريا . 
والمركز الشعرى - خلال المشروع - ليس نقطة/قطرا ٠‏ بل 
عدة أقطار تتبادل إنتاج « النص الأثر» ؛ دون أن يختصر أحدها 
الآخر . أما «المحيط » - الذى يفترض درجة أعلى من 
التعددية - فيختصره المغرب بما هو تمشل ثابت على امتداد 
المشروع . بحلقاته الثلاث . دون حضور للمتون الشعرية 
الأخرى للمحيط . 


فالتن الشعرى ل ١‏ المركز ) حاضرق تعددتة 1ق 
توزعه » فى وجوهه المتفاوتة ( عدديا ) . بلا اختزال فى تموذج 
وحيد ممثل ٠‏ فيها يفرض د بنيس » المغرب نموذجا وحيدا تمثلا 
للمتون الشعرية العديدة الصادرة عن أقطار المحيط . منطقان 
متضادان ١‏ ينفى أحدها الآخر , بلا لبس : تعددية النماذج 
« المركزية » فى مقابل واحدية النمودج ر المحيطى » بفعل 
الانحياز القطرى للباحث . 


وهذا الالحياز وجهه العكسى الانحياز الضدى . 
فإسقاط الجماعتين المؤسستين للرومانسية العربية ( وثما 
مصريتان ) , والصمت البليغ عن الصوت المصرى فى ٠‏ الشعر 
الحرم العرى , ليسا مصادفتين ممبجيتين ؛ وخاصة إذا ما 05 
الحضور - ضمن المشهد الشعرى العربى - فادحا ؛ ی 
ال حالتين . فإلغاء الواقع أداة لإثبات التأملى » الذاى الذى 
لا يصمد - بقواه الذائية الصورية - فى مواجهة صلادة 
الفعل . فلا مفر - إذن - من النفى بالصمت أو التجاهل أو 
النسيان » مع استخدام قرقعة الترسانة اللفظية « العلموية » 
الصاخبة لتشتيت الانتباه عن العملية . 


والمؤكد أن الترسانة المبهرة , المستعارة: -رأسا- من 
هيدجر وهيجل إلى بارت وجولدمان وإيكو ولوتمان وجاکوبسن 
وسوسير ودريدا وباخشين وميشونيك وجريماس وكريستيفا 
وباشلار ( هل تبقى أحد ؟! ) .. لا تفلح فى طمس الواقع 
الشعرى العربي ١‏ بإسقاط أحد وجوهه الكبرى : القصيدة 


۲۷A 


المصرية منذ « الديوان » ( العقاد والمازنى وعبد الرحمن شكرى ) 
وو أبولو» (على محمود طه وإبراهيم ناجى وأبو شادى » 
إلخ ) , إلى صلاح عبد الصبور وأحمد حجازى ومحمد عفيفى 
مطر وأمل دنقل . 
جرأة الصمت ٠‏ أو اجتراء النسيان » أو هما معا ؛ هاتان 

الحالتان اللتان يُشَهُّر مما د بنيس ۲ » بين كل صفحة وأخرى › 
حين يلتقطها ‏ أو إحداهما ‏ لدى أحد الباحثين» بوصفه) حالة 
ثقافية ومعطوبة ؛ » ليقشرفها - معا - فى علاقته البحثية 
بالصوت المصرى فى جوقة الشعر العربي . 


فالصوت المصرى - لدى « بيس » - هو الصوت التقليدى 
( البارودى وشوقى ) ٠‏ الذى ينتهى مع العشرينيات » ليبقى 
له - من بعد -و شرف المحاولة »التى تقصر عن تخطى تقليدية 
القصيدة . فالظل الشعرى هو مكانه اللائق بما دون « العتبة 
السفل » من القصيدة العربية فى تحولاتها الرئيسية . وهى 
مكانة تنقله - حسب مخطط « بنيس » - من « المركز الشعرى ؛ 
الذى وجد نفسه فيه , إلى « المحيط » الهامشى الذى ينتج 
القصيدة « الصدى» » لا بفعل القيمة الموضوعية للتتناج 
الشعرى » بل بفعل الانحياز القطرى المضاد . 

فم حدود «علمية ؛ بحث نقدى يعتمد بعض التزعات 
الذاتية ضمن موجهاته المنبجية ؟ 

ذلك . . سؤال . 


الثا : بحثا عن المنبج 

ثمة احتفاء خاص بالممبجية فى مشروع و بئيس » النقدى ؛ 
يستند على حدة الوعى بأهمية « الممبج » فى تأسيس المشروع » 
واشتراطه للبناء والرؤية . 

للمشروع مقدمته المنبجية الكلية التى تطرح ٠‏ المرضرع ۲ ؛ 
وضرورات بحثه » أو بالأحرى ‏ إعادة بحثه » وحدوده 
العامة وأركانه ) ومفاهيمه الأولية > ومنطلقات النظر 2 
وتوجهاته » والأسئلة الرئيسية التى تفرض نفسها > والآفاق 
الملموسة والمفترضة للبحث . 

ولكل حلقة من حلقات المشروع- ١‏ التقليدية» 
و« الرومانسية العربية ؛ و١‏ الشعر المعاصر  »‏ مقدمته ال منبجية 


الخاصة ؛ التى تطرح الأسئلة المميزة المقصورة على موضوع 
الحلقة » والمستمدة فى أن من المقدمة الممبجية الأولى . 

« إعادة قراءة الشعر العربى الحديث تنتمى » إذن ٠‏ إلى 
إعادة بناء الموضوع المتعلق هذا الشعر » أى دراسته » وفق 
معطيات مستجدة فى حقل الدراسة النصية . والشعرية منها 
على الخصوص . 
. وتحليل البنيات الشعرية وطريقتها فى بناء الدلالية النصية وقوانين 
إبدالاتها . استنادا إلى مراجعة نقدية للأسس النظرية 
والمفاهيمية التى تستحوذ على الممارسة النصية والممارسة 
النظرية . عبر المفكر واللامفكر فيه » وعبر المقول والمسكوت 
عله ور ا والمكبوت. ۲۲/١ ( ٠.‏ ) . واستراتيجية 
الدراسة تتوزع بين لحظتين : لحظة التحليل النصى » ولحظة 
الرحيل فى مغامرة التنظير( 8/1١‏ و 9) . 

إحدى الاڈ ثر الكبرى للمشروع : إعادة الاعتبار للتنظير 
النفدى . المؤسس لقراءة 0 للقراءات السائدة . 
الانطباعية والمدرسية والصحفية . تنظر يستوعب التراث 


. إعادة القراءة هذه تستهدف . . وصف 


النقدى العربى القديم ٠‏ ويتمثل التراث النقدى الغربى الحدیث ‏ 


ف جهوده وتحولاته الراهنة 2 ف اتجاه نظرية نقلية للشعرية 
العربية و الحدائية » . 


)١( 

لكن التنظير يتحول إلى شهوة غلابة » تسيطر على المشروع ؛ 
وتنحو به إلى أن يتحول إلى مشروع « تنظيرى » » مقلصا - 
بحدة ‏ من دور ومكانة ومساحة « التحليل النصى » للمادة 
الشعرية المختارة . كأن « النص الشعرى » هنا عحض شاهد 
عابر » ينطق - فحسب _ بالشهادة المنتظرة الى تم التا 
ها » سلفا . وصوته ليس أعلى الأصوات » بل أخفتها ء لأنه - 
ربا - يأتى من الصفوف الخلفية » عابرا صخب الأصوات 
القوية المهيمنة من شتى الثقافات والعصور » من الجرجانى 
والعسكرى إلى جينيت وباشلار وميشونيك . 


توازن مفقود بين النظر والنص . كأن النص مناسبة » محرد 
مناسبة , لحشد التنظيرات واستعراضها . خلال أدق 
التفصيلات » الضرورية ‏ موضوعيا ‏ أو الزائدة » برغم 
مايستشعره القارىء من محدودية وقلة نصوص العينة المعتمدة فى 


إعادة بناء الشعر العربى الحديث 


التحليل الشعرى » وعدد الشعراء ؛ وضيق مساحة الدراسة 
على رحابة المشهد الشعرى وتعدد أبعاده . وهو بعض ما يقر به 
« بنيس » فى المقدمة المنهجية للمشروع . 


فعلل سبيل الخال : يخصص « بنيس » فى الكتاب الثالث - 
فصلا كاملا لموضوع « حرية الممارسة النصية » . وهو موضوع . 
جدير حقا بالنظر والبحث » فيا ينعلق بالقصيدة العربية 
الراهنة » إن ل يكن عنوان البحث فى هذه القصيدة » الذى 
تندرج تحته ‏ أو خلاله - عناصر وبنبات المارسة النصية . 


ولكن بحث الموضوع يتجه صوب المفاهيم النظرية . خارج 
النص الشعرى › بدلا من تقصى الموضوع واستكشافه فى ذات 
النص . ف « حرية الممارسة النصية » تنشعب إلى بعدين : بناء . 
النص » ووضعية اللغة . ويتم ترصد ١‏ بناء النص » - بوصفه 
ا - لدی « ابن رشیق » و« هیدجر» . واستنادا عل 
إحدى مقولات « ابن رشيق » حول « البيت » الشعرى 
بوصفه مسکنا للمعنی » ووصف « هیدجر » له بأنه مکان 
« حر» تطرح قضية « البحث عن بناء مسكن حر» لى 
أبعادها : البيت باعتباره سجنا رمزيا » وأسبقية القصيدة »› 
والإقامة فى الكتابة » خلال كتابات نازك الملائكة وعبد الصبور 
وأدونيس والنويهى وعز الدين إسماعيل وتينيانوف وكمال 
خيربك وإحسان عباس وابن سلام وابن طباطبا . 

وعلى النحو النظرى نفسه . يتم استقصاء وضعية اللغة 
الشعرية فى المفاهيم والمواقف المختلفة للشعراء والنقاد » خارج 
النص الشعرى » بوصفها تصورات للغة الشعرية » وليست 
اللغة ‏ ذاتها - فى واقعها النصى » كا تتحقق فعليا . 


ومن بعد » لا يتم التطرق إلى بعدى « حرية الممارسة 
النصية » ضمن التحليل النصى للعينة المختارة . ليفتقد 
التحليل الكلى للقصيذة الراهنة هذين البعدين . على خطورتهما 
الاستثنائية فى قراءة القصيدة . فهل يمكن الاستغناء عن بحث 
أبعاد « بناء النص » و« وضعية اللغة » فى النص الشعرى 
المعاصر . لدى دراسة « الشعر العربى الحديث : بنياته 
إبدالاتا ع .. ؟ 


رفعت ملام م م عع مي ا ر 


هكذا ميل الدراسة - ميلا مجحفا - إلى التنظير عل حاب 


تحليل لسن ور يل لان فحت ااب النہجى 
اليحيث , ولكنه يصيب الثائج المعرفى بالخلل : إشباعى بعص 
الموانب ‏ من بينها الفرعية الهامشية » وفقرء يصل إلى حد 
اما مض نر ت ا ی و 

وهو ميل يتعارض مع بنية عنوان الدراسة الموجهة لبحث 
الغ العرى و لا الصورات وائرافت 
والفاهيم المختلفة له وحوله , وهو ما كان برشح اليل النقيض - 
المشروع منبجيا. فى هذه الحالة ‏ صوب التحليل النصى 


للكشف عن هذا و الشعر) و١‏ بنياته وإبدالاتما ) . 
(۲( 


ثمة انضباط ملحوظ ء وتدقيق يالغ فى الإجراءات 
الہجية » بشكل عام » واستثمار خصب للأدوات البحثية 
المستعارة من البحرث الحديئة » فى الغرب ., وتتبع دءوب 
للأفكار الأساسية وما يتولد عنها من انشعابات ثانوية 

ثراء فادح فى القيم المنبجية > إلى حد الشعور بالوطأة ‏ من 
ناحية ‏ وافتقاد النص › من اخ ای تراد لطي 
أحيانا ‏ لمنح بعض الأفكار والتصورات المغلوطة ما يؤسسها » 
أو إسباغ قيمة مبالغا فيها على بعض التوجهات الذاتية 
والاختيارات الخاصة . 


ومن ذلك على سبيل امثال وضعية ٠‏ جبران خليل 


جبرال » . فالجزء الثانن من مشرو ع7 بئيس » عن ١‏ الرومانسية ْ 


العربية » موسوم بجبران , باعتباره المحور والمعيار : جسدا 
نصيا وروحا مهيمنة حاضرة . ومن أجله ‏ وحده - يضاف 
فصل كامل منفرد » تخصص لناقشة «قصيدة النثر » ؛ 
ما يستتبعها من مناقشة مفاهيم الشعر والنثر فى الشعرية الحديثة 
والشعرية العربية القديمة » وما يعتبره المؤلف جذورا حديثة 
لقصيدة النثر العربية » وسلطة و أحمد شوقى »فى تثبيت الحدود 
بين الشعر والدثر انطلاقا من مركزية الشعرء وصولا إلى 
« الاختراق الجبران 2-١‏ 


فالفصل موجه منذ السطر الأول صوب إثيات 
1 الاختراق ا خبران ۽ للحدود الفاصلة بين الشعر والنثر 2 ف 
YA.‏ 


الممارسة النصية › بوصفه أحد رائدين لقصيدة النثر العربية › 
منذ بداية القرن العشرين ( الثانى هو أمين الريحانى ) ٠‏ 


وإذا ماتذكرنا أن « قصيدة ل تا كا 
للبحث ‏ محذوفة من موقعها الحتمى ف الجزء الثالث » الخاص 
ب الشعر المعاصر » , لأدركنا مدى الانخراف عن السياق 
الموضوعى للمشروعء وبخاصة مع الإقرار بأن « وضعية 
قصيدة النثر م تطرح بحدة إلا مع الظهور الثانى للشعر الحرى 
الخمسينيات ؛ وخاصة مع بحلة شعر ‏ حيث أصبحت 
الاختلافات حوها بينة »(91/5). 


فهو فصل زائد عن الحاجة الموضوعية لبحث القصيدة 
الرومانسية ٠‏ با « قصيدة التر نصا إبداعيا وقضية نقدية - 
مرهونة تاريخيا . بأواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات 
العربية بمايشير إل أن استخدام ( بئيس ») للمصطلح 
ومهدمه فى سياق : الرومانسية : يسدر ه السياق الشاريخى - 


المعرى الذى ظهر فيه هذا الصطلح » » عريا . 


إقحام للمصطلح فى غير سياقه بحثا عن ريادة ١‏ جبرانية ‏ 
م تتحقق تاريخيا . وم پزعمها ١‏ جبرال وهر إقحام 


يؤسسه بنيس » على عملية خلط بين مصطلحى ؛ الشعر 


) سه . 


۹ ن 1 04 , ٠. ١‏ 
اشر ) و« قصيدة النثر ٠»‏ تزدى إلى الترحيد بان 


٠ :‏ ع nl‏ انع ذه 
مفهرميها 8 بالاستقلال عن جميع السيافات ٠‏ حيث 1١‏ قصيدة 
النثر الى كانت معروفه ب ٠‏ الشعر المثرر » ( ٠ ) 5١/9‏ 


ذلك يعنى أن ؛ شوقى سيد التقليدية الشعرية ‏ قد كتب 
( قصيدة النثر »ء أوائل هذا القرن ۽ خلال كتابه المعروف 
و أسواق الذهب ,. انطلاقا مما يقرره « بئيس )من أن 
«شوقى » مارس الشعر المنثور بمجرد ما تخلص من علاقته 
القديمة بالسلطة » ( 85/57 ) . 


وما أكثر النتائج الغريبة _ ,أفدحها ‏ التى يمكن أن تتمخض 


وكذا , تُستنفر الترسانة النظرية الغائلة » بكافة أسلحتها 
الحديثة والقديمة » فى معركة مصطنعة » وفى غير مكايا 
وزمنها . معركة يفترضها ذهن الباحث ء لا التاريخ الفعلى › 
ويخلق لها أطرافها المتحاربين والقضية والساحة والمصير , 


ااا إعادة بناء الشعر العربى الحديث 


المعرفة العلمية بالشعر العربى الحديث . 


)۲( 
با اللي نة الاما إل مركا ب اروا 
أبعاد أخرى يمكنه إضاءتها لنا ؟ وهل للأرقام المقارنة من 
دلالات ما ؟ 
من خلال « فهرست الأعلام ) الملحق بالحزء الرابع من 
اشرو ۶« مساءلة الحداثة » يمك: استخلاص أرقام الحدول 
و ا ی 


التالى » الخاصة بصفحات ورود أسماء الأعلام على طول أجزاء 





عدد التكرارات أنتسيماء التسسغراء 


م ا 


أكثر من 2020180 ادونیس ( ٠١١‏ ) 

o14 

1 

مما . 

۱1° ت 

1 أحد شوقی )٠١١(‏ 

کی د السیاب ( ۹۸ ) 

) ۸۳ ( جبراد‎ 0 A 

) 74 ( البارودى‎ ٠ ) ۷۷ ( الشابى‎ A VY 

) ٠۰ ( محمود درویش‎ Via 

) ٩۱ ( اخحواهری‎ ia 0° 

مم مطران ( 48 ) . يوسف الخال ( )4١‏ . الملائكة 
49 ) 

اك - 

- Pea Ye. 

٠ )١4( صلاح عبد الصبور‎ ٠ ) 18( أبوشادى‎ a 1° 
)٠١( الباق‎ 

i 7‏ حافظ ابراهيم (1) , شوقى أبوشقرا .(5) . 
عل حمود طه (5) 

| -ه بلند الحيدرى (4) ؛ خليل حاوى )٤(‏ + سعدی 


يوسف (م) , أنسى الحاج (5) ١‏ نزارقبای (۲) ۽ 
الماغرط (؟) . أحمد عبد المعطى حجازى (؟) ٠١‏ 
محمود حسن اسماعيخ )١(‏ . على الجندى ٠ )١(‏ 
توفيق زياد )١(‏ ء سميح القاسم )١(‏ : 





المشروع ٠‏ وهو ما يعنى - ى الحد الأدنى ‏ عدد مرات تكرار 
الاسم بالأجزاء الأربعة 4 مرئية ترتیبا ارلا 3 حسبا فنات 


عشرية > طول الفئة ٠١‏ تكرارات : 


يكشف الحدول العديد من الملاحظات المضيئة » بمساحة 
احضور المتاحة للشعراء العرب الحديثئين .1 على صنحات 
المشروع ١‏ 


| يحل « أدونيس » ذروة الحضور وحده بأعلى رقم 
تکراری » لا يقترب منه شاعر أخر . بل إن ثمة فجوة رقمية 
کبری تفصل بینه وبين أول شاعر تال له ( أحمد شوقی ) تصل 
إلى ( 04 ) تكرارا . وحضوره موزع على ثلاثة أجزاء من 
الأربعة (يغيب عن « الرومانسية » ) » ويتكثف فى ١‏ الشعر 


. 1 “f 
. » مساءلة احداتة‎ E المعاصر‎ 


رقمى . محايد ؛ أو يقترب من الحياد الوصفى ( شأن حضور 


وهو ليس خض حضور 
« السياب Ct‏ مثلا ) بل حضور ١‏ الل ) المحتفى به ِ معه" 
تتخل اللغة النقدية عن نقديتها » لتتبنى شوارده بوصفها معيارا 
وحكم قيمة على الآخرين . نصيا : هو الحد الأقصى للكتابة 
الشعرية العربية الراهنة وة نظریا۔ ذروة الوعی الي 


لا يطاوها أحد . أو نقد . 


ومعة . يتقلص - ف البحث ‏ حضور ١‏ يوسف الخال » إلى 
ما يساوى ‏ رقميا - ربع قامة أدونيس (41) . أما ؛ شوقى أبو 
شقرا»)(5) و١‏ أنسى احج ٠‏ (5) . فلهم) ثى البحث - 
حضور يشبه الغيات ¢ أو برادفه 5 فهل حضو رهما التاريخى ٠‏ 
فى جسد الشعر العربى « المعاصر» . حضو ر/رغياب ؟ وفيم 


| .م ١: ٠.‏ . 
رجب سسب أهوة ب احق رب ؟ 
ل ر .د- رک 


ب - معنى مغاير الحضور يأخذه و أحمد شوفئى ى 
البحث . هو من نأحية - حضور التاريخى 3 ا موضوعى ٠‏ من 
خلال لغة وصفية » تقريرية . و من ناحية أخرى - حضور 
ذروة ١‏ التقليدية » ورمزها الأكبر . من خلال لغة تقييمية › 
معيارية . أى سلبية . مرتبطة بموقف ذاق مسبق من قصيدة 
« شوقی » . ھی « الذاتية » الى تفضى إلى العجز عن تفسير 
أبوته لحركة « أبولو» الرومانسية ‏ أى المضادة لتوجهه الشعرى 
الأساسى فى أخريات حياته » واكتشاف الدلالات المختلفة 
لتنصيبه J‏ أمير الشعراء ۲ من قبل شعراء عصره ١‏ ومكامن 


1١ 


رفعت سلام تي و ا و ر 


التحول الشعرى لديه ى أعماله « المسرحية » وقصائده 


الأخيرة . 


معنى مغاير للحضور يأخذه « شوقى » كأنه راث شخص غير 
مرغوب فيه » يتقبله الباحث بأنفة » على مضض » لبظل - 
على امتداد اللحث « العلمى -١‏ موصعم انتقاص وتقريع . 

لذا » فبرغم أنه يحتل المركز الشاى فى الحضور ‏ على بعد 
مسافات حرام من ذروة ( أدوئيس »إلا أن الأرقام -فى ذاتها- 
لست داله 2( عل نحو كاف 3 فحضوره موسوم بالسلبية ٠‏ 
كأنه الحضور الخطأ . 

فهل يتكافا هذا 0 الحضور الخاص ) - بطبيعتة تلك مع 

ج ‏ يفضى و الانحياز الرطنى 5 إلى العديد من المغارقات : 
فحضور « محمد بن ابراهيم » ( الشاعر «التقليدى» 
المغربى » ) يمثل قرابة تسعة أضعاف مساحة حضور ١‏ حافظ 
إبراهيم ». والفرق بين حضوريهم فى واقع المرحلة التقليدية فى 
الشعر العربى لا يحتاج إلى إشارة . وفى نسبته إلى الحضور العام 
للشعراء . يتجاوز ( محمد بن إبراهيم , (7ه) خليل مطران 
وبوسف الخال ونازك الملائكة ٠‏ بل والجراهرى نع بشية 


٤ 
. الشعراء‎ 


يفضى و الانحياز» نفسه إلى أن يشكل حضور و« تمه 
الخمار الكنونى » ٠‏ الشاعر المغرى المعاصر » )٤١(‏ » سبقا 
على يوسف الخال والبياق والخيدرى وأبو شقرا وسعسدى 
يوسفاء إلخ . وهر حضور بمثل ثلاثة أضعاف رقم حضور 
١‏ صلاح عبد الصبور » » وواحدا وعشرين ضعفا لرقم حضور 
أحمد عبد المعطى حجازى . 

هكذا يمنح و الانحياز الوطنى » مساحة فى البحث لشعراء 
المغرب لا يمتلكونها فى تاريخ الشعر العربى الحديث . 
امش ع بقلم مغر > ومن مدينة مغربية » لا يعطى الحق فى 
( مغربة ) التاريخ الشعرى . 


وصدور 


دق المقابل . يتأكد بوضوح التحيز المضاد للشعراء 
. فخارج المدرسة « التقليدية » ينحسر الحضور 

إلى خمسة شعراء ( لاذكر محمد عفيفى مطر وأمل 

ولو لمرة واحدة , على سبيل المثال ) . وهو حضور 


VA 


مُلغى » رقميا ومعنويا > بالتهافت الرقمى ووطأة السياق 
وسلبيته , فى آن . فإذا كان سقف تكرارات الحضور يصل إلى 
(1) - الذى بنفرد به « أدونيس »- فأى معنى خضور 
و صلاح عبد الصبور » (14) مرة ( أى ما يساوى غشر حضور 
١‏ أدونيس )) ) وأى دلالة الحضور و أحمد حجازى » مرتين 


E ١ 3‏ 3 8 0 
(أى مايساوى حب من حضور : أدونيس » الشاهق ) ؟ 


ولا ضرورة لتكرار السؤال حول J‏ حمدد حسن 
إسماعيل ٠ ١‏ صاحب التجربة الفريدة ¢ J‏ المسكوت عنبا 0 
عمدا من قبل « بيس » و« أدونيس » ؛ على السواء . 
أسئلة وأسئلة لا تنتهى ٠‏ ولاتعرف فضيلة الصمت 
5 
رابعا : بحثا عن الحداثة 


ع ٤‏ :9 - 7 .۰ 1 5 5 
أرجأ و بيس » العديد . الأسكلة الشائكة المثارة فى الأجزاء 
الشلانه الأو 00 الم و ۶ إا الجاء إل أبع (١‏ مساءلة 

ری کک ا و لحأ أ 
الحدائة ١»‏ لتتراكم توقعات القارىء وانتظاراته > ترقا هذا 


اء . الصياغة اللضبطة نفهوم الحدائة وء وقوانينبا 


الخاصة فى الشعر العرى الحديث . وأبرز تجلياتها الكثفة : 
بعض ذلك المرجأ المنتظر : 
كيف قدم ( بئيس » مساءلته للحداثة ؟ . 


)1( 


فصل أول - من بين أربعة فصول الكتاب ‏ يطرح ٠‏ المسألة 
الأجناسية » فى تصنيفات الشعر العرى ٠‏ دف ر عاو لة قراءة 
الشعر العربى الحديث ‏ من خلال تصنيفية نتقدم أكثر . . فى 
الإحاطة الأولية با خصائص النصية التى سبق للآخرين البحث 
فيها » منذ العشرينيات إلى الآن » ( 3/4 ) . (فى السابق , 
كان ثمة تمجيد صاخب لاختراق الحدود والتصنيفات . وقيل - 


كتب » بالأحرى ‏ أن « جبران » قد فعله ) . 


يبدأ بحث التصنيفات ‏ بوصفها بحثاً فى المفاهيم ‏ من 
وأرسطور» الذى ساهم عنصران بارزان فى شعريته ٠‏ إلى 
جانب الدراسات القرانية » فى « كبت الشعرية العربية ٠‏ . 
وهما انتصار كناب ٠‏ الشعرية » لارسطو عل الشعرين الملحمى 
والدرامى > وربطه بين الشعر والمحاكاة . وثمة انتقال إلى 





وصف «١‏ سامى بدراوى » لقصيدة البارودى بالرومانسية ١‏ 

فاستعراض لموقف الدكتور عبد القادر القط من 

« الوجدانية » . فرصد لبعض القائلين بغنائية الشعر العربى ١‏ 

وانتقال إلى التصليف القائم على فكرة ( تعدد الأجناس 

الشعرية » » وبعض الأفكار حول تصنيف النقاد العرب 

القدامى للشعر » ثم عودة إلى غنائية الشعر العرى الحديث » 
من خلال أدونيس وباختين وتودوروف . . إلخ . تأملات فى 
الحد الأقصى من العمومية » دونا ارتباط بالشعر العربى 
الحديث ‏ أو بالحداثة » من قدامة إلى ميشونيك إلى مندور إلى 
جينيت إلى حازم إلى باختين إلى القط إلى تودوروف إلى ابن 
سلام . تصنيف الشعر العربى الحديث ليس | موضوع التأمل 2 
بل مبدأ التصنيف , فى ذاتهء بما هو قضية نظرية تقبل 
الاستشهاد بالشعر العرى الحديث كم القديم . ى) الشعر 
الصينى . 

لا حداثة . ولا مساءلة . 


فهو إذن ‏ موضوع ١‏ تمهيدى » » يليق بالمقدمات الأول 
لنظرية » العامة » للنظرفى الشعر العرى ؛ أوأى شعر » دون 
أن يكون مقدمة « حتمية » هذا النظر . ذلك يعنى أن ضرورة 
طرح « المسألة الأجناسية ٠‏ فى سياق المشروع ‏ ليست ضرورة 
د ؛ وبخاصة على هذا النحو التعميمى الذى تمت به 
لمعالجة . ولعل موضوعا من قبيل «قصيدة النثر » كان أولى 
بالبحث . سواء فى الكتاب الخاض ب ١‏ الشغعر العربي 
لمعاصر » . أو فى هذا الجزء الرابع ٠‏ وهو الموضوع الذى تم 
إجهاضه فى غير سياقه . حين ا ب أجل 





إثبات ريادة جبرانية ما . فى إطار ٠‏ الرومانسية العربية » . 
05 


تبدلات بنية الشعر العربى الحديث تحتل الفصل الثان , 
استنادا على « أن الاستمرار التاريخى للبنية يتعرض على الدوام 
للانفصالات » ومن تم يحدث الانتقال من بنية لأخرى داخل 
الحداثة الشعرية العربية نفسها » ( 85/4 ) . 

ويتحقق الدخول فى الموضوع بتقصى ٠‏ فرضيات الانتقال » 
فى النقد الشعرى العربى الحديث ٠»‏ التى تتبلورنى مصطلحات 
التطور » و« التغير) و«التحاءز » لدى العديد من 


إعادة بناء الشعر العربى الحديث 


الخطابات النقدية والتنظيرات التى تناولت انتقال الشعر العربى 
الحديث من بنية إلى أخرى 

وتلقمنا كدي فو رالاس الاسم شيعي 
لفرضيات الانتقال» ؛ فيتم الرجوع إلى رؤية «العرب 
القدماء » » ثم فكر الحداثة الغرى فى القرن التاسع عشرء 
وصولا إلى موقف البنيوية . 


yS 
ظاهرتين أساسيتين . بدونها لا يتحقق أى انتقال من بنية إلى‎ 
. » أخرى . وهاتان الظاهرتان هما :ر الأزمة والثورة‎ 
(5/:4؟5) . ومعالحة الظاهرتين تتحقق من خلال تصورات‎ 
ومفاهيم النقاد والشعراء عنبم| : شوفى والعقاد والشابى‎ 
والملائكة وأدونيس والسياب وأبو شادى . . إلخ . أما فرضية‎ 
إلى صياغة‎ ٠ » لسان المرب‎ ١ الإبدال » فيدأ تقصيها من‎ 
خسة ملامح لفهوم الإبدال . بالامتعانة ب« فوكرء‎ 


و« جیانی فاتینو ا . 


فالفصل ‏ إذن ‏ مكرس للمفاهيم النقدية المختلفة 
للتحولات الشعرية العربية الحديثة » دون التحولات الشعرية 
ذاتها » إلا بوصفها غائبا حاضرا . فبنية النص الشعرى العربى 
الحديث غائبة » مستبدل ما بنية النقد الشعرى » ليأخذ 
الفصل طبيعة « نقد النقد» . شأن الفصل السابق » بلا 


مرجعية نصية . 


وإذا كانت الأجزاء الثلاثة الأولى من المشروع قد غلبها - 
على نحو فادح ٠‏ كما سبقت الإشارة والتدليل ‏ الطابع 
التنظيرى ؛ فهو ما يعنى أنما لم تستنفد الأسئلة المثارة حول بنية 
النص الشعرى ذاته . أبعادها المختلفة » وقوانينها الداخلية » 
وتحولاتها الكبرى ضمن البنية الكلية ل « الشعر العبربى 
إالحديث » . 


ف) أكثر الأسئلة المثارة حول « إبدالات » بنيات « الشعر 
العربى الحديث » ( وما أعمقها ) 2 التى تم قمعها بتحويل 


التوجه البحثى إلى النقدى . لا الشعرى ؛ إلى النظرى ؛ 
لا النصى . 


ا و ص ححص 


(۳) 

ويمند احتلال « خارج النص » ليشغل ‏ أيضا ‏ الفصل 
الغالك ,2 تحت عنوان « الخارج النصى وشرائط الإنتتاج بين 
المركز الثقافى ومحيطه » » بلا مفارقة بين العدوان والمتن . 
وضرورة بحث الموضوع تقليدية » « فإن إنتاح النص واشتغاله 
مشروطان بنسق ثقانى » هو علافة النص بالنصوص الأخرى الى 
تكتبه 2 بما هو نموذج ثقاق ؛ ويتواجد هذا النسق الثقاقى ضمن 

شرائط التواصل فى محتمع أو حضارة معيئة ٠ ) 80/4 ( ٠»‏ 


و١‏ خارج النصى ( منقسم ١‏ الخغرافية الثقافية») 
لصاحب المشروع إلى مركز ومحيط . يستحوذ « المزكز الثقاق » 
على حرية التعبير , والصحافة والنشر والتوزيع ٠»‏ والقدرة على 
طرح السؤال المحورى وتقديم الحراب عنه , وللمركز الثقاق 
سلطة المؤسسة التى تطرح « النموذج » المهيمن ؛ بما فيه 
الشعرى . ويرد « الشابى ) و« السياب ۲ بوصقه| نموذجين 
لعلاقة الشاعر بالمركز ؛ وللشروط الخارجية للإنتاج النصى ف 
المحيط الشعرى . 

ومن بعد ى يأق « المغرب »)- كعادة توجه المشروع - ليمثل 
نموذج المحيط الشعرى العربى ٠‏ مع قراءة وضعية وتحولات 
هو سستيه» الشعرية والسياسية . 

فصل 06 J‏ خارج النص ¢ وعناصره الثقافية ¢ دود 
اجتلاء لتحققات هذا ١‏ الخارج )فى جسد النص الشعرى . 
بنيويا . فاستقلال ا موضوع - فى كيفية معالحته المطروحة - عن 
القصيدة العربية ¢ بصورة قاطعة ¢ حول صرورة هذا الفصل 
البحثية إلى يحرد ضرورة أكاديمية . بالمعنى الضيق ؛ أى 
شكلية . فهو فى هذا النحو- يصلح أن يكون مقدمة تمهيدية 
لبحث أى موضوع ثقاق 6 بالمعق العام 6 أو أى موضوع 
اد /إبداعى . 


5 « خارج النص » يبدو منقطع الصلة عن النص ؛ فتتتفى 
الضرورة الموضوعية لبحثه فى سياق بحث الشعر العربى 
المعاصر : ولعل الصلة الوحيدة الظاهرة بيني -فى العالجة - 
لا تتعدى الصلة « الزمنية » , التى تعنى الإطار « الزمنى » 
المشترك لكل من « خارج النص » وه النص » ٠‏ بوصفها نوعا 
من علاقة التجاور المکانی الزمانی » التى لا تتخطى - فى 


YAt 


حدودها القصوى -تَاسًا ما إلى التفاعل المتبادل المؤثر فى تكوين 
١‏ النص » وتوجيهه إلى أفاق معيئة . 

و« الحداثة » - بدورها ‏ ليست موضع « مساءلة » فى هذا 
برغم أنها عنوان الكتاب . ولا يتبقى غير الفصل الرابع 


والأخير . 


(٤( 


نعم » هو حتنا ‏ فصل الحداثة » الوحيد بالجزء الرابع ١‏ 
أى أنه الفصل الوحيد ‏ من بين أربعة فصول الكتاب ‏ الذى 
يهم عنوان الكتاب . ابتداء من عنوانه » إلى خطته 
وأسكلته المحورية . 

فكيف يمكن بحث ر مال الحداثة » بأبواما المفتوحة , 
العصية على الانغلاق السهل . فى بضع صفحات . فى ناية 
الشروعخ € ولنتامل عناوين المحاور بالفصل ٍ مساءلة الحداثة « 
الذات والآخرء السياسى والشعرى » وضعية الحداثة . بين 
الحدائة وما بعد الحداثة . وكل عنران ‏ أو محور ‏ مؤهل , 
بحكم ما يتولد عنه من عناصر وعلاقات » لتغطية مساحة 
مشروع بأكمله . فأسئلة كل محور ‏ سواء المطروحة قصدا 
ومباشرة » أو المتولدة ضمنيا من تأويلات السياق وإجاباته - 
تستحق - عن حق ٠‏ أن تتحرر من قيود الإدغام والكبت 
السياقى 3 لتمتلك فضاءها المنسع المستقل ¢ با ھی جوهر 
الموضوع وعنصر أرق القصيدة العربية الراهنة . 

يرصد « بنيس » من بين ما يرصد ‏ حداثتين متباينتين : 
حداثة التقليدية ‏ وحداثة الرومانسية العربية والشعر المعاصر . 
يصف الأولى بالعطب » انطلاقا من موقفها من الزمن » حيث 
خضعت لتجميد الزمن فى مفهوم موحد » به یتشبه کل من يريد 
التقدم . ولذلك . فهى تلغى التاريخ الشعرى وتعدده » كا 
تلغى الحاضر واختلافه . وللحداثة الأخرى الانعزال , بجا هى 
انطلاق من المستقبل ‏ لا من الماضى 00 تحديد انهاه التقدم 2 
فأفضى مها إلى تقويض مسلمات التقليدية » وامتداداتها فى 
العقيدة والاختيار والمعرفة واخياة 3 لتلقى مصيرها فى المطاردة 





إعادة بناء الشعر العربى الحديث 


يرصد ملازمة مسار التقليد لصيرورة الشعر العربى 
الحديث » بلا توقف , دون أن يتوقف ‏ هو نفسه ‏ أمام ظاهرة 
١‏ المعايشة » هذه التى لم تجد تفسيرها اللائق » فى أية دراسة 
سابقة . ما الذى يفرض على « بنية التقليد » أن تعيد إنتاج ذاتها 
باستمرار ؟ هل نلجأ إلى السياسى لتفسير الشعرى » فنعتمد 
المرجع فى انحسار و حركات التحرر العربى ؛ ؟ أم يمكن 
الاحتماء بفكرة لا تخفى جذورها العنصرية , من قبيل « مقاومة 
اللغة العربية وثقافتها القديمة لكل تجديد» ( ٠١١/٤‏ )؟ 
( راجع خصائص الثقافة العربية التى سكها ١‏ أدونيس » 
بوصفها خصائص مطلقة . فى مقدمة الجزء الأول من « الثابت 
والتحول » » وبالذات في يتعلق بخصيصة ١‏ رفض 


التجديد » . وقارن ) . 


نعم : ٠‏ لابد لنا أن نسأل ما هو أبعد وأشمل 6 بمعنى هل 
نت تأربلات نس مفاهيم الحدالة من طرف حدالة 
الوا الف واه الفا ك ا اة 
وهل كان بحث التقليديين عن التقدم ٠‏ بما هو مفهوم حوری ۰ 
ف الشعر العربى القديم ختلف عن بحث الرومانسيين 


العرب والشعراء المعاصرين عنه فى النموذج الأوربى فكريا 
وشعريا . ومن ثم عنه فى العربى القديم ؟ ) . 

أسئلة تأسيسية » شائكة › تليق ب « مساءلة الحداثة » , 
لكنبا مهدرة ¢ تنتظر « القادم غ0 ¢ إذ تنفى من امن إن اهامش 
الأخير , فيضيق يبا , بلا جواب أو محاولة . بعد أن احتل المتن 
ما كان لا يستحق أكثر من الشامش . 
آخيرا . 

لن نستعيد المقدمة للتأكيد ‏ من جديد ‏ على القيمة 
الاستثنائية للمشروع ( لا حاجة بنا ‏ ولا به إلى ذلك) . 
ولكننا نشير إلى أن طبيعة المشروع تستبعد أية صيغة استهلاكية 
للاحتفاء به . وتقترح صيغة وحيدة » ربماء تتكافاً مع 
القيم » دون تورط فيه| يستشرى فى حياتنا الثقافية والسياسية 
العمياء . 

إا الصيغة الوحيدة الى تليق بالشروع . : وصاحبه 2 
ينا : 


ك 





TRREOETLTTROROOEEETLTTEOETEEETEOEEOOEETOOOLTE‏ الل 


عمر الشعر الجاهلى 


انالا مطامط علطا 


عمر الشعر الجاهدى 


عود على بدء 





عادل سليمان جمال* 


و رسجو AE ELEN BERE‏ صوصو ور وير نا وجوج جعت و لاطا REE‏ 
ممالا ااا 


بداية الشعر الجاهلى أمر مشكل» خاض فيه العلماء 
0 1 
قديما وادلى فيه الخدثون دلاءهم ؛ فما عبره الأول ولا وصلت 
إليه أرشية الأخرين. وقلما يغفل كتاب عن تاريخ الأدب 
بسواء. وكلام الدارسين المرب معروف متداول؛ أما آراء 
المستشرقين فى هذا المجال فيمثلها 3010501500: يقول: 


«الأدب [يعنى به الشعر] الذى بين أيدينا الآن - 
وكان فى ذلك الوقت أدبا شفهيا حفظ عن 
طريق الرواية» ولم يدون إلا بعد ذلك بأمد طويل 
- لا يمثل إلا قرنا واحدا من العصر الجاهلى» 
حوالى سنة ٠٠١‏ إلى سنة ٦۲١‏ وهى السنة 
التى هاجر فيها محمد (&) إلى المدينة, 


تاذ الأدب العربى بجامعة أريزونا. 


والقصائد التى وصلت إلينا تعود إلى هذه 
الفعرةع 37 , 


ولا يمكن بأية حال من الأحوال أن تكون 
قصائد القرن السادس هذه هى بدايات الشعر العربى» وإنما 
هى ‏ كما لاحظ 11هلا.[ ‏ نتاج ممارسة طويلة عبر زمن غير 
قصير لهذا الفن» فنظام الأوزان المعقد والمرن فى أنء والشكل 
الذى لا يكاد يختل من طلل ونسيب ورحلة... إلخ؛ واللغة 
التى تكاد أن تكون واحدة فى مفرداتها وتراكيبها ونحوها 
ومجازهاء كل ذلك يشيرء دون شلكء إلى زمن متطاول 
استلزمه هذا الإحكام لعناصر القصيدة("). 


ولمل ابن سلام (-۲۳۱) هو أقدم من أشار إلى أمر 
الشعر إلا الأبييات يقولها الرجل فى حاجته؛ وإنما قصدت 
القصائد وطول الشعر على عهد عبد المطلب»؛ وهاشم بن 


و 00 


عبد مناف)(۳) . أى أن القصائد بدت فى الظهور فى ارول 
ا من الشعراء على راسهم المهلهل» يقول: «وکان 
تفلي فى قعل أيه كليب وال . .. كان امرؤٌ اليس بن 
حجر بعد مهلهل؛ ومهلهل خاله» وطرفة وعبيد وعمرو بن 
قميئة ة والمتلمس فى عصر واحد) 4). 

الجاحظ(-١٠۲)؛‏ زف ريب ق قد 1 
ما ا ابن 8 50 57 فحدد لتاريخ ا 
العربى میلاداء يقول: 


«وأما الشعر فحديث الميلادء صغير السن... ويدل 
على حداثة الشعر قول امرئ القيس بن حجر: 
١‏ إن بنى عوف ابتنوا حسبا 
ضيعه الدخللون إذ غدروا 
أدوا إلى جارهم خفارته 
ولم يضع بالمغيب من نصروا 
لا حميرى وفى ولا عدس 
ولا است عير يحكها الثفر 
© لكن عوير وفى بذمته 
لا قصر عابه ولا عور 
فانظر کم کان عمر زرارة! وكم كان بين موت 
زرارة ومولد النبى عليه الصلاة والسلام؟ فإذا 
استظهرنا الشعر ‏ وجدنا له إلى أن جاء الله 
بالإسلام - حمسين ومائة عام» وإذا استظهرنا 
بغاية الاستظهار فمائتى عا( . 


والشعر الذى_استشهد به الجاحظ تقوية لحجته نظمه 
ارۇ الفبس بعد مقتل أبيه على يد بنى أسد *") 
الجاحظ بيتا من هذه المقطوعة لابد من إيراده حتى تتضح 
الصورة» وحقه أن يكون بعد البيت الثانى » وهو: 
لم يفعلوا فعل آل حنظلة 


إنهم جير بئس ما اثتّمروا 


. وقد ترك 


۹. 


أما بنو حنظلة فأسلموا شرحبيل ‏ عم امرئ القيس - 
يوم الكلاب» فقتله أبو حنش التغلبى (البيت الشالث) ؛ 
وكذلك كان شأن حميرى وعدسء لم يجد عندهما غناء 
(البيت الرابع) . أما عوير بن شجنة (البيت الخامس) فقد أوى 
إليه هندا أخخت امرئ القيس وقطينهاء وخخرج بهم فى ليلة 
طخياء حتى أطلعهم تجران وقال لهند: «إنى لست أغنى 
عنك شيا وراء هذا الموضع» وهؤلاء قومك› وقد ربټ 
ND aoe‏ 
خفارتى) ۰ 


ويبدو أن الجاحظ قد توصل إلى هذه 0 
الا نويد عن العم الجافان كنا بل عات 
زرارة بن عدس ‏ وهو من سادة تميم وأشرافها د 
حكم عمرو بن هندء ملك الحيرة (585 -015) قبل يوم 
أوارة الغائى”؟' . وكما هو معروف فإن رسول الله (4) ولد 
سنة ٥۷۰‏ بعد موت عمرو بن هند بعام أو نحوه» ومن ثم 
فموت زرارة كان قبل مولد رسول الله (عَلّه) . وهذا يستتبع 
أن يكون قبل مبعث رسول الله () بخمسة وأربعين عاما 
حين كان فى الأربعين من عمره. وكان زرارة رئيس تميم 
أرنعين عا عاما 2 تزيد» وراس ا عدس ٠‏ قبل تميما ا أربعين عاما 
وخمسة وعشرين عاما إلى مائة وثلائين عاما. وإذا أضفنا إلى 
القيس وعاش فيه شعراء مثل ابن خذام» خصل لدينا بغاية 
الاستظهار الاعوام المئتين التى جعلها الجاحظ عمر الشعر 
الجاهلى . 

وبون بعيد بین ما ادعاه الجاحظ وما قال به ابن سلام. 
فبنا يقرر ابن سلام أن مهلهلا قصد القصيد» رى الجاحظ 
أن بداية الشعر العربى تسبق ذلك بعقود قليلة. ولا يعقل أن 
يبدأ الشعر العربى من فراغ ليصل إلى ما وصل إليه على يد 
مهلهل رامرئ القيس خلال نصف قرن من الزمان. ولكن 

من الملاحظ أن الجاحظ ربما كان قد عدل عن ذلك الرأى 
ی حر كته وات أ أن يحدد حديدا قاطعا 0000 
ا وني 1 e‏ ی 


ا سي 


0 وأول الإسلام؛ وعلى هذا الافتراض تكون بداية 

لشعر الجاهلى ما بين منتصف القرن الرابع وأول الخامس 
00 وهذا الافتراض أقرب للصحة؛ وإن لم يكن صحيحا 
تماماء لأنه يتفق وتاريخ الأمة العربية فى جاهليتهاء كما 
سأبين فيما بعد. والجاحظ نفسه يقول: 


«فكل أمة تعتمد فى استبقاء مآثرها وتخصين 
منافسها على ضرب من الضروب وشكل من 
الأشكال وكانت العرب فى جاهليتها تختال فى 
تخليدها بأن تعتمد فى ذلك على الشعر الموزون 
والكلام المقفى» وكان ذلك هو ديوانها... 
وذهبت المجم على أن تقيد مآئرها بالبنيان... 
والكتب بذلك أولى من بنيان الحجارة وحيطان 
المدرء لأن من شأن الملوك أن يطمسوا على أثار 
من قبلهم» وأن يميتوا ذكر أعدائهم» فقد هدموا 
بذلك السبب أكثر المدن وأكثر الحصون»”!' . 
وقد ذکر ابن سلام - قبل الجاحظ _ أن «الشعر فى 
الجاهلية عند المرب ديران علمهم ومنتهى حكمهم؛ به 
يأحذون وإليه بصیرون» '“. وبقول 11 فى هذا الشأنء 
وقد أصاب: 


«ليس هناك غير الشعر الجاهلى ينطبق عليه 

تَعْرييق ماثيو أرنولد للشعر بأنه نقد الحياة. فليس 

هناك أمة جحت لمجاحا تاما فى إعطاء صورة عن 

نفسها: خيرها وشرهاء قوتها وضعفها غير الأمة 

العربية» ومن ثم فالشعر الجاهلى هو بلا مراء 

تاريخ هذه الأمة فى ذلك العصرع”"1' , 

وإذا كان ذلك كذلك» فلا جرم أن تعتد كل قبيلة 

بشعرائها؛ فهم الخلدون لأثرهاء المشيدون بكرمها وفضائلها 
النافحون ضد عداتها. ونص ابن رشيق التالى بصور أو 
تصوير هذه العلاقة الوطيدة بين دور الشاعر من حيث هر 
فنان» ودوره بوصفه مؤرخا: 


دكانت القبيلة إذا نبغ فيها شاعر أنت القبائل 
فهنأتهاء وصنعت الات واجتمع النساء 


عمر الشعر الجاهلى 


يلعين بامزاهر» كسما يصنعون فى الأعسراس. 
ويتباشر الرجال والولدانء لأنه حماية لأعراضهم ؛ 
وذب عن أحسابهم» » وتخليد لأثرهم» وإشادة 
بذکرهم . وكانوا لا يهنكون إلا بغلام یولد› أ 
شاعر ينبغ فيهم» 0 حر 


شعرائها انپا د محض ا 0 مفاخرها 0 
ومحتدهاء ومعلقة عمرو بن كلثوم النونية خير مثال لذلك» 


فد كانت: 


«بنو تغلب تعظمها جدا ويرويها صغارهم 
وکبارهم؛ حتى هجوا بذلك» قال بعض شعراء 
بکر بن وائل: 
ألهى بنى تغلب عن كل مكرمة 
قصيدة قالها عمرو بن كلثوم 
يروونها آبدا مذ كان أولهم 
تلزال تشن كن مسرم ٠ء‏ 
لشعر الحاهلى»› ادن لم يكن مجر د فن يعبر الشاعر 

من o‏ ل فى صدره من الأحاسيس » ولکنه کان 
أيضا سجلا لتاريخ القبيلة فى تعدد نواحيه على .مدى اا زمان؛ 
ومبعث تواصل لوجودها على مر الأيام رفى كل ان . فإذا 
صح ذلك وهو صحيح فيما نتصور- جاز لنا أن نقول ! 
الشعر العربى لا تعود بداياته - TT‏ 
الثانى من كتابه - إلى أواسط القرن الرابع وأوائل الخامس» 
بل أقدم من ذلك بكثير - قدم تاريخ القبائل العربية ذاتها. 
وقد أبدى جب ملا حظة سديدة فی هذا الشأن حين 
قال: 

«لقد خاض الشعراء المعارك بأشعارهم بقدر ما 

خاضها المحاربونث بسيوفهم ورماحهم؛ بل أربوا 

على الحاربين فى هذا المضماره'" "' . 


دعنا نبدأ - فى بحثنا عن عمر الشعر الجاهلى - 


بمناقشة الرأى الذى سلم به أكشر الباحثين» قدماء 
ومعاصرين» نقلا عه ن ابن سلام 9 وهو أن المهلهل أول 


عا ل ل ج 


من تصّد القصائدء وإنما سمى مهلهلا لهلهلة شعره؛ أى 
سلاسة بنائه. وفصل ابن الأعرابى هذا الكلام فقال: «المهلهل 
مأحوذ من الهلهلة؛ وهى رقة نسج الشوب؛ والمهلهل: المرقق 
للف نما م مهاد لاه أول من رق ال" : 
ولكن عمر بن شبّة خالف ذلك الرأى. نقل السيوطى عنه ما 

«للشعر والشعراء أول لا يوقف عليه. وقد اختلف 

فى ذلك العلماء. وادعت القبائل كل قبيلة 

لشاعرها أنه الأول» ولم يدعوا ذلك لقائل البيتين 

والشلاثة» لأنهم لا يسمون ذلك شعرا. فادعت 

البمانية لامرئ القيس؛ وبنو أسد لعبيد بن 

الأبرص» ونغلب لمهلهل» وبكر لعمرو بن قميئة 

والمرقش الأكبرهء وإياد لأبى دؤاد. قال: وزعم 

بعضهم أن الأفوه الأودى أقدم من هؤلاء وأنه 

أول هن صل القضيدة ٠‏ 

فهو يرى أن العصبية دفعت مختلف القبائل إلى نسبة 
ذلك الفضل إلى شاعر من شعرائها. 
من هذه القلة أيضا التى رفضت ما ذكره ابن سلام: 

أبو العلاء المعرى. فى (رسالة الغفران) يسأل ابن القارح 
- فيمن يسأل من أهل النار ‏ المهلهل: 

«فأخبرنى لم سميت مهلهلا؟ فقد قيل إنك 

سميت بذلك لأنك أول من هلهل الشعرء أى 

رققه! فيقول: إن الكذب كثير. وإنما كان لى 

أخ يقال له امرؤ القيس» فأغار علينا زهير بن 

جناب الكلبى» فتبعه أخى فى زرافة من قومه 

فقال فى ذلك: 

لما توقل فى الكراع هجينهم 

هلهلت أثار مالكا أو صنيّلا 


هلهلت: أى قاربت» ويقال: توقفت. ويعنى 
بالهجين: زهير بن جناب» فسمى مهلهلا. فلما 
هلك شبهت بهء فقيل لى: مهلهل . 


4۲ 


فيقول:الآن شفيت صدرى بحقيقة 
ا 


فواضح أن أبا العلاء ينكر أن يكون المهلهل هوأ 
من رقق لغة الشعرء وأنه لم يلقب بهذا اللقب لفعله هذاء بل 
SS‏ 
ا و ا ن لقب a‏ 
قاله ابن الأعرابى» وهو تفسير سبق إليه أبو عبيدة» قال: 


«وإنما سمى مهلهلا لأنه هلهل الشعرء يعنى سلسل 
بناءء»""“. وفوق ذلك ججاهل المعرى مسألة سبق المهلهل 
عدة أبيات إلى للاثين بيتاء كما ذكر الأصمعى". 


وقف عمر بن شبة والمعرى عند حد الإنكار ولم 
يجاوزاه. لم يقل أى منهما إذا لم يكن المهلهل هو أول من 
قصد القصائد فمن يكون؟ وسوف أحاول فيما يستقبل من 
المفحات أن أجيب عن هذا السؤال حسب المادة التى 


وقفت عليها. 


من المعروف أن شهرة المهلهل شاعراً فارسا قد ارتبطت 
بحرب البسوس التى استمرت أربعين عاما وانتهت فى العقد 
الأخير من القرن الخامس فيما أرجح» أو العقد الأول من 
القرن السادس""“ خلال حكم الحارث ملك كندة الذى 
توسط لإنهاء هذه الحرب الطحون”؟"2. وباستثناء أشعار قليلة 
للمهلهل فإن عظّم شعره نظمه فى حرب البسوس» ولم أجد 
إلا قصيدة واحدة من أحد عشر بيتا قالها فى وقعة السّلأن 
التى حدئت قبل حرب البسوس» كما سيأتى بيانه بعد قليل. 
فإن صح أن المهلهل ذاعت شهترتة بوقوع حرب البسوس» 
فإن بعض معاصريه أمثال الفند الزْمّانى والحارث بن عباد 
وسعد بن مالك والمرقش الأكبر وابن أخيه المرقش الأصغر 
يستحقون جميعا أن يشاركوه هذه المزية التى اختصه بها أكثر 
العلماء . وأكتفى هنا بالنظر فى شعر ثلائة من هؤلاء الشعراء 
مثبتا أنهم أيضا قد قصدوا القصائدء وأن قصائدهم قد 
استكملت الشكل المعروف بأقسامه الختلفة من أطلال 


٠ ونسيب‎ 





-١‏ الفند الزمانى: 
انظ ا ابن ميمرت كلاث فاك لل ارلا 
رائية فى ثمانية وسبعين بيتاء وسأخصها بشئ من التفصيل 


أقيدو! القوم» إن الظل 
مم لا يرضأه ديان 
وقد احتار منها أبو تمام (الحماسية رقم: ۲ فى الجزء 
الأول) فى حماسته تسعة أبيات. والثالئة لامية عدد أبياتها 
واحد وعشرون بيتا ومطلعها: 
ايا تملك يا َمل 
ذات الدّلَّ والشكل 
فراضح أن هذه قصائد لا مقطوعات. وأكاد أجزم أن 
قصائد أشباهها فقدت. وأكتفى هنا بالنظر إلى الرائية؛ وهى 
أشجاك الرَبعُ أذرَى والديار 
وبكاء المرء للربع خسار 


ولكنه لا يطيل الوقوف» ويزجر نفسه على بکائه» فلن 
يرد البكاء شيكا. وخليق به وهو الفارس اجرب أن يكون 
صبورا غير جزوع» فلا يصدر عنه ما يشين رجولته؛ فيقول 
فى البيت الخامس مخاطبا نفسه: 


أيها الباكى على ما فاته 
افصرن غتك: فيعهن القول عار 
يجدى عنها نقيراء كما لم يجد قومه شيئا بعد ما حل بهم 
ما حل من انكسار وقهر فى معترك القتالء فيقول مخاطبا 
قومه : 
قد تداعى السقف وانهار الجدار 
ويصف فى عشرة أبيات كيف كان هذا التداعى وذاك 


عمر الشعر الجاهلى 


فى ساحة الوغى وباحة الهوى سواء بسواء. ولكن ما باله 
ينساق مرة أخرى إلى هذا الحديث؛ نمافات لا يعيده 
تذ کره» ولن يغير كنهه وحقيقته. أن له إذن» أن يجابه 
الواقع : 
إنما ذكرك شيا قد مضى 
حلم لو يرجع الحلم اذّكار 
وإذا كان قومه ب وهو فيهم وسط _- قد هزموا مرة؛ فقد 
كانت لهم أيام أذلوا فيها أعداءهم القحطانيين» وظهروا 
عليهم؛ فيبدأ يينى تيمة معيراً: 
يا بنى تيمة قد عاينتم 
وقعة منا لها نار شنار 
ومذلة؛ وأنى لهم بنزار وهى نار خرق ما تلقاه» ونور للناس به 
يستضاء: 
جمع الله نزارًا فنفى 
بهم الناس جميعا فاستناروا 
إنما الناس ظلام دونهم 
فإذا ما أظلم الناس أناروا 
وضرام يتقى منه الشرار 
وإذا كانت نزار كذلك؛ فهى حريّة أن تسود وأن 
يرضخ لها سادة الناس» فيذكر قحطان بما نالته نزار منها فى 
غير وقعة : 


إن قتّلنا بالحمى ساداتكم 
وأجرناكم, وفى ذاك اعتبار 


ثم يوم خخزازى: 


كم قتلنا بخزازى منكم 


وأشر نا دعن ما جل الخران 


ثم انتصارهم على مذحج: 


عادل سليمان جمال ال ل ك ي ب ووی رادت 


هرباء والخيل يعلوها الغبار 
وبعد كل هذه الدوائر التى دارت على قحطان»› کان 
لابد لقحطان كلها أن يعلوها قتام الذل» وتشينها معرة 
الإسار فتنقاد خاضعة فى صغار: 
أسمّحت قحطانُ فى أرْساننا 
حب الطيار وها امقر 
ويطيل فى وصف ما عانته قحطان من حرٌ القتال» وما 
أنزلته بها نزار من ذل وهوان» وينذر قحطان بان لا سبيل لها 
على نزار: 
لن تنالوا من نزار مثلما 
منكُم نالت من الذل نزار 
ويبين لهم سبب عجزهم عن نيل مثل هذا المرام؛ 
فيعدد مفاخر نزار» ويسهب فى بيان فضلها وامجادها وعراقة 
نسبها وحميد حسبها: 
نحن أولادٌ مَعَدٌ فى الحصى 
ولنا من هاجر المجد الكُبار 
عقد الحبوة قذمًا والإزاد 
إن إسماعيل مَن يَفْخَر به 
ْف فى دار بها حل الفخار 
ثم يختم هذا الفخر بوعيد لا لقحطان فقطء بل لكل من 
يتوئب لقتال قومه: 


أيما قوم حَلْلّنا بهم 
للرّدى فيهم رواح وابتكار 

من هذا العرض يتضح أن قصيدة الفند؛ إلى جانب 
طولها الذى لا تدانيه كثير من القصائد الجاهلية التى 
وصلتناء تبين عن مرحلة متقدمة فى تطور القصيدة العربية 
ني شكلها المعرون» فهى ‏ وإن خخلت من النسيب 
والرحلة - قد بدأت بالأطلال» رلعل موضوع القصيدة املى 
على الشاعر أن يتجاوزهماء كما جد فى معلقة عمرو بن 
كلثوم مثلا؛ حيث بدأ بذكر الخمر التى تلائم روح الفخر 
الذى يسود القصيدة؛ وأعقب الخمر بالغزل» لا بالنسيب. 


4٤ 


- الحارث بن عباد: 


الحارث فارس بكر غير مدافع؛ استعظم قتل كليب 
أخى المهلهل فى ناقة» وأبى أن يدخل فى أمر تخطاً فيه قومه. 
ثم وقع حادث جلل: قتل المهلهل بجيراء ابن الحارث بن 
عباد. فقال الحارث: نعم الفعيل قتيلا أصلح بين ابنى وائل. 
نقد ظن أن المهلهل أدرك به تأر أخيه وجعله كفراً لهء فقال 
للحارث قومه: بل قال مهلهل إنه قتله بشسع نعل كليب. 
وتغلب بعدة أشعار للحارث منها ثمانية أقلها طولا تقع فى 
ثمانية عشر بيتاء وها هى مطالعها حسب ورودها فى الكتاب: 
ص 5١:‏ - 011 مائلة بيت: 


١‏ كل شئ مصيره لزوال 
غير ربى وصالح الأعمال 
ص 84> - ۷۰ ستة وعشروك بيتا: 
٣‏ ۔ کأنا غدر؟ وبنى أبينا 
غداةٌ الخيل تُفْرَعٌ بالدكور 
ص : 277 ثمانية عشر بيتا: 
؟ ‏ عفت أطلال مَيّة بالجفير 
إلى الأجياد منه فجى بير 
ص : 4/ - ۷١‏ ستة وعشرون بيتا: 
؛ ‏ حي المنازل أقفرت بسهام 
وعفَتْ معائها بجنْب تُرام 
ص: ۷١‏ - ۷۸؛ ثمانية وأربعون بيتا: 
ه ‏ بانت سعادٌ وما أوفثك ما تعد 
فانت فى إثرها حران معتمد 
ص: ۸۰ - ۸۲ خحمسون بيتا: 
١‏ هل عرفت الغداةً رسمًا محيلا 


دارسا بعد أهُله ماهولا 


ص: 15 - 4۷ أربعة وعشروك بيتا: 





سي سس اع ا ب لت عير اقفن لفان 


۷ - عفا منزل بين اللوى والحوايس 
َرٌ الليالى والرياح الروامس 
ص: ۱۰۹- ۱٠۰‏ واحد وعشرون بیتا: 
4 - ونهيت جسماسا لقاء كليبهم 
خوف الذى قد كان من حدثان 
والقصيدة الأولى (حسب ترقيمى هنا) على طولها 
تخلو من المقدمة الطللية والنسيب» وذلك فيما أرجح لأنها 
خرجت مخرج الرثاء. وقصائد الرثاء - إلا نادرا - تخلو من 
هذه المقدمات. استهل الحارث القصيدة برئاء بجير» ثم ختم 
الرثاء بإيعاد تغلب: 


كَلتّنى عن المنية أمى 
وأتاها نَعَى عمی وخالی 
إن لم أشف النفوس من تغلب القد 
ر بيوم يذل برك الجمال 
يا لقومى فشمروا ثم جدوا 
وخذوا حذركم ليوم القتال 
رتمضى القصيدة على هذا النمط فى خخضيض قومه 
وتهديد تغلب» ویتکرر فيها هذا الصدر المشهور أربعا وأربعين 
مرة: 
* قربا مَرْبط النعامة منى * 
وواضح من مطالع القصائد الأخرى - ماعدا الثانية 
والأخيرة ‏ أنها تبدأ بذكر الأطلال حينا والنسيب حينا آخر. 
وبعض هذه القصائد قالها ابتداء؛ وأجابه المهلهل عنهاء مثل 
اللاميه (رقم: ١‏ هنا ء ثم الرائية (رقم: ؟ هنا)ء أجابه عنها 
المهلهل برائيته المشهورة التى مطلعها: 
ابقناايدى كه اعرف 
0 إذا أنت انقضيت فلا تُحورى 
وأجابه الحارث عنها ثانية برائيته (رقم: ۳ هنا) . وفى هذه 
الرائية استهل الحارث بالأطلال فى بيتين» ثم أعقب ذلك 
بالنسيب فى بيتين» ثم انتقل فجأة إلى ذكر الحرب والفخر 
بقومه وانتصارهم على تغلب» فيمقول: 


فسائل إن عرضت - بني زُهَير 
ورهط بنى أمامة والقوير 
وفى القصيدة الميمية (رقم: 4 هنا) يذكر الأطلال فى 
مفتتحها وطمس الرياح لها فى بيتين ونصف متخلصا بذلك 
إلى النسيب» فيقول فى البيت الثالث: 
قوت وقد كانت تحل بَجِوّها 
لحرا المدامع من ظباء الشام 
وينتقل فجأة فى البيت السابع إلى ذكر وقائع بكر مع 
تغلب وكندة؛ وكيف فلت بكرّ جموعهماء ويتوعد تغلب» 
ويؤكد أنه لن ينسى قتل بجير» وأنها حرب لا هوادة فيها. 
وفى القصيدة الدالية (رقم: ه هنا) لا ذكر للأطلال 
فيهاء وإنما يبدأها بالنسيب» ثم يصف جمال صاحبته 
وتمكنها من قلبه فى عشرة أبيات» ثم ينتقل دون تمهيد فى 
البيت الحادى عشر إلى وقائع بكر مع تغلب فيقول: 
سل حى تغلب عن بكر ووقعتهم 
بالحثو إذ خسروا جهراً وما رشدوا 
ويفخر بقبائل بنى بكر فى سبعة وثلاثين بيتا. 
ويدأ القصيدة اللامية (رقم: 5 هنا بالكلام على 
الطلل ويصف بلاه وأثافيّه السقع» وما فيه من وحش وطير» 
وجر الرامسات ذيولها من شمال وجنوب وصباء ويستغرق 
ذلك أربعة عفر ينام ييذا البيث الخامس عشر ذكر 
صاحبته التى عمرت تلك الدار يوماء يقول: 
مستديرا وغارضا مصفؤلا 
ويصف ملاحتها وشبابها فى عشرة أبيات» ثم ينتقل فجأة إلى 
ذكر تغلب وحروب قومه معهاء فيقول فى البيت السادس 
والعشرين: 
سفهت تغلب غداءً تمت 
حرب بكر فَقُتّلوا تقتيلا 


عادل سليمان جمال بم سي و و و ر 


ونبدأ السينية (رقم: ۷ هنا) بذكر الطلل العافى وما 
بقی فيه من آثار من رحلوا: وتد وأثافئ ونؤى. ويصف ما 
فعلته الرياح والأمطار ببقايا الديار» فيقف يسألها: 


وقفت بها أرجو الجواب» فلم تجب 


وفى الأبيات الثلاثة التالية يتذكر من كان يحل بها 
من أمثال الدّمّى» وفى البيت الحادى عشر ينتقل إلى مخاطبة 
بنى تغلب فيمول: 
بنى تغلب لم تنصفونا بقتلكم 
بجيرا ولما تُقتلوا فى المجالس 


ویتهددهم وينوعدهم؛ ويذكرهم بظهور بكر عليهم 
كلما التقوا. 

“- المرقش الأكبر: 

إذا کان شمر المهلهل والحارث بن عبادء إلا قلیلاء 
متصلا بحرب البسوس» فإن شعر المرقش الأكبر يكاد يكون 
اة ب وقائمها الم الحب الممضء فقد كان المرقش 
من الشعراء الذين أطلق عليهم فى العصر الجاهلى اسم 
والمتيمون» . أفنى المتيمون حياتهم فى الجاهلية كما قضاها 
«العذريون» فى الإسلام فى البكاء على صواحبهم اللواتى لم 
حسرة وأنينا» كما بين أستاذنا المرحوم يوسف حليف فى 
كيت قيم. ولا يقد ح فى صحة شعر هؤلاء وهؤلاء ماتحلره» 
لمرقش فى صاحبته أسماء كشعره فى حرب البسوس سواء 
نر نة رقا ات الل فن اتان الى عر 
قصيدة ومقطوعة للمرقش الأكبر» رقم: 45 (سبعة أبيات) » 
رقم : 45 (اثنا عشر بيعا) › رقم: ٤۷‏ (عشرون بيتا), رقم: 
۸ (أحد عشر بينا)؛ رقم :49 (اثنا عشر بيتا)» رقم °٠:‏ 
(سبعة عشر بيتا)؛ رقم , ۵١‏ (أحد عشر بيئا)؛ رقم : 01 
(ثمانية أبيات) ؛ رقم *ه (ثلاثة أبيات)» رقم : 04 (ثمانية 
أبيات) . ولا شك عندى أن بعض هذه المقطوعات أجزاء من 
قصائد لم تصل إلينا كاملة . وعندى أيضا أن بعض القصائد 


٠ 1۹7٦ 


فقدت منها أقسام أو أبيات من أقسامها الختلفة» مثل المفضلية 
رقم : 249 ولسهولة المراجعة أُثبتها هنا: 


١‏ هل تعرف الدار عفا رسمها 
إلا الاثافىَ ومبنى الخيّم 
؟ _ أعرفها دارا لأسماء فال ا 
دمع على الخدين سح سَّجَم 
“' _ أمست خلاء بعد سكانها 
مقفرة ما إن بها من إرم 
٤‏ _ إلا من العين ترعى بها 
كالفارسبُين مشوا فى الكمم 
ه ‏ بعد جميع قد أراهم بها 


لهم قباب وعليهم نعم 
5 - فهل تسلى حبها بازل 
ما إن تسلى حبها من أمّم 


٠‏ عرفاء كالفحل جمالية 
ذات هباب لا تشكى السام 
۸ لم تقر القيظ جنينا ولا 
. أصرها تحمل بَهُم النّعم 
٩‏ - بل غربت فى الشول حتى نوت ,, 
وسوغت ذا حبك كالإرم 
٠‏ تعدو إذا حرك مجدافها 
عدو رباع مفرد كالزلم 
١‏ كأنه نصع يمان وبال 
أكرع تخنيف كلون الحمم 
١١‏ بات بغيب معشب نبته 


مختلط حربثه بالينم 


وواضح أن تشبيهه الناقة - الذى بدأ فى عجز البيت 
العاشر - بالثور الوحشى ينتهى فجأة بعد بيتين ونصف وأنا 
مقتنع بيقين أن هذا القسم مفقود» وأن أقساما أخرى تليه قد 
فتدت أيضا. ولو انتهت إلينا القصيدة كاملة لرأينا أنها تفوق 
قصاد المهلهل لغة وأسلوبا وإحكام قصيد. ومن حسن الحظ 
أن ميمية المرقش الأكبر الأخرى قد وصلتنا كاملة» رانا 
مضطر كل الاضطرار أن أتى بنصفها هنا حتى يتابع القارئ 
تليلها وحتى تسهل المقارنة بين مقدمتها ومقدمة الميمية 
التى أثبعها آنفا: 


اس سس سسسب عمر الشعر الجاهلى 


١‏ هل بالدیار أن تجيب صمم 
لو كان رسم ناطقا كلم 
؟ ‏ الدار قفر والرسوم كما 
رقش فى ظهر الأديم قَلَمْ 
"' - ديار أسماء التى تبلت 
قلبی» فعينى ماؤها يسجم 
؛ -أضحت خلاء نبتها تكد 
نور فيها زهوه فاعتم 
5 بل هل شجنتك الظعن باكرة 
كانهن النخل من مَلْهُم 
5 النشر مسك» والوجوه دنا 
نيرء وأطراف البنان عنم 
” - لم يشج قلبى ملحوادث ! 
5 صاحبى الروك قن فلم 
4 ٹعلب ضراب القوانس بال 
سيف وهادى القوم إذ أظلم 
4 فاذهب فدى لك ابن عمكء لا 
٠‏ -لو كان حى ناجيا لنجا 
١‏ - فى باذخات من عماية أو 
برفعه دون السماء خيم 
۲ - من دونه بيض الأنوف وفو 
قه طويل المنكبين أشم 
؟١ ‏ يرقاه حيث شاء منه؛ وا 
5 - فغاله ريب الحوادث ح 
تى زل عن أرياده فحطم 
6 - ليس على طول الحياة ندم 
ومن وراء المرء ما يعلم 
75 يهلك والد ٠‏ ويخلف مو 
لود » وكل ذى أب بِيتّم 
٠١‏ - والوالدات يستفدن غنى 
ثم على المقدار من يعقم 
ما ذنبنا فى أن غزا ملك 
من آل جفنة حازم مرغم 


تبدأ الميمية الأولى «الخيم) بالحديث عن الأطلال» 
فلأيا ما يتبين الشاعر من الدار العافية أثافيها والأماكن التى 
كانت تقوم فيها خيامهاء دار كانت محل بها أسماء 
فأضحت وحشا يبابا. ويختلط الماضى البعيد الحى بالحاضر 
اماثل الممحل فى ذهن الشاعر فدمعه على الخدين سح سجم 
حزنا وألما وصبابة. ويجيل النظر حوله فلا يرى إلا الوحش 
ترعى ما كان يوما عامرا. ولكن كيف السبيل إلى السلو من 
ألم الفراق ولذعة الحب ووحشة المكان! هذى ناقته القوبة 
كفيلة أن تحمله بعيدا عله يتسلى حب أسماءء بذلك 
يتخلص الشاعر من «الأطلال والنسيب» إلى «الرحلة؛) فى 
يسر وسهولة. تبدأ الميمية الثانية «كلم؛ أيضا بالأطلال 
والنسيب ولكن بطريقة مغايرة لما فى الميمية الاولى «(خحيم)› 
فالشاعر هنا عارف للديار متبين لها. يسائلها فلا خيب» أبها 
صمم؟ كلاء لو كانت الديار تكلم لحكت له هذه الدار 
عن أسماء وأهلها الظاعنين. وإذا كان الشاعر فى الميمية 
الأولى رأى أن ما بقى من آثار الديار لا يعدو الأثافى ومبنى 
الخيام؛ ففى هذه الميمية لم سق من أثار الديار سوى شئ 
يسير كخط القلم. وإذا لم يكن فى الميمية الأرلى من معالم 
الحياة إلا بقر الوحش التى تستريد المكان» فمعالمها فى الميمية 
الثانبة نبت جميم ندئ» ونور ناضر حسن و زها. ولكن هل 
هذا ما أشجاه؟ أم أشجاه تذكر النساء بكرة راحلات؟ فهذا 
تخلص لطيف فى البيت الخامس إلى وصف «الرحلة؛: 
ولكنها ليست رحلته هو كما فى الميمية الأولى» وإنما رحلة 
النساء ‏ يستعيدها بعد حين: كما فى معلقة زهير واصفا 
جمالهن فى البيت السادس. ولكن هل هذا ما أشجاه حقا؟ 
لاء إن الذى أهمه هو مقتل ابن عمه» فهذا تخلص ثان 
لطيف جدا ليبدأ رثاء ابن عمه "2 ثعلبة بن عوف الذى قتله 
المهلهل فى إحدى وقائع حرب البسوس - وينتهى الرثاء 
بالبيت السابع عشر. هذا الرزء الفادح يذكره بخطب جليل 
نزل به وبقومه» فقد أوقع بهم ملك من ملوك آل جفنة. وهذا 
مرة ثالثة تخلص فى غاية الحسن من موضوع إلى آخر مشابه 
له» فان حزنه وکمده لمقتل ابن عمه لا يقل عن ألمه وهمه 
لغزو ابن أخته قومه. ويستمر هذا القسم حتى تنتهى القصيدة 
بالبيت الخامس والثلائين. من هذا العرض لكلتا القصيدتين 
يح لنا أن نستظهر ما يلى: 


اا ا ا ي 


-١‏ إن المرقش الأكبر- وهو معاصر للمهلهل - لم 
بقصد القصائد فقطء بل استقر فى شعره شكل القصيدة 
بأقسامها الضتلفة من أطلال ونسيب ورحلة» كما نقله ابن 
قنيبة وعرفه وحاول تفسيره ". وبلغ المرقش فى ذلك مبلغا 
ليس لمهلهل منه نصيب كبير. والناظر فى شعر المهلهل فى 
(كتاب بكر وتغلب) أو فى ديوانه المجموع يرى صحة ذلك. 
وأنا أزعم أن ارقش الأكبر أحكم ذلك خيرا من معاصريه 
جميعا. فشعر الحارث بن عباد مثلا ‏ وقد مر بنا منذ قليل - 
وإن احتوى على هذه الأقسام؛ لا يمهد كل قسم لتاليه» بل 
ينتقل فجأة دون تمهيد كما بينت. 

؟- اللغة فى شعر المرقش محكمة عالية؛ لا تقل بل 
أظن أنها تفوق لغة المهلهل رقة وسلاسة وفصاحة. 

- إن المرقش الأكبر حسب الأشعار التى وصلتنا- 
مييق شما المعلقات فى الإتيان ببعض الصور والتشبيهات» 
مثل رود الوحش قفر الديار (عند زهير ولبيد) » ونضرة النبات 
وسؤال الديار الصم (عند لبيد)» وتشبيه ما بقى من رسم 
دارس بخط القلم فى جلد أو رق أو كتاب (عند امرئ القيس 
وغيره) . 

فإذا استقام لنا ما ذكرت»؛ فهل كان المرقش الأكبر 
وبعض معاصريه أول من قصدوا القصائد وأحكموا شكلها 
المعروف؟ نقل ابن سلام احتجاج بعض العلماء لامرئ 
القفيس بأنه سبق العرب إلى أشياء ابتدعها واستحسنتها 
العرب» واتبعته فيها الشعراء : استيقاف صحبه والتبكاء فى 
الديار» ورقة النسيب...2"406 غير أنه كان قد أورد قبل ذلك 
هذا البيت لامرئ القيس: 

عوجا على الطلل المحيل لعلنا 


تَيكى الديارَ كما بكى ابن حذام 


0 
١‏ رز مدا ان تیا (Y1‏ پايات 


۹A 


من بكى فى الديار امرؤ اليس بن حارثة بن الحمام بن 
معاوية وإياه عتى امرؤ القيس بقوله: 
يا صاحبئ قفا النُواعجَ ساعة 
کی اقتا كنا بكى ابن جماء(:") 


خذام؛» ثم انشد البيكت الذى أورده ابن سلامء ثم زاد؛ وهو 
القائل: 
كانى غداةً البيّن يوم تحمّلوا 
لَدَى سَّمّرات الحىّ ناقف حنظا 
يعنى أن ابن خخذام هو قائل هذا البيت» وهو البيت 
E‏ 
ونم بنو عدئ» وزهیر» وعليم بنى جناب بن 
شا ل بن عبد الله بن كنانة بن بكر المذكورين 1 
وهم بطون ضخمة رعمهم عبيدة ابن هبل » 
MS‏ بن مالك 
وهو الذى تل فيه 7 لق 


نبكى الديار كما بكى ابن حمام 


قال هشام بن السائب: فأعراب كلب إذا سكلوا 
بماذا بكى ابن حمام الديار؟ أنشدوا خمسة 


قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل. ويقولون إن 
عبار ا E‏ 


حذام ترجمة مختصرة ا ده ا أبيات 
للف قرن 0 0 الأمدى )تت e‏ ترجمة 





ابر ن بكر. ثم بنقل عن بعض الرواة أن امرأ الفيس هذا هو 
الذي أشار إليه 0 صاحب المعلقة 5 فى e‏ 
أبو حاتم السجستانى» ل على الوزن 
والروى نفسيهما م يشعر أنهما من قصيدة واحدة. ويبدو أن 
ما أورده الآمدى هو مطلع هذه القصيدة؛ وأول هذه الأبيات 
هو 
لآل هند بجنبى تَفنّف دار 

لم يْمُمٌ جدتها ريح وأمطار 
ثم يقول عن هذه الأبيات: (رهى أبيات فى أشعار كلب» 
والذى اد رکه الرواة من شعره قليل ج50" , أى من شعر 
ابن حذام. مما تقدم نرى أن ما فات ابن سلام استدركه 
آحرون» کل يضيف شيئًا يسيرا إلى كلام من سبقه. فابن 
حذام شخصية حقيقية؛ وليس شيئًا وهمياً اخترعته الرواة. فإن 
صح ذلك وهو صحيح إن شاء الله فالسؤال الذى يطرح 


نفسه الآن هو: متى عاش ابن حذام؟ 


َ نحن نعرف على وجه اليقين أنه عاش قبل زمن امرئ 
القيس ود مر أن المهلهل والمرقش | الأكبر والحارث بن 
عباد والفند اومان كلهم قد كتب القصيدء وأن المرقش 
الأكبر خاصة قد أحكم المقدمة الطللية» وإن كانوا كلهم قد 
ذكروا تبكاء الديار. ولكن امرأ القيس صاحب المعلقة لا 
يذ كر أي منهم؛ وإنما يخص ابن حذام دونهم بهذه المزية. فإن 
قلنا إن ابن حذام سابق عليهم فى الزمان لم نبعد. ويقرّى 
هذا الفرض أن أبا حاتم السجستانى ذكره فى المعمرين وأنه 
عاش مائة سنة. وظنى أن ابن حذام كان شاعرا له ذكر وخطر 
قبل أن تكتمل للمرقش أو معاصريه الأداة» بل لعله كانٍ 

تعيننا الحروب التى وقعت بين القحطانيين والعدنانيين 

1 

وأسبققية الشعراء. وأنا أظن ظنا أن حرب البسوس انتهت 
خلال السنوات الأولى من القرن السادسء وربما أوله أ سنة 


عمر الشعر الجاهلى 


٠م‏ ولیس عام ٥۲١‏ أوبعده كما يقترح بعض 
الباحشين". ومات المهلهل فى الأسر قبل انتهائها. ونحن 
نعلم أن حرب البسوس استمرت أربعين عاماء فيكون ابتداؤها 
سنة ٠٠٠‏ أو 47 على أكثر تقدير. ونحن نعلم أيضا أن 
المهلهل كان قائد تغلب ورئيسها منذ اليوم الأول لوقائع 
حرب البسوس. ولا يعقل أن يرأس غلام حدث قبيلة قوية 
مثل تغلب وهى مقدمة على حرب ضروس ضد قبيلة لا تقل 
عنها قوة» وهی شقیقتها بکر. لا جرم أنه كان آنذاك رجلا 
مكتمل الرجولة؛ ومحاربا مشهود) له بالحكمة والتجربة. يؤيد 
ذلك من بعض الوجوه أن المهلهل شارك فى معارك قومه ضد 
القحطانيين التى هاجت قبل حرب البسوس كما ذكرت 
فا فاا ب بعلن قبيلة صداء اليمنية(ة؟) 
ازدادت بغيض قوة وثراء» وعّت وبغت» وتطلعت إلى بناء 
حرم مثل حرم مكة لايقتل صيده ولايهاج عائذه؛ ففعلت. 
فبلغ فعلهم زهير بن جناب» وهو يومكذ سيد بنى كلب» 
فأغار عليهم فى موضع يقال له بس؛ فظفر بهم وهدم 
حرم ھ٣‏ . فتعبأت العدنانية للأخذ بثأرها وطرد اليمانية من 
بلادها وقادها عامر بن الظّرب» فأوقع باليمانيين وقعة منكرة 
عند البيداء”؟" . ولم أجد ذكرا للمهلهل أو أخيه كليب فى 
هذه الوقعة. فاستطار زهير بن جناب سيفه وجمع قومه وأغار 
على بكر وتغلب عند ماء يقال له الحبى وأسر المهلهل وأخاه 
كليبا 240“ . ولكن القبائل العدنانية استطاعت أن تثأر لنفسها 
برئاسة ربيعة بن الحارث فى وقعة الملان. وهنا بدأت العدنانية 
والقحطانية تعدان لمعركة فاصلة؛ فتجمعت قبائل معد كلها 
تحت لواء كليب بن ربسعة ‏ أخى المهلهل ‏ وانتصرت 
انتصارً حاسما على القبائل اليمنية" . 


وليس من السهل مديد الزمن الذى وقعت فيه هذه 
الحروب بين عدنان وقحطان» ولكنها - مع ذلك - تسعفنا 
فى خديد زعن المهلهل؛ وذلك بدوره يعين على مخديد زمن 
ابن حذام. رأينا من العرض السريع لهذه الحروب أن وقائعها 
الأولى تخلو من ذكر المهلهلء مما يبيح لنا أن نستظهر أنه 
كان صغير السن خلالها. فإذا سلمنا أن حرب البسوس قد 
اتتهت حوالى سنة ٠5م‏ أو سنة ١٠51م‏ على أكثر تقدير. 
رأنها قد بدأت عام 5< لاه على أكثر تقدير أيضا. وأن 


عادل تليمان جال ااا 


حروب عدنان وقحطان كانت قبلها بزمن لا ندريه على وجه 
التحقيق . وأن المهلهل كان يافعا خلال وقائعها الأولى . أقول 
إذا سلمنا بذلك حق لنا أن نستظهر أن ميلاد المهلهل كان 
حوالى عام ه"؛ أو 410 . وهذا التحديد يعين على معرفة 
زمن ابن حذام على وجه التقريب. اقترحت فيما سبق أن ابن 
حذام أسبق زمنا من المهلهل ومعاصريه؛ وإلا لما أفرده امرؤ 
القيس بالذكرء ؛ فهم جميعا قد قالوا القصيد وهم جميعا 
ذكروا الأطلال والنسيب ثم نقلت عن أبى حاتم أن ابن 
حذام كان من المعمرين» عاش مائة سنة أو أكثر. ويذكر 
الآمدی ان ابن حذام كان مع زهير بن جناب فى غاراته على 
بكر ونغلب”*24؛ ويؤيد ذلك ابن رشيق عن أَبى عبيدة معمر 
ابن المننى ١”‏ 24؛ أى أنه شارك فى الحروب التى كانت بين 
عدنان وقحطان قبل نشوب حرب البسوس. كل ذلك مجتمعا 
يشير إلى أن مولد ابن حذام كان فى العقد الثانى من القرن 
الخامس على وجه التقريب. فهل لنا أن نقول ‏ إذن - إن 
النتصيدة اتخذت شكلها المعروف فى أوائل القرن الخامس 
الميلادى؟ أنا أزعم لذلك تاريخا أقدم. وسبيلنا فى ذلك أن 
ننظر فى سيرة زهير بن جناب الذى ورد ذكره منذ قليل. قال 
ابن سلام عن زهير بن جناب: «كان قديماء شريف الولدء 
طال عمره»"“. وقال عنه ابن قتيبة «وهو جاهلى قديم... 
وهو من المعمرين»247. وقد ألبت - فيما أرجو- آنا أن ابن 
حذام اسن من المهلهل» واقترحت العقد الثانى من القرن 
الخامس زمن ميلاده. ثم نقلت عن الآمدى أن ابن حنذام 
کان مع زیر ین جات فی غار ای اعا . وأفاد ابن 
رشيق أن زهير بن جناب كان عم ابن حذاه؟؟»؛ ونقل ذلك 
البغدادى0*؟'؛ وهو قول صحيح عن مطلق عمومته؛ فقد 
نقلت قبل ذلك نسب ابن حذام عن جمهرة أنساب العرب» 
وهو: : امرؤ القيس بن حمام بن مالك بن عبيدة بن هبل١‏ 
ونسب زهير بن جناب كما أورده أبو الفرج فى ترجمته هو 
فزن غنات بع 17 . ويتضح من كلا انين أن 
زهير بن جناب ليس عم ابن حذام مباشرة» وإنما هو ابن عم 
جده مالك. وهذا يعنى أن زهير بن جناب كان اسن من ابن 
ا بس بدح طبار ا رد ناقتا 
ما اقترحته من قبل من أن ابن حذام ولد حوالى عام 45١‏ ؛ 


۳.۰ 


فإن عام ٠‏ __ أر قبل ذلك بقليل - يدو وقتا مقبولا لميلاد 
زهير بن جناب. ويستشف مما ذكره أبو الفرج فى ترجمته أن 
ميلاد زهيرأسبق ما اقترحته ههنا. . قال: «قال أبو عمرو 
الشيبانى: كان أبرهة حين طلع-جدا أناه زهير بن جناب» 
فأكرمه أبرهة وفضله على من أناه من العرب». وأبرهة المذكور 
هنا (514 لما وذكر 
حمزة الأصفهانى أن أبرهة الأول كان معاصرا لملك الفرس 
سابور الشانی ۲۱۰ 
الفرج عن أبى عمرو الشيبانى فلابد أن زهير بن جناب كان 
آنذاك فى تمام الرجولة وذكاء الس ن حتى يفضله أبرهة «على 
من أتاه من العرب» . فإذا قدرنا أنه كان فى الخامسة والمشرين 
من العمر» وإذا افترضنا أنه قابل أبرهة فى آخر سنة من عمره 
1 وحکمه وهی سن ٥۷٣م‏ كان ميلاد زهير عام آم 
وهذا أمر مستبعدء لأنه يكون قد جاوز الثمانين خلال حروب 
عدنات وقحطات . ولعل منشأ هذه الرواية ي يكمن فى أن بعض 
العلماء اعتقدوا أن زهير بن جناب عاش خمسين ومائتى 
سنة(؟ 2 ؛ وبالغ بعضهم فى الإفراط فقال أربعمائة وتخمسين 
ة٠‏ . الذى نطمعن إليه أنه ر 
كما مر بناء وكما يدل عليه شعره؛ كما سنرى. ولیس من 
المعقول أن يكون «قائد قومه فى حروبهم؛ كما يصفه أبو 
الفرج - شيخا لا فضل فيه للحرب . ولو ذكرت لنا المصادر أن 
قومه أخرجوه معهم فى هذه السن العالية تبمنا به كما 
نرى فى أخبار دريد بن الصسّمّة وغيره - لقبلنا ذلك. ولكن 
ترجمته دنا عن شجاعته وظفره» وقبادته قومه وسیادته . 


۳۸٠ _‏ . وإذا أحذنا برواية أبى 


يعالج شعر زهير موضوعين متمایزین: حروبه التى قاد 
فيها قرمه ضد العدنانيين» ور المريرة من كبر السن » وما 
جره من هرم وضعف وسقام» ونقد هيبة ة وسلطات. وسأعدث 


عن هذين الموضوعين فى إيجاز. 
شعر الحرب: 
شعر زهير ‏ الذى نظمه عقب انتصاره على بغيض 
وهدم حرمهمء وشعره الذى قاله عقب سحقه بكرا وتغلب 
وأسره المهلهل وأخاه كليبا _ مراة مجلوة نرى فيها وقائع هذه 
الحروب كما حفظتها لنا كتب الأدب والتاريخ» مما يدل 


اذل الماك قال صصص سك 


معركة الحبَى. وعندى أن قصيدة المهلهل نقيضة للامية زهير 
ابن جناب التى أوردتها هناء مما يزيد فى توثيق هذا الشعر. 
والناظر فى كتاب بكر وتغلب يجد أنه قلما ينظم شاعر 
قصيدة دون أن يجيبه عليها شاعر من القبيلة المعادية مناقضا. 


۲ - شعر الشكوى من الهرم: 


ذكرت قبل أن زهيراً عم عمرا طويلا «حتى ذهب 
عقله» ركان يخرج تائها لا يدرى أين يذهبء فتلحقه المرأة 
من أهله والصبى فترده؛ 2*7 . وشعره- كبعض شعر لبيد - 
فيه نبرّم من طول الحياة وما أورئه من ضعف البدن وذهاب 
النظر: 
ألا يالقومى لا أرى النجم طالعاً 
ولا الشمس إلا حاجبى بيميني 


وعرٌ عليه ذهاب الهيبة» فقد کان زهیر؛ كما يقول أبر 
الفرج: :ا قال: : ألا إن الحى ظاعن؛ ظعنت قضاعة ٠‏ وإذا 


قال: Yi:‏ إن الح مقيم» نزلوا وأقاموا»» فلما أسن لم يستمع 
إليه أحد» وخالفوه» فقالوا غير ما قال» ورأوا غير ما رأى: 


أميرٌ شقاقء إن أقم لا يقم معى 
ويرحلء وإن أرحل يقم ويُخالف 


وقد أورد له ابن سلام قصيدة من شريف الشعر"*) 
يذكر فيها ما بنى من مجد» وما خاض من قتال» ويذكر لهره 
وشربه وصيده؛ وقيامه فى ا حافل خطيباء ثم يختمها بهذين 
البيتين فى وصف ما آل إليه بعد أن كان من كان: 

والموت خير للفتى 

وليلَكنَ وبه بَقيّه 
من أن رى الشيخ البّجا 

ل قد يُهادَى بالعشيه 

ا ق 
ننظر فى الشكل الذى صيغ فيه هذا الشعر. ما بقى من شعر 
زهير قليل. وهذا القليل لم يصل إلينا قصائد كاملة؛ وإنما 
أجزاء من قصائد ضاع أكثرها. ولننظر الآن فى إحدى ما 


تبقى من هذه القصائد والخبر الذى ارتبط بها. جاء فى 


الأغانى””*': «قال أبو عمرو الشيبانى: كان الجلاح بن 
عوف السّحُمى قد وطا لزهير بن جناب وأنزله معه؛ فلم يزل 
فى جناحه حتى كثر ماله وولده. وكانت أخحت زهير متزوجة 
فى بنى القين بن سر فجاء رسولها إلى زهير ومعه برد فيه 
صرار رمل وشوكة قتاد. فقال زهير لأصحابه : تكم شركة 
ةرشد كفا اخملا قال ل اام ايل 
لقول امرأة! والله لا نفعل. فأقام الجلاح وظعن زهير. 
وصبّحهم الجيش فقتل عامة قوم الجلاح وذهبوا بماله. 
ومضى زهير لوجهه حتى اجتمع مع عشيرته من بنى جناب. 
وبلغ الجيش خبره فقصدوه» فحاربهم وثبت لهم وفتل رئيسا 
منهم؛ فانصرفوا عنه خائبين» فقال زهير: 
١‏ أمن آل سلمى ذا الخيال اررق 
وقد يق الطيف الغريب المشوق 
۲ - وأنى اهتدت سم لوجه محلّنا 
وما دونها من مهمه الارض يحْفق 
۳ - فلم تر إلا هاجمًا عند حرّة 
على ظهرها کور عنیق ونمرق 
؛ - ونا راتنى والطليح تبسمت Î‏ 
كما انهل أعلى عارض يتالق 
© - فحُيّيت عناء زَوّدينا تحية, ّْ 
لعل بها العانى من الكل يُطْلق 
1 فردت ؛ سلاما ثم ولت بحاجة 
ونحن لَعمْرى ياابنة الخير أشوق 
۷ - فياطيب ما ريًاء وياحسُن منظر 
لهوت به لى أن رؤياك تصدق 
4 - ويوم أثالى قد عرفت رسومّها 
فعجنا إليها. والدموع ترقرق 
۹ - وکادت بين القول لا سالتها 
وتُخبرنى» لو كانت الدار تنطق 
١‏ - فيا دار سلمى هجت للعين عبر 
فماء الهوى يَرْفض أو يَتَرَفْرّق 


وقال زهير فى هذه القصيدة يذكر خحلاف الجلاح 
عليه : 


عادل اح ل 


8 الحبئ. وعندى أن قصيدة المهلهل نقيضة للامية زهير 
بذ جاك التى أوردتها هناء ثما يزيد فى توثيق هذا الشعر. 

رب ال ا ليا بط حامر 

قصيدة دون أن يجيبه عليها شاعر من القبيلة المعادية مناقضا. 


؟ ‏ شعر الشكوى من الهرم: 


ذكرت قبل أن زهيرا عمّر عمرا طویلا «حتی ذهب 
عقله» وكان يخرج تائها لا يدرى أين يذهب» فتلحقه المرأة 
من أهله والصبى فترد»'* . وشعره - کبعض شعر لبيد - 
فيه تبرم من طول الحياة وما أورثه من ضعف البدن وذهاب 
النظر: 
ألا يالقومى لا ارى النجم طالعاً 
ولا الشمس إلا حاجبى بيمينى 


وعرّ عليه ذهاب الهيبة؛ فقد كان زهير» كما يقول أبر 
الفرج: : «إذا قال: :ألا إن الى لاع لمات امنا" . وإذا 


قال: ألا إن الح مقيم؛ نزلوا وأقاموا؛» فلما اسن ليع 
إليه أحد» وخالفوه» فقالوا غير ما قال ٠‏ ورأوا غير ما رأى: 


مد شقاق» إن أقم لا يقم معى 
ويرحل» وإن أرحل يقم ويُخالف 


وقد أورد له ابن سلام قصيدة من شريف الشعرا”*) 
يذكر فيها ما بنى من مجدء وما خاض من قتال» ويذكر لهره 
وشربه وصيدهء وقيامه فى المحافل خطيبا ثم يختمها بهذين 
البيتين فى وصف ما آل إليه بعد أن كان من كان: 

والموت خير للفتى 
وليَهلَكَنَ وبه بَقيّه 
من أن بُرى الشيخ الجا ا 
ل قد يُهادَى بالعشيه 

أما وقد نظرنا فى موضوعات شعر زهير فقد أن لنا أن 
ننظر فى الشكل الذى صيغ فيه هذا الشعر. ما بقى من شعر 
زهير قليل. وهذا القليل لم يصل إلينا قصائد كاملة وإنما 
أجزاء من قصائد ضاع أكثرها . ولننظر الآن فى إحدى ما 


۳.۲ 


تبّى من هذه القصائد والخبر الذى ارتبط بها. جاء فى 
الأغائى 7" : «قال أبو عمرو الشيبائى: : كان الجلاح بن 
عوف السّحُمى قد وطّ لزهير بن جناب وأنزله معه فلم يزل 
فى جناحه حتى كثر ماله وولده. وكانت أحث زهير متزوجة 
فى بنى القين بن سر فجاء رسولها إلى زر مع بد ف 
صرار رمل وشوكة قتاد . فقال زهير لأصحابه: أتتكم شوكة 
شديدة وعدد كثير» اا . فقال له الجلاح : أنحتمل 
لقول امرأة! والله لا نفعل. فأقام الجلاح وظعن زهير. 
وصبّحهم الجيش فقتل عامة قوم الجلاح وذهبوا بماله. 
ومضى زهير لوجهه حتى اجدمع مع عشيرته من بنى جناب. 
وبلغ الجيش خبره فقصدوه» فحاربهم وثبت لهم وقتل رئيسا 
سي زهير: 


وقد يق اليف الغريً لشو 
.وما دون م َه اارض يق 
e‏ عَتيق وتُمرق 
كما انهل أعلى عارض بتالق 
0 - فحيّيت عناء زَوٌدينا تحية, 
لعل بها العانى من الكَبل يُطلق 
1 فرت سلاا کم ولت بحا 
نڪل لَعَمُرى ياابنة الخير أشوق 
۷ - فياطيب ما رَيّه وياحسن منظر 
لهرت به لو أن رؤياك تَصدق 
4 - ويومٌ أثالى قد عرفت رسومها 
فعُجنا إليهاء والدموع ترقرق 
e‏ 
افیا دار سلتي مجه لعي ع 
فماءً الهوى افش او متركرق 


وقال زهير فى هذه القصيدة يذكر حلاف 0 
عليه: 





١‏ -أيا قومنا إن تَّقبلوا الحق فانتهوا 
وإلا فأنياب من الحزب تحرق 
فجاءوا إلى رَجراجة مكْقهرٌة 1 
يكاد المديرٌ نحوها الطرف يَصعق 
۳ ۔ سيوف وأرماحٌ بأيدى أعرّة 
ومَوْضونَةٌ مما أفاد محرّق 
١‏ - فما بَرِحُوا حتى تركنا رئيسهم 
وقد مار فيه الَضرّحى الذلق 
5 - وكائن ترى من ماجد وابن ماجد 
له طعنةٌ نَجَلاء للوجه يَشهَق 
وواضح أن 0 كاملة. فالبيت الحادى عشر 
هنا يسبقه قول أبى الفرج( «رقال زهیر فی هذه القصيدة 
يذكر خلاف الجلاح عليه؛؛ ولكن ما أعقبه من الشعر لا 
ذكر فيه لهذا الخلافء ثما يدل على أن هذا القسم قد فقد. 
ولا أشك أن هذا القسم الأخير (من البيت )٠١ ١١‏ قد 
فقد منه جزء كبير. فليس من المعقول أن بتحدث زهير عن 
نصر كهذا سبقته وقعة نكراء ‏ لرجل آواه وأكرمه «ولم يزل 
فى جناحه حتى كثر ماله وولده؛ كما قال أبو الفرج - فى 
حمسة أبيات. ولو انتهت إلينا هذه القصيدة كاملة لكانت 
فى الأغلب الأعم من أطول القصائد فى هذا الزمن المبكر فى 
تاريخ الشعر الجاهلى . 


وليس طولها نقط هر مبعث أهميتهاء بل أيضا 
مفتتحها بالطيف والخيال؛ واحتواؤها على النسيب والأطلال 
وسؤال الديار. ففى الأبيات السبعة الأولى يحدثنا عن طيف 
سلمى ألم به المنام قاطما مفاوز وقفاراء فأسعده زورها 
وتبسمها وحديثهاء ثم أفاق على مر اليقظة. فأنى له سلمى 
وهذه ديارها قفر قد E‏ له فعاج إليها ووقف بها حزينا 


ساكبا دمعه يسألها عن أهلها الظاعنين. ولو كان فى مقدور ' 


الديار أن تتكلم لأجابت هذه الدار عن سؤاله» رحمة به 
وشفقة. 
وإذا كانت هذه القصيدة قد بدأت بالطيف» فإن بائيته 
التى نظمها فى الوقعة نفسها تبدأ بذكر الطلل؛ يقول: 
دارا تغيرت الحَنَاك 
أقفرت من كواعب تراب 


عمر الشعر الجاهلى 


وللأسف الشديد لم يصل إلينا من المقدمة الطللية إلا 
هذا البيت؛ واقتصر أبو الفرج من هذه القصيدة ة على عشرة 
بيات يصور فيها زهير هزيمة تغلب. 

ثما سبق نرى أن القصيدة الجاهلية بأقسامها المعروفة من 
طلل ونسيب ورحلة.. إلخ. اكتملت لها صورة واضحة المعالم 
منذ أوائل القرن الخامسء إن لم يكن أواخر القرن الرابع. 
ب وهو صحيح إن شاء الله كان مي لمر 
الجاهلى أقدم زمنا من القرن الرابع؛ فقصائد زهير بن جناب 
فى آخر هذا القرن لا نقل فنا واكتمالا عن قصائد القرن 
السادس» ومن ثم فلابد من أماد طوال من ميلاد الشعر 
العربى حتى يصل فى الفرن الرابع إلى ما وصل إليه من 
إحكام؛ فلا سبيل؛ إذن» إلا إلى تتبع هذه المرحلة المبكرة من 
عمر الشعر الجاهلى. 

يسعفنا تاريخ مملكة الحيرة(**) فيما نحاول استكشافه. 
استقرت القبائل ا الشرنى 
للجزيرة لخصبه ووفرة مياهه. وبمضى الزمن تكونت 
مجتمعات من هذه القبائل فى مدن وقرى» كانت أهمها 
جميعا مدينة الحيرة ة على بعد ثلاثة أميال من مدينة الكوفة 
الحالية. وكان أسكان الحيرة يتكونون من تنوخ والعباد 
والأحلاف. أما تنوخ فكانت فى المنطقة التى نقع شرقى 
الفرات» بين الحيرة والأنبار. وكانوا بدو يعيشون على الرعى 
ويقطنون الخيام. واستقرت العباد ‏ وكانوا من قبائل شتى - 
فى الحيرة واخمتلطوا بسكانها الوثنيين. وكان العباديون 
نصارى تابعين للكنيسة النسطورية؛ وبها سموا: أى عبّاد 
المسيح. ومن الجدير بالملاحظة أن الرابطة التى كانت توحّد 
بين سكان الحيرة أساسها دينى: المسيحية للعباديين» والوثنية 
للقبائل الوثنية التى كانت فى الحيرة قبل قد العباديين. 
وكان هذا على نقيض كل المجتمعات الأحرى ) التى كانت 
وحدتها تقوم أساسا على رابطة الدم . أما الأحلاف فكانوا 
أناسا من قبائل مختلفة تتألف من عنصرين أساسيين؛ إما 
خلعاء طردوا من قبائلهم لجرائم اقترفوهاء وإما فقراء ضعفاء 
يبحثون عن مأوى وحماية. 


إذا كان الغموض يلف حياة مؤسس مملكة الحيرة 
مالك بن َ:.., فإن حياة وتواريخ الملوك الذين أنوا بعده من 


عادل سليمان جمال و س ل ت 


الوضوح بمکان -؛ وهم : : جذيمة الأبرشء عمرو بن عدى» 
وابنه امرؤ القيس. ويؤكد الا الذى يمجد 
أعمال امرئ القيس بن عمرو أنه مات ودفن فى سوريا سنة 
۸م . ويعتقد بعض الدارسين أن امرأ القيس بن عمرو كان 

من مناصرى ملك الفرس بهرام الشالث. وما وقعت الحرب 
بير ن سنتی ۲۹۳ ۔ ۲ ۰بین بهرام ومنازعيه على عرش 
المملكة وهزم بهرام » ترك امرؤ القيس بن عدى الحيرة وانجه 
إلى سورياء وهناك عينه الرومان حاكما على قبائل سوريا 
ار 


يذكر اليعقوبى أن امرأ القيس بن عمرو حكم خمسة 
ثلا . عاما*» فإذا كان قد ترك حكم الحيرة حوالى عام 
۰۵ أو بعدها بقليل؛ فذلك يعنى أنه تولى حكمها بين سنة 
۵ وسنة ١٠117م.‏ . ويذكر اليعقوبى» أيضاء أن عمرو بن 
عدى والد امرئ القيس حكم خمسة وخمسين عاماء فإذا 
صح ذلك؛ فإن حكم عمرو بن عدى يكون قد بدأ بين سنة 
٠‏ وسنة 118 أما سنوات حكم جذيمة الأبرش فمن 
المعب لمحديدهاء وهر شخص تاريخى لا مراء فى 
زلكه264. الذى لا شك فيه أن هذه السنوات التى اقترحتها 
بناء على ما ورد فى اليعقوبى تقريبية وليست على وجه 
اليقين» ؛ ولكن الذى لا شك فبه أيضاً أن حكم هذه الأجيال 
الشلاثة: جذيمة وابن أخته عمرر بن عدى وابنه امرؤٌ القيس» 
استغرق قرنا من الزمان. 

احتفظت لنا المصادر بأشعار قليلة من عهد جذيمة 
الأبرش وعمرو بن عدى. وبعض هذه الأشعار يرتبط بخبر 
جذيمة مع الزباء» وهى أخبار لايعلم مدى صحتهاء لذلك 
سوف أستبعدها ولا آخذها فى الاعتبار. ومن الخطأ الشديد أن 
نظن أن كل الأشعار التى تندمى إلى هذه الفترة أشعار غير 
صحيحة. فالأشعا ر التى لا تدور فى فلك أسطورة ة جذيمة 
والزباء جديرة بالبحث والدرس» أهمها قطعة أوردها الطبرى 
فى تا تاريخه قيلت فى الأحداث التى أعقبت موت جذيمة. 
فبعد موت نازع رجل اسم عمرو بن بعد الحن بن اخت 
جذيمة عمروبن عدى فى أمر مر الملك. وأثر الجانبان 
وأنصارهما السلم» » وتولى عدى مُلْكَ خاله» وفى ذلك قال 
عدى بن عمرو: 


۳.٤ 


دعوت ابن عبد الجن للسلّم بعد ما 
تتابع فى غرب السفاه وكَلْسمًا 

فلمًا ارعوی عن صدّنا باعترامه 
مريت هواه مَرَّى آم روائما 


أها ودماء مائرات تخالها 

على كُلّة العرّى أو النّسر عَنْدَما 
وما قدّس الرهبانُ فى كل هيكل 

أبيل الأبيلين السيح ابن مريما 


علق الطبرى على الشعر قائلا: «هكذا وجد الشعر ليس بتام؛ 

وكان ينبغى أن يكون البيت الفالك: لقد كان كذا 
(0s‏ 

وکذا» 0 


صاحب الحماسة البصرية ( _ ٦٥)"'ء‏ وابن منظور 
٦)۷۱ (‏ والعینی )۸٥٥  (‏ “وهنا البیت هو: 


لقد هَرّ منی عامر يوم لَعلَع 
ا لاقن اشر شا 


وليست هناك أسباب قوية تدعونا إلى الشك فى صحة 
هاتين المقطوعتين؛ فهما تشيران إلى أحداث تاريخية ثابتة 
الوقوع. وفوق ذلكء فإن مقطوعة ابن عبدالجن تصور الجو 
الدينى الذى كان سائدا فى الحيرة فى القرن الثالث. فمن 
المعروف _ وقد أشرت إلى ذلك آنفا ‏ أن أكثر سكان الحيرة 
كانوا نصارى؛ وكان بها عدد كبير من الكنائس والديارات 
تروع الإنسان كنشاته؛ ويكفى أيسر نظر فى معجم 
البکری ومعجم ياقوت (رسم: د وتات الدبارات لين 
زل" . هذه الکنائس والديارات لم تلبث أن خرّجت - 
بعد إنشائها- علماء نشروا علمهم المصبوغ بصبغة 
وينية2790. نرى فى مقطوعة ابن عبدالجن إشارات واضحة 
إلى المسيحية؛ كما نرى أيضا إشارات إلى الآلهة الوثنية 
كلق ارين 





كانت الحيرة قبل الإسلام مركزا من المراكز الثقافية 

المهمة فى الجزيرة؛ وكان التعليم فيها منتشراء وكانت بعض 

الكتاتيب تدرس العربية والفارسية كما نعرف من أمر عدى 

ابن زيد. لذا كانت الحيرة مقصد العلماء والشعراء. نلا 

عجبء إذن» أن تحفظ الحيرة تراثها بتدوينه. وقد اعتمد 

مؤرخر المتلمين على ما حلفت الحيرة فى بيعها من هدوات 
لكتابة تاريخها. قال الطبرى" : 

اند حدلت عن هشام بن محمد الكلبى أنه 

قال: إنى كنت أستخرج أخبار العرب وأنساب آل 

نصر بن ربيعة؛ ومبالغ أعمار من عمل منهم لآل 


كسرى وتاريخ سنيهم من بيع الحيرة؛ وفيها 


وقد ذكر 0110085 أن الاكتشائات الأخيرة لبعض 

النقوش قد أكدت ما أورده ابن الكلبى عن تاريخ الحيرة“ . 

كانت الحيرة» كما ذكرت قبل» مقصدا للشعراء. يقول 
شوقى ضيف فى معرض -حديثه عن النابغة الذييانى'؟! ' : 

9 

«ومعروف أن قبائل جد كانت تدين بالولاء 

للمناذرة منذ قضوا على 01 كندة. وكانت 

تدخل ذبیان ي هذا الولاء؛ فطبيعى 

شاعرها لنايغة النعمان بن المنذر 1 يضفى عليه 


أن يقصد 


مدائحه وسرٌ النعمان بوفوده عليه؛ فقربه منه 
ونادمه» وأجزل له العطايا والصلات؛ حتى أصبح 
شاعره المذ. وكان بلاطه يموج بالشعراء من 
أمثال أوس بن حجر التميمى والمثقب العبدى 
ولبيد العأمرى) . 


يذكر ابن سلام فى معرض حديئه عن حفظ الشعر 
الجاهلى وضياعه ما يلي" : 
«وقد كان عند النعمان بن المنذر منه ديوان فيه 


أشعا ر الفحولء وما ص هر وأهل بيته به وصار 
ذلك إ ی ہنی مروان» أو صار هنه) . 


- كما بينت من قبل مؤرخاء ومن ثم فتا 


عمر الشعر الجاهلى 


وعبارة ابن سلام على إيجازها غاية فى الأهمية؛ لأنها 
تؤكد ما ذكره ابن الكلبى من ١تدوين»‏ ملوك الحيرة 
لآثارهم» وهی أيضا بالغة الأهمية لأنها تثبت أن المناذرة كان 
عدم ديوان لفحول الشعراء؛ ثم هى بالغة الأهمية مرة ثالئة 
لأنها تبيّن لنا أن ملوك الحيرة جمعرا ما نظم فيهم من 
مدائح؛ ولا إخال أن هذه المدائح كانت فى النعمان وأهل 
بيته الذين عاشوا فى زمنه» بل أظن ظنا أن عبارة «أهل بيته» 
تعنى أجداده السابقين. ولا سبيل إلى معرفة ذلك على وجه 
اليقين. ولكن إذا نظرنا إلى الجقائق التالية: ١‏ أن الحيرة 
كانت مركزا من مراكز الثقافة العربية فى العصر الجاهلى. 
أن الكتابة كانت شائعة فى الحيرة؛ وبها درن تاريخ 
٣ 0‏ أن ملوك الحيرة كان عندهم ديوان لفحول 
الشعراء» ما يدل على اهتمامهم بالشعرء وهذا أدعى إلى أذ 
يدونوا الأشعار التى قيلت فى مديحهمء وقد كان. 4 أن 
شعراء كثيرين وفدوا إلى الحيرة من شتى أنحاء الجزيرة» 
وبعضهم أقام إقامة طويلة فيها كالنابغة. © وأن الشاعر كان 
تاريخ العرب هو 
شعرهم؛ وشعرهم هو تاريخهم. أقول إذا نظرنا إلى كل هذه 
الحقائق حق لنا أن نستنتج أن عبارة «أهل بيته» عند ابن 


سلام تنى الملوك السابقين على النعمان بن المنذر؛ وهذا 


بدوره يعنى أن ارا جا ا ي 
وفوق ذلك ليس هناك أى شئ فى عبارة ابن سلام يشعر أن 
النعمان هر الذى اس بجمع هذا الشعرء ومن ثم فلابد أنه 
تقليد قديم سنه أجداده واتبع هر خحطاه. 


فإذا صح ما قدمته ‏ وهو صحيح فيما أرجو- كانت 
مقطوعتا عمرو بن عدى وعمرو بن 2 00 الشعر 
Ne 1°‏ 0 له 
E‏ جذيمة الأبرش 1 وقصير. 
الوزن والقافية نفسيهماء أى أن عمرر بن عبد الح أجاب 


عادل سليمان جمال للم ی 


على مقطوعة عمرو بن عدی مستخدما الوزن والقافية 
نفسيهما اللذين استخدمهما عمرو بن 0 
ظهور فن النقائض فى هذه المرحلة المبكرة من تاريخ الشعر 
ال 


وحدة اللغة فى هاتين ١‏ المقطوعتين» واتساق النظم 
نيهماء واستخدامهما البحر الطويل» والالتزام بقافية واحدة لا 
تتغير» فضلا عما بشعر بوجود فن النقائض > کل ذلك يشير 
إلى أن الشعر العربى فى أوائل القرن الشالث قد وصل إلى 
مرحلة متقدمة؛ ولو وصلتنا قصائد كاملة لرأينا مصداق ذلك. 
هذا بدوره يؤدى إلى القول بأن بدايات الشعر العربى لابد أن 
تكون قبل مطلع القرك. الشالث بكثير. وللأسف الشديد لم 
as‏ . وقد حرصت هنا 
على ألا أنظر بعين الاعتبار إلى الشمر ربط بقصة جذيمة 
والزباء وقصير. وإن كنت أرى أن بعض هذا الشعر صحيح» 
لم تريّد فيه القصسّاص فأصبح من | العسير انتمّاد الزائف هن 
الصحيح. فإذا صح من هذا الشعر شئ» رجعنا بهذه المرحلة 
المتقدمة ثلائين عاما؛ أى حوالى عام 16 م. 


وبعد» أرجو أن تكون هذه الدراسة قد أوضحت بعض 
جوانب فى الشعر القديم. . نهى أولا تدعء إلى إعادة النظر فى 
الفكرة السائدة منذ ابن سلام؛؟ ونغى أن المهلهل بن ری 
كان أول من قصّد القصائد وذكر الوقائع , رهي ثانيا تثبت أن 
بعض معاصرى المهلهل من أمثال الفند الى والرفر 
ابر EA‏ قاد أهمية عن المهليل في 

تقصيد القصائد» وهى تبرز - للمرة الأول ا 


هوا مش؛ 


Reynold Norlin. 4, lierary Hisiory of The ArabsT{Lon- (1) 
con and New York: Cixrbridge University Press, 1985), P. 71. 


Janes Lyail. Translatious of Ancient 2 Poetry (¥) 

(Edinburgh: William anc Norgate, 1885), x 

)۳( نا لل امد شار اد . راه وشرحه الحمود «.حمد 

شأكر , مطبعة المدنى؛ القاهرة ١99.‏ . 5541 . وانثر أيضا الذضعر 

والشعراء» فحمد بن مسلم بن قتيبة. ممقيق: أحمد محمد شا شاك كر :دار 
المعارف» القاهرة كلول ١4:١‏ . 


أسبقية زهير بن جناب فى تقصيد التصائد» رهى رابعا تزيل 

بعض الغموض الذى يكتنف ابن حذام» وهى خخامسا حاولت 
تخديد زمن بض هؤلاء الشعراء؛ على ما فى ذلك من مزلة. 
وهی سادسا نزعم أن ما ينسبه النقاد ومؤرنحو الأدب إلى 
نتاج القرن الساءسء متوفر فى شعر القرن الرابع RE‏ 
وهى سابعا وأخيرا ترى أن أقدم شعر شعر مكتوب لدبنا يعود إلى 
العقد الأول من القرن الشالث» ثم على استحياء نقول ل بل 


ربما العقد الان من الغرن الثانى الميلادى. 


التتائج التى انتهت إليها هذه الدراسة تناقض ما يعتقده 
بعض الدارسين من . أن ولغة الشعر الموحدة لم تشع | إلا فى 
القرن الخامر”١"2.‏ وهذا الاعتقاد قائم على أن أقدم ا 
وصلتا تظبر فيها اللغة والوزن 0 تعود إلى أواغخر 


٤ 
121065 عن نقش النمار ة وما تعنيه تمربية هذا النص يقول‎ 


امرك الخامس 


0 Bellamy 


رهذ! النص يضيف قرنا ونسصما من الزمان إلى 
عمر اللغة العربية» ولا عجب فى ذلك فهى لغة 
محاذئلة أشد المحافظة» . 


يعنى أن اللغة العربية لا يعود اكعمالها إلى أواخر القرن 
الخامس ا و أوائل السادس ب بل إلى منتصف القرن الرابع . 
وتضيف الدراسة الحالية ١‏ أكثر من قرك من الزماك إلى عسر 
اللغة العربية» وبالطبع الشعر الجاهلى 


(4) ملبقات فحول الشعراء 501 وانظر أيضا الشعر والشعراء 56-1 . 

() احبوان 3 عدمان عم بن بحر المحاحظ. تخقينى: عبد السلام هاروك - 
المجمع لن ر الأسلامى a‏ 

0( ديواد اھ u‏ ال .حبق تحمل ابو أبر الفضل إبرأقيم ) دا ار ا معارف» 
القامرة ۱۹۹۱ء ص۱۳۲۰ ٠۳۳‏ . 

)42 الأغانى: دار الكتب ا مصريةء 5: AA:‏ 

(۸) هار بینی وبين أستاذى العلامة محمرد شأ كر حوار طويل حون هذا النص 
وطريقة الجا-عظ فى عدد السنين والحابء ولا أشك أنه هر الذي هدانى 





إلى ما ألبت ههنا عندما شرعت فى كابة هذا المقال فى أواخمر عام 
05 .. وكل ما كتبت وحققت من فضله وعلمه. 
(1) لقائض جرير والفرزدق؛ لأبى عبيدة معمر بن المثنى» متحقيق: شارلز لايل 
مطبعة بریل بلہدن ھ۱۹ 18:١‏ 557:7 5614, 
)٠١(‏ الحيوان, 5://ا7, 
)١١(‏ المرجع السابق 177:5 "ال9. 
(۲) طبقات فحرل الشعراء» 71:١‏ . 
(۱۳) انظر 
(4) العمدةء لابن رشيق. خقيق: محبى الدين عبد الحميد؛ دار الجيل» 
بيروت» الطبعة الرابعة» ۱۹۷۲ء ٠١ :١‏ , 
)٠١(‏ الأغاني» ٠٤ :١١‏ . 
)1%( ilضظر Hamilton Gibb. Arabic Lierature: An Introduction.‏ 
(London: Oxford University Press, 1970), p. 29.‏ 
)١0‏ طبقات فحرل الشعراء ."9:١‏ 
(18) الموشح: لأبى عبيد الله المرزبانى» خقيق: محمد على البجاوى» مطبعة 
دار نهضة مصر؛ الماهرة» ۱۹٦٩‏ ص ٠١١‏ . 
(۹) المزهر؛ للسيوطى. خقبق: أحمد جاد المولى وآخرون منشورات المكتبة 
العصرية؛ يهروت؛ ۰۱۹۸۷ ۲؛ ٤۷۷‏ . 


Lyall,op. cit., p.xvii 


)٠(‏ رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى. مخقيق: عائشة عبد الرحمن › دار 


المعارف بالقاهرة 2,187 ص: ۳٣۳‏ ۔ ٠٠٤‏ . 

: 7 نقائض ججربر والفرزدق ؟: 500. وانظر أيضا الشعر والشعراء‎ )١١( 
لفة‎ 

(؟1) مجالس لعلب؛ تقيق : عبد السلام هارون ‏ دار المعارف؛ القاهرة؛ 
الطبعة الثانبة» 4١١٠:١ ١۱۹٠۰‏ ونقل ذلك السيوطى فى المزهر »۲ : 
4Y‏ 

( الأغبانی ۲۱:١‏ ولوقائع الحرب انظر ص: 54 - ٠٤‏ من الجسزء 

نفسهه المعارل لابن قتيبة» حقيق: ثروت عكاشة ‏ دار المعارف» القاهرة» 
الطبعة الثانية» 975١؛‏ ص؛: ٠١‏ رالعقد الفريد لابن عبد ربه» تحفين: 
أحمد أمين رآخرين - مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة» 
٢۵‏ ۲۱۳:۵ ۲۲۲ وبتفصيل مستفيض فى كتاب بكر وتغلب» 
مطبعة نخبة الأخيار, ١١١٠ه.‏ 
)١4(‏ للحارث. وملوك كبدة انظر Gunnar Olinder. The Kings of Kin‏ 
da (lund: Gleerup, 1927).‏ 
)٠٠(‏ منتهى الطلب فى أشعار العمرب» لابن ميمون. الجزء الخامس» نسخة 
جامعة ۷818. وفى كتاب أشعار بكر وتغلب قصيدتانء إحداهما حائية 
فى ثمانية وعشرين بيتاء والأخرى قافيّة فى نسعة عشر بينا. 

(11)من النادر أن تبدأ قصيدة فى الرثاء بذكر الأطلال أو النسيب» وإنما تكون 
من بدايتها عن مصاب الرائى وصفات المرئى؛ وقد يتطرق الشاعر إلى 
الحديث عن الصيدء وفيه يفل الحيوان تأكيدا لحتمية الفناء» كما فى 
قصيدة أبى ذؤيب العينية. 

(۷) الشعر والشعراءء .۷١ - ۷١:١‏ رقد ناقشت كلام ابن قتيبة فى فصل 
نشر فى دراسات عريية واسلامہة؛ ص: ۳۱۳ ۔ ۲٣١‏ وهر کتاب 
مهدى إلى أستاذنا العلامة محمود محمد شاكر بمناسبة بلوغه السبعين» 

أطال الله بقاءه. 


عمر الشعر الجاهلى 


(۲۸) طبقات فحول الشعراءء ٠١ :١‏ وانظر أيضا كتاب الأوائل للعسكري 
.٠ ۲‏ مقيق: محمد المصرى وآخرين ‏ طبع وزارة الثقافة» دمشق» 
٥‏ , والأغانى ه: /اهء المزهر 477:1 . 

(۲۹) طبقات فحول الشعراء: : ۱ ۹. وللبیت انظر ديوان امرئ القيس: 
4 وبقال له أيضا: : أبن خذام وابن ا 

(۳۰) الشعر والشعراء, ٠١۸٠۱‏ . 

)۴1( جمهرة أنساب العرب» لان حزم. خقيق؛ عبد السلام هارون - طبع 
دار المعارف» القاهرة» ۱۹۸۲ء ص ٠١٦‏ . 

7" المعمرون والوصاياء لأبى حاتم السجستانى» تحقيق: عبد المنعم عام 
مطبعة عيسى البابى الحلبى» القاهرة, 21451١‏ ص: .۷١‏ 

( المؤتلف واغتلف؛ للحسن بن بشر الأمدى. خقيق عبد الستار فراج ‏ 
مطبعة عيسى البابى الحلبى» القاهرة» ۱٩۱۹ء‏ ص:۷. 

(74) شعراء النصرانية» للوبس شيخو. مكتبة الآداب» القاهرة» بدون تاربخ ۲ : 
٠‏ ديوان الشعر العربى» لأحمد سعيد (أدونيس) ‏ دار العلم 
للملايين؛ بيروت؛ 1474 ص: 51/7» الإعلام لخير الدين الزركلى » 
دار العلم للملابين؛ بيروت 19194١141:١؟75,‏ 

. ٠١:۱۹ الأغانی»‎ )۳( 

الأغسانى» ٠١:1١‏ الكامل فى التاريخ؛ لابن الأثير- طبع بولاق» 
القاهرة» ۱۲۹۰هے» 74:1 .١‏ 

(7؟) العقد الفريد؛ لابن عبد ربه ©: 5١9‏ . 

(8) الأغانى» 18:14 - ۱۹ الکامل فی التاریخ ۱: .٠١۹‏ 

(۹) العقد الفريد» ۲٠١:١‏ الكامل فى التاريخ .٠١۸ :١‏ 

)٠٠(‏ المؤتلف والختلف» للآمدى» ص:۷. 

.۸۷:١ العملةء لابن رشبق؛‎ )4١( 

(۲) طبقات فحول الشعراء, :١‏ 8". 


.۳۷۹۰۱ الشعر والشمراءء‎ )٤۳( 
.۸:١ العمدةء‎ )44( 


(40) خحزانة الأدب» لمبد القادر البغدادىء» خقيق: عبد السلام ارون _ 
مكتبة الخائمى» القاهرة» ۳۷۸۰۲ . 
(5) الأغاني, ٠١:۱۹‏ . 
(۷) خلط بعض القدماء والحدئين بين أبرهة هذا وأبرهة صاحب الفيل. انظر 
مثلا الشعر والشعراء ۳۷۹:١‏ المفصل فى تاريخ العرب قبل 
الإسلام: لجواد على مكتبة النهضةء بغدادء ۱۹۷۲ ٤4١:۹‏ . 
(4) انظر اريخ الشعر العربى إلى نهاية القرن الشالث للهجرة؛ لنجيب 
البهبيتى ‏ مكتبة الخامجى » القاهرة» الطبعة الرابعة» ص1 "5 . 
(45) الأغاني, 71:15. 
(00) المعمرون والوصاياء ص: "» الأغانی .7١:15‏ 
(١ه)‏ الأغانی» .۲٠۰:۱۹‏ 
(51) طبقات فحول الشعراء ۳٣:۱‏ ۔ ۳۷ الأغانی ۲۲:٠۹‏ المعمرون: 
كا 
(۳) الأغانی ۱۹: 73-374. 
)٥4(‏ الأغانی ۱۹:۱۹. 
Gustav Rothstein. Die Dynastie der Lahmiden in al - (oo)‏ 
Hira (Berlin: Verlag von Reuther, Reichard, 1899), especially‏ 
pp. 12 - 40. Philip Hitti. the History of the Arabs, the edition‏ 


ww 7 


عادل سليمان جمال 


(New york: st. Martin's Press, 1960), pp. 81 - 82. Irfan shahid, 
“AL-Hira”, in Encyclopaeidiae of slam 2 nd edition, 3: 462 
-63. 
١50 وانظر أبضًا لصتل فى تاريخ العرب قبل الإسلام؛ لجواد على ؟:‎ 
۔ ۳۱۳ . وکتابا 518۷لا وجواد على يعالجان تاريخ الحيرة بالتفصيل؛ أما‎ 
ی وشهيد ففيهما عرض موجز.‎ 
James Bellamy. A New Reading of Namara Inscr-  رظنا (5ه)‎ 
ription,” in Journal of the American Oriental Sociéty, No. 
105, 1985, 1:31. 
انظر المصادر التى أوردها جواد على فى المفصل فى تاريخ العرب قبل‎ )00( 
الإسلام ؟؛ ۱ ولم بتح لي ان أراهاء فالعهدة عليه.‎ 
.۲۰۹۰:۱ )۱۹۱۰ تاریخ الیعقویی (طبعة دار صادر؛ بیروت؛‎ )٥۸( 
(0۹4) 
Irfan Kawar (Shahid), 
"Djadhima-al- Abrash in Encyclopaedia Of Islam, 2nd edi- 
ton, 2: 365 
تاريخ الطبرى» تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. طبع دار المعارف»‎ ). 
رانظر أيضا معجم الشعراء للمرزبانى»‎ .1١١:١ 1570 القاهرةء‎ 
مخقیق عبد الستار فراج - طبع عيسى البابى الحليى» 21975 ص:‎ 
.۸ 
الحماسة البعمرية؛ لملى بن أبى الفرج بن الحسن البصرى» مخفيق:‎ )1( 
2151/8 عادل سليمان جمال  طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية,‎ 
١ الفعلمة رقم؛ كل‎ 





عدوي موي ی 





(7) لسان العرب (طبع بولاق) مادة لعع. 

(1) المقاصد النحوية؛ للعينى: بهامش خزانة الأدب (طبع بولاق)» 
ها 60١‏ 

(4) كعاب الديارات» لأبى الحسن على بن محمد المعروف بالشابشتى 
تحقيق: كوركيس عواد ‏ مطبعة المعارف» بغداد 14515 . 

Irfan shahid, the Martyrs of Majran(Bruxelles: Soci- :رظil‎ (16) 

ete de Bollandistes Subsidia Hagiographica, No.49), pp. 269 -.‏ 
2 انظر أيضا المصادر الم ذكورة فى هامش؛ ٠٥‏ . 
ويذكر أبو الفرج أن من آلهتهم أيضا اللات وسبدء انظر الأغاني ۲ : 
64 . 

. 1۲۸:١ تاریخ الطبرى‎ OY) 

Gunnar Glinder. The Kings Kinda, p. انظر:‎ )۸( 

1 شوتى ضيفء العصر الجاهلى, . طبع دار المعارف» القاهرة بالطبعة الثالثة » 
ص:ك؟؟. . 

.؟8:١ طبقات فحول الشعراء‎ )7١( 

(71) على سبيل المثال لا الحصر انظر: العصر الجاهلى لشوقى ضيف؛ :١‏ 
1١‏ الشعر الجاهلى لسيد حنفى» طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب» 
القاهرة, 15171 ؛ ص : 77 ؛ مقدمات المصيدة العربية فى الشعر الجاهلى 
لحسين عطوان - طبع دار المعمسارف» القاهرة, 21517٠١‏ ص: مك2 
دراسات فى الأدب العربي؛ لجوستاف قون جرونباوم - ترجمة إحسان 
عباس وآخرین دار مكتبة الحياة؛ بیروت ۱۹۵۹ » ص: 15 بوانظر أيضا: 

J.W. Fick, “Arabiyyq, in Encyclopaedia of Islam. 2nd 

edition, 1: 54 - 68. 


(77) (انظر هامش: 85 لهذا المقال) 47 .م 


١ 





للا 


إدوار الخراط 





ااااالاالالااااللال الملا لالم طلطا1 الالالال الللالة ماللا لامالا ممالل اللا ناملا ااا اماملا اللطل لمالا الما اللا عمللا 


إدواز الخسسراط.. 


اتس حبسا لسا 





محمود أمبين العالم* 


AALS 


إن احتفاليتنا هذه بالصديق المفكر الفنان إدوار الخراط 
هى احتفالية بمن يمكن أن نسميه فى غير مغالاة بالمنقف 
المتكامل أو الكلى. لست أتصد بهذا كملا مثالياء أو كلبّةُ 
مطلقة» وإنما أقصد به الأديب العارف بمختلف جوانب 
الأدب» الممارس لهاء وال متمكّن منهاء عبر مرحلة من 
الاجتهاد والتجريب والمعاناة» أتاحت له امتلاك أدواته لطبي 
رؤيته وشمول إنتاجه وغزارته. 

ونتاج إدوار الخراط نتاج يمتح من تراثنا العربى القديم؛ 
وبخاصة من أعماقه الوجدانية الصوفية» كما يمتح من خبرة 
واقعنا المصرى والعربى فى جَلياته الحيانيّة والنضالية والإبداعية 
امختلفة» وهو يلتحم كذلك بالتراث الفكرى والأدبى والعالمى 
المعاصر تفهما وتمثلاً وترجمة؛ ويفيض دائما بإبداع يجمع 
بين القصة والرواية والشعرء ويتوقف دائما ليتأمل ما يبدع 
بيذت E‏ 


* مفكر وناقد مصرى . 


الرحلة المتمطشة أبدا إلى أروقة الفنون التشكيلية وآفاق الإبداع 
الموسيقى والمسرحى . 

رتجده دائما بيننا فاعلية فكر وموقف وإبداع؛ فى هموم 
بلده وعصره» مضيفا إلى ثقافتنا العربية» كاشفا مضيئا 
مسارات وآفاق ثقافية تتسم بالجسارة والتجدد. وهو بهذا كله 
يشكل مدرسة من أبرز المدارس الأدبية النشطة المؤثرة فى تراثنا 
الأدبى العربى المعاصرء لا بإبداعه الذاتى فحسب ويما يلهمه 
ويفجره من قيم ورؤى» وإنما كذلك برعايته الجادة الدائبة 
لطائفة من أجيالنا الأدبية الصاعدة الواعدة. 

فتحية تقدير وإجلال ومحبة لإدرار الخراط على النموذج 
الإنسانى والإبداعى الذى يمثله فى حياتنا وثقافتنا العربية 
الراهنة . 


تمنيت لو سمح لى الوقت والمجال بأن أستخلص من 
خبرته الغنية فى شمولهاء ملامحها النظرية الأساسية؛ ولكن 


حسبى» هناء أن أقف عند جانب واحد من جوانبها هو النقد 
الأدبى» على أنى فى الواقع أكاد أرى فى نقده الأدبى نافذة 
تطل بنا على مجمل عالمه الفكرى والإبداعى» ولعلى 
ذکرت» فی دراسة سابقة عن إدوار الخراط» أننا لا نكاد جد 
فرق بين ممارسته النقدية النظرية وإبداعه الأدبى» وهذا حق» 
وإن كان ف: بعض المغالاة. 
حقاء إن إبداعه الأدى يجسد رؤيته النقدية؛ ونقده الأدبى 
تنظير لرؤيته الإبداعية؛ على أن رؤيته النقدية فى تقديرى لها 
خصوصيتها التى تتيح لنا الوقوف عندها مؤقتا فى استقلال 
نسبى . 
والواقع أن الوقفة عند الجانب النقدى فى نتاج إدوار 
٠‏ الخراط أو عند أى نتاج نقدى هى رقفة تنقلنا - فى تقديري - 
من مجال الأدب الخالص إلى مجال الفكر الخالص» أو بتعبير 
أدق تنقلنا إلى الجال المعرفى» فهى ليست وقفة عند نطبيقاته 
النقدية على الأدب» وإنما عند ما وراء هذه التطبيقات النقدية 
من أسس معرفية أو ابستمولوجية. وهذا ما نسميه بنقد النقد. 
ولعلى أستجيب هناء لإدوار الخراط نفسه فى دراسته 
النقدية لأدب إبراهيم أصلان فى قوله : 
«فلن نتسب إلى أية مدرسة نقدية ومنهجية؛ 
ومنهجى - إن كان ثمة - هو منهج معايشة 
لمادة الفنية» لكى أعيد خلق رؤية خاصة ونابعة 
منها فى الوقت نفسه». 
«وأنا بذلك أعرض هذه الرؤية للعمل الفنى 
من كل أجنحتها ‏ للهسجوم المذهبى 
والأكاديمى ‏ طواعية - وأتركها مفتوحة له» 
لأنى وائق أن لها حقاً مشروعا فى البقاء؛ ولأنتى 
آمل أن لها مقدرة على المواجهة؛ ولأنى أتمنى 
فى النهاية أن يكون فى نقد النقد ما يخصب 
ويغنى ويعمق خحبرتنا) «الحساسية 
الجديدة)/؛ 11 . 


والواقع أن إدوار الخراط؛ وهو يمارس النقد مخفتلف 
النصوص الأدبية؛ يحرص على أن يؤكد فى كثير من الأحيان 
أنه لن ناقدا أدبيً. يقول مثلا فى دراسته لأدب المازنى: 


1۲ 


ولن أسوق أولاً الحجج التى أنتهى بها إلى نتائج؛ 
ولن أضع اللبنات الواحدة فوق الأخرى أبنى بها 
قضاياى. بل انهى إليك» بداءة ما استقر عليه 
ذوقى (ص15) أي كانت علاته وهناته» فإننى 
أعنى ما أقول من أثنى فى الحقيقة لست ناقداً 
صلا بل إما مشارك فى التجربة الفنية أو رافض 
لهاء بكل ما تعنيه المشاركة أو الرفض من ميل 
مع الهوى؛ وكل ما تتضمنه أيضا من غمر 
للنفس فى لجة العمل الفنى وعبابه واعتناق 
لنطقه الداخلى» ونفى بات للنظر إليه من عل 
فى موضوعية أو حياد لا أظنه حقيقيا أبدا» 
«الحساسية الحديدة» ( ص ص۲٦۰‏ ۱۳). 
والحقيقة أن من الخطأ أن نأخذ هذا الكلام على عواهنه» 
فهو كلام فنا يمارس النقدء ويجعل من نقده إعادة لما ينقد. 
فإدوار الخراط ناقدء ناقد بغير شكء أو على الأقل ذو رئية 
فلسفية جمالية كما سوف نوضح فيما بعد. على أنه قد 
يكون من الخلا أن أ خلص كذلك من هذا أنه ناقد 
انطباعى كما قد يبدو من كلامه؛ بل كما قد تثيره بعض 
اختياراته ومعالجاته وتقييماته» ولعل إدوار الخراط فى موضع 
آخر فى حديث له عن تأويل العمل الأدبى. أجاب عن ذلك 
بقوله: 
«التأويل عندى هو تذوقى أنا وأنت وهوء كلا 
على حدة؛ تذوقاً روحياً أساساء وعقليا بعد 
ذلك». 
معنى هذا هو الانتقال من لحظة التذوق الأولى إلى لحظة 
العقلنة النظرية. وهو شأن أية عملية نقدية جادة. على أن هذا 
لا يمنع من أنه يقوم فى بعض الأحيان بتقييم عمل أدبى 
إبداعى بنص إبداعى آخر. لعلى أشير بهذا إلى نص له عن 
قصيدة للشاعر رفعت سلام؛ أو إلى نصوصه عن وده 
عدلى رزق الله. على أن أغلب تطبيقاته النقدية تبدأ بالتذوق 
لتسعى بعد ذلك إلى منطقة تذوقه؛ وكشف أسسه ودلالاته. 
ولهذا ند تصنيفاته لأشكال التعابير امختلفة وتحديدائه لما هو 
حساسية قديحة أو جديدة» وصكه مصطلحات تقييمية جديدة 
فى خبرة الإبفاع مثل مصطلح والكتابة عبر النوعية» ؛ وتمييزه 





الدقيق بين هذه الكتابة عبر النرعية والحساسية الجديدة من 
جهة والحداثة من جهة أخرى. 

فالحساسية الجديدة عنده هى كسر للترتيب السردى 
الاطرادى» وخطيم لسلسلة الزمن السائر فى خط مستقيم» 
وهى تداخل الأزمنة وكسر النمطية وتدمير سياق اللغة السائد 
المقبول» والارتفا ع بالبنية اللغوية من دلالتها المعجمية التقريرية 
المباشرة إلى دلالتها السياقية الفنية الخاصة؛ وهى حول قيمى 
فى مرحلة زمنية معينة محددةء ستتبعها حساسيات جديدة 
أخرى. أما الحدائة عنده فهى ليست قرينة للجدة وليست 
زمنية تاريخية؛ بل هى تعبير عن القيمى لا عن الزمنى؛ وهى 
نفى مستمرء ولیس فی تکوینھا ما يتيح لها أن تكون بنية 
ثابتة» لأنها «سؤال مفتوح» »)٥۰(‏ وهی سعی مستمر نحو 
المستحيل - كما يقول - ولهذا فهى كتابة تساؤلية غير 
يقينية أبدا تعجاوز الزمن وتخلد عبر التاريخ. ولعلنا جد هذه 
الدلالة فى بعض كتابات أدونيس. أما الكتابة عبر النوعية 
فهى رؤية لظاهرة التداخل بين القصة والقصيدة:» بين الرواية 
والشعر: بما يكاد أن يزيل الحواجز بينهماء وهى عنده ليست 
مجرد ظاهرة بنيوية وإنما هى رؤبة للعالم تتتسب إلى أقبية 
الخبرات الباطنية العميقة والوجد الصونى بمعناه الكونى 
والإنسانى» على أنه - برغم هذا التمايز بين هذه الظواهر 
النلاث - فهناك تشابكات وتداخملات بينها فى فكر إدوار 
الخراط وتطبيقاته النقدية. 

وفى تقديرى أن الحديث عن هذه الظواهر التصنيفية 
للأعمال الأدبية؛ التى يحددها إدوار الخراط ويميز بين" 
سماتها الختلفة» ويرصدها النقاد عامة فى تطبيقاته النقدية؛ 
نقف بنا - فى الحقيقة - عند التضاريس الخارجية فحسب 
لممارسته النقديةء ولا تكشف لنا عن الأسس النظرية التى 
تصدر عنها هذه الظواهر والتضاريس»؛ على حين أن هذه 
الأسس المعرفية النظرية هى التى تشكل بحق رؤيته النقدية» 
وهى الموضوع الحقيقى لما نسميه بنقد النقد. 

إن متحديد الأسس المعرفية النقدية لمنهج إدوار الخراط 
النقدى يستلر م الاستيعاب الشامل والمتابعة التحليلية لممارساته 
النقدية والإبداعية معاء مما لابتيحه لنا هذا اللقاء الاحتفالى» 


إدوار الخراط .. ناقداً جماليا 


ولهذا حسبى أن أقدم اجتهاداً أولياً متواضعاً يحتاج إلى المزيد 
من التدقيق والتعميق. 
فى تقديرى أن أساس نظريته النقدية هو حرصه على 
تخديد الكلى الكامن وراء الجزئيات فى قراءاته النقدية. أى 
خديد ما هو جوهرى وراء التفاصيل العارضة» وإن تكن هذه 
الصفة العرضية نفسها تكاد تصل عنده أحيانا إلى مستوى ما 
هر جوهرى كذلك. وهكذاء لا يدرس إدوار الخراط عملا 
روائيا إلا ويرتفع سؤاله الأساسى حول ما يسميه «القيمة 
الروائية) . 
والقيمة الروائية عنده مصطلح جديدء يختلف عن دلالته 
العامة الشائعة. فالقيمة الروائية عنده ليست هى البنية؛ بل 
هى أكبر من مجرد العنصر البنائى بل أكبر من مجرد المقوم 
الذى يقيم هيكل العمل الروائى. إنها بؤرة أساسية - وأؤكد 
هنا كلمة بؤرة. إنها - كما يقول: 
«بؤرة أساسية تستقطب حولها هذه العناصر البنائية أو 
تلك المقومات» أى أن لها طاقة داخلية قادرة 
على اجتذاب عناصر معسقة من الوصف 
والتحديد المكانى والحوار» وغيرها من الأساليب 
الروائية؛ اجتذابا يكون منها مركزاً أو محوراً 
ديناميكياً غير ساكن وغير مجرد من محاور 
العمل الروائى؛ . 
نلاحظ مرة أخجرى هنا مفهوم البؤرة والمركز وامحور. 
ولنضرب مثلاً لقيمة روائية فى دراسته لرواية (رائحة البرتقال) 
محمود الوردانى. يقول إدوار الخراط (إن إحدى القيم الروائية 
فى هذه الرواية هى تناظر التناقض وتناقض التناظر؛» بحيث 
یکون الشۍ هر وغیره فی آن»(ص۲۸۷)» وتأسيساً على هذه 
القيمة الروائية الأساسية فى الرواية يطلق على كاتبها لقب 
كاتب (نصف النور ونصف الللمة؛ نصف الصمت ونصف 
البوح؟. 
ولعلنا نتبين فى هذا المثال وفى غيره أن ما يكتشفه مرتكز) 
أو بؤرة أساسية فى العمل الروائى ليس مجرد البنية؛ أو حتى 
اللغة الخاصة؛ رغم أهميتها الشديدة عنده» وإنما قيمة كامنة 
داخله» هى القمة التى تمنحه دلالته العامة» على أننا نلاحظ 


- فى هذا المثال وفى عشرات غيره - أنها برغم أساسيتها 
ومحوريتهاء أى أساسية القيمة الكامنة» فهى ذات طبيعة 
ماعبسة؛ إذ هى دائما سمة قائمة وغير قائمة. فهى تناظر 
وتناقض» فى أنء نظام وتدفق» انفتاح وانغلاق» استرجاع 
ويجاوزء ذاكرة ومخيلة» قانون وحربة» جسدانية وصوفية» تاريخ 
وخروج على التقاريخ؛ مكان زمنى وزمن مكانى؛ مطلق 
ونسیی» شبقی وروحی؛ وهی رسوخ ومراوغة وصراع ولکنه 
محکوم» وتوازن ولكنه محسوب» وكثافة تنطلق منها أنشودة» 
إنها دائما الشئ ولكن فى حالة التباس مع نقيضه. 
وهو تناقض أشبه بالعواشج والتواحد الذى يشكل فى 
النهاية رؤية كلية. والهم التقدى الأكبر لإدوار الخراط أن 
يكتشفها نقداً وأن ييدعها فنا. وهى على التباسها رؤية كلية 
راسخة» تكاد نكون أولية التكوين والوجود» كالحياة واموت؛ 
والكون والفساد» والله» والوجود» مجرد الوجود على إطلاقه. 
هم إدوار الخراط النقدى - كما ذكرنا - أن يبحث عن 
هذه القيمة الأساسية الراسخة داخخل النصء إنها على حد 
تعبيره فى دراسته لأدب محمد المخزجى: «الجوهر الخفى 
الصلب القائم وراء الأغواض المراوغة» حيث ينصهر الموضو 
مع البناء» . 
وبقول أيضا فى موضع آخر: 
«أميل كثيرا إلى أفعال الانبغاق والأفعال التى 
تبدر بشكل مراوغ كما لو أنها (نلاحظ هنا 
تعبير كما لو أنهاه سوف نعود إليه) طبيعية 
وعفوية وتلقائية. ولكنها فى الواقع نتيجة لنظام 
خفى ولنسق كان مفروضا؛ (ص۸) . 
ولعلنا نقكرب أكثر من تعرف هذا النظام الخفى أو 
الأساس الداخلى فى هذه الفقرة فى كتابه (الحساسية 
الجديدة) التى يتحدث فيها عن الطفولة باعتبار أنها: 
«لم تعد ماضياً منقضيا أو شيئاً مستعاداء بل هى 
فى هذه الكعابة الحديقة واقع مجادل ومحاور 
للواقع الذى نعيشهء للواقع الذى عشناهء والواقع 
الذى نتصور أنه سيحدث أيضا فى المستقبل مع 
خيرات الواقع المتجددة؛ (ص7417) . 


1٤ 


إنها إذن فى تتقديرى الطفولة الأبدية» أو البدد الدائم عند 

إدوار الخراط الذى يجمع بين الاسترجاع والتجاوز. وفى آخر 
كتبه (أنشودة الكثافة) يقول: 

«فى مغامرتى محاولة إذن للغوص إلى طبقة 

جيولوجية بدائية فى الحس بحيث يكون 

التواصل عبر جرس اللغة يكاد يكون تواصلاً 


اا 
ولعل الأمر يتضح فى جلاء مطلق فى هذا التساؤل الذى 
يسأله فى دراسته لنص لمنتصر القفاش: 


«إن اللغة ‏ السردء قد انتزع منها كل ريشها 
الزخرفى وبقى لها ريشها الجوهرى. فهل عادت 
إلى عناصرها الأولى» مقومات الوجود الأولى: 
لماء والتراب والريح والنارء (ص 85) (الكتابة عبر 
النوعية) . 
هناكء إذن» ما يمكن أن نسميه بالجوهر الأصلى البدئى 
الأولى الذى يسعى إدوار الخراط للبحث عنه» بل أكاد أقول 
الإنطلاق منه دائما. ولعله أن يكون مصدر هذه المغردات بل 
المفاهيم العديدة التى زكاد أن تكون «سقالات» لبنيته النقدية 
مثل الرسوخ والكثافة» والانضباط» والتحكم والقبوية والصرامة 
والوجازة» إلى غير ذلك. 
على أن هذا الجوهر الأولىّ البدئى» الذى هو فنية الفن؛ 
أو هو الفن باعتباره - عند إدوار الخراط - مجرد وجودء هذا 
الجوهر هو القيمة الأساسية؛ وقد يكون المصدر الأول والدائم 
للوجود وللمعرفة» أر يكون النمط الأساسى أو الأعلى على 
حد رؤية يوغ أو اللاوعى عند فرويد - فما أكثر استعانة إدوار 
الخراط بعلم النفس عامة والتحليلى خخاصة فى قراءاته النقدية - 
ويكاد هذا الوجود الأول أن يكون هو الله بالمعنى الكونى 
الذى مجده فى تراثنا الثقافى الحديث عند سلامة موسى» وفى 
تراثنا القديم فى الحركة الصوفية» خاصة عند ابن عربى» أو 
هو الإله الخفى عند لوسيان جولدمان؛ وإن يكن بمفهوم 
على أن هذا الوجود البدئى الأول الأصلى لا ينفى فى 
رؤية إدوار الخراط المظاهر الشانوية العرضية والزمنية من 





ا لاا ااا 


شخصيات وأحداث سياسية واجتماعية؛ ولكنها لا تمثل 
شروطا محددة للتحقق والوجود» بل هى أطر وحوامل؛ تضئ 
الديمومة المتصلة لهذا الوجود الأول؛ ولهذا لا يقف عندها 
إدوار الخراط كثيرا أو طويلاً ولكنه ‏ فى الوقت نفسه ‏ لا 
ينها 

على أن هذا الوجود الأول الكلى؛ رغم كثافته الوجودية 
لا يوجد - كما سبق أن ذكرنا ‏ بغير نقيضه. إنه هر وليس 
هو. ليس فى هذا إلغاء أو طمس لرسرخه الوجودى وإنما هى 
رؤية مفتوحة رهيفة لحقيقته» فهو دائماً بين بين. 

ولهذا يميل - كما سبق أن ذكرنا ‏ إلى أفعال الانبئاق؛ 
بل يكاد يقترب من مفهرم وم نمدم الصدور أو الانبثاق فى 
الفلسفة الأفلاطونية الجديدة عند أفلوطين بالذات. فكل شئ 
يصدر عن الأول؛ كما لو أنه هو وهو ليس هو وإن يكن هر 
هر يصدورة عنه. ولهذا نکاد جد فی أغلب كتابات إدوار 
الخراط النقدية والإبداعية» على السواء» هذه التعابير القلقة 
بين التحقق واللاتحقق» بين الكينونة والمغايرة» بين الكينونة 
والصيرورة التى لا تفشرق عن كبنونتها. وما أكثر التعابير 
المعبرة عن هذه العلاقة البينية» مثل ويكاد أن ذكما لو› 
على وشك أن؛ ودكأنما هى»» ردلولاء: ودإن كانت 
فنضلا عن كلمات «التراوح» و«المراوحة» و«المخايلة) 2 
و«الإمكانات غير المستقرة؛» و«التناسق المتنافر» أو «التنافر 
المتناسق)» إلى غير ذلك مما يذكرنى باحجاه فى الفلسفة 
الحديثة يطلق على نفسه اسم فلسفة 15 25 (فلسفة كما لر 
أن) . وتبرز هذه العلاقة المتراوحة خاصة فى وحدة المتناقضات 
العديدة؛ وفى العلاقة البينية بين الأشياء والظواهر» مثل 
الكتابة عبر النوعية والمنطقة البينية بين الذاتيات التى يعرف 
بها إدوار الخراط الصياغة والفنية. 


إن الجوهر المعمرفى عند إدوار الخراط ذو رسوخ بدئى 
أولى؛ ولكنه - مع هذا فى حالة تمرحل دائم؛ فى حالة 
بينية متصلة» بين الكينونة والصيرورة» بين الذاكرة الراسخة 
واغخيلة الشاطحة» وما يجمع ويوحّد بينهما. ونكاد جد هذا 


إدوار الخراط .. ناقداً جماليا 


كذلك فى لغته الفنية فهى على مستوى عال من الانساق 
والرصانة إلى حد الكلاسيكية فى كثير من الأحيان؛ وهى فى 
الوقت نفسه ذات رفيف غنائى يكاد يحيلها إلى لغة شعرية 
خالصة؛ وهذا ما يعطى لكتابته مذاقا إبداعيا خاصاء فضلا 
عن دلالتها المعرفية الخبيئة. 

ولعل هذا الجذر المعرفى المتراوح لرؤيته النظرية الكلية أن 
يكون جسر التداخل الطبيعى بين نقده وإبداعه الأدبى» ولهذا 
أكاد أقول ‏ راجيا أن أعود للتفصيل فى هذا فى دراسة 
أحرى» - إن إدوار الخراط فى نقده هو أقرب إلى رؤية 
فيلسوف الجمال - أقصد «الاستطيقا» - منه إلى الناقد 
التحليلى؛ برغم ما فى نقده أحياناً “كثيرة مر !“صف 
والتحليل. فهو فى الحميمّة فنان ذو رؤية مفهومية جمالية 
كلية خاصة حميمة تشكل ‏ فى حدودها ‏ اختيارانه 
للنصوص الأدبية التى يراها أقرب إلى الفن. وتشكل بالنالى 
قراءاته لهذه النصوص أو بالأحرى تأكيده هذه الرؤية فى هذه 
النصوصء إلى جانب إبداعه الأدبى الخاص الذى يجسد 
بامتياز هذه الرؤية المفهرمية الجمالية الخاصة. 

ولاشك أن هذه الرؤية فى ليها النقدى والإبداعى على 
جانب رفيع من الانساق والفرادة والفاعلية المفنهومية 
والجمالية؛ وهى إضافة جادة إلى رؤى مفهومية وجمالية 
أخرى فى القافتنا العربية المعاصرة لها قيمتها الرفيعة وفاعليتها 
كذلك. وإدوار الخراط لا ينكرها وإن اختلف معها واختلفت 
معه حول بعض الجذور والدلالات فى الرؤية النقدية» بل إن 
إدوار الخراط يحرص ويدعو بسدق ورحابة فكر وسماحة 
نفس إلى أهمية الحوار والتفاعل بين هذه الاجتهادات النقدية 
الختلفة. 

ولعل هذا ما يؤكد فضيلة أخلاقية كبيرة تضاف إلى 
فضائله الفكرية والإبداعية التى أغنى ويغنى بها ثقافتنا العربية 
المحاصرة. مرة أخرى ححية إعزاز واعتزاز وإكبار لإدوار الخراط» 
وأحر التمنيات له فى عبد ميلاده السبعينى» وأتمنئ له دوام 
الصحة والعافية وتواصل رحلته الفكرية والإبداعية. 


قله مام اس تالالا لان ال ,بالا سملل ل للا لاما 


صورة الفنان فى شيخوخته المشبوية 





ااا 


فريال جبورى غزول* 
لاااااااااااالا 


«وضحكا فى انطلاق وكأنهما صبيان بعد فى غرارة الشباب الأول؛ 


إدوار الخراط» (يقین العطش)» (ص ۳۹). 


يتساءل إليوت فى قصيدة حب مفارقة عن إمكان الجرأة 
فی الكهولة, قائلاً على لساك الفسريد بروفروك : دهل أجرأ 
على أكل خوخة؟؛ فى عمر ينحسر؛ بعد أن خذلته الأيام 
عنها بقوله إنه ليس الأمير الدانم ركى «هاملت» وليس نبا مع 
أنه قد رأى رأسه يقدم على طبق «يوحنا المعمدان). وأما 
ميخاثيل» «بطل» رواية إدوار الخراط الأخيرة التى تحمل 
القاهرية ,2١(‏ فعلى الرغم من سنه وتقاعده عن العمل فهو 
يتجراً لا على أكل الخوخ فحسب» بل على أكل الفواكه 
كلها: المباحة والمحرمة منهاء وباستمتاع يغبط عليه. إنه 


» أستاذ الأدب المقارنء الجامعة الأمريكية بالقاهرة. 


۳۹٦ 


الدموذج الإنسانى لبطل مهزوم عمليًا وصامد نفسيا؛ إنه 
الإنسان الذى ناضل وفقدء أحب وعانى» حلم وانكسر» 
ولكنه مازال يحمل فى داخله الرغبة العارمة والعشق المقيم. 
إنه يرى» مثل ألفريد بروفروك» ما آلت إليه الأمور من تصدع» 
ويشا ركه فى معايشة الهزائم العامة والخاصةء لكنه» على 
العكس من بروفروك» مازال مليمًا بالقطلعات ومشبوباً 
بالرغبات. 

لا عجب» إذد» أن جل ميخائيل يعارن نفسه مراراً وتكراراً 
فى هذا العمل بشخصين روائيين لم ينثنيا قط عن عزمهما: 
دون كيشوت ودون جوان؛ الأول لكونه محارب) لا يستريح وإن 
أصبحت قضيته فى ذمة التاريخ» والثانى لكونه عاشقنا للمرأة 
لا يرا من عشقه ولا يهداً. وفى هاتين الشخصيتين اللتين 


فريال جبورق غزول 


جمع بينهما الخراط ليشير إلى مكونات بطله جد تناقضًا 
أساسيًا بين النزعة الرومانسية ‏ عند بابرون ‏ التى أبدعت 
دون جوان» والنزعة التهكمية ‏ عند سرفانتس .. التى شكلت 
دون كيشوت! ويحتوى (دون ميخائيل) فى شخصيته على 
هذا الالتباس المربك. فالمؤلف يمجد ويسخر من بطله فى آن؛ 
لأنه يراه من خلال زاویتی نظر مختلفتين: من الداحل 
والخارج. إنه الإنسان الذى يحلم ويظل يحلم على الرغم من 
التراجع والانهيار» وهو الإنسان الذى يشتهى ويظل يشتهى 
على الرغم من استحالة التحقق. إنه سيزيفى التكوين» لأنه 
بعى قصوره؛ وبدرك لا جدوى الوصول؛ ولكن كما فى 
قصيدة «إيشاكا؛؛ حيث الرحلة أهم من الغاية» يتطابق مع 
عوليس كفافى. 


تتميز دون جوانية ودون كيشوتية ميخائيل عن الأصل ؛ 
حيث إنها توحد بين النساء كلهن فى امرأة واحدة (رامة) » 
وبين الصراعات كلها (التنين) . وكما يرمز التنين إلى الغربة 
والاغتراب» تشير رامة إلى الألفة والتواشج. ميخائيل» إذن» فى 
هذا العمل صورة الفنان فى شيخوخته: محاربا ومحبا. ويقدم 
لنا المؤلف هذه المعادلة عبر حوار بين ميخائيل و رامة: 

«قالت له: أنت فى تصورى» فى الحقيقة» دون 
جوان» ولکر, دون جوان مقلوب؛ معكوس. 
صحيح أن إخلاصك, وولاءك - حسبك إذا 
شئت؛ لا تغضب - أنت نزجيه إلى امرأة واحدة 
فقط؛ فى وقت واحد فقط. قد أكون أنا هى, 
الآن (....). دون جوان بمعنى أن هذه المرأة 
الواحدة هى عندك كل نساء العالم» لا يرترى 
ظمؤك من أية واحدة منهن. حبك لها هذه 
المرأة الواحدة» أو لهن» نساء العالم كلهن فيها ‏ 
ل نهاية له» بالتالى» ولا حد لهء ولا إشباع أبدا. 
هذا ما تقول عنه مطلق» نهائى؛ غير محدود. 


قال: كنت أنمور أننى على الأرجح دون 
,تيوت ولست دون جوان. أطلع؛ برمح 
مكسور عفا عليه الزمن » بدرع لا جدوى فيهاء 





أحب دولسينا الواحدة ذات البهاء الخارق التى لا 
يضارع جمالهاء ولا أصل إليهاء أبداء مهما ٤‏ 
كان الأمر. 

قالت: دولسيناء نعم؛ على نحو ما. أنت خرجت 
دوك كيشوت»؛ وانتهيت دوك جوان. 

قال: يمكن. دون جوان أ دون كيشوت» 
كلاهما خرج ليتحدى الشرائع والقوانين 
والأشياءء وربما الالهة. كلاهما متمرد» خارج 
عن النمط؛ ومضروب) (ص 006 


يستمر إدوار الخراط فى هذه الرواية بسرد ملحمة معاصرة 
لبطل روائى قبطى وحبيبته المسلمة رامة؛ على خلفية من 
الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية التى تتخذ من مصر 
م رکراء وإن کانت تتفرع وتتشعب لتغطى أحدات عالمية. وهذه 
الرواية هى الجزء الأخير من ثلاثية بدأها المؤلف برواية (رامة 
والتنين)”"2؛ وتلشها رواية (الزمن الآحر)". بقدم الجزء 
الأول من هذه الشلائية حكاية عشق تستمر فی الأجزاء 
الشلاة» لكنها تغطى فى الجزء الأول أحدانًا من متنصف 
الستينيات حتى منتصف السبعينيات» وفى الجزء الثانى نتابع 
حكاية العاشقين على خلفية العقد القالى» من منتتصف 
السبعينيات إلى منقصف الشمانينيات. وأما الجزء الثالث الذى 
نحن بصدده فيكمل قصة العشق المحورية فى العقد الذى يبدأ 
فى منتصف الثمانينيات ليصل إلى منتصف التسعينيات» هذا 
مع العلم أن هذه التواريخ تقريبية. ويتخلل كل جزء من 
الشلاثية ارتداد سردى إلى ما قبل ذلك من أحداث بالإضافة 
إلى استباق سردى فى بعض الأحيان إلى ما سيتلو تلك 
المرحلة التاريخية. ونجد فى هذه الثلاثية سيرة فنان فى عقده 
الرابع والخامس والسادسء فى ثبوته على قيم وأحلام فى 
ضوء متغيرات ثقافية وتخولات اجتماعية وانقلابات اقتصادية 
ونقلات سيأسية مرت بها مصر والعالم فى العقود العلاثة 
الماضية. وإذا كانت رواية (ذات) لصنع الله إبراهيه!؟ وقصة 
دعن الروح التى سرقت تدريجيًاه لسلوى بكرا تتمثل أدبي 
تدهور الوعى عند المواطن المصرى وتراجعه»؛ فإن (يقين 


1 


فریال جبوری غزول ٠‏ س 


العطش) تتمثل الثابت فى المتغيرات واستمرارية الجمر تحت 
الرمادء ويقين الاشتعال؛ فلا عجب أن تكون أنشودة خب 
لجسد. صر المطمرنء تسعی إلى التقام جررحه والشفاء من 


ما الذى بميز هذا الجزء من ثالوث الخراط ؟ إننا جد فى 
هذه الرواية» كالجزعين الأولين» استشمارا فبا لتقنية الكولاج 
والمونتتاج فى السرد والتوصيف؛ ومع هذا فلكل واحد من 
الثالرث خصرصيته المشعة: يتمثل الجزء الأول #الجموح؛» 
والجزء الشانى «التأمل»؛ والجزء الفالث الحنين» . وهذه 
الث عات المسيطرة عنى الأجزاء الثلانة لا تعنى غياب التأمل 
مثلاً فى الجزء الأول والثالث؛ لكنها تعنى غلبته وهيمنته فى 
الجزء الثانى؛ عندما يكتشف ميخائيل سوء تأويله لبعض 
أحداث الجزء الأول؛ وسذاجة توقماته. وليست هذه النزعات 
فردية؛ بل هى انعكاس لما “كان يجرى فى هذه العقود وأثرها 
على نفسية الفنان وعلى مجموعة العلاقات الحميمية التى 
يمكن أن تنشأ فى ظلها. وهى تمثل بشكل أو بآخر: الشباب 
والنضج والشيخرخة باعتبارها مراحل نفسية أكثر منها مسألة 
والحنين الذى مده فى (يقين المطش) هو ذلك الحنين 
الذى يطلق عليه الناقد الإمجليزى رايموند وليامز مصسطلح 
«النوستالجيا النقدبة» » لآنه تذكير بالبدائل التى كانت والتى 
يمكن أن تكون مرة أخترى. إنه استدعاء للماضى غرضه 
استجواب الحاضر الذى يدينه الفنان لقبليته وصائفيته 
وهمجيته. إنه الواقع الذى يتخذ من «الدين؛ قناعًا ومن 
«الثومية؛ خماراً ينفذ من خلالهما أبشع الجازر. ويستخدم 
الحدث السيامى المشار إليه فى الرواية للتحريض على التساؤل 
الذى يتجاوز البعد السياسى ليصل إلى التساؤل الوجودى 
والفلسفى. إنه يدفع القارئ للخروج من مستوى اماذا؟» ا 
مستوی «لاذا؟) : 
«قلت: لاذا دائما دائمًا يارب أبحث عن معنى؟ 
هذا العالم» هذا الحبء هذا الوجود ‏ وهذا 
الوجد - كلها بلا معنى؛ طبعا. رقصة باليه تبدو 
.بعيدة بعيدة» الراقصون صغارء كأنهم دمى 


۳۸ 


الأطفال؛ خت جدران الرخام المصقولة تمامًاء 
لامعة» شامخة الملاء يتحركون بآلية» مانيكانات 
لا جنس لهاء غير رجولية وغير نسائية» هم مع 
ذلك - أوهى ‏ إنسانية؛ هل هى لعب 
ميكانيكية وزواحف بدائية قميئة فى الوقت ذانه؟ 
(...) هل أنا راقص برغمى فى هذه الزنازين 
قاتلة» كلها لا مخرج منها؟ الضآلة البشرية أمام 
حركات تمرد الجسم الذى تنتزع مله الروح؛ 
هياكل عظمية مكسوة بقشرة مشدودة من اللحم 
الحى المعطوب» بوخنوالد أو سينا أو البوسنة ا 
عنهم» مكتوف اليدين ؟) (ص ١7١‏ ). 
ويقابل الخراط بين هذه اللوحة بدماها الميكانيكية 
ووحشيتها الضارية التى تهرس أجساد البشر هرسا بالتناسق 
والتفاعل الذى جده نى الموسيقى والرقص والذى یربط 
الأجساد فى حسية مقدسة: 
«أین مجد البالیه الغینی فی حدائق سیکوتورى؟ 
على صوت هدير امحيط فى شاطئ كوناكرى 
الليلى؛ مجد النهود السوداء العارية المتتصبة فى 
موسيقاها البضة ناعمة وعارمة الإيقاع مما؟ أين 
ازدهارها الشرس» نشوتها بالحرية؛ اعتزازها 
الهيروغليفية الزئجية الفخور بجسدانيتها العارية 
تتشى وتنعطف فى إيقاع الحنان الحميم؟ 
صفقات الأيدى واهتزاز أوتار القيشار والانثناء 
على شريط رفيع واحد يدور بالحقوين فى تمجيد 
إله الموتى المبعوثين أحياءء كلهم حياة؛ من ترب 
أرض كيمى السوداء؟ أين أقنعة الأبنوس والعاج 
التى توحدت بعضويتها الداخلية هى عضوية 
الكون؟ أموت شوقًا إلى الرقصات المصرية حيث 





توحدى وثيق رقراق الانثيال مع القّدس الذى هو 
دنیوی؛ حيث حسية الشهوات الإيعاعية؛ على 
واحدة ونص» تستعديل نشوات روحية) (ص 
(I_7!‏ 
وإذا كان الجزء الأول من الثلائية يؤكد العين و جانب 
الفن التشكيلى (مشاراً لذلك بمتحف جو جنهايم والمربسك 
والخراطيش الهيروغليفية) ؛ فإن الجزء الغالث يؤكد السبمع 
والاستغراق فى الفن الموسيقى (فونتفردى والجاز ص ١5‏ : 
اليبونى ص ؟١‏ ؛ فاجنر وكولينجوود وفردى وموتسارت 
وروسينى وستراوس وبرلیوز ص ٤۲؛‏ پولا ص ١١5‏ باخ ص 
- 4"؛ هايدن ص 44 ؛ موال عيون بهية ص ١١7‏ ' نانا 
. ميسكورى صر ١١6‏ !؛ وردة الجزائرية ص ١1/8‏ ؛ عبد الوهاب 
ص ¥۰ موتسارت ص .)١/"‏ ولالاحالات الموسيقية 
بكثرتها وتنوعها وفى مجمرعها دلالة إيحائية» فكأن الفنان 
ميخائيل - المعمارى المتخصص فى الترميم - يحاول تقويم 
التعارض والتنافر» كما يفعل المايسترو فی الاصوات المتضاربة 
ليجعل منها قصيدا موسيقيا. فليس الغرض من هذا العمل 
رسم جداربة ملحمية حاكى الواقع » بقدرما هو محاولة 
لتضفير خيوط وخلق نسق لهذا الركام من الأحداث. ولأن 
يحاول المؤلف أن يفرض البنية الموسبقية على العمل ليوهمنا 
بهاء وإنما يثير فينا الهاجس الموسيقى؛ لهذا جد الموسيقى فى 
هذه الرواية على مستوى الإشارة لا الت ركيب» تذكر فى النص 
لكن لا تدخل فى نسجه. وليس هذا تقاعس أو قصورا بقدر 
ما هو صدق ونزاهة. فالرواية ‏ كما علمنا لوكانش - تعبر 
فى بنيتها وترابطها ونحوها عن المرحلة الحضارية التى تصاغ 
فيها. ومن الإيهام الفنى أن يبدع الفنان عملاً سيمفرنيا فى 
زمن التفكك والتصدع» أو عملا عضوي فى سياق ألى 
وهجين ٠‏ 


يينى إدوار الخراط (يقين العطش) على طموح يشير إليه؛ 
لكن لا يقدمه» وهو إعادة الروح التى سرقت على غفلة» 
الرحدة الوطنية التى تسربت تدريجياء والذات التى غيبت. إنها 
محاولة تفديم لصرح منهار من أجل ترميمه؛ هذا الترميم 
لمنتظر والمشكوك فى نتيجته هو «الأمل؛ المحبط مسبقنًا و 
(القَضية) الخاسرة: 


العطش يقينا 


«ساوره هاجسه الملازم: الترميم كذب» الفن 
كذبء لأنه شنا أم لم نشأ تجميل. لأن الأصل 
بكل خشونته» أو بهائه , أو بكارته» لن يعود) . 


«للحطام ‏ أو للانهيار- جماله الخاص الذى لا 
يبغى ‏ لا يجوز «إصلاحه أوتعديله» أو 
إا ر ار کیا کات دا ا 
مشابهة» أو حتى مطابقة لأنها ليست . 
الأصل»(ص 187 - 184). 


إن هذا التساؤل الأساسى فى قيمة الترميم والرغبة العارمة 
فى الصدق الفنى يجتمعان على مضض. هناك هوس بالترميم 
والتغيير والإصلاح» وهناك اعتراف بزيف الترميم وعبث 
التغيير ولا جدوى الإصلاح. وهنا الترميم والتغيير رالإصلاح 
ليست إلا المعادلات للفن الثورى. وهكذا جد فى هذه الرواية 
نمطا جديد) من الانعكاس الذاتى الذى نقع عليه فى الأدب 
الذى يشير ويتحدث عن أدبيته؛ أو ما يطلق عليه بالنص 
العاكس لذانه. إن ما يميز هذه الرواية لا كونها مرأة لذاتهاء 
كما فى أدبيات الانعكاس الذاتى فحسبء بل كونها مراة 
مفككة؛ مرأة تقويضية تشكك فى الفن ذاته. 

ما الذى ييقى عندما تشزعزع مكانة الفن عند الفنان؟ 
عندما ينفرط العالم وينشرخ الوطن يبقى العشق» عشت الوطن 
وعشق الحبيبة: راسخاء شامخذاء متجذر) لا تهزه العواصف ولا 
الزلازل» وتبقى الرغبة فى الا تاد معهما وفى الفداء من 
أجلهما هى هى مهما تغيرت معالم الوطن وملامح الحبيبة. 
وتبقى هذه الرغبةء هذا الاشتهاء والعطش اليقين الوحيد فى 
حياة الفنان فى شيخوخته: اأموت شهيد الجراح.. وبعيش 
جمالك وبيقى؛ (ص .)١154‏ 

يعبر الخراط عن جروح الوطن وتمزقه من خلال أحداث 
قربة أبى قرقاص وعبر تقابل الخطاب التقريرى بالخطاب 
الإنشائى: الخطاب الاستذكارى بالخطاب التعليلى؛ وما جرى 
فيها من مأساة عبغية. هنا جد فا مبنيًا على التص واللصق 
مثلما جد فى «الكولاج»» لكنه هنا أقرب إلى الترقيع. 
شذرا ات الخطابات المتباينة تتجاورء لإبراز صنعة التر قيع 
بتنافرها. وهذا - فى رأبى - مقصود» فعندما نرقع بقماش 


۳۹۹ 


يختلف نسيجا ولونا عن الرداء الممزق؛ فنحن نشد انتباه الناظر 


إلى الترقيع وبالتالى إلى تمزق الثوب. هكذا يعمد الخراط إلى 


إبراز التنافر بين الخطابات الموجودة فى الساحة الثقافية 
واستحالة قيام جدل بناء بينها فينقلنا أسلوبي) بين نثر مصمت 
إلى نثر صائتء من تقرير إحصائى إلى مناجاة صوفية. 

تقوم الرواية بتغطية الأحداث العنيفة فى قرية أُبى قرقاص 
بشراءة رامة لقائمة منشورة لميخائيل: ۰ 


«تكسير الزجاج والنجف وثلاث سيارات ٠١١‏ 
و14١1‏ و15 وحجرة الغفير فى كنيسة مارى 
جرجس . 

قلب وحرق © سيارات 4٠ت‏ خاصة د. ممدرح 
فؤاد. أشرف سعد. د. مجدی کامل. مراد دنیال. 
ماهر هيج ورسيارة 184 خاصة بالستتتخار 
صموئيل إبراهيم وسيارة الدكتور طلعت فهيم 
طبيب الوحدة الطبية بمنشية دعبس بأبى 
قرقاص. 

صيدليات حنا كيرلس وشاكر شكرى حرق 
بالكامل. 

صيدليتان للدكتور ماهر جميل بشارع المستشفى 
نم تكسيرهما وسرقة ألف جنيه. 

صيدلية يوسف غطاس بشارع الجمهورية. 
مخزن خشب ملك رفعت ناجى تم إحراقه 
بالكامل. 
مصنع حلويات أسعد حبيب حرق بالكامل. 
(...( ۰ 

حرق كنيسة مارى جرجس بشرق البلد» (ص 
١76‏ ), 


لم تصل رامة إلى المصابين: 


7 


فتحى فلتس ارحجاج فى المخ, 
حليم فهيم صدمة عصبية أدت إلى الموت بأزمة 


جبرة عيسى وأطفاله الشلائة حروق من الدرجة 
الأولى؛ (ص .)١7‏ 


ب العطش يقينا 


يقابل ما يجرى فى مصر من 111١‏ من تناحرء ما 
كانت عليه من تالف قبل نصف قرن. يحدّث ميخائيل رامة 
عن طفولته وذ كرياته: 


«قال: حكيت لك من قبل» كيف زرت عبزبة 
ونيس فى البحيرة» سنة ۰ ,مع خالى ناتان. 
كان فيها عدد من عائلات الأقباط لا يزيد عن 
خمس عشرة» عشرين عائلة بالكثير. أما سائر 
أهل العزبة فكانوا مسلمين. قال لى خخالى: 
والمسيح الحى ما كنا نحس بذلك أصلاً 
مسلمین او أقباط» ( ص ۱۳۹ ۔ ۱۳۷). 


ويقوم خطاب رامة التفسيرى بتعليل هذه الظاهرة ص 
بدايتها فى التناقضات المميشة إلى استكمالها على يد 


مستغلين ومتاجرين بالقيم: 


«قالت له: بعد ذلك مررت طبعا بأبو قرقاص. فى 
آخر الباد؛ مثل ما عندنا فى مصرء أو إسكندرية» 
تمامًاء عشش يعيش فيها الناس» ألواح من 
الصفيح أو الكرتون أو الجريد أو الخشب أو 


' الصاج أو حتى الطين» متساندة على بعضها 


بعضاء متلاصقة (...): وبعد ذلك لا كهرباء 
طبعا - إلا بسرقة التيار من فوانيس الحكومة؛ 
واماء يأتى من ٣لنيل‏ فى الزلع والحلل والصفائح 
رالبلاليص (...)» حتى قضاء الحاجات 
الفيزيولوجية (..)؛ فى آخر كل مجموعة أرض 
فضاء حفروا فيها حفرات متعددة؛ مازال الاولاد 
والرجال معاء بينهم وبين النساء والبنات ألواح 
خشب رفيعة تسللت المياه حتى نصفهاء 
والرائحة؛ والذباب؛ والكلاب والقطط .. تقول لى 
لماذا ضريواء لماذا حرقوا؟ منهم أولاد وبنات 
المدارس الحكومية؛ طبعاء عندهم فى وسط 
العشش تليفزيونات يرون فيهاء جماعة؛ شريهان 
وفاتن حمامة» والإعلانات» (ص ٠۳۳‏ - 
۳( 





ااال2323030303م2ممم_ممااياي©ة6مٌرءي*ممءطْسسيسصي سد العطش قيا 


إن التفاوت الطبقى والفساد المستشرى يؤديان إلى الرؤية 
ب «عين السيكلوب الواحدة» (ص 55)» بعين التعصب 
(کما فى رواية «عوليس» لجيمس جويس). وترى رامة أن 
هذا العنف الظلامى قرين «الفقر والقهر والفساد؛ (ص 
.)١‏ وفى الفصل الخامس من الرواية حكى رامة كيف 
قابلت الفتاة ميادة واكتشفت كيف تطورت الأحداث العنيفة 
بداية من حيال 57 لمراهقة إلى استغلال مريب للفتنة 
الطائفية إلى تصعيد بين المتطرفين والأمن (ص ٩۰‏ - ۹۹). 
ويدخل الأسلوب الإنشائى عندما يدافع ميخائيل بحماسة 
عن مصربته والوحدة الوطنية (التى يخفف من غلوها تدخل 
رامة وتذكيره بالوحدة الطبقية التى كان يؤمن بها فى أيام 
انتمائه إلى الحلقة التروتسكية) . وبنبرة خطابية يقول: 
«فى وجه الهجمة التى تنفى الوطن لحساب 
توحد متوهم على أساس عقيدة دينية؛ فى وجه 
إسقاط مفهوم الوطن لحساب مفهوم «الأمة؛ أو 
«الدين» أعود كما قلت لك من قبل» مصرياً 
«شوفينيا) . لست شوفينيا طبعًا بالمعنى الضيق 
المتعصب - هذا سخف - ولكن بمعنى التمسك 
حتی آخر رمق بمصریتی؛ بمصریتنا. لیست 
«مصرية» الأغانى والهتافات؛ بل «مصرية) 
لأرض والسمل والكدح: مصرية الحلم والمراقة 
والمستقبل) (ص .)3٠١‏ 
وتنقلب هذه النبرة إلى إصاته استحواذية كما فى كثير 
من المقاطع فنجد حواذ الضاد (ص 178)؛ وحواذ الفاء 
الذى تتخلله كلمات فرنسية (ص »)١45‏ وحواذ الطاء فى 
مناجاته الشبقية لرامة: 


«عطشى لا يطاق» أمطار لا تسقط. أخطسوط 
متقطع الأطراف يحيطنى بالحبوط حطام أوطار 
حطت بها طوارق البطلان العاطفية تتفطر النياط 
من وطأة القطيعة وحطت على طيور السوام 
خحطوط رقطاء تطيح ۶ 


انفطر سمط أطماعى فى الانطلاق وسط 
مناطقك الطيعة تطاردنى خطاك المتطايرة على 
صراط غير موطأ وغير مطروق شرائط قطيفتك 
حول بطنك إطار يبطن اسطوانتى أنبطح على 
سطوح طلحك فى ورطة طلعك طريح مطالبى 
غير المطواعة أميط المرط عن أطاييك المطوية 
أستطعم عطر الطلى الطامى من مطرحك الطرى 
الطهور يدقطر على طورا بعد طور أطفو وأهبط 
على طواياه الطازجة الرطبة تتخطر طواريس 
طروب أخالط الطينة الطافحة حتى أرطمها. 


أنت وطنى الوطيد يحوطنى بعطاء وطأنينة 
عندئذ تضطرب طيور الطرب وتخبط الطبول 
أطلال طقوس كانت سطوتها قاطعة. 
أحوط على أسطورتى؛ (ص ۱۸۸). 
إن هذا التنوع فى الأساليب والخطابات» ليس الغرض منه 
فى (يقين العطش) الكشف عن الخصوصيات التعبيرية 
لمستويات طبقية مختلفة وفقات حرفية متباينة كما عند تشوسر 
فی (حکایات کانترہری) ذات الأجناس الأدبية المتعددة. وهو 
ليس استعراضً لبراعة الحاكاة الأسلوبية كما عند جويس فى 
(عوليس). هو عند إدوار الخراط مؤشر لانفراط العقد 
الاجتماعى واللغوى وتعثر التواصل: إنه برج بابل عصرى» 
فالدمزق الذى يعانى منه جسد الوطن يسفر عنه لغات لآ 
مصطنعة أو تآلف مفروض: إنه يدرك الخطابات المتباينة فى 
انعزالها عن بعضها وبعض» ويستخدم «الترقيع؛ ليبرز تباينها 
وتمزق نسيجه!. ومن هذا المنطلق يمكن أن ندرك لماذا يكثر 
الخراط الإشارة إلى مراثى إرميا. فليس هناك مصيبة أكشر 
فداحة من خحصخصة اللغة وانعدام قدرتها على التوصيل 
واستخدامها حاجزا. يقول ميخائيل فى الفصل الأخير من 
الرواية: 
«كأننى أتكلم من جوف نفقٍ طويل تحت 
الأرض» مهجور من زمان. صوتى غريب» بلغة 


فريال جبورى غزول لم ل يي ج 


تكاد تكون غير مفهومة. لم يعد أحد يتكلم 
هكذا الآن. غير مفهوم وغير مؤثر ولعله مضحك 
أو مؤس قليلاً. غريب على كل حال. هل هى 
صلاة من ديانة لم يعد يدين بها أحد؟ ليس لها 
إله» كتبها طلاسم وأحاج ودمدمة أو تمتمة لا 
يقرأها أحد» (ص .)١97‏ 


هذه اللغة المنترضة التى لم تعد مفهومة؛ هى اللغة التى 
تذيب الفوارق وتصهر الحواجز وتتجاوز الانقسامات: إنها لغة 
الممت الثربة؛ لغة التصوف الإيمائية؛ لغة الشعر الإشارية» 
وكما يقول ميخائيل: 


الهوامش 


)١١‏ إدوار الخراط» يقين العطش (القاهرة: دار شرقیات» ٩۱۹۹)ء‏ وكل 
الصفحات فى مثن المقالة تميل إلى الأصل المرقون الذى نفضل إدوار الخراط 
بإعارته لى . 
(1) إدوار الخراط» رامة والتين (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشرء 
)»© للمزهد عنها راجع دراستى: «مساهمة الرواية العربية فى أساليب 
القص العالمية» فى الأب العربى: تعبيره عن الوحدة والتتوع: إشراف 
عبد ا منعم تليمة (بيروت: مركز دراسات الرحدة العربية » c(۹AY‏ ص 
لكل-فكلء 


«إذا كان المطش هو اليقين الوحيد - يعنى 
الصمت - فما معنى كل هذا الذى تعمل أو 
تقول؟ ما جدوى التذكر والابتعاث والحنين ما 
جدوى التحليل والتعليل والتركيب والتشكيل؟ 
ما جدوى الترميم الذى لا تستطيع أن تفرغ منه 
بدا ؟؛ (مں ۱۹۸) . 


وحتى هذا اليفين ليس نهائياء بل هو يقين مؤقث: 
دلو كان نهائيًا لما كانت ثم حاجة لابععاث 
الحديث عنه أصلا» لأن ضربته النهائية لا شفاء 
منها ولا راد لها (ص 155). 


() إدوار الخرنط» الزمن الآخر (القاهرة: دار شهدى للطبع والنشر» 21586. 
لنمزيد عنها راجع داستى: «الروابة الشعرية العربيية نموذجًا لأصالة 
الحداثة؛ بى قضايا وشهادات العند الثانى (صيفف ۱۹۹۰)؛ ص 5115 - 
4 

(4] صنع الله إيراهيم» ذات (القاهرة: دار المستقبل العربى » ۲ . 

(5) سلوى بكر «عن الروح التى سرقت ندريجيًاا فى مجموعتها بالمنوان 
نفسه (القاهرة: مصرية للدشر والتوزيع, :)١444‏ ص ٠١ ١9‏ . 





۲ 








وجود يتجلى على أنحاء شنى 
قراءة فى «أشواق المرايا» 
لادوار الخراط 


م عع جع عع EREN E ARE‏ 
تبتببتبببببتبتبتبتبتبببتببببببسسا 


بداية المر حلة... بداية القراءة 


المرآة فى الإبداع الفنى ليست مجرد تلك الأداة التى 
يستخدمها الإنسان فى التزين؛ بل تكتسب خلال الإبداع 
ميزة تعدد الدلالات والمعانى وفقنًا لطبيعة المواقف وخصوصية 
التجارب. وتتيح يح المرأة بخصائصها المتعددة: الاتساع, والعمق» 
وتعدد الرؤى» للمبدع إمكانات لا تتيحها استخدامات فنية 
أخرى کالقناع مثلاء فالمرأة أوسع مجالاً من القناع لأنها 
تصلح أن ترفع فى وجه الماضى »كما تصلح أن ترفع فى وجه 
الحاضرء وأن تعكس الأشياء مثلما تعكس الأشخاص ينما 
لايصاح القناع إلا للماضى ولاستحضار شخصيات أصبحت 
فى تضاعيف الزمن نموذجية 7" . 


المرآة يمكن أن تكون رمز للحقيقة» ولتحقيق الذات» 
وللحكمة» وللعقل» وللذاكرة» وللذات» وللروح وللعالم» وقد 
يكون الانعكاس الخاص على سطح المرأة تجليًا للعالم المؤقت 


العابرء أو تعبيرا عن معرفة الإنسان ذاته ”" . 


لقد وصل الأمر ببعض المفكرين إلى الول بأن كل 

شئ فى الوجود إما أن يكون مرأة حقيقية وبالمعنى الحرفى 
وإما أن يكون مرآة رمزية مجازية '") 

لن نستطرد كثيراء هناء فى نفصيل المعانى الحرفية 
والدلالات الرمزية للمرأة بشكل عام؛ بل سيتم ذلك مباشرة 
من خلال إحدى القصص المتميزة التى تجلت فيها المعانى 
الحرفية والمجازية للمرأة على نحو خاص وفريد؛ ونقصد بها 
قصة «أشواق المراياه التى تضمنتها مجموعة (مخلوقات 
الأشواق الطائرة» التى صدرت عام 1۹۹۲“ للكاتب المبدع 
إدوار الخراط . 
شموع وكهرباء 

تبدأ قصة وأشواق المرايا؛ بوصف حركة قطار يبطئ 
من حركته ويوشك على الوقوف فى إحدى امحطات ليلاء 
بينما رائحة البصل فى الحقول تملأ المكان « كان الجو حارا 
والهواء ث شحيحا والنافذة مكسورة» . 


و اا ا و 


كان الراوى قد قرر أن يذهب إلى مولد المارجرجس» 
وحده. كان قد قرر ذلك فجأة كما لو كان هناك هاجس ما 
يسيطر عليه؛ وكما لو كان هناك نداء غامض على نحو ما 
يدعوه. قرر وذهب ونفذ وسط زحام المولد بصعوبة» و رأى 
النائمين والجالسين؛ الصغار والكبارء الرجال والنساءء الفقراء 
والأغنياء؛ بملابس ذات طرز قديمة وحديثة. صحن الكنيسة 
كان غاص بالناس» وقبتها كانت ١شاهقة‏ ومعتمة» والصلوات 
تتلى بالقبطية أو العربية: 

«وكانت أمواج القداس الليلى تعلو وتنخفض 
نحت الأنوار متعددة البؤر من السقف ونحخت 
تيجان الأعمدة الرخامية الرومانية الشكل» . 


يمتلىع صحن الكنيسة بالصور الأيقونية للمسيح والقديسين» 
لكنها «صور تبدو باهتة وتختها بهجة نور الشموع أصفر 
وضعيفا» .. فى جانب آخر من المشهد: 

«وأمام حجاب الهيكل صورة هائلة لمارجرجس 

يطعن الحية العظيمة والنور الكهربائى يومض 

على زجاج الصور ويكاد يطمس معالمها» ٠.‏ 

علينا أن نلاحظ أن مقابلة الكاتب هنا إنما تتم بين 

مشهدين داخل المشهد الكبير؛ مشهد صور السيد المسيح 
وصور القديسين التى تتوجه إليها وتيط بها أنوار شموع 
صفراء ضعيفة:؛ وصورة المارجرجس الذى يطعن الحية 
العظيمة أو التنين التى يحيط بها نور كهربائى شديد 
الإضاءة. الضوء الخافت الأصفر الضعيف للشموع يكشف 
ويضئ ويوحى ويؤثر ويقرب ويحدث الطمسأنينة والدفء: بينما 
الضوء المبهر الساطع للكهرباء يجعل اأسورة غامضة غائبة 
باهتة تكاد تنطمس معالمهاء ما يجعلها صورة ملتبسة منذرة 
مهددة بعيدة منعزلة مخيفة وباردة؛ لكنها قادرة أيضا على أن 
تكرن صاعقة ربميتة فى الوقت نفسه. الشموع ضوء فى 
ظلمة الحياةء أشواق وتنوير» قوة بصرية داخلية تقبس نورها 
من الشمم 2 لكنها أيضا تعبير عن حااة من اللايقين 
الغامض المراوغ ولا حل لها إلا بالإيمان والتسليم. 


٤ 


الشموع التى تضاء عند الوت ينظر إليها على أنها رمز 
للضوء الذى يمكن أن يجئ فى العالم الآخرء وهى رمز شائع 
فى الكاثوليكية ومعظم طقوس الموت فى الشرق. فى المسيحية 
ينظر إلى الشموع على أنها الضوء المقدس المشع فى العالم؛ 
وإلى السيد المسيح على أنه ضوء العالم» الفرح الروحانى؛ 
ويقوم السيد المسيح من بين الأصوات فى ضرء العجلى 
Lai «Transfiguration‏ يشع بالتسقوى والحب. وهناك 
دلالات رمزية كثيرة للشموع فى الديانات المختلفة» وكلها 
دلالات إيجسابية ترتبط بالإيمان والجمال والحب 
والحكمة . وهذا النص لإدوار الخراط نص ممتلئ بالدلالات 
الدينبة القبطية المسيحية خاصة:» والإنسانية عامة. 


ويمكننا أن نقول إن ضوء الكهرباء انحيط بالمارجرجس 
والتنين يتضمن الكثير من الدلالات التى يحيل إليها؛ فبعد 
أن يصف الراوى هذه المقابلة الرمزية بين صورة وصورة أو 
بين مصدر ضوئى (الشموع) ومصدر ضوثى آخر (الكهرباء» 
يخرج من صحن الكنيسة ويتجول فى حوشها الكبير 
المزدحم» ويمر على بابها ويرى أحد القساوسة فی ثيابه 
السوداء «يصلى ويعزم لیخرج الشيطان من امرأة مصروعة) . 

صورة الشر الممثلة فى الحية العظيمة المرتبطة بالشيطان 
تنتقل خارجة من إطار صورة المارجرجس والتنين إلى واقع 
خارجهاء إنها تصبح موجودة فى الخارج» فی الحياة» فى 
داخل امرأة مصابة بالصر 3 يعتقد أن الشيطان هو المسؤول عن 
إصابتها بهذا المرض العصبى. 


المكان غارق فى ليل خاصء ورائحة البصل مخيط 
بالمكان» والبصل ميشولوجيًا رمز للوحدة؛ للكل فى واحد؛ 
للكون الكبير» للخلود؛ للسبب الأول فى الحياة (ألا يلجأ 
الناس إليه عادة لإفاقة الغائب عن الوعى حتى الآن؟)» 
للوحى أو الإلهام» أو البوح الذى تتكشف طبقاته شيئا فشيكاء 
وتنفتح طب . واحدة وراء الأخرى (كقشور البسل) حتى 
نصل إلى المركز وهو فى بعض الميشولوجيات رمز كفء فى 
مواجهة قوى الشر القمرية الشريرة والمهلكة. وفى ب 
حركة دائبة من المركز (الذات المنخلقة) إلى الأطراف 
اللامركزية (الدلالات المتعددة للمرأة) . 





ااا سس كسس وجوه يقجلى 


حوش الكنيسة مكتظ بالبشرء بعضهم نائم وبعضهم 
مازال فى حالة يقظة؛ والبعض الثالث بين النوم واليقظة. 
وأصداء القداس غير المفهومة تأتى من داحل الكنيسة » أوانى 
الطبخ والطهى متنائرة فى المكان» ترانيم وتسابيح تأتى وتشيع 
فى كل جنبات المولد» تأتى وتختلط : 


«بأغانى الراديو والمواويل وترجيعات المزامير وإيقاعات 
الصاجات السريعة المجوفة النبرات وشكاة 
السمسمية من خيام الأذكار وغناء الرجال 
القوى الخشن من السرادقات المفتوحة المقامة 
على قضبان خشبية رفيعة) . 
احتفاليات المارجرجس تتم بالطعام وتعم بالغناء» وفيها 
تقض المصالح؛ وخلالها تشفى الأمراض وتلقى الادعية 
والأ. نيات» ويتفاعل فيها البشر على أعمارهم وأجناسهم كافة 
- وربما أديانهم - فى شكل إنسانى حميم؛ يتعارفون 
ويتقاربون» يبيعون ويشترون» وتنداثر فى المولد الفاكهة التى 
تباع على عربات؛ والفاكهة التى تباع على الأرض» باعة 
الفول والطعمية و «نصبات المقاهى المرتجلة بموائدها 
الصفيح» ومدخنى الشيشة والجوزة والوشامين هؤلاء الذين 
«يرسمون بالإبر الدوارة الدقيقة؛ والوشم الأزرق» علامات 
الصليب على معاصم النساء وصور الشهيد العظيم على 
صدور الرجال». 


يغنى الناس؛ ويترنمون؛ ويأكلون؛ ويشربون؛ ويتسلون» 
ويدخنون؛ وبأحذون ذكريات فى أذهانهم ومدركات 
وعلامات على معاصمهم أو صدورهم. 

هذا الطقس الاحتفالى الذى يختلط فيه الطعام بالغناءء 
بالبيع» بالشراءء بالرمزء بالتألف؛ هو أقرب إلى ما سماه 
«باختين» بالواقعية الاحتفالية التى تظهر على نحو حاص فى 
المأدب والأسواق وأماكن اللعب وامجون والمدن» وكذلك لدى 
سكان المناطق الهامشيةء وأيضا فى بعض الاحتفالات 
الدينية التى يكون المحرك الأساس لها ليس رموز السلطة الدينية 
البطريركية أو الأبوية المنعزلة عن الناس بل الناس هم أنفسهم 
امحرك الأساس؛ حيث يكونون على سجيتهم وطبيعتهم 
ويعبرون أكشر عن غرائزهم (ليس بالضرورة أن يكون مفهوم 


الغريزة مرتبطا بالجبس فقط) وعن أمالهم» وطموحاتهم؛ 
ویتحررون من مخاوفهم» والامهم» وأحزانهم» ولو على نحو 
مؤقت. 
من بين هذا الحشد الاحتفالى الجمعى المتآلف المتناثر 
المتجمع المنشتت المتحد رغم كثرته» ينفصل الرارى ويذهب 
إلى المرآةء يذهب إلى وحدته أو بالأحرى يوغل فى استكشاف 
ذاته. 
مرايا فى الداخل 
يقول الراوى: 
دفجأة رأيت المرأة الكبيرة القديمة مسنودة من 
الخارج على الباب الحديدى لحوش الكنيسة. 
كان لها إطار مذهب باهت الآن سقطت قشرته 
عند الأركان؛ مشفول على هيئة أزهار وأغصان 
متشابكة ملتوية على الطريقة القديمة بينها وجوه 
الشاروبيم الصغيرة المدورة منتفخة الخدود. 
وكانت ناصعة الزجاج» صافية بنقاء لاتشوبه 


هبوة» وعميقة؛ . 


يبدأ الوصف هنا من حارج المرأة تمهيدا للولوج إلى 
داخلها. المرأة موجودة فى الخارج؛ على الباب» الخارج هنا 
يمهد للدخول إلى الداخل؛ وكذلك الباب الحديدى رمز 
للمرور من حالة إلى حالة, من خارج الذات إلى داخلهاء 


وهو «حديدى» لأن هذا المرور غالبا ما يكون شديد الصعوبة 


عظيم العناء. ويؤكد هذه الصعوبة وهذا العناء تلك الأغصان 
المتشابكة الملشوية على الطريقة القديمة: وأيضا «وجوه 
الشاروبيم الصغيرة المدورة منتفخة الخدود)؛ فالتشابك 
والالتواء والقدم الخاص بالأغصان وعوامل تتعاون مع وجوه 
وباعتبارها - هذه الكائنات ‏ مخلوقات مجنحة لكنها لا تشبه 
أى كائن مجنح رأه البشرء وباعتبارها ترمز إلى حضور 
المقدس» وباعتبارها حارسة للمقدس وللعتبة الخاصة 
بالفردوس - الحلوم به) فى التمهيد لذلك الدخول الخاص 
إلى عالم المرآة. 


و 


دار یال س 


ترتبط رمزية الشاروبيم أيضا برمزية المرور من حالة إلى 
حالة. والراوى ينقل من الخارج إلى الداخل على نحو 
تدريجى لكنه لا ينسى أن يعطيناء قبل هذا الدخول أو هذا 
المرور الخاص » نحة هى أقرب إلى اللقطة المبعدة أو البعيدة عن 
الخارج بأضوائه وكائناته البعيدة؛ لكنها لقطة تنم أيضا من 
حلال المرأة: 
«كانت ساحة المولد الغامضة بالليل ممندة 
بداخلهاء كلهاء بأنوارها المتراقصة: حبال 
المصابيح الكهربية الممدودة والمتدلية؛ وكلوبات 
الغاز اللبنية الضوءء ومشاعل النار المدخنة على 
عربات الترمس» والبرتقال الصيفى) . 


ثم تدريجيا يتقلص الخارج - سواء خارج المرآة أو 
داخلها ‏ ليصبح مكثفا فى لقطة قربية جدا مركزة على هذا 
الرجل الغامض الغريب الذى يبدو كأنه البعث من أغوار 
الذاكرة: 
«رأيت الرجل الغريب يقف أمام المرأة؛ جامدا 
يحدق فيها بثباتء لا يتحرك؛ كان نحيلا 
ومتربتين فى الصندل المعمول من مطاط العجل 
رث نسيجه وخحف وتقطع » وظهر تخت تمزقاته 
جسمه الداكن وعظامه المجفاء) . 


تصبح المرأة أداة للتذكرء يتذكر الراوى العم «لاوندی»؛ 
الذى عرفه منذ خمسة وثلاثين عاما أو يزيدء يراه أمامه لم 
يتغير كأن السنين لم تمر وكأن الملامح لم تتبدل» يراه بقامته 
الطويلة وجسمه النحيل» وبقدميه الغليظتين المفلطحتين 
المتربتين» وبصندله المطاطى الليفى» وجلبابه الصوفى القديم 
الممزق؛ يراه ويرى تفاحة آدم فى رقبته كبيرة جاحظةء يراه 
بينما كانت: (عيناه عميقتين ونارهما متقدة فى الحفرتين 
الغائرتين) يراه ولا يراه يراه ويدركه ويخطو نحوه فيختفى 
الرجل» يقترب الراوى من الرآة فيجدها وقد أصبحت «خاوية 
تماماء رائقة وساطعة؛ ليس فيها أدنى رقرقة) . 


۳۳۹ 


كانت الحياة حارج المرآة وبعيدا فى ساحة المولد تضج 
بالناس والحركة والأصوات والروائح» بينما العالم الخاص 
الداحلى الممعد داخل المرآة الحرفية المادية يتقلص وينكفئ 
ويوغل فى الاختفاء, لتصبح المرأة صافية مصقولة لكنها 
لانعكس شيكاء كانت فى حالة هى أقرب ما تكون إلى 
بدايات الوجود» حيث السديم الأول» والبدايات الأولى 
للحياة: رحيث لا شئع سوى الممت والسكوت والعدم» 
يواصل الراوى النظر فى المرأة فلا يرى دلا الرجلء ولا أناء 
ولا شئ مطلقا داخل الإطار القديم المشغول بالورود ووجوه 
الملائكة الناصلة بالذهب» 2 لكن فى المرأة إغواء» وغواية» 
ونداء خحفى؛ نداء ممتلئ بالأحزان والأشجان والذكريات 
الخاصة الشفيفة : « طلبت روحى » يانور عينى » وروحى لك». 


كان لابد أن تختفى صورة الرجل (العم لاوندى) 
الحالبة المنعكسة على الشئ الواقعى الخارجى (المرأة) حتى 
تظهر صورته الأخرى القديمة المطبوعة المحفورة على مرأة 
الذهن (مرآة الذاكرة»؛ وكان لابد أن يتحرك ذهن الراوى 
وخياله وذاكرته هنا مثلما مخرك فى البداية بين الدلالات 
الرمزية للشموع والدلالات الرمزية للكهرباء» بين هذه الصورة 
الحالية المنعكسة على المراة بكل ما فيها من تفلطح وغلظة 
فى القدمين» وتمزق وقدم فى الملابس» وشعور واضح 
بالإجهاد والتعب والإعياء؛ إلى تلك الصورة القديمة المحفورة 
فى الذاكرة بكل ما فيها من فرح بالحياة؛ ورغد فى العيش 
وبذخ فى الملابس والسلوك؛ يحضر العم «لارندى القديم) 
ليحل محل العم «لاوندى الحديث»» يحضر العم لاوندى 
القديم بوجهه الحلق وملابسه الأنيقة» بحضر «بذوق وغندرة 
الثلاثينات المرهفة الحس»؛ يحضر لا بكوفيته الطويلة «كالحة 
السواده ولا بصندله الليفى المطاطى» ولا بجلبابه الصوفى 
القديم كما هوالآن؛ لكنه يبحضر كما كان بذلك 
الجلباب الذى كان: 


السكروته» وعليه بالطو بلدى جبردين أسود» 
محكم التفصيل؛ غالى القماش؛ ينزل على 
الجزمة الصغراءء برقبة» أزرارها الدقيقة المتتالية 





ل ل يي مي جج ودر يتجلى 


ومدورة ولامعة وصفرتها أدكن قليلا من جلد 
الجزمة) . 
کان الراوی قد عرف «العم لارندی» عندما کان 
الراوى - طفلا صغيرا فى أخميم؛ وكان العم لاوندى 
يسرق له «الحلاوة الشعر) ويأكلها منه ذلك الطفلٍ خفية, 
كان العم لاوندى فى الجوهر غير متغيره بينما طرأت عليه 
فى المظهر تغيرات كثيرة فى الامجاه السلبى؛ كان العم 
لارندى القديم متألقا فى الداخل وفى الخارج» فى المظهر 
فى المخبر» أما العم لاوندى الحديث فقد أصبح متهرئا كالحا 
9 آثار الزمن والفقر والمرض فى مظاهره الخارجية؛ رغم ما 
هو واضح من أنه فى جوهره غير متغير لم تتغير فيه نأمة 39 
ملمح» هو ”سه دون أدنى شكء ودوك أدنى ّول» يرتبط 
العم لارندی فی ذهن الرارى بالطفولة والمرح والشقارة 
والحرية والانطلاق والبذخ: «ذوق وغندرة الللاثينيات) : 


وأما الآن فهو جزء من ماض جميل يوغل فى 
التلاشى والابتعاد «كنت أقف وراءه مباشرة. أراه 
هوء ولا أرانى» فى المرآة. «ليس فى المرأة إلاه). 


م رأبها. هل هى التى فى داخل الر؟ أم هى 

أمامى » تواجهنى» خخارج المرأة ؟) 
هاهى العوالم: تتوالد وتتناسل وتتجددء عالم وراء عالم؛ 
ورؤية خلف رژية؛ وذکری خلف ذکری. . إن الوجود هنا 
«يتجلى على أنحاء شتى) كما قال أرسطو قديما (من 
حلال : محمود رجب» فلسفة المرأة) . يقف الراوى أمام المراةء 
لکنه لا یری نفسه» بل یری العم لاوندى» أو يرى صورته 
المنعكسة على المرآةء وقد حولت إلى صورة العم لاوندى» 
ذلك الذى كان بمثابة القدوة أو الأب أو الحماية له فى 
ال ذلك الجانب الجميل من طفولته» يراه ولا يرى 
نفسه أو يراه لأنه يريد أن يرى نفسه الآنء يراه وقد سيطر على 
المرأة وامعلأت بها صورته؛ والمرأة هنا ققد نكون هى مرأة 
الذهن» أو مرآة التذكرء وليس بالضرورة مرأة الواقع الحرفية» 
يراه كأنه لا يريد أن ا 
,كم للقلل مرء مراوغات! فمع هذا الماضى المشرق الجميل 


المتمثل فى العم لارندى» جى صورة أخحرى جميلة ومشرقة» 
لكنها فى الوقت نفسه معذبة ومؤرقة ومحرقة» جئ امراة هى 
أقرب ما نكون إلى رامة كما هيمنت على عوالم إدوار 
الخراط ومعظم إبداعاته» جى بابتسامتها المغوبة» يجئ 
دوعيناها فى أنوار المولد صفراوان خضراوان متقلبتان بشهوية) 
(أليست هذه صورة عينى رامة فى «رامة والتنين». «والزمن 
الآخر» وفى أعمال أخرى لإدوار الخراط ؟) . 


ىع وقد ارتدت والملاية السوداء الكريشة؛ وتحتها 
فستانها الحرير السمنى.. ينساب على جسم بض. ونهداها 
برمعان القماش وتبدو الحلمتان منتصبتين وراء النسيج 
المنسدل بنعومة»؛ يتقدم العم لارندى وتتقدم المرأة امحبوبة 
المغوية معه فى الجاه الراوى: 


«بخطو سريع مهاجم. وكانا متطابقين فى كل 
شئ . جسم واحدء ثنائياً مزدوجا دقيق القسمة؛ 
ولم يكن هناك حولى حركة ولاهمسة. . تماثل 
تام فی کل شئ حتى فى حركة الأصابع 
الممعدة الملنفبضة التى تمسك بى. . إلا فى 
ضميرى المذكر والمؤنث. حتى نظرة العينين» 


واحدة» فى حيز المرآة الذى ليس فيه شئ أخرا . 


فی مرآة الذاكرة» فى مرآة الباطن؛ فى مرأة الوجدان» 
فى مرآة الأحلام والكوابيس» تتوحد الصور المتباعدة وتمتزج 
وتختلط الأزمنة والأمكنة والشخصيات. صورة العم لاوندى 
الممتزجة بصورة المرأة داخل المرآة» هناء هى صورة أقرب إلى 
حالة الوحدة فى الكثرة؛ صورة أنشوية وذكرية أو هى أنشوية 
ذكرية (دون أن نذكر حرف الوار) صورة أقرب إلى حالة 
الأندروجينى 40008686 التى ترمز إلى الكمال البدائى 
الأول» وإلى الكليةء وإلى الحالة غير المشروطة؛ وإلى 
الاستقلال؛ وإلى الفردوس المستعاد» أو الذى مخرى محاولات 
لاستعادته» البدائى الجامع بين القوى الأنشوية والقوى 
الذكرية؛ إلى وحدة الأرض والسماءء الملك والملكة؛ الكل فى 
واحدء الأب العظيم والأم العظيمة؛ إلى الخلوقات ذات القوى 


ا ج و ی 


والدلالات الروحية الهائلة كالتنين والعنقاء» وبعل وعشتار» 
والإنسان لدى أفلاطون فى انحاورات» وكذلك فی رموز مثل 
زهرة اللوتس» والنخلة» والصليب» والسهم» والهلب»› والنقطة 
داخل الدائرة» والحية؛ والنساء الأسطوريات اللاتى يمتلكن 
قوة الرجال ورقة النساء وهرقل الذى كان يرى غالبا مرتديا 
ملابس لاء . 


ينادى ميخائيل على رامة فى (رامة والتنين) بأسماء 
كثيرة من بينها أنها أنيما (المرأة داخل الرجل بمصطلحات 
يوغ) وأنها ماندالا (رمز الاكتمال والذكاء)؛ وأنها أيضا أم 
الصقرء وأم الصبرء والياسمينة الذهبية المهتزة على المياه؛ كما 
يناديها أيضا «يامعت مرتى)20)؛ وهى أيضا صورة تتجاوز 
حدود أن تكون امرأة مستحيلة إلى أن تصبح هى الدنيا أو هى 
مصر ام الدنيا؛, بقمحها المفقود الذى يجمع بين الأخضر 
والأصفر (خحلال حالات النمو ونضح السنابل) أر بواديها 
الأخضر ورمالها الصفراء» كما هو الحال بالنسبة إلى عينى 
رامة» وكذلك عينى امرأة قصة «أشواق المرايا» المتموجتين ما 
بين الأخضر والأصفر بشهوانية ملغزة» والجامعتين بين النماء 
الأوزيرى الحياتى الأخضر وست التنينى الموتى الأصفر؛ رمز 
لتوق عارم خالد أبدى ونداء كبير حارق لإحضار النماء 
رالاحضرار والاستقلال الاقتصادى والسياسى للوطن 


إن مجربة الراوى» هناء مع المرآة ججربة أشبه بتجربة العارف 
أو الصوفى: 


فما الذى يؤلف وجود العارف» بل ومغامرته 
الإنسائية؟ إنها تلك التجربة المعاشة التى تتمثئل 
أساسا فى معرفته ذاته» فهو يكشف هذه الذات 
بوصفها أنا آخرء أى قرينا سماويا يكمل 
ممكرسه الأنا الأرضى ويتممه» وذلك بالخروج 
من ظلمات الغفلة والأسرء والدخول فى أنوار 
فالعارف وهو يعيش تجربة التخلص من الغربة؛ 
يتخلص فى نفس الوقت من الأنانية الوحدانية 


8 


الرحيدة؛ طالما أن وجوده» من حيث بنيته 
الأصلية» وجود اثئين» وجود كل كامل 
متكامل» يقهر بواسطة كل القوى الشيطانية؛ 
وقوى الظلم الجماعية والاجتماعية) 37 . 


بينما تتباعد أنا الراوى وتبتعد وتوغل فى الاختفاء» 
تحضر هذه الصورة الاستيهامية التى جمع بين الذاكرة 
والحلم والتمنى والرمز» صورة يتمائل فيها الرجل والمرأة فى 
كل شئ؛ بل يتحدان وإن احتفظ كل منهما بضميره 
الخاص (ضمير المذكر وضمير المؤنث). هذا الغياب للأنا 
والحضور للآخر (فى هذا الثنائى المزدوج دقيق القسمة) هو 
فى واقع الآمر إحضار للأنا مع الآخر» وإيحاء رمزى بأن هذه 
الأنا ليس لها وجود إلا بهذا الآخر الرمزى الكلى المتكامل 
شقيق الروح» بل إن هذا الآخرء ليس آخر بل هو الأنا ذاتها 
(أو هى بشكل أدق الذات الأكفر اكتمالا إذا استخدمنا 
مصطلحات يوخ) ؛ فنحن نتحول فى مواجهة المرأة إلى ناظر 
ومنظور إليه ومتأمل ومتأمل فيهء وذات وموضوع» ونتجاوز 
الوعى المغلق على نفسه إلى الوعى المنفتح على غيره»”"21. 
إن حضور الأنا لا يكون ممكنا إلا بهذا الغياب الحرفى المرأرى 
امحدود لهاء وهو حضور ترى فيه الأنا نفسها فى فراغ صامت 
فى قلب ضجيج البهجة والاحتفال: 

«وكأننى - أنا- على التخومء لم أعد منظورا لا 
هناء ولا هناك) . 


تخرج الأنا من ظلمة المحدود العابر» ومن أسر اليومى» 
والمؤقت» والزائل» إلى أنوار اليقظة والوعى» والمعرفة؛ والحب» 
والرغبة فى الخلاص من الغربة والنفى ووحشة الررح 
وضلالها وبرودتهاء وتكون المرأة بكل معانيها وحالاتها هى 
وسيطها الخاص فى هذا الخروج . 

تختشد فى ذهن الراوى ضور العم لاوندى» وذكرياته 
معه؛ وصور المرأة إلتى أحبها ومازال يعشقها ويحلم بهاء 
وصور المولد والحياة والواقع والذكريات والأحلام؛ وصورة 
المارجرجس وقد: 





مسح ع و حي ا يي ن 


«ضرب الحية العظيمة على شط النه مخت 
سور المدينة, وماء النهر كان يتدفق دما. ألحية 
العملاقة تنتظرنی وتواجهنى بعين لا تطرف. 
أمواج الدم شربتها الأرض؛ سدىء هدراء 


مضيعة) . 


العم لاوندى يتحد مع الما رج رجس » مع الراوى» وكل 
منهم يواجه الحية العظيمة؛ يواجه التنين› «الحية المملاقة 
تنتظرنى وتواجهنى بعين لا تطرف) . صورة عينى الحية, هناء 
صورة اقرب إلى المرآة الباردة الصامتة الحايدة» بينما صورة میاه 
النهر المندنقة دما أقرب إلى المرأة الحية» ر الذاكرة 
الجماعية التى محل داخحل ذاكرة فردية لها صفة الكلية» 
ذكريات من العطش والتضحية؛ والدماء والذبح , وشرور خضر 
دوما ولا تنتهى » وشعور يحضر أحيانا كثيرة بلا جدوى الحياة 
ولا جدرى التضحية؛ وأشواق دائمة للمعرفة والحب والعدل, 
وهذه الأشواق تصبح «أشواق مرايا الوجود» والمرايا نصح کائنا 
بشريا حيا يتكلم وينطق بالحكمة الملغزة ككاهنة دلفى: كأنه 
هذا الكائن يتكلم دون صوت وكأنه يصدر من العقل إلى 
المقل» أو من المرآة الخارجية إلى المراة الداخلية أر من مرأة 
الداحل إلى نفسها فى حالة صمتها المقيم ٠‏ والمرآة فى هذه 
القصة لها أفعال وأغلاط كثيرة ومختلفة» كما هو شأن المرايا 
بمعانيها الختلفة. فالمرايا هنا: 


الها خسصائص الانعكاس وازدواج الصورة 

رتعدادهاء ورحدتها فى تثنيتها وتكثرها 
وبالعكس» وتبادل النظرات» ونقاطعها بين الرائى 
والمرئى ؛ وخمروج الأطياف والخيالات من على 
سطح المرأة..؛ كما ضر مع رمزية المرآة أيضا 
الحكايات الصوفية بخلفياتها؛ ليس فى مضمونها 
نقط (كأن يكون الطيف ملكا نورانيا أو قرينا 
سماويا يواجهه العارف ويتحاور معه؛ حتى يتم 
الاحاد بين الاثنين: فالاثنان واحد) بل وأيضا 
فى شكلهاء إذ لما كانت فى الأغلب الأعم رواية 
ذات وبناء شخصية؛ كان الرارئ فيها هو المررى 
عليه؛ والمروى عليه هو الراوۍ “٠١‏ . 


إذن؛ الرارى هنا فى هذه فا 
المرآة الحقيقية الواقعية أو الحرفية التى رآها على الباب 
الحديدى لحوش الكئيسة, ؛ بل يروي كما قلنا عما يحدث فى 
مرآة الذات؛ مرأة الذاكرة ة والحلم؛ يروى عن نفسه وعن 
أحلامه؛ عن ذكرياته؛ وعن رموزه الخاصة وعن أشواته 
الحميمة: الراوى هنا هو المروى عنه؛ والمروى عنه, أ عليه, 
هو الراوى. 


والرارى وا مروى عنه» هناء هما شخص واحد يعانق 
أشواق مرايا الوجودء یعانی أشواق الحضور والغياب» والعدل 
والحب والمعرفة؛ يعانى تطوحات الحلم وتخبطات الأخيلة 
ویعانی من شعوره الدائم المستديم من خواء يديه ومن هيمئة 
«طوحنى الحلم وتخبطت خلف الأخيلة؛ يداى 
خاويتان وروحى قاحلة وسخريتى ملء أذانى؛ . 
يعانى الرارى هذا الحب الخاص المستحيل الذى أبدا 
لم ولن يكتسمل؛ وهل كان يريد له أن يكتمل؟ ينذكرها 
ويقول: 
«لكنها كانت تعطينى» بحساب أو بغير حساب 
سواء. عطیتها مجدی وتسبیحی. ورایت انها 
محبوسة داخل المرآة. محاصرةء الإطار المذهب 
القديم يحددها وحدها رهی بؤرته) . 
الراوى الذى 2 «تانتالوس؛ - دائما شي 0 
الرارى یری e‏ وقد نوات 8 سجن يحبس ا الحبيبة 
الحلم 0 إطار «مذهب ي ما يشير إلى زمن قديم 
مضى أو تقاليد بالية رثة ة أنسدت هذه العلاقة وجعلتها 
مستحيلة» وقد أصبحت الآن وحدها فى صورتها المحفردة 
الوحيدة دون شقها الذكرى الذى أصبح ينظر الآن إليها نظرة 
فاحصة متأملة, يناديها قائلا: «طلبت منى روحى يا نور 
عينى » روحى لكو ويراها داخل إطا ر المراة وحدهاء يراها وقد 
أصبح إطار المرأة قاطع الحدودء وفى داخله صورتها مركزة 


دة 


ساطعة الوجود» لكن هذا الداخخل «المركز ساطع النورة هو 
نفسه ايؤكد تعينها» ويثبته » وفى هذا الداحل كان تغيرها هر 
نفسه وحدانیتها) . 


انفصال الكائن المزدوج وانقسامه يتم فى مرآة الداخل 
أيضاء لقد أصبح المكون الأنشوى هو المهيمن» أصبح الجانب 
الذكرى هو التابع» أصبح الجانب الأنشوى هو الثابت والمتغيرء 
هو الواحد والكثرة؛ هو الموجود والمفتقد»؛ هو باعث السعادة 
ومولد العذاب» هو الحياة وهو الموت؛ وهو الجانب الخالد 
الباقى المقيم منهاء وهو ذلك الجانب الذى يروغ منه دوما 
ويعذبه؛ لكنه يدرك أيضا فى النهاية أن فى قلب هذا التغيرء 
هذا الروغان؛ هذا التبدل؛ هذا الانسراب» هذا التغير؛ هذا 
الهروب؛ تكمن أسرار الحياة» فى ذلك الوجود الذى قال عنه 
هيرقليطس: 9إنك لا تستطيع أن تنزل النهر فيه مرتين»» 
وذلك لأن مياها جديدة ترد دوما إلى النهر. فى كل ذلك 
يكمن سمو هذه المرأة الحلم الأسطورة؛ فى وجودها الخاص 
فى هذه المنزلة بين المنزلتين» بين السمو والبذاءة» بين الرقى 
والفحش فى سلوكها وكلامها وعلاقاتها: 
كانت تنادينى بكلمات المحبة والحنوء وبذاءات 
الشهرة معاء داعرة ووامقة حباء تدعونى» بغواية 
لا أقاومهاء إلى تخطى عتبة قائل عبورها. ولم 
تكن المقتلة ما يثنينى) . 
الذات فى المرآة» كما يقول محمود رجب: 
«ليست سوى جزء من الذات الحقيقية الواقعية» 
. هو الذات مجردة 20562018 12 (عن الطبيعة) . 
لكن هذا لا يعنى أنها ذات مثالية أو أسطورية» لا 
تخضع للتغيير وتقلبات الزمن: إذ كلما كانت 
المرأة مجلوة؛ وكلما كان الضوء الساقط عليها 
كافياء كانت أقدر على إظهار ما يطرأ على 
الذات من آثار السن والمرض» وي بة الأمل 
والإحباطء والضعف.. إلخ. هذه الآثار التى 
تتخارج هناك فى المرأة مثلها مثل الصحة» 
والفرح؛ والأمل؛ والشقة. ولاشك أن الإنسان 
حينما يكون منسجما مع العالم ومتحدا به» فإنه 


۳. 


لا يحتاج إلى المرأةء وذلك أن حاجته إليها إنما 
تشتد فى فترات التفكك النفسى"'. 
يعانى الراوى» هنا» من الشعور الحاد بالفقد والافتقاد 
إلى هذه المرأة الخاصة فى حياته؛ يناديها ويثمناها ويحلم بها 


ويتحد بهاء فيجد أن ما يبقى منها بين يديه مجرد قطرات 
منسربة » هوة لا قرار لهاء واستحالة لافكاك منهاء ومسافات 


شاسعة تقف بينهما قلت: 
«نفسى ليست ثمينة على». ولكن الخط 


الفاصل حاد ورفيع مثل سن الشفرة وعميق مثل 
هوة لاقرار لها. ومجاهدته تبدو محالا. أمد يدى 
إليها فلا تبلغ شيئاة . 
يسعمر تجلى هذه المرأة فى المرآة؛ ثم إننا جد أن هذا 
التجلى يخفت ندريجياء فيعود الراوى إلى ذاته يخاطبها 
وتخاطبه. لكنه قبل أن يعود إلى هذه الذات يكشف لنا جانبا 
آخر مراوغا من أعماق هذه المرأة المراوغة الخاتلة» لكأنها رغم 
ما فيها من ثنائية وانقسام؛ ورغم ما تبديه دوما من مخول ونغير 
من حالة إلى نقيضهاء وربما بسبب هذه الطبيعة المرارغة غير 
القابلة للتحديد والتعين أو الإمساك بهاء تتحول هذه المرأة إلى 
رمز كلى مطلق: 
«ومع تموج جسدها اللدن؛ وتضرج الشفتين 
بالدم. وعمق الكحل على العينين النجلارين 
الضاربتين؛ لم أجد حرارة ولا أدنى دفء. كانت 
فى داخل المرآة؛ ليس لها مادة؛ مع تجسدهاء لم 
يكن هناك معى إلا خواء هذا الداخل البرئ من 
كل عضوية! . 
هذا الرمز الكلى المطلق على عكس الرموز السابقة متغير 
غير ثابت» والتغير جوهر فلسفة النار عند هيرقليطس وفلسفة 
الكثير من الحدائيين وما بعد الحداثبين» أمثال فوكو ودربدا 
على نحو خاص. ٠‏ 
وهذه الذات الخالصة لهذه المرأة الخاصة نتحول عبر 
ا مرآة إلى فكرة وإلى رمزء إلى مطلق. لكن هذا التحول لا يثم 
هنا على نحو مفاجئ؛ بل على نحو تدريجى متسلل. إنها 








الحمراوين» وبعمق الكحل فى عينيها النجلاوين» لكنها 
تحضرأيضا بلا حرارة» ولا أدنى دیء» ضر بلا مادةء 
تتجسد؛ لكن مجسدها خواءء وإن كان خواء مؤقتًا يدفع إلى 
النداء والخلق » فمها مفتوح ومثير» لكنه شديد البرودة» برودة 
تقترب بها من حالة الموت أو النفى أو الفقد أو البعد» وهى 
بين ذراعيه تلقصق بجسمه المنتفضء لكن هناك بينهما 
استحالة التلامسء هى الآن أقرب إلى الوهم أو الشبح: 
«كأننى أواجهها لا أعانقها. كأنها شئ لا ينال 
قط. لم تكن امرأة» بل كانت مطلق المرأة. 
فی مکان آخر. فى موقع لا يصل إليه أحد قط. 
وهى مع ذلك حميمة ومتقدة بالشهوة والنحبة 
معا . 
هذه المرأة تتجول دوا بداحله وعبر مرأة ذاته, ومن 
خلال ما يشبه الإسقاط فى التحليل النفسى (لكنه إسقاط 
وإسقاط مضاد) من أيقونة (أو صورة موحية صادقة) إلى 
صورة شبحية وثنية» ومن صورة شبحية وثنية إلى أيقونة 
صادقة» ومن صورة حقيقية صادقة كان يتمنى وجودها 
وإقامتها إلى صورة شبحية مراوغة توغل دوما فى التباعد 


والنفور» مما يدفعه دوماء فيما يشبه حالة الأكال أو الحساسية * 


الجلدية النفسية: إلى مطاردتها دوما ومناداتها دوماء ثم 

يجمع بين بعديها الحقيقى والشبحى فى مركب خاص 

تمثله هذه الصورة الملتبسة الفريدة التى جمع بين النقيضين: 
«لم تكن امرأة؛ بل كانت مطلق المرأة. تضرع 
وتتسلط. تكن وتشكو وتتطلب خادعة وامرة ولا 
راد لها. طفلتى وغانيتى الشبقة بالحب) . 


صورة هذه المرأة المنعكسة على المرأة هى صورة أيقونية» 
ترمز إلى العالم الصغير الخاص الذى يقيم بداخل الراوى ثم 
يتخارج منه لينعكس هناك فى الخارج فى المرآة (أو من 
خلال الإبداع)ء ليصبح هو ذاته صانع أيقونات» وتظل أيقونة 
هذه المراة هى درة أيقوناته؛ درة مجع بين السماوى 
والأرضى» بين الإنسانى والحيوانى» بين الشكى واليقينى» 
بين المقدس والمدنس» ذات طبيعة بريئة وشقية فى الوقت 


وجود يتسجلى 


نفسه: «طفلتی وغانيتى الشبقة بالحب»؛ فى علاقته التصاق 
واختناق ورغبة - ولا رغبة أيضا- فى الفكاك وهو لا يبتعد 
عنها إلا ليعود إليها ولا يعود إليها إلا لييتعد عنهاء هى حلمه 
المراوغوهى أيضا كابوسه المقيم: «اشتعلت فجأة؛ وقذفت 
كما يقذف المشنوق لحظة إطباق الحبل على العنق؛. 


ها هو الراوى يحاول الخروج تدريجيا من أسر المرآة 
وغوايتهاء ها هو يحاول أن يتحرر» ولو إلى حينء من أسر هذه 
المرأة المغوية البعيدة القريبة فى الوقت نفسه» «ها هو يقذف 
كما يقذف المشنوق لحظة إطباق الحبل على العنق». القفذف 
نهاية الفعل الجنسى الحقيقى أو الوهمى؛ خلال الوجود مع 
الآخرء وخلال اللعب الذاتى الجنسى (خخلال الاستمناء) 
وكذلك إطباق الحبل على العنق نهاية للحياة بكل ما فيها 
من حركة وفعل ونشاط؛ وهناك ارتباطات ميشولوجية فى 
بعض الأساطير السلتية (الخاصة بالأجناس التى قطنت غرب 
أوروبا فى الماضى) بين الرأس أو العنق والقضيب (أو العضر 
الذكرى) فكلاهما يمثل القوة والخصوبة؛ وكلاهما يمكن 
أن يرتبط بالموت والفناء أيضا (حالات العجز الجنسى وحالات 
قطع الرقبة مله ۱۳ , 


يخرج الراوى من المرأة ليدخل إليهاء يتحول من 
مشاهد إلى مشاهد؛ من رائى إلى مرئى» يخرج من مرأة المرأة 
ويدخل مرأة المعرفة» يقف فى حضرة النفرى أو من يشبه 
النفرى: 
«أوقفنى داخل المرأة وقال: ومع كل المعرفة؛ فما 
من عرفان لك قط. لأنك بلا إيمان». 


يدخل الراوى عالم المرأة ويخرج منه ويدخل إليه مرة 
أخرى؛ وفى كل مرةء يكون للمرأة مدلوها اختلف. إنه 
يتحرك دوما من مرآة الذات المتوحدة أو مرآة الذات ا مكتفية 
بنفسهاء أو مرآة الذات المنغلقةء إلى مراة الذات الممتدة 
المرتدة» كما سمينا هذه الحالة فى دراسة سابقة © . 
وخلال هذه الحالة الأخيرة: تمتد الذات من داخخلها إلى 
خارجها وتتموضع فى أحد أو بعض التجليات الخارجية؛ ثم 
إنها تعود (ترتد) بهذه التجليات الخارجية لتجعلها مرضوعا 


و ا ج ي 


(أيقونيا) داخلياء ثم إنها تخرج بعد ذلك» ومعها هذه 
الأيقونة» فى فعل انعكاس جمعى وحوارى على مرأة العالم 
الكبيرةء إنها هنا تتحرك من مرآة الواحد الباطن إلى مرأة 
الكثرة الوجودية. 


يقيم الراوى فى نهاية القصة (وهل لهذه القصة من 
77 مي ل 0 
لذاته» مع النفرى ومع جلال الدين الرومى ومع شخص ثالث 
يوشك أن يكون هو العم لاوندى الذى ظهر فى بداية القصة» 
لكنه أيضا ليس هو على نحو تام. وتدور هذه الحوارات 
الخصبة حول الأشواق القارة المقيمة: المؤرقة والمعذبة» والممتعة 
فى الوقت نفسه» الخاصة بالراوى» حول المعرفة والعدل 
والحرية» وحول الخلود والموت؛ وحول الإرادة؛ وحول الممكن 
والمستحيل . ويؤكد الراوى خلال هذه الحوارت إيمانه الذى 
لا يتزعزع بالحب: «وحده الحب يحمل وهم الوجودا؛ 
ويقول فى شكل له دلالته الخاصة: «ألم يقل شيخنا جلال 
الدين إن غير العاشق وحدهء يرى نفسه فى مراة الماء؛. 


العشق لا يتم إلا بالآخر ومع الآخرء ومن خلال 
الآخمرء وللآخمرء الآخمر هو المرأة التى يتجلى عليها العشق 
ويظهرء الآخر هو موضوع العشق المتحقق والمراوغ معاء الآخر 
هو مصدر هناء العشق وعذاباته» عاشق نفسه لا يمكن أن 
يكون عاشفا: «مرآة نرجس مهلكة مميتة» لما لها من أفعال 
خادعة؛»؛ ويمكن أن نضيف أيضا أن الآخمر كالمراة «رمز 
للخداع ورمز للمعرفة أيضاء .2١9(‏ 
حالم بالماء 
ترتبط المرأة» خاصة قرب خاتمة القصة بحلم الماء وماء 
الحلم: 
«فى حلم الماءء فى ماء الحلم. صورة الوجود 
هى استحالة الوجود. الباطن وحده هو مخايلة 
المنعين يحيق به العدم. أما العاشق الحق فلا يرى 
فى المرآة إلا الفناء؛ . 


YY 


الماء هو مصدر کل احتمالات الوجودء والماء كالمرأة له 
سطح وله عمقء والماء كالحلم أيضا له مستوى سطحى 
متشكل من صور متداخلة؛ قد تبدر لا معنى لهاء ومن 
مستوى عميق ينبغى فك مغاليقه من خلال حل رموزه 
امختلفة» والماء كالحلم كالمرآة كالمرأة كالحياة متاهة ورحلة 
يبحث من خلالها الإنسان عن ذانه وقد يصل عبرها إلى 
المعرفة أو لا يصل. 

يكون الماء غير متمايز المكونات» كذلك الأحلام؛ 
كذلك الصور الممتداخلة فى المراياء ويكون الماء الشكل الأول 
للمادةء كذلك الحلم الشكل الأول للشحقق والوجود 
الفاعل؛ وكذلك المرآة الشكل الأول لبروز الشعور بالذات 
والشخصية (خلال مرحلة المرأة عند «لاكان» مثلا). 


رمزية الماء ترتبط أيضا برمزية الفعابين» وللماء رمزيته 
الثنائية التى هى فى كثير من الميثولوجيات ترتبط بعالم الموت» 
العالم السفلى» عالم الشياطين والشر والمجهول والمداهم غير 
المتوقع» والماء رمز مزدوج فهو رمز الخصوبة والنمو والعطاء 
والتجدد والحياة (المبدأ الأنثوى منه)» وهو أيضا رمز للموت 
وحالات الجفاف مثلاء والغموض والتدمير كما فى حالات 
الفيضانات والسيول الجارفة ومأوى التنانين (المبدأ الذكرى 
منه) وهو فى ازدواجيته يشبه الحلم» ويشبه المرأة: ويشبه المرأة 
التى تعكس وينعكس عليها/ تأخذ وتعطى وتضئ وتنطفئ. ‏ 

الرجود ن لدى الرارى د- وجود 0 ا 


ا ف ال يم 


غير حقيقى» أو هى «منزلة بين الخايلة والعدم المحيق»)» كما 


أشار الخراط فى عنوان فرعى جاء بعد العنوان الرئيسى لهذه 


القصة. الباطن «وحده هو مخايلة المنعين يحيق به العدم؛ » 
المتعين الحقيقى مخايل مخائل مراوغ منسرب طيار عابر غير 
مقيم يحيق به العدم» أما العاشق الحق فلا يرى فى المرأة إلا 
الفناء»» والفناء الذى يراه العاشق فى مرأة الذات هو مرأة 
الذات الأخرى» مرأة الذات الأحرى هو الوجود الحقيقى؛ . 
رغم أنه وجود مخايل مرآوى كرقرقة الماء قبل أن يختفى من 








أمامناء أو كانزلاق الحلم قبل أن يبيدء الفناء هو الوجود: 
«قلت لا وجود عند ظهور هذه السطرة) . 


يوقن العاشق أن وجوده الحقيقى إنما يتم من خلال 
فنائه فی معشوقه» وعندما يتم هذا الفناء (الوجود) لا يكون 
للعاشق الحق وجود بالمعنى الظاهرى؛ بل يصبح موجودا 
بالمعنى الباطنى» أو لا يصبح موجودا لأن من يصبح موجودا هو 
معشوقه؛ ومعشوقه لا يوجد إلا من خلاله؛ وهو لا يوجد إلا من 
خلال معشوقه, وهكذا فى تبادل أدوار وحوار مرايا لا ينتهى . 


وينتهى هذا التبادل للأدوار أو هذا الحوار المرآوى بأن 
لا يصح معها وجود آخر. 

عند هذه اللحظة الخالصة من هذه الرحلة الخاصة 
لاستكشاف الذات»› يسمع الرارى صوت جرس الكنيسة 
وكان: «مليئا وفوى الرنين » ویقرع ججُويف السماء النحاسى 
بدقات تلقى كثلا صماء تغوص فى ررحى وتخبط القاع» 
الروح هناء ررح الرارى؛ شبيهة بالماء الذى له سطح وقاع: 
على السطح تلقى الأصوات الكتلية. فأصوات أجراس 
الكنيسة (السمعية) تتحول إلى كتل صماء ثقيلة (لمسية) فى 
تراسل -حواس 81/065]56518 خاص يجعل لهذه الأصوات 
صفة الأشياء الثقيلة الجامدة العنيفة» ويجعل للروح خفة الماء 
القاع» بعنف. 


الذات هنا أصبحت أكثر علاقة وصلة بالعالم الخارجى 
السطحى المحدد العابر المبتذل العيانى؛ الذات هنا خرجت من 
مراياها العميقة الخاصة إلى المرأة السطحية العامة؛ أصبحت 
واحدة مع الجميع؛ هنا تشعر هذه الذات بالخوف والارتعاش 
والتوتر والتفكك» وتعبر عن خوفها ووحدتها هذه من خلال 
ذلك التصوير الرمزى لحركة الأصابع الممئدة المرتعشة التى 
وه كأنما ينطلق منها شرر متعاقب؛ وأيضا هذه اليد الممدردة 
حتى أخرهاء تنادی وتتضرع» كأنها فى حالة شبه كابوسية 
- تنفصل عن صاحبهاء «وتخترق حاجزا لايلين» لا يهتز لا 


وجود يتجلى 


ينفتح إلا بمقدار نفاذ أصابعى منه؛ ثم إن أصابع هذه اليد 
تسقط (مبتورة من جذورها؛ » وينظر إليها وكأنها لا تمت له 
بصلة. ِ 


يمكن أن تشير الأصابع» رمزياء إلى تلك الفوى 
السحرية (خفة اليد) التى تباعدت أو اخدفت نسبيا لدى 
الراوى» أو أبمدته عن مرآنه الخاصة:؛ بعد سماعه صلصلة 
جرس الكنيسة؛ فالأصابع ترتبط رمزيا بالكتابة وترتبط 
بالسلامس» وترتبط بصناعة التمائيل» وبالخلق والإبداع؛ 
والإصبع على الفم علامة مخذير أو إشارة للصمت» وترتبط 
الأصابع (واليد) بالصلاة وبالبركة القى يمنحها بعض الكهنة 
للناس بعد الصلاة؛ ورفع الإصبعين بعلاقة حرف7 يشير إلى 
النصرء والإشارة بأصابع اليد لمواضع معينة فى الجزء الأعلى 
من الجسم بما يشبه الصليب علامة خاصة فى المسيحية 
ترتبط بالتثليث. وهناك إشارات خخاصة بالأصابع فى بعض 
الطقوس الدينية والشعبية لطرد الشر والحسد والعين الشريرة 
مس الخشب والخمسة وخميسة.. إلخ)» والإشارة بالأصابع 
بطربقة معينة تشير إلى الإهانة أو التحذير. 


وهناك دلالات أخرى للأصابع» قفى اليشولوجيا 
المصرية القديمة كان الكاهن عندما يرفع إصبعيه بطريقة 
معينة وخلال حركات منح البركة للرعية يكون ذلك دلالة 
على العو والقوة؛ كما أن حورس يصور أحيانا هو يمد 
إصبعيه لمساعدة أوزيريس کی :سعد على سلمه الخاص من 
هذا العالم إلى العالم الآخرء ويشير الإصبع الأول إلى العدل 
السماوى ويشير الإصبع الثانى إلى الروح أو الوسيط بين 
العالمين. وفى لوحة شهيرة لميكل أتجلو هى لوحة «خلق آدم»» 
يتجه الإله الخالق فى سحابة سماوية نتخوى زمرة من الملائكة 
صوب جسد أدم الخامد المتصق بمضجعه الصخرىء ونتأمل 
الإنسان يمد يده حتى نكاد تلمس يد الله؛ كأن شحنة 
كهربائية توشك أن تسرئ بين أصابعهما حاملة إلى هذا 
النموذج الطبيعى الفذ النفس الإنسانية ذلك أن الإله ما 
يكاد يمس طرف إصبع آدم حتى تدب فيه الحياة فتنطلق 
القوى الكامنة فى جسده"'. 


پا سپ س 


ري ل 0 


التواصل هنا يتم من خلال الأصابع. حركة سقوط 
الأصابع فی قصة «مرايا الأشواق» دلالة رمزية على الغياب 
النسبى الذى يستشعره الراوى للوجود الحقيقى الذى مر به 
خلال ججربته مع لمرآة» لغياب الحوار وحضور الصمت» 
لغياب البركة» والنصرء والخلق» والتلامس والتواصل؛ 
والعدل» رالحب» والعون» والقوة وحضور الخوف» والبعد؛ 
والفقدء والجدب والانفصالء والظلم؛ والضعفء والإهانة» 
لكن كل هذه الحالات الأخيرة بتناقضاتها ومقابلاتها السلبية 
Î‏ لم جلب إليه شعورا قاسيا مفزعاء بل كان الشعور الغالب 
عليه هو اللامبالاة؛ وكانت هذه اللامبالاة علامة قوة ومعرفة» 
أو قوة لأنها معرفة» فقد كان يعرف أن هذا السقوط الرمزى 
للأصابع إنما هو سقوط مؤقت» وأن هذه الأصابع ما تلبث 
أن تعود إلى يدها كى تواصلء من خلال قوة المعرفة» الإشارة 
والرمز والكتابة والخلق والإبداع» والسعى وراء خقيق المدل 
والحب والكرامة والتواصل والتجدد والقوة والتلامس والبركة 
والحياة» أو ما نظن أنه كذلك. 


يعود الراوى فى نهاية القصة ينظر إلى المرآة ويتأملهاء 


ويشعر بأنها تشطره وتقسمه وتعدده: 


«وأحسست المرأة تشطرنى وعرفت أننى أنلاشى » 
ولم أكن فزعا بل مطمئنا وراضيا. وقلت: ولیس 
عندى من قول». 
فاوست (أو الوعى الشقى المنقسم على ذاته) 
خلال هذه القمة؛ هناك حوارات خارج المرأة 
وحوارات داخل لمرآة. وعالم الداخل الخارج عالم ملتبس 
متداخحل ومراوغ» والحوارات ذاتها مراياء والمرايا حوارات. ومن 
بين هذه الحوارات هناك حوار خاص وفريد بين الرارى و 
صورة أخرى لشخص ما يتجلى لهذا الراوى وبوقفه كما قال 
فى الرآةء ويفيم معه حوارات شبيهة بحوارات النفرى» وناور 
الحوارات حول الحب والمعرفة وصراع الحب والمعرفة» كأن 
هذه الحوارات تومئ إلى برومیشیوس الذى حاول أن يسرق نار 
المعرفة بسبب حبه للبشرية؛ أو تومئ على نحو خخاص إلى 
فارست الذى باع روحه للشيطان» كى يصل إلى الحب؛ إلى 
المعرفةء وكان الراوى بعمسك بالحب ويقول بأن كل أنحاء 


57 


الوجود يمكن أن تكون مجرد أوهام أو حالات للوجود 
الوجود» وبقول له ذلك الشخص الغامض: «وجودك داخل 
مخايل - فما من وجود»؛ ويرفض الراوى هذا التوصيف 
لحالته من جانب هذا الشخص الغامض ويقول: «إلا الحب - 
إلا الحب. إلا الحب. وحده الحب يحمل وهم الوجود ؛ 
فالحب فى رأيه هو الحقيقة المطلقة» أما الوجود ذاته فيمكن 
أن يكون وهماء يضرب هذا الشخص الغامض الذى ينحاور 
مع الراوى البالطو الذى كان يرتديه: : 


«ضربات خفيفة بعصاه الأبنوس اللامعة. على 
وتيرة منتظمة:؛ مع ظل ابتسامة لا تکاد تری 
كان تقرييا ‏ حانيا عطوفا. عيناه ثلجيتان بنظرة 
مسددة إلىّ باستمرار: ألم تكن تريد الحب؟1 . 


هذا شخص يعرف الراوى جيدا ويعرفه الراوى جيداء 
كأنه صورة أخرى للعم لارندى» أو حالة أحرى من حالته» 
كأنه «مفستوفليس»» وكأن الراوى فاوست هناء كان العم 
لاوندى قادرا على الظهور والاختفاء» وكانت عيونه عميقة 
نارية متقدة؛ جاءت به المرآة فى صورتيه القديمة والحديثة؛ 
كأنه يتسم بالأزلية أو السرمدية رغم قدرته ‏ وربما لسبب 
قدرته - على التبدل والتغير وانخاذ صور عدة» كان حانياً 
وعطوفاًء وكذلك الحال بالنسبة إلى هذا الشخص الغامض 
الذى يوقف الراوى فى مرآة ذاته ويقيم معه هذه الحوارات. 
يبدو مفستو فى التراث الإبداعى العا مى ذكريا وأشوباء معتديا 
وضحية ماديا وروحانياء وذا قوة هائلة وشديد الضعف» مغويا 
وناصحاء كل ذلك فى آن» كذلك الحال بالنسبة إلى الصورة 
الخاصة به هناك فى هذه القصة؛ فهو صاحب عينين 
تلجيتين باردتين ومتينتين؛ وفى الوقت نفسه هو صاحب هذه 
النظر: الحانية العطوف» وصاحب هذه الابنسامة الخافتة 
الملغزة؛ وهو يعرف كل أسرار الرآوى» ويعرف صراعاته من 
أجل الحب والمعرفة والإرادة والحرية؛ ويعرف توقه العارم 
لمقاومة الموت بكل معانيه الحرفية وامجازية؛ ويعرف أنه أراد 
دائما مثل فاوست «الصبا المقيم؛ » وبعرف كل أسكلة الراوى 
الدائمة حوا ل الإيمان وفقد الإيمان والحرية وفقدان الحرية» 
والحب ونشدان الحب وفقدانه» وغير ذلك من القضايا 





الكبرى والأشواق المحرقة التى تتجلى دوما فى مرايا وجوده 
الخاص. أضاع فاوست عمره من أجل المعرفة ثم استعاد 
شبابه من أجل الحب» وخسر رهانه مع مفستوفليس فى 
النهاية وخسر امعرفة والحب؛ لكن خاتمته (خاصة فى تفسير 
جوته لهذه الفكرة الأسطورية)؛ كانت توحى بالأمل 
والتسامح والغفران. فى القصة ما يشىء إذنء بأن هذا 
الشخص الغامض (مفستو) يعرف كل أسرار هذا الراوى 
(الذى يكاد يكون فاوست) ويعرف بأنه رغم معرفته العميقة 
بأشياء كثيرة فإنه لايؤمن بالكثير منهاء وحينما يؤكد له 
الراوى إيمانه العميق بالحب وأشياء وقيم أخرى فى الحياة 
يسأله مفستو على نحر ساخر: ألم نكن تريد الحب؟ ويؤكد 
له الراوى أنه كان يريد الحب والمسرفة والعدل والحرية» 
ويضيف مفستو له: والصبا المقيم؟ ويقول الراوى إنه كان 
موقنا أنه سيموت قبل العشرين. ويبدو أن مقايضة ما تمت 
ببنهما تخلى من خلالها الراوى لفترة ما عن سعيه الدائم 
للإرادة المطلقة والعلم الكلى وما وراء المعرفة الحفوفة بالخاطر 
والشكوك فى سسيل الحب والخلودء ولسنا فى حاجة إلى 
القول بأن الحب معرفة؛ والمعرفة حب والصراع بينهما فى 
هذه القصة دائم لا ينتهى؛ ئمة ما يشى فى هذه القصة بأن 
«مفستو) ذاته هو فاوست» وفاوست ذاته هو مفستوء مثلما 
قبل إن جوته هو فاوستء وفاوست هو جوته» وان هاملت هو 
شكسبير والعكس بالمكسء وأن الراوى إنما قام بإسقاط 
النصف الخاص منه الساعى إلى المعرفة داخل المرآة بينما 
وضع النصف الآخر الساعى نحو الحب خارجهاء وأقام حوارا 
عبر المرآة أو داخل المرآة بينه وبين ذاته فى حالانها امختلفة. 
العم لاوندى كان يسرق للراوى منذ زمن طويل «الحلارة 
الشعر » وكان الراوى يأكلها منه خفية؛ فمن منهما الذى 
كان يسرق؛ ومن منهما الخير ومن منهما الشرير؟ الحلارة 
الشعر المسروقة؛ هناء يمكن أن تكون رمزا للحب أو رمزا 
للمعرفة أو رمزأ لنار المعرفة والإبداع التى حاول بروميئيوس 
سرقتها من أجل البشرء ومن أجل الآخر؛ مثلما كان العم 
«لاوندى» يسرقها من أجل الطفل الذى كانه الراوى؛ ومثلما 
أعطى مفستو الخلود لفاوست وسرق منه إيمانه ويقينه ومعرفته 
النسبية» بل سرق منه الحب فى النهاية أيضأ. مفستو مثل 





وجود يتجلى 


التنين» يحمى أشياء ويدمر أشياء ومفستو كالتنين موجود 
بداخلنا ويظهر فى كوابيسنا وفى الظلم والعدوان الذى نلحقه 
بأنفسنا وبغيرنا. المرآة كذلك تظهر أشياء وتخفى أشياءء مرايا 
الذات؛ كذلكء تظهر أشياء وتخفى أشياء (لصاحبها أر 
للآخخرين) . وهذه الازدواجيات والثنائيات والأشكال المنعددة 
المنجلية عبر هذه القصة على أنحاء شتى إنما تنم عبر مرايا 
عدة» متقابلة ومتداخلة» ومنفصلة ومتصلة»؛ ومتخارجة 
ومتموضعة؛ مرتبطة بالذات» ومرتبطة بالآخرء مرتبطة بالماضى»؛ 
ومرتبطة بالحاضر والمستقبل» ومرتبطة بالشك ومرتبطة 
باليقين» وكل ذلك معان تكشف لنا عن وجود يتجلى على 
أنحاء شتی . 


خاتمة الرحلة أو بدايتها 

بدأت هذه القصة برحلة بالقطار إلى مسولد 
«المارجرجس؛ الموجود فى أماكن عدة فى مصرهء والرحلة هنا 
رحلة رمزية أكثر منها رحلة حقيقية. الرحلة هنا تتم عبر 
ماهة المرأة؛ ومتاهة المراة هى متاهة الذات» ومتاهة الذات 
ترتبط بخبرات هذه الذات وذكرياتها وإدراكاتها فى الماضى 
والحاضرء وبأحلامها فى الحاضر والمستقبل. الرحلة التى 
تمت عبر متاهات ومرايا عدة فى هذه القصة تشير إلى ذلك 
العبور النسبى الذى مر به الراوى فى بحر الحياة وخضمها 
متلاطم الأمواج متعدد الطبقات» ومتداخل الأسطح 
والأعماق؛ وتشير أيضا إلى محاولاته المستمرة لقهر أو مغالبة 
كل قوى الشر والظلم والضعف والكراهية (رمز التنين) » 
وأيضا محاولاته المستميتة للوصول إلى الإمجاز والتحقق 
والإدراك الكلى والإبداع. القصة هنا أيضا ذات أبعاد رمزية 
عدة؛ وهى أيضا يمكن أن ترتبط بالسيرة الذاتية للشخص 
المروى عنه (أو عليه) وأيضا للراوى (بمعنى الشخصية امحورية 
فى القصة) وأيضا القاص (بمعنى كاتب القصة الذى تتناص 
هذه القصة وتلتقى بشكل فربد الكثير من التيمات المتوائرة 


فى عالمه الإبداعى الخاص) . 


فى القصة بحث عن الفردوس المفقودء وعن معنی 
خاص لهذا الفردوس» ومعنى خاص لهذا الوجودء هى رحلة 


شاكر عبد الحميد م م 0ك 


للبحث عن الذات من خلال الفقد الخاص لها فى فعل 
الحب أو الكتابة والحياة» وفى ذلك كله محاولة لإدراك, 
معناهماء وهى مواجهة دائمة للأخطار والحواجز طلبا للمعرفة 
والحب والعدل؛ هى محاولة للعبور بالذات عبر مراياها 
المتعددةء من حالة الظلمة والموت إلى نور الحياة والحب 
وا معرفة . 

وهكذاء فإننا جد الراوى فى نهاية هذه القصة يقول 
لناء أو يقول لنفسه: «وأحسست المرآة تشطرنى وعرفت أنتى 
أنلاشى». هذه المعرفة بهذا «التلاشى» هى معرفة بهذا 
التحول؛ معرفة بنجاح العبور» معرفة بحدوث التحقق» معرفة 
بحدوث المعرفة. وأيا كان ذه االغرفة: فين معرفة أكثر 
اكتمالا ونضوجاً من تلك المعرفة التى كانت قائمة قبل أن 
تتم هذه الرحلة عبر كل تلك المراياء وهى معرفة تججعل وعى 
الشخصية الحورية هذا شبيها بما سماه هيجل «الوعى الشقى؛ 
أو «الوعى المغترب» عن ذاته» لكنها معرفة لا تجعله رغم هذا 


الهوامش ؛ 


)1١(‏ إحسان عباس» اتجاهات الشعر العربى المعاصر, الكوبت: المجلس الوطنى 
للثقافة والفنون والآداب سلسلة عالم المعرفة» 191/4 ؛ ص 5 ٠‏ 
Cooper, J.C. An Iliustrated Encyclepaedia of Tradiitional (۲)‏ 
symbols. London: Thames and hudson, 1978.‏ 
(۳) محمود رجبء فلسفة المرآة. القاهرة: دار المعارف 21554 س 
ا 
(4) إدوار الخراط» أشواق المرايا ( قصة قصيرة ضمن مجموعة مخلوقات 
الأشواق الطائرة ‏ القاهرة: الهيثة المصرية العامة للكتاب ٠ 1191١‏ 2 
(6) انظر 
7( من خلال: 


Cooper, 1978, op. cit. 


Burnett, M.T. Tamburlaine and the Body, Criticism, 1991, PP. 
31-8 


Cooper, 1978, op - cit. (۷)انظر‎ 


7 


الوعى المفعرب عن ذاته شقيا ومغترباء بل أقل شقاء رأقل 
اغتراباء بل مطمئنا وراضياء معرفة هى نهاية المعرفة وهى بداية 
المعرفة وهى أيضا لا معرفة» بالمعنى المحدود لكلمة معرفة» هى 
معرفة ما وراء المعرفة أو هى معرفة للمعرفة هنانه1062008. 
وعند هذا النوع من المعرفة حاصة فى الفن وفى التصوف 
وفى الحب» وفى الخبرات الممائلة» ليست هناك قطيعة ولا 
جمود؛ ليس هناك نفى ولا استبعاد ولا تجاهل» بل هناك مراة 
الحب التى مجمع دوما بين النقيضين: «وقلت: ليس عندى 
ما أقول» بالفعل» ماذا يمكن أن يقولة هذا الراوى بعد كل 
ما قاله عبر رحلته ومتاهاته ومراياه المتعددة» وماذا يمكن أن 
يقوله لنا إدوار الخراط أيضا غير ما قاله خلال هذه القصة 
الفريدة ؟ 
ماذا یمکن أن يقوله؛ فعلا بعد كل ما قاله خلالها؟ 


شاكر عبد الحميد 


(4) إدوار الخراط» رامة والتنين: بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشرء 
۰ ص ۰.۹1 

. "۷١ "55 محمود رجب» فلسفة ا لمرآة» ص‎ )٩( 

)٠١(‏ جابر عصفورء المرايا المتجاورة» القاهرة: الهيكة المصرية العامة للكتاب 
(سلسلة دراسات أدبية): 21447 ص 53 . 

. 317١ محمود رجب» فلسفة المرآة» ص‎ )۱١( 

(۱۲) محمود رجب» المرجع السابق» ۲۲۲ . 

cooper. 1978, op - cit. (۳) 

)١4(‏ شاكر عبدالحميد: «المرايا المتحاورة: قراءة فى ديوان القصائد الرمادية 
للشاعر محمد ملمان»» إبداع» أكتوبر 6 , السنة الثالثة؛ العذد 
العاشر, 78 ۳۲. 

)٠١(‏ محمود رجب» فلسفة ا مرآة» مواضع متفرقة. 

)1١(‏ ثروت عكاشة» ميكل أنجلوء القاهرة: الهيعة المصرية العامة للكتاب» 
۰ ص .4١‏ 








اشواق المرايا 
رمخابلة وعدم محيق» 


عندما أوشك القطا عن اوو دقات سرعته 
فليلا» كانت رائحة البصل فى الحقّولء بالليل» تكاد تغلبنى. 
كان الجر حاراء والهواء شحيحاء والنافذة مكسورة. 

كنت قد قررت فجأة أن ا ولو وحدىء بآخر قطار 


لالح ى الليلة الكبيرة؛ لم أكن فر ري 


من قبل؛ قلت: أسهر طول الليل فى المولد 2 وأعود بقطار 


و 


العجر. 

نفلت بصعوية» وسط الرحام» من الباب الحديدى العالى 
مفتوحاً على مسراعيه ) وكنت ْ 
حورش الكنيسة بين أكوام لنائمين والجالسين على الأرض» 
فى حلقات وجماعات وعائلات؛ افترشوا الحصير والأحرمة 
الصوف القديمة والأبسطة القماش المثربة؛ الأطفال عراة 
تقريبا تحت ملاءات السرير عليها آثار البقع المصفرة؛ والنساء 
بتمصان النوم عارية الأ کتاف» والرجال بالجلاليب أو بالفائلة 

والبنطلون» ۾ بینم العجائز ئز يقضات کک لممن کش 


عليهن الطرح 


كنت انق ل قدمى بحرص وأنا داخ 


شعرهن الات 8 أطرافه آثار الحنة»› ر 


عندما دخلت صحن الكنيسة الغاصة بالناس كانت القبة 
شاهقة ومعدمة؛ النساء على جنبء غطين رؤوسهن: يحاولن 
إسكات أطفالهن» والرجال واقنين أو جالسين على الدذكك 
الخشبية اللامعة؛ يشا ركون فى الصلاة بالقبطية والعربية. 
كانت أمواج القداس الليلى تعلو وتنخفض خت الأنوار 
متعددة البؤر من السقف ونحت تيجان الاعمدة الرخامية 
الرومانية الشكل. صور المسيح وتلاميذه القديسين تبدو باهتة 
وتمتها نور الك 
صورة هائلة الما رجرجس يطعن الحية العظيمة؛ والنور 
الكهربائى يومض على زجاج الصورة ويكاد يطمس معالمها. 


انتظرت قليلا ثم خرجت إلى الحوش المزدحم؛ ومررت 
غلن باك الكنيسسة بالقدن فى ثياية الب ذاه يصلى ويعزم 


لشموع أصفر وضعيف . أمام حجاب الهيك لهيكل 


وجوه يتجلى 


حلل الطبيخ 


ماكء مان» ونامواء أو 


ليخرج الشيطان من امرأة مصروعة» ولاحظت 
لجاز مطفأة تمتها . قلت: : تعشّوأ من ز. 
سهروا فى اننظار العريس ٠‏ 


وب أبير | 
عه 


كانت رائحة البصل مل الحقرل قد خكك الآن كثيرا 
ولكن أنفاسها مازالت معلقة فى السماء المكتومة. 


أصداء القداس غير المفهومة تأتينى من داخل الكنيسة 
والتسابيح والترانيم من المولدء مختلطة بأغانى الراديو والمواويل 
وترجيعات المزامير وإيشاعات الصالجات السريعة امجرفة النبرة 
وشكاة المسمية من يام الأذكار وغناء الرجال القرى 
الخشن من اللرادقات المفتوحة المقامة على قضبان خشبية 
رفيعة: بين صفوف أكوام البطيخ المفروشة على الرمل 
وعربات الفاكهة واللب والسودانى والمجيلى والكشرى» وباعة 
الفلافل التى نطش فى طاسات الزيت الضخمة الفوارة» 
ونصبات المقاهى المرنجلة بموائدها الصفيح؛ ومدخنى الشيشة 
والجوزة؛ والوشامين الذين تتقد على البرك الخشبية أمامهم 
فيهات لهب حادة قصيرة من اسطوانات الغاز الصغيرة 
يرسمون بالإبر الدرارة الدقيقة» والوشم الأزرق» علامات 
الصنيب على مماصم النساء وصور الشهيد العظيم على 


صدور الرجال. 


فجأة زات المراة الكبيرة القديمة مسنودة من الخارج على 
الباب الحديدى لحوش الكنيسة 


كان لها إطار مذهب باهت الآن» سقطت قشرته عند 
الأركان؛ مشغول على هيئة أزهار وأغصان متشابكة متلوية 
على الطريقة القديمة بينها وجوه الشاروبيم الصغيرة المدورة 
منتفخة الخدود. وكانت ناصعة الزجاج؛ صافية بنقاء لا 
تشوبه هبرة؛ وعميقه. 
كانت ساحة المولد الغامضة بالليل ممتدة بداخلهاء كلهاء 
بأنوارها المتراقصة: حبال المصابيح الكهربية الممدودة والمتدلية؛ 
وكلوبات الغاز اللبنية الشوءء ومشاعل التار المدخنة على 
عريات العرمس » والبرتقال العنيفين: 
رأيت الرجل 0 يقف أما م المراق» جامداًء يحدق فيها 
بئباتء لا يتحرك.. كان نحيلاً وطويلاء قدماه الغليتان 


شاك عبد الحميد ا ع لمت سسجت ممح جيه ا 0 


بدران مفلطحتين ومتربعين فى الصندل المعمول من مطاط 
المج ل وحبل الليف. ركان عليه جلباب صوفى قديم رث 
نسيجه وخحف وتقطع؛ وظهر مخت تمزقاته جسمه الداكن 
وعظامه العجفاء. 

ورأيت حول رقبته الضاوية - تفاحة آدم كانت كبيرة 
جاحظة صليباً خشبياً ضخما بأطبافه المورقة» معلقاً بحلقة 
ن الجلد | الأسود الذى بدا لى فى أنوار الليل المهعزة؛ غير 


کان معتمرا بكوفية طو بلة كالحة السواد تلف رأسه وتتزل 
على كتفيه 

وكانت عيناه عميمَتين ونارهم متقدة فى الحفرتين 
الات 
عر فته لرل مرة» فی اب ا یسرف : الحلاوة e‏ 


وأكلها منه؛ خحفية. منذ کم سنة؟ ثلاثين؛ خمسة وثلاثين 
2 . 
-)) ءال تتفم فيه نأمة 1 . 
سة؟اواكثر. لم تدغير فيه نأمة ولا ملمح هو نفسه دوت 
أدنى شك ودوك أدنى غُول. 


استبدت بى الغرابة فخطرت إليه دوك تردد» ودخلت حيز 


بينما المولد يموج وبغص حواليها. 
لا الرجل ولا أناء ولا شىء مطلقاً داخل الإطار القديم 
اا ل بالورود ووجوه الملائكة الناصلة الذهب. 


عابت روحى » يانور عينى. وروحى نمث . 

رأيته» مرة وأحدة. 

نحيلاً طويلا . دقيق القامة ييتسم أهون ايتسامة. وجهه 
شاحب وحليق وأنيق حت الطربوش المكوى» الحاد لكان 
مائلاً على جبينه أقل ميل» بذوق وغندرة الشلائينات المرهفة 


الحس. 


54 


ال دك ور رن ل سين 3 
غالى النما لقماش »ينال على الجزمة الصفراء» برقبة» أز رارها الداتسعة 


المحالية مدورة ولامعة وصفرتها أدركن قليلا من جلد الجزيء. 


كت أتف وراءه فباشرة: أراه هوي ولا أرانى » فى المرأة. 


فى المرآة إلاه. 


ثم رأيقها. هل هى التى في داخل الماة؟ أم هى أ..امى» 
تراجهنى » خارج اموا ل!ة؟ 


e - 0. 5‏ 3 ا 
ابتسامتها لى أنا مغوية؛ وعيناها فى أنوار المولد صن ارال 


وا معتلبعان بشهوية. كانت أمامى» فستانها الحرير 
السمنى»› » خت الملاية السوداء الك ية ينساب على حسم 


لحلمتان منتصبتين وء 


ا 


بض »2 ونهداها يرفعان القماش وتبدر ا 
النسيح المدل بنعومة . 


کان شعرها ظاهراً حت صرف الملاية ملموما بعصابة 


3 س 


حمراء تقمط جبينها الناصع المديرء واكاك حذادها عالى 
الكعب مذبب 0 داكنة وسير الحذاء يلف شاهر 


کا يعقدمان الوا بخط سريع مهاجم. وكانا متطابقين 
فى كل ی ء . جسم واحذء ديا أ مردوجا دقبة تى القسمة الم 
یکن هناك حولى حركة ولا همسة. ٠‏ ا ل تام فى كل شىء 
حتى حركة الأصابع الممتدة التفبغة التى تمسك بى. 
فی ضميرى المذكر والمؤنث. حتى نظرة العينين» واحدة» فى 
حيز المراة الذى ليس فيه شىء آخر. 


ثقب»› فجوةء هوة ناصعة نقية مجوفة فى قلب سا 


0 


Cue 


ليلد اتی تضطرب وتمور ونعج بالناس والأشياء .فراع 
صامت فى قلب ضجيج البهجة والاحتفال . وكأننى - أنا 
على التخوم. لم أعد منظوراء لا هناء ولا هناك. 

قلت: ليس هذا انعكاساً لأحدهما الآخر. 
ل 











كاذ قد ضرب الحية العظيمة على شط 


الشهيد الرومانى 
الت لت ضور المدينةء وماد اهر كان يتذفق سي 
المملاتة تانفرنى ون اجيينى ہیی لا تطرف. اج الدم 


شرف الأرضر اد هدرا. ا 


6 َ 2 2 07 
سمعته من داخل حمر امراق دوك صرت: هذا أوأن 


قلت: أخواق اا 


3 1 
6 


ثاى: رحدانك إياها فقدان مستديه. الوح د ليابة . ها 
ت 3-4 4 7 ر 8 : 
e‏ ا ا اله 
اده م نهایه: زه هن لماه 
000 
ب ا ای ارا 


3 


ااه ۰ 4 ا 2 ا وا 
ستدارت ان قحاد . وانحدرت مايه شا التهيها قليار . 


r 5-5‏ 2 اا ۲ د 4 )“مير 
ا اقسات نو معدا ب« مانت سو داه » مهال ٠‏ كانت 
ع و 4 


4 ا“ » ت“ ای o ٤‏ 
مر اوا ممه الحم رلرافه؛ لمرد لی انع اة 


ااي ى ااا ا 
لواضحة المفاصا . 


أمامى» أيقونة طويلة مشعة» ألوانها فضية ذهبية؛ على 
خشب شفاف فيه شموق لا ترى. النور يصعد إليها من 


“l1 


۶ منظورة ذهها ال ن عفًا ۰ 
شموء غير يعدة ريت المتفصر من ریا 


ی 


هوه وة والمعرفة معا. وأ ركت مذی 


حل بور ع ري 


ا 
ولت معا. كنت اريدها. الك 


تعثرى وقلة حيلتى . 

قلت: : طوحنى الحلم » وتخبطت لف الأخبلة یدای 
خاويتان وروحى قاحلة وسخريتى ملء أذائى. 

لكنها كانت تعطينى» بحساب أو بغير حساب سواء 


عطيتها محدى وتسبيحى. ورأيت أنها محبرسة داخل المرأة. 
محاصرة. 1 لإطا ر المذهب القديم ۽ يحددها؛ ٠حدهاء‏ وهى بؤرته 


أواجهها لا أعانتياء 


1 


وجصرد يتجنلى 





قلت: اهى تتحدى الزوال؟ هل تقف فى الدوام؟ 
قلت: طلم طلبت منى روحى يا نور عينى؛ وروحى لك. 
كانت الحدرد تاطعة. ما فى داخلها مركز ساطع النور 
د تعينها؛ ويثبنه. وفى هذا الداحل كان تغيرها هو نفسه 
وحدانيتها. 
كانك تنادينو بكلمات امحبة والحنوء وبذاءات اين 
معا: داعرة وواملية حباً: تدعونی › بغراية لا أقاومهاء إلى تخطى 0 
عتبة قال عبورها . ولم تك. ن اللقعلة ما يتينى . قت: : انفسى 
ا . ولکن الخط لبجدا تال باد رقع نقد 
1 1 
محالا. أمد إليها يدى فلا تبلغ شيئا. 


ومع رج جحسلها اللدن, رنشسرج الف بالذھ ؛ 


و ٤‏ 
n. . j ِ‏ 
وحمر دبأ وؤ ! لين اسجلاوين الضار بتين: ل احد 


ل امراق ! لیس لھا مادہ. 
إلا خراء هذا الداخل البرى» 


حرارة ولا 2 د : كانت فى دانحا 
مء لكسدها 5 بک هناك معى 
سس شل ریه IES‏ يعدي اضرع بارداً , ومثيراء 
أنناسها متتابعة مخسورفة خت شفتى ٠‏ وبين ذراعى استحالةٌ 
التلامس مع أنها كانت تلتصق بجسمی المنتفض. كأننى 
كأنها شىء لا ينال قط. فى مكان آخر 
ومتقدة بالشهرة والغخبة معا. لم تكن امرأة» بل كانت. مطلق 
المرأة» تقضر ع رتتسلط » تئن وتشكو وتتطلب» خادعة وآمرة لا 
راد لها. طفلتى وغانيتى الشبقة بالحب. 

اشتعلت فجأة» وقذنت كما يقذف المشنوق لحظة إطباق 
الحبل على العنق. 

أوقفنى داخل المرآة وقال: ومع كل المعرفة» فما من 
عرفان لك قط. لأنك بلا إيمان. 


وقال: وجودك داحل مخايل. فما من وجود. 
يحمل وهم الوجود. 


شاكر عبد الحميد ص يح حب ل و ر ي 


أما هر فقد كان يضرب البالطو ضربات خفيفة بعصاه 
الأبنوس اللامعة؛ على وتيرة منتظمة» مع ظل ابتسامة لا تكاد 
ترى ركان - تقريبا ‏ حانياً وعطوفا. عیناه ثلجیتان بنظرة 
مسددة إلى باستمرار: ألم تكن تريد الحب؟ 

قلت: رادت المعرفة. وأردت العدل. وأردت الحرية. 

قال: والصبا ا مقي ؟ 

وقلت: وقبل كل شىء أردت الإيمان. عرفته فهل فقدته 
إلى الأبد؟ 

قال: السؤال سؤالك. والباب موصدء بإرادتك. 

فلم اجرؤٌ - وهل ترفعت - أن اقول: لا. الإرادة مطلمة. 

ألم يقل شيخنا جلال الدين» «إن غير العاشق وحده» 
يرى نفسه فى مرآة الماء؛. فى حلم الماءء فى ماء الحلم» 
صورة الوجود هى استحالة الوجود. الباطن وحده هو مخايلة 





المتعين يحيق به العدم. أما العاشق الحق فلا يرى فى المرأة إلا 
الفناء. 

قلت : لا وجود عند ظهور هذه السطوة. 

كان جرس الكنيسة يصلصل مليئا وقوى الرنين» ويقر ع 
يجويف السماء النحاسى بدقات تلقى كتلا صماء تغوص فی 
روحى وتخبط القاع. 

أحسست أن أطراف أصابعى تتوتر وترتعش وكأنما ينطلق 
منها شرر متعاقب لا أرأه» يدى ممدودة حتى أخرهاء هى 
لا ينفتح إلا بمقدار نفاذ أصابعى منه. ثم سقطت الاصابع» 
مبتورة من جذورها ورأيتها بهدوء» بما يشبه اللامبالاة تنفصل 

وأحسست ا مرآة تشطرنى وعرفت أننى أنلاشى؛ ولم أكن 
فزعا بل مطمكنا وراضياء وقلت: وليس عندى من قول٠‏ 


ا 


LASALLE! 


ادوار الخراط 
مترحہسا 





ماهر شفيق فريد” 


ا REEDED‏ 
باس 


الأدبى منذ الأربعينيات حتى السبعينيات تقريبا حين دخل فى 
فترة تفجر إبداعى غير مسبوق» ومن ثم انقطع عن الترجمة 
خمسة عشر عاما (فيما عدا كتابا واحدا) إلى أن عاد إليها 
أخيرا ‏ بقصد وحساب - إذ يعكف حاليا على ترجمة رواية 
كامو (الرجل الأول . 


لم ينل الخراط المترجم من الدرس ما ناله الروائى 
والقاص. فلا يكاد يوجد عن هذا الجانب من عمله سوى 
مقالة لنبيل فرج فى مجلة الشقافة الجديدة»» وربما كان 
هناك شىء أو شيعان آحران. ولكن لدينا شهادته الخاصة فى 
أقل من أربع صفحات وعنوانها «جربتى فى الترجمة 
الأدبية؛: وهى أقيم من عشرين مقالة للنقاد امحترفين. إن 
الكلمة الأخيرة للخراط ‏ كما هو الشأن مع كبار الفنانين 





* قسم اللغة الإتجليزية: كلية الآداب»: جامعة القاهرة. 





عادة ‏ الكلمة الأخيرة للكركدن كما يقول توفيق صايغ فى 
إحدى قصائده. وفى هذه الشهادة يحدثنا الخراط أنه عندما 
كان فى الحادية عشرة ترجم قصة تمثيلية فى ثلاثة فصول 
عنوانها (فى الغابة أوهانسل وجريتل) وفى العام التالى بدأ 
ترجمة رواية اسمها (السهم الأسود) من الإمجليزية للعربية 
أيضا. وفى يناير ١9154‏ عرب عن الإنجليزية ما سماه «الفيأة) 
على نحو «نفئ بعد يوم عسير إلى منزل الإسعاد.. ونهبط وقد 
نال منا لغب العمل إلى الوادى». كان فى الثانية عشرة 
آنذاك . 

لإدوار الخراط ترجمات لم تنشير بعدء ولا يبدو أنه 
راغب فى نشرهاء منها ترجمة محاضرة سارتر الطويلة 
«الوجودية فلسفة إنسانية؛» وئمة ترجمات أخرى - على أية 
حال - لهذا النص بأقلام لبنانية ومصرية. كما ترجم لبول 
إيلوار - وأحسبه راغبا فى نشر هذا «السرير المائدة؛؛ وقصائد 
متفرقة مع تعليقات عليها ‏ أذيعت فى البرنامج الشانى 





ماهر شفيق فريد ا ج ا ا ا و ا 


(البرنامج الغتافى الآ: ن) منذ سنوات - من قبيل (الللمة؛ 
لبيروث ال . فانى» لكيتس وغير ذلك. 


إلى 

جمات الخراط المنشورة “جناسا أدبية عدة منها 
الرواية؛ وانئصة القسيرة» ولم لمسرحية » والشعرء والمقالة» والمقابلة 
الأدبية: فضلا عن كتب فى التاريخ والسياسة والفلسفة وعلم 


الاجتما”. 
١‏ 


نفى الرواية ترجم رواية إفريقية هى (فارالااهر) لإميل 
سيسيه )١957(‏ بمراجعة ونقديم محمد مندور؛ وهى من 
أولى نماذج الأدب الإفريقى التى تفل إلى العربية تار كها 
هذا الثم ای لی ا برامز من ترجسة هدى 
حبيشة؛ وترجمات ليحيى سعد عن ا وأعمال أخرى 


متف قة. 


2 ترجم النصف الأول - 
ترنستاى (الحرب والسلام» لم لم ا ٠‏ يد سود 
لأمر ما لا أود ذلك. لمة فتنة 


نحو ذلك من رائع 


0 
ا SA‏ 
بعل إلى ل يتمه وأ 


فى الشيء الجميل ا ؛ إنه يترك مرعى واسعا هبيه 
شي ينور الامال ولا بحققها كامرة لعرب - يحبها المرء 
رغم ذلك - شئ :12 فلتبق هذه الترجمة - 
مثل معحم اللغة العربية على سنس ں تاريخية الذى بده 
المستشرق فيشر ثم لم يتمه» أو مثا مثل الكتب الستة الأولى من 
ملحمة ملترن (الفردوس الفقو النى لا يلوح إن محمد 
عنانى ينوى أن يتم ترجمتها. 


وترجم رواية فاسكوبراتولينى (الشوارع العارية) وهى 
من الأدب الإيطالى الواقعى الذى يحكمه التزام يسارى» 
ولكن من بعيد» كرهج داخلى يضئ فارة مرمریه من الداخل. 


وفى القصة القصيرة ترجم (الغجرية والقاريس زقضص 
أخرى) (مارس ))١964‏ ويضم عشر قصص من الأدب 
الرومانى الحديث قدم لها عبدالرحمن ن الشرقاوى. مرة أخرى 
کان اا لخراط من السابقين إلى تقديم أدب لم نكن نعرف عنه 
شيئا تقرييا. 

وترجم فى جزءين (شهر العسل المر: قصص إيطالية 
مختارة) (سبتمبر 1169)؛ حيث قدم نماذج نمتا عازة من 


TEY 





إجنازيو سيلونى » وبابينى » ١‏ راندیلر وغير هو ٠‏ وقدم لکل کاتب 


ر ا a‏ 7 
ا وة حمم؛ ق كنات وه جوهر شه ومذاق 


كت ایال ۽ ا ا ما 16 
یل از بعالی : ن فبا صله تتت نشی 
55 ت 9 4 H‏ ا 2 
الا وو عمل ليباه حتی لت شك أن لعفي 
و “م 59 ج 0 هه 
tt 5‏ انا 
عا باه»؛ وحتى نعود فلحسر با-سخحر 7 سصرری 


. 
الد والالغا؛ الرئيسسية الحدهية اكت كنع ض: 
کت ار ام لمج یں لي كن 
الي وف قمها ل العالم» تلك الت ى ایا معا 
ر ت ا 0 
a‏ 031 
mt‏ د لاء LN‏ ۷ ا e‏ 
امتسناسه التى الهها اننأ حیناء وما تزان تمت 
EIEN a‏ نأا اه 
ف الراملهم بسطوة الالهة. رفى وسص 1 زمه 
الكرنية بجرى نزعات الناس الصغيرة مجراها 
لضن المالوفة: . رتنعقد ص خرة موقفم المعتاد. 
٤ 0‏ . 1 
00 0 قفصيدة خرف ابيانها من اللامالى 
لمتحي ة) والمزاء الكونى؛ 
ا و 5-2 3 


الحبوطةء وا لمصائر أ 


0 5 i . ت‎ 0 2 

أو انظر الو قوله عن مورافياء ولا اعنذر عن طول 
U‏ 

الاقتنام فئيس فيه ماهر زائد تعن الحاجة او من فتسول 


1 
أ 


القول: 

دليس مسرح رواياته الشوار ع الجانبية والبيرت 
القديمة والأر 5 ضى المهملة الخاوية وأنقاض ات 
ريا واءات النفس 0 
المزوية فى أر د ري و والحبم 

د امام نزواته قها - 


والخراء وضعف الخسك ا 


وهر يغرر بعيذاء ينشب فى طوايا النفس » على 
بصيرة ؛ تنقيبا مثابرا دؤوبا كأنه جيولوجى يكشف 


بلمساته الحساسة قشرة بعد قشرة من أرض فرارة 
على أن حسه بالمسألة الاجتماعية حس يقظ؛ بل 
e‏ ا نت تتخذ عنده ا 


بمجتمعهم عروة وثيقة ةَ معقمدة؛ ع بلا شك 
هو العالم الأدبى المعاصر الذى ما تزال مشاكله 


اس ا سم إدوار الخراط مترجماً 


ساعضة فعالة نابضة بالأزمة. والناس فى رواياته 
يعانوك محنة حسيتهم الجنسية المتطلبة؛ دائما فی 
والزلازل النفسية والاجتماعية تصا إلبناء على 
صفحاته, خفقات مرهفة حادة نفاذةء وإن كانت 


هينة مرتعشة دقيقة. 


زلیس ی كتابته دعوة إلى خلقية ماء ولا حس 
بالمأساة نى معناها السطحى» ولا سخرية» فكأنه 
يرى الئاس ينافحون أنفسهم؛ وظروفهم» بنظرة 
محايدة صاحية وإن كانت حزينة» دون بکاء 
ودوك ضحك اا ودوك فخر أساساء كشخص 


نا 
e‏ 0 


بالانساكء عَمَدة صغيارة م١‏ الح ة ,التاثل). 
Eh‏ 2 مره من I‏ 


هذه كلمات نافذة تضرب فى ء مق الكاتب المنقود» 
وهى لمرة معايشة طولة» وذائقة أدبية مرهفة» وعقل مخليلى 
فرى. إنها تؤكد اعتقادى أن الخراط ناقد أدبى فى امحل 
0 قاصا أو و مترجما أو ناقدا للفن التشكيلى أو غير 

لك إلا فى امحل الثانى. وأذكر أنى جهرت بهذا الرئى منذ 

عام فى ندوة بالمسرح المغير بدار الأوبرا كانت تضمنى 
والدكتور: ناطمة موسى» فنظرت إلى باستنكار» وارتفع 
حاجبيا دغشة ( كان الكاتب الساخر الراحل محمد عفيفى 
هو الذى ابتكر تعبير «فرفعت حاجب الدمشة))؛ 7 
أستأذن فاطمة موسى وكل من يصدمه قولى هذا 

فيهم الخراط نفسه ‏ أن يتحملوا هرطقاتى» فأنا 2 
غير نادم رلا تائب. وعندى أن مقالة واحدة للخراط عن 
عبدالحكيم حيدر أو عبد المنعم رمضان أو خيرى عبدالجواد 
أقيم جما لا يقاس من كل تلك النصوص الإبداعية» عبر 
النوعية كما يحب أن يسميها. 

نقد الخراط الأدبى - كما يتبدى فى مقدمات 
ترجماته - يضفر فى جديلة واحدة مركبة خيوطا من 
الماركسية: والنقد الأمجلو- أمريكى الجديد؛ وشرح النصوص 
عل الها مَة الفرنسية؛ وحس النقاد الإنتجليز بالفكاهة 


وفطنتهم » واستبصارات النقاد العرب القدامى» والفرويدية» 

والوجودية؛ وشذرات من البنيوية والتفكيكية. لكنه يظل دائما 

قادرا على التوصيل؛ وفى هذا يختلف عن كثير من معاص 

ره والمغاربة على السواء. إن كاتب هذه السعلو يواح 
بسيطة مازالت تؤمن بأن الكاتب 

يقرأ لي ليفهم» ولا طاقة له على المعسيات والألغاز. 


کت SESE‏ وال انسار 


ترجم الخراط ( حوريات البحر تغنى) (يناير 61 )١‏ 
رھی قصص من الادب الامريكى الحديث أغلبها ورت إلى 
فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية» وأتلها يرجع إلى ماقبل 
ذلك. هنا ناعة بسارويان» وهمنجواىء وشتاينبك» وثوكنر» 
وأبدايك وآخرين أقل شهرة. للعقاد كتاب عنوانه «ألوان من 
القفة المّه برة فى الأدب الأمريكى؛ ( يوليه 1524 ثم ينابر 
۳ قد يكون من الشائق أن نقارن بينه وبين تتاب 
الخراط مقارنة عابرة؛ لا تمس إلا الستطلح» ولا تدعى عمف 
ولا وفاء بمتطلبات البحث. 


ترجہ كل من العماد والخراط قصة اکر المسماة 


(وردة لإميلى) . تبدأ هذه القصة فى الأصل بالجملة الآنية: 
When Miss Emily Grierson died. our whole town‏ 
ge jîy went to her funeral.‏ العقاد: ١‏ ها توفيت السيدة 
جريرسون خرج لتشييعها عامة أهل المدينة؛ ويترجمها 
الخراط: «عندما ماتت مس إميلى جريرسون ذهبت البلدة 
كلها تشيع جنازتها؛ . 


ترجمة الخراط أدق إذ تعانى ترجمة العقاد من عيبين: 
إنه يترجم 55 إلى «السيدة؛؛ وهو خطأ فجزء كبير من الأثر 
الكلى للقصة يعتمد على كون إميلى عانسا محبطة الامال» 
تعيش مع ذكريات حب قديم» وليست من العقائل السيدات 
المتزوجات. وكلمة 10۷ تعنى «بلدة» لا «مدينة» . 


لكن الأهم من ذلك أن الخراط ينجح فى أن يترجم 
0 من كتابه على نحو ينقل مذاقه المتفرد واستخدامه 
الخاص للغة. وهكذاء فإن السجل اللغوى الذى يستخدمه فى 
ترجمة ليونارد بيشوب مثلا لا يختلط بذلك الذى يستخدمه 


'د فيترجه بو و مارك نوين 


فى ترجمة إليوت شتاين. أما ' 


a 


ماهر شفيق فريد 


وشتاينبك وغيرهم باللغة العربية الفصيحة الجزلة نفسهاء لغة 
كلاسيكية متينة العضل ولي ثيقة التركيبء دون انتباه إلى 
نقلات النغمةء ومواضع رکید والتطعيم الحاذق للغة 
الإنجليزية - أم هل نقول اللفة الأمريكية؟ _ بالمصطلح 
الدارج» بل العامى» » بل السوقى» بل البذئ بذاءة صراحا فى 
بعض الأحيان. 


يحضرنى هنا فول محمد عبدالله الشفقى» وهو مترجم 
معاز فقدناه قبل أن يستكمل عطاءه» وذلك فى مقالة له 
عنوانها ٠سطور‏ من كراسة مترجم) (مجلة «انجلة)؛ سبتمبر 
.6 يقول الشفقى: 


«المخرجم الأنانى والاستعراضىء والمترجم الذى 
يترجم بلغته هوء سبترجم ديكنز بنفس اللغة التى 
يترجم بها همنجواى»؛ وسيجعل رنين الكلمات 
عند الاثنين واحداء فيا لفظاعة الجرم!» . 


وفى فشرة أحدث أخصرج الخراط (الرؤى والأقنعة) 
)٠۹۹۵(‏ وهى مجموعة قصص قصيرة لروب جريبه» 
وكليزيو» ونانالی ساروت» وآرابال» ویکیت» وجویس وديلان 
يخطى الخراط فينطق اسمه: : دایلان - ودورنمات 
وكولدول وكاميلا خوزيه ثيلا وغيرهم. . وله قيد الطبع الآن 
نبقات ووردة) من تأليف 


تومأس - یخضئ 


قصص مترجمة عنوانها (ثلاث زن 
مرلك راج آناند وآخرين. 
وفى المسرخحية ترجم الخراط» بالا 
فرج» (أنتيجون) جان انوی (۱۹۵۹) . وعلى صفحات مجلة 
والمسبرخ والسيئيناه (يناير 1454) ترجم مسرحية أخرى 
لأنوى» كلاسية الإلهام ؛ هی (میدیا) . 


We 


وقبل ذلك کله )۱۹٥۷(‏ کان قد ترجم ملهاة 
(الخطاب المفقود) للكاتب الرومانى كاراجيالى مع مقدمة 
لتسم بالبصيرة : النقدية نفسها نفسها التى لاحظناها فيما سبق . . ومرة 
أخرى لا أعتذر عن طول المقتطف فهو يعتمد فى إحداث 
أثره النهائى على المنهج التراكمى» ويتكون فى الحقيقة من 
جملة واحدة طويلة موزعة على أربع فقر: 


é٤ 


و ج ي 


وعندما تستند الكوميديا المكتوبة على اللفعة 
البارعة؛ واللمسات الذكية اللماحة» والبصر 
النافذ بمواطن السخربة؛ وضربات العلم القاطعةء 
الموجزة» الكافية؛ فى رسم أنماط الشخصيات» 
واستثارة التهاويل المضحكة المقنعة الكامنة دائما 
وامختلمة دائما نحت أستار الوتا ر والجد قر 

الحياة اليومية الجامدة التى يكا E‏ ال 
طول ألفته بهاء حتى يأنى الكاتب فيميط عنها 


وعندما يجسم الكاتب مأ يتناول من مواقف؛ 
ويؤدى بهاء فى حذق الفنان الصداع» إلى بور 
كرك فيها فكاهته اللاذعة حتى لتكاد تشع فى 
وهج كار نفاذ» ويقطع لع من حدود شخصياته حتى 
تصبح خطوطها حادة مصقولة؛ نهائية» باهرة 
الوضوح ... 
وعندما يرتكز ز النص الممرحى - فى النهاية - إلى 
ليل متعمق لاہ وضاع المجتمع الذى يحياه 
الكاتب: 0 ورؤيا واأضحة تكاد أن تکون ریا 
فاجعة _ لممزلة التنظيم الاجتماعى القائم على 
الخديعة » والنفاق» والتزوير» والاستهتار بمقومات 
الإنسان» وطين العبارات الجوفاء » والجرى الذى 
لا يرعى حرمة وراء اللصلحة» رؤيا فاجعة تنفجر 
فى سخرية كاوية لا رحمة فيها... 
عندها يصبح النص المسرحى عملا فنيا بأرزا 
البقاء» فى خارج المسرح» فإذا ظهر على المسرح 
عاش حياته الكاملة الائعة نابضا بالحضور 
المسرحى الذى يكسب حرارة الحركة:؛ ويعطيه 
وفع التجسيم . 
وهى مختارا ات من الشعر الأفرو- ا لسينجور) ل 
حداد» والطاهر بن جلون وغيرهم. . هذه نشارة تناثرت من 
| إزميل ورشه ة الخراط حين كان يحرر مجلة «لوتس: : الأدب 


ااا ست 


الإفريقى الآسيوى؛ مع يوسف 0 وعبدالعزيز صادق فى 

الستينيات وما بعدها بقليل. ومرة أخمرى تدين له ثقافتنا 
بالفضل ؛ إذ كان واحدا ممن كسروا احتكار الترجمة عن 
الآداب الغربية» ولفتونا إلى تراث قارتين عريقتين. 


ترجم الخراط أيضا (سيمون دو بوفوار أو مشر 0 مشروع 
الحياة) لفرنسيس جانسون »)١45179‏ (الوجه الآخر لأمريكا: 
الفقر فى الولايات المتحدة) لمايكل هارنجتون (2)1554 
(نشريح جثة الاستعمار) لجى دى بوشير (۸٦۱۹)؛‏ (نحو 
0 وكلها صادرة عن دار الآداب البيروتية» تشمخ 
بدتتها وبلاغتها على تلك الترجمات التى لا تفتأ تلك الدار 


- ودور غيرها فى أجزاء أخرى من العالم العربى ‏ تبتلينا بها . 


(راجع مثلا الترجمات الشائهة لأعمال كولن ولسون النقدية 
والفلسفية والقصصية. الاستشناء الوحيد» هنا هو ترجمات 
سامى خحشبة الجيدة) . كذلك أصدرت له دار شهدى للنشر 
(الإسلام والاستعمار: عقيدة الجهاد فى التاريخ الحديث) 
(14A)‏ لرودلف بيكرر. ولا حمل الترجمة اسم الخراطء 
فعسى أن يستدرك هذا النقص فى طبعة قادمة. . 


تدين هذه الترجمات لكاتب هذه السطور بترجمة 
كلمتين. فقد كنت يوما أزور الخراط فى بيته؛ وكان جالسا 
إلى مكتبه يملى الضارب على الآلة الكاتبة ترجمة مباشرة 
دون مسودات ولا مراجعة؛ حين قابلته 15 Jes guerres‏ 
65 تنام فسألنى عن مقابلها العربى» وأجبته جبته: الحروب 
البونية؛ وهى الحروب بين روما وقرطاجنة التى لعفت بهزيمة 

العظيم - محبوب البعل ‏ على يدى سكبيو الإفريقى. 
تذكرت وأنا أرى الخراط يترجم بهذا اليسر وهذه الطلاقة ما 
كتبه العقاد يوما عن المازنى حين أُلقى كلمة فى حفل 
استقباله عضو بمجمع اللغة العربية بالقاهرة. قال العقاد: 


كان كما تدمت ‏ يعلم دروس التاريخ ة 
المدارس الثانوية؛ وكان تعليمها بالعربية حديثاء 
ركتبها المقررة لا تغنى عن المراجعة والتلخيص 
من المصادرالكبرى؛ وكان وقت المعلم مزدحما 
بالحصص فى اليوم الواحد. فرأينا المازنى يجلس 


إدوار الخراط مترء جما 


إلى مكتبه: أمامه المرجع الإلجليزى الضخم فى 
مجلد أو مجلدات» وفى يده القلم؛ وبين يديه 
ورق الآلة الناسخة التى تعرف بالرونيو» فينظر إلى 
ر ا ا 
ويكتبه بالعربية الفصحى» ويرسله إلى المطبعة فى 
وقت واحد فإذا هو بعد هنيهة مذكرات وافية 
موزعة على التلاميذ) ح : 

(العقاد» «بحوث فى اللغة والأدب» مكتبة 
غريب»» القاهرة ۱۹۷۰ء ص .)٠١١‏ 


ولا تقشصر ترجمات الخراط على الأعمال الى 
ذكرتها فحسب» وإنما تدخل أيضا فى كتبه المؤلفة. ففى 
كتابه: (من الصمت إلى التمرد: دراسات ومحاورات فى 
الأدب العالمى) )١1494(‏ ترجمات كثيرة عن مونترلان؛ 
وباسشرناك؛ وجولدغ؛ وغيرهم. وقد فاته أن يضمن هذا 
الكتاب ترجمته مقالة مالك حداد «الأصفار تدور فى حلقة 
مفرغة؛»؛ وكانت قد نشرت فى مجلة «المجلة؛؛ فى مطلم 
الستينيات: 


وترجماته غير المنشورة؛ وأغلبها مرقوم على الآلة الكاتبة 
فى أرشيف البرنامج الثانى بالإذاعة؛ كبيرة من حيث الكم 
والقدر معا. إنها تشمل مسرحيات (النورس) لتشيكوف» 
(سوء النفاهم) و(الحصار) و (المجانين) لكامى؛ (مسافر بلا 
متاع) و(بكيت) لأنوى» (عنقاء كثيرة الظهور) لكرستوفر 
فراى ‏ لم أحب أبذا إيماءاته البلاغية العريضة الفارغة» ولا 
مجازاته المزخرفة المغرية » (سوناتا الشبح) لسترندبرج» 
(انتهت الحرب) لماكس فريش» (السلام) لأرستوفان» 
(امخرب) لسول بيلوء (فى قلب السنين) لإريك بي ركوفتشى ) 
(الأسلاف يتميزون غضبا) لكاتب ياسينء (الهولندى) لليروا 
جونز (الأقزام ) لهارولد بنرء (الطريق البنفسجى إلى حقل 
الم غاع) الوريس يلر الرلد الحالم) لأرتيل» 
(كلمات على زجاج النافذة) لييتس» (البروفيسور تاران) 
لآداموف» (الملك والمتسولة) و(العذاب) لجوفند داس (ستنشر 
مجلة «المسرح؛ قريبا ترجمته لمسرحية جوزيف كونراد «بعد 
يوم واحد) مع مقدمة من قلمى) . 


ماهر شفيق فريد لل ل ج ي 


كذلك تشتمل برامجه الخاصة المذاعة على موجة 
البرنامج الثانى على ترجمات كثيرة ومنها برامج عن کامی» 
وانالى ساروت» وستفن سبندرء وجان جرنييه؛ وبريتون؛ 
ونزاراء وسعرندبرج » وكافكاء وطاغورء وأعلام المسرح 
الإغريقى فى المأساة والملهاة على السواء. وله ترجمات * شاردة» 
لم تجمع؛ منها مقالة عن ستائلى كوبريك وأقوال زرادشت 
للناقد السينمائى الفرنسى روجيه دى وينتر نشرت فى مجلة 
«الأزمنة الحديثة) عدد نوفمبر 1474 . 


حصاد كبير سار جنبا إلى جنب - وسبق أحيانا - 
عمله الإبداعى . فى كل ترجمات الخراط دقة تكاد تشفى 
على حد الوسوسة: وانتباه إلى ظلال الكلمات الدقيقة 
وإيحاءاتها , وتمسك بالنص يدنو أحيانا من الحرفية (راجع 
معى يوما ترجمة - لم تدشر- لمقالة فى علم الجمال 
للفيلسوفة الأمريكية سوزا 
مرا جارحاء حتى عزفت نفسى عن aS‏ . يومها 
كرهته بعمق! وقد غفرت له فيما بعد؛ ولكنى "م لم أنس قط. 
الغفران» نعمء أما النسيان فلا!) . 


ذا سونتاج» فكان زقده لادائى لاذعا 


لا أكتمكم أن منهج الخراط فى الترجمة ‏ على 
إجلالى له - ليس بمنهجى المفضل. . فحرصه على الأمانة 
يجعله أقرب أحيانا إلى العجمة وإلى الترا اكيب الأجنبية منه 
إلى عبقرية اللغة العربية» إنى أفضل ترجمات محمد بدراا 
وإبراهيم زكى خورشيد» وفؤاد أندراوس؛ ومصطفى حبيب 
وإخوان ذلك الطرار- على ترجماه. . بل» إذ أرجع إلى 
الوراء مسافة أبعد» أفضل ترجمات محمد السباعى - بكل ما 
فيها من تصرف. كان السباعى ينطق أبطال تشيكوف 
رموباسان بأييات طرفة والشريف الرضى - وطه حسين 
و ری والزيات. ثمة» فى ترجمات الخراط» حس ب«الزمتة) 
بمعنى سكون الريح وزيادة رطوبتهء حس بالانحصار والقيد 8 
iSJ sense of constraint,‏ فى غر فة مغلقة؛ راكدة الهواء» 
ينما نحن مع هؤلاء الذين ذكرتهم فى هراء طلق وأفق براح 

لكن من العقوق أن ينقده المرء وقد سرت ترجماته منا 


فى العروق» وكانت جزء من تكويننا العقلى 


۳ 


والوجدانى خلال أكثر من ثلاثين عاماء وغدت - إن خيرا 
وان شرا - جزء) من مناخنا الفكرى . سأختم كلانى 
بمقتطف م ا الخراط عن جربته فى الترجمة الأدبية 
(لا ينبقى أن اننسى معات الصفحات القاحلة:» والمراسلات 
والقرارات والتر صيات التى قام بها » بمفرده أو بالاشتراك» 
خريريا وتتبعيا ا فى أيام عبدالناصر ويوسف السباعى 
ومنظمة التضامن الإفريقى الآسيوى؛ وعشرات المؤتمرات التى 
حضرها فى مختلف بلدان العالم حيث كان إذا استعرنا 
تعبيراً لبريخت يدل بلدا ببلد كما يغير المرء حذاء بحذاء) . 
لماذا يترجم الخراط؟ لندع الكلمة الأخيرة للكركدنء» 
ولنستمع إليه إذ يقول: 


«أترجم - كما أكتب ‏ مدنوعا بقوة قاهرة» 
لأننى لا أملك إلا هذه الوسيلة سلاحا للتغيير» 
تغيير الذات وتغيير الآخر: إلى أفضل ربماء أو إلى 
أجمل 1 لى أدقا فى يرد وجعة ماء ؛ إلى أروح فى 

حر العنف واللاختناق» لأنتى انمق أن أقتحم 
رط ب مسف 
لاحدود لها ولا وصول إليهاء لأننى أتمنى أن 
ترتفع معرنتى - ومعرفتكم - بالذات» بالآخر 
بالعالم» ولو كان ذلك بمقدار قامة؛ لأننى لا 
أطيتق أن أخمل فى صمت جمال العمالم 
وأهواله. المعرفة إذن» والتواصل والشهوة اللاعجة 
إلى التغيير» هذد فيما أنصور هى الإجابات - 
وهل ثم من إجابة قط؟ وهل ثم من إجابة 
أيضا ‏ تستنفد طاقة السؤال؟ 


الترجمة عندى ‏ كالكتابة ‏ هى سعى إلى 
المشاركة؛ وربما هى تخل عن رذياة ورزية قابضة 
ع الأنانية كوي اه 
شرك ار 
وحدى. . هذه متعة تزيد بل تفيض بالعطاء لا 
بالأخذء وتشرى وتتسع وتعمق بالمشاركة لا 
بالاستكثارء بلا شك؛ مثل كل متع الحب. 


وا ل ل ج ج إدوار الخراط مترجماً 


هل من ضرورة لإنكار أن فى الترجمة أيضا متعة 
اللمب بالكلمات ‏ وماوراء الكلمات ‏ من 
طاقة؟ ولكن ما أشد جدية هذا اللعب الذى يقع 
فى مكان ما من جوهر العملية الفنية نفسها؛ إذ 
إن لعبة الإفصاح عن مكنون الذات وعن خفايا 


الآخر الذى هر بانضرورة وبالتعريف وجه «آخرا 


للذات - هى لعبة حيأة أو موت» مثل لعبة 

الروليت الروسية الشهيرة. إن أحطأت فهى 

التهلكة؛ وإن وت كتبت لك الحباة» . 
المقامرة» لعبة الروليت الشهيرة. 





LALLA LALLA 0 0020 


الصورة الشعريه 
وشعرية الصورة 
فى تاويلات الخراط ومائيات رزق الله 





وليد الخشاب * 


سسسسسسس سد TTT‏ 
LELE‏ ماللا 


احتفالاً بعيد ميلاد إدوار الخراط السبعين؛ أصدر له 
مجلس الأعلى للثقافة بمصر كتاباً يضم سبعة نصوص شعرية 
وسبع لورحات مائية لمدلى رزق الله“ . يكتسب الكتاب 
أهمية من مكانة كل من الخراط ورزق الله فى الحياة الفنية 
رالأدبية» ومن اجتماعهما معًا. لكن فضل هذا ك 
من جدته النسبية فى ثقافتنا المربية؛ إذ يندر أن يكتب 
مبدعونا نصوصا أدبية تستلهم أعمالاً تشكيلية؛ ا 
تلك النصوص بجني إلى جنب مع مستتسيخات من اال 
الفنان الذى أوحى بهاء فالمعتاد أن تكون الرسوم المصا 
لنعسل الأدبى هى التالية عليه والمستوحاة منه. 

فی کتاب إدوار وعدلى (7 تأويلات ولا مائيات» ؛ 
نكنشف أن نصوص الروائى الشاعر قد حركتها معارض 
بعينها للفنان التشكيلى؛ بحيث تبدو النصوص صياغة أو 
مقاربة شعرية لصور أو نصوص تشكيلية محددةء دوك ن أن 
» قسم اللغة الفرنسية, كلية الآداب» جامعة القاهرة. 


TEA 


يكون النص الشعرى بالضرورة ترجمة أو و قراءة للوحة بحد 
ذاتها. وغزارة ما كتب ب إدوار عن عدلى شمر ودا تلفت 
النظر إلى هذه الصداقة الإبداعية التى قل أن جد لها مشيلا 
فى الإنتاج الثقافى العربى. لا نعنى مجرد الصداقة بين أدباء 
وتشكيليين» بل التعبير عن الصداقة إبداع) " . 


من ناحية أخرى؛ قدم عدلى فى الكتاب ممادلا 
تشكيلبًا لما يراه قصدية نصوص إدوار» بصفة عامة. ليست 
لوحات عدلى فى الكتاب توضيحًا أو زخرفة لنصوص إدوار 
الشعرية وليست رسمًا لنصوص معينة سابقة؛ وان کان 
بعضها قد استخدم كأغلفة لكتب إدوار المطبوعة ببيررت 
حدينًاء ولا هى لرحات من تلك التى ألهمت 
بل هى محاولة للتعبير عن روح إبدا ع الخراط وشخصه» 
بالألوان والأشكال . هكذا جد موتيقة الهرم ثابتة فى لوحات 
عدلى السبع 0 وتؤكد 
مكانعه الأدبية؛ إذ تشفع الاستعارة: : إدوار فى السبعين/ الهرم 


ت إدوار قصائده: 


ل ا ل د الصورة الشعرية وشعرية الصورة 


فى السبعين. والجملة الشانية هى عنوان المعرض الذى أهداه 
عدلى إلى إدوار وعنوان لوحات الكتاب العام. فى المقابل» 
تبدر قصائد إدوار تعبيراً عن موتيفات ونماذج أصيلة وقيم 
تهيكل عالم عدلى الإبداعى. فنجد مثلاً تكرار) لذكر شفافية 
الضوء وجسدانية المرأة والصخور وأنثوية الزهرة فى قصائد إدوار 
عن أعمال عدلى؛ وهى موضوعات يلمسها بوضوح مشاهدو 
مائيات الفناك. 


لكن الكتاب» فى الهيئة التى نشر عليها » يطرح عدة 
إشكالات» لعل آخخرها ما ذكرنا من أن القصائد حركتها 
مجمرعة لوحات؛ لكنها نشرت بمصاحبة لوحات غير تلك 
التى أوحت بالقصائدء أى أنه إشكال يكمن فى اختلاف 
النص المحيط اي بالنص الأسامى (إدوار) فى الكتاب» 
عنه فى الكتابة» أى لحظة الإبداع الأصلية. 


العمل الشعرى والعمل التشكيلى الذى حركه؛ من حيث 
تأثير هذه العلاقة على ا المعنى: : أهى علاقة ملهم 
بملهم؟ أحى علافة ترجمة أو تعليق بين نصين؟ ؟ أللنص 
الشعرى المعنى نفسه إذا قرأناه منفصلاً أو متصلاً ˆ باللوحات 
المعنية ؟ 


كذلك يثير الكتاب قضية الجنس الأدبى. فأول ما 
يلفت نظر القارئ أن إدوار الخراط قد جنب أن يسمى شعره 
شمر بل سماه تأويلاً لكته لم يرتض أن يقدم نصوصه على 
هيكة النثر إذ اختار لها صف الشعر الطباعى. فإلى أى جنس 
أو نوع نعزو نصوص إدوار فى الكتاب؟ أم ترانا بصدد نوع 
جديد اسمه: التأويل الشعرى؟ 


فخماايلن نعرض لهذه الإشكالات الغلاثة؛ بدءا 
بالتجنيس وسرورا بدولد المنى عن تفاعل علامات لفظية 
وأخرى أيقونية تمثالية؛ وانتهاء بالعلاقة بين النص الشعرى 
والنص التشكيلى المحيط. 
- الجنس الأدبى: : أشعر أم تأويل؟ 
نحن فى حل من الاستفاضة فى تعريف الشغر ديد 
ما إذا كانت نصوص إدوار الموسومة بالتأويلات تعتبر شعر) أم 


نثرا, لأن شعريتها جلية. فأبسط تعريفات الشعر جمع على 
اجتماع عدة عناصر فى النص الشعرى: : الصورة البيانية: 
استعارة وتشبيهئاء الإيقاع والموسيقى: تفعيلا وتكراراً و 
وجنيساء واستخدام اللغة بجدة تنزاح بتراكيبها عن 3 اللغة 
العادية المستخدمة فى التواصل اليومى 0 فى الأدب النشرى: 
تقديم) وتأخير) وحذف وإضافة. كما يعلى الشعر الحديث من 
قي الوجازة والتكشيف والذاتية والغنائية» حتى تكاد الغنائية 
تصبح علم) على كل شعرء لا علامة تميز الشعر الغنائى عن 
الشعر الملحمى مثلا " . 

ليس عسير أن ندرك مخقق جميع هذه العوامل فى 
«تأويلات» إدوار الخراط . أضف إليها عاملاً غدا حاسمًا فى 
العمييز بين الشعر والنشر» ألا وهو الصف الطباعى. فالأسطر 
التولية للنثر والأسطر المقطعة للشعر”؟' . ولنا فى إدوار الخراط 

نفسه أسوة» إذ نشر مؤخر) ديوانه (طفيان سطوة الطوايا) » 
ومعظمه نصوص نثرية من روايات سابقة لهء قطّعها وأضاف 
إليها على حد قولهء «إيقاعات جديدة» فصارت على هيئة 
الشع. 

ليس التجنيس هنا تقييماً» بمعنى أن النص الأعلى شعر 
والنص الأدنى نشرء بل هو توصيف وتصنيف ولكل قاركاً» 
حسب قيمهء أن يقبل النص أو يرفضه . لكننا نرى أن اعتبار 
تأويلات إدوار من الشعر أمر) لا ينبغى الاختلاف فيه. أما 
الاحتلاف حول المدعة الشعرية التى تمنحها النصوصء أو 
«الجودة» التى تمثلها فأمر مشروع؛ وإن كان يتجاوز حدود 
دراستنا. 


ما إن نقر بأن تأويلات إدوار إنما 
من أمرنا: : لم فضل 
يسمى نصوصهٍ تأويلات لا شعرا؟ أهو التواضع أم الك فى 
شعرية المتن؟ أم هى الدقة فى أداء المعنى ؟ لفظ «التأويل؛ 
يجعل من نص إدوار نص لاحقناء يفسر وبشرح ويؤول - وقد 
يحول ويحور ‏ نصا سابقاء هو فى مقامنا هذاء مجمل أعمال 
عدلى التشكيلية. واختيار مصطلح «التأويل) يؤكد بقرة أن 
قراءة القصائد لا تكتمل إلا بقراءة أو مشاهدة اللوحات التى 
أثارت القصائد" . 


هى من الشعر حتى 


جد أنفسنا فى حيرة فضل الروائى الشاعر أن 


نان من الأوفق فی تتبع ميلاد قصائد إدوار أن 
ا رتأريلات» لا المكس. لاشك أن 
تقديم التأويلات فى العنوان من باب الإكبار للخراط » لكنه 
كذلك وليد الرغبة فى ا الاتقا بشع لابا ران 
المائيات المصاحبة للشعر ليست المائيات نفسها التى داعبت 
قريحة ة الخراط . إلا أن مخرج الكتاب قد عمد إلى وضع المائية 
المرتبطة بالقصيدة قبل القصيدة لا بمدها ولا فى قلبهاء ما 
يعيد إنتاج الملاقة بين اللرحات والقصائد؛ إذ إن مشاهدة 
اللو حة كانت دائمًا الباعث السابق على كتابة القصيدة - 
التأويل. 
ليس من شك فى أن قصائد إدوار الخراط المتضمنة فى 
الكتاب هى تأويللات لأعمال عدلى رزق الله. والعدوان نفسه 
يشى بذلك: 79 تأويلات و/ مائيات». لكن تأويلات لأية 
لوحات؟ ذكر لنا الروائى الشاعر فى حديث خاص أن كل 
القصائد ترتبط بمعرض من معارض الفنان ‏ وهو ما يمكن 
التأكد منه بالنظر إلى تاريخ كتابة القصائد المثبتة بالكتاب. 
وقال إن القصائد لا تعبر عن لوحة أو لوحات بعينهاء بقدر ما 
تعبر عن روح عامة أو مجمل لوحات معرض بعينه - 
ونضيف : أو معارض بعينها. وقد أُمّن الفنان على كلامه. 


على وجه العموم» يمكننا الركون إلى هذا الترصيف 
لعلاقة تأويلات إدوار بمائيات عدلى» ليس فقط لأن الرواية 
على عهدة المبدعين؛ ولكن لأن قرائن النصوص واللوحات 
تنبت شكل هذه العلاقة. فإلى جانب تواريخ القصائد المواكبة 
لتواريخ المعارض» جد انفاقا بين عناوين القصائد وعتاوين 
المعارض المعاصرة لها: التأويل الأول بعنوان 9بوارق الغضب» 
485 مواكب لمعرض عدلى بعنوان «شهادات الغضب» 
٦‏ والتأويل الشانى بعنوان «بللوريات الشهوة؛ 15485 
مواكب لمجموعة أخرى لعدلى بعنوان «بللوريات؛ 1545 . 
بل إن التأويل الثالث يحمل عنوان معرض عدلى نفسه «زهور 
المحایاة) ۹۹۰٠ء‏ 8 كانت لعدلى على الأقل ثلاث 
مجموعات بهذا العنوان" . 

وإن اخمتلف عنوان التأويل عن عنوان المعرض الذى 
يعاصره؛ فمن السهل أن نلمح التراس!. ببس النص وعناصر 


f0. 


محورية فى عالم عدلى رزق الله كله حتى إن لم تكن هذه 
العناصر أساسًا لمعرض دون غيره. فما أكشر المواضع التى 
ظهرت فيها النخلة عند عدلى؛ من معرضى 1۹A u‏ 
و۱۹۸۸ إلى مجمرعة «صعیدیات) ۱٩۱۹ء‏ على سبيل 
الغال. ومنذ ۹۸١‏ وإدوار الخراط يرى أن مجمرعة «البيت؛ 
لعدلى رزق الله أجدر بن تسمى بمرحلة «النخلة» “'. يحفزنا 
هذا على النضر لنفظر إلى قصيدة «نزوة النخلة المستحيلة) 4۹4۳ 
ف «العأريلات)» ن ليس بوصفها احتفاء بمعرضص بعينه 
وحسبء بل تمجيدا لعنصر کٹیرا ما تكرر ولطالما هيكل 
لوحات عدلى. 


بوجه عام» نخد فى قصائد إدوار موتيفات تقابل 
موتيفات بارزة فى لوحات عدلی» مما يؤكد أن اللرحات 
بواعث على كتابة القصائد؛ تعلل تسميتها «بالتأويلات). 
وقد سبق لماجى عوض الله فى دراستها عن عدلى رزق الله 
فى قصائد بعض الشعراء؛ أن اعتمدت هذا المنطلق فى مقابلة 
المائيات بالقصائد“ . 


فى نص «نشوة النشيد الكونى؟ مثلاً؛ ينطلق ! إدوار مر ن 
ين البللورية» . وينطلق فى الفقرة ة التالية من ذكر 
«الدرة الناعمة فى حضن الصدفة الجهمة) وبعد عدة سطور: 
«حيوان القوقع الحى؟ و کریستال جسدانی»''. إن 
موتيفات البللور والكريستال والدر تذكرنا بمجمرعات عدلى 
التى تحمل جميمًا عنوان «بللوریات» من 1485 إلى 
5" أما موتيفات القوقع والصدفة؛ فتذكرنا بمجمرعات 
عدلی الأرلیء مثل «الزهرة؛ ۱۹۸۵ء التی کٹیرا ما كانت 
تبزغ من صدفة'!!2؛ على نحو ما رى منذ معرض عدلى فى 
إدوار الخراط نفسه مصدر)؛ إذ يقول إن عدلى رزق الله 
يسمى المرحلة الأولى من عمله (منذ عاد إلى مصر فى مطلع 
الشمانينيات) مرحلة «الوردة ‏ القوقع ‏ المرأة» ١‏ . 


يكمن التأويل الحقيقى لأعمال عدلى فى دراستى 
إدوار عنه: «مائيات عدلى رزق الله» ١948”‏ وامائيات صغيرة» 
. ففيها يصف الشاعر الناقد أعمال الفنان ويفسرها. 
لكن قصائد إدوار المعنونة «بالتأويلات؛ تعد صياغة شعرية 


وصف والعب 





لاعأويل النقدى المطروح فى الدراستين. بل التسأوبل الأول 
٠بوارق‏ الغضب» يكاد يتتبع دراسة إدوار عام ٦۱۹۸ء‏ فى 
الموتيفات التى يحتفى بهاء فى المعجم والجمل» بل فى تتابع 
الأفكار. ونلاحظ كذلك أن كلا من القصيدة والدراسة 
مۇرخ بنوفممبر ۱۹۸٩‏ . 
فى الدراسة» يلحظ إدوار فى المرحلة الأولى من أعمال 
عدلى أنه: ولا تخطئ العين قيمة صرحية وإيحاء صخريا ما 
فى مرحلة جديدة ومتنامية من مراحل عمل هذا الفناذ) 
(مائيات 1545, ص 5). وفى القصيدة يذكر: أجنحة 
الطيور الصخرية؛ ودطيات الجسد الصخرى؛ (7 تأويلات» 
ص ۷ - ۸). فى الدراسة؛ يرز «الشرائح اللونية المنجاورة» 
(مائيات 1445, ص 27). وفى القصيدة:؛ يتساءل عن 
«شرائح من رؤيا الملعمدانى) (۷ تأويلات» ص ۷). فى 
الدراسة» يلحظ البؤرة الرعنمية القرية من متخازى الللورة 
المتوهجة والوردة الملتفة حول كأسها (مائيات 1545١؛‏ ص 
القصيدة» يقول: «أحدقت بى العيون الرحمية) 
ودأما ورق الأرحام المتأججة بوهج مشقوق فهر ارتعاشات وردة 
ندية مبلولة بمنى فجرها» (۷ تأويلات؛: ص 217 . ثم يتساءل: 


«وكيف يمكن أن يصبح بللور الشفتين نار لا انطفاء لها ولا . 


تختمل وقدتها» (۷ تأويلات» ص ۸). ويستمر الحال على 
هذا المنوال. 

يسمى إدوار المرحلة الثانية من أعمال عدلى» مرحلة 
النخلة (مائيات ٩۱۹۸ء‏ ص )١١‏ بينما يشير للوجه الأنثوى 
النخلة وللمرأة - النخلة فى شعره (۷ تأويلات» ص ۸ - 
. وحين يتعرض إدوار للمرحلة الثالثة من أعمال عدلى» 
ينوه عن «القرد الإله القديم) فی «شهادات الغضب» (مائيات 
1945 ص ۲۷) بينما فى القصيدة يقول: «القرد الإلهى 
القديم تعويذة فيروزية عاقلة فى قلب الجموح» (۷ تأويلات» 
ص 8). 

إذن» ربما كانت قصائد إدوار- أو بعضها ‏ تأويلات 
شعرية تالية لتأويلات نقدية. يركز النقد على الكشف 
والإفصاح العتلانى» بينما يطلق الشعر العنان لتفاعل 
الوجدان آليًا - كالكتابة السوريالية الالية - مع اللوحات. قد 


العبورة التمرية وحتعزية الستوزة 


يضفى ذلك على اللوحات وضوحًا حيناء وغموضا أحيانا. 
فيعمد إدوار فى نقده إلى رصد موتيفات أساسية عند عدلى؛ 
وانتظام الكتل والألوان فى علاقة مركز اللوحة بأطرافهاء 
ويصف الخطوط والألوان» بينما فى شعره بمزج بين هذا 


کله» مؤولة أشكال عدلى إذ ب يسميهاء يسميهاء ومغمضًا إياها بحت 
تراكم الصور والمجازات. 
هنا جيب عن السؤال الذى طرحناه أنفا: لم فضل 


إدوار أن يسمى شعره تأويلا”؟ ربما كان التواضع أو الشك. 
لكن المؤكد أن لهذا الشعر طابعا خاصاء إذ ينبنى بما هو نص 
خصوصيته فى مرجعيته التشكيلية» حيث يطرح إدوار نصه 


تأويلاً لفن عدلى؛ كأنما يقدر الشاعر للفنان فضله مثيراً 


شعري أو يحتفى به رفيقًا فى ارتياد عالم الخيالات نفسه. 
أضف إلى ذلك أن لمقدرة الشعر ومقدرته ما يضفى على 
التأويل صبغة تختلف عن كل تأويل؛ على نحو ما سنبين. 
- التأويل وتوليد المعنى وتحويره: 
يبدو لناء إذن» أن قصائد إدوار فى «التأريلات» 
بمدلولاتها ومرجعياتها وعوالمها قد تولدت عن لوحات عدلى» 


أو وجدت فيها ما يغربها على التحول من مادة جنينية فى 


نفس الشاعرء إلى صورة شعرية على الورق. يمكننا أن 
نتلمس ما يبدو تأثير)ً للتشكيل على القصيد من حيث المبنى 
والمعنى» بما يتتجاوز الموتيفات التى يرصدها الشاعر لدى 
الرسام. لكننا نسارع فنؤكد مع عدلى رزق الله أنه «ليس من 
الضرورى أن تكون اللوحة مقروءة» 5 ؛ أى أن يكون لها 
معنى محدد سجين الكلمات. فاللوحة كما يقول التأثيريون» 
ماهى إلا مجموعة من النقاط الملونة. قد نكتسب هذه 
النقاط أشكالاً؛ لكنها لا تكون بالضرورة أشكالا تطابق واقعا 
ا + من غا واف جن سليمان فى نقده لارتباط 

فهم الصورة بالمدلول الأدبى والفلسفى» ورفضه ضررورة أن 
تروى الصورة قصة أو أن تقول خب . 

على أن الكثير من لوحات عدلى رزق الله تجذبنا بما 


يميه أهل التشكيل فى الغرب «بالأدبية»؛ بمعنى أن بها 
مجا) واضحا «إسقاطات بينة» وهو ما عنته ماجى عوض الله 


کے 


بالطابع الشعرى لفن عدلى رزق الله" ويقيننا أن أحد 
عوامل جاذبية أعمال عدلى بالنسبة إلى النقاد والشعراء هو 
حضور انجاز القوى والبسيط فى لوحاته؛ إما بالتباس الشكل» 
على نحو ما جد مثلاً فى لوحات امرأة/ المعبد؛ إذ يحتمل 
الشكل أن تفسره على أنه امرأة متربعة أو على أنه صرح ذو 
قبابء أو قد ينشأ المجاز بالتجاورء مثلما فى معرض 
«صعيديات» (۱۹۹۱) ؛ حيث تتجاور دوم النخلة والمرأة» وقد 
تتساويان طولا» ما يغرى بتفسير اللوحات على أنها تشبه المرأة 
بالنخلة. 


كما أن للبديع حضور) قربا عند عدلى؛ لاسيما 
الطباق» وكثير) ما أفاض نقاده» لاسيما إدوار» فى بيان المقابلة 
بين الدكنة والشفافية» بين النعومة والصخرية... إلخ. أضف 
إلى هذا أن عدلى يلجأ إلى رموز تشكل نماذج أصيلة فى 
الوجدان؛ مثل الوردة والمرأة رمر) لانبعاث الحياة' أو البللورة 
رمز للشفافية والنقاء. 


حضور البيان والبديع عند عدلى يولد الطاقة امجازية 
والانفعالية فی خطاب إدرار» أو يحيى مناطق معينة فى ذهنه 
ولسانه» م يضع هذا الخطاب وهذا اللسان ف دائرة الشعر. 
إلا أن هذا الحضور يغرى عادة بتركيز فهم اللوحة فى مجاز 
أو أكثر» م ينبتها. ويتبدى لنا شعر إدوار فى أول مستوياته 
كأنه بسط لهذا امجاز النابت. فاللافت أن قصائد إدوار تتميز 
بشبات قوى يوحى بشئ من السكونية. للوهلة الأولى؛ يشعر 
المقارن أن استاتيكية القصائد وليدة ثبات اللوحات فى الفراغ» 
الذى هو ثبات مبدثى وأصيل » لاينال منه ما يسميه نقاد 
الفن بالدرامية؛ بمعنى التناقض والتصارع بين الموى أو 
بمعنى الإيخاء بالحركة؛ إذ تظل تلك الدرامية سجينة اللوحة 
الشابئة فى الإطار أو على الجدار. لكأن المقارن يرى أن إدوار 
يعيد صياغة فضاء ثابت» فينطبع هذا الثبات فى شعره. 


تتجلى سكونية شعر إدوار البادية فى «التأويلات؛؛ فى 
غلبة الجمل الاسمية والرصف» حيث تغيب دينامية الفعل» 
أو يلحق الفعل بالاسم حبرا لمبتدا. كما أن كشيراً من 
الأفعال التى يوردها إدوار إنما يعبر عن الثبات؛ إذ يدور حول 
معانى الوجود والكينونة؛ أو يصف واقعا ثابنًا لا يعبر عن 


لامع 


حركة. لعل من أوضح الأمثلة على غلبة الجمل الاسمية فى 
«تأويلات؛ إدوار هو نص ونشوة النشيد الكونى؛؛ حيث لا 
جد سوی ۲٣‏ فعلاً فى 45 سطراء أى فسلاً كل 6ر1 
سطرا. وفى «زهور الموت القدسية) جد نسجة قريبة: فعلاً 
واحد) کل ۳ أسطر (4” فعلاً فى ٠١١‏ سطر)). فى أحسن 
الأحوال؛ لا جد إلا فعلاً واحدا كل سطر ونصف فى #بوارق 
الغضب؛ (74 فعلاً فى 717 سطر) طويلاة) 257 . 


اسمع الشاعر يقول فى «نزوة النخلة المستحيلة) : 


«ليلاى موسيقية الخطو صغيرة القد مرهفة الخصر 
اللون الأصفر الفريد ينساب على الجسد البض 
ينوس - هو أيضًا - على سمانتى الساقين 

كاملتين فى دقة سحبتهما ودوران خرطتهما 

إبقاع اللون القديم يتردد الآن على رصيف شارع فؤاد 
ساحة اللون التى ظننتها قاحلة 


صحراء الأحلام حاشدة الآن بالستحيلات"'. 


لا تجد فى هذه الفقرة إلا جملا اسمية. حتى الأفعال 
لا نكاد تقع إلا فى مواقع الخبر. فلا يقول مشلاً: «ينساب 
اللون الأصفر على الجسد البض». بل يبدأ الجملة بالاسم: 
«اللون الأصفر الفريد ينساب على الجسد البض». فإذا تأملت 
الأفعال فى هذه الفقرة» وجدتها أربعة. آخرها لا يعبر عن 
حركة» بل عن فكر: «ظننتها) . كما يوجد هنا ما يشبه 


. الحركة؛ وهو الإشارة لفعل المشاهدة والتأويل الذى يقوم به 


الشاعرء وبالتحديد: الترارح بين اللوحة ومشاهدها. وأول 
أفعال الفقرة: «ينساب» هو وصفى بالأساس» يشير إلى حالة 
لون ما فى اللوحة؛ أى يشير إلى ثبات؛ حتى وإن حمل معنى 
الحركة. على أنه لاشك فى أن مجرد تسمية حال اللون 
يحمل إضافة دلالة لغرية وذهنية للدلالة التى ينتجها اللون 
وحده» وسوف نعود لهذه النقطة فيما بعد. أما الفعلان 
الآخران ينوس» و«يتردد» فيشيران لمساحة تزداد - من 
أحدهما للآخر- ما بين وصف محض وإضافة دلالة تأويلية» 
وإن ظلا يحملان شحنة سكونية؛ بسبب وظيفتهما الوصفية. 


قد يقول قائل إن الوصف يمكن أن يكون ديناميًا بل 


وسردياء وهذا 0 لكن فى حالة «التأريلات؛ لن من 





تطور لحدث متصل أو لاسترسال فى وصف عناصر معينة؛ 
بل هناك انتقال من موتيفة إلى أخرى ومن تفصيلة إلى 
أخخرى . يخلق هذا الانعقال تناميًا مدعومًا بحماسة عاطفة 
عارمة» تدل عليها شحنات الألفاظ الدلالية. إلا أن تشظى 
موضوع الوصف أو الانفصال بين الجمل التى تصف 
موتيفات متفرقة فى اللوحة؛ أى تشظى الوسائل والمناظير التى 
يوصف بها موضوع واحدء كما فى المثال السابق؛ يعطى 
انطباعًا طاغيًا بأن القصيدة ليست ذات دينامية مستقلة 
متطورة؛ وإنما هى ديدمة للوحة ثابتة؛ ثما يرد حركتها إلى 
أصل ثابت تتولى وصفه أو تتخذه منطلقًا. ليس ثمة ارتباط 
بين التشظى والسكونية. لكن فى حالتنا هذه هناك تنام 
واطراد عاطفيين فى التنقل من شظية إلى أخرى؛ دون أن 
نكون هناك دينامية تمرك موضوع اللوحة الموصوفة؛ بل 
هناك رصد متنائر للوحة ثابئة» يدل على انتقال البصر من 
نقطة إلى أخرى على المساحة التشكيلية. فالدينامية فى نص 
إدوار وليدة حركة راصد اللوحة ووعى الشاعر المتلقى؛ لا 
نتيجة عمل عناصر اللوحة. 
ما يزيد من سكونية قصائد إدوار التى تشبه سكونية 
اللوحة؛ ذلك الحضور الطاغى للأسماء بصفة عامة؛ حتى إن 
الشاعر قد يسمى الأشياء ويذكرهاء دون أن يكون لها خبر, 
ما يزيد من انطباع التشظى ومن حضور الأشياء عبر الأسماءء 
لذاتهاء دون أن تكون الضرورة موظفة حاملاً محمول خبرى. 
يقول مثل: 
«أشلاء الحجر المسكوبةٌ فى فيض حنين قديم, 
بل عريق». (1 تأويلات. ص .)١١‏ 
كذلك؛ يزداد طغيان الأسماء والجمل الاسمية عند 
إدوار بسبب عدد كبير من المصادر؛ أى من الأفعال فى 
صيغتها الاسمية المصدرية. وبالمثل؛ يعزز هذا الانطباع عدد 
كبير من أسماء الفاعل والمفعول فى النصوص» أى أن الفعل 
عند إدوار يتوسل كثير)ً بصيغ اسمية» وإن كان لاسم الفاعل 
طبعًا حضور دينامى أكبر ثما يحمل الاسم العادى. لكن» 
بصفة عامة» تثبت أسماء الفاعل والمفعول عملية الفعل فى 
علاقته بصاحب الفعل أو بموضوعه؛ خافتة صوت العلاقة 


الصورة الشمرية وشعربة الصورة 


بين الفعل والزمن؛ أى مخففة الحركة التى ينشئ الفعل 
معناها. 

كما أن طفيان الزمن المضارع على الأفعال القليلة-ى 
قصائد إدوار وإن كان يحفظ الحركةء إلا أنه يحصرها فى 
الحاضرء حاضر مشاهد اللوحة؛ ثما يعزز فكرة. السكونية؛ 
بمعنى ثبات عين راصدة أمام اللوحة؛ وإن كانت للعين 
حركة. أما ما ترصده هذه العين فهو أشياء؛ تقرر حضورها 
وتثبته. وما يعزز هذا الانطباع؛ أن الصيغة الغالبة فى النصوص 
هى صيغة التقرير والإخبار (عن أشياء بأسمائها)؛ فى مقابل 
قلة الأساليب الإنشائية نوع) وعدداء فيما عدا الاستفهام الذى 
لا تخلو قصيدة منه؛ لارتباطه بطبيعة النصوص الخاصة؛ على 
نحو ما سيأتى ذكره فيما بعد. 


ولأن الشاعر يتوسل بمعجم تشكيلى محترف» فهو 
يضاعف من قوة خلقه موقف المتكلم؛ راصد اللوحة 
وواصفهاء مما يزيد من الإحساس بالثبات. مجده يتحدث فى 
الفقرة التى أوردناها من «نزوة النخلة المستحيلة؛ عن اللون 
(الأصفر) وإيقاعه؛ وعن الأشكال (دوران خرطتهما) . 

وبصفة عامة؛ يحفل كتاب (7 تأويلات و مائيات) 
بما يعيد إنتاج الصورة بوصفها لوحة تشكبليةء ما يبت 
النص/ الصورة/ المعنى. فنجد إدوار يورد الألفاظ التى تعبر 
عن الألوانء.وأحيان) يستخدم لفط «اللون» نفسه. فى جملة 
واحدة؛ يجمع أربعة ألوان: (وحمرة الأحشاء الحميمة؛ 
محتقلة أو وردية» جاور خضرة الطحالب القاتمة أو دمنة 
الحمأة العشبية؛ (۷ تأويلات» ص .)٠١‏ بل إنه يشير هنا 
للأشياء بلونها لا إلى ألوان من حيث هى صفة للأشياءء 
فيقول «خحضرة الطحالب» ولا يقول «الطحالب الخضراي . 
كذلك يشير الشاعر إلى مجليات الخطوط بتسميات امحترفين؛ 
فيقول «الأرتار؛ و«القوس؛ وبشير للأشكال فى هندسيتها: 
«الدوائر» و«المثلفات»»؛ ويشير للملمس: «الملاسة؛ و«طحلبية 
اللمس)ء؛ ويشير إلى «السطوح؛ و«التكوين» و«البؤرة؛ وم ركز 
اللوحة وأطرافهاء وهو يستخدم لفظ التشكيل صراحة «رياح 
التشكيل؛؛ ما لا يقل عن أربع ,مرات» وغير ذلك ما يحفل 
به الكتاب. 


وليد الشاب 


تدعونا كل هذه العوامل للنظر إلى «تأويلات» إدوار 
باعتبارها تحمل أثر اللوحات التشكيلية التى حركتهاء من 
حيث إن اللوحات ثابتة فى الفراغ. لكن كل هذا البناء ينهار 
عندما نقرأ الديوان الشانى لإدوار الخراط (طغفيان سطوة 
الطوايا) ؛ إذ تجد فى كثير من قصائده الخصائص نفسها التى 
أوضحناها آنفًاء من غلبة الأسماء والمصادر والجمل الاسمية 
والوصف مع الاحتفاء بتكوين صور- لوحات بالكلمات 
وبإعادة إنتاج موقف المشاهد إزاء اللوحة. اسمع الروائى 
الشاعر يفتتح ديوانه بهذه الاسطر: 

«بيداء معشوشبة يبابها باهر أبيض أصهب 

إطباق متراكب 

ابتسام مبتئس 

بهرج شاحب 

ابتلاء بالمباهمج 

بركان بارد 

التباس القلب بغياهب بدريةء“'. 


لكأن هذا الثبات الظاهرى الذى محكمه دينامية تنامى 
العواطف والصورء لا دينامية الحدث والزمن؛ هو معلم أساسى 
فى شعرية الخراط. وكأن الحس التشكيلى ‏ بمعنى محاولة 
تشبيت صورة قبلية بالكلمات ‏ هو الذى يحكم شعر إدوار 
حتى فى «التأويلات؛؛ وليست اللوحات التشكيلية الثابتة 
هى التى أضفت طابعا تشكيليا ميا على كتابة إدوار الشعرية 
فى الكتتاب ‏ الديوان. أى كأن «تأويلات؛ إدوار- كباقى 
شعره ‏ تصدر عن قربحة تشكيلية؛ أبرز وجودها اقترانها 
بمائيات عدلىء لا لأن (التأويلات) تحمل أثر عمل تشكيلى 
مثير للشعر. الواقع أن كشير) من الموتيفات المشتركة بين 
تأويلات إدوار ولوحات عدلى موجودة فى الديوان الثانى؛ 
اللكتوب قبل «القأويلات»» ما يؤكد أن إدوار ليس محض 
مشاهد مؤول لعدلى» بل هو أيضًا محتف بفنان يشاركه 
همومه البصرية» وهو فرض تدعمه شهادة عدلى بأن إدوار قال 
له: وأنت ترسم اللوحات التى كنت أتمنى أن أصنعهاء, 
وهى الشهادة المنشورة بالملف نفسه. 


فى رحم القبات الذى شيدنا صورته عند إدوار شاعراً» 
نكتشف حركة تدخل فى جدل مع السكونية. إلى جانب 


Fat 





حركة الصور المرجعية العنيفة المشحونة بالعاطفة؛ التى هى 
تراكم بالألفاظ لصور لوحات تشكيلية ثابئة» تبرز الحركة 
التى مصدرها مشاهد اللوحات ومؤولها. 


يتضح معلم أساسى من أسرار نسمية نصوص إدوار 
«بالتأويلات؛» يتمثل فى حضرر المتكلم مؤول لوحات 
عدلى؛ وفى إشاراته المستمرة» الصريحة والمضمرة؛ لعملية 
التأويل هذه. من أهم ما يحرك سكونية نص إدوار ذى الطابع 
التشكيلى دور المؤول الذى يشراوح عمله بين إيراد أفعال 
تضفى طابع الديمومة على الصور التشكيلية المعبر عنها 
بالكلمات» ووصف الصور بإضافة دلالات إلى أشكالها 
وألوانها وخطوطهاء وبين تفسيرها بما ييعدها عن أصلها 
التشكيلى؛ ليدخل بها منطقة الإبداع الخاصة بإدوار وحده. 
وفى جميع الأحوال؛ تتراوح الحركة بين إعادة إنتاج موقف 
النظر إلى اللوحة وإسقاط فهم المشاهد عليها من ناحية؛ 
وإعادة إنتاج دلالات شعرية لغوية انطلاقًا من الأشكال 
والألوان؛ من ناحية أخرى. 


بصورة تخطيطية؛ يمكن تمييز ثلاثة أنماط لعمل 
المؤول فى النص: الوصف الحرفى للوحة عدلى» وتأويل 
اللوحة بما لا تعنيه مقوماتها التشكيلية بالضرورة. وبين 
الحالين» حال متوسطة يمكن تسميتها بالوصف التأويلى ؛ 
أى شفع الوصف الحرفى بشئ من التأويل» ينطلق من 
وعن دوره: فی النقطة الحرجة التى يتفتق نيها الغسق عن 
الغسق» انطلقت أنقب عن بوارقك»" . فعمله التتقيب 
عن معنى ماء هو الغفضب هنا؛ «بوارقك» هى «بوارق 
الغضب؛؛ كما يشير عنوان القصيدة. وهى البوارق التى 
سماها عدلى نفسه باسم معرضه المعنى : «شهادات الغضب». 
والمؤول لا يكتفى بالمشاهدة من خارج اللوحة؛ بل يدخحل 
إليها وينطلق فى بحئه ‏ تنقيبه عن المعنى من نقطة فى 
اللوحة؛ حيث يتمايز لونان أو كتلتان تمثلان تجليين للغسق» 
كأن المؤول صار جزء) من اللوحة. 








أما إبداع المؤول بحيث ينتج الشعر والمعنى بما لا يفيد 
من اللوحة إلا بوصفها مؤثراء فقد عبرت عنه الحال التى 
حذفها إدوار عندما نشر التأويل فى كتاب؛ إذ كان المتكلم 
ينطلق فى تنقيبه مطوقًا بمدينته الممشوقة: «والإسكندرية فى 
عنقى)2"77؛ كأن المتكلم يفصح عن كونه إدوار نفسهء 
يبحث عن مطلق ماء مقيد) بحب مدينته المثال الأعلى: 
محبوبته الإسكندرية؛ ملهمته؛ ربة شعره التى لا تتقيد بلوحة 
أو بلون. 

فى «تأربلات؛ إدوار» تعبر الذات الشاعرة المؤرلة عن 
نفسها بضمير المتكلم وما يشبهه. وهى تشتبك مع اللوحة 
بحيث تصير جزء) منها؛ أو تخرج بعض عناصر اللوحة من 
إطارها لتدخل فى علاقة مع المؤول: «حدتت إلى وأحدقت 
بى العيون الرحمية)'"'. ومجرد ظهور ذات المتكلم عبر 
ضميره ييث حركة فى الثبات الوصفى للأسماء التى تخبرنا 
عن اللوحات؛ إذ إن الذات تتفاعل مع عناصر اللوحة؛ كما 
يتضح من المثال السابق» فتخرجها عن ثباتها لتدخلها إلى 
الواقع. وهذه حركة وهمية تأويلية بحتة, لأن العيون لا يمكن 
أن تخرج من اللوحة لتحيط بمشاهدها. 


( أ ) الرصف الحرفى: 
أحيانًا تقوم الذات الشاعرة المتكلمة بوصف اللوحات 
وصفا حرفيا, مثلما فى قولها: 


«توازن غير محسوب بين إكليل الزهرة رجسمها الملى». 

«اندهاج لونى ‏ على الارضية ‏ فاتم أو فاتح على السواء بلا 

جسم. 

بقعة مستعرضة ‏ أو طولية ‏ متطايرة فى القاء:0"' , 

تكاد هذه الأسطر أن تكون وصفًا تقريريا للزهور التى 

قدمها عدلى رزق الله فى مجموعات «زهور المحاياة»» لا 

' يخرج عن كونه نوعًا من محاولة استرجاع بعض ملامح 
اللوحة بالكلمات. وفى مثل هذه المواضع » تكاد الذات 
المتكلمة تختفى تمامًا ولا يدل عليها إلا وجود الكلام فقطء 
على نحو ما نرى فى المشال؛ إذ تكوذ وظيفتها راصدة 
بالأساس لكن فى أغلب الأحوال» تعبر الذات عن وجودها 
باستخدام أفعال تصف الأشكال وتؤولها معا. 


الصورة الشعرية وشعرية الصورة 


فى «بللوريات الشهوة» نجد تتابعًا متنوعا لحالات 
حطاب الذات التى نرصدها °" : 


جد التفرير الوصفى أرلا: «مادة الأنشوية الملتبسة صخر 
رمادى وأرجوانى ونشوة محتقنة) . يكمن الوصف فى الألوان 
وفى تسمية كةل ما بالصخر. لكن تعبير «مادة الأنشريةا 
يحمل معنى الوصف التأويلى: فالمادة وصفء إذ نفهم أن 
الشاعر بإزاء كتلة يسميها «مادة»؛ أما إضافتها للأنثوية فتنم 
إما عن تأويل لما يراه أو نفسير لرموز أنشوية باللوحة؛ وأما 
الإخبار عن هذه المادة بأنها «نشوة» فتفسير لمعنى الكتلة 
وإضافة دلالة تأويلية لشكلها. 
(ب ) الوصف التأويلى: 

فى القصيدة نفسهاء بعد سطرء جد مثالا يتضح فيه 
الرصف التأويلى اجاور للوصف المحض: «بللورية الأشواق 
إيقاع الكريستال احتدام الشهوية؛ . ذكر البللورية والكريستال 
هى العناصر الوحيدة التى تحمل فى الجملة معنى وصفيا 
بالأساس» لأن العنصر الحاكم للمعرض المعنى هو الكريستال 
أو البللور. لكن الإشارة للإيقاع حمل ضمنيًا معنى الذات 
الراصدة؛ التى تنظم فهمها لتكرار ما للكتل البللور. وأما 
إضافة الأشواق للبللورية واستخلاص الشهوية منهاء فهو 
يخرج بالوصف إلى التأويل؛ لأنه يضيف معانى للكتل 
الكريستالية باللوحات. وتنطلق هذه المعانى مع ذلك من 
اللوحة: مثلاً تفسير الألوان؛ لاسيما الحمراء لارتباطها 
بالشهوة فى الخيلة الجمعية:؛ أو تفسير الكتل؛ وحدتهاء 
واقترابها من رموز أنثوية وذكورية متجاورة. 


يتجلى ما نسميه بالوصف التأويلى فى دور الأفعال 
اللتبس» فى القصيدة نفسها: «أوراق مخضرة ملتفة خمى 
قلب التقديس الحريز؛ . فالجملة تصف أوراقًا تلقف حول 
شكل يشبه القلب على نحو ماء أو خيط به. لكن الفعل 
«نحمى) يضيف لالاحاطة معنى الحفظ والحماية» وهو معنى 
تأويلى لأن العلاقة المكانية بين الأوراق والقلب فى اللوحة 
ليست بالضرورة دلالية فى حد ذانهاء أو يمكن تأويلها على 
نحو مغاير: الخطر المحدق مثلا. 


وليد الشاب ا اة ا و و و ا 


والتأويل عند إدوار الخراط قد يكون إضافة دلالة لدلالة 
الصورة الحرفية. وقد يكون أيضنا حلق علاقات جديدة بين 
عناصر الصورة» أو خلق أسباب وروابط بينهاء مثلما فى 
حديثه بالقصيدة؛ عن فلذ الفيروز واللازورد التى تقذف بها 
عرامة كونية. فلوحات عدلى رزق الله بها شظايا بلون 
الفيروز واللازورد فعلاً. لكن السطر الشعرى يؤسس ذاتا هى 
الطبيعة؛ ويجعلها الأصل الذى تفجرت عنه هذه الشظايا. 


(ج» التأويل اخالص: 

أما ما نسميه تأويلا بيَّا خالساء فنجد له مثالا فى 
الصفحة نفسها من قصيدة «بللوريات الشهوة» ذاتها. يقول 
أدوار: 
إددار 


شق الأفخاذ المخروطية فضيحة البراءة الأرلى». 


بهذه الجملة تواز فى التركيبء كثير) ما يتكرر فى 
مواضع التأويل الصرف بالقصائد. فالمبتدأ اسم يقابله خبر 
مكون من اسم أيضّاء ولكل منهما مضاف إليه معرف ب 
«أل» يتبعه نعت» ما يجعل الخبر بمحمولائه معادلا - تفسيرا 
للمبتدأ بمحمولاته؛ أى أن «الشق» فى السطر هو علامة تدل 
على الفضيحة؛. ويمكن فهم العلاقة بين الطرفين» إذا ما 
ملأنا الفراغ: فالشق بين الأفخاذ متاح لمن يفترعه ثما يعنى 
الفضيحة بالنسبة إلى الأنئى. لكن الرحلة من الشق إلى 
الفضيحة تبدو لنا تأويلاً يضفى معنى ‏ لا تستدعيه ضرورة ما 
سوى عند الشاعر المؤول - على أشكال مخروطية بينها فراغ 
بسيط. بل إن تسمية الخروطات بالأفخاذ لتأويل أولى لأشكال 
بعينها فى اللوحة. 

بالإضافة إلى التأويل بالتقرير» بصيغة «كذا هو كذا؛ أو 
ويعنى كذا؛؛ يشكل التشبيه الناقص والاستعارة (التصريحية 
والمكنية) أدوات تأوبلية أساسية فى إنتاج المعنى وفى إضفاء 
الديمومة عليه عند إدوار. فهو كثيرا ما يعتمد البنية التالية فى 
قصائده: الشكل أو اللون المعين > التفسير المعين. 

فى القصيدة الأولى بالكتاب يقول: «مخالب مشرعة 
هى نفسها أوراق الورد الحملية» “". وهو فى هذا التشبيه» 
إنما يشرح اللوحة على مذهبه» ويفصل الالتباس الذى يولع 


۳0 


به عدلى رزق الله؛ إذ يوضح أن الشكل الذى نراه يمكن 
تفسيره على أنه مخالب أو أوراق ورد أو كلاهما. وبعد 
سطرين» يورد خبر) تقريريا آخر مفاده أن الوجه الأنشرى هو 
أيضًا نخلة بنفسجية. وينطبق توصيفنا على هذا التقرير 
كذلك. ومع أن إدوار يزيد تشبيهًا: انخلة بنفسجية كمباد 
الشمس)»؛ فإن التتشبيه يطرح هنا تفسيرا موازيا للدخلة؛ إذ 
يمكن إدراكها كذلك على انها زهرة عباد شمس» اى أن 
التشبيه يقوم مقام التقرير هنا. 

بدلا من التقرير والتشبيه الشارحين» قد يلجأ إدوار 
للتقرير بمبتداً أو خخبر» فيخلق تشبيهنًا تأُوييًا طرفه الأول 
مادى: شكل أو لون فى اللوحة؛ وطرفه الآخر معنوى؛ وهو 
تفسير الطرف المادى كما يطرحه الشاعر. يقول مكل «مدفأة 
الرحم المكنونة بذخ الداخل البللورى)""'. فة الرحم 
بالبذخ» مؤولا الأشكال بصورة مركبة؛ إذ أطلق تسمية الرحم 
على الأشكال شبه الدائرية التى تمتضن بقلبها بعض 
الموتيفنات: ثم شبّه هذه الأشكال بالمدفأة. ثم وحد بينه وبين 
البذخ . يتجلى هنا أحد المعالم الإبداعية لدور الشاعر؛ إذ ييتعد 
بأكثر من مستوى عن الأصل التشكيلى» بادنًا بتأويله ومنتهيا 
بالانطلاق فى آفاق صورته الشعرية الخاصة:؛ بما يجعل 
الأصل التشكيلى أحيانًا مجرد مشيرء لا نضا تمثاليًا يراد 
ترجمته أو نقله لفظيا . 

وقد يضيف إدوار دلالات مصاحبة للفظ المشير 
للموتيفة التشكيلية المادية؛ إذ يجعل الموتيفة على العكس» 
خب لمبتدأ معنوى كقوله: «والأسى عصافير مقصوصة 
الجنااح6 97 , والتشبيه بعنى فى الواقع تفسيره للعصافير 
منزوعة الأجنحة بأنها تجسيد للأسى. وقد يجعل الموتيفة 
التشكيلية مبتداً ماديا لخبر مادى تأويلى» بمعنى أنه لا يشرح 
الموتيفة بل يضفى عليها تشبيها من عنده» يقربها من مرجعية 
مغايرة. انظر قوله: «وتقاسيم محياك (...) شينوس 
«واندالية»)“". لا توجد فى لوحات عدلى إشارات إلى 
فينوس الواندالية» ذلك التمغال الأفريقى البديع. لكن إدوار 
يستدعيه ليقارن بين انفجار الت فى «أمهات» عدلى رزق 
الله وفى «فينوس الواندالية»: لاسيما من حيث تضخم الثدى 


الصورة الشعرية وشعرية الصورة 
ااا يت 


الأمومى والأرداف الأنشوية المتسيدة. بهذه الإشارة» يفتح إدوار 
آفاقًا جديدة لدلالة الشكل عند عدلى؛ إذ يجعل مجال 
مرجعيته أكثر رحابة؛ ليشمل أفريقيا والفن البدائى عموماً. 
وبكلمتين فقطء بستدعى معانى عديدة وي ركز عليهاء تدور 
حول تضاخم بعض الأعضاء ودلالة هذا التضخم (الأمومة/ 
الأنوئة/ الخصب! التسيد) وارتباطه بالتجديد عند الفنانين 
بيكاسو. 

هكذا يتبدى التشبيه والاستعارة من ناحية؛ والإشارات 
الأسطورية من ناحية أخمرى؛ مواطن أساسية؛ ليس فقط 
للجماليات الشعرية؛ بل للتأويل أيضًا. كل هذه الوسائل 
تضين دلالات من إبداع الشاعر إلى الأصل التشكيلى؛ 
وتفتح آفاقًا مرجعية لا تتضمنها اللوحات؛ بل تشكل جز 


هكذا نجده يشير للميشولوجيا الإغريقية؛ إلى بطن 
بيرسفون ( ص )١9‏ وإلى وحش السيكلوب (ص 74) 
مثلاً. وقد يشير إلى مشاهد من الكتاب المقدسء مثل سلم 
يعقوب (ص 255) والصليب والمصلوب؛ يسوع (ص 4؟» 
4 وإن كان لهاتين الإشارتين أصل غير صريح فى 
اللرحات. لكن مشاهد مقدسة أخرى لم تنبت إلا على لسان 
إدوار» كالإشارات إلى المعمدان (ص7 57) وإلى صور يوم 
القيامة فى سفر يوحنا: نفير الملائكة والمعركة ضد التنين 02ص 
*؛). لهذه الإشارات الأسطورية والدينية ما يكسب أعمال 
عدلى بعد) قدسيًا دينياء أو هالة عظمة وخيال بفضل تأويلها 
الشعرى على لسان إدوار» مما يزيد من الإحساس برصانتها 
ويتقابل فى جدل طريف مع الجسدانية والمادية الواضحة فيهاء 
أو مع كونها لوحات كونية بدئية لا ترتبط بتاريخ محدد قدر 
ارتباطها بتاريخ الكون والوجود: انفجار الميلاد الكونى 
والإنسانى» ظهور الحياة مع الزهرة والنخلة... إلخ. مثل هذه 
الانطباعات يثريها ويعقدها ويحورها تفسيرات إدوار الخاصة» 
مثل إشاراته الفرعونية إلى حتحور وأييس (ص 47) والقرد 
الحكيم خوت (ص ۸)ء مع أن هذه المناصر ليست بهذا 
الرضوح والتحديد في لوحات 


الواقع أن إدوار لا يكتفى بإيراد نفسيرات ميشولوجية 
خاصة برؤيته» بل قد يضفى أساطيره الخاصة على لوحات 
عدلى؛ ليتحول التأويل إلى إبداع الخطاب يدور به الشاعر 
جول ذاته وحول موتيفاته الأثيرة. هكذا تتحول امرأة عدلى 
الصرحية إلى رامة معشوقة إدوار» (رامة والتنين» (ص )١1‏ 
التى هى مثل ليلى قيس وبثينة جميل؛ ويتحول حضور 
اللرحات العلوى إلى «أنشودة للكثافة؛؛ عنوان أحد كتب 
إدوار النقدية (ص .)7١‏ 


كذلك نكتشف أن المعنى فى الشعر يحرك سكونية 
الصورة التشكيلية من خلال ربط الجاز بالفعل. حينا يتجلى 
المجاز فى شكل ثابت: كذا هو كذا. لكن أحيات؛ أخرى 
يحرك الشاعر اللوحة بالمجاز. ينضح هذا الاستخدام فى 
الاستعارة المكنية بالذات. يقول إدوار عن شفتين مفتوحتين: 
«لونهما الرمادى ‏ الطباشيرى 
نزفت عنه كل الدماء القانية 


هاربة إلى أغوار ررح متنزية تحت الركا(؟"). 


كأن اللون إنسان ينزف» بيئما يتنبع الشاعر حركة الدم 
فى نزيفه وتسربه. أما فى الأصل التشكيلى المثيرء فالصورة 
لشفتين بلون رمادى فاغ؛ وربما ارتبط: بأسفلهما لون أحمر 
قان. ثم يأتى الشاعر المؤول لينفخ من روحه فى اللوحة فيحرك 
فيها الدم. ويتحقق بذلك ما يقوله إدوار عن زمنية أعمال 
عدلى» بمعنى أنها تتحرك ولا تلبت فى الفضاء. فى الواقع 
إنها قد توحى بهذه الحركة؛ ولكنها لا تتحرك فعلاً إلا فى 
ذهن المتفرج أو فى تأويلات إدوار الشعرية؛ لأن طبيعة الوسيط 
اللغرى وإرادة الشاعر تسمحان بذلك('"). 


أوضح مثال لعدخل المماز المؤرل فى دلالة اللرحة؛ 
محركًا إياهاء يتمثل فى موضوعة «التحول» . شارت ماجى 
عوض الله إلى أن تيمة التحول عند عدلى رزق الله هى أهم 
ما لحظه الشعراء الذين استلهموا لوحاته .)"١(‏ والتحول؛ من 
حيث هو عملية؛ لا يمكن رصد حركته؛ فى عمل 
تشكيلى» إلا بتغبيت مراحل مختلفة لتشكلات الموضوع 
المتحول. عند عدلى ؛ نلمس يجليات متعددة لهذا التعبير عن 


وليد الخشاب 


التحول: مثلاً زهوره النابتة فى الصخرء كأن الصخر استحال 
زهراء أو حين يرسم عدلى شكلاً ملبسا يوحى بأنه امرأة 
ومعبد معّاء كأن المرأة استحالت معبداء أو العكسء أو حين 
برسم فى لوحة «الأم» امرأة برأس نخلة؛ كأن المرأة استحالت 


عند إدوار» تتعدد آليات التحول؛ لكنها دائمًا تتوسل 
با جاز» لتمنطق علاقات ما بين الموتيفات التشكيلية» خالقة 
قد يستخدم إدوار التقرير بأفعال التحول : 
«كيف يمكن أن تتحول فلذ الاجساد إلى 
شرائع من رؤيا المعمدانى؟» (ص ۷). 
«الاشباح التى تحولت نوراء (ص .)١‏ 
«الجسد الانثوى قد شف حتي استحال إلي 


ضوء وسماء» (ص 11). 


وقد يعبر عن التحول بالبدل» مثل: «الزهرة الرحم 
الجوهرة عزف على وتر قديم؛ (ص 77). كأن الزهرة 
مولت لرحم ولجوهرة ولموسيقى. كما قد يتولد التحول عن 
تطور شبه سردى فى القصيدة» حين نتتبع موتيفة ما عبر 
النصء لنكتشف أنها تكتسب تجليات مختلفة؛ مثل العين/ 
الدرة/ الحلمة» التى تتواتر طوال «نشوة النشيد الكونى» (ص 
٤١‏ - ١٤)ء"لاسيما‏ فى الصفحتين الأوليين. ٠‏ 


فيما سبق» شرحنا أحوالا تأويلية لا تكاد تظهر فيها 
الذات إلا من خلال عملها. لكن الذات الشاعرة المؤولة عند 
إدوار تعمل كذلك على إظهار نفسها وعلى الإشارة إلى 
عملية التلقى والتأويل ذاتهاء بمختلف مراحلها؛ بل إلى 
عمليتى إبداع الفنان والشاعر مما يؤكد ‏ بحسم - مصداق 
تسمية القصائد بالتأويلات. 


لقد أوضحنا كيف تعبر الذات عن نفسها بضمائر 
المتكلم وبالأفعال التى طلقا ات مرک اشا لکن 
الذات المؤولة كشيرا ما تظهر فى منطقة السؤال. أورد الشاعر 
لفظ السؤال غير مرة: 9براكين سؤالى» (ص )١5‏ أو (ترقد 


"4 





الدرة... منادية للسمرد أو على الأقل للسؤال) (ص .)4١‏ 
حين تنادى اللوحة الشاعر وتثير فيه الأسئلة» يبدأ التأويل - 
التدقيب بتعبير إدوار. هنا يشرع فى محاولة فك شفرة 
الأشكال الشربة بالمعانى التى تطرح نفسها عليه كرسائل: 
«حجر التوحش الطحلبى يحمل رسائل غير متاحة» (ص 
4 ثم قد ينطلق محلقًا فى ملكوته الشعرى الخالص» 
بأجنحة من اللوحات. أو تثير الرسائل أسئلة فى نفس الشاعر: 
«صروح الأوثان الخام تبتهل إلى الإنسانى البحت فى 
دخيلتنا» (ص .)١١‏ هنا يتضح وعى الشاعر بأن تأويله عملية 
ذانية داخلية كذاتية إبداعه النصى. لكن يتضح أيضا أن هذا 
الوعى مرتبط بممارسة التأويل نفسه؛ إذ يقيم علاقة بين 
الكتل التى يشاهدها فيسميها صروح أوثان» ويقلب علاقتها 
بالإنسان فيجملها هى التى تبتهل للبشر؛ وهو ما لا تنطق به 
اللوحة» بل قريحة الشاعر. 

ثمة وجه آخر لتجلى الذات المؤرلة أثناء عملها: 
بالخاطبة . فالخطاب الموجه إلى مخاطب يعنى بالضرورة أن ذا 
أطلقته؛ حتى لو لم جد ضمائر تشير إليها: «موجك الرقراق 
قد جمد فى حناياى» (ص .)٠١‏ هنا تمتزج عناصر اللوحة 
بالشاعرء كما أن الشاعر قد يولج نفسه فى اللوحة؛ على ما 
أوضحنا فيما سبق. فإن كانت الخاطبة المطلقة تخرج من 
اللوحة لتتغلغل فى الشاعرء دون أن يخاطبها: «وجهها يملأ 
جسدی» ( ص ۰)٠١‏ فهو يخاطبها أحيان) أحرى بما يعبر عن 
اجتماعهما فى فضاء ما - نجرد وجود الحوار أو الخاطبة» وبما 
يشير للذات وعملها التأويلى. اسمع الشاعر يخاطب معشوقته 
المعال الملموس» التى يسميها «كاملة الأنوثة» (ص »)١7‏ 
فيقول لها: «غداثئرك الدائرية محبة عذبة جافية) (ص 5١)غ2‏ 
فيما هى بين الغداثر والحب» مفسرا إياها تفسيرا رمزيا 
خاصاء ثم يجمع بين نقيضين فى وصف هذا الحب 
الكامل؛ كمال اجتماع الضدين: العذوبة والجفاء. 

كذلك تلتقى الخاطبة بموضوعة السؤال؛ إذ كثير) ما 
يلقى الشاعر أسئلة يخاطب بها نفسه أو اللوحات أو ذان) عليا 
ولا تكاد تخلو قصيدة من أسكلة» قد تنتظر إجابات» لكنها فى 
العادة تمارس التأويل. اسمعه يتساءل: «هل وحشة الأشلاء 


الداخلية قد صّفيت؟؛ (ص 79). إنه يضفى على الأشلاء 
معنى الوحشة ويجعل لها دخيلة؛ وهو ما لا تطرحه اللوحة. 
ثم يشير إلى الرسام من طرف خفى» بصيغة المبنى للمجهول. 
فأغلب الظن أن فاعل «صفيت» هو عدلى رزق الله نفسه. 
ويعزز ذلك أن المبنى للمجهول فى الكتتاب؛ عادة ما يرد 
الصورة بالتأويل إلى أصل ماء هو الفنان: «صبار السحاب 
نزعت عنه أشواكه» (ص ١٠)؛‏ فراسم الصبار بلا شوك هو 
عدلى؛ أما من سمى الكتلة السحابية صباراً ومن افترض أن 
له أشواك) نزعت» فهر إدوار. 
ركما يكون السؤال تأريلياء يشير ضمنيًا لعملية 

(محاولة) الفهم, والتأوبل» فقد يتضمن تأويلاً إذ يكون سؤالة 
إنشائيا لا يتنظر إجابة؛ وقد يشترك فى التأويل لأن الإجابة عنه 
تحمل مضمون التأويل نفسه: «٠‏ كيف يمكن أن يكون سطوع 
النور تحتانيًا؟» (ص 47). فى السؤال تأويل للضوء بأنه 
مختانى لا علرى؛ لکن الإجابة عنه تستدعى تأويلا آخر» 
يجعل المتلقى فى حالة بحث عنه مع الشاعر. وهو بحث قد 
لا ينتهى؛ وقد ينتهى عندما يدفع إدوار بإجابته؛ لاسيما 
حين يبدو التساؤل انطلاقًا من اللوحة إلى بحث الشاعر فى 
عالمه الخاص» عن همومه الحميمة: 

الماذا نخلتى ‏ ممشل نخسيل عدلى رزق الله - 

بعيدة؟ 

عليها شفافية الشعر ووشاية النوستالجيا؟ 

لانها استحالة». 


أسقط إدوار قيم الشعر والحنين على نخيل عدلى» وبدا 
' يتأمل فى نخلته ‏ رامته؛ وخلص إلى أنها بعيدة المنال» 
لتحولها المستمر فى تجليات مختلفة؛ أو لكون وجودها نفسه 
مستحيل لكماله وإطلاقه. يحلق إدوار: إذذ؛ فى ملكوت 
«مستحيلاته؛ الخاصة؛ بينما نخيل عدلى مائل أمامنا فى 
كثير من مجموعاته. 

قد تختلف نخلة إدوار عن نخلة عدلى أو تنفق معها. 
لكن اخختلاف الوسيط؛ من لفظة إلى تشكيل؛ يتسبب ولا 
ريب فى خوير الدلالة التمثالية» فور أن ينتج خطاب لفظى 
انطلاقًا من الصورة. ليس فقط لأن الشاعر ذات غير الرسام؛ 


الصورة الشعرية وشعرية الصورة 


لكن لأن إمكانات الكلمة الدلالية مغايرة لبنية توليد الدلالة 
فى الصورة؛ وفى العلامات التمثالية بعامة. لذلك؛ نزعم أن 
محض الكتابة عن الصورة يدخخل الخطاب فى بند التأويل» 
حتى لو كان اللفظ وصفا بحتا مباشر) للصورة. 

إن اختلاف الوسيط؛ من الصورة للكلمة؛ يبدل معنى 
الأولى حين تتناوله الثانية؛ لأن الصورة موجودة فى المكان» 
يمكن للمشاهد أن يكون انطباعًا عن معناها بنظرة محيطة 
واحدة؛ بينما فى الشعر لا يكتمل المعنى إلا بتكون الجملة 
عبر زمن ما.على أن أهم اخختلاف هو أن الدال فى الصورة 
يحدد نسبيًا مرجعه فى العالم: فالزهرة زهرة. أما تأويل مدلوله 
فيخضع لاعتبارات عديدة فى زهرة القارئ المشاهد؛ لاسيما 
إذا كان الدال ملتبسا أو مجريديا كما هو الحال كثير)ً عند 
عدلى. فى المقابل؛ دال الكلمة يشير إلى مدلول ذهنى 
محدد» بینما المرجع هو الذى لا يحده إلا حيال القارئ 
فكلمة «زهرة» لا تجعل القارئ يتخيل زهرة ذات أوصاف 
محددة وثابتة» بل يتغير شكل هذه الزهرة بتغير القارئ 
وخبراته» بل باخختئلاف لحظات التخيل التى يمارسها القارئ 


٠. القسية‎ 


بهذا المنظورء تكون دلالة صور إدوار الذهنية أكثر دقة 
وضيقا من صور عدلى. فإن أشار إدوار إلى الجسدانية نفهمه؛ 
بينما صورة عدلى قد توحى بالجسد أو اللحم أو الغريزة أو 
المادةء فى ذهن المشاهد. وفی المقابل» تكون الصورة المرجعية 
التى تخلقها كلمات إدوار أكشر رحابة من صور عدلى. 
فعدلى برسم المرأة ونراها كما أبدعهاء بينما إذا ذكر إدوار 
المرأة فهى تكتسى لحمًا متنوعا بتنوع القراء وتمشلاتهم 
الذهنية. ليست هذه بالطبع مقارنة تقييمية» بل هى نظرة 
سريعة لحدود وإمكانات كل من الوسيطين: التشكيل والشعر. 
- التأويل والتشويش: 

أنخذ إدوار الخراط لوحات عدلى رزق الله ذريعة ليبدع 
قصائد أصيلة يرود بها خيالاته وهواجسه ويروضهاء واتخذها 
محركًا لقريحتهء كماكان قارثًا مؤولاً لها. وقد أفضنا فى 
المقارنة بين التأويلات والمائيات؛ محاولين تتبع علاقات إنتاج 
المعنى بينهاء باعتبار التأويلات نصا لاحتنا للمائيات» بالنظر 
إلى التتابع الزمنى؛ لا بمعنى تقييمى. لكن مقاربتنا تعتمد 


04 


: ااا ص 


و ليد الخشاب 


على حقبة إنتاج النص فى علاقته باللوحات» أى عند إبداعه. 
أما فى حقبة تلقى النصء يختلف الأمر. 

فى كتاب (7 تأويلات /ا مائيات) الذى أصدره 
امجلس الأعلى للشقافة: جد أن قصائد إدوار منشورة دون 
نماذج من المائيات التى أوحت بهاء مما يقطع الصلة بين 
نالات ومنطلقها التشكيلى» ويشوش على القراءة التى 
قدمناها. من يقرأ الكتاب لا يفهم بالضرورة العلاقة الحميمة 
بين القصائد والمائيات؛ لاسيما فى ظل غياب مقدمة 
توضيحية» كما يشوش تعبير «التأوبلات؛ على التلقى فهو 
يستدعى النظر إلى «الأصل» الذى تم تأويله؛ وهو غائب عن 
الكتاب. 

لكن هذا لا يعنى أن قراءتنا سليمة؛ فى مقابل أخرى 
منقوصة» تفتقد حضور العمل التشكيلى. كل ما فى الأمرء 
أن طبع القصائد دوذ المائيات المعنية يخلق علاقات جديدة 
للمعنى؛ بحيث تبدو القصائد عملا مستقلاً تماماء وبحيث 
تبدو المائيات الجديدة المنشورة مع التأويلات نصا مصاحباء 
تولد فى تفاعلها مع قصائد إدوار معنى جديدا. إذا نظرت إلى 
القصائد على أنها عمل مستقل» تخلصت من الرغبة فى 
البحث عن أثر التشكيل فى الققصيدة؛ و ركزت على القيم 
الشعرية وحصائص النص» وإن بقيت بعض المناطق مبهمة 
مثل الإشارات إلى ملامح تشكيلية محددة عند عدلى. 

يفول إدوار فى «نشرة النشيد الكونى؟: «كيف تمع 
بؤرة النظرة فى الجناح لا فى القلب؟» (ص .)4١‏ يصف 
الشاعر هنا بؤرة اللوحة عند عدلى وكيف أن مركزها فى 
الجانب لا فى الوسطء وهو فهم يعززه قراءة دراسات إدوار 
عن عدلى؛ حيث يستخدم مجازى القلب والجناح» بديلين 
عن تعبيرى الوسط والجانب. لكن إذا كان القارئ يجهل 
الباعث التشكيلى على إبداع القصيدة؛ فسيتغير فهمه للنص 


أ ميتعرض للتشويش: إما أن ينظر للحديث عن البؤرة على" 


أنه مبهم وغامض أو يعزو النظرة المعنية إلى موتيفة العين 
الموجودة فى اللوحة اصرف : (حلمة العين البللورية عين 
عضوية» (ص »)4١‏ فينقلب المفهوم من الإشارة إلى نظرة 
المشاهد ليصير إشارة إلى نظرة عين موجودة باللوحة. 

بصفة عامة؛ تعيد المائيات فى الكتاب موقف اللوحة 
وتأويلهاء لأن المائية المرتبطة بالقصيدة تسبقها ولا تليها أو 


۳1. 





تتوسطهاء كأن القارئ ينظر للوحة؛ ثم يقرأ قصيدة عنها: أو 
مرتبطة بهاء علا بان اللوحات رسمت بعدكتابة القصائد. 
لكن عدلى اختار لكل قصيدة ما يناسبها؛ فنجد مثلاً شكال 
يمكن تأوبلها على أنها فخذان يتوسطهما نهد بألوان شفافة 
بللورية (ص )١١‏ تسبق قصيدة «بللوريات الشهرة)› فنجد 
تراسلاً بين الفخذين المفتوحتين والشهوة وبين الألوان الشفافة 
وفكرة البللورية. أما المثل الواضح» فهو مائية تمثل زهرة ذات 
كأسين (ص )١5‏ تسبق قصيدة «زهور المحاياة . 

لأن عدلى رزق الله يتأمل دائمًا هواجس بعينها 
ويغوص فى بحثه الفنى فى موتيفات كثيرا ما تصادفها فى 
لوحاته؛ لم يكن هناك انقطاع بين الفصائد والمائيات 
المصاحبة لها فى الكتاب. فلوحات عدلى المنشورة مع 
التأويلات تحمل الخصائص نفسها التى يشير إليها إدوار أو 
يتذرع بها فى كتابته. فنجد ألوان الشفافية؛ ونجد التناقض 
بين الدكنة والنورء وبين الألوان الصارحة والألوان القاتمة» 
ومجد التشكيل الذى يعتمد على المثلث: كأنه فخذان 
منفرجتان أو هرم أو انفجار كونى صخرىء كما تجد فكرة 
الحياة النابتة من صخرة ما أو من فلقة ماء قد تكون أرضا أو 
فرجاء إلى آخر ذلك من التيمات التى تدل عليها عناوين 
القصائد ويمكن تتبعها بمجرد قراءة سريعة لها. لكن نظل 
هناك نفاصيل كثيرة فى القصائد لا يمكن أن مخيط بها 
مائيات سبع» يجمع بينها أصلاً موضوع مخية إدوار الخراط 
فى عيده السبعينى. كما تظل هناك خطورة إمكان أن يقرأ 
المتلقى قصائد إدوار على ضوء المائيات المنشورة معها وحدها 
فلا يلتفت مثلاً للجسدانية فى «نشوة النشيد الكونى) لأن 
المائية المصاحبة لها غارقة فى الضياء والشفافية والبياض. 

الجميل فى مجربة تجاور المائيات والتأويلات أن المائيات 
نفسها فى الكتاب هى ضرب من التأويل لعالم إدوار 
وشخصه؛ يقوم به عدلى» دون أن يشير إلى أعمال بعينهاء 
بقدر ما يشير إلى خصال وموتيفات جامعة فى عالمه. تحمل 
المائتيات السبع هرما صريحًا إشارة إلى قامة إدوار الفنية 
والأدبية. ويحمل كثير منها فكرة النبتة المنبثقة عن الصخر أو 
الأرض: زهرة» زهرة/ شمعدان كؤوسها أهلة وصلبان؛ نبات 
صبارىء أى الإبداع والإيناع؛ حنتى فى قلب الصخر 


عم لس سحي 


والصحراء؛ أى حتى فى قلب الحياة القاحلة بظروفها 
الاجتماعية والفنية الصعبة. عناق الهلال والصليب نفسه 
معلم من معالم روايات إدوارء يتتجلى صراحة فى (يقين 
العطش) مثلا. أما الأفخاذ والأرحام التى تصادفها فى المائيات 


نتذكرنا بشبقية وجسدانية كتابة إدرار» وهكذا دواليك. 


جربة المئيات المؤوّلة شعر) واللرحات التى تؤول الأدب 


عند عدلى وإدوار تضتح ا محال لشكل جديد من جاوارت - 


الهوامش ؛ 


)إدوار الخراط وعدلى رزق الله: /! تلههلات و۷ مابات المجلس الأعلى 
للثقافة . القاهرة. مارس ١955‏ . 

(؟) بحكم احتكاكه با مثقفين محرنى الكلمة من كتاب وشعراء؛ بمثل عدلى 
رز الله حالة خاصة بين الفنانين؛ إذ كتب عنه العديد من الشمراء نقد 
ونم). لكن اللانت فى علاقته بإدوار الخراط هر غزارة ما كتب الأديب 
الكبير نقدا وشعم) واستمراره على مدار عشر سنوات» من ۱۹۸١‏ إلى 
AAs‏ 

Dominique Combe Les genres littéraires .4ك:‎ jil (F) 

Hachette. Paris, 1998. Pp. 14-16, 

(؛) نفه. كذلك انظر رسالة جوزين جودت عشمان ركتابها عن شعرية 
سنجرر: إذ تعنمد تمريقًا للشعر: الصورة والإيقاع الانفعال؛ رهى نظرة 
تلبق بشدة على عالم إدوار الشعرى. 

() إدرار الخراط طنهان سطرة الطوليا. أصرات أدبية !10 . الهيئة العامة 
لقصرر الثفافة. القاهرة. مارس ٩۹۹٠ء‏ 

)١(‏ تذهب ماجى عوض الله المذهب نفسه فى تناولها قصيدة لوليد منير عن 
لوحة لعدلى رزق الله. انظر ‏ " 
Maggie Awadalla: “Painter in Poetry/ Poet in Paint-‏ 
ing Alif. no 11. AUC. Cairo. 1991. P.162.‏ 

(۷) لتحديد تواريخ اللرحات» اعتمدنا البيانات الموجودة على الكروت التى 
يطبع عليها عدلى رزق الله نسحًا من أعماله. كما اعتمدنا على مازية 
لوحات عدلى بالعدد ١١‏ من مجلة ألف 1451 . وعلى كتب: مانهات 
45 وماليات صغيرة 4 لإدوار الخراط » والوصول إلى البداية 
لمدلى رزق الله. مجمع الفنون» وعلى مفكرة الحلس الومى للطفولة 
والأمومة ١1441‏ بريشة عدلى رزق الله. 

(4) إدوار الخراط: ماليات ٩‏ عدلى رزق الله . القاهرة 1145. ص 
1 
(4)ماجى عرض الله» سبق ذكرهء ص4 ١8‏ 17 . تعتمد ماجى فى 
دراستها على رصد موتيفات محوربة مشتركة بين النصوص راللوحاث 
ال سساءئباء مثل الوردة» القرقع» إلخ. 


الصورة الشعرية وشعرية الممورة 


وتجاوزات ‏ الإبداح فى ثقافتناء وتمهد الطريق لإثراء البصر 
فى عالم عربى يحكمه السمع (والطاعة !) » وتؤكد ريادة إدوار 
فى مجال جديد يضاف إلى رصيده فى مجالات أخرى» 
نپا فی قصائده بمصاحبة لوحات أحمد مرسى تصدر بعد 
أشهر قليلة من ظهور كتابه مع عدلى رزق الله. وها هر يثير 
النقاش والنشاط الأدبى - معه أو ضده ‏ شاعرا؛ مثلما فعل 
روائيا وناقدا. 


)٠١(‏ إدوار الخراط وعدلى رزق الله: 7 تأوبلات و هالهات» سبق ذ ص 
ال 

٠1۸١ انظر: ملزمة لوحات عدلى رزق الله بمجلة ألف» عدد ١١ء ص‎ )١١( 

(۱۲) إدرار الخراط : مائيات 1945 ؛ سبق ذكره؛ ص 1 ٠‏ 

(۱۳) نفسه» ص ٠١‏ . : 

(4١)حسن‏ سليمان: سيكولرجية الخطوط » دار الكانب العربى» المكتبة الثقافية 
ل , مايو 13717؛ القاهرة» ص 7. 

)١5(‏ ماجى عوض اللهء ص 197. ونحن نقترب فى ملاحظتنا من تلبق 
إدوار على لوحات عدلى فى ماليات 19485؛ ص ١٠١‏ 

)1١(‏ انظر: القصائد فى: 7 تأوهلات ول مائهات» سبق ذكره. 

(/1) نفسةءا ص 331. 

Raymonde Debray Genette La pierre 06- انظر مقلا:‎ )۱۸( 

scriptive. Seuil. Paris. 1988. 

1 إدوار الخراط: طفيان سطوة الفولیا› سبق ذكرهء ص‎ )١5( 

. تلوهلات و/, مائيات: سبق ذكره؛ ص‎ 7 )٠( 

(۲۱) إدرار الخراط» «تأويل أول إلى عدلى رزق الله؛؛ مجلة أل » العدد ١١‏ » 
ص لاه 65. 

(۲۲) ۷ نولات و۷ مالهات» سبق ذكره ص 7 . 

(۲۳) نفسه» ص ۳۱. 

(74) انظر أمثلتنا التالية فى: نفسهء ص ٠١‏ . 

(715) نفسهء ص ۸. 

(11)نقسه. 

(۲۷) نفسه. 

(۲۸) نفه» ص ۱٩‏ . 

(۲۹) نفسه» ص .٩٩۹‏ 

۳۰۱) انظر: إدوار الخراط : مالیات ۱۹۸٩‏ ؛ سبق ذكره. 

(۳۱) ماجی عوض الله؛ سبق ذكره؛ ص ١54‏ 118 


LLANES 


الانثى..الاسكندرية..الماؤراء 


سي 


سحر ا موجى* 


0 
تببس 


يشير عنوان ديوان إدوار الخراط ١لماذا؟‏ قصيدة حب) - 
١5‏ إلى أنه ديوان/ سؤال» ديوان/ أسكلة؛ وبمعنى أدق 
هو ديوان/ رحلة بحث ليس ببساطة عن الحب - كما قد 
يوحى العنوان - ولكن عما يمكن أن نطلق عليه الحقيقة - 
اليقين ‏ المطلق. (لماذا؟ قصيدة حب) هو محاولة لتحدى 
الأفن» محاولة الخراط أن يجمع البحرء أن يمسك به كله فى 
قبضته (سؤال من قصيدة «قواقع» أضعه أنا فى شكل تقرير) . 
وتتمحور أسكلة الماذا ؟» حول الأنثى وحول الأماكن: 

يسء الصحراءء قرية ة الصعيد؛ وبشكل أوضح الإسكندرية. 

هدنى من هذه القراءة مناقشة كلا ا محورين وتوضيح أن 
كليهما بالرغم من كونه محوراً وموضوعًا أساسيًا فإنه ليس 
هدف رحلة البحث. أى أن الأنثى - بكل غنى وثراء هذا 
العنصر فى أعمال الخراط بصفة عامة وشعره بصفة خاصة - 
ا سدم 


باحثة وقاصة مصرية. 


5 


تشغل حیزا کبیراء ولکنھا لي ليست مغناطيس الرحلة أء القلب 
الذى يجذب الشاعر نحوه ٠‏ بل هى أداة ة أو وسيلة للوصول إلى 
ما وراء الا ماد بها. هى عنصر ثرى لأنها فى دلماذا؟) جسد 
يشتهى » » ماض دائم الحضور» ؛ أسطورة ة أبدية متعددة الأبعاد» 
بالإضافة إلى كونها حقيقة سيكولوجية وربة ا ا 
ذاتها . والتفكيك الذى أنويه الآن هو محاولة إيضاح أن الأنثى 
فى الماذا؟» نقطة منطلق ومحور) » ولكن إلى أين؟ هذا هو 
سؤالى. 

يدا بها الخراط الديوان حتى قبل القصائد ذاتها. 
ىدها في اقلم . فهى الحبيبة والملهمة التى يدين لپا بالنور 
000 ا ا 
ا روح ونصفى ره يتجسدان بها ا . وكأن فى 
هذا الإهداء نقطة منطلق الديوان تأكيد أنها كل شئ- » 
وكل شئ لها. 


ر م م 


ولنستعرض أولاء بسكل سريع» تعدد مستويات الدلالة 
فى عنصر الأنئى» كما نراه فى الديوان. هى جسد مشتهى: 
«قبلة مشتهاة لن أحققها أبدا 
على وجنة ناعمة 
أو بين شفتين مفتوحتين للحنان». 
ولكنها ليست ببساطة مجرد جسد. فى «إيروتيكا 
مبتورة) : 
«بالامس حلمت أن رأسى المجزوز 
يتدحرج على فخذيك المرتفعتين 
فوق حافة العدم». 


تصف القصيدة مجربة الالتحام الجسدى على أنها: 
«نشوة تتحدى الفناء 
ولا تفنى 


واشتهاء الجسد هنا ليس مجرد ابتغاء الفعل الجسدى 
بل هو بحث عن الخلود/ البقاء/ النشوة التى تتحدى الفناء 
والعدم داخخل هذا الفعل ومن خلاله. 


وهى أيضًا ماض دائم الحضور فى كل اللحظات 

وكأنها تنفى وجود الزمن.. فوجودها إلى جانبه فى باريس 
وجود قائم : 

«هذا لن يعود أبدًا 

لكنه لن ينقضى 

أحس ثقل رأسها الآن 

بعد مرور كل هذه السنوات 

هزه النظرة 

ليست زهرة ذابلة 

لكنها مع ذلك ليست تمثالا 

يتحدى الزمن». 
الزمن إلا أن مفارقة وجودها فى هذا الإطار الشعرى هو محد 
للام.. وف قمعا كة الم أقنع): 


الأنتى الإسكندرية.. الماوراء 


«صوتها الناعم سيالا بالجنس 
يأتينى عبر سنوات من ظلمة الصمت». 
هل هو صوتها؟ أم وهمى؟ 
ييقى؛ بالطبع» هذا الغياب الجسدى الحاضر أبدا فى 
الروح مقت بالشك مثل أسكلة أخرى كثيرة داخخل الديوان. 
والأنئى فى الماذا؟» أسطورية الأبعاد تماماء كما 
يصفها ميخائيل فى (رامة والتنين) : 
«إيزيس... إلهة الحب القديمة والأولى والدائمة. 
العذراء أم حوريس أم المسيح وستنا الطاهرة. 
عشتروت برسيفون هيرا ديميتير أفروديت جماع 
المريمات» الجوهر غير الفانى الزاهية الالوان 


المتلقية الخصاب). 
هی جوهر واحد وإن تعددت أشكاله. يتساءل الخراط 
فى «على نهر الأردن) : 


«هل كان هذا الديك الفخور المتحدى 

إرهاصا مستلفا بديك آخر 

كان شاهدًا على أجمل نشوات جسدى 

وعلى استغراقات روحى 

بين أحضان حتحور رامة المفوية 

طلعت لى من حافة بحيرة قارون 

فى غروب مضرج المياه بحمرة إلهية لا شك 
فيها». 


وارتباط الأنثى بالأسطورة ‏ وبالجانب الإلهى فيها 

بشكل أكثر تحديدا ‏ إنما يكسبها صدق الحقيقة الأبدية 
التى لاشك فيها. حتى إن اختفت أشكالها. إلا أنها حقيقة 
موضوعية؛ قائم وجودها خمارج الذات وفى الوقت نفسه 
داخلها. أى أنها لاتوجد فقط كأسطورة/ حقيقة مكتفية 
بذاتهاء بل تتغلغل داخل اللارعى الفردى لتتوج نفسها 
حقيقة سيكولوجية داخل ذات/ وعى الشاعر. هى أي كان 
اسمها: 

«رامة نعمة نوريس أيا كانت أسماؤك 

حتحور إيزيس لدليث عشتار إينانا 


سحر الموجى 


أى ذاتى الأخرى 
ما زلنا غريبين». 

ا کانت اُسماژها هی ذاته الأخری. ھی ۸۸1۳۹ 
الخراط التى يعنى التحامه معها حياة ذاته المبدعة نفسها؛ لآن 
فى هذا الالتحام ما يسميه عالم النفس #8نال.0.6© عملية 
الاكتمال النفسى؛ أى ععملية التصالح بين وعى الفرد 
ومحتويات لارعيه وانتقال الصور الموروثة 5٤م‏ زا٤1٤۸‏ من 
مجال اللاوعى إلى دائرة الوعى؛ ومن هذه الصور صورة 
الأنثى. من يمر بعملية الاكتمال النفسى هذه ( كما توضح 
فربدا فوردام) «يصبح واعيا بتفرد ذاته فى اللحظة نفسها التى 
يدرك فيها أخوته مع كل الكائنات الحية وحتى مع الجماد 
والكون ذاته؛ . ويشير هذا التفسير إلى أهمية الاكتمال؛ ليس 
فقط على المستوى الخاص للفرد ولكن أيضًا على المستوى 
العام؛ لأنه الطريق إلى الوعى الناضج المكتمل العميق بالكون 
بأسره . 

ويجدر هنا أن أشير إلى ارتباط هذا المفهوم برحلة بحث 
الخراط كما أراها فى الاذا؟؛؛ حيث إن هذا الاكتمال مع 
الأنثى بداخله ما هو إلا حلقة فى رحلة البحث تقود إلى ما 
ورائها. الاكتمال يعنى تدفق الذات المبدعة فى دائرة البحث. 
وهذا ما يشير إليه الخراط عندما يصرح أن تدفقه الإبداعى 
كان وما زال فى قمته بعد أن خرجت رامة للحياة فى (رامة 
والتنين) . 

ولكن هذا الاتتحام لیس سهلا ولا نهائيًا لأنها 
«الأنثى؟ مراوغة مثل الحقيقة تماماً: 

«تظلين على قربك الحميم - 
كما لم أقترب من أحد فى هذا العالم قط - 
غريبة عنى». ٠١‏ 

ی ور کت ر 
جسدية/ روحية؛ ماضيا حاضراء أسطورة؛ حقيقة سيكولوجية 
0 ربة إلهام» ترتبط ارتباطاً عضويا بإسكندريته؛ تخرى فى 
عروقها وتتخللها وتغير من لونها «مثل الخمر فى الماء؛ (كما 
تعبر كاترين ايرنشو عن جربة مختلفة فى رواية إيميلى 
برونتى «مرتفعات ويذرغ)). الإسكندرية لا يمكن أن تكون 
مجرد مكان بل هى كيان أنثوى طاغ الحضورء نابض بحياة 


54 





أبدية متعددة الأبعاد» متعددة الأزمنة وفى الوقت نفسه خارج 
إطار الزمن. وهذه الخاصية هى ما يؤكد الخراط وجودها فی 
الكتابات الأدبية الأصيلة عن الإسكندرية. تلتحم الأنثى بكل 
أبعادها مع الإسكندرية بشكل يصعب معه الفصل بينهما: 


اک اا ن 
مصابيح الشوارع فى الإبراهيمبة وكامب شيزار 

تومض فى نور الفجر الصامت المكبوت 
صلصلة أجراس الكاتدرائية المرقسية 

وكنيسة العذراء فى محرم بيه 

كراس' قن اتباء الامتكد رن الشطون 

لم تنفجر بعد حموة الصباح 

أم هو ضحية ديونيزية لا بعث لها ولا 


ن ؟« 


سور 
وفى هذا المكان محديد تصرخ العابدات رغبة فى فعل 
الحب. وفى هذه القصيدة «قدسية أخرى» نرى التحام الأنوثة 
مع الإسكندرية» وكأن المكان ينبض بصفات ومشاعر حسية 
شبقية فى اللحظة ذاتها التى يلتحم فيها هذا الجو الديونيزى 
مع صلصلة أجراس كنيسة العذراء والكاندرائية المرقسية. 
تنصهر الأضداد فى حرارة فرن الكيميائى القديم ليخرج لنا 
بعنصر جديد نفيسء وإن كان من الصعب تسميته. 
فى قصيدة أخرى (إيروتيكا بحرية؛ تصبح الإسكندرية/ 
الأسطورة أنثى حية تلتحم مع الشاعر التحاما؛ جسديا/ روحيًا 
فى «سطوة ديونيزية؛؛ وكأن عملية الاكتمال النفسى 
(السابق ذكرها) تتم أمام أعيننا مع الإسكندرية/ الأنثى: 
«القبلة المسكرة لا تنحسر خمرتها 
متقدة ومبلولة بالحنان بعد مرور السنين 
بينما اليدان تطوقان خصر الإسكندرية الرقيق 
الموسيون ما زال عامرًا بالآلهة 
قبرص ليسبوس وديلوس فى متناول العناق». 


والاسكندرية/ الأننى هى أيض) الوطن وإن كان منفى: 
«وطنى بين ذراعيك الناعمتين, بين ساقيك, 


أين وطنى؟ 


ااه سس الأنئى الإسكتدرية.. اللوراء 


يومى غربة لا تنتهى, هكذا قلت لنفسى كثيرًا 
طال بى المنفى». 


هى الوطن كما يؤكد الخراط ذاته عندما يقول: 


«الإسكندرية فى ذهنى... هى مصر كلها. تتميز 
بالاخعلاف الذى يشكل تناغمًا. هى غنية 
بالعديد من الموروثات الثقافية التى ليست فقط 
مفارقة ولا تاريخية ولكنها لا زالت مخوى طاقة 
فعالة) . 


وهذا الموروث الثقافى امحتلف المتناغم الذى هو ليس 
بيبساطة مصدر إلهام» بل مصدر تشكيل للذات المبدعة 
للخراط. هذا الموروث الشقافى هو الذى يقودنا وراء الخراط 
فى رحلة البحث من الإسكندرية إلى البحث المعرفى » الر كض 
وراء شبح الحقيقة المراوغ. 
غالبا ما تقترن لحظات الالتحام مع الأننى أو 
الإسكندرية بلحظات الشك والتساؤل (كما أشرت سابقا فى 
قصيدة الم أنتنع! وفى قصائد أخرى) : 
«هل أنا أعرفك؟ يا للسؤال 
نعم. أعرفك. 
وتظلين على معرفتى - غريبة عنى». 


فى الماذا؟» يكمن دومًا وراء الالتحام؛ أو الرغبة فى 
الالتحام شغف السؤال» حرقة الوصول إلى الحقيقة: 


«لست أنا الذى لم يصل قط 

إلى حقيقتك 

إلى حقيقته : 
لست أنا الذى وجد فى عينيك 

خلاصا لم يتحقق قطء. 


وتكرار النفى فى هذه القصيدة لست أناء إنما هو 
تأكيد أن الشاعر هو بالذات الذى لم يصل إلى الحقيقة ولا 


« مجلة القاهرة, عدد ٠86١ء‏ مايو 1558. 


هدنًا فى حد ذاتهاء بل هى وسيلة؛ عتبة لابد أن يتخطاها 
ليصل إلى ما وراءها ‏ الحقيقة والخلاص. 

والماوراء وحرقة الإمساك به لا يشغل المساحة التى 
يشغلها محورا الأنثى والمكان فى «لماذا؟؛ ولكنه هناك طوال 
الوقت مح ركا أساسيًا وراء رحلة البحث يظهر فى محات. هل 
نصدق الخراط مثلا عندما يقول فى نهاية «دوار خفيف فى 
الصباح؛ : 


«آلهتى ‏ من زمان ‏ قد هجرتنى». 


دما من إله رحيم». 


«لن يكون ثم لقاء تحت العرش الإلهى 
بل ضياع على هذه الأرض 
دون خلاص». 


قد توجد شكوك لا تتعلق بجوهر الوجود الإلهى؛ 
ولكن بشكل أو الإطار الخارجى لهذا الوجود. الجوهر قائم لا 
يمس وإلا ما كانت هناك رحلة بحث من الأساس. أتفق مع 
وائل غالى* عندما يصف إله الخراط بأنه «إله مجهول الهويةء 
لأنه متراكب الدلالات الدينية والفرعونية والمسيحية واليونانية 
والرومانية والجاهلية والإسلامية». ولكنى أرفض أن ينحصر 
هذا الإله فى إطار الإرادة الجسدانية؛ حالة من حالات 
الشهوة» مجرد نقطة زمنية» وبكلمات غالى: الحظة من 
لحظات الإرادة الشبقية التى تتعلق بها الإرادة» وهى فى ذروة 
الشهوة؛. إن كان هذا صحيحا فلماذا تستمر معاناة السؤال 
ولا تنقطع الرغبة فى الوصول إلى ما وراء النشوة» رغم تكرار 
التجربة (تجربة الفعل الحسى) فى شعر الخراط» إلى درجة 
يصبح معها الفعل بمستوياته الحسية هو القصيدة ذاتها بلا 
أنفصام» وكأن القصيدة هى فعل الحب ذاته. لماذا إذنْ يتجدد 


سحر الموجى 


السؤال وتبدأ دومًا دورته من جديد. لابد أن هناك شيئًا آخر 
وراء القصيدة. إنه اشتهاء الحقيقة:؛ اليقين الذى لا يملك 
الخراط إلا أن يكون الشعر وسيلته: 

«حتى الشعر لم يعد ينفع الغلة 

ولا يروى عطشًا مقيمًا أوليًا 

هو اليقين الوحيد؛ أو يكاد». 


وكأن الشعر ليس مجرد التعبير عن رحلة البحث عن 
المطلق وإنما الرحلة ذاتها. ويقى اليقين الوحيد هو عطش 
السؤال» أى اللايقين. 

قد يختار أبوللو «إله المعرفة» عنوان الديوان الماذا؟» 
محددا شكله بوصفه رحلة معرفية وقد يحدد ديونيزيوس مسار 
الرحلة داخل شرايين الإسكندرية وفى الرحم الانشوى وثنايا 
الحسد»› ولكن أبوللو وديونيزيوس » ماهما إلا الوسيلة لا 
الغاية. الغاية هى اقتناص «لحظة كالأبد (عصفور سخن» أو 


کک 


نشوة «فوق حافة العدم» (إبروتيكا مبتورة) . الغاية المستحيلة 
الملمكنة فى «لاذا؟» هى الجوهر/ المطلق/ غير الفانى. 

بالرغم من الاختلاف الواضح فى المستوى الفنى بين 
قصائد الخمسينيات وقصائد التسعيئيات (حيث تتخلص 
القصائد الأخيرة من الطول الشديد والتكرارء تتكئف التيمات 
وتخفت حلدة السنتيمنتالية) فإن وجود قصائد الخمسيئنيات 
ضرورى احيث إنه يؤكد استمرارية رحلة البحث التى بدأت 
قبل أربعين عامًا. تمضى السنون وتختلف الصيغة الفنية 
وشكل السؤال؛ ولكن الخراط يظل يسأل بالحرقة نفسها 
واللرعة نفسها والمتعة نفسها والرغبة فى الوصول إلى الحقيقة 
والخوف من نهائية الوصول إليها والأمل أن تتجدد الرحلة 
ليعود من جديد إلى نقطة البداية؛ لأن فى هذا الشكل 
الدائرى للبحث (العودة دومًا إلى البدايات) الضمان 
لاستمرارية الذات المبدعة حية؛ نابضة؛ صارخة من قسوة 
الألم وقسوة المتعة. 





5 





الا ابيا تا ااا ااال 


ملاحظات على أعمال 
إدوار الخراط 





سامى على”* 


اسه 


إننى على صلة وثيقة بإدوار الخراط فهو صديق من أيام 
الطفولة. والمناخ الذى استعاده فى كتابته مناخ شاركنا فيه 
ممّاء ومسيرته الروحية لاتزال قريبة جدا من مسيرتى» وإن 
كانت وسائل التعبير عندناء وخبراتناء مختلفة فى المكان» 
وفى الخصوصية. ومع ذلك فإن هناك شينًا مشتركا بيننا فى 
العمق؛ ولعل ذلك هو الذى يتبح لى أن أقول شيئا عن تطوره 
الشخصى باعتباره كاتباً. 

ذلك أن نصه من الصعوبة بمكان» رهى صعوبة تعزى 
أحاسًا إلى لغة جديدة بالنسبة إلى اللغة العربية الكلاسية أو 
غير الكلاسية؛ أى أنها لغة مبتكرة للغاية وتظل قريبة للغاية 
من أصولهاء فهى قد تغلبت على تلك العقبة الأولى فى كل 
مسعى لكتابة الرواية بالعربية» أعنى بها عقبة الاختلاف 
الجذرى بين العربة المكتوية واللغة ا حكية؛ فهما سلمان أو 


+« باحث ومترجمء مدير مركز البحوث ألنة التفسجسمية :-اممة باريس٠‏ 
اجاور ا س 


ديوانان منفصلان تمامًاء ما يفضى إلى أن الانفعال لا ينتقل 
إلى اللغة المكتوبة» ذلك أن الانفعال هو دائما متصل باللغة 
امحكية: باللغة الأم أو لغة الأم؛ أى أنه يمر أولاً وقبل كل 
شع عبر الجسد. 

إن العمل الأولى عند إدوار الخراط هو خلق لغة تتجاوز 
هذه الثنائية. يمكن أن جد القيمة الانفعالية لكلمة بعينها › 
بينما تضيع هذه القيمة إذا ما عبرنا من لغة محكية إلى لغة 
العلم. إن القيمة التعبيرية لكل كلمة تتوقف على علاقتها 
بغيرهاء وعلى إمكان أن تنتقل هذه العلاقة عبر لغة الام التى 
هى دائمًا لغة جسدانية. وهو ما نراه مثلا فى روايات جیب 
محفوظ؛ فهى روايات مصرية بسياقهاء وبإلهامها الواقعى؛ 
ومع ذلك؛ فإننا نتدقل فى الحوار عند جيب محفوظ من 
اللغة الحكية إلى العربية الكلاسية تما يخلق فجوة لا تصدق» 
وهى فجوة يمكن أن نلحظها فى الترجمات الفرنسية التى 
احتفظت با مستوى التعبيرى نفسه. 





سامى على 


أما عند إدوار الخراط فهو ينمى لغة ‏ ولا أقول أسلوبا - 
تتجاوز هذه الثنائية؛ وهى لغة يمكنه أن يدمج فيها العامية 
المصسرية؛ دون أن يحس المرء أن هناك انقطاعًا أو أن هناك 
اتتقالا إلى لغة أخرى. ومن ثمء فإن الحساسية البالغة فى 
أسلوبه تجعله قادر) على أن يجد فى اللغة العربية آثار اللغة 
الحكية؛ دون أن يكون فى هذا الكشف نوع من ل الذراع أو 
اتنشويه للأجرومية أو للمعجم. فهناك؛ إذن؛ بحث عن 
الأصول فى اللغة العربية وعن إمكان العثور على الجذور 
المشتركة بين لغة الكلام ولغة الكتابة» فى لغة تتوسط الجسد 
وتعبر دائمًا من خلال الجسدء وهو ما أجد أنه فى مركز 
عمله الشخصى؛ وفى الأدوات التى وجدها ليعبر عن شئء ما 
يطل دائمًا ما بستحيل التعبير عنه» شى يتجاوز كل لغة» 
وبهذا المعنى فهو شئ شعرى ولكنه شعر لا يضاف إلى 
العمل إضافة خارجية؛ بل هو فى قلب العمل الأساسى. عند 
إدوار الخراط هذا الهدف؛ هدف الوصول إلى ما لا يمكن 
قوله من خلال ما يمكن قوله؛ وإعادة تكوينه عبر تخرية 
شخصية بالغة الثراء؛ وهو ما يتأتى دائمًا من خلال خلق 
لغوى . 

أول مجموعاته كتاب بعنوان (حيطان عالية) ا 
ترجمتها إلى الفرنسية ب «عالية هى الحيطان» - وهى 
مجموعة قصص قرأناها مما وهى مخطوطة. فى هذه القصص 
يوجد هذا الهدف الأول: التغلب على الفرق بين لغة الكلام 
ولغة الكتابة العربية» ومع ذلك فهناك البنية الكلاسية؛ أى أن 
هناك فرقًا بين المكان والزمان و الشخصية القصصية. 
فالشخصيات توصف هنا فى إطار؛ والإطار يوجد ببساطة لكى 
يحتوى على الشخصيات ويدعمها. 

أما بعد ذلك مباشرة؛ أى بعدة سنوات؛ فى المجموعة 
الشانية لقصصه (ساعات الكبرياء) ؛ فإننا نرى على الفور 
اختفاء الفرق بين الشخصيات و المكان والزمان» ومن ثم فهو 
يتجه فى كتابته على نحو مطّرد إلى وحدة؛ إلى تكامل لكى 
يضم أبعاد) أخرى من المكان والزمان, ما يؤدى إلى جوهر 
الشعر نفسه. 

العنصر الروائى هنا يظل عنصرا مصاحبًا. إن مركز 
الأهمية يتدقل بسرعة من المحتوى الروائى بالمعنى الكلاسى 


TWA 





للكلمة؛ إلى رؤية تتركز أساسًا على المكان والزمان. وبعد 
ذلك بقليل جد (ترابها زعفران)؛ أى مد كماباً يدور فى 
الموضوع نفسه؛ الموضوع هنا هو حبرة الزمنية والمكانية. إن 
كل الخبرة المستعادة فى هذا الكتاب من أوله إلى آخره؛ وقد 
أعيد خلقها من خلال اللغة نفسهاء بالغة الحساسية وبالغة 
الجسدانية» خبرة تعيد لغز الذاكرة» بالانتقال من الحاضر إلى 
الماضى المزدوج المستوى فى الطفولة والمراهقة؛ ولكن الذى 
يتكلم إنما يضع نفسه فى المستويات الثلاثة فى الوقت نفسه» 
وابتعاثه هو ابتعاث الذات الثى تتضاعف» فى الوقت نفسه 
الذى يعضاعف فيه الموضوع؛ أى أن الأمر يتعلق هنا 
باكتشاف وتنقيب من خلال لغة تشير إلى تنوع واختلاف 
الخبرة بالعالم الذى يعاد خلقه؛ وفى خلال هذا التدوع ييقى 
شئ ما يتجاوزه؛ ويقع فيما وراءه؛ وينتمى إلى الخبرة 
الصوفية. 

الخبرة الصوفية هنا تندمج فى الصوفية العربية» أى أنها 
صوفية جسدانية» فليس هنا مرة أحرى ثنائية وتضاد بين 
الروحانى والجسدانى» بل إنها تظل صوفية جسدانية تشتمل 
على الحواس جميعا وترحدهاء ولا توحى بأن هناك تضاها 
بين المستويات الممتلفة. وليس من قبيل الصدفة أن الرواية 
العظيمة الأولى التى أعمل فيها إدوار الخراط هذه الرؤية» من 
خلال ابتعاث كتاب كامل حول موضوعة بمينهاء؛ تنشهى 
بأبيات من شعر الحلاج تنصل بالتنين. وليس من قبيل 
الصدفة أيضاً أن عنوان هذه الرواية هو (رامة والتنين) . 

ما أريد أن أقوله إن هناك ملمحًا أو سمة خاصة؛ لا فى 
الأدب العربى وحده بل فى الأدب العالمى كلهء هو أن هذه 
الرؤية التى توحد بين الحس والروح؛ مجنح نحو البحث عن 
الوحدة فى شئ ما يتجاوز الخبرة الشخصية» ويتجاوز قبل كل 
شئ مستوى علم النفس. 

أريد أن ألح على تسيان بعض خمصائص أسلوب إدوار 
الخراط» النقطة والشولة؛ وهو أمر مهم بدا أنه من التفاصيل 
التى لا دلالة لها فى العربية. فأسلوب إدوار الخراط يتحدد 
بالنقطة والشولة؛ وذلك على نحو لا عقلانى وخاص 
وشخصى. ففى الفن الكلاسى كما تعرفون ليس هناك 
تنقيط. إن التنقيط حركة عقلية بحتة أى أن فهم الجملة 


مي ص ملاحظات على أعمال إدوار الخراط 


يتطلب الوقوف فى لحظة معينة. أما هناء فإن استغلال النقطة 
والشولة قد أتاح للمترجم أن يكتل مجموعات من الجمل 
لكى تكون جسم واحدا؛ وهذا أمر مهم. 

هناك اقل أرق حت أن اير اليه اهن ان 
الأسلرب نفسه فى كتابته بالعربية؛ يميل أحيانًا إلى إعادة 
خلق هذه الوحدة حيث تمتزج الأشياء وتشتبك»» أى تتخلق 
باعتبارها جسدا موحداء وذلك باستخدام كلمات الجناس؛ 
كلمات يتكرر فيها حرف بعينه» أحيان) يجد الكاتب نفسه» 
لدهشته؛ وقد استحوذت عليه هذه الجمل التى تأنى كأنما 
كل الجمل جملة واحدة؛ إلى هذه الدرجة جد أن الكلمات 


تخترق بعضها بعض) وينفذ بعضها إلى بعضء ما يخلق صورة 


كاملة حيث جد أن الكلمات امختلفة تعيد إنتاج هذه الرؤية 
التى تنفذ الأشياء فيها من بعضها إلى بعض وحيث الأشياء » 
فيما وراء التنوع والاحتلاف» تهدف إلى شئ ما موجود 
باستمرار وغائب باستمرار. 

البعد الشبقى» هناء يمثل ذلك البعد من الرؤية»؛ حيث 
الغياب حضورء والحضور غياب. 

أعتقد أن بعد الذاكرة هنا إنما ينبع من هذه الرؤية؛ 
وهى رؤية جد فيها أن الزمنية شائقة جدا وأساسية جداً. ومع 
ذلك فهى زمنية تنفى الزمنية. 

إننا جمد فى كتابته كلها هذه الزمنية التى هى نفى 
للزمن وإدراك لأبدية ما. 


وهناك صور فى غاية القوة ولكنها تمضى فى ذلك 
الاتجاه نفسهء من ذلك صور الطيران؛ فإن هناك فى هذا 
الكتاب أهمية كبيرة للأشياء التى تطيرء وللأشياء التى 
تسقطء ومن أقرى الصور فى الفصول الأخيرة صورة تلك 
الفتاة المراهقة التى تنتحرء مما أوحى إلى بالصورة التى تأتى فى 
الأحلام أحياناً: صورة سقوط لا ينتهىء أى فى زمن لا 
ينتهى؛ هو زمن السقوط» وفى الوقت نفسه زمن التحرر. 

أريد أن أوضح ما أعنيه بالمكان والزمان فى رحلة هذا 
الاكتشاف للذات وللعالم» فمن الواضح أن الماضى والحاضر 
شئ واحدء كما أن لغة الكلام ولغة الكتابة شئ واحدء كما 
أن الجسد والروح شىء و احد» والإلهى وغير الإلهى شئ 
واحدء فى هذا كله مجاوز نحو حد من الصعب الاقتراب منه» 
حد يقترن فيه الشعر والصوفية؛ وهى صوفية لا تنفى الجسد 
بل ترمى بجذورها فى الجسدء أريد أن أشير إلى أن الزمنية هنا 
زمنية لحظية فورية مما يعطيها بعد) أخر غير بعد الزمن 
السيكولوجى . 

وفيما يتعلق بالمكان فإنه مكان لا تفاصيل فيه ولا 
كلية فيه » فى آن أى أنه مكان تصبح فيه التفاصيل كلية؛ 
وتصبح الكلية فيه تفصيلا من التفاصيل» ويكفى أن أشير إلى 
عناوين الفصول؛ إذ إن هذه العناوين ليست إلا تفصيلات 
دقيقة صغيرة من داخل جسم العمل. هناك إذنء حول 
للواقع عبر رؤية أحرى للمكان ورؤية أخرى للزمن لا يمكن 
فصلهما عن عمل إدوار الخراط. 








س ا 


الهيئة المصرية العامة للكتاب 





بالفاهسرة  ۲٦۰١‏ شارع شریف ت ٥۷۹1۱۲:‏ 
Tg 1‏ د كما 
0ك بحي يدان عرابى ت : 0 . . 5ب 
© تتتاراع المستييان ت : 11١1817‏ 
#اليسِاب”الأحخضر بالحهسين ت : 117114107 

والمحائسات © دمنهور شارع عبد السلام الشاذلى ت : 51٠١8‏ 
© طنطا ‏ ميدان الساعةت : 5558 
© المحلة الكبرى ‏ ميدان الحطة :۲۴۷۷ 
© الجخ ؤرةة » شارع الثورة ت : 1115 
© الحيزة  ١‏ ميدان الحيزة ت : ١5١١1١‏ 
ِ المنيا شسارع أبن خصيب ت : 7١57‏ 
© أسيوط. تسارع الجمهوريةت : ؟؟.؟ 
© أسوان ‏ السوق السياحى ت : ١5١7٠‏ 


أل سكا راسة : ؟: شارع سعد زغلول تليفون : ۲۲۹۲۰ 
« المركز الدولى للكتاب 


AAA. جح ب‎ gill |. [1| 5 2 د‎ A 





2 


7 


کی 


يل ر 
a e‏ بز الس ية الفا للقتاب 


س 


۳